تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 07:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-18-2010, 11:19 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: حمور زيادة)

    التأسيس للكوشرثيا يبدأ أوَّلاً من جمع موادها. وهذا الجمع هو ما يمكن الإشارة إليه بالمصنَّفات المتنوعة في هذا الحقل. التي يؤمَّل فيها نهايةً، التضافر جميعاً لتكوين هذه الكوشرثيا. أعني من ناحية مأثورها القولي إجمالاً بالنسبة للحقل الذي سأشتغل عليه. فالأمثال بشقيها، السِّرِّي، وشقها الشمولي، إذ هي عندي، هذه الأمثال السِّرِّية، تستكملها الأمثال "الشاملة" وليس المُعلنة. كما بَيَّنتُ سابقاً، أيامَ حربها تلك، أنَّ سِرِّيتها هذه تتحَقَّق وتقوم على وجهٍ من أوجه "الاستخدام" لا "التداول". والحُجا الذي هو كوشرثيا الميثولوجيا القصصية عندنا. الألغاز، والأغاني القديمة مجهولة المؤلِّفين، والمديح النبوي مجهول المؤلِّفين، الدوبيت المجهول، المناحات المجهولة.. إلخ. مع أبواب أخرى ومختلفة، قمتُ بإضافتها، وأرى أنَّها تختصُّ وتنبع من طبيعة الكوشرثيا هذه ذاتها. وكل هذه الفنون القولية لا بُدَّ لها من جمع في البداية، وما من وسيلة لفعل أي شيء حيالها قبل جمعها أوَّلاً، ثم تبويبها وتصنيفها ثانياً.
    وقد عَيَّنتُ الفنون القولية على وجه التجزئة، لأنَّني كما بَيَّنتُ في تعريفي لمصطلح الكوشرثيا، أضفتُ لرؤيتي السابقة له سعةً سينجزها غيري إن راق لهم المصطلح. وهذا الجمع، هو ما اعترض عليه الدكتور حسن موسى، والأستاذة نجاة محمَّد علي، ورأا فيه ما يدلُّ على بذاءة هذا الجامع وتهريجه، وكذلك رأا فيه وفيني، حَسْبَ نجاة محمّد علي {كان غرض محسن خالد الاستفزاز والإثارة والبذاءة لوجه البذاءة}.
    أقترح إضافة هذه العبارة، إمَّا إلى علم اجتماع تاريخ العلوم، وإمَّا إلى الأنثروبولوجيا الثقافية. فهي عبارة على درجة عالية من الإهمال المُسْتَميت، والبشع. لا تفوقها في البشاعة المتعالِمَة إلا عبارتها الأخرى حينما قالت لي عن العلمانية {العلمانية ليست علم ولا معرفة، ناهيك عن أن تكون مجموعة معارف. العلمانية مبدأ. مبدأ بسيط لا يتجزأ، وبالتالي لا يمكن أن ناخد منو الدايرنو}. وما من أحدٍ، على سطح كوكب {الصفوة} ذلكم -كما يُسمِّيهم د. حسن- بوسعه منافسة هذا الطيش النَّجَوَي كلّه إلا الدكتورين الآخرين. شريكاها، في عِزْبَة الفنون، الديموقراطية، والعلوم الإنسانية تلك. واسمع لدكتور حسن، الذي عميقاً وغالباً ما يشبه لي، تركيبة، ستالين العمل العام ومارشاله النيجيري. ذلك المارشال الذي رأيناه على شاشات الأخبار يرمي رِجَالُهُ الأسرىَ بالذخيرة الحَيَّة في قلب المدن النيجيرية، وأمام السابلة وتحت فلاشات الكاميرات. وما هذا بتصوري وحدي عن دكتور حسن، فقد سبقني بها إليه مازن مصطفى حينما مدافعة الدكتور عن تلك الدكتاتورية، بمنطق غريب للغاية! عندما تأفَّف {الصفوة} من طفحان تلك الدكتاتورية، والاستبداد، لإدارتهم، وتجاوزهما للحدود كلّها. فقال د. حسن مدافعاً على هذا النحو التالي من سُقم المنطق وكساده. الذي هو في الحقيقة كأنَّما يقول، على طريقة الإعلانات التجارية؛ الدنيا كلّها دكتاتورية، وحتى منتدى سودانيز أون لاين دكتاتوري مثلنا، فقايسوا الدكتاتوريات في السوق، قطعاً ستجدون أسعارنا لا تُنافس. نعم على هذا النحو التصويري، التشبيهي، البائس، يبني الدكتور لا منطقه، واقرأ قوله:
    {الخور لديكم هنا بديل له هو سحب البوستات التي لا تعجب الإدارة وبذا يصبح الحال من بعضه}.
    (الخور) هو المكان الذي تُحال إليه البوستات غير المرغوب فيها على منتدى سودانيز لصاحبه بكري أبي بكر. إذن لو كان سودانيز يمتلك وادياً أو خوراً لوأدِ البوستات أو أفكار الناس، فالدكتور يقر بعمل المثل، ويُبرِّر لارتكاب شناءته تلك بشناءة غيره. وحُجّيّتُه على أن تكون له دكتاتورية، هو وجود دكتاتورية أخرى، في أماكن أخرى من الدنيا! أو كما قال {وبذا يصبح الحال من بعضه}. يصبح الحال من بعضه، في الدكتاتورية، على صفحات منتدى زعموا بأنَّه لاسترداد ديموقراطية البلاد السليبة ولحماية حقوق التعبير وإبداء الآراء، و"كمان" للفنون والدراسات في العلوم الإنسانية! فتأمَّل!
    الدكتور حسن موسى، هو فعلاً تجسيدٌ ناشطٌ وحي، لتركيبة، ستالين العمل العام ومارشاله النيجيري. وبما يوافق معنى هذه التركيبة، التي شَخَّصْتُها من حاله، خُذ ما أجابه به مازن مصطفى حين قوله السابق، بتاع الحال من بعضه، يقول مازن:
    {علمت من بوست ما، لطارق أبوعبيدة، بحذف بوست آخر، ثم لم ألبث كثيراً قبل أن أفتقد البوست الذي نبهني لحذف البوست! أها لو صح قياسك، ستقوم يا حسن بالإعدام عوضاً عن الإعتقال بتاع بكري لو إمتلكت القدرة! واللا كيف؟}.
    أكيد، وهل كل ما لمسناه من روح الدكتور في النقاش ومن سلوكه التطبيقي والنظري، يترك أمامنا ولو بصيصَ شكٍّ!
    لو امتلك الدكتور القدرة، أو حفنةً من مليشيا لا جيش بكامله، لأحال منتداهم ذلك إلى (درْوَة).
    والدّرْوَةُ هي المكان، الذي تُنَفَّذ فيه إعدامات الجيش، رمياً بالذخيرة الحيَّة. وهو لم يُقَصِّر في ذلك أبداً. فحتى هذا المكان الذي يُفترض فيه أنَّه منذورٌ للتثاقف، فهو قد أحاله إلى درْوَة، وأسمى من يرميهم فيه برصاصه، يرمي شخوصهم لا أفكارهم، أسماهم بالشهداء. كما وصفني شخصياً بـ{سيد شهداء سودان فورأول، الـ"باحث" محسن خالد}.
    وحينما احتج المترجم المعروف، المُقيم بالمملكة المتحدة، الأستاذ عادل عثمان، على حذف مواد الكوشرثيا التي نشرتُها على صفحات منتداهم، هذا بعد شتمي والإساءة لي. وقبلها سحبوا كلمة مروري كي لا أُدافع عن مادتي التي نشرتُها، ولا عن نفسي في وجه أقاويلهم. احتج الأستاذ عادل بهذا الكلام الرصين أدناه، بلا مواربة أو مجاملة:
    {أرى أن تصرف الادارة بحذف بوست محسن خالد وفصله/طرده من المنبر ليس له مسوغ على الاطلاق. وأسجل استنكارى لهذا التصرف القامع والمتستر بمكافحة "البذاءة". ولقد قالها فولتير، الذى يشارك ثلاثى الادارة فى المواطنة والاقامة، قالها واضحة وصريحة لا لبس فيها: أنا مستعد للتضحية بحياتى كى تعبّر عن رأيك! فحرية التعبير وحق ابداء الرأى من اهم حقوق الانسان إن لم يكن أهمها على الاطلاق بعد حق الحياة. إن المرء ليحزن أن تسلك الادارة هذا السلوك غير الديمقراطى، والذى لا تسمية له سوى انه سلوك ظلامى}.
    فبماذا أجاب الدكتورُ، الأستاذَ عادل عثمان؟ اسمع لستالين العمل العام ومارشاله النيجيري، وهو يقول متمسخراً:
    {فولت إيه؟
    فولتير..
    يا شباب فولتير بطريقتو، لكن أنا القدامكم دا ما مستعد أضحي بحياتي عشان فلان أو فلتكان يعبر عن رأيو. حتى و لو كان الأديب الكبير حسني مبارك هيمسيلف.
    و ما أدراني بآراء الناس حتى أهدر حياتي في سبيلها؟
    و ما أدراكم بأرائي؟}.
    قطعاً هذي هي مستويات وعي الدكتور، وحدود فهمه المتواضع جداً، والخاطئ للغاية، لمقالة فولتير. فآراء الناس أنت تدافع عنها ليس لأنَّك تدريها أو لا تدريها، وما شأنك بها أصلاً!؟ وإنَّما يُجْمَلُ الدفاع عنها في الدفاع عن الديموقراطية ذاتها، لأنَّ حقوق آرائهم تلك مكفولة لهم بالميثاق الديموقراطي الذي أنت ملزمٌ بالدفاع عنه. هذا الميثاق، الذي تتمشدق بعمله العام {قَشَّة عينك من النوم} حتى تغيب. وتدِّعي، أنَّك بنيت ذلك الصرح المؤسَّسي والمنبري كذلك، كي تشيع به ثقافة ذلك الميثاق، ناهيك عن "استعادته". فالمؤتمرون معك هؤلاء يحتاجون للتدرُّب على استعادته منك أوَّلاً، قبل أن يذهبوا بتدريباتهم "الشفاهية" تلك ويطبقونها على استعادته من عمر البشير، على واقع الثورة العملي. فإن كنتَ لستَ بقدر ولا حجم ولا فهم هذه التضحية، فالناس لا يحتاجونك في شيء إن لزمت دارك. فكلُّ امرئٍ مُسَخَّرٌ لما خُلق له. فقط انصرف لما أنت مُسَخَّرٌ له من الهجاء، ودع عنك إملال الناس بحجوة {ضبيبنة} العمل العام تلك.
    نعم لينصرف إلى "الهجاء" فهو به أليق، وله فيه سهمٌ ورسوم. لأنَّه رجل وَطَبٌ وفجُّ الحاشية، غليظ الأريكة ودميم العبارة، ما قَدَّم نفسه إلى العالَمين إلا في اكفهرار "مالك" و"التسعة عشر". وإنِّي لا أمزح، ولا أفتري، فالرجل قد اصطنع له لَوَّاحَةً للبشر، أسماها {جهنم}، يُصدرها من حين إلى حين، حسب احتقاناته. "جهنم"؟ تخيّل! مثله ومثل آلهة السابق كما يقول جبران خليل جبران، عبر عنوان كتابه المنعوت بـ"الأرض وآلهة السابق". ثم شرع تحت ذرائع النقد الذي هو منه براء إلى يوم يبعثون، بُراءٌ في قسطاسه وسَمْتِ من يعملون عليه، شرع بعدها في إلقام جهنمه تلك بمثقفي السودان وسُراته، وما لا يخطر على قلب بشر، من مُعَذَّبي الأرض. كلما عصفت به الأهواء، ومزاجاته الشخصية، ونقماته الخاصَّة، يُقَضِّي بها أوطاره على طريقة "التنفيس" المعروفة في علوم النفس ومدارسه.
    أيُّ ناقدٍ هذا الذي يسعى دوماً لتعييب المُتثاقفين معه على طريقة الكوشرثيا الضارة! لا تعييب أفكارهم ومثاقفاتهم كمعرفيين!؟ بالتمام والكمال يفعل، كما تفعل صحيفة "الدار"، وكما فعلت قبلها صحيفة "ألوان" إبَّان تلك الديموقراطية التي ما أزهق روحها سوى جنس هذه الصنائع المرذولة لهؤلاء الإسلاميين أنفسهم، حين قَدَّموا على صحفهم أشباه ما هو نظام ونقد في أقداح الفوضى. عبر نقد الأداء الإداري، من أبواب ما هو شخصي، وتحويله بذلك إلى بئر نميمة واقتتال أُسَري. يعود بنا إلى المجتمع الأسراتي الأوَّل. الأمر الذي مَسَخَ الدولةَ بكاملها إلى شخوص أولئك الموظفين وحيواتهم الخاصَّة والأسرية. وذلك كلّه جرى في وديان "جهنم"، غريبة الأحاديث ومرسلتها، من جنس وادي "الوَيْل" و"سَقَرْ" و"الفَلَق" وأحاديثها الغريبة والمُنْكَرَة. وكذلك، على صفحات "دار فور أوول"، هاجَم وشنّع وبشّع بحيث ما أبقى أحداً، ولا اكتفى. ما أحال دارهم الأخرى إلى مجلس الفورلاب النمّامين. أو بالأحرى "ديم الفورلاب" كما هي معاني لفظة ديم، إذ بَيَّنتُها من الكوشرثيا، بمعنى الإقامة الدائمة، من {دامَ الماءُ، يدومُ دَوْماً، وأَدَمْتُه إِدامةً، إذا سَكَّنتُه. وكُلُّ شيءٍ سَكَّنْتَه فقد أدَمْتَه}، العين، للفراهيدي. أمَّا اللاحقة أو الـsuffix "آب"، فهي كوشية تُلحق بذيل المفردات العربية في تسمية ونسبة الجماعات الإثنية والجغرافية نحو {الميرفاب} و{الرباطاب}.. إلخ، كي نضيف وشيجة الأرومة المعيبة، ووشيجة الصداقات المتراشية، أو كما تقول الكوشرثيا {ناس شَيِّلني وأشيَّلك، قِيِلني وأقيلك}، وننفي وشيجة التثاقف الحق، العادل، واحترام الحقوق الديموقراطية عن "دار الخمج" تلك.
    وأصدرت نجاة، شريكته الأعلى سهماً في قسوتهم على المحاورين وابتذال آرائهم وإنسانيتهم، بعد محو مادَّة الكوشرثيا التي نشرتها، وتجريدي من كلمة المرور للدفاع عن آرائي، كتاباً ناقشت فيه ما دعَته بـ{حدود حرية التعبير المرعية في وسائط النشر والاتصال} بكل تخليط مَكَّنتها منه الأحداث والقدرات. وقالت في مطلع كتابها أو بوستها ذلك:
    {لحرية التعبير حدودها التي يجب أن لا تتجاوزها، خاصة ً في وسائط النشر والاتصال العامة من صحافة وإذاعات ومحطات تلفزيونية ومنابر للحوار}.
    فأي حدود تعبير تجاوزتَها مادةُ الكوشرثيا التي نشرتُها؟ إنَّني جئتُ بها من عينِ الثقافة التي رَقَّيتم أنفسكم جنرالاتٍ على سُدَّتِها بعد تنفيذ انقلابكم فيها، بالانقلاب على موازين ديموقراطيتها حيث تتمشدقون! فما فرقكم عن عساكر الجبهة الإسلامية إذاً؟
    أفلا يناظر حَسَنُكُم هذا، حَسَنَ الآخر اسماً وسلوكاً!؟
    فـ(حدود التعبير ليس لها سقفٌ، إن لم يكن التعبيرُ عدواناً يهدم دستوراً علمانياً أنجزه مجموعٌ عبر الترشيح والاتفاق السلمي. أو إن لم يكن نَسَقَاً فكرياً أو سلوكياً يعمل ويستقصد تعريض حياة الآخرين للخطر، عبر ممارسة ملموسة حين التقاضي).
    وهذا تعريفٌ أقترحه من عندي، وأعتبره مانعاً جامعاً، في ضبط حدود حُريَّة التعبير، التي أعيت الناسَ أن يُحَدِّدوها، بالحيث الذي لا يكبح تقَدَّم الإنسانية الفكري، والسلوكي، كما لا يُعَرِّضها وثقافاتها إلى الزوال.
    حتى هذه الجماعات التي تُؤمن بتكفير الناس ومن ثَمَّ قتلهم، يجوز لهم أن يُعَبِّروا عن أنفسهم، ما دامت هذه المجموعات تتبع أسلوباً سلمياً عبر أدوات التعبير المقبولة وغير المتبنية للعنف، وما دامت "تعتقد" القتل، ولا "تُصَرِّح" به علانية، وإلا لأصبح تحريضاً على إزهاق الأرواح والقَتَلَة يستوجب الملاحقة القانونية. أمَّا التعبير، الذي هو خلو التحريض من القتل، مثل الدعوة السلمية، في المساجد والأسواق وأدوات الإعلام.. إلخ. فمسموحٌ لهم أن يُعَبِّروا عن أنفسهم في دعوة الناس لأن يتبعوا منهجهم في الحياة ومعتقدهم "فقط" غير المُصَرِّح بالقتل. ولا يستوقفهم القانون، ويحرمهم من هذه الحريّة إلا إذا شرعوا، عملياً، في التحريض، أو التنفيذ أو التخطيط الملموس للقتل، كأن يشتروا أسلحة مثلاً، أو يُوفِّروا خُرَطاً لتنفيذ خطة إرهابية ما، أو باختصار، لا يستوقفهم أحدٌ، إلا إذا أتوا بما يتجاوز حرية التعبير السلمية والفكرية والنظرية، إلى حرية أخرى، ضد ذلك كلّه، وتُعَرِّض حياة الآخرين للخطر، ويمكن عرضها للتقاضي، وإثبات ذلك التجاوز ضدهم أمام القضاء.
    أعيى الناس أن يُحَدِّدوا حُريَّة التعبير ليس لكونها صعبة، ولكن لأنَّ معظم المجموعات التي انْتَدَتْ لأجل تحديدها، أرادت تدجينها بما يحمي مصالحها ابتداء. ومصالح ما هو "منتخبٌ" حسب رؤيتها، لأديان وثقافات وأعراق ورؤى ما تبقَّى من المجموع. أي أرادوا تسخيرها لا تعيينها، كي يُعَبِّرُوا هم فقط، ويحرمون غيرهم من التعبير. بالضبط، كما فعل الطيب مصطفى، حين حَذَفَ وسَنْسَرَ حريّتي في التعبير وحَظَرَ كتاباتي، بذات دعاوى وسائط النشر والاتصال، لأنَّه كان وزير الاتصالات حينها. فأنتم والطيب مصطفى، أين تُريدون أن يعبّر لكم الناس؟ بالأدق أين هي مواقع التعبير قائمة، في مَرَايا الحَمَّام أم على وسائط النشر والاتصال!؟
    فهل يرى ثلاثي إدارة فور أوول أنَّ تلك "الأمثال البذيئة" إذ يعتقدون، تشتجر وما رقَنَّاه أعلاه!؟ أتعتدي على دستورٍ بالكيف الذي وصفناه به، أم يا تُرى تُؤَسِّسُ إلى أنساقٍ فكرية وسلوكية، تعمل وتستقصد تعريض "حياة" آخرين إلى الخطر، وبوسعهم جَرِّ إرهاب "الأمثال البذيئة" ذلك، القاتل للإنسانية، إلى القضاء وإدانته في التخطيط الإرهابي، أو الممارسة لقتل البشري!؟
    أم ما هِيَ مشكلة إدارتهم معي ومع ما أنشره من كتابات؟
    بأي حال، الدكتور حسن موسى، بَيَّنَ أسباب نقمته عليَّ تلك وعلى كتاباتي، حين قال عَنِّي "النقد"؟ الآتي، ودون أن ترمش له وسيلة تفكيك معرفية:
    {أنا انشغلت بشوية شغلانات تانية و نسيتو لغاية يوم بالصدفة شفت الصورة العجيبة الفي " مكتبة محسن خالد" و مسرّح شعرو زي ابطال الأفلام الهندية بتاعة الستينات. و الله يا عبد الماجد من يوم ما شفت الصورة دي اقتنعت إنو أديب متصوّر بالهيئة دي ما في خيرا يرجى منو}.
    وربما يصلحُ قولُهُ هذا في تفسير صنائعه الذميمة في حقي، وحقوق آخرين كُثُرٍ. فعدوانه على عشرات البشر والمُثقفين السودانيين، لا مُبررات له، إلا إذا كان الدكتور يَصْدُر في عدوانه ذلكم عن تأمله في صور الناس وهيئاتهم، والحمد لله الذي يُحمد وحده على المكروهات والبلاء، والابتلاء! ولو أنَّ الدكتور لم يُشِرْ علينا بالتسريحات المُناسبة، التي يُرجى منها الخير، والثقافة، والعلم، عسى أن نترك كتاباتنا هذه، وننفق تعبنا وشقانا، وسهرنا هذا، على محلات الكوافير. أمَّا إن كان يتحَدَّث عن هيئتي ذاتها، فالله أعلم، بحسب نظريته تلك في ارتجاء الخير، أن يَصْدُر عنَّي خيرٌ في هذه الحياة الدنيا. فلا أظن أنَّ محلات مكياج وكوافير الدنيا كلّها بوسعها أن تحيلني في عيني الدكتور إلى "دي كابريو". وقبح صورتي المعنية، مما ضَرَّسَ الدكتور وحملتُ صليبه بمفردي، على استعدادٍ لأن يربك مجموعة من الأشخاص ذوي المعنويات العالية، إذا قُسِّم عليهم! لا نصيب ولا حظ لنا إذن من فعل الخيرات، والثقافة، كما تقول نظرية الدكتور الصورية تلك.
    ما حدا بالمُثَقَّف السوداني، الأستاذ عمر علي، لأن يكتب تعليقاً في سخف كلام الدكتور، على صفحات سودانيز أون لاين، لدى هذه الجزئية، حاكياً عن الدكتور:
    {انه حين رأي لاول مرة صورة محسن خالد بتسريحة شعره علي
    طريقة ابطال الافلام الهندية اسر لنفسه بانه لا فائدة ترجي من اديب بمثل هذه التسريحة.
    وها هي معايير شروط النشر يا صديق كبلو في " اوف اوول" حسب التسريحة وليس
    حسب شئ آخر}.
    ومن ضمن ما جاء في آراء عمر علي حول الموضوع أيضاً، قوله:
    {ان القمع الفكري الذي تعرض له محسن خالد امر يستحق الشجب باقوي الكلمات وواضحها وليس هناك مجال للمجاملة وانصاف المواقف لانه تعد علي حرية التعبير وحريةالبحث..وبالاضافة الي ذلك استخدام رخيص لاسلحة سلفية فاسدة لتبرير القمع الفكري..وهي نفس الحجج التي استخدمها سئ الذكر الطيب مصطفي عندما حاول حجب هذا الموقع بسبب نشر ورواية تموليت.. واذا كان الذين يقبعون في عاصمة " النور" يقولون اليوم ان " لحرية التعبير حدود " فلماذا نلوم اذن مفتي الديار المصرية القابع في حي الحسين او الشيخ العثيمن او الطيب مصطفي القابع قرب خط الاستواء}.
    وهاجمهم مئات المثقفين والمثقفات، على اعتراضهم حرية التعبير، وعلى استبدادهم بالرأي ونفيهم الآخرين مع تشويههم، وإلحاق الأذى الشخصي بهم، ولكن كما يقولُ دُرَيْدُ بن الصِّمَّة، لقد أسمعتَ إذ ناديت حَيَّاً، ولكن لا حياة لمن تنادي.
    هذا هو حالُ الرجل، الدكتور حسن موسى، ونصيبه من فهم وممارسة الديموقراطية وحقوق التعبير. وهذا هو عتاده من المنطق وإقامة الحُجَج. وهذي هي اهتماماته، التي يُلَقِّبُهُا ويُكَنِّيها بـ{العمل العام}، وما يَفْتَتِحُ على قَرْنِ شَرَفِها، وذَيْلِ ناصيتها، متجراً شخصيَّاً ودنيوياً لـ"جهنم".
    ***
    والدكتور الذي سَبَق هذا، هو أحد أعضاء المجلس الثلاثة، الذين تظاهروا على وأد مادَّة الكوشرثيا التي نشرتُها على منتداهم. وقد اطَّلعنا عليه في اليسير جداً من أقواله، وفعائله. لندعه وراءنا إذن، وننظر في أقوال وفعائل الدكتور الثاني، والمعروف جداً، أكثر من الأوَّل. وهو الدكتور عبد الله بولا، البشير والشهير. اقرأه في صَنْف ونوعيَّة أسئلة وجَّهَهَا لي، لتعرف تصوُّراته وممارساته للديموقراطية، وانسَ الديموقراطية {ست اللِّسم}. فقط دعنا في مجرَّد ديموقراطية شفاهية، وظاهرة أسافير، ومغتربين عن بلادهم المنهوبة ديموقراطيتها الواقعية. هذه الأسئلة وَجَّهَهَا لي حين النقاش حول وسائل وآليات إدارتهم لمنبر حوار يزعمون بأنَّه ديموقراطي! طالع أسئلته لي أدناه، لأنَّني اقترحتُ عليه مسألة أن يُصوِّت الناس على تخطئتي، بدلاً عن أن يكونوا هم الخصم والحكم والجلاد، في الأحوال كلّها، وضد الناس كلّهم. فهم قد سبق لهم وحذفوا مادَّةً لي في التفريق بين علمانية الدولة والعلمانية في إطلاقها، أنزلتُها في وجه تعريفات شريكته العائلية والثقافية -نجاة- للعلمانية. تعريفاتها تلك، التي تحصل عليها بالإلهام و{نومة الخَيْرَة}، كما يحصل الشعراء على قصائدهم، والمستخيرون على هلاويسهم الخاصَّة، حينما تَرْتَدُّ إليهم ككشف.
    لكي تتأكَّد من كون فكرة الديموقراطية ذاتها، تبدو لبولا أكثر غرابة من بهيمة الجساوسة (The Apocalyptic Monster) من إرث اليهود والنصارى. ما وردت في آية القرآن {وإذا وقع القولُ عليهم، أخرجنا لهم من الأرضِ دابَّةً تُكَلِّمهم، أنَّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون}. راجع أشراط الساعة لدى الإمام مُسلم لتسمع عن هوائل هذه الدَّابَّة ولن تجدها أفظع من هوائل بولا أمام الديموقراطية، ولا أفدح من تهوُّلاته هو نفسه في وجه الوسائل الديموقراطية وآلياتها.
    إذ يستنكف عن الاسترشاد برأي المجموع، بهذه الطلاقة أدناه، ويا للأسف، اقرأ قوله لي:
    {وتقول في سياق مطالبتك للإدارة بالاسترشاد برأي مجموع أعضاء المنبر في صحة أو خطأ موقفها إزاء ما صدر عنك من عباراتٍ مسيئة في اعتقادنا ووفق قوانين منبرنا.. بولا} ثم يقتبس قولي الآتي:
    {وخُذ قصي هذا الفتى المتنوِّر والباسل صوتاً معي، إن كنا فعلاً نؤمن بالديموقراطية ونريد أن نجرّها من هذا المكان الافتراضي لواقعية السودان. م. خالد}.
    ثم يواصل استخفافه بي وبرأي المجموع الديموقراطي هذا، حتى يبلغ به غُرورُ امتلاكه لتلك العِزْبة التي يدعوها منبراً للحوار الديموقراطي، موضعَ أن يسألني بهذا الحجم من الفاجعة الديكتاتورية:
    {هل تعني أن نجري استفتاءً في المنبر لمراجعة أو لحذف ما تعتبره الإدارة غير لا ئق بالحوار، ومخالف للمبادئ المقرَّة فيه؟ اعتراضنا على ما صدر منك من عباراتٍ غير لائقة ومطالبتك بحذفها وتعديلها محتاج لاستفتاء يا محسن؟}.
    نعم، ولِمَ لا يحتاج لاستفتاء؟ هذه أُعطية الديموقراطية لي وحقي في التعبير وماهي بصدقةٍ منك، يمكنها أن تُدخلك أية جنَّة ما ذات يوم. انظر إليه كيف يستنكر الاستئناس برأي المجموع {الصفوة} ويبتذله! وكيف هي مسألة أن يحذفَ رأيي ويُبقي رأيه الصمد، هي مسألة يسيرة عنده، ولا تحتاج لهؤلاء المعازيم الديموقراطيين في شيء!؟
    نعم، لِمَ لا تستفتي؟ أهذا المجموع الذي تسمونه بـ{الصفوة} والطلائع المنوط بها جلب الديموقراطية وصيانتها وحمايتها، أفلا يجادلك هذا المجموع في مُجَرَّد تداول الآراء هذا!؟ ناهيك عن كراسيِّ الإدارة التي اقتعدتموها بعدد صَلَبَتِكم لا بعدد أصوات!
    ما دمتَ أنت تتدرَّب على دور دكتاتور منذ الآن! وهذا المجموع لا يستطيع أن يتدرَّب معك أنت على إبداء رأيه، وصيانة الحرية والديموقراطية والعدل! أنت الذي لا تمتلك سوى عِزْبَة وهمية، في الفضاء، بثلاثمائة دولار على الأرجح! أفترى أنَّ بوسع ذلك المجموع استرجاع الديموقراطية مِمَّن له جيوشٌ، وفي كل جيبٍ من جيوبه تقبع مليشيا، وممَّن أحال بيوت الشعوب السودانية كلِّها إلى داخليّة أشباح!؟ أيستوي حذفك للمواد، وأخذك للباسويرد، بحذفه لأعضاء البدن وأخذه الأرواح، والطين، وهتكه الأعراض، وحَرْقِه النَّسْل والزرع والضرع!؟
    أنتم تلهون إذن، وتؤسِّسون لطائفية كريستيان ديور هذه المرَّة. فلِمَ لا تستفتي إن كنتَ أنت الخصم والحكم والجلاد، أو فِيَم اجتماعُ {الصفوة} ذلك حينها؟ أليحفروا النميري من تربته؟
    إذن فليبدأ قَرْنُ هذه الجساوسة تصديعه لأرض الكفاح من هنا، كِشْ قيامة الدكتاتور.
    مَنْ مضى طاغياً ليفتك بالفلسفة بعد أن فَتَكَ بالديموقراطية وحقوق التعبير، ويقول بكل هذه الشناءة المعرفية والإهمال النظري:
    {مع إنو يا محسن وأنت أديب وأريب، الحقيقة ليست بالكثرة كما قال على سالم في مسرحيته البديعة "أوديب ملكاً"}.
    يُقَدِّمُ لِيَ الدكتورُ رِشَىً بأديب تلك على ما يبدو! طُعْم ابقَ هنا، اسبح وجَلْبِق، ودع باقي البحر لي. فَرْصِدْ حتَّى تشبع، ومُلْك الدالية مُلْكِي.
    تَمَنَّيتُ لو أنَّ اهتمامي بالأدب، كان يفوق في نفسي وتَطَلُّع اجتهاداتي، اهتماميَ بالفلسفة والتنظير. لربَّما مَشَّيتُها حينها للدكتور، تغافلاً من عندي! وخَرَّجتُها له تخريجاً أدبياً غشيماً، باعتبارها قطعة ليركس شتراء. من جنس ذلك الليركس الأشتر، الذي يُرِيدُ أن يَحْلُبَ بقرة البلاد الكوشية بِـ{بَوْ} بناتها وبنيها الكوشيين. والبَوْ، هو {العبوب}. أي أن يُسْلَخَ جِلْدُ العجل الذي يموت وليداً، ويُمْلأُ بالقش. تُمَكيجُ فطيسةُ الوليد الصريع، حتى تحسبه الأُمُّ وليدَها. فتنخدع بذلك، وتدر اللبن لجثَّة صغيرها المتوفى، فيلهطه الخادعون. وكنتُ في حينٍ من الزمان، أرى أنَّ أقصي مراحل فساد الرأي يبلغها شخصٌ يحاورني، هو أن يضطرني لأُنادي فيه بعد إتمام رأيه الفاسد ذلك، بصيحتي، الصُّوُر، والقاضية.. (بَوْ). كلامك بَوْ. وهي أقوى، وأبلغ، وأمضى من صيحة الإنجليز إثر الرأي الفاسد Bull.sh.it . فـ"البَوْ" يرتبط بما رويناه آنفاً من تلك الحكاية القاسية، حكاية من يشربون اللبن بمكيجة الفطيسة، ومن ضرع فجيعة الأُمهات الثَّكْلى وما دَرَيْن.
    أتقول يا دكتور، في هذا المقام، مقام الديموقراطية، وحقوق إبداء الرأي {الحقيقة ليست بالكثرة} كما قالت مسرحية ما!؟
    بَوْ... يا دكتور بَوْ.
    أتَتَبَنَّى قولاً مثل {الحقيقة ليست بالكثرة} كي تستخدمه في مقام التصويت والديموقراطية!؟ أي فداحة عشواويَّة هذه وإهمال في استدلالك يا دكتور! كما تريدُ تجييره بِرِشى تبسيطية، وختّالة، كهذه {يا محسن أنت أديب وأريب}. يا أستاذ إنَّني الفيلسوف ذاته. أنا ابن قَلَمٍ، وطلاّع الكتابة، هذه ليست قضيتنا، ألا انتبه لما تستدل به من مقام البحث في "الكُنه والماهيّة" لتجعله ضد الأغلبية الديموقراطية.
    وجنس هذه العبارات، التي سلفت للدكتور حسن ونجاة، وهذي التي لبولا، لثلاثتهم، إن صَدَرت عَن أهلِ زعمٍ بتأسيس {جمعية سودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية} وعَمّن نادوا بمنبرٍ للحوار الديموقراطي لأجل إعادة وصيانة الديموقراطية وإشاعتها! حينها لا بُدَّ إذن من جَرِّها، أي هذه العبارات، نحو حنوط متحف وبرودته. ليس بالوسع ترك مومياءات ثمينة كهذه، تتمَدَّد في موتها الخَلَوي هكذا، دون تكريم.
    فالتاريخ من خصائصه، أنَّه يُكَرِّم بلا فرز، ويُؤَرِّخ لمقولات النبي مُحَمَّد، مثلما يُؤَرِّخ لمقولات أبي جهل.
    وإنِّي أجنح هنا، للتأريخ لهذه العبارات والأحداث، لأنَّ أهلها هم من تصدَّوا لجمع الكوشرثيا، هم ثلاثتهم، الذين اختَّصتهم العناية الإلهية، على وجه التعيين، بـ{جمعية سودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية} فتأمَّل فساد الدهر، الذي غَدَوْا له خميرةً تُرَوِّبُ أزلَه وأبدَه. وتأمَّل فساد الحكمة والسلوك مأزولاً ومأبوداً.
    فالأمر المتفق عليه، وسط هذه العلوم الإنسانية التي جهلوها ثم تظاهروا ضدَّها بالوأد الخائن لها وبالقمع، ضد تعريفات الفولكلور كلّها، وجميعاً، التي تؤكِّد أنَّه يبدأ بجمع هذه المواد أوَّلاً. فهو يؤخذ من أفواه الناس ولا يؤلَّف. الأمر الذي شَجَّعني على استغلال الإنترنت كوسيلة ناجزة ومخترقة للقارات، لم تكن متاحة لجامعي العصور السالفة، لكي يزوِّدني الناس بمواد لستُ محيطاً بها. فالكوشرثيا هذه متنوِّعة وشاسعة بحجم وشساعة السودان. وقد وَضَّحتُ هذه النقطة تمام الوضوح في المقدِّمة التي نُشرت مع الحصيلة الأولى من الأمثال السريَّة التي قمتُ بنشرها، وحُذِفَت. بَيَّنتُ غرضي هذا على النحو التالي، الذي يمكن مراجعته من بوست الأمثال السريَّة بمكتبتي، وعبر إطلاقي لهذا النداء كخاتمة لمُقَدِّمتي {فأعينوني في رفد هذا الكتاب بما تعرفونه وأجهله، فكلي ثقة وإيمان بأنَّه سيكون لاختلاف معارفنا وجغرافياتنا الصغيرة تلويناً زاهياً، بأصباغ وألوان محنّكة وفاتنة، كي نرسم الكثير من الحكمة هنا}.
    ***
    وحتى سعيي وراء الجمع هذا، الذي هو بخصوص الكوشرثيا، عتبة لا يمكن القفز عليها ولا تجاوزها، اتَّخَذَها بعضُ مناصري حملة القمع تلك، كحُجَّة يستميتون بها في مقاتلة الموضوع إن لم يكن يحتوِي قراءاتٍ متينةً تُرافق هذه الأمثال، التي هي جزئية اخترتُ الاشتغال عليها من مواد الكوشريا الوفيرة وأبوابها المتنوعة، كما سيستبين لاحقاً في هذا الكتاب. ومثالي على هذه الفئة وسيطة الرفض، التي طالبتني بقراءة مع هذه الأمثال، هو الدكتور صدقي كَبَلو. مَنْ وَجَّه إليه عمر علي حديثه الذي اقتبسته فيما تَقَدَّم لي من حديث. وأجبتُ الدكتور كَبَلُّو في حينها، بردود مُطَوَّلة، مفادها أنَّ الحقل الذي أشتغل عليه هذا طبيعته تختلف ومسألة الجمع هذه وحدها أكثر من كافية كمساهمة لي. وعلى الناس مراجعة مصادر هذا الحقل قبل إطلاق الفتاوى، ولكن لا مُجيب. بل إنَّ الدكتور صدقي أفتى في الموضوع من خلال قراءة شخص آخر، لأنَّ الموضوع كان قد حُذِف من سودان الجميع، وصرَّح بذلك هو نفسه {أنا لم أقرا بوستك المحذوف ولكني أثق في من قرأه من أصدقاء عرفتهم لأكثر من ثلاثين عاما} تخيَّل! عرفهم لأكثر من ثلاثين عاماً، أو برواية {أظرط}، عرفهم للدرجة التي ينوبون عنه في القراءة وإطلاق الأحكام! "بَوْ يا دكتور بَوْ". هل يا تُرى إن قفزنا فوق هذه الهُوَّة الأسطورية في لامعقوليتها وفجيعتها، سيكون بوسع الدكتور بعدها تغيير رأيه حين ينام أصدقاؤه الموثوقين أولئك، وتأتي ورديِّتُه هو في القراءة!؟ ليس في وسعي القول إنَّ ذلك سيُعَرِّضَه إلى التناقض. التناقض بعد {الهجائم} هذي، كما تصف الكوشرثيا، سيغدو مفردة مضحكة، لأنَّ الموضوع مستحَمِّي لدرجة بَطَّالة. وجُمْلة قُرئ له، مادةً فكريةً تُقرأ قراءةً، كما حُكِم عليها بالنيابة عنه، تغدو، مُطَابِقةً لأن تقول لابنك خُذ سيارتي ووصِّل ناس خالتك بيت العرس! هذي الإفادة الصادرة عنه، هي بالأساس آتية من بلاد ما وراء المنطق، وهناك الأمور مختلفة، ولن يحكم عليها إلا جالبو بضائعهم من وراء تلك الحدود. بأي حال الدكتور جاء إلى بوست الأمثال ذلك مرَّة ثانية وأعلن {قرأت للتو بوستك الذي حذف ولم أرى داعيا لتغيير مساهمتي أعلاه}.
    وذلك قد كان فعلاً، إذ لم يقم الدكتور صدقي بأي إضافة أو تعديل على رأيه، لا بخصوص الموضوعة المعرفية التي بالأصل هذه هي طريقتها الوحيدة في المعالجة، أي أن تُبْدَأ بهذا الجمع! ولا بخصوص حقوق إبداء الرأي، كما تقدَّم.
    بل تساءل الدكتور صدقي، بطيبة تتجاوز الحدود كُلَّها من قوله {ما هي العلاقة بين سحب بوست وحرية التعبير?}.
    ولا أدري لماذا لم يواصل الدكتور تساؤلاته الفلسفية هذه!؟ كي يسأل على هذا النحو مثلاً، ما هي العلاقة بين سحب كتابتك وحقوق التعبير أوَّلاً؟ ثم ما هي العلاقة بين سحب باسويردك ومنعك من الكتابة على ظهر ذلك الموقع للأبد وبين حريّة التعبير ثانياً؟ وما دام الأمر قد أضحى أمراً عجائبياً هكذا، فحتى لو أغلقوا فمي ذاته بطبلة {مَسَوكرة}، فبوسع الدكتور أن يأتي ويسأل، ما هي العلاقة بين طبلة مزرودة على الفم وحقوق التعبير ثالثاً.. إلخ.
    إذ يبدو أنَّ العلاقة بين سحب بوست أو مادَّة منشورة، وبين حرية التعبير، علاقة غيبية يمكن نفيها، أو تقوم في مدى تجريدي مستعصٍ! أو لا تعليق على تساؤل الدكتور هذا بتاتاً. يكفي فقط تثبيته للعدم، وليس "لفطنة القراء"، كما يرشو، أو يستغشم الكُتَّابُ بهذه الرشوة الجاهزة "فطنة القراء" قراءهم حين يُريدونهم يقرؤون كتاباتهم كما يُوحون هم، الكُتَّابُ، بالقراءة المطلوبة. وإن كان الأستاذ عمر علي قد رد على الدكتور بقوله:
    {ثمة تضليل يمارس هنا واحتيال مفضوح علي ذكاء القارئ..ان تعتذر مجلة
    متخصصة في مجال تحسين البذور عن نشر دراسة متعلقة بهندسة المباني
    المقاومة للزلازل علي سبيل المثال امر لا علاقة له بحرية التعبير بطبيعة
    الحال يا د. كبلو ..ولكن عندما يتعلق الامر بمنبر اسفيري كتب علي مدخل
    رواقه [ منبر الحوار الديمقراطي ] فان الامر جد مختلف لان الحوار. ليس
    محددآ باطر معينة ولا بموضوعات مخصصه وحسبه ان يكون ديمقراطيآ طبقآ
    لمنطوق العنوان وما جري لبوست الامثال السرية ليس من الديمقراطية في شئ.
    ..وهذا ما قصدته بالقمع الفكري في " فور اوول " وانتفاء حرية التعبير....
    وحرية الدراسة فيه}.
    وتذكيراً منِّي هنا، أقول إنَّ مجلس ثلاثي الإدارة للمنتدى، لا تنسَ، أنَّه يشمل بولا. ما يعني أنَّه هو الآخر أقَرَّهَما، حسنَ ونجاةَ، على قرار الشطب والمحو للمعرفة، والاستبعاد لمُسَاهِمٍ ثقافي دون جريرة. هو بولا نَفْسُهُ وبنفسه، من استخدم هذه الكوشرثيا عبر مَثَلِ {يِبَخِّرُوا فيها، وهي تَظَرِّط} مطلقاً له في وجه أحد محاوريه. فتأمَّل أدب الدكتور وحياءه! وهو أقَرَّهَما، حسنَ ونجاةَ، على قرار تجريدي من حق إبداء الرأي والتعبير على صفحات المُنتدى. ولو أنَّه لم يُشارك في سجالات تلك المادَّة، وإنَّما اكتفى بسجالاته معي، أو بالأحرى مناصرته لشريكته العائلية والثقافية نجاة، في كوارث تعريفاتها التي اقتبستها أعلاه وعَلَّقتُ عليها خفيفاً بخصوص العِلْمانية وحدها. وخلطها المُريع بين العلمانية في إطلاقها وبين علمانية الدولة. أمَّا موضوعة الأمثال فقد تَولَّى كِبَرَهَا الدكتور حسن موسى والأستاذة نجاة، وأقَرَّ بولا إزالة مداخلتي عن العلمانية، كما أقَرَّ سحب باسويردي بوصفه عضو مجلس إدارة حين إنزال جزئية الكوشرثيا تلك، بعد حذف المادَّة ذاتها. وهنا قوله بخصوص إزالة كتابتي عن العلمانية كما يُعلن أنَّ لإدارته تلك "مخزن" تفوح منه رائحة الكتابات المُمَاتة على أيديهم، والعياذ بالله! اقرأ هذا الإعلان المُطلق من باريس {لقد حذفنا المداخلة كلها، وأحلناها إلى مخرن الإدارة. لأننا لسنا مكلفين بإعادة صياغة العبارتين اللتين "ترى" أنهما "من كلام الناس الطبيعي جداً ودارجتهم". ولأننا لا نجادلك فيما "ترى"، ولا نمنعك أن ترى. إلا أننا نطالبك بحذفه، وإن تعذر ذلك حذفنا المداخلة بأكملها كمارأيت وللأسباب التي ذكرتها آنفاً}.
