في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب)

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 10:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الاديب محسن خالد(محسن خالد)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-30-2006, 02:45 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب)

    ..

    (بورتريه الغياب)






    كان اللهُ، ثم كان الغياب،...
    مازلتُ أعيشُ دفين بيتي، بئر غيابي التي أنا مِلْكُها....
    تقضمني الذكريات فأتداعى ناقصاً قضمة تلو أخرى، "أحسى"، "أحسى"..
    حتى ينوشني الماضي من ورائي كقنّاص صرتُ بمقاييس نشنكته،..
    تخيب أحلامي فينهار ما أمامي دافناً حاضري... أتعثر، أتعثر..
    لأتلَقَّى مستقبلي كلّه بحذر فخ،...
    بأي حال، وفي أي جهة، يتم ترحيلي بصورة سرية من مكانٍ إلى ثانٍ أبعد منه.
    بهذه اللحظة أنا في أتمّ الإنصات لباب الهجليج القديم: صررر، طرررطج
    تتلَفّح هي "جَدّتي" بفركتها: هَيْ بسم الله، دا إنت!؟ قايلاك راجل.
    أنا كنت في "الغياب" وهي افتكرتني غريباً،
    طَوَال عُمُر بأكمله انتظرتْ حَبَّوبتي خلف بابها،
    هنا حيث كانت ترقب غياب زوجها لينقلب حضوراً،
    أتخيلها أبداً –من داخل بيتها وأمام بابها- كأنها أمام حَلَّة تسوطها،
    ألقت فيها بما يعنيها من "غياب" وشرعت تسوطه،
    العجوز التي ساطت "غياباً" لأكثر من 25 عاماً فما نضج بعد.
    كان زوجها حتى قبل أن يُتوفى في الغائبين عادةً،
    يكونُ في ساقيته بالنهار، أو مع ذاكري الله ليلاً،
    غيابه كان يلعبُ معها لُعبة التنكُّر في كل شيء..
    كشكشة كراعين يعبرُ بهما الليل،
    وقوع بالات البامية من فوق ظهر حمار يكاد يماثل علو حمار زوجها،
    بمرور الزمن أصبحت تُمَيِّز علو حماره عن غيره من حمير القرية..
    فقط من صوت وقوع رُبَط البرسيم على الأرض من الخُرج،
    هَندَست أُذنُاها فيزياءَهما الخاصة وأصبحتا تُحدّدان سرعة وقوع الأجسام بمعادلات قلبها وحده.
    صوت الأرجل التي تكشكش بجوار بابها –فحسب-
    هذا ما بقي يخدعها دون أن تخترع له نظرية تعرف بها إن كانت خُطا حبيبها،
    أم مجرّد عابر لا تدين حبوبتي لمؤسسة غيابه بانتظار؟
    أو..، ربما هي لم تجتهد في إيجاد طريقة فرز لهذه الكشكشات، عن قصد،
    لكي يتسَلَّى قلبها بتلك العادة القديمة ويتعزّى بها، فهي بوسط زمن آخر.
    زمنٌ فَقَدَت فيه زوجَها وكلَّ أصدقائها..
    الذين كانت أرجلهم تكشكش بجوار بابها في حنان مألوف ومتفقِّد.
    هي الآن في الـ64 من العمر، وحينما تزوجوها كانت لدى الـ14 فحسب،
    إذن لقد انتقلت من قريتها وعالم أحبابها ذلك إلى فترينة "متحف" كما ترى،
    فلا بُد أن يربكها حضوري بعد الساعة التاسعة ليلاً،
    صلاة العشاء في زمانهم كانت مبكّرة والذِّكْر كان ينتهي مُبَكِّراً أيضاً،
    الاستهوان بالليل هذا عادة ظهرت مع المسلسلات وليست عتيقة بأي حال،
    أقول لها: قايلاني منو؟ يا حبوبة راجلك دا مات زمااان واترّع موت،
    تلقيهو هسّع يمسّحن فيهو بنات الحور.
    تضحك هي: ها جنى ها... قلّة حياك دي بتخليها متين إنت؟
    لأُضيف أنا: لامن قلبك دا "يبرأ" من انتظاره يا نينا.
    "نينا" هذه تأتي على لساني لكوني أتيتُ من أقرب مسلسل كان يُعرض في النادي،
    الريفيون يحبون المسلسلات لعامل الملل والفراغ في الريف..
    وعدم الحرية في التعبير عن الذات،
    فالمسلسل يكون لهم أرواحهم ونهنهاتها وأحلامهم الحرام.
    يأتيني صوت حبّوبتي.. بذلك –اللؤم الذي أُحبّه- في دعائها عَليَّ مُمَازِحَةً:
    إن شاء الله تبرأ قنيطتك.
    أي ما يعتبر الشرج جرحاً، ويتمَنَّى له أن يلتئم،
    ما يعرف أنّ البطن هي ما يستهلك الكائن بالنزيف،
    فالتغذية من طرفها الآخر هي النزيف، باستهلاك الجسد، وموت الخلايا،
    النزيف الذي لا حلّ معه سوى الإخراج، فإن برئ ذلك الجرح، يصبح الكائن تَلَّة خراء.
    هذا هو وجودنا الزائف، والمغلق بين التعفّن والموت،
    ما نُجَمِّله بالشعر والسينما ووجوه الحسناوات خارج المراحيض وأوان انقطاع الحيض،
    نحن فقط لا نُريد الاعتراف بأنّ العالم الصادق هو الذي يبدأ من الدودة..
    وينتهي عبر تلافيف معدتها إلى مرحاض،
    أوَ يمكن لِمُثِلٍ أن تعيش ببطن عَالَمٍ كهذا، إلا كما تعيش البكتريا!؟
    أم هل يمكن لمُثُلٍ أن تخرج من أعماق كائن كهذا، إلا كما تخرج الغازات!؟
    عزائي في غيابك يا أُمي، أنَّكِ أصبحتِ كائناً كاملاً لأنك تُوفيتِ واكتمل غيابُك،
    الكائن الحي هو كائن منقوص "الغياب"، لذا فهو يُكَرِّس لفكرة نقصانه بأرحب ما في الوسع.
    الكائن لا يكتمل إلا حين يكتمل غيابه، بالموت وحده.
    شغلتني فكرة الغياب منذ طفولتها، وجلوسها "المُقَنَّع" على مقعد مناظر لفكرة "العقاب"،
    دفتر التلاميذ المرضى، الذاهبون في الصباح إلى العيادة،
    بشكله الفظ، والحكومي التافه، تفوح منه رائحة حُقَن البنسلين المُفْزِعة..
    كان يُمَثِّلُ لي "خلاصاً" كبيراً، بدلاً عن الغياب العفوي الذي ينتهي بالجَلْد المؤلم،
    هذا إن لم يَلُذ اسمك بغفران ذلك الدفتر المقيت.
    الغياب البريء كان مديناً للألم البدني منذ طفولتي،
    كما أنَّ تجييره بعذرٍ رشيد كان مرتبطاً بآلام نفسية وبدنية، بشعة هي الأخرى.
    الغياب الأكمل هو ما يحدث في بُرج الحمام،
    فخروج الحمامة المَدَام لا يرتبط إلا بحسن ظنّ الزوج من الذكور، ولا يُرصد وَفْق أي أعراف كانت.
    في أبراج الحمام لا تُضرب الزوجة بعامل شك الزوج ولا يُعتَرف هناك بشِرْعَة الطلاق.
    هذا الكلام مُبَسَّط لنلمح من خلاله أنّه ليس بوسعنا القبض على صورةٍ للغياب إلا في مرايا الغياب،
    ما من صورةٍ له أبداً عدا انعكاسه على مرايا ذاته،..
    الغياب البريء يحدث فقط في أبراج الحمام، حيث لا دفاتر ولا ريكوردز،
    وذلك ناموس الطير الإلهي،..
    أما الناسوت فباختراعه للأعراف قد أساء كثيراً إلى الغياب،..
    فأسوأ ما لَفَّقته الأعرافُ الإنسانية للغياب من شُبْهة، هو الخيانة
    فالخيانة لكي تقع لا بُدَّ لها من "غياب" المخون،...
    وأنبلُ ما أضافته هذه الأعرافُ للغياب من مَزيّة، هو الشوق
    فالشوق دورٌ تؤدّيه المسافة على خشبة الغياب، البشرُ فيه كومبارس لا حيلة ولا قيمة لهم،...
    فالشريك/ الحبيب "غيابه" أبداً نزيل أحد الفندقين: (الخيانة –أو- الشوق)،..
    فـ"الأعراف" وهي احتياطات "الأنا".. فرديةً كانت أم "أنا الجمع"..
    باسم النظام كما تُروِّج، وبفعل "هَلَع المصالح" أو "رَهْبَة الوجود" -إن شئنا الحقيقة-
    لا تترك الغياب في حاله، ومن دون إشاعات، كما ترى،...
    في عام صِفْر قبل الميلاد، كانت هناك صبيّة تتدخّن في أحلامها كل يوم،
    لحضور حبيب اخترعته عزلتها في رسائل تكتبها له وحده، مَنْ هو أكبر منها قليلاً،
    أو من مواليد زمن لم تكن فيه الميثولوجيا قد نالت شرف التأريخ للحياة بعد.
    فالمسيح قصة ما كان يجب أن يُعَوَّل عليها كثيراً في كتابة التاريخ.
    لدى هذه اللحظة المحايدة، حينما كان التاريخ تاريخاً ويُقاس بمعايير هيرودوت وصَحْبه،
    وحين كانت الميثولوجيا منسوبة إلهامها وابنته الحلال..
