محسن خالد في بيتنا ....

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 03:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الاديب محسن خالد(محسن خالد)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-16-2006, 10:50 AM

garjah
<agarjah
تاريخ التسجيل: 05-04-2002
مجموع المشاركات: 4702

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد في بيتنا .... (Re: doma)

    اختي الصغيرة

    القلب العامر بحب الخير

    اليك هذه القصة لمحسن خالد وهي من الكتابات التي لا أمل قراءتها



    عيد المراكب




    النهر كان دهراً من لمع الشوق، ولم يكن لحظة ماء عابرة. لن أنسى يوم كانت هي في أولى وسطى، وكنت أنا في أولى ثانوي. جلبتُ معي للقرية "موسم الهجرة إلى الشمال"، وأنا أتطلع فيه بفرحة جديدة بعد كل لحظة، كما تفعل صبية يافعة بمرآتها، كُنَّا سنقرأه معاً. هي رأت غلافه وتصفحته فقط، واتفقنا على قراءته ليلاً وحدنا. لمح أحد موظفي جردية الحصاد في ناحيتنا بعض العبارات في الكتاب، فقام بمصادرته منا. الناس يقولون بأنه عنصر أمن متخفٍ. هي بكت وتعلمت الحرمان باكراً، أما أنا فأخذوا مني جوع ثلاث جُمُعَات -بالمدرسة الداخلية- حصلت بثمن وجباتها على الكتاب. غَضِبْت، وحكيتُ لها ثلاثة مواسم هجرة كاملة، وخَمَّنتُ لها كيف يكون "عرس الزين" الذي سمعنا به ولم نقرأه. وكنت قد رأيت صورة للطيب صالح فحدثتها عنها. طالبتني بأوصاف له لم تكن في الصورة. ألحّت عليّ وهي تسند ساعدها لجنبي كي تقول:

    - صفه لي من هنا أقول لك، الوصف كالمحجن، يحتُّ الثمر.

    أية "من هنا" تعني!؟ لا أدري إلى أين تؤشر، ربما إلى الأرض. قلت لها وأنا أزيد من عندي:

    - لم يكن يبلغ من الطول شيئاً، بل يبلغ من قِصَر الوتد المغروس في الأرض رسوخاً كالسدرة.

    ضحكت مني قائلة:

    - لم يكن وسيماً إذن؟

    أجبتها وأنا أرسم لها في الهواء:

    - لا أبداً، هذا في مرآة الخائنين فقط، أما على صفحة النهر فانعكاس حسنه ساقية تُسمِّد الحقل بوسامته.

    - أنت تبالغ، أنا أعرفك من عينيك.

    - ربما، ولكن طبعه ليس رائجاً كحسدهم لتعرفي أنها الحقيقة.

    - حسد مَنْ؟

    - هؤلاء الذين يصادرون كل شيء.

    سنوات طويلة، عبرت فوق رأسنا كالحَجَر. أنا أصبحت معلم الإنجليزية في ناحيتنا التي اقتنت لها مدرسة عُليا بالجهد الشعبي. وهي الآن طالبة في جامعة الجزيرة بكلية الزراعة. ولكنا لا نزال على ارتباط طفولتنا وحبنا لبعض. لم نفترق أبداً منذ أن أخذوا لهفتها وجوعي. لا نحتفل إلا معاً، وأيضاً كنا نقسم الحزن بيننا على ليلتين، ترسم سلمى على الأرض، سهرة ضنى مثلثة وفيها نقطة لها، وسهرة ضنى مثلثة وفيها نقطة لي. لم تكن ترسم نقطة كبيرة ونقطة صغيرة أبداً، وكل شيء بالتساوي. وحتى لو أُصيب أحدنا بجرح أثناء لعبنا كنا نقسمه على موضعين، دبيب حمى ووخزات ألم لنوبتها هي، ثم تفرغ وتناولني أنا. كنا عند حسن ظن الحزن والجرح.