    وقارنه بكلام هذا الرقيب البوليسي الآخر، الإسلامي هذه المَرَّة، المُسَمَّى إسحق أحمد فضل الله. حينما أحال كتابي "إحداثيات الإنسان" إلى مخزن بالخرطوم، أو بمباني برنامج ساحات الفداء، اقرأ:
    {حسب ما جاء في خطابكم ، بحثنا طويلاً عن سبيل يجعل الرواية هذه تقدم للنشر مع قليل من التعديلات عن الثاني كذلك . ثم جاء الجزء الثالث الذي يأخذ الطريق إلى كل محاولة للإصلاح.
    - وهكذا نجد أنفسنا = آسفين = ونحن نرى عدم صلاحية الرواية للنشر . (علامة = كما في الأصل)}.
    بل إنِّي أجد إسحق فضل الله، أكثر اتساقاً من بولا، فهو يتعامل بأريحية مع وظيفته كسفَّاح كتابات وجَزَّارٍ لها، ولكن اقرأ هذه الجزئية مرة ثانية من حديث بولا، الذي يُرْبِك ثلاثي "المنطق" و"اللغة" و"الخيال" معاً:
    {ولأننا لا نجادلك فيما "ترى"، ولا نمنعك أن ترى. إلا أننا نطالبك بحذفه}، هل قرأتَ في حياتك شيئاً كهذا؟ أحدٌ لا يجادلك فيما "ترى" ولا يحجر عليك أن "ترى"، المهم، آخر كلام فهو يطالبك بأن "تحذف"!
    والأسماء ليست مهمَّة، بوسع رقيب نظام الجبهة ذلك أن يكون إسحق بولا، وبولا أيضاً بوسعه أن {يتمرعف} كما يرد في الكوشرثيا، ويكون عبد الله فضل الله. قطعاً الأسماء ليست مهمَّة، المهم هو الناتج منهما، الذي كان واحداً. واقتناؤهما معاً لمخازن، يَجُرَّان إليها الكتابات المنكوبة. بينما الكتابات تبكي وتتمرَّغ بالتراب، تتفَلَّت منهما، وتتملَّص لأجل تخليص نفسها من الاغتصاب والتشويه بالتعذيب والذبح. يمتلئ شعرها الناضر بالتراب، وخدودها تذبل، بينما هما يركبان على أنفاسها، ويُفَطِّسانها. وإن كانت الكتابات قويّة ومتعوِّدة على المصادمة يلحق بإسحق صديقه علي يس معيناً، وتغيث نجاة شريكها بولا، فلكلٍ منهما مغيثٌ وعونٌ على التفطيس، والكتابة لا أحدَ لها، في وكر قتل الكتابات ذلك، و{كركور} الجرائم التي لا تُغْتَفَر.
    بل إنَّ الرقيب البوليسي الآخر، الإسلامي أيضاً، علي يس، كان معقولاً ورشيداً أكثر من الدكتور بولا، حينما لم يتخذ قرار منع رواية (إحداثيات الإنسان) وحده، فذلك جُرْمٌ مخيفٌ بالفعل، إن كان للشخص علاقة بالكتابة فعلاً. علي يس هذا، كان الرقيب الأوَّل الذي قرأ رواية "إحداثيات الإنسان" وأوصى بالخلاصة الآتية:
    {ما أثبتناه أول هذا التقرير من جراءة لم يعتد عليها القاريء السوداني، وهي عندنا ليست سبباً لمنع النشر، ولكن نرى الاستئناس حولها برأي محكم آخر}.
    حتى هذا البوليس الإسلامي الصغير، لمُجَرَّد أنَّه يكتب بعض أبيات الشعر وحسب، نَهْنَهَ قلبُه فَرَقَاً وهَرَبَ بجِلْدِه، مما خَلَعَ له الدكتور بولا والدكتور حسن والأستاذة نجاة جُلَودَ قلوبهم وجَلَّدوه بها. المسألة تحتاج لملكات أولي عزم، مسألة قتل الكتابة هذه. هي ليست هيّنة لمن فَكَّ الحرف فقط. ناهيك عَمَّن قرأ، هذا إن كانوا قد قرأوا فعلاً، فهرست ابن النديم، وكتابُ فلانٍ أُحْرِقَ، وكتابُ علانٍ أُعْدِمَ، وكتابُ فَرْجَكَانٍ فُقِد، وكتاب الحَبْر مين مين أكلته دويبة.. إلخ. الفهرست في الضياع والفقد، وكذلك في جرائم قتل المعرفة الإنسانية، الفهرست في دمار الأفكار والحسرة. الفهرست عن عالمٍ بلا كتابات ولا كِتَاب.
    ولكم لبثتُ أُفَكِّرُ في قول الطيب مصطفى، أيامَ كان وزيراً للاتصالات، وحينما حَظَرَ أعمالي، كما أفتى بأن {أهل الغرب} أيضاً يقومون بمثل هذه الفعائل النكراء، من قوله:
    {عندما حجبنا ذلك الموقع البذئ الذى ضم كتابات المدعو
    محسن خالد فاننا لم نفعل إلا حرصاً على عقيدة واخلاق أهلنا
    وأرجو الا يتهمنا أحد بالوصاية لأن ديننا يأمرنا بالأمر
    بالمعروف والنهي عن المنكر وانا فخور بهذا الدور والله خاصة
    وأن أهل الغرب يمارسونه بصور مختلفة على مجتمعاتهم وأنت أخى
    بكرى ادرى بذلك منى}.
    ولكنني تأوَّلتُ بعدها، حينما تم حذف مواد الكوشرثيا من باريس، أنَّ الطيب مصطفى "قطعاً" يقصد أهله هو بالغرب، ناس بولا ونجاة وحسن، أمَّا أهل الغرب {أسياد اللِّسم}، فلو سمعوا حديثه هذا لرفعوا عليه، حسب لغته الدينية هذه {قضية قَذْف}.
    لكم هي الأشياء تشبه الأشياء، والعقليات هي العقليات، وَقْعُ الحافرِ على الحافر كما قال المتنبي، ما لا يمكن وصفه إلا بمادَّة الكوشرثيا التي تقول {دا الرَّماد، ودا قَدَحُو}.
    وإله الطيب مصطفى وإسحق فضل الله والكيزان، المزعوم ذلك، له جهنم. وأيضاً صديق بولا وتلميذه، حسن موسى، له جهنم. كلا لا كُتَبَ ولا حِبْر، وقطعاً هي العقليَّة ذاتُهُا والوِزْر، فأين المفر؟
    ومجاراةً منّي لهذا السياق الأسطوري، والنَّسَق الملئ بآلهة يقتني كلُّ واحدٍ منهم جهنَّمَ، ومخازنَ مليئة بالويلات للكتابات المنكوبة، ونفائل الثُّبُور، أقول، لو كان هنالك مبشَّرَون بالجنَّة فالكاتبُ المقتولةُ كتابته أوَّلُهُم، ولو كان هنالك سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّهُ، فالكاتب المقتولةُ كتابته سيّدُ أرايكهم ودوحات ظلالهم. ولو كان هنالك، مَنْ ستساعدهم السيّدة الزهراء في اجتياز صراط القيامة، فالكاتب المقتولةُ كتابته سيُمَسْرِنُ الصراطَ ماسورةَ دوشكا ويعبره طلقةً من بارودها.
    ولكن أسمعتَ إذ ناديتَ حَيَّاً! فمع ذلك وجدوا خدودهم رطبة، رغم شح الحياء المعرفي، ليسأل الدكتور حسن موسى، بعد {خراب سوبا} كما يرد في الكوشرثيا، يسأل الأستاذ أبا بكر {إنتو [ يا أبابكر] " بحث" محسن خالد دا إنتهي على شنو؟ هل تم نشره بأي شكل من الأشكال بعد إكتماله؟ عشان الـ " بحث" بتاع محسن في موضوع الأمثال السرية لو لم يتجاوز تلك الصفحات التي شنقلت الريكة تكونوا دخـّلتوا صاحبكم دا في Cul-de-oie}.
    والكلمة الفرنسية، من سياق موضعها الذي جاءت منه، ومع موضوعتها تلك، تجعل جُملة الدكتور، تعني (أدخلتم صاحبكم في طيز وزّة). فتأمَّل حياء صاحب {الدروة}!
    قاتلُ البحثِ يسأل عن جنازة البحث ونعشه، عن مثواه الأخير، كي يطمئن على صَحَاح مهمّته. تُطربه {مناحات} البحوث و{دافونتها}! والبحث عنده يُقاسُ بعدد صفحاته، لا بفكرته وأصالته، حتى لو كان ورقةً واحدة! وَيْ، كأنَّه أمهلني، أو استزادني عددَ صفحاتٍ أكثرَ وأنا {اتفاسلت} ولم {أتفنجر} معه! فتأمَّل.
    ونِعَمَ بالله، إي يا أخي، نِعَمَ بالله، ولكن البحوث في القرون الوسطى وعصور المحارق لم تمت لطرائقكم هذه، فما بالك بعصر الإنترنت! لأنتم الأشخاصُ المعنيون أنفسهم، من وراء التوحيدي والإمام أحمد وابن الراوندي بالفؤوس والبلطات، من وراء الأفكار بالخناجر، مهما تكن. أنتم أنتم، أنفسهم أنفسهم، ولكن هذه بدائع دهور الإنترنت، وستحفى خيولكم من أرجلها ذاتها، قبل سنابكها، ولن يُبْلِغَ الشَّرُّ بكم.
    وسيُقَطِّعُ لكم استبسال، النِّسَاء والرجال، طريقكَم الملتوي ذلك في رؤوسكم، قبل أحذيتكم في أرجلكم.
    {" بحث" محسن خالد دا إنتهي على شنو؟}، سؤالٌ يستخف بعقول الناس، ويفتقر إلى نقد الذات، وحسن التأمل والاستبصار، ولا يجلب إلا السخرية. ما جعل الكاتب مصطفى مُدَّثر يسخر من الدكتور في سؤاله أعلاه عن "البحث"، رادَّاً إليه خُشارته تلك عبر اقتباسات ثلاثة من حديث الدكتور. كان ثالثها ما عَلَّق عليه دكتور مُدِّثر هكذا: {أما ثالثها فهو سؤاله العجيب عن ما آل إليه بحث محسن خالد!}.

    والدكتور موسى يسأل الآن في شماتة، وربما في "متعة لاهية". وكأنَّما نسي تأليبهم الناسَ والنساءَ لشلِّ حركتي كُلِّها، وإهدارها في الفراغ. كانت المسألة حرباً بالنسبة لهم، في مكان التثاقف وخارجه، وفعلوها مع كل من اختلف معهم و{خسروه في الدارين} كما يرد في الكوشرثيا. وهذه هي طريقتهم المُثلى، التي سَيُقْبَرَون عليها. والأكيدة حتى الآن، لإدارة النقاشات، على صفحات ما يُسَمُّونه بمنبرهم الديموقراطي ذلك، و{العاجبو الحال يقعد معانا و الماعاجبو يمشي} وهذا مقتبسٌ، من كلام الدكتور حسن، وهو يُزَيِّنُ حوارات، في الحقيقة "اشتباكات" الدكتور كلّها، كما تُزَيِّنُ "الفاتحةُ" مَدْخَلَ المصحف، ومطلعَ كل صلاة. حتى إنَّ العبارة أصبحت مأثورة عنه، ويمكنك أن تقولها بدلاً عن اسمه ويفهم السامع عَمَّن تتحدث! أهذه هي الثقافة التي يُمَنُّون بها الشعوب السودانية؟ إنَّما هذا، وعن حق، تأسيسٌ لأنماط العنف الثقافي، المُزدري للآخر، رغم تمشدقات منتداهم، الجوفاء، المكتوبة بثلاث لغات، ما عرفوا أن يقولوا بها، الثلاث، خيراً أو يصمتوا.
    فكل اختلاف لهم مع أحدٍ من بني أو بنات السودان النابهين، تحوَّل إلى قطيعة تلحق بالناس في بيوتهم! فما الذي يريدون تعليمه للناس، البغضاءَ، القسوة، أم تصنيف الناس إلى {صفوة} وعنقالة!؟ أم ما الحكاية؟
    وإنِّي لا أعفيهم أبداً، من معاداة المعرفة و(جَمْعِ) الكوشرثيا عن عَمْد. وأعتقد اعتقاداً، دلائله في يد الجميع، وكَتَبَه غيري ما ينوف عن عشرة كُتَّاب، بل أكثر من ذلك بأضعاف. أنَّهم ينطلقون ضدي على نحو شخصي، من مناطق خافية فيهم. وأنَّها حَمْلة كانت مُدَبَّرة ومُرَتَّبَة تهدف لتشويهي ككائن مُفَكِّر وكاتب وبشري. لماذا؟
    لأسباب انهزام كثيرة لهم في وجهي، لا تصلح لطرحها هنا، في هذه الورقة التي تهتم بالتأريخ للكوشرثيا، والمصاعب الجَمَّة والغفيرة، التي اعترضت أُولى وريقاتها من (جمع) الأمثال السريّة.
    وعليه، فهم اعتبروا تقبّل بكري أبي بكر، لنشر تلك المادَّة على صفحات منتداه، هزيمة أخرى لهم على مستوى النشر. غير هزائمهم، أمامي، الباطنة والمستكينة حَتَّى لِبَى العظام من طفولتهم. وهذا حالهم مع الجميع، مع الكاتب والشاعر أسامة الخوَّاض، مع الكاتب والقاص عبد الحميد البرنس، مع الكاتب عجب الفيا، مع الصحفي المعروف عبد العزيز البطل، ومع الكاتب السياسي عصام جبر الله، ومع الموسيقي طارق أبو عبيدة..إلخ، مع قومٍ تِلْوَ قومٍ، فأقوامٍ دونها أقوامُ. وقديماً جداً كانت مع الدكتور حيدر إبراهيم، في زمنٍ سمعنا به ولم نشهده في نضجنا. أمَّا حديثاً جداً، وبطبعهم لن يكون آخر الأرزاء، فمع الكاتب والمُفَكِّر السياسي مُحَمَّد حسبو. الشاب الصغير في العُمُر والنابغة، الذي أجدُ نفسي معجباً بمساهماته أيَّما إعجاب، وأتأمَّلُ فيه الكثير.
    باختصار، أيَّما أنثى أو ابنٍ لها، فيهما {كَدَّة} تنافس، أو يسمحان بتنشيط إلهام الغَيْرَة السالبة، أو يعملان للتعايش معهم وَفْقَ شروط أخرى، إنسانية وحقوقية، غير قانون خازن جهنمهم بتاع {العاجبو الحال يقعد معانا و الماعاجبو يمشي}، فهو عدوٌ لهم حتى فيما وراء القيامة. إنَّ الكُرْه والنَّقْمَة فيهم، لَقُوىً مُبْدِعة في حَدِّ ذاتها. لدرجة أنَّ أخويَّ بولا وحسن رحلا عن هذه الفانية، فخَفِفِتُ إليهما بتعازيَّ في الراحلين الكريمين، فما أجاب الأوَّلُ تلفوني، وما أجاب الثاني إيميلي. أحَقَّاً هذان أنجبتهما كوشرثيا النفير، والمَلَمَّات، والمُلِمِّاتِ، والفزع ومن {يفرشون لك، توبهم، تأكل فوقو}!؟ أم يا تُرى، ما حجم ما يرونه فِيَّ من ثأرٍ وموضعَ نقمةٍ وجهة خصومة، اخترعوها هم بأنفسهم؟ وما تماديتُ معهم إلا بمقدار ووفْقَ دَرَج! وَيْ، كأنَّما يريان فِيَّ ما كان يراه الزير سالم في أبناء مُرَّة، وَيْ، كأنَّما قتلتُ، وائلاً، من الأخوين الراحلين، أو كليهما!
    أمَّا الأنكأ للجروح من ذلك، والأنكى للسِّجَال حول ذلك، فهو أنَّني كنتُ مَعْدَوَّاً عليه لا عاديا. أو كما جاء في الكوشرثيا {ضربني.. بَكَى، وسَبَقني.. شَكَا}.
    ولذلك تعجّبت من "دهشة" الدكتور حسن، الذي روى بنفسه هذه "الدهشة"، حينما التقى الطيب صالح وسَلَّم عليه الأخير، بشكل طبيعي وبأريحية تامَّة. رغم أنَّ الدكتور موسى كتب موضوعاً طويلاً عريضاً أسماه {دليل الفالح في استخدامات الطيّب صالح}. وممَّا قاله الدكتور عن الطيب صالح في جهنمه تلك، وأترك الحديث للدكتور {قلت للطيب صالح :"عرب شنو يازول؟ انت عبد شايقية ساكت، مالك و مال العرب؟"}.
    تعَجَّبتُ حينها من "دهشة" الدكتور، لأنَّني حسبتُه محترفاً، {كَلَس} وشهماً مثل الطيب صالح هذا نفسه. المُحترفون، سيتركون شأن صراعات التثاقف في مواعينها، ولا يذهبون بها إلى حيواتهم الخاصَّة أو بيوتهم، لتكون غِلاً في نفوسهم، وتُمْرِضُهُم. ولكن ما كان عليَّ أن أتعجَّب، بل كان عليَّ أن أنتبه إلى "مع أي نوعٍ من الناس" أتصارع فيما حسبتُه تثاقفاً، ولك أن تُسَمِّيَه {دواساً}. ما فَرَقَت، علي بالحلال، ما فَرَقَت في موضع مثلنا هذا. فحسن له جهنم، ونجاة ينقصها جيشٌ. كان عليَّ أن أنتبه لكون الرجل يَحْسَبُ أنَّ الطيب صالح جاء بـ"معجزة"، غير سودانية، حينما سالمه وطايبه بنفس طيِّبة. كان عليَّ أن أحذر ولا أعجب، من كون رجلٍ يشارف الستين مثل الدكتور، ولم يصدف أن رأى السودانيين، يفوتون دَمَ الرقاب ذاتها، الدَّم الذي حَرَس صنمَه الزيرُ سالم وعَبَد، لا كلمات التناوش الثقافي وحسب.
    وأُعيد مُكَرِّراً، أمَّا الأنكأ للجروح من ذلك، والأنكى للسِّجَال حول ذلك، فهو أنَّني كنتُ مَعْدَوَّاً عليه لا عاديا. وأنَّني، من كان يجب أن يغضب، ولي غضبٌ مستحقٌ، وأنَّه هو من اغتال مادَّتي المنشورة، وأخذ كلمة مروري كي لا أدافع عن نفسي، ومَنْ حَصَبَنَي بالكلمة والرسوم التي تتمسخر، بل ويُراد لها أن تمسخ و{تَسْخَت} لو بمستطاعها.
    ولكن كما جاء في الكوشرثيا {صَفِّق إيديك، وادِّ ربَّك العَجَب}!
    بلى، ما فعلوه كان خُطَّة، وما أتى به ارتجالُ الأحداث العفوي ولا أتت به بداهة الطبيعة. ولذلك، حينما اختفت المادَّة المنشورة من على موقعهم، بعد حذفها، وحين اختفيتُ أنا أيضاً من موقعهم بعد حذفي، لم يكتفوا بذلك. بل لاحقتني مراسيلهم إلى سودانيز أون لاين. وانضمَّ للحَلْبَة دكتورٌ جديد منادياً بحذف المادَّة، إعداماً، وليس بإحالتها إلى "مخازن" من نوع ما يُشرف عليه بولا وإسحق فحسب، بل محوها من الوجود كلّه.
    وقائد حملة مصادرة الرأي والمعرفة تلك، الدكتور بشرى الفاضل، القاص المعروف، والذي، يا للغرابة، أطلق نداء يناقض مواقفه السابقة كلّها، في أن لا تزال أية مادَّة منشورة، وإنما يُناقش صاحبها حتى يُقْنَعَ بمحوها من نفسه واقتناعه. فَبَعْدُ تركي لموقع فور أوول، جاء هو ملاحقاً لي، في منتدى سودانيز أون لاين، وأطلق نداء، إعدام، مادَّة الأمثال تلك على هذا النحو {هذا لا يجب السكوت عليه}. واجتهد الرجل في حملته تلك، ودعا لها حتَّى هوامَ الأرض، لم يترك حَنَشَاً. دعا لها الطوب تحت خدود الموتى، والبيضَ حتى يفقس ويتبعه أباً.
    أمَّا أوَّل سطر نطالعه تحت ذلك العنوان فهو الآتي:
    { الأعزاء في المنبر الحر
    {تطالعون هنا في بوست مجاور للكاتب محسن خالد باقة أمثال معادية للإنسان في السودان (للنساء والرجال وللنساء بوجه خاص)}.
    هذا ما نقرأه مباشرة بباطن كتاب الدكتور بعد صيحته الاستنفارية، المُسْتَعْدِيَة، والحاشدة للناس من عنوان كتابه {هذا لا يجب السكوت عليه}.
    ولكم ذَكَّرتني صيحة الدكتور هذه، صيحةً أخرى، تناظرها، لُغةً ومضموناً. أطلقها جِلْفاطُ نميمة لا صحافي، من مِلَّة المصالح والمنافع، القارونية النظرية، قبل أن يلتحق بمِلَّة المؤتمر الوطني التطبيقية. أمَّا جِلْفاطُ النميمة ذلك فأطلق تشنجه هكذا {شهادتي لله، هذا الفاجر ...!!}، بهذا الكيف الشَّتَّام، يُحَرِّض الناس ضدي، ويدعوهم للعِفَّة عن البذاءة عبر وصفي بـ"الفاجر". كما يضرب جَرْسَاً لإقامة مزاد ديني، إرهابي، لرأسي، إذ يقول:
    {* أين «عبد الحي يوسف» وعطية محمد سعيد ومحمد عبد الكريم من هذا الفاجر؟
    * وأين طيب الذكر اتحاد الأدباء السودانيين وأين... وأين...؟
    * إنه سلمان رشدي آخر، ولكن بعين ولسان مختلفين}.
    وهذا الجَرْسُ هو ما خَرَج إلينا بوزير الإعلام إبَّانَهَا الطيب مصطفى، ليكتب خطابه ذلكم الذي يردُّ فيه على أعضاء منتدى سودانيز أون لاين، بعد أن قام بحجب الموقع وحَظْره، بدعوى أنَّه يقدم كتاباتي للقراء.
    {هذا لا يجب السكوت عليه} المُطلقة من الدكتور، تعني من غلافها ولَمَّا ندخل لمادّتها بالداخل، أنَّه يجب إسكات هذا الرجل، بلا تردّد وفوراً. بينما نحتفظ بحق الحديث لأنفسنا وحدها! وهي تُطابق صيحة {شهادتي لله، هذا الفاجر ...!!}، تعالوا يا عبد الحي يوسف وعطية محمّد سعيد ومحمّد عبد الكريم، لنُسكت هذا الشخص. وإلى هنا تنتهي المطابقة، الشكلية، وتشابه الهيئة.
    الزيادة المضمونية لعبارة الصحفي تقوم من واقع "تضمين" لا بأس من إسكات ذلك الكاتب، وهو أنا، إلى الأبد. ما تسنده الفقرة الآتية من حديثه {إنه سلمان رشدي آخر، ولكن بعين ولسان مختلفين} فاهدروا دمه كما أهدر شاه إيران دمَ رشدي.
    ولكن الإسكات، في الأحوال كلّها، هو إهدار للدماء، لأنَّ المُسْكَت بالقوَّة، لا بالقانون أو الاقتناع، سيقاوم هذا الإسكات. ولذلك ابتكرت الإنسانية هذا الحل البسيط، في أن يُعَبِّرَ كُلُّ شَخْصٍ عن رأيه.
    رجال الدين هؤلاء لم يولوا ذلك الأرزقي اهتماماً، غالباً لكونهم يعرفونه، ويعرفون {كفاويه}. ولكن الطيب مصطفى وجدها موضعاً للبطولة، وادِّعَاءِ التقوى. كما هي فرصةٌ للتمهيد لذاته "الكاتبة"، صاحبة {الانتباهة}، التي ستتخَلَّق في المستقبل القريب، وقد كان.
    ثم كتب الدكتور بشرى، بقلب كتاب الإسكات ذلك، الكثيرَ عنِّي. بوصفي كاتباً إجمالاً، ولكوني كاتب تلك المادَّة تخصيصاً.
    أمَّا من أين يستمد شرعية معاداته لمادَّة الأمثال تلك؟ فدعنا ننظر في شذراتٍ قليلة جداً مما كتبه. فقد كتب بداخل كتابه المعني، وببنط عريض، أعرض مما استخدمه لباقي كتابته، وكعنوان جانبي، كما وضع تحت الكتابة خَطَّاً. إمعاناً عالياً منه، ومسرفاً جداً، في التعيين والتخصيص، والتعلية فوق باقي جسد النص لما سيكتبه. كتَبَ الدكتور بشرى هذا العنوان الجانبي، شديد الخصوصية، عن المعيارية، والمنهجية التي سيتبعها لاختبار.. أولاً، هل تلك المادَّة بذيئة أم لا؟ وثانياً، هل تُحذف تلك المادَّة، إعداماً، أم لا تُعْدَم؟
    ولكن هذا للأسف، جرى وتَمَّ، بعد أن أعطانا الدكتور نتيجة مُسَبَّقة ولم يجرِ اختباره أمامنا ثم يتوصّل للنتائج بين أعيننا. لأنَّه في أوَّل سطر له من الكتاب كان قد قال عن المواد إنَّها {معادية للإنسان في السودان (للنساء والرجال وللنساء بوجه خاص)} وسآتي لقضية النساء هذه، بوجه خاص أيضاً.
    أقول إنَّه سَبَّق النتائج على الاختبار، لأنَّه انتقدني من ذات الباب الواهي. باب تقديم الخلاصات على الاختبارات. في حين أنَّني لم أكن أُجرِي أية تجارب لوكالة "نَاسَا"، ولم أدِّع إجراء اختبارات من أي نوع كانت. هذا الفرض جاؤوا به هم من عند أنفسهم، وشرعوا يدحضونه أيضاً لإقناع أنفسهم، أنا لا دخل لي. ما قلتُه وبالبنط العريض مثل بنطه هذا، أنَّني بخصوص (جمع) مواد من الأمثال السرية، وهذه هي حصيلتي المجموعة، فائتوني بما تمتلكون منها، إن كنتم تقتنون منها بَتَاتَاً، أي متاعاً.
    وثالثاً، في إجابة من أين يستمد الدكتور نفسه شرعيته تلك؟ والإجابة هي ذاتها السابقة، من منهجية خاصة "المعمولة في عنوان فرعي، ببنط عريض، تحته خط" اخترعها الرجل بنفسه، ويُريد أن يمحو بها المادَّة المنشورة، وكذلك يسلبني بها حقي الديموقراطي في التعبير.
    وكان عنوانه الجانبي، المهم جداً، وللغاية، هكذا {المقياس}!؟
    ويا تُرى ما هو {المقياس} عند الدكتور بشرى الفاضل، الذي سيفتينا في نشر تلك الأمثال السّريّة، وفي كيف نعرف، ما إذا كان الكلام بذيئاً أم بريئاً!؟ وكم متراً تبلغ حدود حُريّة التعبير، بحجم زنزانة أم أعرض!؟ يمنح شخصي حق أن يكتب أم لا يمنح!؟
    حقاً، و(Verily)، معالجة {المقياس} تلك، وأُخريات له سيأتين لاحقاً، مما اقترحه الدكتور من معالجات، أجِدُهُنَّ غريبات الأطوار والمنطق. و(Very eccentric). فقد دفع بهن كأدواتِ فصلٍ وفرزٍ مثل {الإلكتروليزا}، الأداة أو الطريقة التي تستخدم في الكيمياء لاستخلاص أو فصل بعض العناصر عن مُرَكّبَاتِها. وطَرَحَ الدكتور من {إلكتروليزاه} تلك "كميات" وفيرة، وأنواعاً عديدة، بدأها بالعنوان الفرعي {المقياس}، المهم جداً، لا تنسَ، بحسب الطريقة التي وصفناها أعلاه، في تخصيصه، بالبنط العريض، ووضع خط تحته لأجل "تشحيمه وتدعيمه"، كركيزة كوشيَّة متينة لا يمكنك أن تمرَّ عليها لا مرور الكرام ولا اللئام، في غفلة من أمرك.
    ولننظر إلكتروليزا الدكتور رقم واحد، التي جاءت على هذا النحو:
    {أيها الاخوان عصام جبرالله ودكين وابوجهينة وكافة المتداخلين في ذلك البوست بوست محسن عن الامثال السرية هل يمكنكم أخذ هذة الباقة من الامثال السرية المفعمة بل الملوثة (بالفعل-ن)F-verbوالتفاكر حولها أو حتى قراءتها لآبائكم وأمهاتكم؟ هل تجرؤ على ذلك ياعصام وأنت من أعرف عن تحدرك من اسرة ينادي جل أفرادها بالديمقراطية وكرامة الإنسان؟}.
    الإلكتروليزا هنا، هي، إن كان بوسعكم أخذ تلك المادة وقراءتها {لآبائكم وأمهاتكم}، فمن حقكم التجاوب مع بوست الأمثال، ومع حقوق كاتب هذه الورقة في حرية التعبير وإبداء الآراء. وفكرة الأم والأب، ليست بالفكرة الجوهرية للدكتور، هو يقصد النساء تحديداً. كما نجد من مراجعة البوست وتمدّداته في الشرح والنقاش مع المتداخلين بعدها.
    إذ كان الرجل يُكَرِّر على الناس بلا تَرَدُّد أو ملل.. قيسوا واختبروا المسألة هكذا.. هكذا..
    ولنقرأ له هذا الاختبار، الذي يوجّهه إلى الأستاذ عبد الرحمن بركات، أبي ساندرا، وفي وضوح تام:
    {ما يحدث هنا اخي ابو ساندرا لايمكن السكوت عليه.هل يمكن ان تقرأه ام ساندرا ناهيك عن البنت؟اجب وعلى ذلك قرر}.
    إذن {المقياس} ذلك، أو الإلكترلويزا الخاصَّة بالدكتور، هو تعريض هذه المواد، لشرائح "المرأة" الرقيقة. لا ليس المرأة، بل الأمتن هنا، والأمثل، أن نقول لشرائح {القوارير}.
    فإن عجزتم عن هذا التعريض، فالأولى لكم أن تَصُفُّوا أنفسكم مع الدكتور، الذي هاهو أمامنا يستهتر بالديموقراطية وحقوق التعبير، كما يعيد {قوارير} النساء من فهمه، إلى زمن القوارير، زمن (–ألاّ-) يُقَرِّرْنَ ما يقرأنَ إلا بِوَلِي أمر ومن وراء حجاب.
    والحمد لله أنَّه لم يقترح هذه الأمثال مع حماسة اختباراته على المرأة تلك، بدلاً عن اختبار الـHCG.
    إذاً ("باي.. وتُقرأ π وBye" لـ(الكوشرثيا) من مجموعة هذه الدكاترة= - زيرو + عدم النشر+ سحب الباسويرد + ملاحقة هذه المادَّة وكاتبها، في سماوات ثانية، والتحريض ضده، وضدها، إلى الأبد).
    والمعادلة الرياضية، الناجمة عن حسابات ومُسَلَّمات هؤلاء الدكاتره في غاية البساطة كما ترى.
    الأخ، يُحَدِّثُنُا عن تسفيه تلك الأمثال للمرأة! بينما هو بوسيلة {المقياس} الشنعاء تلك، التي ابتكرها ليُجري تجاربه على ديدان المرأة.. لا لا.. دع عنك الديدان، فلنجامله ولنقل إنَّه يُريدُ أن يُجَرِّبها على {القوارير} فحسب، وهي، أي هذه {القوارير}، مجموعٌ من المفاهيم، وما هي بمفردة وحيدة ومسكينة. هي مصطلح، للمرأة التي هي قنينة من ممتلكات الرجل، لا تحتمل الخدش، ويكسرها حرفٌ طائشٌ في مثل، بحيث لا تتصلَّح بعدها، إلى يوم يبعثون.
    فما هي الدكتاتورية والوصاية والولاية إذن إن لم تكن هذه؟ الذي يكتب شيئاً يجب أن يستخرج تصريحاً منكم، والمرأة التي تُريدُ أن تقرأ شيئاً، أيضاً عليها استخراج مرسوم قراءة منكم. أو كما قال الدكتور {اجب وعلى ذلك قرر}.
    فالذي يُعَيِّن للمرأة ما تقرأ وما لا تقرأ، كأنَّما يقول المرأة دابةٌ يعلفها الرجل معرفياً، وفْقَ هواه، بينما هي مرميّة في {طقاطيق} الأرض السابعة، من حظيرة ذكورية ما. فتأمَّل!
    أمَّا إلكتروليزا الدكتور رقم اثنين، فتقل عن الأولى يسيراً من ناحية البشاعة المضمونية، الأُوَلَى ترجع النساء إلى عهد {الحريم، القوارير}.
    ولكنَّ الثانية {أظرط} من الأولى من ناحية البشاعة المنطقية. والرجل مُغْرَمٌ بوضع جُمَلٍ تشبه بالفعل من ناحية تركيبتها وصياغتها "المنطقيات" التي بدأ بها تاريخ وضع المُسَلّمات، مثل مُسَلَّمات إقليدس الخمس، من تاريخ العلوم. واقرأ له هذه المُسَلَّمة التي وَجَّهَهَا إلى أحد المتحاورين معه، مُبتزاً له، ومُخْرِجَاً للحوار من سَمْتِهِ العام، إلى بيت الشخص المتحاور معه، كما فعل مع أبي ساندرا وعصام جبر الله، وكل من صَادَفَه أو نَاقَشَه. مُسَلّمة لم يُفَكِّر فيها برتناند رسل نفسه، اقرأ:
    {هل تسمح أنت شخصياً ان تخاطب اهلك وأصحابك هكذا بالمكشوف بكلمات فيها (الفعل-ن) ؟ هل يمكنك ان تقول لأبيك : يابوي ادينا القروش (أنونك)؟هي اشياء لا تشترى}.
    {هي اشياء لا تشترى}، المقصود بها تربيتي أنا. أي لم أتلقَّ تربية محترمة، ولم يعد من الممكن تدارك ذلك، وحَلُّ المشكلة من أقرب سوبر ماركت. فهي أشياء لا تُشترى. وسيُكَرِّر العبارة عينها لاحقاً، وكاملة المقطع. هذا لأنَّني (أجمع) وأنشر، مثل هذه الأمثال التي ألَّفوها هم، السودانيين أعني! وبالرغم من شتائم الدكتور غير الحريفة، فحينما قرأتُ كلامه هذا، لم أمتلك سوى أن أضحك. فكأنَّ كاتب هذه الورقة بوسعه، أن يقول لأبيه كلاماً من جنس فعل حرف "النون"، بالعربي، أو حرف "الـF" بالإنجليزي! هل وجود مَثَلٍ سرّي في هذه الحياة فيه فعل حرف النون، ويستخدمه الأب مع أصدقائه الذين من عمره في الكتشينة، والولد مع أترابه في الكُرة، والبنت مع صويحباتها أثناء تَسَارُرِهِن. هل ينتفي وجود ذلك المثل لمجرّد، أنَّ الولد والبنت لا يستخدمانه مع أبيهما؟ أو هل تسقط صلاحية ذلك المثل من أساسه، ولا يجد أي موضعٍ مناسب، آخر، يُسْتَخَدَم فيه!؟ ومَنِ اخترع ذلك المَثل أصلاً، إن كان غير معترف به من الجميع، ويعاف استخدامه الجميع!؟ ولكنَّ الدكتور لا يدري أيَّ شيءٍ عن بزوغ أسئلة كهذه في أذهان غيره، مثلما هو لا يدري من أين جاء بـ{فرض عَيْنِه} هذا، لأن يستخدمه الولد مع أبيه!؟
    وهل يا ترى، لو قلتَ لأبيك جملة الدكتور ذاتها، بدون فعل حرف الـ"نون" وهكذا:
    يا بوي أدِّينا القروش وألا {بَدِّيك كف}، بدلاً عن فعل حرف الـ"نون" البذئ والفاحش، فهل حينها تصبح مثل هذه الأشياء تُشترى!؟
    يا أخي الدكتور، الكريم، مِثْلُ القرآن؛ الذي أوصى بلا تقل لهما حتى {أُفٍّ} هذه الصغيرة فحسب، والتي ما هي إلا زفير، فلا تزفر مجرّد الزفير أو تُطلق حموَ أنفاسك في وجه أحد الوالدين.
    وإنْ قلت لأبيك، يا بوي أدِّينا القروش {زَهَّجْتَنَا ياخ}، هل بذلك ستنزل الأشياء لسوق الأوراق المالية مثلاً؟
    أو إن قلت له، يا بوي أدِّينا القروش. ثم أضفت "بصورة معيّنة"، يا بووي! تصبح الأشياء بذلك في الميزان التجاري للصادرات والواردات!؟
    أفتراها تصبح مقبولة؟
    لقد غَيَّرنا للدكتور فعل حرف الـ"نون"، كما ترى. حتى شارفنا الاختتام بمفردة "الأخ" ثم ختمنا بمفردة "الأب"، الحنون، والجميلة هذه، والحبُّوبة. ولكن الحال لم يتغيّر، فقلَّة الأدب ما تزال هي قِلَّة الأدب، في الميزان الكوشرثي.
    لقد أنزلنا اللغة، من اصطلاحنا للأدب حولها، درجةَ تلو أخرى، من فعل "النون"، وحتَّى.. النداء باسم "الأب"، الذي هو قِمَّة التكريم. إذن (الخلل) عادةً، شيءٌ جوهري، يتم عبر محسوس مثل رمي الناس بالطوب، أو محسوس سلوكي مثل شتم الناس أو البصق في وجوههم، وما هو بقشرة. فـ(الخلل) في هذا النَّسَق، مثل (العدوان) بجميع أشكاله، كما عَرَّفتُه سابقاً. وما (قِلَّة الأدب) إلا عنوانٌ صغير يتعلَّق بتخييب التوقّعات الحسنة، حول الشخص في أغلب الأحيان، "حسنة" بحسب ثقافة المتوقِّع. إن لم أقف لامرأة مُسنّة في البص، فهل اعتديت عليها؟ الإجابة القاطعة لا. هل اخترقت قانوناً يقوِّض الدستور؟ أم أنَّ مفاهيم النخوة والشهامة إن لم تكن تعجبني، على ذلك النحو، أُعْتَبَرُ بذلك مُذنباً؟
    في أحايين قليلة جداً ترتبط قِلَّة الأدب، التي لها آلاف التعريفات الزاحفة والمُتَحَرِّكة حسب ثقافات الإنسانية وتعارفاتها، وهي نادراً ما ترتبط بـ(العدوان)، وإن ارتبطت به، فغالباً في صوره الضحلة جداً، وهذا أيضاً لا يكون إلا بناءً على الثقافة. كأن يُخْرِجَ مثلاً رجلٌ أو امرأةٌ أعضاءه التناسلية أمام الآخر، بهدف الإهانة، أو التَّحَرُّش. دون أن يَنْبَسَّ بنأمة، أو يُصدر إشارة، أو يدفع بصوت، ولا حتى بنظرة. فقط أعضاء معروضة أمامك، إن شئت فانظر، وإن شئت فكُف. وهذه مسألة تعرفها النساء هنا في الغرب، لأنَّها تتم يومياً وفي محالٍ شبه عامّة، أو شبه منزوية، ويقوم بها أشخاص مفروض يتكلَّم معهم علم النفس -((المُصاغ حسب بيئتهم وتربيتهم، فعلوم النَّفس جزءٌ كبير منها بيئي، ويملأه ما هو ثقافي إلى أذنيه))- ويرى ما هي قصتهم في بلدهم وحده، بريطانيا، على سبيل المثال. بينما في أي قرية إفريقية قد يمر بك فوجٌ من سابلة عراة، فالموضوع إذن، ودون شك، يعتمد على الثقافة.
    وعليه، فإنَّني أرفض لفظة "بذاءة" أو "فاحشة" هاتين، ما لم ترتبطا بـ(عدوان)، من نوع عدوان بولا بذاك المثل السِّري، على محاوره كما تقَدَّم.
    لا تُريدُ الأمثال السِّرِيَّة؟ أنت وشأنك، فلا تقرأها ولا تستخدم ما هو نافع منها، كما تشاء، وما لك على الآخرين سلطانٌ من أي نوع.
    فبعيداً عن الكوشرثيا والفولكلور، اللذان يجمعان جمعاً وما إليه من قضايا معرفية، فرؤيتي نحو ربط البذاءة بالعدوان، يجعل لها مَسَّاكَاتٍ قانونية، في حالة الاعتداء بها على الآخرين. وكذلك تتسق مع حدود حريّة التعبير التي بيّنتُ أعلاه، كيف أنظر لها، كما وضعتُ لها تعريفاً فاختبروه، وناقشوني فيه ما أمكنكم، منطقياً، وبدون ثقافات أو ديانات أو أعراق مُسَبَّقة. دعونا نؤسِّس الكوشرثيا من هنا، ونحو المُستقبل، فهذا البلد كبيرٌ بالفعل، ومُتَعَدِّد ومتنوع ومتناقض كذلك، في كل شيء.
    وستجدوني مستمسكاً دائماً، ما لَمْ تقنعوني لا تقمعوني، بأنَّ البذاءة هي سلوك، وما هي بلفظ. فهنا في بريطانيا التي أعيش فيها هذه، الأب والأم والابن والابنة، جميعاً يستخدمون ما يعادلُ فعلَ حرف "النون"، بالعربي، حرفَ "الـF" بالإنجليزي، أمام بعضهم بعضاً، مزاحاً، أو تعبيراً عن الدُّهش، سخريةً..
    You are so f..uck.ing brilliant
    You are so f..uck.ing stingy..etc
    ولا يقَلِّل ذلك من احترامهم لبعضهم بعضاً في شيء. فالاحترام يجب أن يبنى، في الأصل، على الحب بين المُتَخَاطِبَيْنِ، وليس على مسافات دينية، أو لغوية، أو عُمُرية، وغيرها من المسافات التي تُؤَسِّس قوانين التربية، والاحترام، في مواد الكوشرثيا عندنا. البذاءة عظم، وماهي بأدمَة، لُبٌّ وما هي بخُشَارة أو قشرة.
    وقصة مَثَلِ الدكتور في ربط استخدام فعل حرف "النون"، مع "الأب" تحديداً، تبقى حكاية ثانية، ومنطقها غريب الأطوار (Very eccentric)، ولا علاقة لها بموضوعتنا هذه مأزولةً ومأبودةً. وفي الكوشرثيا يقال من باب المحنة العظيمة {اللهم لا تمحنَّا، ولا تَبْلِينا}.
    لا أجدُ منطقاً واحداً، أو رفضاً معرفياً ذا أُسُسٍ، أو عقلانياً ذا نباهةٍ، ولا إلماحاً ذا طَرْفٍ ظَفِرٍ بنشوار، قام به أيُّ واحدٍ من هؤلاء الدكاتره المذكورين. كُلُّه خُلَّبٌ، (بَوٌ)، وخُشارةٌ.
    فقد تَحَدَّث دكتور بشرى بهشاشة وإهمالٍ وتناقض حتى تُشفق عليه مما هو فيه. وألقمه مثقفو منتدى سودانيز أون لاين جبالاً بدل الحجارة. فما لَبِثَ أن أعلن، وأقام لنا، عزاءً لأحدِ أصدقائه الراحلين، بداخل بوست ذلك الصراع الثقافي المحتدم. وإلى حين تحويل بوست التثاقف ذلك إلى بيت بكاء! كان الدكتور لايكادُ يصيغ سطراً بلا تناقض. بل بلغت به طوائر الطيش حَدَّ أن اعترف، للأستاذ النزير حجازي، الذي ذكَّره، بكتاب بابكر بدري، وما يرد فيه من أمثال تشابه ما جلبتُه. فأمَّن الدكتور بكل شجاعة على الكتاب، وامتدحه، ثم تسلسل نحو موضوعته الأثيرة، وهي انتقادي ككاتب "عظيم" دائماً، هذا كي لا نغمطه حقه في امتداحه لكتاباتي الدائم، ولكنه في ذات الوقت، لا يتوقَّف عن رمي مثل هذه الخُشارة أدناه، وبشكلٍ دائمٍ أيضاً:
    {لكن محسناً يزدري كافة كتاب السودان وقد صرح بذلك اكثر من مرة . إنه مثل لاعب كرة قدم يبرز فجأة فتعجبه حال عضلاته وأهدافه الحالية التي احرزها فيصيح باعلى صوت: مارادونا دا شنو كمان؟}. ربما يقصد أنَّه "مارادوانا" الكتابة! من يعرف؟ إذ لا يُكَلِّف الدكتور نفسه حتى عناء الاستشهاد، أو الاقتباس، أو الإتيان بدليل على {يزدري كافة كتاب السودان} هذه. ومع كل مداخلة له، يشتغل على موضوعة حياته الأثيرة تلك، ومشغولاته من أنتيكات {المهوقني}، دون كلل، ودون البرهنة عليها ولو بقطمير. ولكن أفجع ما رأيتُه منه، وما جعلني أطيش في وجهه وأكتبُ له كلاماً "حقيقياً" من منظوري، ولكنَّه دون شك قاسٍ، وربما لو عاد بي الزمان لكتبتُ له جوهره فقط وأعفيتُه من خشونته. وإن كانت فعائله، فعائله لا هو، تستحقه قِشراً ولُبَّاً.
    لأنَّ نَسْجَه القصص من خياله، في كل مَرَّة، وإلزاقها بي، كان قد تجاوز حدود الإمهال التي أقتنيها كلّها. ولم تعد دعاواه أمراً محتملاً بالمرَّة.
    كانت ذرائعه الأمثال، وأحاديثه تدور بوادٍ غيرِ ذي أمثالٍ، ولا حَطَبِ. لم يضجرني وحدي بذلك، حتى القراء والمشاركين في الجدل أضجرهم. لدرجة أنَّ الأستاذ نصر الدين هَجَّام، عبر مداخلة له، قام بتجميع بعضٍ من رسائل بشرى من هذه النوعية، التي كان يُمَرِّرها عبر بوسته في حقي. أي كلامه عنّي ككاتب له إسهامات في مجال الرواية والقصص، وكلامه عن هذا الكاتب وتلك القصص بأسلوب {مطاعناتٍ} لا حظَّ لها من النقد الوعر والمُتطلب. وأقاويله كلّها موجودة في ذات الكتاب. ما جَمَّعه منها نصر الدين وما أعياه تجمعيه، لكثرته. ومداخلة نصر الدين أيضاً ما تزالُ مرقونة وموجودة حتى تاريخ اليوم ويمكن الرجوع إليها. وستجدونها مُذيَّلة بهذه العبارة، للأستاذ نصر الدين:
    {كقارئ يبدو لي أن الغرض من هذا البوست ليس المطالبة بحزف الباقة الأولى فحسب بل تعدى لموضوع آخر لا علاقة له بموضوع البوست}.
    وأيضاً في مداخلة باللغة الإنجليزية، قال له الأستاذ سامي، هذا الصراع لا علاقة له بالأمثال السرّية، ونحن كُنَّا نتابع سجالاتكما أنت ومحسن خالد، في سودان فور أول، ثم ختم مداخلته للدكتور بالآتي:
    {Believe me trying to sell to us that this post has nothing to do with your arguments with Muhsin Khalid will fool nobody and takes a lot from your own credibility as a writer and intellectual}
    وتعريبها "السياقي" {صَدِّقني، محاولات تسويقك لأنَّ بوستك هذا، لا علاقة له بحواراتك مع محسن خالد -"في سودان فور أوول"-، لن يستغفل أحداً، وسيخصم الكثير من مصداقيتك، ككاتب ومثقف}.
    أمَّا الدكتور، فكان لا تنقضي له عجيبة "غريبة الأطوار"، إلا وأتانا بألطم وأشجَّ منها. ما جعلني، أُبْهَتُ، أُصْعَقُ، والحمد لله أنَّني لم ينفرط عقلي من أقواله أدناه، التي يخترع فيها أنَّني انتقدت كتاب الأستاذ بابكر بدري عن الأمثال السودانية، اقرأ:
    {انظر كيف تخلى محسن عن البذاءات في ما يسمى بالامثال السرية وجاء لينتقد بالبذاءات نفسها في جملة من ثلاث أو اربع كلمات كل مجهود الشيخ الجليل بابكر بدري في الامثال السودانية}.
    بَوْ.. كلامك يا دكتور بَوْ، مثل "إنكاره" لأنَّه ثَبَّت تعددية الأصوات الباختنية في كتاباتي، وكذلك كتابات الطيب صالح، وكاتب آخر، إمَّا البكري وإمَّا عبد الغني. ما أتيتُه فيه بالشواهد القاطعة من اخْطِطَاتِ يديه، مما قاله في الصحف ونسيه، أو أنكره. الأمر الذي لم يغفره لي حتى اليوم.
    وحقيقة الأمر أنَّني كنتُ أستشهد بكتاب بدري في وجه الدكتور، وانتقادي كان للدكتور نفسه وليس للكتاب. إذ كيف أنتقد الكتاب وهو يقيم الحجة على الدكتور في تثبيت أنَّ هذه الأمثال السرية، ذات اللفظ قليل التداول، ما يُسمونه هم بالبذاءة، موجودة بقلب الكتاب، والدكتور يمتدحه، ومع ذلك يشتم ما جمعته أنا من أمثال. فكيف أنتقد الكتاب؟ بأيِّ منطق؟
    ومسألة أن لا يفهم الدكتور ما يُكتب له، هي مسألة من دَيْدَنِه وسَمْتِهِ، وتَكَرَّرَت لي معه، الحُذْفُرَ تِلْوَ الحُذْفُرِ. حينما كنتُ أستشهد بمقطع من إحدى أقاصيصه، فجاء مُحْنَقاً وقال إنَّني أهاجم كتاباته! ولم يقتنع بالعكس، وبطيش قراءته تلك، حتى بعد تدخُّلِ الأجاويد وشرح المسألة له. ومحاولة إفهامه أنَّ الرجل كان يستشهد بك، فكيف قرأت المسألة! ولم يتبقَّ لهم سوى أن يحلفوا له بالطلاق كي يصدقهم. ولا أظُنُّه قد صدَّقهم حتى تاريخ اليوم.
    قلتُ اخترع قصة موضوع كتاب بابكر بدري تلك، وصَدَّقَهَا، واستمرَّ فيها:
    {لم يكتف محسن خالد بإيراد باقته اللطيفة بل مضى ليصف جهد الشيخ بابكر بدري بأسوأ الألفاظ. انظر إلى قوله بان كتاب الامثال للشيخ بابكر بدري كله(يعف اللسان عن ذكر كلمتي محسن البذيئتين).}
    انظر، لمقتبسه من أقوالي، هو طبعاً دكتور ولا يحتاج لاقتباس الكلام كما يرد لدى صاحبه، فكلامه بذا مُطَلْسَم ولكنه يكفي لفهم {حجوة أم ضبيبينة} تلك كما يرد في الكوشرثيا. فحين أقول له، بأنَّ كتاب بابكر بدري ملئ بنوع اللفظ الفلاني، والفلاني، البذيئات على حَدِّ تعبيره، والواردات في مجموعات الأمثال التي جلبتُها "أنا" لكم من الكوشرثيا هذه ذاتها، فهو يرى ذلك نقداً لكتاب بدري لا إقامة حُجَّة في وجه الدكتور! فإن كان الدكتور يقصد هذا الأسلوب في النقاش، سواءٌ، كان ذلك كل ما بوسع الدكتور أن ينجزه من أي نقاش، فالأمران يستويان، ويكفيان عندي، لبلوغ اليأس، وزيادة.
    وهو مستمرٌ ما يزال، مُطَوِّفاً في هُوَّةِ ما بعد يأسي، يركب عربةً تَجُرُّها أيائلُ مُجَنَّحةٌ، مُخَطْرِفَاً في ماء المُزْن:
    {لقد هتك محسن في ظني هذا السياق بغرض الإثارة هتكاً.ولم يكتف بذلك بل استخدم نفس مفردات الاقوال التي اسماها الامثال السرية لذم كتاب الأمثال لبابكر بدري بجملة بالغة الإسفاف انظر ردوده بأعلا البوست}.
    فالدكتور قَاتَلَ مُبادرة جمعي لمواد الكوشرثيا، مُتَمَثِّلة في تلك الأمثال السِّريَّة، بكل لولوة امتلكها، وألَّب، واستنفر، وحَرَّض، ودَبَّر، وتنادوا في نادي {الصفوة} والأفندية ذلكم، أن هلموا للمحو، والشطب، والحذف، والإزالة، والفصل. والدكتور كان نُشُرَهَم المُرسلة لموقع سودانيز أون لاين كما تقَدَّم. وقد بدأ كتابه بالتحريض الذي اقتبسته أعلاه، واختتمه بالآتي:
    {تريدون رأيي صراحة: حذف الباقة إلى خارج المنبر والخور أيضاً
    أترى حين أفقأ عينيك
    ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟
    هي أشياء لا تشترى
    (دنقل)}.
    فالدكتور لا يُطالب بإزالة المادَّة فحسب، بل بإعدامها تماماً من موضع أي توثيق:
    {إلى خارج المنبر والخور أيضاً}.
    فالمواد، التي في "الخَوْرِ" تبقى مواداً موثَّقَة ويجدها الناس إن قصدوها، خصوصاً الأعضاء في المنبر.
    ويعود الدكتور ويُكَرِّر مسألة {هي أشياء لا تشترى}، ليتبيَّن لك تماماً أنَّه كان يشتمني. فما دخل "أمل دنقل" هنا! وما هي وجاهة الاستدلال بهذه الأبيات على وجه التعيين! أو على ماذا يستدل بها، وما مناسبتها، فما لها من رابطٍ، إلا بتكرارها، الذي عَلَّقت عليه من صدر كتابه التحريضي ذلكم.
    ودكتور بشرى ونجاة، لا يَكفّان ولو زفيراً واحداً، يخرجُ منهما دونَ رميي بالغرور، وتضخُّم الأنا. وليتهما كانت لهما "بَاسِنَة"، يُنْزَلاني بها من سماء تلك الغرور، كالباسنة التي أُنْزِلَ بها آدم إلى الأرض. حاشا وكلا، فهما لا يعرفان عن الغرور أكثر من نشرته الدينية السَّاذَجَة تلك، وتكرارها في وجهي. وما كانا بطَالبيْ تواضعٍ، بل كانا مُنَقِّبَيْ ضعفٍ وخَوَارٍ من قِبَلي، فما وجدا.
    بولا لم يَرْمِنِي بذلك، ولكن الدكتور حسن فعل، وردَّد معهما ذات كلام الغرور الديني الساذَج. ولا أمتلك حياله سوى قولي، إنَّ الغرور كلمة دينية، وراجت بنصوص الدين، في وجه المعرفة والحوار، وما من تعريف علمي لها أبداً.
    وحتى الغرور بسذاجته الدينية هذه، هم يفهمونه على أنَّه الضمائر. فأُصْبِحُ بذلك مغروراً إن استخدمتُ الضمير "أنا" بحسّنا العامي والدَّارج، الذي يصعب أن تقول من خلاله جملةً واحدة دون استخدامه. إذ هو يُستخدم بكثافة في دارجتنا، وابدأ في تأمُّل ذلك إن لم تكن قد فعلت من قبل. بالرغم من أننا شعوب رقيقة الحال ومتواضعته في الغالب. وما ذاك الاستخدام الكثيف للضمير، إلا لأجل تعيين المُتَكَلِّم، لا تمييزه، بوسط مجتمعات، تقوم حياتها، منذ التاريخ الوسيط، على المُشافهة والأنس في ظلام الليالي.
    {"أنا" يا علي أخوي مشيت أجيب العليقة، لكن تاريني "أنا" نسيت الزريبة فاتحة، أها لامن "أنا" جيت صادِّي، لقيت البقر مرقن. الله! "أنا" أخو اللينة! ومن محلّي داك يا زول، "أنا" طواالي كوركت لأولاد التلب، عووك آناس، "أنا" سِرِقْ..إلخ}.
    هكذا، ضمير تعيين لوجهة الجملة والكلام، لا مفارز {صفوة} ضد {عنقالة} لا تشملهم (For all) المبهوتة {في صَمَّة خشمها} تلك. وأيٌّ من المُنْتَدِين، يستخدم من هذا الضمير -أنا- ما يشاء، في تلك المسامرات، الخالية من {الصفوة} ولا يَتَوقَّعُ أن يتهمه أحدٌ بعد فراغ حَكْوته بالغرور.
    تلك المنتديات، التي يجلس فيها {سِيِدْنَا} العالم، ليعَلِّم غيرَه، و{السَّفيه} و{الفرطوق} ليتعلَّما من {سِيِدْنَا}، فإن تكبّر هو وتجبّر وقَصَرَ محرابه على أنِفِتِه وخيلائه، فمن يُعَلِّمُهُم؟
    تلك المنتديات، التي تجد فيها، حينما يفتحون أوعية زادهم، ما هو لتاجر {بدين} وما هو {مفروكة} وما هو {صيد بحر} وما هو {صيد رعاة وخلاء} وما هو {أم تكشو} لفقير، ومن ليس له شيءٌ مطلقاً، {حَتَّى هو} يأتي ويأكل مِمَّن لهم، ولا يبيت القواء.
    ولكن الأساتذة، الأجلاء، يفهمونه بخلاف حقيقته، لضعف تأمُّلاتهم في الكوشرثيا. علاوة على إيمانهم بمدارس نقدية ما عادت في دنيا التثاقف منها من باقية. ولكنَّهم ما زالوا هناك، مع مدارسهم القديمة تلك، تحت {بِرْشِ} التاريخ. المدارس التي تقوم بإحصاء عدد الضمائر في النِّصُوص بكل بساطة جداول الجمع والطرح الطفولية تلك. بالرغم من كون "الأنا" لم تعد ضميراً "لُغويَّاً" يُحصى بداخل النص، بل "تَقَمُّصاً" لحركة، ودور الذكرى، بداخل النص على صعيد تاريخيته، وفرحاً آنياً بالحيوية المُتقدة على صعيد حاضره، ونزوعاً نحو المُستقبل، من خلال أحلام، وأمنيات، وآمال. أي "الأنا" أصبحت هي المُضاد للعدم، وترياقُ السلبية. وهذه التَّبَدُّلات في رؤية الأمور وتقديرها، جَرَتْ على هذا النحو، لِعِظَم ما تواجهه الإنسانية المُعاصرة من خذلان وإحباط على صعيد نصف حياتها الإنسانية والوجودية.
    لكم يواسيك قول الأُحيمر السعدي:
    {عَوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئب إذ عوى ... وصوَّتَ إنسانٌ فكِدتُ أطير}. أهي وحشته وحده أم وحشتنا؟ أنقول هذا الكلام وفي بالنا ذواتنا، أم ذات الشاعر، تلك، الغاربة؟ أنا الفنون هي أنا المجموع.
    إنَّها مواساة، واستنهاض، مثل كلمة {أبشر بالخير} أو {Cheer up}، فأنا الفنون، والفنَّان، هي أنا الجماعة لا المُفرد. وهي حَيَّ على العدم نستأصله، حَيَّ على الحياة. هي "أنا" يذوب فيها الآخر، فلا تحرمه مجرىً لوادٍ، ويندغم فيها فتمنحه ألف خانة.
    وما كانت تلك دعاواهم الحقَّة، إنَّ دعاواهم الحقّة مقيمة فيهم، لا فيما يُنْظَرُ مِنِّي.
    وما كان هجاؤهم ذلك إلا حملةً ضدي في شخصي، لا في ما يجاورني من Objects. منذ حذفهم للمواد التي أنزلتُها عن العلمانية، مستعدلاً فيها الخمج المعرفي للأستاذة نجاة، ولا دخل لتلك المواد بالكوشرثيا إطلاقاً. بل حاولتْ نجاة تجريمي بزعم أنَّني كتبت مداخلة ما، لم تكن، وما كتبتُها، وشهِد صحبٌ من الإخوة الجمهوريين بذلك كتابةً، حينما طفح كيل إدارتهم الظالمة، واستبدادُهم، بي، وبالمنتدين.
    منذ ذلك الحين وحملتهم تقصدني في شخصي، لا فيما أكتب. ومن إحدى مُلْغزاتها في نفسي، أنَّها تستقصد تأليب النساء ضدي، وخاصَّةً، أكثر من الرجال. ولك أن تُفَكِّر معي في أسباب ذلك!؟
    وفي هذه المسألة، الدكتور هذا، بشرى، كان يقتفي خطة الدكتور ذاك، بولا. فاسمع التناغم، الحاصل بين قوليهما التحريضيين للنساء، بالذي هو وصاية وتحريض، ضدي، ولك أن تقرأها ضد ما عرضته من المعرفة أيضاً. والدكتور ذاك، بولا، أيام حذفهم لمواد العلمانية، كان مُفرَّغاً لتأليب نساء منتداهم، ضدي.
    فالدكتور هذا، بُشرى، بعد حذف مواد الكوشرثيا من منتدى سودان الجميع، جاء فوراً، كما أسلفت، وافترع تأليباً للناس عامةً، وللنساء خاصَّةً، ضدي، وضد المادَّة المنشورة. اقرأ التناغم، الحاصل بين قوليهما التحريضيين للنساء.
    {تطالعون هنا في بوست مجاور للكاتب محسن خالد باقة أمثال معادية للإنسان في السودان (للنساء والرجال وللنساء بوجه خاص)}.
    فلنفترض سَخَفَاً، لا جدلاً، أن تلك المادَّة بالفعل {معادية} كما يقول الدكتور! لماذا هي {معادية} بدرجات متفاوتة هكذا {وللنساء بوجه خاص}؟
    ما هو وجه الخصوصية؟ لا حَلَّ مع الدكتور! ألأنَّهَنَّ {قوارير} كما في تربية ومواد الكوشرثيا الضارَّة!؟ أم لأنَّ الدكتور يطمح في تحريض النساء ضدي، على نحو خاصٍّ، وأكثر من الرجال!؟ طَوَال حملتهم رَكَّزوا على هذا الجانب.
    فالدكتور ذاك، بولا، كتب أيَّام حذفهم لمواد العلمانية، التي كانت تصحيحاً لشريكته الثقافية والعائلية، مؤلِّباً النساء المُنْتَدِيَات في منبرهم بهذه الخُشَارة:
    {العزيز محمد حسبو، والمشاركين والمشاركات. والمشاركات "ظَنْبَهِن خَتِيَّة رقبَتِن" (حقوق المؤلف محفوظة لأستاذتي عاشة بت عباس ود خلف الله)، نشيل ونكتب في ات/ ات/ات وهن ماجايبات خبر وماعندهن ممثلة غير نجاة مع إن الموضوع يهمهن كثيراً}.
    وماله الدكتور؟ {يشيل} و{يكتب} في {ات/ ات/ات} ولم تعره إحداهن التفاتاً. هم يعتقدون أنَّ هذه المرأة غشيمة! ويعاملونها من باب {ناقصة عقل ودين}! هذا الشيء مضمّن في عقلياتهم تلك، هم لا يحترمون خشونتنا مع النساء، ونحن نفعل ذلك لأنَّنا لا نرى في المرأة كائناً {عضيرة} كما في مواد الكوشرثيا غير الحسَّاسة. فهي ندٌّ لنا وكفوء، وإن دخلت إلى سجالاتنا سنحترمها، عبر مساجلتنا لها دون أن يعنينا نوعها، كما نساجل بعضنا بعضاً كرجال. وهي ليست {الكديسة} لنشفق عليها، وليست {القارورة} لنخشى عليها.
    فإن لم يكن الموضوع استهواناً بعقل المرأة، فلماذا يُصِرُّ هؤلاء الدكاترة على إقحامها في حروبهم الشخصية معي، وبهذه الكيفية المكشوفة والبائسة!؟ أيحسبونها غير قادرة على اكتشاف، والتقاط، أغراضهم الطافحة هذه ومفهومة حتَّى لـ{طوب الأرض}؟
    فالنساء في عينيِّ بولا لم يكتفن بالغياب فحسب، و{كمان} ليس لهن إلا مُمَثِّلة سوى شريكته الثقافية والعائلية نجاة! فتأمَّل.
    ونجاة مترجمة جيّدة، عن الفرنسية، ترجمت لرامبو وغيره. ولكن تثاقفها مع الناس تثاقفٌ موتورٌ لا يفضي إلا إلى حَرَابَة. وإن شئنا تعديد أسماء المثقفين الذين اشتبكوا معها، ولم يقبلوا منها روح تأمُّرِهِا وصلفها تلك، فسننتهي لنصحها بتكوين جيش، بدلاً عن دس ذاتها في مواضيع الثقافة. ويكفي اللهُ الناسَ شَرَّ تعريفاتها هذه {العلمانية ليست علم ولا معرفة، ناهيك عن أن تكون مجموعة معارف. العلمانية مبدأ. مبدأ بسيط لا يتجزأ..إلخ}.
    والدكتور هذا، بشرى، الذي قلنا إنَّه يقتفي خطة الدكتور ذاك، بولا، جاء، فيما جاء به من كثرة محن وتحريض وتأليب، بهذه الخُشَارة، ورمى بها في ذات بوست "التسكيت" المعني:
    {أرجو ان يتداخل كل من يرى رأيي هذا للمطالبة بحذف امثال الباقة الأولى من بوست الكاتب محسن خالد وكذلك المداخلات المستجيبة لها وعلى هؤلاء ومحسن ان يجيئوا للعام بعد ان يقنعوا الخاص بجدوى هذه البذاءات}.
    وهو هنا لا يُطالب بحذف مواد الكوشرثيا التي نشرتُها أنا فقط، بل حتى بحذف مداخلات الأشخاص والمعرفيين الآخرين التي استحسنت المادَّة أو أسهمت فيها بالأحرى، وتوسعت. انظر لحجم الاستبداد أين بلغ!
    ولا أمتلك سوى أن أكرِّر ثانية من قول الكوشرثيا {صَفِّق إيديك، وادِّ ربَّك العَجَب}.
    ففصل (الأمثال السريّة) هذا، حين إخراجه مع بقيّة مواد الكوشرثيا التي جمعتها، لا أزعم فضل جمعه وتحقيقه لنفسي وحدها. بل لكل من كَتَبَ في ذلك البوست مُصَوِّباً للمادَّة، مُضيفاً عليها، مُحَقّقاً للغتها أو قصَّة مَثَلِها، مادَّاً برواياتٍ ثانية عنها من جغرافيته المُختلفة.. إلخ. بل هناك من قام بعَمَلِ ترجماتٍ إنجليزية للمادَّة، مثل الأستاذ نصر الدين هجَّام، والترجمات ذاتها هناك من تداخل مُحَرِّراً لها وضابطاً.
