|
مقال (Re: mohmmed said ahmed)
|
شيبون: وهذا الأزرق العاتي «إلى الرفيق يونس الدسوقي. كلمنا الدكتور خالد المبارك قال إنك عدت للوطن وعاد الفضل والنبل. جيداً جيت».
كانت رحلة شيبون صباح الجمعة 8-12-1961 بالبنطون من رفاعة إلى الحصاحيصا رحلة بلا عودة. وكان هو يعلم علم اليقين أنه الوحيد بين الراكبين الذى لن يعود إلى رفاعة أبدا. كان قد ربط الأحزمة الناسفة حول نفسه. لقد قضى الأمر وسيفجر الأحزمة يستعجل المحسوبة. وكان أرسل الإشارة تلميحاً لأمه بأن لا تصدق ناقلي الأخبار السيئة عنه وأن تأخذ بالها من أخته الشقيقة ذات الست عشر ربيعاً. وخرج يلوي على الموت.
كان النيل الأزرق، الذي سماه الفنان سيد خليفة بـ ''الأزرق العاتي''، يرقد سمجاً عاتياً كما يحب. ولا أظن أن شيبون في رحلة السفر بلا عودة قد أعاره سوى أنه مسطح مائي يمخره البنطون إلى الشط الآخر. كان النيل الأزرق قد أصبح عنده روتيناً منذ فارق كردفان في آخر الأربعينات. ولا بد أن هناك من اقتحم عليه هذا الروتين مرات ليذكره بـ ''يا كبرة فولاية'' التي صرح بها كردفاني مثله حين رأى النيل أول مرة فاستقل فولة (بحيرات الخريف الموسمية) كردفان وقصد البحر. تقلب شيبون منذ جاء إلى الشمال النيلي على ضفتي النيل الأزرق. كان أول عهده به بضفته الشرقية بمدرسة حنتوب الثانوية عام 1948 وجاء إلى المدرسة على النيل الأزرق بمزاج شاعري يساري لا مهرب منه في تلك الأيام. وكان خالط الشيوعيين في مدينة الأبيض خلال دراسته بمدرستها الوسطي. وكانوا رجالاً شم العرانين صٌع في قول العباسي الشاعر. كانوا في زهادة الرفيق حسن سلامة وحسن ماركسيته. وتعلق خاطر شيبون بالرجل منذ تلك الأيام. وشهد ضفة النيل الأزرق شيبون يختلي مع آخرين لتنعقد منهم أول خلية شيوعية بالمدرسة. قال صلاح أحمد إبراهيم في مرثيته لشيبون في ديوانه ''نحن والردى'' عن هذه الحلقة الحنتوبية:
''أسس الشاعران (صلاح وشيبون) وثالث أولى خلايا العمل الثوري في المدرسة. وكانت تعقد الاجتماعات وسط الحشائش المتعالية وشجيرات العٌشر والطندب حيث تكثر الثعابين وغيرها من الهوام. وقد قتلت الطالب ''جعفر'' بلدغة خلال أحد تلك الاجتماعات. وقد كتب صاحب المجموعة (صلاح) عن ذلك قصة ''م ط'' ونشرتها الصحافة السودانية.''
واستضافت شيبون ضفة النيل الأزرق الغربية بعد قبوله بكلية الخرطوم الجامعية العام 1952 لأشهر معدودات. فقد ساقته فدائيته على عهد ''العشرات والطندب'' ليلقي خطبة في معارضة اتفاقية الحكم الذاتي العام 1953 ثم تفرغ للعمل الشيوعي كما فصلنا وسكن أم درمان. وارتحل إلى حين من النيل الأزرق العاتي إلى بحر أبيض '' اللا موج ولا غرق'' الذي قطعه أول مرة في طريقه من كردفان الغرا إلى مدرسة حنتوب. وعساه شهد معجباً،ككل كردفاني، صنع الله في الماء. وجدد مدده بضفة النيل الأبيض حين نقله الحزب إلى كوستي في منتصف الخمسينات ليعمل بحلقة الكادر المتفرغ بها. ثم استعفى من التفرغ الحزبي في آخر الخمسينات وعاد إلى ضفاف الأزرق العاتي. جاء إلى ضفته الغربية بمدني في 1958 وهاجر منها مضطراً ونعى رحيله في كلمته ''ملاحقات يعوزها المبرر'' التي كتبها قبل شهر من انتحاره ولم تنشرها جريدة (الرأي العام) إلا بعد رحيله. وفيها خلع شيبون عهد ''العشرات والطندب'' الحنتوبي الشيوعي بغير مواربة. وانتهى بعد محنة مدني إلى سجن كوبر لا كما رتب الأمر ولكن بغتة كما جاء في رسالته. وكوبر ضفة غربية للأزرق ولكنها موحشة. ثم حَصل على وظيفة معلم برفاعة في نحو 1960-1961 وهى رجعة للنيل الأزرق على ضفة حنتوب حيث بدأ هذه الرحلة القصيرة الفاجعة من عهد العشرات والطندب والشعر. لم تزد عن إثني عشر عاماً حمله النهر فيها إلى النهر والضفة إلى الضفة والعقيدة إلى نسخها والميلاد عند المياه القليلة، الفولة إلى الانتحار عند المياه الكثيرة، البحر.
لم يحرك هذا النهر القادم من حنتوب ومدني ساكن شيبون وهو يقطعه من رفاعة إلى الحصاحيصا لآخر مرة. كان النهر سمجا. كان مسطحاً مائياً ود لو يسرع به البنطون إلى غايته في ذلك اليوم. لقد أزفت ساعة التلويح بالوداع ولم يبق سوى أن يفتح باب الرحيل بلا عودة.
وظف شيبون خبرته ككادر شيوعي في الإعداد الدقيق لهذا اليوم الخاتم. وكان ذاع بين الشيوعيين كتاب لم يره أحد اسمه ''كيف تعقد اجتماعاً ناجحاً''. وعقد شيبون ليومه ذاك سفراً مطلقاً ناجحاً. فقد ''أَمن'' المنزل الذي سيعقد فيه هذا الطقس الأخير الموحش. وأختار منزل صديقه احمد على جابر المعلم بالحصاحيصا وهو يعلم بخلوه لأن أحمد يقضي عطلة الجمعة بالعاصمة. وسبق هذا الطقس تحضير لا بد أن يسبق كل اجتماع ناجح. فقد رتب بياناً بالواقعة المحدقة به وحشره في مظروف وأخذه إلى الشاويش النبطشي بمركز الحصاحيصا ليسلمه إلى جنابو فاروق هلال ضابط شرطة (وأمن) المدينة. وكان شيبون يغشاه ويتآنس معه كلما جاء إلى الحصاحيصا. وهي أوراق قال فاروق إنها شملت خطاب وزارة الاستعلامات والعمل بنظام عبود الذي عرض فيه على شيبون وظيفة بها ومذكرة من شيبون يرفض العرض جملة وتفصيلا. وبالمظروف قصيدة غنائية جعل لها عنواناً اسم الصبية التي أحبها برفاعة ورغب أن تكون الركن الأخير في استقراره كأفندي كسائر الأفندية. وطلب من فاروق أن يحملها للفنان عثمان حسين ليلحنها ويغنيها.
