الطاهر ساتي في رثاء أخي الحبيب الدكتور زين العابدين عباس الفحل، الزين،

Quote: د.جمال خلف الله محمد علي آراء حرة By Alsudani On  26 ديسمبر, 2019 3:59 م -  77 0 جاءني في ذات يوم من أيام صيف 1997م الأخ د. فيصل خضر (شفاه الله) ووقتها كان مديرا لإدارة الصيدلة بولاية الخرطوم، ومعه شاب ممتلء حماسا وحيوية، يرتدي جنز وقميصا أبيض. قال لي فيصل “الدكتور ده تم الامتياز وهو زول كويس دايرنك تقنعوا يستمر معانا)، في ذلك الزمان الصيادلة، وخاصة الذكور منهم، لا يرغبون في العمل الحكومي، للامتيازات الكبيرة التي كانوا يجدونها في شركات الأدوية. تحدثنا إليه فوافق على الاستمرار معنا. كان أحد النجوم الذين انضموا في متوالية عددية لنا في وزارة الصحة بولاية الخرطوم وقد سبقه اليها خالد إبراهيم ومن بعده محمد عبد الرحمن وخالد حامد وجاء هو وأحمد عبد اللطيف وبعدهم خالد جعفر. تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، كان الزين أول من رحل من مجموعتنا التي في الصورة المرفقة مع هذه الرسالة. وجميعهم تركونا إلى القطاع الخاص، وظللت أنا وهو نباصر في الوظائف الحكومية في قطاع الصيدلة إلى أن أبعدنا أنفسنا أو أبعدونا. ظلت هذه العلاقة الأخوية المميزة بيننا، تعتريها أحيانا رياح المحبة الساخنة، فتصيبها فتؤثر عليها سلباً، فنبتعد لبعض الوقت، فيتدخل الذين يعرفون ما بيننا من الإخاء والحب، وأحيانا نرجع من تلقاء أنفسنا. مرة قال لي الأخ د. عصام محمد عبد الله وكان من الذين يعيدون مياهنا إلى مجاريها، أنت وصاحبك ده الاتنين ما بتقدروا تعيشوا بعيد من بعض (وقد كان صادقا)، وكل واحد فيكم بحب التاني..فيا أخي ما تضيعوا وقتنا… فعلا نحن لا نستطيع العيش بعيدا عن بعضنا.. يعرف تفاصيل..تفاصيل حياتي وأعرف تفاصيل..تفاصيل حياته وحياة إخوانه وأخواته. كان لا يخفي علي شيئا من أموره الخاصة. ما زلت أذكر في مرة، وبعد أن جلسنا في منزل الأخت د.زينب أحمد محمد ومعنا ابن خالته وصديقه الذي لا يفارقه (ربنا يصبرك يا شيخ عبد الرازق) وتجاذبنا الحديث في جلسة كان الغرض منها إزالة بعض الغبار الذي غيب الرؤية في علاقتنا، وزالت الجفوة دون أن يذكر أحدنا أخاه بسوء وبدأنا الونسة كأن لم يكن بيننا جفاء. قال لي بعد أن خرجنا وكنا وحدنا ولن أنسى هذه المقولة، رغم تطاول الزمن، “يا جمال يا أخي انت زي علي أخوي (ربنا يلهمك الصبر يا علي الفحل)، أنا وهو مرات نشاكل وبعد انتهاء الشكلة نرجع إخوان زي ما كنا”. كان ردي عليه “يا أخي أنا وإنت أخوان، كما قلت، ولكن أنا ليس أنت، وأنت ليس أنا، في طريقة أداء عملنا وواجبات الوظائف الحكومية التي نعمل فيها (وكما يقول السودانيون لكل شيخ طريقته)، فدعنا نتفق ألا يتدخل أحدنا في عمل الآخر، وقد كان. كان يقول لي يا أخي نحن البينا أكبر من وظائف الحكومة. ومن تلك اللحظة وتقريبا كانت في بواكير العام 2016، ما عادت رياح الجفاء تهب على ديارنا. في العام 2007، تقريبا قررت ترك العمل في الحكومة، وبقيت في منزلي، وفي ذات مساء زارني أخي الأكبر عمر. وبينما نحن جلوس، طرق الباب ولما فتحته كان في وجهي الأخ الزين ومعه مجموعة من قيادات وزارة الصحة، وبعد أداء الواجب تجاههم، بدأوا الحديث وفي وجود أخي الأكبر، ولم أستطع معهم صبرا ووافقتهم على التنازل عن قراري. في اليوم التالي أخبرني الزين، بأنه هو من ذهب لأخي في الحلفاية ورتب تلك الجلسة، وأضاف قائلا “يا جمال إنت بقيت صعب، وما بتسمع كلامنا، عشان كده استعنا بقوات خارجية”. في الفترة بين أكتوبر 2002 ويناير 2004م، كان في واحد إثيوبي، مسكين لا يستطيع الكلام بصورة طبيعية، يغسل العربات بالإدارة العامة للصيدلية. في يوم من الأيام اتصل علي المغفور له بإذن الله، الزين، كعادته يروي لي بعض حكايات الدواء وأهله ووقتها كان مديراً للإدارة العامة للتسجيل. عندما فرغنا من الحديث. قلت له: الزين يا أخي قبل ما أنسى داير أطلب منك طلب. قال لي آه شنو: قلت له، فقط داير أوصيك بي …….الحبشي. فاجأني بقوله: …….الحبشي أنا قعدتو معاي في البيت، أه تاني عندك كلام؟. كان في غفير، في الإدارة العامة للصيدلة (رجل أكل عليه الدهر وشرب واحدودب ظهره وليس له مأوى غير إدارة الصيدلة) في أحد أيام العام، اعتقد 2002م، صرفنا مرتبنا وكان تقريبا 400 ألف جنيه. لما خرجنا سوياً من مكتبه في حوالى الخامسة مساء وفي طريقنا إلى الخارج قابلنا الغفير..ووقف مع الزين، وقتها أنا لم أكن معهم في الصيدلة (كنت في استراحة محارب). فما كان من الزين إلّا أن أخرج ربطة المرتب من جيبه، وبدون حساب “خمش” منها ما هو أكبر من النصف وسلمه للغفير. سألته وأنت باقي شهرك ده ح تعمل شنو؟؟ نظر لي مبتسما وافترقنا.. ده الزين، عُشْرَة لأكثر من 20 سنة (خلون حلالها وحرامها). فجعني بالأمس خبر رحيله إلى غير رجعة عن دنيانا الفانية وأنا الذي كنت أتطلع لزيارته التي سيقوم بها ومعه الأخ الطاهر ساتي (متعه الله بالصحة والعافية) كما وعداني، حيث قال لي الطاهر وكان الراحل بجانبه “انا والزين سنزورك في أديس ابابا قريبا إن شاء الله”. رحل الزين وترك لنا ذلك الإرث من الشجاعة والرجالة والكرم (كان رجل ضكران، كما يقول اهله الجعليون) وكنت أقول له ممازحا أحيانا “من أراد أن يرى ما يذكر ويحكى عن صفات الجعليين من الرجالة والكرم والقلب الحديد” فلينظر إلى هذا الشاب من أبناء كبوشية. اتصل بي ابني الأصغر، وهو في حوالى العاشرة من عمره، صباح هذا اليوم الثلاثاء وقال لي “أبوي أنا قلت أعزيك في صاحبك والمصيبة الحاصلة دي”. الحمد لله القائل (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ )، ونسأل الله القائل ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) أن يجعله في الفردوس الأعلى ويلهم والده وابنه وإخوانه وأخواته وأحبابه الصبر وحسن العزاء ولا نقول إلا ما يرضي الله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاة ليبلونا أينا أحسن عملاً ،،،،