|
|
 تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر
|
واحدة من ميزات المنبر الحر ، اضافة لكونه اداة تواصل، انه يشكل حقل للدراسات السيوسولجية والكشف عن ملامح الشخصية السودانية..ومن هذاالمنطلق جاءت فكرة تأمل بعض من أحداثه، وكلنا نعلم ما دار في الآونة الأخيرة بخصوص الاخت مهيرة وماترتب عليه من انزواء وجدت نفسها في مواجهته ،وما حدث لها يمكن تفسيره وقراءته وفقا لفضاء الجندر، كواحدة من اكثر العلاقات تشابكا في الواقع الاجتماعي..وقبل ان نطبق مقولاتنا حول المسألة المعروضة و بالتالي فهمنا للأمر كاسقاط من اسقاطات علاقات الجندر، لابد من توضيح مصطلحاتنا وضبطها حتى يتسنى لنا جميعا حسن المتابعة..
الجندر
"Gender"
مفهوم اجتماعي يعنى بتكييف وتوصيف العلاقات الاجتماعية وتوزيع الأدوار في المجتمع ..واعتذر بشدة عن قصوري في الاتيان بالمفردة المقابلة في اللغة العربية..
فنلاحظ ان هنالك بعض من المصطلحات والمفاهيم الاجتماعية المتقابلة، مثلا توصيف افراد المجتمع كذكر
"male"
وانثى
"female"
وهذا هو المفهوم البيولوجي لتلك الكائنات، وهناك ايضا تقسيم اخر يوصف الافراد كرجل
"masculinty"
و كامرأة
"femininity"
وهذا التقسيم الاخير هو الذي يقترب من معنى الجندر ، لأنه يعتمد على مكونات ثقافية وسياسية ودينيه وايدولوجية في تأسيسه وتكييفه.. فيلاحظ ان كل ثقافة وتقاليد ودين ومجتمع تميز بين الرجل كمفهوم اجتماعي ، والمرأة كمفهوم اجتماعي اخر مقابل لذلك المفهوم..ويتبع ذلك تقسيم الادوار الاجتماعية وتحديد الهوية الاجتماعية ايضا..
ولأن المرأة تعد هامشا اجتماعيا وأقلية تميزت بالتغييب لأجيال عديدة ، فان علاقات الجندر يمكن وسمها بأنها علاقات قوة وسلطة
"power"
..ذلك ان المجتمع البطرياركي
"patriarchy"
الذي تسوده أسطورة تفوق الرجل ـ لا يسمح بأن تكون المرأة ند ومنتج للقوة والسلطة ، وفي اسوأ الأحوال كشريك، وبالتالي في كل منعطف حاد يتم تذكيرها بأنها امرأة وهي تفهم هذه الاشارة بوضوح وللأسف تعمل بها..
و باختصار غير مخل للوقائع ، فلقد دخلت مهيرة في جدل ثقافي سياسي اجتماعي وفكري (بحذر شديد) مع الاخوة الجمهوريين ، وتبنت موقف مناهض لرؤية الجمهوريين وتصوراتهم للمجتمع والايدلوجيا الاجتماعية..ومارست مهيرة كل ما يسمح به ادب الحوار والمجادلة لتوضيح رأيها ومحاولة دحض تصور الجمهوريين ورؤيتهم لتلك الامور.. وجادلها بعض من الاخوة الجمهوريين بأدب وصبر وتأني وحجج عديدة ومرتبة ـ وهنا نحي الأخ ياسر الشريف على قدرته على الصبر والتأني واصراره على المواجهة الفكرية والثقافية بأدوات من جنسها..
و في بعض من ردودها ومحاوراتها، استخدمت مهيرة توصيف احتوى على مفاهيم بعينها استخدمت على مستوى الكون في مجالات عديدةاجتماعية..دينيه..علمية..علمانية..اخلاقية..
ثقافية ..وقانونية ، وبالنسبة لهذه الأخيرة نجد أن كل ما ذكرته مهيرة من الفاظ في مداخلتها ، هي عبارة عن توصيفات لجرائم يعاقب عليها القانون السوداني ، اضافة لبعض من قوانين الدول الاخرى، سواء كان وضعي..علماني..او ديني ، لأن تكييف تلك التصرفات كجرائم هو امر نابع من ثقافتنا ومعتقداتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية ..ولا أحسب أن مهيرة مسئولة عن انتاج هذه المفاهيم وتفريخها..
