لقد قامت الثورات المسلحة على غرار ثورة الجنوب التي بدأت فور استقلال السودان بعد الخذلان البائن في الالتزام باتفاقية 1947 لضم الولايات الجنوبية للسودان، وكان هذا حق مثّل عظمة الظهر لتلك الحركة الثورية. تعددت أشكالها بتعدد مشاكل السودان حتى وصلت إلى حل الإنفصال باستفتاءٍ هو حصيلة وهن الإدارة السودانية التي خلت من حاكمية الدستور وخيار الشعب. ولذا تمت مباركتها في عجز البلاد من الانعتاق من الحكم الشمولي والحلول العسكرية. أما الحركات المسلحة الباقية فهي حركات رد فعل لقهرٍ أصاب مناطق أقوامها، وهو ظلمٌ صريح، ولكنه كان ظلماً عاماً على كل البلد، ليس بالضرورة على ولايات أو مناطق كاملة، ولكن على كل من يخالف تركيبة مغتصبي السلطة وحكام اللصوصية. لم يرفضهم الشعب السوداني فقط بل رفضهم العالم المتحضر كله. وتشرّد أصحاب العقول وأسرهم، واستعبدت المرأة سوماً، ونهبت أعمال رجال الأعمال والتجارات لمصلحة تمكين أعمال الغاصبين وتجاراتهم، وقتل الثوار والمعارضين وتشتيت أسرهم ومجتمعاتهم، وكانت الحرب على عدة جبهات، منها الزرقة (أي الأفريقانية)، ولكنها ليست الوحيدة، فقد رفضت الدولة كل من نادى بالديمقراطية ورفض الفوقية الدينية، والعداء على العلمانية بأنها كفر. ثم تحولت إلى ملكية (شبه فيودال) ربما في طريقها للملوكية الكاملة مثلما سعى حسني مبارك من نفس عقلية الشمولية التي جرت. والحركات المسلحة من حقها اختيار البندقية للدفاع عن نفسها، ولكن لا يعطيها ذاك الخيار امتيازاً على خيار العناصر المضطهدة الأخرى في الهجرة والعراك السياسي والفكري ضد تلك الدكتاتورية، كما بان ثمار ذلك الآن في تربية عقول جيل الثورة الظافر الآن، والذي ما كان لديه سوى نداءات عقول وضمائر إخوتهم في المهجر وفي السجون، وفي طرح قضية البلاد بطريقة عقلانية صادقة بعيدة عن المبالغات والمهاترات لصدق رواتها. إلا أن الحركات المسلحة كما ذكر السيد كاتب هذه المقالة كانت تنظر للثمار قبل النظر إلى بتر الداء، وداعبت أبصارها نتائج تمثيل جنوب السودان في رئاسة الدولة ثم انفصاله، بغض النظر عن الأذى الذي قاد إليه ذلك الإنفصال للجنوب نفسه، ولكن أعينهم على المناصب، خاصةً مكر البشير بتنصيب مناوي نائباً للرئيس، والذي أشعل نار الغيرة والطمع في هؤلاء الثوار. زد إلى ذلك أن أغلب تلك الحركات كانت جزءاً لا يتجزأ من الحركة الإسلامية وتفرقت بها الخلافات في اقتسام الكعكة. ولْننْظر الآن إلى النصف الملئ من الكوب، وهو تراجع الحركات الثورية من موقف المخالفة مع بقية الثورة، ولكننا في نفس الوقت نطلب منهم أن ينظروا إلى النصف الفارغ من الكوب ليعلموا أن الثورة لن تسمح بمحاولات نهبها أو جرّها إلى أمراض المحاصصة، وكل الظلم يجب درؤه، ليس على شعوب الهامش فحسب، بل على كل فئات الشعب. أما إعادة البناء قطعاً ستنالها المناطق المتضررة من الحروب والأرض المحروقة، بالإضافة إلى التنمية المتدنية، والتي قطعاً ستنال فيها حصتها السليمة التي تعالج ذلك الخلل، وليس التعويض على خسائرها. وليس عن طريق مساومات السلاح، إنما بالإدارة السياسية النزيهة للبلاد واقتصادها الذي قطعاً يعتمد اعتماداً جسيماً على دعم الاطراف والبادية والريف المهمش كله. ليكن ذلك هو هدفنا ويليق بالحركات المسلحة كمجموعات وطنية ذات مصلحة في ذلك للعمل في أن يظل الضمير الثوري صاحياً، وإن لم يكن سعينا بذاك الكيف فعلى ثورتنا السلام، ولكن المحاصصة لن تجدي بل ستبعد بنا من العقلانية والوحدة الوطنية الجادة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة