الإنقاذ في قلوبنا .. وحدقات العيون .. الدعوة لكل القواعد

Quote: في الشأن العام:الإحالة للصالح العام .. متى يقول المسؤولون: (لا للخطأ)؟ جاء بالصحف انه قد تم الغاء مادة الإحالة للصالح العام بقانون الخدمة العامة الجديد (بعد خراب مالطة) وأسدل الستار على أسوأ حقبة عاشها كثير من المواطنين لا لشئ إلا لأنهم لا يدينون بالولاء لنظام الإنقاذ. ولعل الحكومة بالغاء تلك المادة بعد ان استخدمتها في تمكين قبضتها من دفة الحكم بابعادها لكل من تشك مجرد شك في عدم ولائه لنظامها، تريد ان تكتفي بإسدال الستار على تلك الحقبة (وعفا الله عما سلف). فالإحالة للصالح العام لم تكتف بابعاد مختلف العاملين من مواقع عملهم فقط لكن تبعها سد لجميع منافذ وأبواب الرزق حتى لا يلجها المبعدون، لأن الحكام قصدوا ان يمضوا في تعذيبهم، حين يكابدون مرارة الحرمان وقد نجحوا ايما نجاح في ذلك. فلكل هؤلاء قضية عادلة وواضحة وضوح الشمس، لا بد من ان تثار ويتم السعي إلى الوصول بها إلى غاياتها. وقبل الغاء مادة الإحالة للصالح العام صدر قرار إن قدر له ان ينفذ سيقوم مقامها ويؤدي أهدافها ذاتها، فقط ستصبح الإحالة بموجبها للصالح الخاص لأولئك الذين يقفون خلف القرار ويدفعون لتنفيذه، وذلك هو القرار الذي حدد سن التقاعد لأعضاء هيئات التدريس بستين عاماً بعد ان كانت خمسة وستين، يعقبها استمرار عمل العضو بما يسمونه الاستبقاء الذي يمنحه فرصة لمدة عام يتم تجديدها في كل عام. ولعل السبب في هذه النكسة مرجعه ان هنالك البعض من أعضاء هيئات التدريس ممن لا ينتمون للمؤتمر الوطني وقد لا يؤيدون حكومة الإنقاذ وبالتالي يسببون قلقاً لبعض مراكز القوى داخل المؤتمر الوطني، فكان التفكير في التخلص منهم عن طريق العودة بسن المعاش إلى الستين حتى تمكنهم السنوات الخمس التي تم نقصانها من التخلص من الكثير ممن لا يرغبون في ان يسمحوا لهم بالاستمرار في تمردهم على سياسات النظام، خاصة قصة النقابات التي نشطوا في ان يعودوا بها إلى عهدها القديم، وعلى رأسهم أعضاء هيئة التدريس بجامعة الخرطوم التي بدأت السير في ذلك الاتجاه بتكوين نقابتها بعيداً عن نقابة المنشأة التي ما خدمت لهم غرضاً. جماعة المؤتمر الوطني لا تود ان يعذب أساتذة جامعة الخرطوم المثل، وقد ضربوه، حتى يحذو الآخرون حذوهم فكان قرار إحالتهم للصالح الخاص بمجموعة المؤتمر الوطني التي ترى بأن الخلود بالمواقع القيادية من حقهم وحدهم. حقيقة ما كنت أود ان أعود لموضوع سن التقاعد للأستاذ الجامعي مرة أخرى بعد ان اوفيته حقه بمجرد صدور القرار. لكن بعد ان شرع بعض المسؤولين في تنفيذه دون النظر في عواقبه السالبة على المؤسسات التعليمية بل على الوطن بأكمله، كان لا بد من ان نسأل عن دور الذين يتربعون على عروش المؤسسات المختلفة، دورهم في حماية العاملين معهم ومن قبل حماية المؤسسة ذاتها، من قبل تلك القرارات التي تتنزل عليهم كالاقدار دون ان يؤخذ رأيهم فيها رغم ذلك يهرع البعض لتنفيذها رغم علمهم الأكبر بالآثار السالبة التي ستتركها على مؤسساتهم، فقد صدر القرار الأول بإحالة أكثر من خمسين باحثاً بالأبحاث الزراعية ووزارة التقانة أحالهم فوراً إلى التقاعد. وقد تم التنفيذ بأعجل