دولــة الفـونج الإسـلامية-عمـارة دونقس

Quote: المسيحية في السودان تعود معرفتنا للعهد المسيحي القديم للحفريات التي أسبقت قيام السد العالي . أزاح الكشاف الستار عن كثير من الكنائس والمعابد المسيحية والتي تركزت بشكل واشح في المدن وعلي النيل الشئ الذي جعل بعض المؤرخين يعتقدون بأن الدين المسيحي كان دين الحكام والنبلاء واللشئ الذي يعزز هذا الرأي هي أننا لم نجد كنائس أو معابد بعيدا عن المدن او في السهول السودانية حيث يوجد الرعاة والزراع. يقول الأب جوفاني فاتيني بأن المسيحية دخلت السودان في أواخر عهد الدولة المروية وأن أول سوداني إعتنق المسيحية هو وزير خزتنة الكنداكة ملكة مروي عام 311م (1 . ويضيف فاتيني أن المكتشفين (W0B0 Emegy) و (L0P0Kirwan) وأثناء حفرياتهما بين عامي 1930م- 1933 وجدا في منطقة بلانة السودانية الواقعة علي الحدود المصرية بعض المقابر لملوك يرجع تاريخها لعام 500م وبها بعض التحف النحاسية والفضية وجميعها مختومة بالصليب. وفي حوالي 390م زار الكاتب روفنيست في صعيد مصر ولاحظ فيها وجود بعض الرهبان الأثيوبيين من المناطق جنوب حدود مصر . (19) وهكذا يخلص الكاتب إلي أنه كان هنالك نفوذ مسيحي عندما بدأت الدولة المروية في التدهور في النصف الأول من الألفية الأولي وهذه توافق فترة إنتشار المسيحية في مصر . الشئ الذي يعضد هذا الرأي هو وجود علاقات تجارية قوية بين مصر وبلاد السودان في ذلك الحين . بعد إنهيار المملكة المروية في حوالي 350م إنقسم السودان إلي ممالك ثلاثة:- 1) نوباتيا وعاصمتها فرس 2) المغرة وعاصمتها دنقلا 3) علوة وعاصمتها سوبا 14 كيلو جنوب الخرطوم كان ملك نوباتيا وهو جغرافيا أقرب الملوك إلي مصر يرسل رسله إلي القسطنطينية بعض المبشرين المسيحيين (20) وتقول الكتابات أن جستنيان أرسل مبشرين من جانبه إلي نوباتيا كما أن زوجته ثودورا أسرعت خفية بإرسال مبعوثيها إلي نوباتيا والسبب في ذلك هي أن جستنيان كان كاثوليكيا وأن ثيودورا كانت تعتنق المذهب الأرثوذكسي . كذلك وصل مبشر مسيحي آخر إلي مملكة علوة حيث إستقبله الحاكم في العاصمة سوبا وتمت مهمته التبشيرية بنجاح شديد أننا نجد إلي يومنا هذا مخلفات كنائس ومعابد مسيحية بسوبا وهذا ما تبقي من الدمار الذي أصاب سوبا عندما هاجمها عمارة دنقس وعبد الله جماع عام 1504. تميزت فترة المسيحية في السودان بالإستقرار الأمني وتعلم بعض الأهالي القراءة والمتابة ، كما إنتعشت التجارة مع مصر وأحيانا مع الحبشة وكلاهما سيحنان وقتئذ وقد إمتدت الفترة المسيحية من عام 500م إلي عام 1504م أي إمتدت قرابة الألف عام . تعضيدا للمقولة التي سلفت بأن الدين المسيحي طوال العشرة قرون التي سادها بالسودان كان دين الحكام والنبلاء والخاصة ، نجد أن حملة عمارة دنقس وعبد الله جماع العسكرية علي العاصمة المسيحية قد قضت علي شافة الدين المسيحي والذي لم يكن يعتنقه أهل بلاد السودان من العامة وهم الغالبية مقارنة بمن كانوا يمارسون الشعائر المسيحية . يتضح لنا من ذلك أن احد عوامل نجاح ثورة الفونج علي المملكة المسيحية هي جاهزته سكان بلاد السودان لحكم إسلامي بعد أن رسخ في نفوسهم كعقيدة ومبدأ قبل هذه الثورة بزمن طويل. بالرغم من خراب سوبا وبقية الممالك ، إلا أننا نجد الدين المسيحي يكاد يكون الدين الثاني في السودان من حيث العدد بعد الإسلام كما أن هنالك ديانات أخري خلاف هاتين مثل الوثنية وعبدة الكواكب ... إلخ بالرغم من الإختلاف في المعتقد إلا أن هذا الإختلاف لم يكن سببا للإحتراب بين طائفة وأخري في يوم من الأيام . السودان في عهد السلطنات 1504 - 1821م أهم مميزات هذه الفترة هي الإرتباط والتداخل بين ثلاثة من الظواهر المختلفة . أ) إنتشار الإسلام كدين فيما يعرف حاليا بالقطر السوداني . ب) إنتشار العناصر العربية السلالية والثقافية ويشمل ذلك إنتشار اللغة العربية وتعريب القيم والعادات . ج) ظهور وإنتشار المؤسسات السياسية والإجتماعية والإسلامية في شكل سللطنات ومشيخات . كما أن هنالك ملاحظة أخري هي أن المناطق التي تكون السودان الحالي كانت متصلة ومتداخلة في تكوينها الثقافي والإجتماعي بالرغم من تفككها الإداري الذي حال دون قيام دولة موحدة حتي عام 1821 م بعد غزو الأتراك للسودان. عندما فتح المسلمون مصر ودانت لهم بدأت الإشتباكات بينهم وبين النوبة