    نعم، لقد كانت تَحَرُّكَاتُهُم في مجملها يصعب تفسيرها، ظاهريَّاً. لأنَّها جاءت من عاملين في مجالات، يدَّعون أنَّ شهادات دكتوراهم تلك، كانت في حقولها ومجالها. ومع ذلك تصرفوا على هذا النحو، الذي بيَّنا قليلاً من {هجائمه} فحسب. نعم، تعاملوا مع الموضوع بهمجية، بالرغم من كونه نُشِر على صفحاتٍ من مزاعم "جمعيةٍ" لهم، {أم تلاتة لغات ديك} على وزن {أم أربعة وأربعين} من تسميات الكوشرثيا، وكنيتها {الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية}. فإن كان هذا إسهامهم في الكوشرثيا، ورأيهم في أمثال هذه الشعوب السودانية، فلينسوا جمعيتهم تلك وينصرفوا إلى علوم التكنولوجيا أو الفيزياء التطبيقية، لو بوسعهم ذلك!
    وكنتُ قد دفعتُ بعنوان بوستٍ لكتابة ردٍّ عليهم، على منتداهم، تحت هذا العنوان:
    {بولا، حسن، نجاة والتأسيس للردة (خواطر عن بوستي المحذوف)}.
    ولكنَّهم لم يمهلوني لمحةً، ففوراً قاموا بسحب كلمة مروري، خَوْفَاً وفَرَقَاً، من المواصلة في ذلك البوست وافتضاح عوراتهم المعرفية، وخمجهم الثقافي واللاديموقراطي. فـ"الأحزان" الثقافية والمعرفية واللاديموقراطية التي يُسَبِّبِونَها للكثير من مثقفي ومُثقفات السودان، هي من النوع {القَطْعُوُ كَبير} الذي إن ذهبت مسافراً به في الحياة، دون تعليقٍ يَحُتُّ عنك ذنوبَ السُّكات عليه، فلا بُدَّ أن المحطّات ستحتاج لأن تشحنك في قطار، وتشحن تلك "الأحزان" في آخر.
    وكنتُ تحت ذلك العنوان، أنوي التركيز على كتاباتهم، التي أنتجتها عقلياتٌ بهذا التناقض، وهذه الهشاشة، وهذا الخمج الثقافي، و{الانسياطة} المعرفية والأخلاقية.
    قلتُ إنَّهم يؤسِّسون للردَّة، فوجدتُهم أبشع من ذلك، فعن أي ردَّة أتكلم معهم وهم يرفضون هذه الأمثال!؟
    هذه مسألة لا يمكن تسميتها بالردة ولا الرجعية، لأنَّ ألفاظ الأمثال التي اعترضوها وردت في معظم مصنفات الأمثال المُعاصرة، وفي مُطلق مصنّفات الأمثال الكلاسيكية.
    فكيف أصفهم بـ(الردة) هنا، وكيف أصفهم بالرجعية في هذه الحالة المحدودة، حالة (الأمثال السريّة)، إن ذلك مما يستعصي عليَّ عن حق، مهما طالت بي حبال الأفانين.
    أأرُدُّهُم إلى عصور كتاب (الأمثال) لـ"المفضل الضبي" المتُوفى عام 784م، والذي أورد عشرات الأمثال من نوع ما يعترضون عليه!
    أم يا تُرى أرُدُّهُم وأُرْجِعُهُم إلى عصور (مجمع الأمثال) لمؤلّفه الميداني المتُوفى 1124م، والذي أورد عشرات الأمثال من نوع ما يعترضون عليه؟ أفلا أكون بذلك قد جنيتُ على الرجلين، وسفحت دماء دهورهما المعرفية، ودهور معاصريهما!؟
    حتَّى إن رددتُهم لأهل الكهف "أنفسهم" فسيعيدونهم لي سالمين، وغانمين بالأمثال من كل نوع، وشاكلة ولون. وسيعيدونهم المَرَّة تلو أختها، متنازلين عن "وَرْقِهِم" ذلك، بقشيشاً لي، كيما أسترجعهم لدهري وأعفيهم من مهمة النزوح لعصورهم تلك، وتشويه سمعتها المعرفية.
    فلا الورى يقبلهم، بحالهم هذا، ولا هنا تشبههم حياة المعرفيين، بحالهم هذا.

    ***
    مما سَلَف أنَّه طالبني بعضُ الناس بقراءاتٍ، غير مستحقَّة، لأنَّها لم تصادفني في أي كتابٍ للأمثال. وكما بيَّنتُ من خلال تعريف الكوشرثيا التي تبدأ بالجمع لا بالدرس، وكما هو معلوم عن الفولكلور، الذي يبدأ بالجمع ولا عداه. طالبوني بدراساتٍ، أُجْرِيَهَا على مادَّة الكوشرثيا، التي نشرتُها واستولدوا لها هذه الزوبعة كلّها من سَطْلِ رؤوسٍ فارغة، وغير مُلِمَّة بِفِلْقَةِ نَوَى من كوشرثياها. ولكن حتى قضية القراءات المدسوسة هذه، طُولِبْتُ بها عبر مراسليهم، الذين طاردوني لموقع سودانيز بعد تجميد حسابي بذلك المُنتدى. فإدارة منتداهم ذلك، لم تمهلني فرصة، بالأساس، كي أفعلها أو لا أفعلها. لأنَّ عنوان كتابي كان كالآتي {أمثالنا السريّة، ومفاتيح ثانية}. ما حَدَا بالكاتب أبي ذر بابكر، لأن يُنَوِّه بما يُقْرَأ منه، أنَّ السِّرَّ في هذه المفاتيح الثانية، كأنَّما يطالبهم بإمهالي، ومنحي فرصة لاستكمال ما بدأته، وأيضاً لا مُجيب. بالتأكيد لستُ في حاجة، لأن أقول للناس إن كُتُبَ الأمثال كلّها في مصادر جمعها الأساسية، لا تحتوي أية قراءات. فهي، أي هذه القراءات Process أخرى من المعرفة، وهذه مسألة لا يجهلها إلا من يجهل هذه المصادر ولم تُصادفه في حياته. وإنَّما فقط لمح الموضوع في بوست الأمثال السريّة، وأخذته {الهاشمية} -كما يقال في إحدى مواد الكوشرثيا الضارَّة، التي تنسب النخوة، لبني هاشم حصراً، أو لزاعمي أنَّهم حفدتهم بالسودان- ليأتي ويُجادل بـ{هاشميته} هذه، في موضوعة كنتُ قد حشدتُ في مقدِّمتها من المراجع ما يدُّل بوضوح تام، لكل ذي عقل، أنَّني حسبتُ حسبتي جيَّداً ونظرتُ في تصانيف وتداوين من سبقوني. فحتى إن كانت محاولتي تلك ستكبو، فمُحَتَّمٌ عليها، ولا بُدَّ لها، أن تكبو في درب، وعلى صراط، معرفي رصين، لا في السهلة "ساكت". ومما جاء في تلك المُقَدِّمة، أقتبس الآتي:
    {ما أجمل الأمثال الإنسانية هذه من رؤى عظيمة للبشرية. فقد ضُغِطت واختُزِلت على نحو يُقَيِّد الحكمة بأقصر عقال تمتلكه اللغة. وبأيسر صيغة تُخَلِّصها من أي صفوية عقلية أو إدراكية في تلقيها. إذ بوسع أي أحد أن يفهم المثل دون مشقّة. لأنّه يجيء في إبانة كافرة ورؤية ناجزة يناسبها مقالة إنّ النبي يُؤتى مجامع الكلم. فيا لها من كلم لأنبياء لا ندري من هم، ولا أين عاشوا ولا بأي لغة قالوها. فمعظم الأمثال نجد لها مقابلات لدى كل قومٍ وحضارة وفي كل صَقْعٍ ودسكر. عن حق لا أرى مادةً فكرية ورؤيوية تجتمع فيها الإنسانية كما الأمثال. لقد أوليتُ في حياتي انتباهاً دائماً لهذه الأمثال ولمعظم ما تفنجرت به المكتبات عليَّ منها. ما أعرفه أنّ التصانيف الخاصّة بالأمثال كوحدة ومشتقة أدبية منمازة عن غيرها من تصانيف الآداب الأخرى كانت أبكر عند المسلمين عن غيرهم من الرقاع الحضارية. فالأمثال القديمة الصينية والهندية والإغريقية مثلاً، الناس استلّوها من بطون التصانيف الأدبية الأخرى ككتب الآداب والتاريخ والفلسفة وغيرها. وهذا تقدير مني لا غير حسب التواريخ المتوفرة لدي. فلا علم لي بمؤلفات أُنجزت حصراً لهذه الأمثال وتخصصاً وبحثاً فيها في عهود أبكر من المسلمين. كما هو الحال مثلاً مع كتاب "الأمثال" لمؤلفِّه "المفضل الضبي" المتُوفى عام 784م، سنناقش هذا الرجل -الخطير والرجعي في آن- حين الحديث عن وهمة طه حسين.
    وهو كتاب بعيدٌ في القدم إذا ما قارناه بكتاب الإنكليزي القديم هايْوود Heywood للعام 1546م المسمَّى (A Dialogue containing the proverbs in English language )، أي (حوار يشتمل على الأمثال الإنكليزية). ترجمات المراجع الإنكليزية كلّها للبعلبكي في كتابه المعنون "مصابيح التجربة" المزيد على معجمه الكبير .
    ثم تلا كتاب الضبّي الكتاب الذي يفضله كثيراً ويعتبر أهم من كتاب الضبّي تخصصاً وحصراً وجمعاً للأمثال وهو كتاب "الأمثال" لمؤلِّفه أبي عُبيد بن سلاّم المتُوفى (774 - 838م)(*1).
    أما أشهر كتب الأمثال جمعاء وأفضلها تأليفاً ومنهجية كما تعارف الناس على ذلك فهو (مجمع الأمثال) لمؤلّفه الميداني المتُوفى 1124م. وهذا طبيعي فبمرور الزمن يتطوَّر الميزدولجي ويتوافر الناس على مادة أعرض بتطوّر وسائل الاتصال والتنقّل. يضم كتابُ الميداني ستة آلاف مَثَلٍ ونيفاً. في خاطري على نحوٍ أساس مقابلة الأمثال العربية مع الإنجليزية التي قام بها الأستاذ منير البعلبكي ككتاب مزيدٍ على معجمه "المورد الكبير" كما أسلفت. وهو قد اعتمد على كتاب هايوود المتقدّم ذكره. وكتاب "راي" للعام 1670م (A Collection of English Proverbs: مجموعة من الأمثال الإنكليزية). ثم كتاب "كولنز" (A Book of English Proverbs: كتاب الأمثال الإنكليزية). وكل ذلك طبعاً من خلال Oxford Dictionary of English proverbs}.
    ولكنَّ "القوم" كما يرد في إحدى مواد الكوشرثيا النافعة {لا بِجِدِّعوا، لا بجيبوا الحجار}، رغم شهادات الدكتوراه الكثيرة والوفيرة كما يلاحظ القراء والقارئات الكرام. فلا أكملتُ جمعي ولا قرأتُ ولا فَكَّكتُ، ولا تَرَكَتْ لي محاحاتُهُم ظهراً باقياً، ولا قطعت بي وادياً. وهذا بالضبط حال بعض السودانيين كما تُصَوِّرهم إحدى قصصي الخاصَّة {لا يِشَيِّل، لا يِعَدْل المِيِمَيِّل}، هذا إن نجوتَ منه، قبل أن يقطع لك {اللَّبَّاب}، ويزعط صوف راحلتك من قفاها كي تعير، فلا تَلِمَنَّ فيها أنت ولا أحمالك. وكذلك فعلوا.
    فمن سبقوني في التأليف وإقامة التصانيف، جمعوا وشرحوا فقط. دون أي معالجات معرفية أخرى، أو تنقيحات أيدولوجية. والموضوع كما تَقَدَّم هو مدخل لتدوين مواد هذه الحضارة الشفاهية المأثورة. فلا يشترط في جامعه، أن يكون مؤرِّخَهَ وناقَدهَ، بل يُشترط فيه أمانة الجمع وحدها. بكل تلك المواصفات التي يشترطها البخاري، لا الطبري. ودونكم ما اقتبسته أعلاه من مقدِّمتي، وما فيها من مراجع، نَقِّبوها. كما دونكم كلّ مصادر الفولكلور، فراجعوها، وائتوني بأنَّها تبدأ بغير (الجمع)، إن كنتم مُحِقِّين. وقطعاً هو من نافلة القول، إضافتي أنَّ "الجمع" يُمَكِّن حتى غير المُلمِّين بهذه المواد، ومَنْ لم يسمعوا بها أساساً، من التوافر عليها، لأجل إنجاز هذه القراءات المُفْتَقَدَة، والتحصيل والتدارس، وللمتعة فحسب. أي باختصار، كي تتوفَّر هذه المواد لكل من يريدها وله فيها شأن أو حاجة بحثية، معلوماتية، أو فَكِهَة، يُريدُ قضاءها.
    ولكن كيف تُقضى الحاجات المعرفية والفنَّيّة والأدبيّة! بينما هؤلاء "القوم" ما تركوا {بَديقةً}، {شوتالاً}، {نَشَّاباً}، {ساطوراً} إلا ورموني به. حَتَّى قَرَّ في خَلَدي، لكي أعبر فوق محزنتهم تلك، دون أن أُشخصنها، أنَّهم فصيلةٌ نادرة من "دكاترة اللامعقول". فكيف أبلع طرمذاتهم وفجائعهم هذه كلّها!؟ وموجزهم كالآتي:
    (واحدة تقول ليك حدود التعبير فيها كم متر مُش عارف، والعلمانية ليست معارف، بل مبدأ، مبدأ بسيط. والتاني تقول ليه العلوم والفنون قالن كَيْت وكَيْت، يقول ليك من شفت تسريحتك قنعت من خيراً فيك. والتالت يقول ليك نُص نقاش الديموقراطية والترشيح وعدد الأصوات، الحقيقة ليست بالكثرة. والرابع يقول ليك الناس القروا لي الموضوع، وحكموا بالنيابة عني، قالوا.. والخامس يقول ليك كان عندك أختك وألا بتك وألا أمك بتخليها تقرأ إيه وإيه، وإنت ذاتك شتّمت بابكر بدري العمل كتاب فيه أمثال بذيئة أكتر من حقتك..).
    يا عَمْ دي سِيِما دي! على لسان أصدقائنا بمصر.
    أعتذر إلى كل قارئ، يمرُّ على ورقتي هذه، وكان يعتقد بأنَّني استضفته في إحدى قصصي الخيالية، وفي نادرة ماكرة من نوادر أدب اللامعقول. وأعَزِّي نفسي وإيَّاكم بالصبر الجميل، وإن ابيضَّت أعيننا جميعاً من الحزن. وأواسي بقلبٍ مبتول وفؤادٍ مَنْزُوك، كُلَّ من ألمَّت به فجيعة، أو نَزَلَت به نازلة، من حكاية "دكتور فلان"، "أستاذة فلانة"، "دكتور علان". التي تَرَدَّدَتْ كثيراً، حتى يخال الشخص، بأنَّ ما أتيتُ به من مقتبسات أولئك الدكاترة كلّهم، لا بُدَّ أن يسبقه فاصل إعلاني، لا مَحَالة تليه، تنويهة، كنتم مع {الكاميرا الخفية}. تَمَنَّيتُ ذلك مثلكم، ولكنها المقادير، وما باليدِ حيلة في هذا الكون العريض، الذي استحال في معظمه إلى كاميرا خفية، لن ينوِّه بعد فاصلها الإعلاني ذاك سوى الموت.
    والحمد والشكر، للدكاتره الأجلاء، الذين صرفونا عن (جمع) مواد الكوشرثيا، بكل جهد امتلكوه أو استلفوه أو اسْتَّغْفَلوا له، وسهروا عليه. وجعلونا نَتَحَدَّثُ بمثل هذه الشروح، وهكذا، عن ضرورة (جمع) مواد الكوشرثيا وما أدراك! والدنيا في الثلث الأخير من القيامة. بينما نحن مشغولون جداً، وللغاية يا أخي وأختي الكريمين، فساهما بعرقكما وصوتيكما معنا، لأجل تعريف جنس هذه البدهيات، ببدهيات {أظرط} منها. وكأنَّنا سنُؤَسِّس لمثل هذه الأفرع من المعارف الآن! والدنيا في الثلث الأخير من القيامة. والسماء انتكت للأرض، تَدِّي الموتى شَبَّال النشور. ونحن ها قد صحونا الآن، من لحدنا، نتمطَّى في أكفاننا، كسالى وجهلة ومتأخرين حتى فيما وراء القيامة. نتمطَّى في أكفاننا، كي يسقطَ مَوْتُنَا عن صدى مَوْتِنِا، فربما نُؤَسِّسُ للمعارف التي أسَّسَهَا الإمام البخاري ما بين (194-256هـ: 810-870م) من الحياة الدنيا.

    ***
    أشرتُ لكوني عَيَّنتُ الفنون القولية على وجه التجزئة، بالرغم من أنَّني أضفتُ لتعريفي سعةً وكلتُ أمرَ إنجازِهِا لغيري إن راق لهم المصطلح، كما تَقَدَّم أعلاه. وأسباب ذلك تعود لطبيعة المادَّة التي يُرَاد تناولها ذاتها، وعلاقتها بطبيعة اهتمامات الباحث أوَّلاً، ثم بالمعارف والعلوم التي تلقَّاها ثانياً. كان بوسعي الاكتفاء بتعريفي الأوَّل للكوشرثيا بوصفها الدراسات والعلوم المُفارسِة -من فرس الرِّهَان- للفولكلور، والدائرة في فلك الشفاهيات عموماً، والفنون القولية حصراً. دون أن أضيف إلى ذلك الأساسات الماديَّة للحضارة. ولكن تأملاتي التي تَمَّت لي على مُكْثٍ في مواد الكوشرثيا وأبوابها الكثيرة، التي جمعتُ منها إلى الآن ما ينوف عن الثلاثين ملفَّاً من الويرد، باعتبارات ما يمليه التبويب والتصنيف، ولا أقصد الكثرة، لأنَّ ملف الويرد الواحد لا يمتلئ ولا يشبع. فبحاصل ذلك كلّه، ومن واقعه الذي تَمَّ لي على مُكْثٍ، خرجت بتصوُّرٍ مفاده أنَّ الكوشرثيا تتطَلَّب إدخال تلك التوسعة حتَّى وإن نَدَّت عنها معارفي وقدراتي. فما أنجز أحدٌ بمفرده علماً قط. ولكن الأفراد أسَّسوا للعلوم بوضع بذرتها أو فكرتها الأولى. ومنهم من اقترح مجرَّد تسمياتها، اقتراحاً طارئاً كما حَدَثَ مع الفولكلور هذا ذاته، وعلى وجه التحديد.
    أيجوز أن نقول ويا لعجائب الصُّدَف!؟
    بل هنالك من ألهم فكرة العلم إلى غيره مجرَّد إلهام. وسأعود لهذه النقطة، بعد أن أُعطي أسباباً موضوعية لتلك التوسعة التي سأُلقي بحبالها على بقر الناس. فقد وجدتُ نفسي، أوَّلاً، أقربَ إلى متتبعي الحضارات، منها إلى مغرمي البحث في الأقوال دون ربطها بالأفعال. والأفعال هنا هي الحضارة في منتجاتها على الصعيدين، المُنتَج المادِّي الأدواتي، والمُنْتَج السلوكي البشري. وهذي ملاحظة لي في كون الحضارة الكوشية هي حضارة ماديَّة عقلانية في الأساس، أكثر من الحضارة المصرية المتشابكة معها في معظم ملتقياتها الروحانية. ما جَعَل الغربيين يسفهونها بحسبانها نسخاً، وفي رواية مسخاً، من الحضارة المصرية. الحضارة الكوشية، في ملاحظتي وقراءاتي لها، اهتمت بتصنيع الإكسسوار الطقسي أكثر من اهتمامها بالإله الذي تُقَدَّم وتُنذر إليه الطقوس. واهتَمَّت بشَقِّ قنوات الرِّي، وبتسمياتها، أكثر من تمثال الإله أبادماك الذي تجري الأنهار من تحته، وفي بعض التماثيل تجري من فمه. ورَعَت، الخِصْب في منحاه العملي، بتحديد مواسم الزراعة، وتسمية الفصول والنباتات، أكثر من فكرة الخصب ذاتها، في الميثولوجيا التي تكون غالباً مصرية عاطلة. أعتقد أنَّ الحضارة الكوشية تُشابه، وربما تُطَابِق، جوهر الحضارة الغربية المعاصرة. ومع ذلك أهمل دراستها الغرب، إذا قارنَّا الأمر بالاهتمام الكبير الذي حَظيت به الحضارة المصرية المجاورة. ومع ذلك تَفَوَّق علينا الغرب، في الصراع المادِّي الأدواتي، وأيضاً السلوكي العملي، بالنسبة للبشري نفسه. وثورة أركماني الأولى، في وجه الميثولوجيا، والمعبد، تُفْهَم في هذا السياق المادِّي للحضارة الكوشية كما أفهم. ومع ذلك نحن نُسَمِّي "العِلمانية" بهذه التسمية، التي هي نتاج ترجمة مُتَعَسِّرة لدرجة تشويه المولود، ونطأ فوق اسمها الحقيقي ذي الصَّحَاح. الذي كان يجب أن يكون لهذه الحضارة الكوشية. ألا وهو "الأركمانية" تَيَمُّنَاً بهذا الرجل الذي كان أوَّلَ من دعا الحواس الخمس لطرد الميثولوجيا، وإنزال العلم والمنطق إلى الواقع، لما ينفع الناس. الرجل الذي كان يجب أن يُقتل طقسياً فعاجل تلك الطقوس غير المنطقية، ولا العقلانية، وأماتها قبل أن تُمِيتَه.