وقد نتصور انشغال شيبون طوال الطريق من المركز إلى مسرح مصرعه بشاغل إن كان قد قال كل ما يريده عند هذه العتبة الخطرة الخاتمة. لربما تساءل هل بلغت ما انطويت عليه أم هل من مزيد؟ لهذه اللحظة الخاتمة عند بوابة الموت الطوعي إمكانات كما لها محدودية لا تخفى. فهى لحظة آخر ما قال المرحوم. ولما يكتبه المرحوم من عبارات فيها قوة ومضاء. فهى العبارات التي يتحلق حولها الناس يقدحون زناد التحليل وتقصى السبب ووضع اللوم أو الجرم موضعه. لهذه اللحظة سلطان. وبدا لشيبون بعد أن سلم المظروف بالمركز أنه لم يستنفد ذلك السلطان. ولهذا يقال إن فكرة الانتحار مفهوم في طلب القوة أو في استعادتها لا مفهوماً في خور النفس وهوانها عند الإنسان . إنها المقاومة بصورة أخرى. وأراد شيبون في لحظة ''السلطنة'' هذه ان يبرئ أناساً ويذنب أناساً لتكتمل الدائرة. وتناول ورقة من كراس أعلن عليها أن لا دخل لصديقه أحمد جابر في انتحاره. وعلقها قريباً منه على ماسورة الحمام الذي شنق فيه نفسه. ثم عاد لفكرة ربما تجافها نبلاً منه وهي أن يخص بالذكر و بالاسم من آذوه بشكل مباشر وحملوه على الانتحار. وربما كانت القائمة بالرجال الثلاثة الذين تعقبوه وحقروه التي تركها من ورائه هي آخر ما كتبه شيبون وهو الذي ظل ينثر كنانة أوجاعه منذ ليلة الأمس. ربما لم يرد أن يكتب تلك الأسماء أول مرة لأنه لا يريد أن يميزهم بشيء. لا يريد لهم أن يمروا تحت قوس النصر فوق جسده الذبيح. ولربما قال في نفسه: ''تافهين ساكت، سيبك منهم''. ولكنه عاد أخيراً ليطوقهم بجريرة انتحاره من منصة الموت. ربما قال لنفسه: ''لابد أن يعلم الناس بأن التفاهة طاقة وفي ممارستها اخضاع للآخر وسخر منه ولا يصح ان يفلت الممارس من اللعنة. سب فوقكم.'' وسارع إلى علب سجائر فارغة مما يكون مبثوثاً في ميز للعزابة. وأخذ من أجوافها أوراقها البيضاء الناعمة. ووقع بالسلطة المخولة له كمنتحر قائمة بأسماء من قتلوه بالغيبة والافتراء. وهم الثلاثة المعروفون بالاسم. وستحقق معهم شرطة الحصاحيصا بلا طائل. والكتابة على مثل تلك الأوراق مما كنا ندون عليه محضر اجتماعاتنا الشيوعية لأنها مما يسٌهل لوكه تدميراً للدليل متى طرأ طارئ الأمن والمداهمة.
تأخر شيبون في العودة إلى البيت. قال ''ماشي وجاي''. وبدأت أمه فيما يبدو تفكك شفرة قوله لها صباح اليوم: ''ما تصدقو أي كلام يتقال عني أو ينشر. لو نشروليا صورة ما تصدقوها. ولدك عاش راجل ومات راجل. وابقو عشرة على أختي.'' ولو استدبرت الأم من أمرها ظهيرة ذلك اليوم، الذي عثرت على شيبون مشنوقاً من مرق حمام بمنزل السيد احمد جابر بمدينة الحصاحيصا، لأمسكت به ''بأربعاتها'' بيدها البقارية الشديدة وحالت دونه وأن يقطع النيل الأزرق بظلفه لحتفه يرد على حالة العيب التي انتابته بحلاة الروح مسترجعاً قبساً من عهد ''العشر والطندب'' الحنتوبي.
وهذا الأزرق العاتي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | mohmmed said ahmed | 05-25-06, 08:55 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | Hussein Mallasi | 05-25-06, 09:21 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | bayan | 05-25-06, 09:40 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-26-06, 00:36 AM |
Re: رد | bayan | 05-26-06, 01:15 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-26-06, 01:35 AM |
Re: رد | bayan | 05-26-06, 01:46 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-26-06, 03:52 AM |
Re: رد | bayan | 05-26-06, 05:33 AM |
د | mohmmed said ahmed | 05-26-06, 10:28 PM |
Re: د | Mohamad Shamseldin | 05-26-06, 10:36 PM |
Re: د | bayan | 05-26-06, 10:43 PM |
Re: د | Adil Isaac | 05-26-06, 11:38 PM |
Re: د | bayan | 05-27-06, 00:06 AM |
Re: د | Adil Isaac | 05-27-06, 00:46 AM |
Re: هذا علو لايمكن النزو ل عنه | Shazali | 06-11-06, 02:47 AM |
عادل | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 06:40 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 06:45 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 09:30 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 09:42 AM |
Re: رد | bayan | 05-27-06, 10:20 AM |
Re: رد | Adil Isaac | 05-27-06, 10:30 AM |
Re: رد | Adil Isaac | 05-27-06, 10:57 AM |
Re: رد | bayan | 05-27-06, 10:58 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 10:50 AM |
Re: رد | Adil Isaac | 05-27-06, 11:11 AM |
Re: رد | bayan | 05-27-06, 11:38 AM |
Re: رد | Osman M Salih | 05-27-06, 11:48 AM |
Re: رد | Adil Isaac | 05-27-06, 11:58 AM |
Re: رد | bayan | 05-27-06, 08:18 PM |
Re: رد | Adil Isaac | 05-27-06, 08:56 PM |
Re: رد | bayan | 05-27-06, 09:05 PM |
Re: رد | bayan | 05-27-06, 09:17 PM |
من ساعده | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 10:13 PM |
سؤال | mohmmed said ahmed | 05-27-06, 10:34 PM |
Re: سؤال | Adil Isaac | 05-28-06, 00:00 AM |
Re: سؤال | bayan | 05-28-06, 00:11 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | Khalid S Yosif | 05-28-06, 00:18 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | أبوتقى | 05-28-06, 03:22 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | عوض محمد احمد | 05-28-06, 04:08 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-28-06, 09:48 AM |
Re: رد | عوض محمد احمد | 05-29-06, 10:56 AM |
عوض | mohmmed said ahmed | 05-29-06, 10:57 PM |
Re: عوض | عوض محمد احمد | 05-30-06, 11:52 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 05-30-06, 10:30 PM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | عمر ادريس محمد | 05-31-06, 01:58 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 05-31-06, 08:42 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 05-31-06, 10:50 PM |
حصاد | mohmmed said ahmed | 06-03-06, 05:36 AM |
زملاء | mohmmed said ahmed | 06-03-06, 05:38 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 06-03-06, 11:13 PM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-04-06, 12:30 PM |
فى | mohmmed said ahmed | 06-05-06, 08:24 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 06-09-06, 01:49 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-09-06, 10:10 AM |
وين | mohmmed said ahmed | 06-10-06, 11:56 PM |
مقال | mohmmed said ahmed | 06-11-06, 04:53 AM |
الرويحة العزيزة | mohmmed said ahmed | 06-11-06, 05:07 AM |
Re: الرويحة العزيزة | lana mahdi | 06-11-06, 05:57 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-11-06, 02:58 PM |
Re: رد | lana mahdi | 06-13-06, 07:24 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-13-06, 07:03 AM |
Re: رد | أبوتقى | 06-13-06, 11:50 PM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-14-06, 00:31 AM |
Re: رد | Mohamed Abdelgaleel | 06-14-06, 05:39 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-15-06, 01:36 AM |
Re: رد | الخير محمد عوض | 06-15-06, 02:15 AM |
محمد | mohmmed said ahmed | 06-15-06, 05:17 AM |
ما تراه يقول | mohmmed said ahmed | 06-15-06, 05:20 AM |
وماتراه يقول | mohmmed said ahmed | 06-15-06, 05:23 AM |
Re: وماتراه يقول | Mohamed Abdelgaleel | 06-15-06, 06:51 AM |
بالقطاعى | mohmmed said ahmed | 06-15-06, 10:32 AM |
لماذا | mohmmed said ahmed | 06-16-06, 00:25 AM |
v | mohmmed said ahmed | 06-16-06, 04:23 AM |
Re: v | Tumadir | 06-16-06, 05:00 AM |
تماضر | mohmmed said ahmed | 06-18-06, 02:53 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 06-18-06, 03:34 AM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-18-06, 03:37 AM |
مقال | mohmmed said ahmed | 06-21-06, 12:58 PM |
حزازات | mohmmed said ahmed | 06-23-06, 01:55 AM |
اجيال | mohmmed said ahmed | 06-26-06, 05:02 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | عمر ادريس محمد | 06-26-06, 04:34 PM |
رد | mohmmed said ahmed | 06-27-06, 05:07 AM |
العتبانى | mohmmed said ahmed | 07-11-06, 01:18 AM |
Re: العتبانى | mohmmed said ahmed | 07-13-06, 11:21 AM |
حسن مدن | mohmmed said ahmed | 07-21-06, 09:06 AM |
Re: حسن مدن | bayan | 07-21-06, 09:34 AM |
Re: مقالات عبد الله على ابراهيم عن شيبون | Omer54 | 07-22-06, 05:22 AM |
|
|
|