|
قضية الحرية الانسانية فى الفكر التراثي العربي الاسلامي
|
قضية الحرية الانسانية فى الفكر التراثي العربي الاسلامي
د. حسين مروة
شغلت هذه القضية من الفكر التراثى العربى الاسلامى مالم تشغله اية قضية اخرى من قضاياه الكبرى لكن ينبغى ان نفهم منذ البدء ان مقاربة الموضوع مقاربة معاصرة تتوقف على تحديد الاطار التراثى الذى عولجت ضمنه قضية الحرية الانسانية فى الفكر العربى الاسلامى خلال العصر الوسيط فانه ليس لنا حق التصرف بمصطلح (الحرية الانسانية) فى معالجة موضوع تراثى كهذا, انطلاقا من دلالة هذا المصطلح فى عصرنا الاخير. ذلك بان الانطلاق من دلالتة المعاصرة هذه , دون النظر اليه فى اطاره التراثى نفسه, يعنى الابتعاد عن موضوعية البحث, وعن تاريخ القضية , وعن اصولية التراث ايضا نحن فى عصرنا الاخير نفهم الحرية الانسانية انها الحق الطبيعى لكل كائن بشرى, فردا كان ام جماعة, ان يتمتع فعلا بحرية الاراده والعمل, وحرية التفكير والتعبير, وحرية الاعتقاد والانتماء, وان هذا الحق فوق كونه طبيعيا هو مكتسب ايضا بالكفاح الطويل الامد وبالمشقات والعذابات الهائلة, وانه بفضل هذا الكفاح والمشقات والعذابات .اصبح حقا شرعيا بدهيا التزام الاعتراف به اعظم اعلان اصدرتة الامم المتحدة, هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان, والتزمت الاعتراف به كذلك مختلف الاعراف والمواثيق والقوانين الدولية والصادرة فى هذا العصر
نحن فى عصرنا هذا نفهم الحرية الانسانية, اذن انها حق طبيعى ومكتسب وشرعى وبدهى للكائن البشرى لمجرد كونه كائنا بشريا . ونفهمها اذن حرية واقعية مرتبطة بالوجود الواقعى التاريخى لهذا الكائن البشرى ابن الارض لكن الحرية الانسانية فى اطارها التراثى العربى الاسلامى, تتخذ وجها اخر, وتنحو بعلاقتها الذهنية منحى.اخر .. فهى هناك تقدم لنا نفسها بوجة ميتافيزيقى يستمد ملامحة الخاصة من ميتافيزيقا الاسلام ذاتها, كما يستمد اشكاليته الفكرية من اشكالية الفكر الميتافيزيقى الاسلامى ذاته.. غير انه يبقى للقضية مضمونها الواقعى رغم الطابع الميتافيزيقى الذى ظهرت به داخل اطارها التراثى ذاك... واعنى بمضمونها الواقعى كونها , بجوهرها , قضية الانسان الواقعى ابن الارض, اى قضية حريته الكيانية المرتبطة بوجوده الارضى دون ان تتاثر هذه العلاقة تاثرا جوهريا بالوجه الميتافيزيقى الذى اتخذته القضية فى موقعها من التراث... فهى بهذه العلاقة ذاتها , لا بوجهها الميتافيزيقى , دخلت حركة الصراع الاجتماعى والفكرى والسياسى والايديولوجى منذ بدات حركة الصراع هذه تاريخها العربى الاسلامى , اى منذ دخل الاسلام تاريخه بالفعل كحركة تغيير وتحويل نوعيين فى حياة المجتمع العربى الاسلامى حين اتخذت قضية الحرية الانسانية موقعها فى الفكر العربى الاسلامى , انما اتخذت هذا الموقع كقضية ذات طابع لاهوتى كاد فى ظاهر الامر ان يكون وحيد الجانب , اى لاهوتيا صرفا .. لان القضية اثيرت فى البدء على سبيل البحث فى اشكالية العدل الالهي من حيث استحقاق الانسان للثواب او العقاب الالهيين على الافعال الصادره عنه .. الاشكالية هنا ان هذا الاستحقاق يتوقف على كون افعال الانسان ياتى افعاله حرا مختارا , فيستحق عليها ثواب الله او عقابه . واما انه ياتى افعاله بارادة الله وحده , وحينئذ يكون الثواب او العقاب مخالفا للعدل الالهى.. هكذا بدات قضية الحرية الانسانية , فى تاريخ الفكر التراثى العربى الاسلامى , حاملة اشكاليتها الكبيرة التى ظلت تعتمل داخل اطارها التراثى . لكن حاملة ايضا حيوية الصراع الاجتماعى الفكرى والايديولجى الى مجمل الحياة الفكرية العربية الاسلامية
للموضوع مواصله
|
|
|
|
|
|