ما يكون وبالتالي فقدت البلاد خبرة باحثيها الذين صرفت على تأهيلهم بخيرة الجامعات ومراكز الأبحاث بمختلف دول العالم، باوربا والولايات المتحدة، وقد تصبح هذه المجموعات التي أبعدت من مواقعها وهي في أمس الحاجة لها، تصبح آخر من يملك مثل تلك المؤهلات خاصة وقد أصبح التأهيل للدرجات العليا داخلياً مع الفارق العظيم. لعل الجميع يعلم ان هنالك قطاعات من العاملين بالدولة، لا يمكن تحديد سنوات خدمتهم بأوقات محددة، ذلك لأن تلك المجموعات تزداد كفاءتها وتميز عطائها طرداً بازدياد سنوات عملهم. فخبراتهم تراكمية يزيدها تراكم السنوات نضجاً وثمراً. فأعضاء هيئات التدريس يبدأ عطاؤهم حقاً بعد حصولهم على درجة الدكتوراة التي تقتطع سنوات عديدة من عمرهم للوصول إليها. وهي الخطوة الأولى في سلم العطاء بالجامعات يسعى ويجد ويجتهد بعدها العضو للصعود إلى درجة الأستاذية (بروفيسور) التي تؤهله تماما للقيام بتأهيل وإعداد طلابه للسير على ذات طريقه. لكن القرار الذي قضى بأن يقضي على كل الخبرات بمؤسسات التعليم العالي، برر ذلك بأن يفتح المجال للكوادر الشابة لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى المواقع القيادية، رغم ان تلك المواقع لا يمكن ان يصل إليها إلا من تأهل لها أكاديمياً عن طريق الأبحاث والدراسات، ولا يمكن ان تصبح مثل قيادة الخدمة المدنية التي تسلقتها كوادر الإنقاذ دون تأهيل وتدريب أو خبرة. ونرى انه من مصلحة كوادر الإنقاذ ان تصل إلى أهدافها بجدها وجهدها دون ان تركن لقصة الولاء (الدنيا ما معروفة)، أما إذا أراد البعض ان يجعل من الدرجات العلمية مثلها مثل الوظيفة يترقى لها البعض بحق وبغير حق، يكون أولئك قد اكملوا الجهد في هدم صرح التعليم العالي الذي كان مفخرة لهذه البلاد قبل ان تصيبه ثورة التعليم العالي في مقتل. ما نؤد ان نقوله انه ليس من حق القائمين على أمر المؤسسات المختلفة ان يصبحوا مجرد أدوات يستخدمهم المؤتمر الوطني لتحقيق أهدافه دون ان يقفوا في وجه كل ما يرونه خطأ أو ان سلبياته أكثر من ايجابياته. فلماذا لا يقول البعض (لا) لما يرون انه يستحق الرفض؟ وهنا لا بد من ان أشيد بقيادة جامعة الخرطوم التي اسمعت صوتها بقولة الحق حتى تحركت قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال السودان وشرعت في معالجة الأمر، كما تحركت عضوية المجلس الوطني في ذات الاتجاه مما جعلنا نتفاءل بأن هنالك أملا في الوصول إلى القرار الحق الذي يسمح لأعضاء هيئة التدريس بممارسة أكاديمياتهم ما داموا قادرين على العطاء مثلهم مثل رصفائهم بجامعات العالم التي تعرف قيمة العلم والعلماء. وأتمنى ان (تختشي) الكوادر الشابة التي تطمع في إرث أساتذتها ونقول لهم ان تحقق حلمهم في السكن الجامعي بكل بؤسه وضعف صيانته، فيستحيل ان يرثوا أي موقع قيادي يحكمه المؤهل المتمثل في درجة الأستاذية، التي رغم ما أصابها من تقليل بقيمتها بعد ان أصبحت (على قفا من يشيل)، إلا أننا نؤكد عدم الوصول إليها بجامعة الخرطوم إلا عبر مدخل واحد، الأبحاث والدراسات والتميز فيها. فالذين تعودوا على قطف كل الثمار التي لم يبذروا بذرتها عليهم بالصبر فما كل ما يشتهي المرء يدركه. د.سعاد إبراهيم عيسى