|
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)
|
( الحلقة الرابعة )
( هنا أمدرمان .. نشرة الثالثة من إذاعة جمهورية السودان .. تجري الاستعدادات على قدمٍ وساق في جميع محافظات ولاية الخرطوم والولايات الواقعة على محاذاة النيل الأبيض استعداداً لخريف هذا العام. فيما صرّح والي ولاية الخرطوم أن الحكومة قد اتخذت جميع الاحتياطات اللازمة وأعدت خطة مسبقة من شأنها تقليل أضرار الفيضان. وتهيب الولاية بجميع المواطنين اتخاذ الحيطة والحذر تحسباً لأي طارئ ..... )
- سجمي .. أنا ما نسيت أقول ليك، عزيزة جارتنا بتقول رجال الحِلّة الليلة كلهم مارقين يترسوا البحر. * عزيزة بنت مريوم قالت ليكي كده؟ - آآآي والله. * بس خليني أصلي العصر، وبعد داك نشوف الجماعة ديل مارقين متين.
ينتبه الاثنان على صوت جرّ السِلك، يُفتح باب الشارع، يدخل وجدي مرتدياً لبس الكاكي قادماً من مدرسته. يحمل في يده اليسرى رُزمة كتب ودفاتر. إحدى أرجل بنطاله مكفوفة والأخرى مسدولة كما هي، وزرار قميصه السفلي مقطوع.
- سجم خشمي. . مالك يا وجدي. اتشاكلت مع منو تاني؟
( تنهض فاطنة بتثاقل، بينما يرمق عوض الزين ولده بنظرات سُفلى دون أن ينبس ببنت شفة. تحاول فاطنة أن تركض ولكن رجلها التي نمّلَهَا الجلوس حال دون أن تفعل، فوقفت على باب البرندة، تنظر إلى آخر العنقود وهو واقف وسط الحوش، وبقعة حبر كبيرة على جانب صدره الأيسر )
- آ ولدي ما قلنا ليك بطّل الشيطنة دي.. اتشاكلتا مع منو الدورة دي؟ * مع ود الجعلي. - ليه عمليك شنو؟ ( يصيح عوض الزين من مكانه ) " هو في زول بيقدر يعمل لي يوسف ده حاجة؟ " - دقيقة يا الزين خلينا نشوف الحكاية شنو. * الزول ده مرازيني .. - ليه عملتا ليهو شنو؟ * ما علمتا ليهو حاجة. - يعني مرازيك بلا سبب؟ ( يخلع وجدي حذاءه الباتا ويضعه تحت أول سرير في البرندة بينما تضع الحاجة فاطنة كفّها على كتفه وتُربّتُ عليه، وهو يدخل إلى داخل البرنده، يجلس على السرير المقابل لصورة فريق المريخ القديمة .. ويُكمل ) * أولاد الجعلي ديل مش عندهم مزرعة آخر المحطة؟ - أها ... * أمبارح أنا وأولاد الحلّة كلنا كنّا ملمومين هناك. قمتا أنا مسكتا الكروكة أكشكش بيها على الطير. ( مقاطعة له ) : وإنتِ مالك ومال الكروكة؟ * دقيقة يا أم الصادق .. المشكلة ما في كده. - أها ... ( تطلق تنهيدة عالية ) * المشكلة إنو أنحنا لغاية ما جينا مارقين من المزرعة حبال الكروكة كانت سليمة. جاي الجعلي الليلة بيقول لي إنو أنا قطّعت الحبال، وقال لي إنو ولدو معتصم هو اللي قال ليهو أنا اللي كنت بلعب بي الكروكة. - وطبعاً مسكت وشاكلت ود الجعلي... مش؟ يتراجع عوض الزين، ليسند ظهره على السرير واضعاً يده فوق ركبته بعد أن ثناها واضعاً قدمه على الأرض: = إنت أصلك شكّال وشليق من يومك. ودلع أمك ده هو اللي حيوديك في ستين داهية. - حسي يا الزين أمو دي مالها؟ أنا اللي قلتا ليهو يتشاكل مع أولاد الناس؟ * يا جماعة والله العظيم ما انا اللي قطعت الحبال أولاد الحِلّة زاتهم شاهدين.
