واصدقها من حيث حرارة التعبير وصدق الكلمات ودقة الصور ..
وقد حملت قصيدتك استاذنا البروفيسور عبد الرحمن
من الوانه الرثاء والتأبين ..
فكانت صادقة في دمعاتها الحرى ..
وأوفت للفيتوري بمناقبه ودرره الشعرية ..
معبرة عن الحزن الجمعي للشعب السوداني ..
والشعب العربي والامة الافريقية لرحيل ياقوتها ..
وحق لهم الحزن ..
فرحيل الفيتوري ..
هو توقف القصيدة التي تمثل شلال حياة عن التدفق ..
وخفوت للقصيدة الضؤ ..
القصيدة التي كانت دوماً في صف الفقراء وقضايا الامة العظيمة ..
رحل الفيتوري الدرويش ..
سلطان العاشقين عن هذه الفانية ..
تاركاً بصمته وكلمته لتمضي بها الاجيال ..
تعبر عن النضال وظلامات الشعوب ..
والعشق والزهد فالفيتوري نهر عطاء ..
مضى الفيتوري وترك لنا الجراح والاسى ..
ونحن ندير البصر في ما الت اليه امة لوممبا وكينياتا وبن باديس ..
بعد كل التضحيات ..
وما خلفته الثورات العربية من ظلام وبوم داعش واخواتها ..
مضى الفيتوري
والسجان عاد من جديد ..
ليرفرف باجنحته الكئيبة في سماء السودان ناشراً القتل والظلم ..
لك التحية بروفسور عبد الرحمن
وان تطلق هذه الزفرات الصادقة
في رثاء شاعر افريقيا والعرب الاول
ياقوت الشعر محمد مفتاح رجب الفيتوري
حقا يا صديق فالرثاء باب يكشف النقاب عن وهن النفس فينا وضعفها ورخاوة جَلدنا وإن تظاهرنا به.
وما دمنا فى أمرالرثاء، وقد أثارت لواعج كثيرة فى نفسى تلك الملامة المهذبة الرقيقة الود من صديقنا الأديب ألاريب أحمد الأمين بإقلالى فى الشعر عموما وفى الرثاء خصوصا، وحفزتنى لأستخرج ما طالت عليه السنون، منذ ذلك اليوم القمئ من عام 1970 الذى أقسمت فيه أن لا أنشر شعرا. وها أنا ذا، كما ذكرت فى أول البوست، أستخرج قليلا مما كنزت من شعر الرثاء مصداقا لكلامك؛ فأورد أبياتا فى رثاء صديق عزيز هو البروفيسور محمد عبدالحى،صاحب العودة إلى سنار.
فقد جاءت بعد رثائى لوالدى، نور الله قبره ويسر رقدته وطيب ثراه، رثائية لصديق عزيز على النفس والقلب والعقل الدكتور محمد عبدالحى الذى توثقت عرى صداقتنا أيام كنت بدار جامعة الخرطوم للنشر وعملنا فى عدة لجان معا وكنا نلتقى ظهرا ومساءا بدار أساتذة جامعة الخرطوم يوم كنت فى لجنتها. وكانت جلساتنا مناهل للوعى والتثقيف؛ إذ كنت أظل أغلب الوقت صامتا أستمع وأستلهم المعرفة من تجاذب الحديث. وكنا كثيرا ما نترافق أنا والشاعر الرقيق، فى عبورنا لكبرى النيل الأزرق، فى طريقنا إلى الخرطوم بحرى، وينتهى بنا الأمر إلى تناول الغداء إما فى منزلنا أو منزلهم. وعملنا سويا فى اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار العربى الإفريقى بالشارقة مع صديقنا العلم الفكرى والفلسفى محمد أبو القاسم حاج حمد والدكتور إبراهيم الغيص من وزارة الخارجية الأماراتية، والبروفيسور سيد حامد حريز والبروفيسور يوسف فضل وكانت قد أوكلت إلى مهمة تجميع أسماء الأدباء والمفكرين والشعراء والفلاسفة والسينمائيين والأكادميين الأفارقة ومن صادقت من العرب وسبل الإتصال بهم. فكان أخى الدكتور محمد عبدالحى سندا فى دعم القائمة بمن فى المهاجر ومحمد أبو القاسم لأعلام العرب. وكنا نلتقى دوما أيام الجمع فى دارصديقنا الشاعر المرحوم النور عثمان أبكر وفى معيتنا عمنا وشيخنا، أشعر العرب، محمد المهدى المجذوب، عليه رحمة الله، وفى بعض الأحايين المرحوم الشاعر الرقيق الراحل فى الليل عبدالرحيم أبو ذكرى.