في شمال السودان وفي عام 642 قام المسلمون بحملة كبيرة في بلاد النوبة بقيادة عبد الله بن أبي السرح والي الخليفة عثمان إبن عفان وإنتهت الحملة بعقد إتفاقية بين الطرفين المتحاربين عرفت بإتفاقية البقط (21). لقد حكمت هذه الإتفاقية علاقة النوبة بالغرب المسلمين حتي نهاية الربع الثالث من القرن الثالث عشر الميلادي ومع ذلك كانت تتعرض الإتفاقية من وقت لآخر كما حدث في عهد المهدي العباسي أو المعتصم عندما زاره ملك النوبة وإتفق معه علي دفع بقط سنة عن كل ثلاثة سنوات . سمحت هذه الإتفاقية بالحركة للسكان بين البلدين تجارة وسياحة ومنافع أخري . وبدأت بعض الأعراب في حيازة الأراضي في بلاد النوبة والإستقرار فيها إذ كانت الأحوال السياسية والمعيشية مستقرة نسبيا في السودان أكثر منها في مصر وبدأت المصاهرة والمعاملات بين الشعبين في إتساع وأخذ الإسلام واللغة العربية في الإندياح رويدا رويدا . قامت دولة المماليك في مصر في الفترة من 1251 نهاية القرن الرابع عشروكانت هذه الدولة أكثر الدولة الإسلامية حرصا علي بلاد النوبة وبعد مناوشات عديدة تمكن سلطان المماليك من تجريد حملة علي المقرة عام 1276م وهرب ملكها داؤود الثاني ونصب المماليك إبن أخت الملك شكنده في مكان داؤود بعد أن أبرم المماليك إتفاقية قاسية مع النوبة تقضي بدفع جزية عن كل شخص من النوبة لم يعتنق الإسلام (22). موجز لتاريخ سلطنة سنار 1504-1821: حكم سلطنة سنار حوالي خمسة وعشرون سلطانا في فترة لا تزيد علي الثلاثة قرون ويمكن تقسيم السلطنة الى أربعة مراحل : المرحلة الأولى : - تبدأ بعمارة دنقس المؤسس وتستمر طيلة القرن السادس عشر حتى 1602 وهى فترة تأسيس واستقرار من ناحية النظم والقواعد والعلاقات الداخلية والخارجية والحدود الجغرافية . المرحلة الثانية : - تبدأ بالسلطان عبد القادر بن أونسة وقد تميزت هذه الفترة بالاحتكاك الحدودي مع الحبشة وانفصال الشايقية وشهدت كذلك حسم تمرد العبدلاب ومقتل زعيمهم الشيخ عجيب الكافوته كما شهدت غزو السلطنة لأراضي مملكة تقلي ولمناطق الشلك والدينكا وجلب أعداد كبيرة منهم وتوظيفهم حول مدينة سنار الشيء الذي أثر في التركية العرقية للسكان والجيش . علي الصعيد الثقافي ازداد تدفق العلماء والمتصوفة وتأسيس المراكز العلمية الاسلامية والمتصوفة . المرحلة الثالثة : - تبدأ في 1692 حتى 1716 وقد تميزت هذه الفترة بدخول البعثات الدبلوماسية والتبشيرية أراضي سنار في نمطريقها الى الحبشة وكانت تلك الفترة تصعيد في التنافر بين سنار والحبشة وانتهت بغزو الأخباش الذين وقفوا على مشارف العاصمة سنار الا أن جيش سنار ردهم مهزومين . تميزت هذه الفترة أيضا بشدة الصراع بين سلطنة سنار وسلطنة الفور علي اقليم كردفان . المرحلة الرابعة 1762 - 1821 وهنا سيطر جميع الوزراء علي الدولة وانتهت هيمنة السلطان مما أثر علي تماسك الدولة التي دخلت في حالة من الفوضى الشاملة ولم تتمكن حتى من مجرد التفكير في رد الغازي التركي (23) تركية الجيش : بدأ الجيش في مملكة سنار جيشا قبليا وكان الفونج رعاة بقر لذا كانوا شديدي اليأس وكان الجيش يتكون من ثلاثة فرق : أ) خيالة وهم راكبوا الخيول وهى مقدمة الجيش ب) أبالة وهم راكبو الابل ج) مشاة أما الأسلحة فكانت سيوف وخناجر ورماح . عرف جيش الفونج الرتب العسكرية مثل عقيد الخيل ومقدم الخيل وأمين الجيش أي القائد الميداني . النظام السناري لقد قام النظام السناري واستمر علي أربعة أركان أو محاور : - 1) السلطان وجيشه وحاشيته 2) المشيخة في الأقاليم أو بمفهوم اليوم الادارة الأهلية 3) الطرق الصوفية حيث كان لزعماء الطرق كلمة نافذة وسطعة لا يمكن اغفالها . 4) التجارة . لقد انفتحت سنار على العالم الخارجي عن طريق ميناء سواكن علي البحر الأحمر وطريق دنقلا - أسيوط والطريق الغربي المعروف بدرب الأربعين وهو يمتد من شندي على النيل الى كردفان ودارفور ثم عبرهما الى غرب أفريقيا ثم طريقا آخر يتبع النيل الأزرق نحو الجنوب الشرقي حتى بلاد الحبشة . كان اقتصاد سنار يقوم على نظام المقايضة وأن معظم الأجور كانت تدفع اما ذرة أو دمور محلي بفتة الا أن بعض المؤرخين الذين زاروا سنار في أواخر عهدها تحدثوا عن وجود بعض العملات الأجنبية التي جلبها التجار من خارج السودان مثل الدولار الأسباني وعملة البندقية (segvin) (24) *******