ونتج عن تلك المحاورات الممتازة ـ والتي كنت اتابعها بشغف ـ ارتفاع بعض الأصوات باتهام مهيرة بالخروج عن اللباقة وحدود الأدب..و للبعض حجته المعقولة ومثالنا هنا الأساتذة يوسف الموصلي وسيف الجامعة الذين أثاروا الأمر من كونهم أرباب أسر ومسئولين عن تربية وتنشئة أطفالهم ، بل أكثر من ذلك حمايتهم من كل ما يمكن ان يثير الأذى النفسي ويخدش الحياء، وبالتالي قد وجدوا انفسهم في وضع محرج ..أضف الى كل ذلك حساسية الفنان وتصوره النقائي للواقع..ومن هذا المنطلق جاءت تساؤلاتهم التي دعت ـ في اعتقادي ـ للمحاسبة وضبط النفس،
يعنى من باب حاسب تحتك عيال صغار..
و لكن هناك اخوة اخرين ـ لا أشك مطلقا في ثقافتهم العالية ونضج وعيهم الاجتماعي الذي يسمح بوجود الاخر سواء كان اجتماعي "المرأة" او سياسي او فكري ـ تبنوا دعوة اقصاء مهيرة لعدة اسباب ،اقواها الحافز التأميني والحماية..وبرزت اسقاطات علاقات الجندر في الدعوة المبطنة التي تسعى للاقصاء ـ اقصاء مهيرة كاخر اجتماعي أكثر من كونها محاورة مشاكسة تثير النرفزة..
ومن مصادر الشرعية التي تبنتها دعوة الاقصاء تلك،
الركون
"appeal to"
للشرعيات الدينية والاخلاقية والسياسية وقبلها كلها الاجتماعية ، وكل هذه الشرعيات هي عبارة عن فضاءات مؤسسة لعلاقات الجندر بامتياز ووضوح..
فوفقا للشرعية الاجتماعية ، وهي علاقات الجندر نفسها، تـم اقصاء مهيرة كهامش اجتماعي ، تسبطن آلية ذاك الاقصاء الخوف والفزع وتستغرب لحد الاندهاش المقارعة والمجادلة بالحجج ، سواء كانت فاسدة او صحيحة، من قبل امرأة يرسمها التصور البطرياركي كملهم للشعراء عليها البقاء في البيت والانحصار في الفضاء المنزلي
"domestic realm"..
أما الشرعية السياسية ، وهي الالية التي نرفعها في وجه كل من يخالفنا الرأي والرؤية، ولا يغيب علينا دورها الالغائي .. وأقصى ما توفره هذه الآلية وصف الأخر كشيوعي او كجبهة اسلامية ..فقد تكشفت مسألة الركون لهذه الشرعية توصيف مهيرة ككادر من كوادر الجبهة الاسلامية كأبشع ما يكون، والتي تسعى لتدمير المنبر وانتهاك حرماته وبالتالي اجبار المستنيرين فيه بالانسحاب ..يعني باختصار عملية اغتيال وتصفية تقودها مهيرة..أما الشرعية الاخلاقية ،فلقد سعت الى توصيف مهيرة كمخربة اجتماعية همها تمزيق غلالات الاخلاق التي نستتر بها ، وبالتالي اعتمدت هذه الشرعية مفاهيم كالبذاءة وقلة الأدب ...الخ ، ولا يخفى علينا أثر هذه الشرعية على الانسان السوداني الذي يقبل الـموت بصدر رحب ولا يقبل أو يساوم في وصفه بقلة الأدب وسوء الأخلاق ، فما بالك بانسانة سودانية ضيعها حسن ظنها فينا كرجالة..
أما الشرعية الدينية ، فتمثلت في تكييف مهيرة كمتسلط ديني متجهم وعابس فكريا وجداليا ..والمضحك حقا ان مهيرة في جدالاتها تنطلق من فضاء ديني ،كيفته على حرصها على دينها وبالتالي تسعى لسد الباب أمام العابثين بأمر هذا الدين كما تتصور..وفات عليها انها تفق مع الجمهوريين في مفصل أساسي وهو الدين ،ولكن الاختلاف جاء في التصور والتفسير والقراءة وكل هذه افعال تصدر من ذهنية بشرية وقابلة للمساءلة واثبات صحتها او فسدانها ..