    أمي توقظني صباح كل يوم، كي أذهب لعملي بالمدرسة في مواعيده. ما عدا يوم الخميس. يوقظني الشوق للقاء سلمى منذ الفجر. هذا يوم عطلتها. وأنا دائماً أنتظرها عصراً عند المُشْرَع أو مرسى المراكب الصغير. فبين مدينة "الحصاحيصا" وبين "رُفاعة" مكيدة نهر منذ الأزل.

    في مثل هذا الوقت يأتي مركب واحد فقط، مركب ود حجو الحواتي. آخذ أشياء سلمى، وآخذ بيديها فقط لأعاونها على النزول من ظهر المركب، وتبقى في الصدر حَكّة العناق. ومهما انتظرت على الشاطئ، فلابد أن تسألني بمرحها المجنون قليلاً:

    - جاي متأخر كمان؟

    أدّعي لي غضباً وأداعبها قائلاً:

    - كِدا يا سلمى؟ طيّب، صبرك عليّ.

    - وكمان؟ انطلقت خلاص، صار من حقك تزعل مني! إطورَّت والله.

    تطالعني كمن يخبئ عن شخص مفاجأة ويريد أن ينوِّه لها في نفس الوقت. يرتخي وجهها لي كأنها في عُشْ، لي وحدي، ثم تشد بلوزتها لأسفل فيما يشبه رسم دوائر ستفرخ عَمَّا قريب. الوقت يكون عصراً، ونحن نكون تحت دائرة شمس رحيمة لحد ما، وشبه محايدة، شمس عطلة سلمى تجيء أقرب لأن يستخدمها الليل والنهار، فهي بذلك لا تضع حكمتها العليا على الألوان، وسلمى أيضاً لونها شفقي، شفاف ومذهل. تشد بلوزتها دائرياً ثانية، أقول لها:

    - دائماً تشبهين لي طائر الكناري يا سلمى.

    ونضحك من غباء الفكرة معاً، تقول هي:

    - لماذا لم تخبرني؟

    - بماذا؟

    - بأن زميلتك مُدرِّسة الفنون حلوة وشياكة، قالوا.

    - طبعاً، يا آخر من يعرف.

    أضحك أنا لأغيظها ثم أضيف:

    - وقعتي معي يا سلمى، أنت تغارين إذن؟

    - أنا؟ يا بُعدك وبُعدها، أنا أحلى بنت، فاهم وألاّ ما فاهم؟

    نكون قد قطعنا نصف المسافة التي تغطيها الحقول، هي تعرفني في مثل هذا اليتم والوحشة. تنتبه لخلوتنا معاً، تقول كمسافة أخرى يجب أن نقطعها بالأنس وحده:

    - لو توقفتَ سأقطع رقبتك.

    أنا لا أتوقف ولا ألتفت، فقط أضطر لأن أزعل قليلاً. دائماً ترضيني كرجل كأنها تنبهني لحالة أناقة يجب أن أكون عليها. تمسك بشعري طويلاً، ثم تبصم بفمها على خدي فيما يشبه حركة همس حنونة وقائلة:

    - هذا الشَّعْر لو كان الناس لا يقصَّونه لأصبح كشعر الحملان.

    - قصصته قبل أسبوعين، هنالك مشاغل كثيرة غيره، هو ليس سلمى لأتفرغ له.

    - أمشي يا دجال، مروِّق وشبعان مسلسلات، تلاقيك ولا متذكرني.

    ثم نمشي بين الحقول قانعين بألفة الصحبة وحدها. ورائحة الغربة التي جاءت في ثياب سلمى من الضفة الأخرى للنهر تعلكنا ونعلكها كالسيجار. تحاول أن تساعدني بحمل شيء من أغراضها، أدفعها بعيداً، كأنها ولد صاحبي وليست بنت حبيبتي. هي دائماً تشبه لي ذلك. تباغتني بسؤال جاءت به من الضفة الأخرى:

    - لم تعد مهموماً بحديث الأحزاب مثل زمان.

    - من سيسمعني هنا؟

    - يا سيدي قول نسيت.

