|
Re: زرائب اللغة (Re: هشام آدم)
|
الأستاذ محمد الأمين موسى
بالرجوع إلى مداخلتك السابقة والتي فندت فيها النقاط الثلاث الواردة في مداخلتي رداً عليك. فإنني أجد نفسي ما أزل أقف على طرف نقيض مما تذهب إليه. (مع احترام وجهة النظر دون شك) ولكي لا يكون الكلام على عواهنه فإنني سوف أتناول تلك النقاط مجدداً :
النقطة الأولى: في مسألة خلق آدم أرى أن الفهم الذي تستند عليه في أن خلق آدم تم بالصورة الواردة في القرآن الكريم مقارب جداً لفهم الكثيرين ونزوعهم لفهم الحديث الشريف (كل مولود يولد على الفطرة .....) الحديث. وحملهم الفطرة على أنها الإسلام. غير أن الأمر ليس كذلك. فالفطرة هنا هي (التوحيد) وليس الإسلام. فكما أن الوالدين يهودان الطفل أو ينصرانه أو يمجسانه فإنهما يأسلمانه كذلك. وعلى كل حال فإنني ما أوردت هذا الحديث إلا للتدليل على أن فهمنا للنصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية قد يكون من قبيل الأخذ بالمألوف وهذا – في نظري – فهم غير صحيح للدلالات اللغوية والمعنوية الواردة في هذه النصوص. كما أنني لا أشكك في قدرة الله على خلق آدم بـ(كن فيكون) ولكنه سبحانه وتعالى لا يقوم بشيء (معجزة) إلا بخطوات لها أصول من العلمية المنطقية التي قد تغيب عنا لمحدودية العلم الذي نمتلكه مقارنة بما عند الله. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن معجزة إمكانية إيجاد ماء عذب في وسط بحر مالح ، فهذا دون شك إعجاز إلاهي. ولكن لك أن تتصور كيف لو أننا اكتفينا بأن مثل هذه الظاهرة هو إعجاز إلاهي ولم نبحث فيه. فكيف كان لنا أن نكتشف (الخاصية الاسموزية) للسوائل؟ ألم يكتشف العلم أن هذه الخاصة تقوم على أساس علمي سليم؟ إن الله سبحانه وتعالى هو واضع العلم وهو واضع القوانين الطبيعية والمادية وهو من خلال معجزاته التي يريها لنا إنما يطلب منا أن نبحث فيها كي نكتشف وكي نستنير. فكما أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استولى على العرش ، وفي إمكانه أن يقول للسماوات والأرض (كونوا) فيكونوا. ولكن الله سبحانه وتعالى ليتنزه عن هذه العشوائية (رغم قدرته اللامحدودة) هو من خلق هذا النظام الدقيق ليعلمنا أن العلم لا يأتي هكذا خبط عشواء ولكي نظل في بحث دائم يقول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). فالله خلق البشر من طين. وهذه حقيقة يثبتها القرآن الكريم ويثبتها العلم. ولكن كيفية الخلق هو ما يجعلنا نسأل: هل خلق الله سبحانه وتعالى آدم بيديه بالمعنى الحرفي لهذا السؤال؟ في اعتقادي أن الأمر لم يكن كذلك. فالله هيئ بقدرته المواد والعناصر الأولية التي وهبها الحياة وقابلية التطور والتدرج لتصنع كائناً حياً يتطور في ذاته تدريجياً في مدة في حساب الله ثم يصبح قادراً بعدها على أن توكل إليه المهام الجسام التي تحدثنا عنها في المداخلة السابقة. وإن صورة خلق الله لآدم لهي مقارنة جداً - ربما إلى درجة التطابق - لخلق الإنسان من ذكر وأنثى. فالإنسان أو الطفل يكون محض (نطفة) في رحم أمه لاحظ إلى أن النطفة عبارة عن مجرد سائل - ولكن توجد فيه بذرة الحياة المتمثلة في الحيوانات المنوية - فتجد هذه النطفة (الوسط الملائم) لتتطور وتنمو ثم تتشكل لتصبح هيئة ثم يخرج هذا الكائن لا يفقه أي شيء عن العالم الذي هو فيه ثم يبدأ في اكتساب المعرفة عن طريق التلقين من والديه وعن طريق البيئة المحيطة (الاكتساب). وهكذا تم بالنسبة لخلق آدم. فقد أوجد الله سبحانه وتعالى مكانة النطفة مواد حيوية أولية وهيئ لها الوسط الملائم الذي بدأت فيه بالتطور والنمو ومن ثم التشكل حتى أصبح هيئة. ولكنه ولأنه لم يكن لديه والديه يعلمانه ويلقنانه المعرفة فقد وهبه الله سبحانه وتعالى هذا العقل الذي يتميز بالقدرة على التحليل والاستنتاج والاستنباط وحفظ الخبرات. ولأن عملية التطور هذه لم تكن بمساعدة مباشرة نجد أن الإنسان احتاج لوقت طويل حتى يصل إلى مرحلة الوعي هذه. ويقول الله سبحانه وتعالى (ومن كلٍ خلقنا زوجين اثنين) وهذا ينفي ما يقال عن أن المرأة خلقت من ضلع أعوج وضروب هذا الكلام. فالمرأة والرجل ولدا على حد سواء في وقت واحد لأن وجود المرأة أو العناصر الأنثوية المساعدة في (التكوين) كانت ضرورة لتكون هذا الرجل فمن الضرورة أن نقتنع بأن الرجل والمرأة وجدا سوياً في وقت واحد دون شك. وإن استشهادك بقوله تعالى (إن مثل عيسى بن مريم .... ) يجعلني أسألك سؤالاً : مم خلق عيسى؟ وقبل أن تجيب عليك أن تنتبه إلى سؤالي فأنا لا أقول (كيف) خلق عيسى ، بل ( مم ) خلق ؟ و ( مم ) هذه التي أوردها الله سبحانه وتعالى في قوله (فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والتراب ...) إلى آخر الآية. وفي آيات أخرى يقول الله تعالى عن خلق آدم من طين لازب ومن حمئ مسنون. ولكنه عندها يتكلم عن الكيفية. إذا حتى الله سبحانه وتعالى يفرق بين مكونات الخلق وكيفية الخلق.
النقطة الثانية: حول نقدك لمسألة التقليد والمحاكاة. أولاً دعني أعتذر لإدراجي شاهداً في غير موضعه في مداخلتي السابقة والمتمثل في قولي (تقليد صغار الطير لأمهاتها) فهو فعلاً شاهد لا يمت للموضوع بصلة. وإذا أردنا أن نعرف لماذا لم يقلد العصفور صوت الخيل والأسد صوت الفيل بينما يفعل الإنسان؟ فإن الإجابة على هذا السؤال وردت في أكثر من موضع. فالإنسان يتميز عن سائر الكائنات – خلافاً عن العقل القادر على حفظ التجارب وتخزين المعلومات والبيانات التي تساعد في نماء ملكة التقليد الإيجابية (أي بوعي) المتمثل في التقليد مع التعديل والتشذيب – بأنه يمتلك جهازاً صوتياً متطوراً لا يوجد لدى بقية الكائنات الحية. وبعض الكائنات يملك جهازاً صوتاً متطوراً ويملك القدرة على التخزين وحفظ التجارب فيقلد سلبياً أي (عن غير وعي) كالببغاء الذي يقلد ما يسمع بذات الصوت والنبرة والألفاظ. أما في ما ذهبت إليه بأن الله وهب آدم المعرفة واللغة فهذا الكلام خاطئ – في اعتقادي – لأنه لم يهبه اللغة بل وهبه القدرة على ابتكار اللغة. ودليلي على ذلك هي الآية الكريمة التي تقول (وعلم آدم الأسماء كلها) فإذا كان الله سبحانه وتعالى يتحدى الملائكة التي اعترضت على جعل هذا المخلوق - التي رأت أنه لا يجيد غير القتل وسفك الدماء – حيث قال لهم (إني أعلم ما لا تعلمون) ووضع الله سبحانه وتعالى هذا الاختبار والاختبار متمثل في عرض بعض الموجودات على الملائكة – التي لم يهبها الله القدرة على الابتكار واختراع الأسماء واللغة – فما كان منهم إلا أن قالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) فما كان من هذا الإنسان إلا أن استطاع – بعد مدة يعلمها الله وحده من التطور – أن يطلق على كل شيء اسماً فقال لهم الله (ألم أقل لكم أني على كل شيء قدير) والشاهد هنا هو أن الله لو وهب الإنسان اللغة فإن العدالة في هذا الاختبار سوف تنتفي ويصبح الأمر كأستاذ يجري اختباراً بين فصلين ثم يكشف الإجابات لأحد الفصلين (فهل في رأيك هذا اختبار عادل؟) وهل عندها يكون للتحدي معناه الحقيقي؟ بالطبع لا. فالله لم يهب الإنسان اللغة وإلا فإننا كمن يقول بأن ذلك الاختبار غير عادل وتعالى الله علواً كبيراً عن ذلك. إنما وهبه فقط القدرة على الاستنتاج والاستنباط والتدليل والاختراع. وفيما ذهبت إليه من معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإنني أرى أنك تخلط بين المعرفة الدينية للرسول والتي استحق عليها قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وبين المعرفة الدنيوية التي يقر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه ما هو إلا بشر يخطأ ويصيب فيما خلا جانب التشريع فإنما يؤتى العلم الشرعي بوحي من السماء بدليل أن يهود المدينة عندما سألوه عن الروح وعن الساعة لم يجب بل انتظر حتى أتاه الوحي فقال الله في ذلك (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) وقال (ويسألونك عن الساعة