|
Re: الى ..عماد عبد الله..هذه النص هديتى اليك...1985؟؟؟ (Re: Tagelsir Elmelik)
|
حكايات عبد الله الملفقة تاج السر الملك 1984
تكتسى سطوح البيوت و نقاط النصب الحادة اللامعة بالثلج فى أنقرة..كل السطوح المتحدرة كظهور الثيران و كل النصب التى تحتلها صورة ( أتاتورك) , راجلا و راكبا و خطيبا و زنديقا, - تعمر السماء بالدخان , صاعدا و هابطا , ثقيلا على النفس و الشعب , و الملابس البيضاء, تزدحم االمسابل بالرجال الذين يشربون الجعة , يتجشأون و يحمدون الله بصوت واضح النبرات أجش- قبائل من ماسحى الأحذية و رجال مهمون فى هيئاتهم يعبئون ولاعات الغاز الفارغة بنفثة واحدة, و يبيعون الحشيش سرا- ثم يعلنون استسلامهم لرجال الشرطة القساة حال مداهمتهم بأصوات أشبه ما تكون بكورال خلاص و انعتاق!! يقفن على الشرفات نساء جميلات فى متون طوق الحمامة . يعملن فى البنوك و الفنادق , يهرعن الى الكرخانة حال انحباس ضوء النهاريبذلن أجسادهن لقاء دريهمات تفى بشراء الحذاء الجلدى و بعض الأكسسوارات . شيوخ يبيعون ( اللحماجون) ,و ينطقون بلسان أعجمى ( لا حول و لا قوة الا بالله) , بسبب و من غير سبب. تنساب الطرقات من قاع المدينة ..ساحة ( اولوز) صعدا الى حيث الأشجار و الأنهار المتجمدة , و التحايا المقتضبة, الطرق صعبة المراس تغرى بالصعود, الى نقطة خارج أطار الحسبان و التصور , كان عبد الله يبحث عن نقطة يبصر منها المدينة عارية ..ملقاة..على اطلاقها حينما تضىء النوافذ على الأرصفة الحذرة و حين يضيق بدخان الفحم و المدافىء و الغاز و حين تحاصره اللغة و أعلانات صحيفة ( غونيش). يعود عبد الله منهك كصرصار فى آخر زوايا النهار..يعود ليغمد جسده فى زيت الفراش البارد فى غرفة لا تعرف المدفأة الطريق البها, ثم الململة و الدفء يتسرب رويدا الى العظام كوخز الأبر..يتناوم تحت زخات الأكاذيب حين يهىء لنفسه أدوارا و اطوارا, يطعن فى بيضة الرخ الهائلة و طورا على بساط الريح حتى يدركه الوهن وينال منه الوسن . فى الصباح الباكر يتحد الثلج و الهواء فيصير الثلج صلدا كالحجارة لا يطال بياضه السحت , تقشعر الأبدان المحماة بالكحول و الرغبات المنكفئة حين يفارقها الخدر باكرا. ( أنظر من خصاص النافذة أرقب تماثيل أتاتورك جامدة القسمات و المارة لا يعيرونه النظر و لا يتوقفون عن البيع و الشراء و لا الأحتيال المقنع و القوادة المستترة لرجال يحسنون تشخيص الأحترام و النبل و الطهارة و يلقون بكثير من الكلمات العربية جزافاو قصفا و لا يحسنون شيئا غير البلاهة و الأعتزاز حين يواجهون الأحتقار.) نزلت عبر درج خشبى ضيق معبأ بروائح العطن و البرودة التى تتنفس الموت , أقاوم التجمد بحيوية الركض و الحركة السريعة القلقة , ..رأيت الرجال الملثمين بالكوفيات الصوفية يدفئون أطرافهم بنار الصوبا الخضراء , و يتلهون بمتابعة نقاط الزيت المتقاطرة فى كتلة هائلة من الزمن السخى , كان هنالك الوفير من الشاى الساخن و الأكواب, البقسماط و نساء يجلسن فى انتظار شىء ما, مقنعات يتلفتن كل مرة ينطق فيها المدخل بالصرير, يتحلقن كل لحظة يدلف فيها قادم جديد , كأنهن خارجات من متاهة النسيان!! جلست فى مواجهة الباب..أعلم اننى سأستعيد بعضا من مزاجى..الكوب الثانى, لا أ تعجل شيئا رغما عن شح المال, أحسب اننى معجب بأغنية ( أبراهيم تاتليسيس) المنبعثة من المذياع , أو هو ( الحاكى)!! أم انها قصة الفتاة الصغيرة التى أحبها الشيخ الحجى؟؟ يزاحمنى فى وحدتى و غربتى ( قطب الدين), لاعب كرة متقاعد من ( أضنة) , عاد عقب تولى العسكر للحكم , بعد حياة تشرد, قتل فيها سبعة من الرجال , أغتصبوا شقيقته الصغرى , الواحد تلو الآخر , فر الى بيروت عبر طريق ( باب الهوى) , بعد ليلتين فى أنطاكية و ليلة فى حلب , يتحدث العربية بلهجة الشوام , و يصغى الى تلاوة القرآن فى صمت صاحب الحضرة. أحتسينا الشاى معا ..أنصرف من حضرتى ليلحق برهط الطاولة , ينتبذون ركنا قصيا لا تسمع منه غير صيحات السباب أو هكذا أتصور بعد أزجاء الكثير من حسن النية. وحدى ألمح حركة زجاج الباب و هو يأخذ خصائص الرمادى و الأزرق و أخضر الربى و الجبال البعيدة , عليه صور أشباح العابرين فى الخارج خلف خيوط الضباب مغلفون بالمعاطف حتى اللمم. قبالتى يجلس الرجال الملثمين بالكوفيات , يهمهمون يتفحصوننى بزوايا عيونهم الواسعة , زمنا يطول و يقصر ,و حين فرغت من أحتساء الشاى , دهمتنى لحظة من الصحو المفاجىء , قالت عيون الرجال انهم يبيتون أمرا..توجست خيفة الصرصار , و أستطالت قرون الأستشعار, تمسكت بسيجارتى أمتص منها رحيق شجاعة واهية , أزفرها جزعا هادئا . تحرك أحدهم ناحيتى , كان شابا فى عشريناته حين وشى به الضوء الضبابى , أقترب منى , أستأذن فى الجلوس بلسان عربى فصيح , أذنت له مرحبا , أبتدرنى بالسؤال عن بلدى , السؤال الذى يواجهك أنى حللت فى آسيا الصغرى ..تهلل وجهه و قال ان حدسه أصاب فى اننى ( ارابشا)..وهى عربى و هى أسود الأهاب فى الوقت نفسه- و طفق يحدثنى بأدب جم عن العرب و الأسلام , و سب اليهود , و ندد بالحرب بين الفرس و العرب , و حدثنى عن ( رؤوف دنكتاش) حين تفرع الحديث الى مشاة ( الناتو) , و بطولاته ضد الجيش اليونانى , و أستمر ينكأ فى جرح ( زوربا) , و قصة ( بيلى هيز) , ...ثم صمت...حين و جدنى لا أبدى أهتماما, , اشار الى بقية رهطه , و كانوا ثلاثة , قال أنهم أصدقائه و أنهم عملوا لعدة سنوات فى دولة عربية نفطية و و أنهم يتحدثون العربية أيضا , و ٍسألنى أن كنت لا أمانع الأنضمام اليهم , و لأننى لم أكن فى انتظار شىء معين وافقت الأنضمام اليهم , صافحت الرجال , واحدا واحدا , جلست , و تحادثنا فى يسر و سهولة , غمرنى أحساس الأنعتاق المريح من حواجز اللغة و المزاج , كنت حينها اعوم فى بحر من الفراغ و الزمن المبذول بسخاء ,فى أنتظار المركب ( لارا ديانا) . السفينة التى تزوجت فيها لونها الأزرق الداكن , حين يقاوم سطوة زرقة البحر الحرباء , كم هائل من الساعات حتى قدوم ( لارا ديانا ) الى مرفأ (مرسين) و على متنها أصدقاء الشدة و التعب , و الليالى العاصفة , و على مقدمتها يجلس صديقى النورس ( جوناثان ليفينغستون) ,حين يدركه التعب , و هو يمارس نضاله المستمر ضد تقاليد القطيع , حين أراد التحليق فوق ما تمليه أعراف القطيع , كان ( جوناثان) ثائرا حين أبتدع ( هيربرت ماركوز) فلسفة للنفى و نهجا جديدا للثورة- ظل فى مده و جزره يحتفى بقواه الداخلية , يتدفق نبعا من البهجة و الحياة فى السماء اللا نهائية. جلست الى الرجال زمنا أكسبتهم الود و بعض ثقتى , حين و افقت على الأقامة معهم بغرفتهم الدافئة , و قبلت دعوتهم للعشاء مساء ذلك اليوم . قضيت معهم سحابة اليوم التالى , نضرب ممرات الأسواق المسقوفة , نتلمظ بمشاهدة أردية الشتاء و المعاطف و الكساءات الملونة , بقية المساء قضيته أتفرج على ( جاك نيكولسن) يتحدث التركية بطلاقة و هو يقرع الباب مرتين, و الناس من حولى سعداء , يستجيبون بالضحك و السعال المتقطع , و أشتعال الحمى فى أزيز المقاعد الخلفية. تقابلت و أصدقائى الجدد على مائدة ( الباجة) الساخنة . و عند منتصف الليل تبادلنا أحاديث متقاطقة قبل أن نأوى الى الفراش ,حتى أنبرى ( مهمت) و قال بأن له طلب صغير عندى , و خدمة لها مقابلها , تظاهر الآخرين بالنوم , أذنت له بالحديث, فذكر لى بأنه يعمل على أستجلاب عقود عمل بدولة عربية , و يقوم هو و أصدقائه ببيعها , و ان هذا العمل يدر عليهم دخلا طيبا , و انهم متورطون الآن فى مشكلة مع عشرات من فلاح الأناضول الفقراء, حيث ان العقود لم تصل هذه المرة , و انهم تصرفوا فى الأموال المقدمة اليهم كعربون ,و أن هؤلاء القوم قد وفدوا الى أنقرة, بناء على الوعد, و أن الخناق و المسائلة قد أحكمتا القبضة عليهم, فأستدركته بقولى , ما دخلى أنا فى كل ذلك؟؟ أجابنى..ستفهم.أولا ستلبس انت جلبابك الأبيض, و سوف نضع العقال غلى رأسك ,و ستأتى معنا لمقابلة هؤلاء الفلاحين , أنت فى دور صاحب العمل العربى , مهدىء الروع, و انت لا تتكلم التركية, انت تبرطم بالعربية و نحن نترجم ,و حينها سيطمئن هؤلاء الأوباش , و ينصرفون عنا الى قراهم البعيدة ,ستأخذ انت نصيبك كاملا و نحن فى طريقنا الى كندا فى نفس الليلة!!!و أكد لى بأن أحدا لن يشك فى كل هذه الدراما حتى مغادرتك البلاد. حدق ( مهمت ) فى وجهى مباشرة , أختلجت و لم يختلج , ليل الشتاء شديد الظلمة , فى الخارج و الصمت يلوب القهريخاتل العدالة و الأمنيات موات و حجر. الغرفة الدافئة زنزانة ينعدم فيها الهواء و الوفاء ..حننت الى غرفتى الباردة , أغمدجسدى داخل الغطاء أمنح الغرفة دفء كل الشموس الأفريقية..لا أكذب و لا أتجمل فى سعى نحو شمس الحرية, أربع من السنين قضيتها ( و أنا أسافر نحو الشمس فى شروقها و حين تعبر السماء للمغيب) . سرت الرعشة فى مفاصلى و أنا أشهد صورة ( بيلى هيز) داخل السجن التركى , العتيد, و (قلعة الشنق) تلوح على البعد و أنا مبحر على بحر ( مرمرة) ,تخيلتنى مصفد اليدين , يخرجنى السجان بعد عدد من السنين ..منكسر الخاطر , نحو طريق لا رجعة فيه , نمت و لسانى معلق على جدران اللهاث, نوما مضطربا معتكرا , نهضت مع أول نفثات هواء الصباح, قبل أتحاده مع الثلج الذى لا يصدأ ,نهضت فى نصاعة الصبح و الدخان يبدأ رحلة الهبوط رذاذا من سوء القصد, نهضت و يممت وجهى شطر المتمة, فى خضم السيارات المارقة , و الصحيفة تقول أن التلوث يحكم قبضته على أنقرة.
|
|
|
|
|
|