    ولهذه النقطة الجوهرية، التي تجعل الحضارة الكوشية مختلفة عن غيرها، أي كون هذه الحضارة هي حضارة مادِّية بالأساس، وربما لا يكون لها غناءٌ شفاهي إلا وهي تعمل، ولا تأتي للطقوس، وتُرَدِّد الأناشيد الدينية، إلا لأجل عرض إكسسواراتها الذهبية والفضيّة والنحاسية، وسيوفها وخناجرها وبلطاتها، وتغشُّ آلهة الخصب كلّها بالتقوى بينما هي تُوَفِّر قوتها، ولا تمتدح ملوكها أبداً إلا إذا جاؤوها بغنائم نصر ما! تَخَيَّل، أنَّ حضارة على هذه الشاكلة الماديَّة أدواتٍ وسلوكاً، يرثها هذا الكائن الكوشرثي المعاصر، المشهور بالكسل والخمول، بعد أن لحقت بكوش إضافة وSuffix "رْثِي" هذه. وإلى اليوم، لاحظ لكون الكوشيين الأقحاح مشهورون بالعمل الشاق وذي العَنَتِ والمَكَاره، كإخوتهم الآسيويين من قلب آسيا، عكس مستعربي السودان تماماً، وكُليَّاً. لهذه النقطة الجوهرية، وجدتُ أنَّ الأدوات يجب أن تُشْمَل في مصطلح كوشرثيا، وإن قادت المسألة إلى تأسيس أنثروبولجيا ثقافية، خاصَّة بنا، عوضاً عن تلك التي أسَّستها أجهزة المخابرات الغربية، وعوضاً عن ذلك الفولكلور. لأنَّ الأنثروبولجيا الثقافية تقرأ الأدوات وتحتويها بينما "غالب" مدارس الفولكلور تنتبذها وتُرَكِّز على المأثور الشفاهي لأُمّيين مجهولين. إنِّي أعتقد أنَّ أصغر مقارنة للأدوات والسلوك الكوشي التاريخي، مع الأدوات والسلوك المصري التاريخي، ستريك الفرق الشاسع، والبنيوي، بين الحضارتين. فلا بُدَّ إذن من إضافة الأدوات ما دامت هذه هي الميزة الحضارية الأعلى للكوشيين، التي تُميِّزَهم، وتُخَلِّصَهم كذلك، من جور تلك القراءات كلِّها، التي تكتفي بأنَّ مأثورهم الميثولوجي، الروحاني، ما هو إلا استنساخ للمأثور المصري. فهذه هي حضارة اللِّبْنِ، أو الطوبِ، الخاص جِدَّاً، أوَّلِ مصاهرِ الحديد في التاريخ الإنساني، المضفورات، المراحيك، اللاماتِ، الألبسة، المكياج، الأقنعة من باب الصناعة والمشغولات لا الطقوس.. إلخ.
    وبذهاب ذلك التاريخ كُلّه، وقدوم الإرث الإسلامي العربي، لم تمت تلك الأشياء، بل اختلفت في ذبول. ومع ذلك، انظر لبيوت أهلنا من المحس حَتَّى تاريخ اليوم، وإلى الزخارف عليها، ستجد هذه الكوشرثيا التي نتحَدَّث عنها. المزيج، اللِّبْنِي، والفنَّي، من الحضارتين الكوشية والعربية، مع إضافة كُلِّ ما حمله ذلك المُتَحَرِّكُ الثقافي الأيدولوجي للإسلام، قبل أن يستحيل إلى ساكنٍ قومي، منكفئ على ذاته. وحتى تاريخ اليوم، بيوت أهلنا من المحس تحديداً، ومعظم نوبيي الشمال، ذات عِمَارة فريدة لا يمكن أن تكون إلا كوشرثيا. فهل يُتَوَقَّع منِّي أنا مثلاً أن أقوم بدراسة هذه المباني! لكان ذلك من دواعي سروري، لو كنتُ مُتَخَصِّصاً في هذا المنحى من المعارف. فالذي هو من باب أولى أن ندعوا المعماريين وأهل الهندسة لدراسة الكوشرثيا لدى هذه الجزئية.
    الرِّي، وتقسيماته في وحدات، وأقنية، دقيقة، وماهرة، ما بَرَعَت فيه الحضارة الكوشية، على عكس الحضارة المصرية تماماً. وما لم يتبَقَّ بين أيدينا منه، إلا مهاراتٍ لا تتجاوز لُقَى اللغة. من تسميات مثل "اللُّرمبو"، و"اللاويق"، "الانقاية"، "التَّقْنَت"، "اللَّبَقَة"، وهذه مفردات كوشية. حسب علمي السَّمَاعي، فإحدى حَسَرَاتي العِراض من سودان الحَسَرَات العريضة مثله، أنَّني لا أعرف أية واحدة من اللغات الكوشية. هذه المفردات الكوشية، دَخَلت عليها مع العرب والمسلمين مفردات مثل "فَسْقِيَّة" وهي فارسية، يَرِدُ عنها في أحد قواميس نقل العربية إلى الإنجليزية أنَّها كانت تُطلق على الوضَّايات، جاءت مع الصلاة الإسلامية إذن لتنضاف إلى الرِّي الكوشي. و"البربخ" وهي تطويع بيئي من لفظة "البرزخ"، لتنمو الكوشرثيا فعلاً وتزدهر.
    فمتى نتوقَّع مثلاً، أن يخرج علينا أحدُ مهندسي الرِّي ببحث شامل ودقيق في هذه الجزئية، تسانده معارف وعلوم عصرنا التي تَلَقَّاها في جامعة الخرطوم أو غيرها من الجامعات؟ وخبراته التي كَوَّنها من العمل لسنين طِوَال في مشروع الجزيرة أو غيره من المشاريع؟ فيكون لدينا فصل من الكوشرثيا لدى هذه الجزئية أيضاً.
    التداوي، الذي إن كانت مفردة الفولكلور تعني بأحد تعريفاتها الموجزة "حكمة الشعب"؟ فانظر في كوشرثيا "البُّصَرَاء" عندنا، والمفردة ذاتها تُريك الفرق بين الكوشرثيا وغيرها من ثقافات الحضارات. وقلتُ عَن الكوشية سابقاً إنَّها غَذَّت الإسلام والعروبة حضارياً بأكثر مما غَذَّياها. فهي شَكَّلتهما بنيوياً وجوهرياً، أمَّا هما فزوَّقَاها فسيفسائياً فحسب. فوقفة قصيرة مع كلاسيكيات الليركس، قبل طاعون الجماعات الإسلامية هذه، تُريك أنَّ اللغة العربية التي ما انتصرت إلا بالقرآن، كانت خليطاً بين العربية القُحَّة والمفردات الكوشية. أمَّا الموضوع ذاته، كما سبق وتناولته في كتابتي عن حميراء وأشعار الفروسية، فهو لممدوح كوشي دون ريب. والأسطورة التي تُعْلِي من شأن الممدوح، إمَّا أسطورة كوشية، أو أثارة إسلامية بحتة. والاستعراب المُسْتَّعْلِي هذا كان له وجود ولكن بنسبٍ تقل كثيراً عَمَّا إذا مضينا مع الزمن ملاحِقين له نحو اليوم. فالحياة في عصر الممالك، كانت طبيعية لحدٍّ كبير، ولا يُسئ أحدٌ فيها للآخر لأنَّ كل مملكة تقتني جيشاً. وما بقيت تلك الأشعار، القديمة، والمعتدية إثنياً، إلا لسبب رئيس، هو أنَّ الشعر نادراً ما يموت. ولسببٍ آخر وهو أنَّ الكوشيين أخذوا في الانمساخ والتحوُّل لمستعربين بمُحَفِّزات الدين، أكثر من مُحَفِّزات الانهزام. فما عاد يدافع عنهم أحد. والمهدي نفسه في التاريخ المُعَاصر التحق بالأشراف، وسَمَّى أهله الدناقلة {شريفيين}. وهذا بواعز من الدين المُتصوِّف لدرجة أن يتماهى المهدي في محبَّة تلك الروح المحمَّدية حتى يكونها بالتخييل. التخييل الحقيقي، الذي يطمس الواقع بالذهانيات، لا بالكذب. المهدي كان فَنَّاناً مجذوباً، وخيالياً عظيماً من طراز بوهمة، ولم يكن دَجَّالاً صغيراً، أو كاذباً رخيصاً. أي بوسعك الذَّهاب بالمهدي إلى مستشفى يعالجُ أشخاصاً شربوا جرعةَ تخييلٍ أكبر مما يحتمله الإنسان، ولكن ليس بوسعك اقتياده إلى حَراسَة أو محكمة دَجَّالين تافهين. وهذا لا يعني ألّا نتعرّض لشخصيته أو لدولته بالنقد، ولما أرسلته من معايب نحو المستقبل ليؤثِّر على ما تلاها من دويلات.
    أوضحتُ أنَّ بقاء تلك الأشعار المسيئة، بسبب أنَّ الشعر نادراً ما يموت، وغالباً هي أشعارٌ أرَّخَت لمعارك عربية مع الكوشيين، بما يجعلنا نعزلها ظرفياً ومنطقياً عن مجمل حياة الناس. التي كانت طبيعية لَحَدٍّ كبير، لأنَّ الممالك كانت معزولة عن بعضها بعضاً، بعد تشظِّي السودان الكبير. فالذين يتحَدَّثون عن سودان جاء به للوجود فرمان لـ"محمّد علي باشا" هؤلاء أشخاصٌ واهمون. السودان كان أكبر من ذلك، وتشظَّى قبل دخول العرب بإسلامهم. ولأسباب خارجية ليست داخلية، لأنَّ السودان كان يتصارع مع الرومان وقمبيز الفرس. في الحقيقة المستفيد من مُزحة فرمان "الباشا" هذه، هم العرب والمسلمون، كي تكون لهم تلك الممالك القريبة جذراً تاريخياً يزعمون من عنده أنَّهم كانوا هنا، ربما من زمن الأهرام!
    فأساس التداوي، وأساس البصير في السودان، هم الكوشيون. ولكن الناس تفهم الحضارة في ظاهرية الدين هذه، التي إن نبشنا فيها سنجد أنَّها تقود إلى دين إسلامي سوداني، خاص بنا، ما أفسده علينا إلا جماعاتُ الإسلام السياسي هذه. وباللغة العربية؛ اللغة التي مما قلتُه عنها في موضع آخر، أنَّها أكواد ميتة. لا حياة لها إلا على الموضوع، كما شبَّهتها بالفيروس، الذي لا حياة له إلا على العائل، والعائل في أغلب مناحي الكوشرثيا كان كوشياً. ولذلك قَدَّمتُ لفظة "كوش" على "إرث" في نحت المصطلح، ليكون المصطلح حتَّى في شكله الظاهري مناسباً لموضوعه وجوهره. و"كوش"، من المُصطلح، مقدمةٌ على "الإرث" لأنها جذر المكان وأصله، والإرث جاء لاحقاً.
    وجوهره، هذا الكوشي، المادِّي أدواتٍ وسلوكاً، الأركماني، كان المُنطلق الأوَّل، والبذرة. فبصير هذه الحضارة يشبهها ولا علاقة له ببُصراء من حضارات ثانية. فهو له ثلاثة حِرَف في العموم، وغالباً يكون شخصاً واحداً. هذا لا ينفي أنَّه في أحايين كثيرة يَتَخَصَّصُ في حرفةٍ واحدة من تلك الحِرَف الثلاث. الحِرفة الأولى هي طِبَابة الناس، والثانية طِبَابة البهائم، والثالثة طِبَابة الأدوات. فأنت تأتي إلى البصير وتجده يجلس تحت ظل شجرة كبيرة، يحمل قَدُّومَه الصغير وينجر سرجاً لدابّته، عنقريباً، توريقاً للساقية، باباً، حسب مصادفتك له. وبناءً على شكواك سيتعامل معك، إمَّا وضع آلته تلك وتناول آلةً ثانية، مروداً من باب المثلات، ليكوي لك فككاً، أو أوصاك بحمّية، وأعطاك كمُّوناً، عُشبةً، أو ما تحتاجه من وجهة نظره الطبية باختصار. ويُؤَتَى له بالبهائم التي تعاني من إسهال أو كسر فيَطُبُّها أيضاً، وكذلك يرقي بالقرآن والحديث، كإضافة من الإرث الإسلامي.
    كما يصنع الأدوات، وأيضاً يُصلح الذي فَسَدَ من صناعتها، ويعيد ترميمه.
    أحياناً قليلة جداً يقوم البصير بنفسه، على مسألة الصيدلة، وفي الغالب الأعم، هو يترك ذلك لـ{العَشَّابَة}. أي المتخصصين في الأعشاب، سُمِّياتها ونافعاتها.
    كما يقوم بالمهام الطبيَّة بشقيها، النفسانية الروحانية، والبدنية. وبإجراء المُكَثَّف من البحوث سنستطيع، تعيين، الكثير، الظاهري، مِمّا لم يلتحم التحاماً تامَّاً، ويُشَكِّل نَسَقاً حضارياً ثالثاً، أي ماهو لكوش وما هو للإسلام والعرب.
    فتقديري، أنَّ الذي بين أيدينا هذا هو نَسَقٌ حضاري ثالث، قائم بذاته، ليس الكوشية ولا الإسلاموعروبية. وهذا لا يمنع أنَّه بوسعنا أن نرى، مظاهرَ واضحة تنتمي للكوشيين، وغيرها مما ينتمي للإسلاموعروبية.
    فتسمية لمرض مثل "أم التيمان" مثلاً، أو التواء الرقبة، هذه العِلَّة مع تطبيبها تجدها في الثقافة الإسلامية واضحة جداً، وهناك أحاديث نبوية عنها، وغالباً مردُّ التسمية إلى الحسن والحسين، أبناء الزهراء، وهذا إرث شيعي، علاوة على الصوفي، والسُّنِّي.
    وتسمية لمرض آخر مثل {الدانقسيت} مع حقيقتها "السببية" أو أسطورتها، لا أدري بأي حال، أأسبابه تلك أسطورةٌ أم حقيقة!؟ ولكن هذه اللفظة هي عربية جاءت من الفعل {دَنْقَسَ} وجاء في معجم "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّ {الدَّنْقَسَةُ: تطأطؤ الرأس ذُلاً وخضوعاً، وخفض البصر}. ونقول من دارجتنا {الدَّنْقُوس} ونعني بها الرأس، والحلاق يقول لك {دَنْقِس رأسك}، أي اخفضه.
    و{الدانقسيت} ألم يطعن في باطن راحة الكراع، ولكم عانينا منه عندما كنا أطفالاً. وهو يأتي من الوطء على بول ذكر الحمير. "كما يشاع". وربما هناك بكتيريا أو طفيليات أخرى تُوجد في بول الحمير تُسبِّب ذلك وربما قصته ثانية!؟
    وهم قد أسموه على هذا النحو لأنَّ المصاب به يدنقس رأسه حين يمشي، لأنَّه يضلع.
    فمن سيفسِّر ذلك كلّه، أنا أم أطباء وخبراء معامل؟
    فإن ثَبَت أنَّه لا علاقة لذكور الحمير بهذا المرض، وأعتقد أنَّ لها علاقة به، لأنني جرَّبتُ المرض المعني بنفسي، ولكن إن لم يكن له علاقة، وكان ذلك الوطء الذي يُسَبِّب الألم لمُسَبِّب آخر، لا لبول الحمير، فلا بُدَّ أنَّ هذا التفسير لُمَسبِّب المرض يستند إلى أسطورة كوشية ما عن الحمير.
    ولكم من البحوث والدِّراسات نحتاج، يا تُرى، لمناقشة موضوع {الزَّار السوداني} وحده، بشقيه الميثولوجي، والطبي، النفساني، وهو أيضاً كوشرثيا. وكل الكوشرثيا الصيدلانية المرتبطة بالنبات، طبياً وأسطورياً. وكذلك الكوشرثيا المرتبطة بالحيوان، بيطرياً وأسطورياً.
    في الحقيقة، الكوشرثيا من أثرى حضارات الدنيا، ومع ذلك هي من أفقر حضارات الدنيا اشتغالاً عليها. هل قابلك ولو مجرَّد دليل سياحي، ناهيك عن قاموس علمي مُحْكَم، يُعَرِّف ولو بجزءٍ قليلٍ فحسب من الحيوان في جنوب السودان مثلاً؟
    هل قابلك قاموس نباتات السودان؟ قاموس طيور السودان؟ قاموس فراشات السودان؟ قاموس جراد السودان؟ قاموس نمل السودان؟ قاموس تماسيح السودان؟ قاموس زواحف السودان البريّة؟
    بل إنَّ مفرداتٍ شهيرة كالشيح، القرض، الحرجل، المحريب، الجردقة، السنمَكَّة، العرديب، الحُلْبَة، الحنبك. هناك من هذه الأجيال من لا يعرفها ولم يسمع بها بتاتاً. ولذلك أضفت تلك التوسعة في المصطلح، عَلَّ كل من له فضل علم، بكوشرثيا شفاهية أو غير شفاهية، يرمي به في أتون ذاك المُصطلح.
    وحتى خلط بعض المفردات النباتية أعلاه، بعسل النحل عبر مفاهيم معنوية مأخوذة من كتاب "الطب النبوي" أي من الإسلام، مع إضافة مكونات عربية، استقاها النبي محمّد أساساً من البيئة العربية ولم يخترعها القرآن. وأحياناً خلطها ببول الدواب، ودمائها، وبمشتقات أسطورية ثانية وكثيرة.. إلخ، المتعلّقات بالطب هذه كلّها، من سيقوم بدراستها؟ أنا أم أطباء وصيادلة؟
    وكذلك، مما تسبَّبتُ به على توسعة المصطلح، على نحو جوهري، مما بيّنته أعلاه، من كون الحضارة الكوشية كانت حضارة عقلانية، ماديّة بامتياز. حضارة تصنيع، وأدوات وإكسسوار، فكان لا بُدَّ من هذه التوسعة، ولو من باب قانون التناسب. فالعلوم هذه، أعني الإنسانية لا التطبيقية، خُلقت لتخدم الحضارة، وليس لتوافق قوانين روحها الحدوديّة النظرية. ولذلك أسموها بالإنسانية وعزلوها عن التطبيقية، التي لا يمكن السيطرة عليها في كل الأحوال، أم صواريخ، وقنابل، وإلى آخر {الكفاوي}.
    وما هي روح هذه العلوم الإنسانية؟ روحها هي هذه الحضارة التي يجب أن تحميها من الهلاك والفناء. فالإنجليز هؤلاء ومنذ زمن بعيد يستخدمون آلات حديثة وتكنولوجيا حديثة، وما يخافون عليه هو إرثهم الشفاهي. هل يا تُرى لهم "واسوق" و"بُرمة" و"كدنكة" و"مشلعيب" تبلغ أعمارهم آلآف السنين؟ طبعاً لا، فما هم بأقدم من الحضارة الكوشية. وهذه الأشياء هي تهلك الآن حتى في السودان، إلا مناطق الأرياف البعيدة جداً، والتي لا نعرف أننتظر بها خبراء التنمية أم منقّبي الكوشرثيا!
    ولكم فرحتُ حين وجدتُ لفتةً عبقرية وفي منتهى الخطورة الحضارية، قام بها ابن عمر التونسي، صاحب كتاب {تشحيذ الأذهان، بسيرة بلاد العرب والسودان}. هذا الرجل قام بحصر كميّة كبيرة جداً من الأدوات في منطقة دارفور إبَّان عيشه فيها عام 1803م. ومع قِدَمِ هذا التاريخ، وقِدَم التفكير فيه، فالرجل قام بَعَملِ قاموسٍ للأدوات مع رسوم توضيحية "كمان".
    فمن حسن الحظ، أنَّ الرجل له اهتمامات بـ(الجمع) وتنضيد القواميس وصناعتها، إذ له اهتمام بعلوم الطب والنبات والحيوان، كما له مؤلَّف اسمه {الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية}.
    المخطوط القديم، لكتاب ابن عمر، الأصل، إمَّا بالقاهرة، وإمَّا أنَّه بباريس الآن، وربما يمتلكه ورثة "بيرون"، الفرنسي صديق ابن عمر. الذي أخرج طبعةً فرنسية من رحلة ابن عمر إلى {وادَّاي}، ويُعتقد أنَّ أصلها العربي مع ورثة بيرون أيضاً، حسب معلوماتي. ولماذا فعل ابن عمر ذلك في ظنّك؟
    فلجانب اهتمامات الرجل، فمن المؤكَّد في خاطري، أنَّه فعل ذلك، لأنَّه رأى شيئاً لم يره لا في دياره ولا في مصر التي قدم منها. أدهشته هذه الأدوات بوفرتها، براعة تصميمها، وجودتها واختلافها، فقَرَّر أن يُطلع عليها الآخرين. خصوصاً إذا عرفنا أنَّه ألَّف كتابه هذا بعد مُضي زمن ورجوعه إلى مصر، وربما كانت مخطوطاتها "البدئية" معه منذ البداية، من يعرف!؟
    بأي حال هذه الأدوات التي عَدَّدها ورسمها لا أعتقد أنَّ ربعها قد يكون موجوداً، أو حَيَّاً، في دارفور الآن. فهذه الأدوات تهلك مع الزمن وبتطور الأدوات ودخول الآلات الحديثة.
    بل إنَّ الرسوم النادرة من ذلك الكتاب والقليلة ذاتها تهلك. ولكم كنتُ أُصِرُّ وأتسوَّلُ أصدقائي التشكيليين في أن يعيدوا رسم ذلك القاموس، لأنَّه فَنِي إلا قليلاً. أمَّا كشَّافُهُ وثَبْتُهُ، اللغوي الإيضاحي، فكنتُ قد حَرّرتُه وجَهَّزَّتُه مع نسخة الكتاب التي أعددتُها لمركز "الأدب الجغرافي العربي" بالإمارات. لكم ناديتُ في التشكيليين، ولا مُجيب. لأنَّ وجود قاموس مُحْكَم لها، سيساعد الناس في دراستها، بل واستعادتها، وحفظها، وستفيد في قراءة تلك المعابد وما عليها من نقوش. ومن لغة كورسيفية لم تفك معضلتها حتى اليوم. أكتب ذلك عسى أن يُثير هذا الكلام رأفةً في قلب أحد التشكيليين، فيقوم بعملٍ مفيد.
    والإكسسوار، الذي لي به غرام وولع، العقود، الحجول، الأقنعة، الأسورة، أخلَّة البجة وأمشاطهم، الحجبات، خناجر وسكاكين الإكسسوار التي تُلبس، الذمام، الحلقان، العصي، الحرائر بأنواع أهلّتها المختلفة، للعرس، للطهور، للسيرة، للمشاهرة.. إلخ.