    وتُقاس بوصفات هوميروس والغاوين من أمثاله،
    حينما كان التاريخ قاعداً في علبه، والشعر قاعداً في علبه، والكل مبستفٌ على نحو حميد،
    بعكس كل أوراق التقويم الميلادي على جدران منازل اليوم،
    وخارج اللحظات ابنة الحرام في عهدنا هذا كلها،
    لدى تلك اللحظة لمحت تلك الفتاةُ أميراً أوسم من أحلامها،
    وأفرعُ من طول حبيب دفترها ذلكم بقامة دين قادم.
    جاء ذلك الأمير طالباً يدها، جاء من قصره وليس من دفترها المشخبط بالرؤى،
    جاء من جلال حضوره بين خُدّامه...
    ولم يأت من غيابه في دفترها المُمَثِّل لحكومة ودين قلبها الحُر.
    هي ظنّت أنّ الكنبة التي سيجلس عليها ستكون نَفْس الكنبة.
    الكنبة التي كانت في دفترها سطراً من التوَقُّع...
    ولم تكن لوحين من الزان والخشب بينهما شَقٌّ لردفين مشقوقين من اللحم..
    إن خِطْنَاهما حصلنا على تلّة خراء..
    وما أبعدها عن ذلك الحبيب الذي كان بُرهةً من الاحتمال،
    ولا علاقة له بمقيمٍ في الأحضان،
    ها هو الحبيب -في دور حبيب الدفتر- قد جاء.
    بمرور الأيام، وتركيز حضور رائحة هذا الحبيب في فراشها ولصق أنفاسها،
    شَفي ذلك الأمير من غيابه فأُعطب تَوْق البنيّة لحبيب من صلصال الغياب،
    فكلّ ما نحبه من الأشياء هو "مرض" غيابها،
    وحين تشفى الأشياء من ذلك المرض تنقلب إلى وهمٍ عظيم،
    أو كما نَهْنَه قلبُ الصبيّة الطفل: عِشْقُ الإنسان من أمانيه "الغياب"،..
    غياب الحبيب في دفتر حبيبته، كان الحبيب
    مثلما أنّ غياب العازف المسنّ عن فرقته، كان العزف
    لطالما أخذ جيتاره وغنّى معهم، يتركون له وصلة بين أغنية وأغنية،
    الناس كانت تنتظره بين شاغر أغنيتين على الدوام،
    كانوا يعشقون انسحاب فرقته حين يتوقعونه في لحن منفرد،
    يعدّون رهافتهم ويُنصتون بصمت شريف وشحّاذ في آن.
    يأتي هو الذي أصبح شِبه ضرير..
    وما عاد بوسع أعضاء منه أن تعرف طريقها بيسر ودون عُكّاز عدا أنامله،
    في ليلة شتوية سقط هناك، وتكفّن جيتارُه معه.
    قبل أن تشيخ هذه الفرقة في ذائقة الناس وتغيب.. كما هو الحال مع كل شيء،
    أصبح الناسُ ينتظرون شاغر العازف المسنّ بين أغنية وأغنية، ليندبوا غيابه،
    وغياب ذلك الصمت شريف التسَوُّل.
    حيث كان يحضر، أصبح حيث دُفن ومقبرته، أي لم يعد بوسعه مصافحتهم إلا حيث وافاه الغياب.
    غياب العصافير عن شجرتها، تستحيل به الشجرة إلى كائن أخرس..
    علاوة على كونها بالأساس من الكائنات المُقْعَدة،..
    غياب العصافير عن الشجرة، أهو العصافير؟ أم الشجرة قبل أن تطير؟
    فالغياب هو ما يصل بين رهان الأشياء كلها مع بعضها بعضاً،
    وما يُهَنْدِم الأماكن بترتيق الصدوع بينها،
    ويُذيب اللحظات بتليين مواقيتٍ مجاورة لها كالشمع،
    فالغياب بذلك يهدم كلّ شيء في ما يجاوره من أشياء،...
    الغياب لا يعترف بالجيرة، وإنما بالتوحّد،...
    فالله هو الحاضر الكبير، لأنّه الغائب الأكبر، ولأنّه الوحدة،
    الوحدة الصلدة بحيث لا يمكن تشظيتها وتفريقها في جوارٍ ومجاورين،..
    الغياب كائن يعيش مثلنا وقبلنا، بوصفه فعلاً ماضياً، مضارعاً، مستقبلاً...
    الحلم بالأشياء قبل تحققها يجسِّد بورتريه الغياب بوصفه فعلاً مستقبلياً،..
    الذكرى لأشياء عشناها وانقضت تُجَسِّد بورتريه الغياب بوصفه فعلاً ماضياً
    أما الحاضر فهو النشاط المرشّح على الدوام..
    لأن يكون أحد البورتريهين الماضي/ المستقبل،
    فالموجودات لا تعيش إلا غيابها، أحلامها أو ذكرياتها،
    إذن فالموجودات غائبة منذ الأزل وإلى الأبد.. ولن تحضر ذات يوم،..

    فالله وحده الحاضر بوصفه أكمل الغياب، لأنّه سابقٌ على الغياب،..
    كان الله في البدء، ثم تلاه الغياب، ثم الموجودات التي هي تجلٍّ للغياب،
    قبل أن تكون تجلياً لله كما يعتقد المتصوفة العظماء،
    وهذا رهاني معهم كلهم، منذ ابن عربي وإلى آخر "فكي" منهم،
    إن كان الله هو الحضور الأول،
    فلا بُدّ أن يلي –إنوجاده- "الغياب" الأول،
    كميزة ضدية لحضوره تعالى، ميزة ستميِّز كلّ ما يأتي بعد الله إن كان أوّلاً خالداً،..

    أما "حضور" الموجودات فيغدو بذلك لاحقاً للغياب وللزمان،
    ولو كان الله هو الأوّل، فإنّ ما يليه لن يكون الثاني إلا بعد خَلْق "الزمان" ومروره،...
    إذن كان الله "الحاضر"، فتلاه الغياب كي لا يليه حاضرٌ خالداً مثله،..
    إذن كان الله "الأوّل"، فتلاه الزمان كي لا يليه أوّلٌ بدءاً مثله،...
    هذا ما غَفَل عنه المتصوفة العظام كلهم، وجئتُ في آخر الزمان لأُصَوِّبهم فيه،
    وإنْ كان منهم من يرى، أنّ الكون تجلٍّ حَدَث مع الله نفسه، وليس كتمطيط وفي توالٍ له،
    كما يشرح بعض الأساتذة، فإنّا نقول ولكن ذلك الفهم كان مقبولاً قبل تطور الفيزياء،
    وقبل معرفة نظرية الـBig Bang، أي الانفجار العظيم، وحين كانت المادة لدى كثافة لا نهائية،
    فإنّا لو وافقناكم على هذه الرؤيا..
    لأسلمنا بأنّ حالة التفرّد الأوّل للمادة Singularity –المعروفة في الفيزياء الحديثة-
    هي الله نفسه، ولأصبح لامناص أمامنا..
    من الاعتقاد بأنّ نظرية الـBig Crash "الانهيار العظيم" حين تقع،
    بعد أن يحدث "التمدّد الكلي للكون" ويصل حواف نهايته،
    ما أستدلُّ عليه بـ"والسماءَ بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون"
    فلا بُدّ أن نُقِرَّ أيضاً بهلاك كلِّ ما نشأ مع بدايات تَشَكُّل المادة والسديم،
    بما في ذلك الله -جَلَّ ولا يُحاط،...
    فآباؤنا المتصوفة أنفسهم، أسقطوا الغياب والزمان بعامل من الزمان،
    دنياهم غير، ودنيانا غير،
    فلا عجب أن تبلغ هرطقاتهم حدّ أن يؤمنوا بالتجلي وينظروا إلى الموجودات كتجلٍّ لله،
    ليمتلك قائلهم الحماسة فيخلط خلطاً بهذا الحجم:
    وما الكلبُ والخنزيرُ إلا إلهنا.... وما اللهُ إلا راهبٌ في كنيسة
    أمّا قولنا فهو: إنّ الله كائنٌ حيث لا يكونه شيء.... وماثلٌ كيفما لا يمثله شيء...
    وما الموجودات إلا تجلٍّ للغياب، ومتأخرة عن الزمان...
    وما الكلبُ والخنزيرُ إلا غيابُهُم.... وما اللهُ إلا حاضرٌ بغيابِ
    لكم أخطأ ذلك الرجل –العجوز- الذي قال: أنا أُفَكِّر إذن أنا موجود،..
    الغياب سابقٌ على الإنسان بوصفه موجوداً تالياً لله الحاضر،
    إذن "الغياب" هو من يفكّر وأنت غير موجود،
    ولن تُوجد أبداً مادام اللهُ هو المُوجِد نفسه قبلك بوصفه الحاضر الأوّل..
    والذي لا يليه حاضرٌ ولا أوّلٌ عداه،...
    أو إن شئت فأنت العالَم المرآوي لعالم الغياب، ولا تزيد على كونك انعكاس الغياب،
    فإن غاب "الغياب" غبتَ أنت في الهَلَكة ولم تُوجد،..
    فـ"غياب الغياب" لا يتم دون محو الموجود، إلا مع الله، وحده الله خارج الحسبة لأنّه السابق عليها بكونه الحاضر الأوّل،..
    اللوحة هنا، واللص هناك يهيئ يديه بالمهارات الكافية ليمنح هذه اللوحة غيابها..
    اللص هو الطريق الوحيدة للّوحة نحو الاكتمال