    - أبداً، لا نسيت ولا تبت. بكرة نقطع هذا النهر لبيتنا معاً، وسنرى من سيظل وفياً ومن سوف يشغله الأولاد.

    - أولاد في عينك، أنا عاوزة بنات.

    - بنات؟ ماشي يا ستي، لزوم كونك مناضلة ليبرالية وكذا. ولكنني مستعد لمراهنة كل اتحادات المرأة على أن تربية الأولاد أسهل من البنات. أنت مجنونة وأنا واحد بتاع مسلسلات، بناتك محظوظات يا سلمى، آخر انطلاقة، لا ضابط ولا رابط.

    - أمشي يا متخلف، تمنيت لو معي شنط زيادة، عشان تتأدَّب.

    تسكت قليلاً، تخبط على الشنط التي أحملها، تقول وكأنها غاضبة:

    - حدود وصايتك على الطفل خوفه من حافة السرير، فاهم؟ يعني أي طفل يبلغ مرحلة الخوف من إسقاط نفسه فهو حر منذ هذه اللحظة.

    ولذلك أقلق عليها من الأحزاب في قلبي وكفى، فأنا أتحاشى تحذيرها من أي شيء. لقد جَرّبت ذلك كثيراً، ولن أُفسد عليها وعلى نفسي مجرد نهاية أسبوع لا تحدث إلا مرة واحدة. هذا غلطنا معاً، والذي تجسَّد فيها هي أكثر. لأننا لكي نعوض كتابنا الذي أخذوه منا، جلبنا الكثير من الكتب، وهكذا صار رأس سلمى ناشف. لن أنافق مثلهم وأقول من أجل الوطن والأرض و..و... فالحب نفسه أناني جداً، يريد وجوده هو ولا شيء عداه.

    تنتهي الحقول، ثم نصعد لربوة الطريق الملتف حول أشجار الجميز والبان العملاقة، ونلمح سيارات الأجرة من هناك. نترك الكثير من تعبنا بجوار النهر، نتيجة أنسنا ذلك، وأيضاً يتعلق بنا ما هو كثير ومختلف قليلاً نتيجته. كنا نكفي نفسنا، ونطمح لأن نزيد كي نكفي مزرعتنا التي نحلم بها، أنا وسلمى.

    لعلَّه مركب ود حجو!!

    النهر كان دهراً من لمع الشوق، ولم يكن لحظة ماء عابرة. هناك مركب تَغبَّش بها النهر عن بُعد، وفي لوثة من ضباب، كما العقل المرهون لهاجس خوف وخطر مقلق، ثم أخيراً تفتق عن فكرة تنقذه.

    قدماي مخضرتان حيث يحزهما ماء النهر الذي وقفت فيه طويلاً، أية خضرة هذه يا ترى؟ أدغدغة حقل يا ربي، لكوني رقعة لآدم من طين وبذور؟ أم عوالق وطحالب الانتظار، لكوني وقفت لملء عمر من السنوات؟ ربما المركب التي تأتي بسلمى لا ينتظرها الإنسان في نهر. فقد تزل قدم الشوق عفواً، ويدفع الإنسان ثمن وقعته، وقعة نهر كاملة وبحذافيرها. تمضي نحو مصب مياه كجهة الغروب في لوحة، جهة لا تبلغها شمس الرسم أبداً. صحيح، فأنا منذ طفولتي رسمتني أمي ولم تلدني، لا أصل مواعيدي مهما نويت. ولا يتقدم نحوي زائر حلو مثل سلمى، أكثر من تقدم بقعة لون مرسومة، يقصدني لمعها فحسب. الأشياء معي آخر ما تنويه اللحاق بي عند أمل ما.

    دائماً أقول لنفسي مثل هذا الكلام، وكأنَّ سلمى لن تأتي. جدول امتحاناتها بعيد، ولكن لو رجعت الجامعة في كلامها وغَيَّرت الكاليندر، من يعترض؟ وسلمى أحلى بنت كما تقول هي، وأحبّ بنت كما أقول أنا، بناءً على زياراتي لها في الجامعة، ماذا لو تعلقت بها زميلة كي تقضي معها هذا الخميس؟ هكذا أقول مراراً، وهكذا قلب الحبيب دائماً، مترعٌ بقلق الذي لم يقع بعد. خصوصاً أن المركب لم تكن مركب ود حجو. كانت مركب نقل العلف الواسعة، ولكنها هذه المرة مشحونة بالناس. مركب عريضة ومفلطحة كأنف القرنتي، ولو كانت سلمى غاضبة مني، لأصبحت مفلطحة كأنفي أنا. هي تقول لي ذلك لو غضبت أنا منها، كي تصالحنا على طول ضحكتها وحدها بعد ذلك. أرجو أن تذهب هذه المركب من هنا، لكي لا أخسر حق زعلي من سلمى لتأخرها. طبعاً أنف سلمى ليس أنفاً كما يمكن توقعه، بل طائر جنَّة عسُّول حَطَّ على وجهها. هكذا أقول لها أنا كي أصالحها، لو كانت تقع عليّ مسؤولية زعلنا. وقطعاً أنا أزيد من عندي بناءً على رائحة أنفاسها. أحياناً تزعل مني سلمى وتتصرف معي بصلاحية أُم، لو كان يحيط بنا ناس مثلاً، تفتح شنطة يدها وتمدها لي قائلة بأبلسة:

    - خُذْ، يلاّ..

    - ماذا!؟

    - أدخل يدك.

    وتقرصني يدها بداخل الشنطة دون أن يعرف أحد. أهددها مدعياً الصراخ: سأصرخ يا غبية.

    - بَسْ، عشان تكرر حركتك دي تاني، أتعلّم الأدب، فاهم؟

    النهر تَغبَّش بالكثير من المراكب، حتى المعدِّية الكبيرة المخصصة لأوقات الذروة تحركت نحو ضفتي. كلها ممتلئة بالناس. ماذا؟ لن تكون ناحيتنا ومدينتهم تبادلتا السوق دون أن ندري. كأنَّ ملابس وأعمار من يقصدوننا منسجمة لحد ما، منسجمة وتشبه أن تُعبِّر عن مصلحة أو ديوان واحد: البريد، الكهرباء أو...

    عندما عرفت أنا أنها محبوبة كما قلت لك، دعتني هي لأحضر حديث تنويري لحزبهم بالجامعة، هذه المرة أدارت سلمى نظارتها السوداء بدل بلوزتها، وقالت لنا كأنها ولد:

    - هاهنا، بالليل ترهن وجودنا الصلاة والمرأة وحدهما. وبالنهار، إما أن نحمل فأساً ونركض خلف الجوع لنقتله، وإما أن تأخذ حزبة مرتزقة ما بنادقها وتركض خلفنا لتقتلنا. سنداري عنهم حزننا، والأمر هكذا، نُزوِّر أنفسنا أمام طبيعة الحياة وطبيعة التاريخ، لنكون أكثر أصالة أمام المستقبل الذي نستحقه.

    وبعد أن تفرغ من رساليتها كما تقول، أعابثها أنا بصفتي محترف قديم لمثل هذه الكلمات:

    - اسمعي يا سلمى، أنا لا أريد معك، كل واحد يروح في حاله. سأخطب واحدة ثانية، سَتُغلِّبيني وحتى الجيران. هذه الإنشاء والفصاحة أكثر من مخزن بيتنا الصغير.

    أقول ذلك بصفتي محترف قديم، محترف تقاعد لأن نهراً يفصل بين "رفاعة" وبين "الحصاحيصا". محترف ينتظر النهر حتى يتوقف كي يبدأ هو. أنانية الحب كما قلت لك. فمن سلمى تعلمت أن ترهن المرأة وجودي كمستوطَنة أولاً، ثم كحبيبة ما أمكن. من يحبني بمثل هذه التضحية لو خسرتها؟ هي تعرف أن مثلها كمذنب هالي، لا أذكر بعد كم من عشرات السنين يزورنا مثله واحد. فلا بُد أن تسخر سلمى من خِطبتي لفتاة غيرها هكذا:

    - أظنها مُدرِّسة التاريخ هذه المرة. إنشاء في عينك، هذا اسمه تحريض، يعني ممكن سجن وممكن موت.