قل علمها عند ربي لا يجليها لوقتها) الآية. ولا أدري لماذا ربطت معرفته صلى الله عليه وسلم بمستواه التعليمي فالمعرفة قد يؤتاها الجاهل الأمي إذ أن المعرفة لا تعني بالضرورة التحصيل العلمي. بل إنها تأتي بالاحتكاك المباشر والمتواصل مع المجتمع ومع البيئة. ولا أظنك تنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخلو إلى نفسه في غار حراء كثيراً مما مكنه من التأمل في الكون وإحساس فلسفي أكثر لما يجري فيه من ظواهر كما أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً جيداً بمجتمعه عارفاً بما يحبون وبما يكرهون وهذا لا يتطلب مستوى محدداً من التعليم.
النقطة الثالثة: عما تناولته من الطرق الثلاث للخلق فأعتقد أن ما ورد أعلاه قد يكون فيه تفسير لهذه النقطة.
أشكرك
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
زرائب اللغة | هشام آدم | 02-14-06, 12:36 PM |
Re: زرائب اللغة | عبد الله عقيد | 02-14-06, 01:08 PM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-14-06, 01:56 PM |
Re: زرائب اللغة | عبد الله عقيد | 02-14-06, 02:29 PM |
Re: زرائب اللغة | Faisal Taha | 02-14-06, 03:23 PM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-14-06, 04:24 PM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-14-06, 03:59 PM |
Re: زرائب اللغة | Kabar | 02-15-06, 03:03 AM |
Re: زرائب اللغة | farda | 02-15-06, 03:46 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-15-06, 12:43 PM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-17-06, 10:56 AM |
Re: زرائب اللغة | نادية عثمان | 02-17-06, 11:03 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-17-06, 11:24 AM |
Re: زرائب اللغة | محمد الأمين موسى | 02-17-06, 11:44 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-17-06, 12:03 PM |
Re: زرائب اللغة | محمد الأمين موسى | 02-18-06, 02:14 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-18-06, 05:06 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-18-06, 11:39 AM |
Re: زرائب اللغة | محمد الأمين موسى | 02-19-06, 02:07 AM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-19-06, 03:44 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-19-06, 06:25 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-19-06, 07:53 AM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-20-06, 01:30 AM |
Re: زرائب اللغة | محمد الأمين موسى | 02-20-06, 01:40 AM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-20-06, 03:48 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-20-06, 06:13 AM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-21-06, 00:01 AM |
Re: زرائب اللغة | محمد الأمين موسى | 02-21-06, 02:21 AM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-21-06, 04:11 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-21-06, 10:32 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-21-06, 10:59 AM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-22-06, 00:58 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-22-06, 09:33 AM |
Re: زرائب اللغة | عبد الحميد البرنس | 02-22-06, 09:49 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-22-06, 03:31 PM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-25-06, 05:11 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-25-06, 01:02 PM |
Re: زرائب اللغة | عبدالرحمن الحلاوي | 02-25-06, 11:23 PM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-26-06, 08:43 AM |
Re: زرائب اللغة | هشام آدم | 02-28-06, 02:33 AM |
|
|
|