|
الصخب والعنف
|
" غداً, غداً, غداً وكل غد يزحف بهذه الخطى الحقيرة يوماً أثر يوم, حتى المقطع الأخير من الزمن المكتوب وكل أماسنا قد أنارت للحمقى المساكين الطريق إلى الموت والتراب, ألا انطفئي يا شمعة وجيزة! ما الحياة إلا ظل يمشي, ممثل مسكين يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح ثم لا يسمعه أحد: إنها حكاية يحكيها معتوه, ملؤها الصخب والعنف, ولا تعني أي شيء " " مكبث لـ شكسبير "
" جبرا ابراهيم جبرا "
"الصخب والعنف " للروائي الأمريكي " وليم فوكنر" الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1950
أسلوبه يذكرني بـ ديستوفسكي كثيرا, فهو يبحث في أعماق الذات الإنسانية , ويجردها من الزيف والأقنعة. ولازلت أقرأ ( الصخب والعنف ) كما أول مرة , ولاتزال الدهشة كماهي عندما قرأتها لأول مرة . أسلوبه الساحر , وشخصيات الرواية التي كتبت بحرفية عالية والتركيب الفني الجميل جعلت منها كما قال النقاد ( رواية الروائيين ) ومن معجزات الخيال
سأنقل هنا بعض ما كتبه الأديب " جبرا ابراهيم جبرا " تقديما لهذا العمل المدهش
يقول جبرا " كتب فوكنر حوالي الثلاثين كتابا, ونجد أن " الصخب والعنف " مازال أحسن ما كتب . وقد يضع البعض رواية " نور في آب " في المرتبة العليا , ليسر تناولها ووضوحها , غير أن التركيب الفني في الصخب والعنف مازال في جماله وبراعته معجزة من معجزات الخيال .
" الكتاب يعتمد على المونولوج الداخلي, وتأثير " جيمس جويس " واضح , ولكنه تأثير خلاَق لا محطم, والقصة في خطوطها العريضة توسيع وتمثيل لعبارة مشهورة من مأساة " مكبث " , وكل شخص من أشخاصها الثلاثة المهمين ( وهم اخوة ) يعبر عن إحدى الشخصيات اللاواعية التي أسماها فرويد : الهو id , الأناego , والأنا الأعلى super_ego, والأخت وابنتها تمثلان الليبيدو Libido– أي الطاقة الجنسية . هذه عدة فوكنر , ولكنها وسيلة لا غاية . سوف يتوقف نجاحه على مقدار ما أصاب من غايته , وغايته هي أن يصور انحلال أسرة " آل كمبسن " ضمن إطار الإنحلال العام في الجنوب . وعليه أن يجعل من ذلك شيئا فنياً, مؤثرا . وهذا بالضبط ما نجح في انجازه . " " قصة اخوة ثلاثة هم كونتن , جاسن , وبنجامين (أو بنجي ) , واختهم كاندس ( أو كادي ) , وابنتها كونتن ( وسميت بإسم خالها ) وقد كتبت على شكل سمفونية في أربعة أقسام, كل قسم من الأقسام الثلاثة الأولى يرويه أحد الإخوة بالدور , كل على طريقته , والقسم الأخير يرويه المؤلف , فيأتي الترتيب هكذا : 1- بنجي : بتاريخ 7 نيسان 1928 2- كونتن : بتاريخ 2 حزيران 1910 3- جاسن : بتاريخ 6 نيسان 1928 4- المؤلف: بتاريخ 8 نيسان 1928
إنها سمفونية مروعة بجمالها ومأساتها , تتكرر فيها الإشارة الى الحوادث نفسها, كأن كل حادثة " موتيف " في السمفونية تعزفها كل مرة آلة مختلفة. ومن بدئها حتى النهاية يتردد فيها بكاء بنجي المعتوه, كأنه نوح على الحياة وهي تتدهور , وكأنه " صوت كل بؤس لا صوت له " يرتفع فوق الصخب والعنف .
يتبع
(عدل بواسطة نهال كرار on 04-01-2007, 08:01 PM) (عدل بواسطة نهال كرار on 04-01-2007, 08:04 PM)
|
|
|
|
|
|