    تقول ذلك وتضرب صدرها بفزع، ثم تسند ساعدها على فخذي، تستعيد حركة طفولتها القديمة، من جوار كتاب قرأناه في طفولتنا، تعتذر قائلة:

    - نسيت أنك ضيفنا، سأزعل من نفسي جداً لو وجدته قد جَفَّ.

    تُقلِّب في شنطة يدها، وتخرج منها الساندويتش ببطء وهي تقول له كطفل:

    - لا، أرجوك، عشان خاطري، سأزعل منَّك لو فعلتها.

    تناولني له شبه جاف وهي تقول ضاحكة:

    - بلّله بالعصير، افرحْ يا قروي، هذا عصير مُشَكَّل، فاهم؟

    ورغم ضحكتها المعتادة على مصالحتنا، أحسُّ بها في تلك اللحظة تكره الفقر كمسألة شخصية، لا علاقة لها بتحريضهم. إذ هو مَنْ لا يسمح بشراء ساندويتش آخر غير جاف لي. هي حساسة في مسائل الضيافة حتى معي. أشتري أنا بزعم قبضي لمرتب لا يزال بيني وبينه أسبوعين وألف يَدٍ للدائنين. ثم أقول لها شامتاً:

    - قلتي مُشكَّل، ها؟ أعذاركم مُطعَّمة ولهجكم حلو. غايته، تأكِّلوا الواحد الحجر.

    بعدها نقرر أن الجو يصلح للمشي، أو تنزل بي سلمى عقوبة ما، لنشتري بحسبة المواصلات خاصتي آيس كريم نذهب به لمشاتل كلية الزراعة، دائماً أغالطها في أنَّ لساني أبرد من لسانها، وهي يا الله... لكم تكره افتراءاتي وتحب فحص الأكاذيب.

    المراكب اقتربت أكثر. أشرعتها البيضاء والمتسخة قليلاً، وأشياء أخرى بيضاء، تَفَتَّحَت كلها فوق النهر كلوز القطن. لغط جمهرة، زعيق، أو صياح متكاتف مع بعضه. لا، بل هتاف طلاب الجامعة أخذ يدك النهر من حدِّه لحدِّه الآخر. لافتات الدمور مفردة بين أيديهم ككفن بيد كل واحد منهم. لافتات لا حصر لها. فلو جمعوها كلها وخاطوا منها صارياً واحداً لسحب الضفة الأخرى إلى هنا، ولما احتاجوا لمراكب، ولعبروا من ضفة إلى الأخرى فوق أقدامهم وهي ملطخة بحبر كتاباتهم. الآن بُعدها يسمح لي بأن أقرأ، كتبوا عليها بالأحمر: سلمى خضر شهيدة الوطن والحرية و..و... الكلمات الغامضة التي ما كنت أبداً لأراهن بسلمى كلها عليها، كتبوا عليها ما يخص شاهد قبر لي أنا إذن؟ من لَبَّد عمره بضفة النهر الأخرى. ولكن ما أسهل أن يعثر الرصاص على سلمى بوسط مظاهرة. فمنذ متى وهي لا ترأس رأيها ورأي الآخرين؟؟ منذ الابتدائية كانت تتقدم التلميذات وهي تصيح: الفات.. الفات؟ ويردَّن عليها التلميذات: في ذيله.. سبعَ لفات. تسألهن سلمى من جديد: والعسكر؟ يجبنها: واقف طابور.

    سلمى: والصول؟

    التلميذات: قاتل مأجور.

