|
أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية
|
فرحت فرحا غامرا ، و حزنت في نفس الوقت لعودة أم عطية بهذ السرعة من السودان ، فقد إستقبلتها الملاريا في الخرطوم بالأحضان و نهشت جسمها النحيل و أدخلوها المستشفى قسم العناية المركزة ، حتى أن إبنها إضطر لأخذ إجازة طارئة و أتى بها إلى هنا قبل أن تمتع ناظريها بنيل قريتها و باسقات نخلها ، و كانت تمني نفسها بأن تحضر حصاد البلح و تستعيد غابر الأيام ( و شبابا كان و حزنا كان و شوقا كان. ). و كنا نمني أنفسنا بحكاوي من ريحة البلد تعطر سماوات غربتنا التي تعطنت بطين الغربة الجاف. زرتها في المستشفى ، كانت كل أنحاء جسدها النحيل به آثار زيارة البعوض ، ناديتها بصوت هامس ، ففتحت عين واحدة و إبتسمت نصف إبتسامة باهتة، ثم إستسلمت لسلطان نوم التعب و الإرهاق و فيح الحمى. لم أنقطع عن زيارتها يوما ، و لساني يلهج بالدعاء لها. كنت كلما أذهب لزيارتها آخذ معي كمية من الإسنكرز التي تحبها ، حتى إرتفع رصيدها إلى ما يملأ ( جردلا) صغيرا. عندما ذهبت آخر مرة لها بالمستشفى قبل خروجها منها ، وجدتها تلتهم الشوكولاتة بنهم و هي تقول : بالله النصيبة دي هناك طعمها غير هني ، أتقول الشوكولاتة كمان هناك بتجيها الملاريا. ضحك الدكتور السوري و قال لها مداعبا : ما توكليش حلويات كتير ، بعدين يجيك سكري. فقالت أم عطية و هي ( تمتشق ) صباعا آخر من الإسنكرز : ما تخاف علي يا سكر إنت ، لو غطسوني في برميل شوكولاتة ، ملاريتنا دي بتجيب خبر السكر الفيها . هاك يا الحكيم ، تاخد ليك شوكولاتة ؟ و هي تلملم أغراضها من المستشفي ، إهتمت فقط بأخذ الشوكولاتة في كيس ماكن. ، و هي تعطي تعليمات لإبنها و زوجته بلملمة باقي الأغراض. يقول إبنها و هو يغالب الضحك : دارت أمي على كل الأقسام بالمستشفى و هي تقول للمرضات : ما نجيكن في شيتن بطال. نفضوا فرشاتي ديل كويس يمكن في بعوضة جات زى ناس الزوغة في نص هدومي ، تقوم تجلبغ ليكم مستشفاكم السمح دة بالملاريا ، و الله جضيماتكن الزى طماطم الشتا دة يبقى بعدين زى الباذنجان المضبلن. دحين يا عطية البنيات بيحملن قرصة بعوضنا ؟ و الله يكبكبن الدم زى دش الحمام. نحن جلدنا ما بقى زى لفة القمر دين ، طبقات طبقات.
و تتضاحك الممرضات الفلبينيات من حديثها المتواصل غير المنقطع و هن يتحسسن خدودها المنقوشة بالشلوخ ، و كأنهن يردن التأكد من أنها حقيقية. و في ليلة خروجها ، إجتمعنا عند إبنها في وليمة عشاء ( كرامة السلامة ) ، فجلست على طرف السرير و قلت لها : و الله ألف حمد الله على السلامة . صراحة أنا شفقت عليك يا حاجة. فقالت و هي تزيح السفة من جهة لأخرى بطرف لسانها : و الله أنا إشتقت ليكم في اليومين البسيطات ديل يا حشاى. قلت لها و أنا أحاول أن ( أنكش ) كومة حديثها و أفتح صنبور حكاويها : الملاريا دي كيف حسيتي بيها بالأول ؟ قالت و هي تهز يدها اليمنى كأنها تدق على رق أو طار : بري ، بري يا ولدي ، زمان البعوض تسمع صوتو يون و يزن فوق راسك و جنبك ، حسع عليك أمان الله النوع الجديد دة كاتم صوت زى جنريتر ناس حياة جارتنا في أم بدة. بعدين أنا سمعت إنو في بخت الرضا و علي الجهات ديك البعوض بيجي في شكل عصابة ، إتنين يرفعوا الناموسية و البعوضة التالتة هي البتعضيك. لكن حسع البعوض في الخرطوم بقى شغلو إنفرادي ، الناموسة تجي و ترفع الناموسية و البطانية بي جنحاتا ، و تمد الإبرة حقتا و يا جلد جاك بلا . ثم قالت : كان ما أخاف الكضب تسمع شفيط الدم زيما بتمص ليها في عصير بالشفاطة ديك. ( و ضحكت و هي تضربني ضربة خفيفة على ظهري للدلالة على المبالغة ). قلت لها و أنا أداري ضحكتي : معقولة دي يا حجة ؟ فقالت و هي تعتدل في جلستها : إنت ما مصدقني ، لاكين أحلف لك يا جنا ، وكت تغز إبرتها في جسمك ، زى النغزوك بي ضفر الأصبع. قلت لها : المستشفى هناك كيف ؟ زى هنا ولا أحسن ولا أكعب ؟ قالت : أنا وكت الحمى زادت فوقي ، غبيت و ما عرفت أنا وين ، أها لما فتحت عويناتي ، أنا كنت قايلة روحي في الرياض ، مستشفى زينة ساكت و حلوة ، قلت يا ربي عطية دة جا و نقلني بالسرعة دي ؟ أها و الخلاني أشك إني فعلا في الرياض ، أشوف ليك ممرضة من أمات عيون الزى خطرات عربية ناس مصطفي جاركم دة ، عويناتا قايلات كدى لافوق أتقول مشدودات بي مشابك من نص راسا. جنس الممرضات ديل أنا ما قابلني علا هني في الرياض. قلت لها و أنا أستحث ذاكرتها و أستفز مخزونها : في جنس حفلات فاتنك يا حاجة ، حاجة تمام. قالت و هي تسرع لحوض الغسيل لتفرغ السفة و توابعها : أصبر. ثم عادت و قالت : الحفلات دي الشي الوحيد الكنت متأسفة لي عدم حضورن. إن شاء الله عندكم الشرايط. فوعدتها خيرا ، و خرجنا و نحن ندعو لها بالصحة و العافية. قابلني إبنها في اليوم التالي ، و ما أن رأيته يضحك ، حتى عرفت أن في جعبته حكاية جديدة عن أمه ، و قبل أن أسأله قال : تصادف أن كان معها في الطائرة للخرطوم والد أحد زملاءنا بالعمل ، و هو مقيم مع إبنه بعد وفاة زوجته أم زميلنا ، كان ذاهبا لتعزية ، فأوصيته بوالدتي ، و أظنه بالغ في العناية التي لا تحبها . والدتي تتضايق من الإهتمام الزائد بها. و تصادف أن رجع الرجل معنا على نفس الطائرة التي رجعنا بها للرياض ، فقالت أمي و هي تئن من وجع المفاصل من شدة الحمى : الراجل دة زاد على المرض. أنا مكجناهو من يومي. يا يمة الكلام دة ما بيصح ، الراجل كان ماخد بالو منك لما جيتي للخرطوم براك. قالت و هي تئن : الراجل دة طمعان في أملاكي. قلت لها : أملاكك شنو يا يمة. ياهن الكم فدان و كم نخلة الفي البلد؟ قالت : يا الغبيان ياهن ، ديل الأملاك ، و المتلك ما بيعرف قيمتن ، لاكين هو المتل يد الفندق دة نجيض بيعرف ليهن. يعني أمال طمعان في شنو يتكبكب فيني كدي ؟ إنت شايف أمك دي ليلى علوي ولا شاكورا ؟ كلمو يغير محلو دة ، أنا بتلبش وكت أشوفو. بقول : كان الموقف محرجا ، و الرجل يجلس قبالتنا ، و كلما سمع الوالدة تئن ، يسرع و يقف بالقرب منها عارضا خدماته ، فتصيح أمي و تقول : الليلة وووب ، الملاريا يا عطية. الكينين يا حشاى. الطيارة دي مالا أتقول واقفة في الإشارة. و يهرول الرجل مرة أخرى و يضع يده على جبهتها ، فتبعده بحركة عصبية و هي تقول من تحت أسنانها : أنا راسي زى ليمونة المخلل ، الراجل دة ما يلمسني يا عطية. يقول إبنها و هو يمسح دمعاته من الضحك : كنت في موقف لا يحسد عليه ، هل أضحك أم أغضب ، و الرجل لايفهم قصد أمي ، و يصر على خدماته. و يهرول إليها بحسن نية كلما تململت. و أنا أبرر تصرفات أمي له بأنها بسبب مخلفات الحمى الشديدة. يقول ، عندما أتت المضيفة بكوب ماء لأمي ، أمسكتها الوالدة من يدها و قالت لها : يا بتي ، درجة أولى مافيها كرسي فاضي ، ودوني هناك وبدفع ليكم الفرق.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-20-03, 10:03 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | almulaomar | 07-20-03, 03:58 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-20-03, 04:27 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | bayan | 07-20-03, 05:10 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 10:15 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | بدرالدين شنا | 07-20-03, 07:09 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | rummana | 07-20-03, 07:47 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 10:17 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 10:19 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | maia | 07-20-03, 08:20 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 10:22 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 10:25 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | HOPELESS | 07-21-03, 11:41 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | بدرالدين شنا | 07-21-03, 11:31 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 11:46 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 11:49 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | aboalkonfod | 07-21-03, 03:10 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 03:29 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | AlRa7mabi | 07-21-03, 04:05 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-21-03, 05:29 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | bayan | 07-21-03, 07:34 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | بدرالدين شنا | 07-22-03, 05:05 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-22-03, 08:48 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ahmad almalik | 07-22-03, 11:01 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | shiry | 07-22-03, 11:56 AM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | HOPELESS | 07-22-03, 12:08 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-22-03, 12:38 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-22-03, 12:40 PM |
Re: أم عطية اللانمطية .. و العودة الإضطرارية | ابو جهينة | 07-22-03, 12:41 PM |
|
|
|