    الأزياء، الصديري، الطاقية، العمَّة، الرحط، سروال البادوبة، القرقاب، التوب، الفركة، الشملة، الشالات، الطِّرَح، القرمصيص، هل سيتعيَّنُ عليَّ أن أقرأها أنا أم متخصصو أزياء وإكسسوار؟
    سأكتبُ و(أجمع) ما بوسعي كتابته وجمعه، ولن يوقفني أحد. وفي بالي شابَّة صغيرة أو شابٌّ صغير، لنتخيّلهما بعد ثلاثمائة عامٍ من الآن، وهما يُقَلِّمان أظافرهما بأسنانهما، في إحدى مكتبات الجامعات السودانية، ينتظران دورهما للحصول على مرجع {الأمثال السريّة} التي انقرضت قبل مائة عام من زمانهما. ولهما بحث في إحدى مواد الحضارة الكثيرة التي تتطلب معرفة بيئة محدودة تتوفَّر في تلك الأمثال، ومعرفة لغتها. فلا بُدَّ، وقطعاً، أنَّنا بهذه الحال التي نحن فيها الآن، من التقاتل حول البدهيات، سيبقى هذان الشابَّان إلى ذلك الوقت، في بلدٍ، وبوسط جامعةٍ، ينتظر فيها طلابُ العلم دَوْرَهم لِلَمْسِ {حَجَر أسعد} المراجع وتقبيله.
    وبالإضافة لما وسعي القيام به من (جمع) سأقوم بمعالجات تقنية حسب قراءاتي في جنس هذه العلوم لدى الشعوب الأخرى، كي أستفيد منها في حل إشكالات بعض المواضيع التقنية بخصوص الكوشرثيا.
    فهل يُوجَد يا ترى قاموس للأدوات الموسيقية السودانية؟
    الموسيقى مثلاً ليست موضوعاً شفاهياً في أوروبا منذ اجتهادات ذاك القس الإيطالي، على النوتة، الخالد والعظيم غيدو دِّيزو Guido D'Arezzo النسبة لمدينته Guido of Arezzo، وهو قد عاش بين العامين (990-1050م).
    ولكنَّ الموسيقى في بيئات ريف الكوشرثيا ما تزال حتى اليوم موضوعَاً شفاهياً. بل أغلبُ العازفين السودانيين، والفنّانين، للآن لا يعرفون النوتة. ولكن هنالك من الألحان المأثورة، مجهولة المؤلِّف، المحفوظة حتى تاريخ اليوم شفاهياً، والمنتقلة من فم آلة موسيقية إلى أختها عبر الدهور دون أن يُدَوِّنها أحد.
    فهذه الألحان كوشرثيا، أعني من خلال مواصفات الفولكلور.
    فالفولكلور له كميّة مهولة من التعريفات، ولكن أكثر تعريف راقني منها، هو تعريف الدكتور أحمد علي مُرسي نفسه، إذ يُعَرِّفه هكذا:
    {الفنون والمعتقدات وأنماط السلوك الجمعية التي يُعَبِّر بها الشعب عن نفسه، سواء استُخدمت الكلمة أو الحركة أو الإشارة أو الإيقاع أو الخط أو اللون أو تشكيل المادَّة أو آلة بسيطة}.
    ولو تتبعنا {الزُّمْبَارة} وحدها، كأداة بسيطة عَبَّرت بها الكوشرثيا عن أنفسها، لوجدنا منها آلاف الألحان الكوشرثية، المأثورة، ومجهولة المؤلِّف. فلو كنتَ بأي بادية من بوادي غرب أو شرق أو شمال، وسط، حدود بحر العرب من السودان، وسألت عنها الرعاة، فسيعزفونها لك.
    فحالة القُمْري، الطَّيْر، تُقَسَّم إلى أحوال، لكل حالةٍ منها نَغَمٌ مُعَيَّنٌ. فهناك {ضَرْبَة} أو {نَقْرَة} كما يُسَمِّي الرعاة المعزوفة، {ضَرْبَة الرويانة} و{ضَرْبَة العطشانة} و{ضَرْبَة أم حُزوز}.. إلخ.
    وأيضاً حالة الإبل لها معزوفات {المِتَاومَة} و{الطارحة}..إلخ.
    هم يُصَوِّرون حياتهم كلّها بالموسيقى. فهناك معزوفة {الرَّي}، وما هو ثقيل من معزوفات مثل معزوفة {الجَكُّونيّة}. والخفيف منها مثل {الحمامة} و{العرضة} و{البَّشرية} و{أبو الصِّقير} و{مَندوف}.. إلخ.
    وهذه جهة من الكوشرثيا تحتاج إلى مدوِّنين يُلِمِّون بكيفية تدوين هذه المواد. وهناك من الموسيقيين من أخذ من هذه الكوشرثيا، ومَنِ اقتبس. بعضهم لوَّن فيها، وبعضهم عَصَرَها في حَلِّته دون زيت، فلا ثَبَّت مرجعيتها إلى "تراث" الشائعة والخاطئة تلك، ولا إلى كوش، بل عِيَاناً بَيَاناً، وجهرةً، زعمها لنفسه. وما من مكتبة (جامعة) تسمح بمراجعة أولئك النَّاس فيما أخذوه دون تثبيت مصادر.
    لا نمتلك ((مكتبة وطنية)) حتى اليوم، والدنيا في الثلث الأخير من القيامة، كما ناديت بهذه المكتبة حتى بُحَّ قلمي. لا بُدَّ من إنشاء مكتبة وطنية، فحضارة هذا البلد تهلك كل يوم ولا مغيث.
    ولا بُدَّ من النظرة الموحَّدة إلى كل مواد الكوثرثيا، ولا أُطالب بإنصاف ما هو كوشي وحسب، وإنَّما بإعادة صياغة هذه الثقافة، ومواد التربية، في تمامها. بحيث نستعدلها هكذا.. كوشياً-إرثياً، وبهذا الترتيب، الذي هي عليه في الحقيقة. ولا بُدَّ أن تتوقَّف أدوات الإعلام السودانية هذه، وفوراً، عن تسمية مواد الكوشرثيا، في الإذاعة والتلفزيون، وغيرها من أدوات الإعلام، بالمصطلح "تراث". القاصر وغير الحَسَّاس، وأن تستخدم هذا المُصطلح كوشرثيا، أو ما يشبهه، احتراماً للثقافات السودانية في تمامها ومجموعها.
    ***
    وختاماً أقول، إنَّ الشعوب لا تتخلَّص من تاريخها القبيح، على مستوى مواد التاريخ وأثارتها الباقية. وإنَّما على مستوى العظة والعبرة من ذلك التاريخ ومن تلك الكوشرثيا كُلِّها. ولا تتخَلَّص من جنس هذه المواد بطريقة وعلى نهج طالبان، التي قامت بتدمير تماثيل بوذا، بذريعة أنَّها وثنية! وهو النَّهْجُ الطالباني، الدِّيني القِيَمِي ذاته، المُنْتَخِبُ لما يُريدُ مزاجياً، لا عَبْر براهين وتسبيب تُمليه العلل والمعرفة، لمن أرادوا تدمير مواد هذه الكوشرثيا، بدعوى البذاءة. ولمن أرادوا إزالتها إعداماً، وتمزيق صفحتها بالاقتلاع من كتاب التاريخ والنَّسَق الحضاري، لا بالأرشفة ومن خلال الإحالة لمتحف علوم، من أجل قراءتها، وقراءة ظروف ميلادها، تسبيبها، ونشأتها. وكذلك من أجل معرفة موقعها النَّسَقي والسِّيَاقي من إشكالات هذه الحضارة ومعالجاتها، ومعرفة موقعها الباني، ومن ثَمَّ ترشيحه وتدعيمه للمزيد من الارتقاء والنمو الحضاري. كما ضربتُ، من ذي قبل، مُثُلاتٍ، بمتحف الأبارتيد Apartheid Museum بجنوب إفريقيا. الذي قُدِّر لي أن أراه، وهو من أكثر متاحف جنوب إفريقيا جدية، وخُصِّص له مبنى ضخم، مترامي الأنحاء، والخضرة تُحيط به من كل ناحية، ويجاور مدينة شذور الذهب الـGold Reef City في جوهانسبيرغ.
    وكتبتُ عنه في رحلتي، إنَّه لا يُركِّز على الضحايا والسوء العنصري مثل سجن "تَلَّة الدستور Constitution Hill" الذي سُجِن فيه أعظم مناضلين في التاريخ الحديث، وهما مانديلا وغاندي. ولا مثل معرض "هيكتور بيترسون Hector Peterson" الذي يُرَكِّز على كفاح الطلاب واليافعين ممن حصدتهم آلةُ الطغيان الأبارتيدي.
    ولكنَّ متحف الأبارتيد يُرَكِّز، على فحص تلك المُخطَّطات الاستعمارية، وآلية تنفيذها، كما يتناول حياة بعض المساهمين في بناء جنوب إفريقيا غير العنصرية، وكذلك يقارن، ويجري المُقاربات، بين ذلك الأبارتيد وما شابهه في التاريخ الوحشي للبشر من كيانات على مدى العالم. فبداخل المعرض ذاته يُوجد استعراض تاريخي لحركة السود بداخل أمريكا وكفاحهم بالنقطة الواحدة. كما يقوم بالنظر إلى نظام الأبارتيد بوصفه "ذهنية"، لا أقوال أو أدوات، ويجب إعدام تلك الذهنية، بالفكرة المُضادة، لا بالغلبة السياسية والعسكرية. فالمشكلة أعقد من هدم الأبارتيد بوصفه جداراً، وسوراً، وحَلُّها يتعلَّق بهدم تلك الجُدُر داخل رؤوس الناس، وبقلب أفئدتهم.
    فهذه الأمثال السريّة ليست كلّها بشاعة، بل ما يربو على 95% مما جمعتُه منها هو من الكوشرثيا الحكيمة لمنتهى الحكمة، والعاملة في مناطق ميتة من جهة التعبير، اللغة، التمثيل، الخيال، المنطق.
    وهي، علاوة على المَثَل الفنِّي العظيم منها، في قدراتها وأساليب تكوينها، فالشقُّ الضار منها تنبع أهميته من كونه يُعطي صورة حيَّة لقضايا امتهان الكرامة إثنياً، وجندرياً، ودينياً. وإنَّي بالأصل، أسميتُها سِرِّيَّة لأنَّ لكل مَثَلٍ منها فئة بعينها يتحرَّك في مداها وحدودها.
    فـonce إنه كلام إذن هو غير سري، لكن بمجرّد أن يُشْكِل على أهله استخدامه في برنامج سهرتنا الليلة، أو كتابته في عمود اليوم الصحفي، أو روايته على الإثنية الفلانية، على النوع الفلاني، على أهل الديانة الفلانية، فهو لا محالة سري بوجه من وجوه "الاستخدام" وليس "التداول".
    وسريّة هذه الأمثال، بالنسبة للضارِّ منها، في هذا المقام تحديداً، أعني الأمثال المسيئة للأديان، النوع، العرق، مُسبِّباتها حَذَرَ الفئة التي يتناولها المثل. فإن كان المثل يتحدَّث عن بشاعة إثنية أو عن عصور العبودية والرق، فقطعاً لن يُذاع في حضرة من (يُظَنُّ) أنَّ المثل قد يمسّه. مثل {لا تصاحب عَبْ، لا تبول في شَقْ. العب نَسَّاي، والشَّقْ حَسَّاي}.
    والأمثال التي تُناقش النساء وتمتهن كرامتهن لن تُقال في حضرتهن مِثْل {غلفاء وشايله موسها تطهِّر}.
    والأمثال التي تُناقش الأديان من نوع {المسيحي، أو القبطي، أب ريحةً نحاس} لا تُقال أمامهم بالضرورة وكما هو مفهوم.
    وهذه المواد الضارَّة من الكوشرثيا، كلّها، ضرورية للغاية، فالواقع يقول إنَّها لم تهلك، وإغماض الأعين عنها لن يُهلكها. فاستنطاقها إذن واستجوابها مسألة لا فِرار منها إن كُنَّا نريدُ إبادتها بالفعل. هذه المواد الضارّة من الكوشرثيا، لا يبيدها إلا الوعي الحق ضدها، واليقظة الكاملة والانتباه لها ولتسرّباتها في كلام الناس الاعتيادي، غير -"البذئ"- نزولاً عند لغتهم.
    وكما قلتُ {الوعي نبيلٌ وقويم بأصله قبل طبع الواعين} وعنيتُ بها أنَّ الواعي بحق، ليس هو الإنسان الذي تخلقه الصدف والظروف، وعدم توفّر مناخاتٍ ثانية تختبر وعيه هذا. فالواعي هو الواعي، لكل هذا الخمج، وقوامة ونبل وعيه يأتيان من وعيه ويقظته لما هو سوء ولما هو حسن. وقول الناس في الكوشرثيا {فلان دا الله هاديهو} أجد نفسي لا تستسيغه على هذا النحو من الطيبة. لأنَّ المجتمع أساساً ملوثٌ بمثل هذه المواد، فإمَّا أن فلاناً هذا له ملكة نقدية مستيقظة، وصاحية لمثل هذه المواد الضارَّة من الكوشرثيا، وبذلك فهو مهتدٍ لأنَّه واعٍ، وإمَّا أنَّه سيتبع المجموع ذات يومٍ ما. فالخير عندي مَردُّه الوعي، وإلى أصل الوعي، وليس إلى رؤى طوباويّة، ولا إلى أصل الإنسان نفسه.
    وأوكِّد مرَّة أخيرة، أنَّ (جمعي) لمواد الكوشرثيا بجميع أنواعها، الصالح منها والطالح سيستمر، ورؤاي ستتواصل ما لم أُعْدَمْها. وليكن لي بأقل اجتهاد مجابدة اختراع "المصطلح" في لُبِّه، وحسبي أن يقتنع به بعض الناس ويفيدهم ولو في مجرَّد الانتباه لتوثيق مواد الكوشرثيا هذه التي تبيد كَلّما رحلَ مُسِنٌّ، ولها في كُلِّ ميّتٍ موتٌ.
    مُجَرَّد تركيب هذا المصطلح أجده مساهمة منّي، بقدر ما أُوتيت من {بَصارة}. وواضع مصطلح الفولكلور ذاته William John Thoms لم يقدم لمصطلحه شيئاً إذا قارناه بأصغر باحث اليوم في المجال الذي اصطلحه. بل جاء الموضوع كلّه من "رسالة" لا تتجاوز الثلاث صفحات بكثير. أرسلها بتاريخ 21 أغسطس 1846م إلى مجلة أثينيوم The Athenaeum.
    وكان يُعرف هذا الحقل، الذي يُعْنَى بمواضيع أكثر من المواد القولية، والفنون الشفاهية، بـ"الأثريات الشعبية" Popular Antiquities. فاقترح وليم في تلك الرسالة استخدام هذا المصطلح فحسب (Folklore) بدلاً عن "الأثريات الشعبية". ولم يكد يُعْطِي الرجلُ أمثلة كافية ولا شافية في رسالته تلك. لأنَّ الحقل كان موجوداً بالفعل في سياقات حقول أخرى من المعرفة. وما عَمِله وليم أنَّه ابتكر لها خيطاً ناظماً فحسب، كما استعدل تسميتها الخاطئة تلك، من منظوره. ليتداخل من بعده في الموضوع، أناسٌ كثيرون فأنجزوه وتمّموه على الهيئة التي نراه فيها اليوم. وما يزال الناس يُدْخِلون ويُخْرِجون منه حسب ثقافاتهم المختلفة وطبيعة بُنى تلك الشعوب التي يعالجون ثقافاتها، كما يسعى شخصي الآن. ومع ذلك لم يمنع "مُجَرَّد الاقتراح" هذا، مستر وليم أن يكتب، مُطَالِبَاً، في رسالته ذاتها للمجلة، أم ثلاث وريقات {شنقلت الريكة}، وبهذا الشكل الواضح والقاطع {وتذكر أن لي الشرف، وأنني أستحق التكريم لتقديم مصطلح "فولكلور" لأدب هذا البلد، كما فعل دزرائيلي عندما قدم مصطلح "الوطن الأب" Father Land}، كتاب مقدِّمة في الفولكلور، للدكتور مُرسي، ص: 26.
    وها قد صار هذا الضرب المعرفي يُعَرَّف عبر الإنجليز بالرغم من أنَّ الذين أسَّسوه في محتواه لا تسميته، والسابقون إليه، هم الفنلنديون والألمان (راجع كتاب الدكتور مُرسي، المذكور، الوافي، الشافي).
    وحتى ألتقيكم، بأعلى قُبلاتٍ ثانية، لدى أطيب وأشفى، تدويمٍ للزَّعْفَران، على زراوحِ المعرفة، وتلالها الخُضْر.






    -------
    (*1) كنتُ قد قَدَّمت اسم ابن سلاّم، على الضبّي، فأجريتُ هذا التصويب على المُقتبس.

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-20-2010, 00:12 AM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-20-2010, 01:05 AM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-01-2010, 09:03 PM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-01-2010, 09:13 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-10-10, 12:12 PM
  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" عمران حسن صالح04-10-10, 12:26 PM
  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" عمار عبدالله عبدالرحمن04-10-10, 12:26 PM
    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" البدري عبد الله04-10-10, 12:53 PM
      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد إبراهيم علي04-10-10, 01:06 PM
        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Omayma Alfargony04-10-10, 01:27 PM
          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-10-10, 04:19 PM
            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-10-10, 04:28 PM
              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" د.نجاة محمود04-10-10, 04:40 PM
                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-10-10, 04:46 PM
                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Adil Al Badawi04-10-10, 07:36 PM
                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" وليد محمد المبارك04-10-10, 07:51 PM
                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" AnwarKing04-10-10, 09:25 PM
            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Amjad ibrahim04-12-10, 01:19 AM
  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Adil Osman04-10-10, 08:36 PM
    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" صلاح عباس فقير04-10-10, 09:53 PM
    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-10-10, 11:38 PM
      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد قرشي عباس04-11-10, 00:19 AM
        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" د.نجاة محمود04-11-10, 03:05 AM
          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد عبد الماجد الصايم04-11-10, 07:15 AM
            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" أيمن الطيب04-11-10, 07:27 AM
              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" حبيب نورة04-11-10, 07:59 AM
                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" نيازي عبدالله مرحوم احمد04-11-10, 08:59 AM
                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-11-10, 12:42 PM
                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Siham Elmugammar04-11-10, 01:43 PM
                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" ابو جهينة04-11-10, 01:59 PM
                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-11-10, 11:03 PM
                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Adil Al Badawi04-11-10, 11:17 PM
                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-12-10, 00:45 AM
                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" أمين محمد سليمان04-12-10, 01:35 AM
                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" شول اشوانق دينق04-12-10, 09:55 AM
                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Medhat Osman04-12-10, 11:38 PM
                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Mohamed Abdelgaleel04-13-10, 07:13 AM
                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" صديق الموج04-13-10, 07:31 AM
                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Adil Al Badawi04-14-10, 08:21 PM
                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-17-10, 11:26 AM
                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-17-10, 11:45 AM
                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-18-10, 06:45 PM
                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" حمور زيادة04-18-10, 06:50 PM
                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-18-10, 11:19 PM
                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Omayma Alfargony04-19-10, 04:10 AM
                                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" دينا خالد04-19-10, 08:00 AM
                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-19-10, 04:31 PM
                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-20-10, 02:25 AM
                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد قرشي عباس04-20-10, 02:37 AM
                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-20-10, 10:18 AM
                                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" آدم صيام04-20-10, 04:29 PM
                                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-20-10, 09:28 PM
                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-21-10, 00:00 AM
                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد عبد الماجد الصايم04-21-10, 06:23 AM
                                                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-21-10, 02:06 PM
                                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Mohammed Haroun04-21-10, 02:56 PM
                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" وليد محمد المبارك04-21-10, 04:05 PM
                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-21-10, 04:24 PM
                                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد المختار الزيادى04-21-10, 04:19 PM
                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-21-10, 10:17 PM
                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الصادق اسماعيل04-22-10, 00:43 AM
                                                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Mohammed Haroun04-22-10, 10:33 AM
                                                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" أحمد أمين04-22-10, 11:06 AM
                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Adil Al Badawi04-23-10, 00:40 AM
                                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" ابو جهينة04-23-10, 04:39 PM
                                                                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-24-10, 08:40 PM
                                                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-24-10, 09:10 PM
                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-24-10, 09:57 PM
                                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-25-10, 03:14 AM
                                                                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد04-26-10, 10:09 PM
                                                                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-01-10, 04:46 AM
                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-02-10, 01:41 AM
                                                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-02-10, 03:36 AM
                                                                                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-02-10, 03:42 AM
                                                                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Mohamed E. Seliaman05-02-10, 06:09 AM
                                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الصادق اسماعيل05-02-10, 09:25 AM
                                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الصادق اسماعيل05-02-10, 09:25 AM
                                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الصادق اسماعيل05-02-10, 09:25 AM
                                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الصادق اسماعيل05-02-10, 09:25 AM
                                                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-02-10, 03:42 PM
                                                                                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-02-10, 04:06 PM
                                                                                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-03-10, 04:21 PM
                                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" عبدالله ود البوش05-03-10, 04:52 PM
                                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الجندرية05-03-10, 04:55 PM
                                                                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-04-10, 01:23 PM
                                                                                                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-04-10, 01:41 PM
                                                                                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" الجندرية05-04-10, 01:52 PM
                                                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-04-10, 10:42 PM
                                                                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" أمين محمد سليمان05-04-10, 11:29 PM
                                                                                                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد زكريا05-05-10, 01:20 AM
                                                                                                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Adil Al Badawi05-05-10, 11:18 AM
                                                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" عمر التاج05-05-10, 01:42 PM
                                                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-05-10, 02:16 PM
                                                                                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد حسبو05-05-10, 07:32 PM
                                                                                                                                  Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" هاشم الحسن05-05-10, 09:45 PM
                                                                                                                                    Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-06-10, 10:29 PM
                                                                                                                                      Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محمد قرشي عباس05-07-10, 01:38 PM
                                                                                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Mohamed Abdelgaleel05-08-10, 08:08 AM
                                                                                                                                        Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" محسن خالد05-08-10, 01:21 PM
                                                                                                                                          Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" Mohamed E. Seliaman05-08-10, 06:51 PM
                                                                                                                                            Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة Kabar05-09-10, 04:09 AM
                                                                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة Mohamed Abdelgaleel05-09-10, 12:50 PM
                                                                                                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة عبدالكريم الامين احمد05-09-10, 01:43 PM
                                                                                                                                              Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة محسن خالد05-09-10, 08:14 PM
                                                                                                                                                Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة محمد جميل أحمد05-09-10, 09:57 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de