♧ شَوارِدُ من حَظيرةِ بِنْتِ عَدْنانَ (3)£

@ من لطائف ما قرأت للفرزدق@

● يقال :قد يداخل الفرزدق و يماحك في كلامه و يعاظل في تراكيبه و يقدم
و يؤخر ويتجوز في استعمال الوحشي والغريب، و ما هو أشبهباللحن ؛ و ذلك ل
ثقته بنفسه برصانة سليقته ولقساوة في طبعه. فيسقط شيء يمتحن الرجال فيه
عقولهم حتى يستنبطوه. سمعه ابن أبي إسحاق الحضرمي مرة ينشد:

♤ وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف.فقال له
ابن أبي إسحاق: (على أي شيء ترفع أو مجلف؟ قال: على ما يسوءك وينوءك.) و لها شواهد من قوله تعالى (فشربوا منه إلا قليلاً منهم. و قرأ أبي و الأعمش إلا قليل بالرفع،
و هذا من ميلهم مع المعنى و الإعراض عن اللفظ جانباً، و هو باب جليل من علم العربية؛ فلما كان معنى فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قيل فلم يطيعون إلا قليل منهم، ونحوه قول الفرزدق في بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه.
كذلك قال الفرزق:
♤ و الشيب ينهض في السواد كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار. قيل: الليل فرخ
الكروان والنهار فرخ الحباري. وإنه لما قال: (ليل يصيح بجانبيه نهار) فاستعار للنهار
الصياح لأن النهار كان آخذاً في الإقبال و الإقدام، والليل آخذ في الإدبار صار النهار
كأنه هازم والليل مهزوم، ومن عادة الهازم أن يصيح وراء المنهزم هاربا. وقال أيصا
في رثاء عنفوان الصبا:- إن الشباب لرابح من باعه ... والشيب ليس لبائعيه تجار.
ود الأصيل/