صفقوا معي لأمانة عبد المنعم سليمان!!

Quote: أعلم اكرمك الله أن شَرّ الناس من اشتغل بمراقبة الناس، وبعد، فهذا طرف من خبر حسين بن ملاص احد اشهر بصاصي عصرنا. أول خبره أنه عاش بناحية الإسكندرية ردحاً من الزمن، بدعوى تلقي العلم، ولكن عمله الأساسي كان (التبصيص) ضد اخوته ينقل أخبارهم للإمام الأكبر أبو جعفر النَمِر، وحينما هبّ الشعب وأقتلع الإمام من عرشه، أصيب حسين البصاص بخُلعَة، وكان أن مرَّ به أحد معارفه فقال ( مالك مخلوع كدة) فلم يفتح الله عليه إلاّ بكلمة (أنا مخلوع ولا الإمام هو المخلوع)، وهذا هو أصل كلمة الإمام المخلوع التى ذخرت بها أدبيات تلك الإيام، وقد حقّ علينا أن نُثْبِت نسب المقولة لصاحبها الأصلي. ولما ذهبت عنه الخُلعة بعد ذلك بمدة طويلة، ورأي (إمامه) يعيش على بعد ساعات منه في قاهرة المعز، قال قولته الشهيرة (بلداً فيها مخلوعين ما بتنفع)، فهاجر إلي بلاد الحجاز مستعيناً بخبرته البصاصية، فكان أن عَمِل مع أحد الشيوخ، وما هي إلاّ مدة بسيطة حتى عرض خبراته على كفيله والذي كلفه بأن يكون عيناً على أخوانه السودانيين على أن يكتب له تقريراً مرتين في الشهر، فأجتهد حسين البصاص في كتابة تلك التقارير، وكان يكتبها بخط كوفي جميل ، ويفتتح تقاريره بعبارة واحدة طويلة، يكتبها بخط الثُلُث وهي: مولاي وسيدى وكفيلي أطال الله عمرك وزادك من نعيم الدنيا ومتعك بالصحة والعافية والجاه وفتح لك خزائن رزقه تغترف منها ما شئت وأبقاك الله لنا ذخراً. ثمّ يبدأ في كتابة التقرير، وكان الكفيل بدوره يعطيه من غير حساب، وخصصّ له مكتباً بجوار مكتبه. ولكن الطآمة الكبري جاءت حينما طلب منه الكفيل أن يكتب له تقارير أسبوعية بدلاً من نصف شهرية، فحاول أن يستعين بالحاسوب خصوصاً حينما عرف ما لهذه الآلة من مقدرات كبيرة، وما تستطيعه من الكتابة بكل (الخطوط العربية). في ذلك اليوم المشؤوم جلس حسين البصاص أمام (حاسوبه) وأفتتح كعادته الكتابة بعبارته المفضلة، ولكنه كتب (أبغاك الله) بدلاً من (أبقاك الله)، وقد إعتمد على خاصية من خواص الحاسوب تسمي (المدقق الإملائي)، وفات على بصاصنا أن (مدقق الحاسوب الإملائي) يعتبر (أبغاك) أيضاً صحيحة. وحينما قرأ الكفيل تلك العبارة، إستشاط غضباً، وقال له (نحن أيضاً لا نبغاك في هذه الديار). فعاد بصاصنا (ببرطوشي حنين)، ولَزِم منزله، حتى إلتقطه احد ضباط (جهاز البصاصين)، والذي أصبح اسمه بعد ذلك (جهاز البصاصين العالي) وسبب إضافة كلمة (العالي) أن كل الأجهزة التى كان يشرف عليها كانت (أوطى) منه فأستحق لقب (العالي) بجدارة. ونعود لبصاصنا ومقابلته لذلك الضابط، في البدء رفض حسين بن ملاص العمل كبصاص مرة أخري، ولكن هذا الضابط أغراه بكل المغريات حتى رضخ حسين للأمر ولكنه اشترط علي الضابط الآتى: ان يتركه حتى يتعلم اللغة العربية ويعرف خباياها كلها. أن يكون مجال عمله متعلقاً بالتبصيص على رواد الأسافير السودانية ألاّ يكتب اكثر من عشرة كلمات (إلا للضرورة القصوى) وافق الضابط علي ذلك، فبدأ حسين مهمته، وأصبح (ينقل) أخبار الأسافير السودانية ويزرع الفتنة بين أعضائها ونجح في ذلك مما جعله يتلقي الهبات تلو الهبات. حتى جاء ذلك اليوم الذي تلقي فيه تكليفاً بإفشال (إنتفاضة شعبية)، فعمل كل ما في وسعه ورفع تقريره أن عدد الذين سيشتركون في تلك الانتفاضة لن يتجاوز (العشرين) شخصاً. وفوجئ البصاص بالمشاركة الكبيرة للجماهير وتراءت له صورة (الإمام المخلوع) و(الكفيل الموجوع)، فصرخ (لا يلدغ بصاصٍ من جحرٍ ثلاثة مرات)، فأمتشق كيبورده وقال (والله لأزرعنّ فتنة بينهم جزاء ما فعلوه بي)، وأعماه الغضب حتي أنه اضطر أن يكتب في احدي المرات أكثر من (عشرين كلمة) ناقضاً عهده الذي قطعه علي نفسه. وهذه خاتمة سيرة حسين (البصاص)، أوردناها لعله يقرأها فيعود إلى جادة الصواب، وان لم يفعل فلينتظر (القصاص).