أختبر نفسك, إذا كنت كوز ظلامي أم ديمقراطي حر.

Quote: السلفيين ناس أنصار السنة ديل أكثر تخلف من الكيزان فهم في مرحلة اليرقة ولم يصيروا حشرة كاملة بعد

، كان طيّباً ودوداً ومربّياً فاضلاً زرع فينا حبّ اللغة العربيّة التي يجيدها ويحسن نطقها ولمَ خطاًَ أجمل من خطّه الذي طالما زيّن به (سبّـورة) فصلنا، لا زلت أذكر حرصه على الحضور لبيتنا -رغم أنّه بيت صوفيّ معروف- ملبياً دعوة أسرتي لأساتذة المدرسة عقب تخرجي فيها، ولا زلت أذكر حرصه على بعث النشاط والحيويّة في أوصالنا واجتهاده في إفادتنا بعلمي الدين والدنيا النافعين، ولا زلت أذكر بكاءه الشديد وهو يقدّم محاضرة بساحة المدرسة عن شمائل الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلّم)... ذكر يومها أنّ الجوع اشتد بالمسلمين في أحد أوقات الشدة حتى كان الواحد منهم يربط حجراً على بطنه من وطأة الجوع! جاءوا يشكون ضيق الحال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوه يربط حجرين اثنين!! يومها بكى أستاذ عبدالرحمن حتى سارع أستاذ مِديَن بإيقاف تسجيل المحاضرة ريثما يتمالك أستاذ عبدالرحمن نفسه، وعلى ذكره، فإنّ أستاذ مِديَن كان من الجنوب ولم نعرف عنه -رغم سنواتنا الثلاثة بالمدرسة- أنّه كان مسلماً أو مسيحيّاً! كان وديعاً كما لم أرَ الوداعة في غيره، وكان لطيفاً هادئاً قلّما تفارقه الابتسامة، عكس لنا صورة طيّبة عن انسان الجنوب ليس كصاحبنا (دينق) الملىء بأوهام غريبة وأفكار أغرب،

Quote: السلفيين ناس أنصار السنة ديل أكثر تخلف من الكيزان فهم في مرحلة اليرقة ولم يصيروا حشرة كاملة بعد

