أقبض.. الزميلة فدوى الشريف تسرق في وضح النهار!!!

Quote: لهذه الأسباب انفصاليو الشمال مذنبون! بعد أن تم تضمين حق تقرير المصير في اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان كما سبق تضمينه في وثائق القوى السياسية المعارضة غير المشاركة في مفاوضات نيفاشا وعلى رأسها مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، لم يعد منطقيا الحديث عن انفصال جنوب السودان عن شماله كأمر مستبعد كلية أو اعتبار التفكير فيه خيانة عظمى، فاستمرار السودان كدولة واحدة مرهون بنتيجة استفتاء حدد ميقاته والمشاركون فيه بنصوص دستورية مفصلة، ولكن بالقراءة الأمينة لكل من اتفاقية السلام ومقررات مؤتمر أسمرا يمكننا أن نستنتج أن حق تقرير المصير قصد به أن يكون ضمانا لالتزام الشمال باستحقاقات الوحدة ولم يقصد به تقنين الدعوة للانفصال عبر التعبئة العنصرية التي تجعل من الانفصال أسطورة خلاصية فيتحول الانفصال من كونه خياراً سياسياً يحكمه الترجيح الموضوعي بين المصالح والمفاسد إلى عقيدة مقدسة سواء في الجنوب أو في الشمال، فلا الانفصال غاية في حد ذاته ولا الوحدة - رغم انحيازنا التام لها- غاية في حد ذاتها، فكلا الخيارين يستمد مشروعيته من جدواه العملية في تحقيق مصالح الشعب السوداني في الشمال والجنوب وفي صدارة هذه المصالح حقن الدماء واستبعاد خيار العودة إلى الحرب بشكل نهائي. ولكن هل يفهم مما تقدم أن هناك مشروعية ما للتيار الانفصالي في شمال السودان وعلى رأسه منبر السلام العادل الذي يدعو إلى أن تشمل المشاركة في الاستفتاء على تقرير المصير المواطنين في شمال السودان ولسان حاله صحيفة الانتباهة؟ ولماذا تجريم هذا التيار ما دام الانفصال أصبح خياراً جائزاً من الناحية الدستورية وما دامت هناك تيارات سياسية نشطة في الجنوب تجاهر بتبنيها لخيار الانفصال؟ لماذا نعذر الانفصاليين في الجنوب ولا نعذر انفصاليي الشمال؟ إن الإشكالية الكبرى في المشروع الانفصالي الشمالي الذي يروج له منبر السلام العادل بقيادة المهندس الطيب مصطفى تكمن في الحيثيات الخطيرة التي ينطلق منها في تبرير دعواه الانفصالية وتكمن قبل ذلك في المنهج الفكري المأزوم الذي أنتج هذه الحيثيات، وهو منهج إقصائي استعلائي يتبنى الأطروحات الأكثر تعصباً وانغلاقاً في الإسلام السياسي، وأصحاب هذه الأطروحات الجامدة يختزلون الواقع السياسي والاجتماعي بكل تعقيداته التاريخية وبكل مافيه من حقائق التنوع والتعدد في تبسيطات آيدولوجية ساذجة يزعمون أنها تمثل كلمة الدين النهائية وأن الاختلاف معها ليس اختلافاً مع ذواتهم الفانية وعقولهم البشرية المحدودة بل هو اختلاف مع المعلوم من الدين بالضرورة وتأسيسا على هذا المنهج يزعم انفصاليو الشمال أن سبب النزاع الدامي بين الشمال والجنوب هو الحقد الدفين في نفوس الجنوبيين على أهل الشمال لا لسبب سوى إسلامهم وعروبتهم، وهذا الحقد الذي يكاد يكون صفة جينية في أهل الجنوب ليست له أي مبررات موضوعية ولم تنتجه مظالم سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يمكن أن يزول بزوالها بل هو حقد أزلي تؤججه وتستثمر فيه القوى الصهيونية والإمبريالية التي تستهدف إسلام السودان وعروبته وما اتفاقية نيفاشا إلا حلقة من حلقات هذا التآمر الشرير لإقامة السودان الجديد العلماني النافي للعروبة والإسلام على أنقاض السودان القديم سودان الفضيلة والمثل والشريعة المبرأ من كل عيب!! وهكذا يحاول دعاة الانفصال الترويج لدعوتهم باعتبارها إنقاذاً للعرب والمسلمين من مخاطر تهدد وجودهم وهذا كذب صراح! والحقيقة هي أن انفصاليي الشمال يهدفون إلى إنقاذ مشروعهم الآيدولوجي المنكفيء الذي يريد فرض وصايته على السودان بشماله وجنوبه ملتمساً لهذه الوصاية غير المستحقة قدسية دينية، كما يهدفون من منطلقات عنصرية ضيقة ومن تعصب آيدولوجي أعمى إلى استبقاء الهيكل القديم للدولة السودانية مما يعني استدامة التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجنوب السودان وحرمان مواطنيه من أية فرصة للمشاركة العادلة في السلطة والثروة إعمالاً لفكرة المواطنة المتساوية التي يريدها انفصاليو الشمال أن تظل حبراً على ورق ويستمر واقع التمييز والتهميش على أرض الواقع إرضاء لنزعاتهم الاستعلائية. وعندما جاءت اتفاقية نيفاشا بإعادة هيكلة الدولة السودانية عبر تدابير محكمة وجعلت من المستحيل استمرار وحدة السودان إلا على أساس تعاقد اجتماعي عروته الوثقى الندية والمساواة في المواطنة دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة زهد دعاة الاستعلاء والأحادية والفكر الإقصائي في الوحدة من أساسها واعتبروها رجساً من عمل الشيطان، وهذا ما يجرد دعوتهم من أية مشروعية أخلاقية لأنها دعوة تهدف إلى تعويق مسيرة الوطن نحو العدالة والحرية، ولأنها دعوة تنطلق من منهج فكري متخلف سيكون معوقاً للاستقرار السياسي والتقدم في شمال السودان نفسه حتى إذا انفصل الجنوب، لأن شمال السودان زاخر بالتعدد وبالتباينات الفكرية والسياسية والمظالم الاقتصادية والتنموية وتحتاج إدارته إلى الرشد السياسي والعقلانية والاستنارة الفكرية. أما الأحادية والتعصب والتبلد التام في الحس النقدي والاستسلام لذهنية كسولة عاجزة عن استكشاف الأخطاء التاريخية في الأداء السياسي والاقتصادي ومن ثم التخطيط لتصحيح المسار فسوف تؤدي للنزاع والصراع والتمزق في دولة الشمال التي يزعم دعاة الانفصال أن الدين الواحد واللغة الواحدة سيعصمانها من ذلك، يزعمون هذا الزعم رغم ما يحدث الآن في دارفور المسلمة، ورغم ما يحدث في الصومال من صراع دموي منذ أكثر من خمسة عشر عاما رغم الدين الواحد واللغة الواحدة والعرق الواحد! وما أكثر الشواهد على أن الحروب الأهلية لا تنشأ بسبب التنوع والاختلاف الذي هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية بل تنشأ من اعوجاج المناهج السياسية وقصور الرؤى الفكرية عن الإدارة العادلة والحكيمة له، ولكن العمى الآيدولوجي يحجب هذه الحقيقة عن انفصاليي الشمال ومن لف لفهم! رشا عوض عبد الله