    وهو من يقوم برسم الجانب الخالد منها أبداً، هو ولا أحد سواه
    أيما لوحة لم تُسرق فهي لم تُرسم بعد
    في عام غياب الموناليزا، عامَ رُسمِت بالغياب..
    الشاعر غيوم أبولينير يُحَرِّض لصاً رسّاماً جداً، ليلصّها من المتحف،
    لكم أورقت تلك اللوحة وحضرت حين كانت طاولة في بيت لص،
    رجال البوليس السري والعلني يدخلون بيت اللص،
    ليضع لهم شاياً على الطاولة التي خبأ بين فلقتيها اللوحة،
    فيشربونه بمذاقات موناليزا وفيرة، بعدد جمعهم.
    مَنْ لم يُجرِّب رسم الموناليزا ويحضّرها في ذهنه حين غابت؟
    ولكنها للأسف تخلّت عن حضورها وعادت لتنمحي في فترينة غاليري من جديد، كما فعلت جَدَّتي،
    لتسوط عينا الموناليزا مللهما، وبسمتها الفاترة التي لا تُرحّب بأحد ولا تطرده،
    وليضجر الضجر نفسه الذي يجعلها تبدو وكأنها نعست..
    وستحرّك يدها بخدر وتكاسل لتهش ذباباً من على وجهها الجامد،..
    أمَّا اللوحة الحاذقة والنشطة بحق، والحاضرة إلى الأبد،
    فهي لوحة "الصرخة" للفنان مونش، فمن لَصَّها كان مكتمل الحذق والمهارات،
    لذلك استطاع أن يمنحها حضورها الأبدي،...
    وأيضاً بوسعنا أن نقول:
    الشعر الحق يحدث بينما أنت تتفاوض مع وجودك، الشعر لا يُكتب...
    حين تحضر الكتابة بوصفها نشاطاً وحِرْفَة، يغيب الشعر
    الشعر لا يحضر إلا في "غياب" الانتباه له...
    الشعر طابور "الغياب" الخامس، بين بني جلدته من الحروف والكلام،..
    نحن مجرّد أوهام أبداً، والحاضر منّا على الدوام هو الفكرة،
    فقاص ذو تَفَنُّن كـعبد الغني كرم الله يكتب:
    Quote: (في نهار الكرة الأرضية الذي لا يجف، نائم أنت "يا محسن خالد"،
    وصاحٍ في قطار الجنينة، بالضبط في حِجْر فتاة مَلَّت بطء القطار،
    فاستعانت بـ"إحداثيات الإنسان"،
    أحسست بفان جوخ مات وليس في مقدوره التهام ساندويتش طعمية،
    ولوحاته الآن أغنى من الوليد بن طلال،
    سوريالية الحياة قد تنكدر بعادية "العمل...."،
    وفي نفس اللحظة يعيد فتى قراءة فقرة من "كلب السجان"..
    وكأنّه يمضغ بتمهل ثمرةً فاتنة الذوق،
    وتحسب أنك جرم صغير، وتشظت ذاتك في أرجاء العالم الأكبر).
    فللغياب نداءٌ من ظلال، وتمَثُّلاتٍ من شظايا الفكرة، عارية من طوب مادتها،...
    فالنائم هنا، بإحدى بوادي الأرض.. محسن خالد، يَلِصُّ فتاةً تجاور قلب الصاحي هناك،
    ببطن قطارٍ يرعى بادية الجنينة، يغازلها بدلاً عن جارها عبر نداء ظلال غيابه،
    مستغلاً تلكؤ القطار.. بين غياب الذكرى، وغياب الحُلُم،...
    القطار الذي يتلكأ أو يسرع أبداً بين غيابين، حتى يؤول بكامله إلى غياب طويل وأبدي،...
    الفكرة إن لم تكن هي الله، فلكم هي تشبهه،
    والله حاضرٌ في الأرجاء كلها، غائبٌ عن الأرجاء نفسها،.. كيف لا؟
    والمادة المخلوقة نفسها بوسعها فعل ذلك،
    فـ"البيزترون" بوسعه أن –يكون- ويحضر في مكانين مختلفين براهن لحظة واحدة،
    فللمادة أسرار غيابها وحضورها أيضاً، كما للروح،...
    وأفكارنا نفسها تكون معَبِّرة كلما غابت عن مواعين التعبير/الحضور،
    أوَّل تشويه يُلِم بالفكرة هو تدوينها،..
    أوَّل تشويه يلم باللون هو تسميع الريشة له،..
    أوَّل تشويه يلم باللحن هو النوتة، ثم أصابع العازفين مهما بلغت مهارتها،..

    ما أنا إلا رجلٌ وقعت به لعنة المدوِّنين، أكبر خونة الغياب في عالم الحضور،..
    ليَطْعَم الناسُ غيابَنا إذن يا عبد الغني،
    فالغياب إن نضج كنداءٍ لظلال فكرة، وإن تَفَاجَّ حتى بَلَغ عَرْض التمثُّل، صار وجبةً...
    أو هكذا أمَّلت حبوبتي لحَلّة طبيخ "غياب" زوجها، أن يصيرَ حضوراً،
    أو وجبةً من انتظارٍ لذيذ..
    فبنَص "إحداثيات الإنسان" المسافرة مع غرباء مجهولين تلك،
    ستقرأ الصبيّة نفسها التي لَصَّها الكاتب عبر نداء الظلال لغيابه:
    حبيبتي تعلف القطار بشوقها الأبدي
    ليبلغ محطة كئيبة
    حلمت فيها.. بأنني أصبحت رجلاً
    يُقَدِّم للقطار، وجبة من انتظاره اللذيذ
    دعوني أغبْ إذاً، لأوافيكم في صالة مستقبلين برحابة القلب ووسامة مواعيده،
    المواعيد المضبوطة على ساعة محطّة هاشَّة وغير كئيبة..
    ولأحضر بينكم في أرقى اكتمالي ومحبّتي،..
    كان اللهُ، ثم كان الغياب،...

    _____________________________________________


    إهداء
    ------------------
    هذه المادّة هدية إلى كلِّ...
    من كان "سلبياً" تجاهي وكنتُ "سلبياً" تجاهه في هذا المكان
    من "كرهني" و"أحببتُه"،..
    من "أحببني" و"أحببتُه"،..
    هي كَفَّارةٌ عن أخطائي "هنا"، بذاءتي وفحشي اللذان في قلبي،
    مش على صعيد اللغة –الأداة، الماعون، والتاريخ المُمَارس،..
    فاللغة هي الجانب الوحيد -من تاريخنا- القابل للممارسة اليومية،...

    -------------
    هامش:
    الأغنية (Sama Guent Guii) للمغني السنغالي: يوسو ندور Youssou N'Dour
    الفوتوغراف –بالجزائر- كاميرا المصوِّر العُمَاني: بدر النعمان


    <mcg /><br><mcl /><bgsound src="http://www.fileden.com/files/2006/6/28/95005/03%20Sama%20Guent%20Gui2i.wma"><mcg /><br><mcl />

    See
    Ya



    ..

    (عدل بواسطة محسن خالد on 07-01-2006, 02:11 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) محسن خالد06-30-06, 02:45 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) tariq06-30-06, 03:14 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) منوت06-30-06, 03:39 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud06-30-06, 03:42 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) منوت06-30-06, 05:00 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) وانجا06-30-06, 05:05 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Emad Abdulla06-30-06, 06:04 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) AMNA MUKHTAR06-30-06, 05:38 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عصمت العالم06-30-06, 06:27 PM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) ودرملية06-30-06, 07:33 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Elmosley06-30-06, 07:45 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud07-01-06, 09:01 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) bayan07-01-06, 10:10 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) أبوذر بابكر07-01-06, 10:40 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) معتصم دفع الله07-01-06, 12:12 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) بابكر عثمان مكي07-01-06, 12:30 PM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) ودرملية07-01-06, 05:28 PM
        Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) بابكر عثمان مكي07-02-06, 02:57 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Abd-Elrhman sorkati07-02-06, 03:53 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) أبو ساندرا07-02-06, 05:56 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) ودرملية07-02-06, 04:25 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) شادية عبد المنعم07-02-06, 08:44 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Emad Abdulla07-02-06, 09:39 PM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Amin Mahmoud Zorba07-02-06, 10:38 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) ثابت محمد07-03-06, 00:14 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) محمد سنى دفع الله07-03-06, 05:39 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) شادية عبد المنعم07-03-06, 07:42 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) خدر07-04-06, 02:25 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) أبوبكر حسن خليفة حسن07-04-06, 04:12 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) ودرملية07-04-06, 03:46 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud07-05-06, 01:11 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud07-06-06, 11:51 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) بدر الدين الأمير07-07-06, 00:22 AM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عبدالغني كرم الله بشير07-07-06, 09:47 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) نهال كرار07-07-06, 11:58 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) خدر07-20-06, 01:26 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) salam07-20-06, 03:20 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) نهال كرار07-26-06, 11:18 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud07-26-06, 10:07 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud07-27-06, 03:39 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) خدر07-27-06, 04:09 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عبدالله الشقليني07-27-06, 04:49 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Hozy07-27-06, 05:02 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) القلب النابض07-27-06, 06:40 PM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) munswor almophtah07-27-06, 07:34 PM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Masoud07-29-06, 03:00 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) nadus200007-30-06, 06:10 AM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) نهال كرار08-01-06, 05:35 AM
        Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Mohamed E. Seliaman08-01-06, 08:58 AM
          Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Shinteer08-18-06, 01:54 AM
            Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) تولوس08-18-06, 02:59 AM
              Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Dr.Elnour Hamad08-18-06, 10:20 AM
                Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) تولوس08-24-06, 09:09 AM
                  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Adil Isaac08-26-06, 10:09 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عمر ادريس محمد08-27-06, 08:36 PM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عبدالغني كرم الله بشير08-28-06, 01:42 AM
      Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) القلب النابض08-29-06, 04:36 PM
        Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Aymen Tabir10-15-06, 08:29 PM
          Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) خدر10-15-06, 08:53 PM
            Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Mohamed Abdelgaleel10-17-06, 04:59 AM
              Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Adil Al Badawi10-17-06, 07:04 AM
                Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Mohamed Abdelgaleel10-18-06, 03:03 AM
            Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) نهال كرار10-18-06, 06:36 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) خالدة البدوي10-19-06, 06:52 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عبدالله الشقليني10-19-06, 10:04 AM
    Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) Mohamed Abdelgaleel10-25-06, 07:52 AM
  Re: في اليوبيل الذهبي لتيموليلت (بورتريه الغياب) عبدالله الشقليني10-25-06, 04:57 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de