ولما علمت بوفاته فى أغسطس عام 1989، وأنا فى غربتى فى بوسطن، إسترجعت حديثنا عن ديوانه "العودة إلى سنار" وكنا قد نشرناه له فى دار جامعة الخرطوم للنشر. و كان فرحا حين تضاعفت المبيعات من الديوان بعد أن تبنيت إستراتيجية توزيع مستحدثة، مما كان يعنى عائدا محترما من حقوق المؤلف.، فقال أن غبطته كانت أكثر لتداول الكتاب بين أيدى عدد كبير من القراء، من العائد المادى. وتلك ذكريات أخر لها مقامها ومقالها. وتعبيرا عن حزنى على فقده جاءت مرثيتى:
فى سويداء فؤاد سنار مرقدك
----------------------------
سنارُ قد خَمدتْ مشاعِلُها
وأُوُصِدتْ أبوابُها
وزوىَ البريق ُ على الوجوهِ
وأطبق القحط ُ المُقيمُ
"على التِّلال السودِ والأشجارِ"
والغاباتِ والصحراءْ
فما "رجعت طيور البحر فَجْرَاً
من مسافاتِ الغيابْ"
لتحاضن الأرضَ الخواءْ
ولا رقصت حوافرُ خيلنا
فى عز مجدٍ آفلٍ
وممالكٍ "زرقاءْ"
فحارَ دليلـُنا
وتسابقتْ أفكارُنا
لنعودَ بالذكرى
إلى رجعِ الصدى
يوم أنبريتَ لنا
تستنهضُ الهممَ المهيضةَ
ثم أطلقت النداءْ
وضربتَ فى أعماقِ تاريخٍ
وجبتَ أصقاعِ البلادِ
تدعو جحافلَ قومنا
لمدارج ٍشماءْ
ولبستَ من جلدِ النمورِ عباءةً
والفهدُ فى كفيكَ
صار مخالبًا
هتكت ستارَ الزيفِ والتضليلِ
وكلَّ فريةٍ بلقاءْ
وسمقتَ تقرعُ طبلَ العزِ
طنَّ نحاسهُ
والرأسُ مزدانٌ
بقرنى فارسٍ
طاقيةً صفراءْ
مُتَمنطقـًا درعا من
ظهرِ تمساحٍ
وغمستَ سيفكَ
فى المدادِ مخضبًا
فأعدتَ لنا
سنارَ زاهيةً
أنشودةً عصماءْ
وقدتَ جموعنا
آلافـًا مُؤلَفة
وجحافلاً تدعو
إلى رصِ الصفوفِ
لنخمدَ نارَ أحقادٍ
وحربَ الردةِ الحمقاءْ
فكنتَ بشيرنا للخيرِ
للآمالِ والأحلامِ
تنشرُ ودًا خالصًا
فلا تـُسفكْ دماء
طَرِبَتْ سنارُ نشوى
إليك تشوَّقتْ...
نادتْ عليكَ
ليحتويكَ فؤادُها
وبَسَطتْ فراشك َ
فى رحمِ الحشا
ليضُم نـُبلكَ
طمىُ النيلِ والحصباءْ
-------------------------
بوسطن - الولايات المتحدة
31 أغسطس 1989
وهاهى إبنة المرحوم الدكتورة شيراز تسترجع أبياتا من عصارة قلب وعقل والدها فى عودته إلى سنار:
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة