وما زال الناس يموتون بسبب المياه الملوثة

Quote: الخرطوم .. زي إبل الرحيل شايلي السُقا وعطشانا حسن سعيد المجمر طه/المحامي [email protected] تغني معظم شعراء السودان للنيل وهاموا به لأنه يجسد عندهم سر الحياة وسحر الطبيعة وجمالها الخلاب. فلو لا أن أجري الله النيل بطول السودان لما توفرت عند أهل السودان تلك الرقة والأدب والحب الدفاق. ومن ذلك الأدب أغاني عديدة ترنم بها المطربون في الخرطوم ونيالا وكسلا ودنقلا، جميع هؤلاء يؤمنون بأن الساكنين علي ضفاف النيل علي أقل تقدير لا يعرفون العطش بل ويعتبرونه عدوهم فكم منهم من مات عطشانا عندما ضل طريقه في الصحراء بعيدا عن النيل. لكن معظم ابناء السودان الذين هاموا بسحر النيل وإرتحلوا الي الخرطوم رغبة في الإرتواء من مياهه العذبة إصطدموا بالحقيقة المرة أن أحياء الخرطوم التي إجتذتهم وأفرغت جيوبهم من ملايين الجنيهات تشرب من مياه الآبار الجوفية غير الصالحة للشرب في غالب الأحيان. إن جميع الذين تركوا قراهم علي ضفاف النيل مهاجرين الي الخرطوم منذ سنوات خلت.. الآن تعتصرهم الآلام الجسام من هول الصدمة وتلاشي الآمل بسبب المعاناة التي يواجهونها في الخرطوم .. هؤلاء لا يستطيعون العودة لمناطقهم الأصلية فالفقر والمرض وإنعدام الخدمات الأساسية يجعلهم من سكان العاصمة وأي عاصمة؟ إنها الخرطوم العطشى!!! سادتي.. عشرون يوما بالتمام والكمال عاشتها معظم أحياء الخرطوم عطشي، أصبحت الخرطوم ماؤها غورا وإشتد طلبه علي الناس حتي بلغ سعر البرميل عشرة آلاف من الجنيهات، بينما لم يزل فيه تيار مياه مقرن النيلين الأزرق والأبيض يودع الخرطوم بأسي دفين ملوحاً (أنك المدينة الوحيدة التي أمر بها دونما ترتوي من مياهي). سادتي... لأ أبالغ إن قلت أن بلاد الدنيا جميعها تتمني ولو في الأحلام أن يجري أحد نيلي الخرطوم علي أراضيها... في ليبيا إحتفل جميع شعبها بالنهر العظيم الذي سحبت مياهه الجوفية بصعوبة بالغة... وفي السعودية أقيمت السدود ليرتوي الناس من مياه الأمطار الموسمية... الخ... أمثلة لا تعد ولا تحصى لإجتهادات حكومات في مجال توفير المياه الصالحة للشرب بأغلي الأثمان.. لكن ما يعيب أداء بعض المكلفين برقاب الناس عندنا أنهم لا يضعون الأمور حسب أولوياتها.. فالخرطوم تتعالي فيها أبراج الوزارات الجديدة ... وتتعدد فيها السيارات في منزل المسؤول الواحد ... وتبني بها القصور لإستقبال الرؤساء الأجانب .... والناس فيها يلهثون من العطش في غيظ صيف الخرطوم الحار... سادتي... دعونا نستجدي شاعرنا الفاتح الذي تغني للطنبور بقوله (الطنبور صديقا وعزنا وملجانا.... نسمع فيه مما قمنا لا ملينا لا ملانا... زي إبل الرحيل شايل السقا وعطشانا). أن يعود لتوصيف حالة هُيام أهل الخرطوم بمياه الصنابير وهي تتدفق في منازلهم وحدائقهم العامة المخضرة مثلما هام هو بالطنبور .... إن سكان الخرطوم أخي الفاتح يحتاجون اليك بل ويحتاجون الي كل اهل الدراما للتعبير عن حق أساس من