ومأساة مهيرة ـ ان جاز لنا توصيفها هكذا ـ ذكرتني بواقع اتعبني كثيرا بمحاولة فهمه ، وأعني بذلك موقف العاملات في الهيئة القضائية في السودان ازاء التحقيق والمحاكمة في القضايا الجنسية كالاغتصاب والزناوغيرها ..فالسيدات في الهيئة القضائية مغيبات تماما من محاكمة جرائم الزنا والتي تشكل المرأة معاقبا فيها بنسبة 100% ـ كل عقوبات حد الزنا في كل محاكم السودن تقع عقوباتها على المرأة والمرأة فقط..وهذا يعكس علاقات الجندر التي تستبعد قدرة المرأة وتأهلها للنظر في مثل هذا النوع من الجرائم ، وهي نفس الذهنية التي تحرم مهيرة من استخدام هذه المفردات حتى لو كان ذلك من باب تعضيد الحجة وفي منبر يفترض فيه حرية الرأي والتعبير..ومن جهة ثانية ، تكشفت اسقاطات علاقات الجندر في احجام الاخوات في الدخول كطرف في المسألة سواء مدافع او مناهض ..و نستثني من ذلك بعض الأصوات القليلة ، مثل الأخت دوما والأخت بت قضيم والأخت
زولة123 ..وهذه الأخيرة جاءت ببوست ذكي وساخر ومتهكم وصفت فيه المنبر الحر بكونه روضة أي مرحلت تعليم ما قبل المدرسي ..و أحيها على هذه الألمعية التي تكشفت عن قدرة ذكية على المواجهة في فضاءات علاقات الجندر..
نعم هنالك بعض الاخوة الذين وقفوا ضد تغييب مهيرة ولكن كان ذلك من باب التباكي والدفاع عن النفس ،لأن البعض منهم قد لحقه رأس السوط ـ لاحظ احتواءالجدل على توصيف بعضهم ككيزان..أضافة لذلك نجد البوست المجتهد الذي قدمه الأخ بكري أبوبكر والذي ذهب فيه لتفنيد التهم التي تشكك في وطنية مهيرة ووصمها بكادرية الجبهة الاسلامية الشنيعة.. وكلا الفريقين لم يهتم بأكثر من ذلك
فمثلا لم يجتهد احدهم بالدفاع عن مهيرة كهامش وأقلية اجتماعية وسياسية لها الحق في التعبير عن نفسها وبهذه الصفة.. أما الادارة فلقد كانت أكثر بطرياركية من السادة المناهضين لمهيرة ، وتجلت ذهنيتها الذكورية الواضحة في مطالبة مهيرة بالاعتذار ..ولا أحسب ان ذلك كان مؤسس على معايير الخطأوالصواب، وانما هي واحدة من اسقاطات علاقات الجندر والتي تفترض في المرأة كهامش واخر اجتماعي مستضعف المبادرة بالاعتذار.
ان ما حدث لمهيرة محك صارم يوضح ملامح عقليتنا وصفات الشخصية السودانية في وعينا ، والتي تنطلق من مرجعية لا تسمح للمرأة بأن تلعب دور المجادل المشاكس سواء كان ذلك في فضاء اجتماعي ،سياسي ، ديني ، فكري، آيدولجي او خلافه... ويبقى السؤال قائما: هل يحق لمهيرة كهامش وأقلية اجتماعية ان تعبر عن رؤاها ونفسها كمناقش ومحاور ، وتستجلب في سبيل ذلك الحجج والأسانيد في المنبر الحر ؟ ..نظريا نعم ..عمليا لأ.. والسبب هو البطرياركية السائدة في تحديد علاقات الجندر في واقعنا ولتجاوز ذلك تلزمنا كثيرا من الـمرونة التي تسمح بتقبل الأخر الاجتماعي كطريق لقبول الأخر الفكري وبالتالي السياسي..
اخيرا هل يستطيع احد ان يوضح لنا حجم الاحباط في دواخل كافة المشاركات في هذا المنبر كعضوات او زائرات واللائي امتلأن صمتا يحمل كثيرا من المعاني والتي اقلها الادانة وقبضات الايادي التي تلكم الهواء غبنا وحزنا؟
ودمتم
محمد النور كبر
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-28-03, 08:35 AM |
 Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | sudania2000 | 01-28-03, 08:46 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-28-03, 09:22 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | اساسي | 01-28-03, 09:42 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-28-03, 10:03 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Haydar Badawi Sadig | 01-28-03, 11:27 PM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-29-03, 03:56 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Haydar Badawi Sadig | 01-29-03, 04:27 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-29-03, 05:43 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | doma | 01-30-03, 03:21 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-30-03, 04:11 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | doma | 01-30-03, 05:56 AM |
| Re: تغييب مـهيرة: اسقاطات علاقات الجندر | Kabar | 01-30-03, 06:54 AM |
|
| |
Kabar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست