الحكيـــــــــم والحكــــــــــومة

بعد عقد من الغربة والاغتراب العملي المتواصل عدت الى السودان الذي كنت قد تجرعت في عاصمته طعم الغربة الحقيقية بعد التخرج من الجامعة التي اصبحت شبه مدرسة متوسطة .. تخرج الاميين ثم تمنح بعضهم الدرجات فوق الجامعية.
لم يكن همي البحث عن مآخذ الحكومة لأني مللت الكلام عن الحكومات ورسخت قناعتي بأن المشكل الاساسي كامن في داخل عقلية الانسان السوداني نفسه .. خاصة متعلمي السودان ومثقفاتيته .. فحكوماتنا لم تأت من المريخ بل من أصلابنا.
كما وقرت في قلبي حكمة أشبه بالدعاء .. سمعتها من إمرأة قضى نحبها منذ أمدٍ بعيد، كانت تقول: الله يكفينا شر الحكيم والحكومة!!! وفسرت لي هذه الحكمة بأن الذي يجتمع مع اي من هذين المخلوقين لا شك داخل في ورطة حتى مفرق راسه .. فمن يذهب الى الحكيم لابد أن يكون "مورود" أو ممارضاً .. ومن يذهب الى الحكومة فإما مدعي أو مدعى عليه .. وكلاهما شر.
أكره الحكيم والحكومة. استعين بالقرض واللالوب والحرجل والتبش على كل الامراض .. وأتحاشى الحكومة متمثلة في كاكيها المقيت
وقفة أولى: للذين يتمنون قدلة تحت أشجار شارع النيل فلا راد لتمنياتهم غير ضمور ما احتوت جيوبهم. الكل مرحب به بلا انياب أمنية ولا مطاردات أغرار موتورين. إن كنت تملك ثمن التذكرة فلا داعي لاجترار الذكريات. اذهب الآن
وقفة ثانية: البلد صار صورة مشوهة من الهند. طبقة في أعلى عليين وطبقة في أسفل سافلين .. وهذه الطبقة تشكل السواد الأعظم
وقفة ثالثة: للذين أمضوا سنوات طويلة خارج البلاد .. لا تعجبوا .. فقد تشكوا بأن كل الذين أمام نواظركم قد خرجوا من المستشفى للتو. سوء تغذية يفضح سوءه
وقفة رابعة: لن تجد من يفتخر لك بانجازات تنموية غير الحرامية .. غلاظ الاعناق منتفخي الأوداج والكروش
وقفة خامسة: ستدرك ان المجتمع السوداني العادي أذكى الف مرة من مثقفاتيي السودان. يمارس افراده حراكاً ودياً وتفاعلاً عملياً دون أن تسمع اي مصطلحات جوفاء كالتي ابتلي بها مثقفاتيي السودان .. وسوف لن ترى جعلياً مستعلواتياً ممتشقاً سيفه العنصري في وجه المهمشين: اللهم أرنا تهميشك الصاعق في كل المثقفاتية المصابين باسهال المصطلحات
وقفة سادسة: ستدرك أن مصيبة السودان الكبرى تكمن في متعلميه ومثقافاتيته إن أمعنت النظر. فحتى عسكريينا يعتبرون في عداد المتعلمين
وقفة سابعة: سيذبحك الجلواز بالضرائب وسلالاتها بدل الضرب بالسوط
وقفة ثامنة: سترى كيف أن تلك الانياب الامنية الناتئة في كل جنبات الشوارع قد تهشمت وأصبح شتم الحكومة ومن معها أمراً عادياً .. وقد قد فعلت ذلك بنفسي في مكاتب المغتربين
وقفة تاسعة: أشياء أخرى عن ضرورة توعية المواطن .. ونبذ العقلية المثقفاتية .. كهنوت العصر
لقد غلبني النعاس. سأواصل عن المطر وجرف السيول لطريق بورتسودان .. والضبان .. وأخبار جقلة لأهل العوض ومن لف لفه