وبدأ الحوار العائلي - رغم احتداده - يسوده نوع من الدفء الذي هو ديدن عائلة الزين، ودائماً تنتهي مثل هذه المواقف والحوارات بأن يضحك الجميل، ويظلون يتسامرون حتى ينتهي الموضوع. ولكن هذه المرة كان أذان صلاة العصر هو الفيصل الذي أنهى الحوار اللذيذ. فنهض عوض الزين متكئاً على ركبته ( ياااااااا الله ) ونهضت فاطنة لتحمل الصينية وتذهب بها إلى المطبخ:
- أكلتَ يا وجدي، ولا أسخّن ليك تاكُل؟ * أكلت يا أم الصادق.
تنحني الحاجة فاطنة وتحمل الصينية، والقطة تراقبها مُمنيةً نفسها بقطعة لحم أو خبز تُعطيها إياها، أو تقع على الأرض مُصادفة. ظلّت القطة تُراقب حتى استقامت الحاجة فاطنة في وقفتها، عندها ركضت القطة مُسرعةً إلى المطبخ وجلست أمامه في انتظار الحاجة فاطنة. تصرخ الحاجة فاطنة وهي ترى القطة من بعيد: - يا وجدي والله الكديسة دي كان ما رميتا بره البيت ده أنا بضبحا ليك.
تدخل الحاجة فاطنة إلى المطبخ تنحني قليلاً حتى لا تصطدم بالمشلعيب المتدلي من مِرق سقف المطبخ، تضع الصينية. وانحنت مرة أخرى لتغرف بيدها ماءً من الموجود داخل الطشت، غسّلت يديها. وخرجت وهي تغمغم ( الحمد لله رب العالمين، يا رب أدِم النعمة ). في الحوش، يجلس عوض الزين على البنبر وأمامه إبريق الوضوء مُشمّراً كُمّه ورافعاً جلابيته إلى ما فوق ركبتيه لتظهر ساقاه النحيلتان قليلتا الشعر ( الله أكبر .. الله أكبر، لا إله إلاّ الله ) تقف الحاجة فاطنة في وسط البرندة وهي تقول:
* حسي إنتا مش اتوضيت وصليت الظهر يا الزين؟ - بي عُزري، والكُبُر شين يافطّوم. الزول بقا ما بيتحمّل. * قصِّر حِسّك، الجيران ما يسمعوك. خلاص أنا بسوق وجدي معاي ونمشي لحدِ ناس محاسن أكفّر ليها. ( يصرخ وجدي من الداخل ) - أنا جاي تعبان وداير أنوم يا أم الصادق. كان بتستني لغاية بعد المغروب بمشي معاك. ( تلتف برأسها فقط وهي تقول ) * يا عيب الشوم، المغرب شنو يا وجدي المرة دفقت من أمبارح أقوم أمشي ليها تاني يوم المغرب؟ نساوين الحلة حياكلو وشي. ( ينهض عوض الزين بعد أن فرغ من وضوئه وهو يرخي كُم جلابيته ويمسح ما تبقى من ماء على وجهه بكفه ) - خلاص يا فطّوم .. شوفي كان عزيزة جارتنا دي حتقدر تمشي معاكِ وأمشوا سوا. وجدي شنو اللي يمشي معاكِ مشاوير النسوان دي؟
وفي الداخل كان وجدي قد خلع لبسه الكاكي ورماه على طرف حمار الملابس الأزرق، وارتدى الرِدا وفانيلة داخلية ونام على سريره بينما أدار مروحة الطرابيزة بعد أن وجهها نحوه.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-02-06, 10:06 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-02-06, 10:09 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-02-06, 10:11 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-02-06, 10:13 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-02-06, 10:17 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | نادية عثمان | 01-02-06, 08:58 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-03-06, 09:03 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-03-06, 01:43 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-03-06, 01:47 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-03-06, 01:50 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-03-06, 01:56 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-03-06, 01:58 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | هشام آدم | 01-14-06, 08:13 AM |
Re: يوم من أيام فاطنة | Sahar Abdelrahman | 01-14-06, 06:28 PM |
Re: يوم من أيام فاطنة | معتز تروتسكى | 04-04-06, 10:32 AM |
|
|
|