... هل هذا هو أنموذج السودان الجديد؟! هل هذا هو من يدعو لسودان موحَّد؟ أسفي على وجود دينق وقلمه غير المهذب بيننا لا يعدله أسف آخر، ولكنّ مثل ما يكتبه يمثّل نتيجة طبيعية لمن تركوا له الحبل على الغارب ، لمثل دينق هذا تشتدّ كلماتي وتقسو حتى ينتبه لخطل اتجاهه، وحتى لا أنحرف عن طريق تعقيباتي المستقيمة أعود لخيالي الذي يتسع كلما يرى اسم صاحبنا دينق، هذه المرة أراني قابعاً في غياهب السجن التي ألقاني فيها سلطان زمانه وسابق أوانه ، منع عنّي سموّه الشرب والأكل إلا النذر اليسير الذي يبقيني على قيد الحياة لأشعر بآلام التعذيب المبرحة التي مارسها فيّ أعوانه وزبانيته، وذات صباح علا صوت حذاء حارس سجني الثقيل كعادته كلما اتجه نحوي، رفعت رأسي وكنت وقتها أحاول النوم رغم ضيق المكان من حولي (متر ونصفxمتر ونصفxمتر ونصف)، زجرني قائلاً (قوم على حيلك)، نظرته بابتسامة ساخرة وأجبته (أقوم كيف... الحجر الفي رجليْ ده انت قايلو بلاستيك؟!)، انتبه حارسي لأنّه وضع حجراً ثقيلاَعلى قدميّ في الليلة الماضية -بمعاونة اثنين من زملاءه- إمعاناً في إيلامي ونادى على زميلٍ له -لا يقلّ قسوة عنه- وأزاحا عنّي الحجر الثقيل، نهضت مغالباً آلامي الرهيبة والابتسامة لمّا تفارقني وقلت متسائلاَ باستهزاء (إفراج ولا شنو ياجنابو؟!)، فأجابني الحارس بلكمة أحالت محيط عيني اليمنى بهالة من السواد ثم قال (إفراج شنو يا زول... انت مطلوب لمقابلة السلطان)، اتسعت ابتسامتي وقلت (بالله ... والله ده شرف كبير، والسلطان داير يشرب معاي شاي ولا شنو؟!)، ولم يكن حظّ عيني اليسرى بأفضل من أختها اليمنى وصرت بعد الهالتين السوداوين و زنزانتي حالكة السواد كمن امتطى (نظارة شمسية) في مساءٍ ذي حفل صاخب بأمدرمان!! دفعني الحارس خارج الزنزانة وكانت المرة الأولى التي أرى فيها الشمس بعد تسعة وثلاثين يوماً قضيتها في حبسي الانفراديّ، كانت تنتظرني عربة تجرها الخيول لا يسمح مقعدها الخلفيّ -المخصص لي- بالجلوس أو القيام!! وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسي داخلها والبركة في الحارس!! تحركت بي العربة نحو قصر السلطان وعلمت من سائقها أنّها متبوعة بثلاث عربات أخرى وأنّ أي محاولة منّي للهرب تعني خبراً لصحيفة أخبار الحوادث!! انشغلت عنه وعن صوته الأجشّ بالنظر لطرقات المدينة التي امتلأت بصور سلطان زمانه دينق التي رسمها له الرسام الهولندي فان باستن!! لمحت صديقي عباس أمام كشك الجرايد فهاتفته (يا عباس أمبارح الهلال غلب الفريق الأنجولي كم؟!)... أسرع عباس خلف العربة المسرعة وألقى لي بجريدة قوون وهو يقول (يا حليلك يا أحمد الريّح بقيت ما عارف الهلال لاعب متين؟! الكورة الليلة!!)، لم أفلح في التقاط الجريدة بسبب القيود التي فتكت بمعصميّ، وكان حظي كدقيق إدريس جماع الذي نثروه فوق شوك ثم قالوا لحفاة يوم ريحٍ اجمعوه !! فقد كان السائق مريخابي على السكين!! أوقف العربة فجأة ونزل منها ثمّ التفت نحوي متسائلاً (أبوكم مين؟!)، فأجبت (قاقارين)، فلكمني بعنف وقال (قول سامي عزالدين)، قلت (والي الدين)... فازداد هياجه وأصبح يرغي ويزبد ثمّ أمسك هاتفه المحمول ثم قال محدثاً من اتصل به (أسمع... قول للسلطان الزول ده طلع هلالابيّ)، ثم وجّه كلامه نحوي (حظّك زي وشك... السلطان مريخابي وبيكره الهلال، تعبت معاه)، قلت ساخراً (طبعاً لازم يكوم مريخابي، سيادتو عمل شنو يوم زيكو شال الكورة؟!)، ويبدو أنّي ذكرت السائق أياماً سوداء! فقد رفع يده الضخمة وأطلق منها صاروخ أرض جو دخلت بعده في إغماءة تمنعني من الاسترسال في السرد... الذي سأعود له طبعاً.
أحمد الريّح
__________________________________________________________________________________
ذكرى وفاء وودّ عندي لمدرسة أبي كدوك المتوسطة وأساتذتي الأجلاء، عبدالمحمود المبارك، الطيب أبشر، محمد نور، أستاذ مِدْيَن، عبدالرحمن الطقي، لازم الحاج، محمد خير، عثمان بك، أستاذ طمبل، أستاذ معروف، عاصم المنوفي، عصام الدين خالد، وباقي العقد الفريد.
كتب أحد الزملاء بالمنبر ذات مرة هذا التعبير (الحبل على الغارب) فسارع دينق زمانه بغرض تصويبه مشيراً لأنّه (رغم عروبته) كتب الغارب بالغين وليس بالقاف... هذه والله أتركها بدون تعليق!!
هذا التشبيه من أدقّ التشبيهات التي قرأتها على الإطلاق، هو من نوع تشبيه التمثيل الذي يكون وجه الشبه فيه صورة منتزعة من مجموعة صور متزامنة يستخدمها الكاتب مجتمعة لإيضاح رؤيته وتقريب ما يريد تشبيهه للقارئ.