    كنت أقول لها: تريثي يا سلمى، ستكونين قطعة من الأزرق لو اندفعتِ هكذا. أُؤشِّر بيدي ناحية النيل الأزرق وأضيف: هذه الحفرة التي من هنا وحتى مصر، هم لا يرون منها إلا ما يصلح كقبر، ستصحين مع نوراس البحر الأبيض المتوسط يا سلمى لو تماديتِ.

    وتنحرف هي بالحوار، كي لا يلتقي حرصي بحمقها فنتشاجر، تسألني:

    - وأنت؟ ستحب بعدي؟

    وأضحك لأغيظها ثم أجيب: طبعاً، بعدك سيصبح قلبي لكوندة بالمجان.

    - لن تقدر، أتحداك...

    - من قال لك؟

    - أعرفك من عينيك.

    - ستبلغك أخباري، وستغارين حتى تكرهيني في القيامة.

    وكما هي دائماً واثقة، ترِف لي بعين مستبدة وتقول:

    - أنا؟ يا بُعدك، أنا بصمة وبصمة وبصمة، بلا عدد، وبيد كل الداخلين إليك.

    - بالله؟ صار فيها كذب كمان! كيف يعني بصمة؟

    - يعني بطاقة يا أخ لكوندة.

    الليلة يذهب بها العمر إلى حيث قصّرت بك الأيام. هاك العمر كله، أضحى مسوّساً، ومفتوحاً بالحرمان وغياب أحد كبيوت الأرامل. جاءوا بها بلا كراسات كما هي ليست طالبة الآن؟ لم تعد تهم، ككتابك الذي أخذوه إن كنت تذكر. رائحة درس لم يكتمل تكفي كذكرى من أحد. لا، بل انتظرها عند المشرع ستعود، أو هاهنا، حيث تنام، فقد تصحو مع نوارس البحر الأبيض، إذ تعلَّقَ بها صحابها من الملائكة كي تقضي معهم هذا الخميس، فاهم؟





    كاتب سوداني مقيم في الامارات



    خاص كيكا

                  

العنوان الكاتب Date
محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-15-06, 05:23 PM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... تولوس08-15-06, 05:30 PM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... Hisham Amin08-15-06, 06:15 PM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 07:39 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 07:36 AM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... فيصل نوبي08-16-06, 01:01 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 07:47 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... Hussein Mallasi08-16-06, 07:52 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 07:59 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... محمد الامين محمد08-16-06, 04:15 PM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... أحمد الشايقي08-16-06, 07:59 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... نادية عثمان08-16-06, 08:18 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 08:58 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 08:59 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... Mohamed E. Seliaman08-16-06, 08:39 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 09:03 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... doma08-16-06, 09:46 AM
        Re: محسن خالد في بيتنا .... garjah08-16-06, 10:50 AM
        Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-17-06, 08:27 PM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 08:56 AM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... صباح احمد08-16-06, 08:48 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 09:05 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... صباح احمد08-16-06, 09:08 AM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... بلدى يا حبوب08-16-06, 09:03 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... Mohamed E. Seliaman08-16-06, 09:06 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... waleed50008-16-06, 09:08 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... القلب النابض08-16-06, 09:11 AM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... حيدر حسن ميرغني08-16-06, 12:03 PM
        Re: محسن خالد في بيتنا .... Gafar Bashir08-16-06, 12:38 PM
          Re: محسن خالد في بيتنا .... Yassir Tayfour08-16-06, 02:41 PM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... Deng08-16-06, 04:20 PM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... DKEEN08-16-06, 04:32 PM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... Yassir Tayfour08-16-06, 04:38 PM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... DKEEN08-16-06, 05:08 PM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... شرووم08-17-06, 04:05 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... SAdo708-17-06, 05:13 AM
  Re: محسن خالد في بيتنا .... معتصم الطاهر08-17-06, 07:23 AM
    Re: محسن خالد في بيتنا .... سيف النصر محي الدين محمد أحمد08-17-06, 01:55 PM
      Re: محسن خالد في بيتنا .... bayan08-17-06, 08:45 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de