حقوقهم... ويطالبون مديري الإذاعة والتلفزيون أن يتيحا الفرصة لبث تعبيرهم دون قص أو رقيب... سادتي.. أتمني من الله العزيز أن يبقيني حياً لأرى مياه الشرب النقية يتمتع بها سكان الخرطوم ومدن السودان الأخري وأريافه... وأن يطل علينا مدير هيئة المياه في التلفزيون والصحف ولو مرة ليخبرنا أن الحكومة نجحت في تنقية ملايين الأمتار المكعبة من مياه النيل العذبة وهو ما يؤمن الناس من العطش والأمراض المنقولة بالمياه مدي الحياة.. هل لنا أن نحلم بأن تجري صيانة محطات المياه في الخرطوم في فصل الشتاء عندما تقل الحاجة لإستخدام المياه بكميات كبيرة؟ هل لنا أن نحلم بأن مدير هيئة المياه يوزع بيانا كما حدث في كثير من الدول أن كمية المياه التي تم تنقيتها ستكون كافية إذ عمل الناس علي ترشيدها بعدة طرق .. يذكرها وتوزع في ملصقات علي الطرقات؟ سيدي مدير هيئة المياه والعاملين معك ... بعد التحية والتقدير: الناس تموت آمالهم عندما تكون المشكلات التي تواجهم باقية ومستمرة بلا حلول.... فيزيد الغبن والكراهية للمسؤول وتتحول القضية من شكلها العام الي الخاص ... وبسبب صمت المسؤول وتجاهله لنداءات الناس الضعفاء... الفقراء .. العطشى.. كل يوم يصعد الدعاء الي السماء فتكثر الآثام والذنوب.. إن الحق في مياه الشرب النقيه يا هيئة المياه حق اساسي وواجب ملزم للحكومة وعليها أداءه مجانا كالحق في التعليم والغذاء والصحة.... إن بلادنا التي إنتج فيها البترول والذهب بكميات تجارية، وأستقبل فيها كبار المستثمرين دولا وجماعات وأفراد .... يجب ان يتمتع المواطنون فيها بمياه الشرب النقية.. كما يجب أن تقل الحالات المرضية التي تسببها المياه.... فهلا أدركتم حقيقة ما نقول وإستجبتم؟ سادتي .... دعونا ندعو الحكومة أن توجه كل ما تنفقه مستقبلاً من أموال في مجالي الأمن والدفاع لتوفير الخدمات الأساسية والتي إن توفرت تتدافع الناس خلف الحكومة مؤيدين..... دعونا نقول أننا لا نحتاج الي مشروعات تنموية جديدة غير مشروعات المياه ... الشرب النقية والزراعة... إن الإنسان إن لم يكن بصحة جيدة لن يسهم في دفع عجلة الإنتاج ... والسودان بلدنا الحبيب رغم زيادة دخله القومي عن العقود الماضية إلا انه لا زال رجل أفريقيا المريض ... ليس لفقره بل لفقر بعض المسؤولين عندنا عن القيام بأولويات الأمور..... سادتي.... أتمني من زملائي المحامين الأجلاء أن يفتحوا أبوابهم وقلوبهم للمتضررين من سوء الخدمات الأساسية التي أعلنت الحكومة الإلتزام بتوفيرها مجانا بنص صريح في الدستور ... وأن يتقدموا إنابة عن العامة في بلادي أفراد وجماعات الي المحكمة الدستورية لحماية حقهم في تخصيص الموارد وتوفير الخدمة.... وللمواطنين عامة هلا أعلنت إمتناعكم عن المشاركة في أي إنتخابات قادمة ومقاطعتها تماما إن لم تعلن الأحزاب كافة خطة واضحة لتوفير الحقوق الأساسية..... وعلي راسها الحق في مياه الشرب النقية وصدق رسول الهدى (ص) عندما قال :"وفي كل كبد رطب أجر".