مواضيع توثقية متميزة

مناولة...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 01:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-12-2013, 10:37 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    ميدان طلعت حرب
    أسامة الحداد




    ما الذى يدفعنى لأستسلم هكذا ؟
    ما الذى يقودنى لأكون لا شئ؟
    و أعيش ما يشبه الحياة ،
    أذوب فى دائرةٍ من الإسفلت محاصراً بالاتجاهات،
    و كيف أترك ظلى يتآكلُ فى لعبة الأشباه ؟
    مدفوعاً بقوى مجهولةٍ للمكان ذاته،
    و للواقف وحده فوق منصته،
    أمام لعبة الموتِ
    يتأملها خارج الحاسوب، و الأساطيرِ.......
    فكل لحظة يلتهم الميدان الصغير السيقان، و الروائح العابرة
    من الشحاذين، و أصحاب السيارات الفارهة .... البسطاء ،و أصحاب
    الأزياء الرسمية
    و أنا أفكر فى اقتناص ملامحى من العابرين
    فكثيرة هى الأماكن التى لا أملك العودة إليها ،
    فالميدان الصغير أرحب من بيتى القديم ، و ألعابى الصغيرة،
    من فناء المدارس ، و الكراسات ،
    و من حنين لا يعاودنى لشرفة باهتٍة كنت أترك روحى كفرسان الأساطير
    على سياجها ، و من أناشيد ضاعت حروفها، و طوابير الصباح


    هاهنا الميدان...........
    و طلعت حرب يقف وحده فى المنتصف تماماً
    بوثيقةٍ متحجرةٍ، و عينين تشبهان نجمتين انتحرتا
    تحت ضوء قمٍر غائبٍ
    هنا يمكن أن اقابل صديقاً مات منذ سنواتٍ
    و نتصافح
    متذكرين امرأة خدعتنا كنا نعاشرها معاً،
    و زجاجات احتفت بنا، و تجرعت أشباحاً كُنا ننتظرها،
    ثم أمضى دون أن أتذكر أين رأيته من قبل
    لنتحرك فى اتجاهاتٍ متضادةٍ لشوارع
    تفضى إلى ميادين أكبر، و باراتٍ صغيرة
    نخطو من أمام جروبى ...... حيث أصحاب الياقات الأنيقة،
    و مدبولى بالكتب التى لا نعرف أصحابها


    هنا كل الأشياء يمكن ألا تحدث، و يحتمل كذلك وجود مفاجأت هائلة عشوائية ، و شاذة، فعبر سنواتٍ طويلةٍ، و نحن نجتازه
    دون أن نمسك لحظةٍ منها، أو نحدث صاحب الطربوش
    عن امكانية عودة العمال إلى فوهة ماكيناتٍ تغنى لهم
    عن الدم، و النار ما يشبه قصيدة لناظم حكمت .......
    و وحده الرجل ذو اللحية بمكبر الصوت
    يحتل الذاكرة ،
    و يعبث بصندوق خشبى، و مسجدٍ لم يشيد..... و حوله المارة
    من العابرين، و السائحات بالنهود المستديرة ، و النساء
    بالعجائز التى تكمل السراويل جنونها
    انظروا إلى هذا البنطال ......
    إنه يظهر الحافة السفلى لسروال من النايلون يهتز داخله
    لحم طرى يبدو أن أخرين التهموه من قبل، و جندى المرور
    يحملق فى منتصفه تماماً ، تاركاً سيارة تقطع الشريط الأبيض،
    و تتفادى فتى يقبض على يد مخادعة


    هنا ميدان طلعت حرب الذى يجمع الباعة الجائلين، و أثرياء الحرب-المثقفين،رجال الخصخصة ، و المعارضة الأنيقة لاغتيال أبرياء شاهدنا موتهم على شاشة التلفاز ،كاحتفال بضحية ، و مهرجان للقتلى ،
    أو رسالة ترحيب بقبورٍ جديدة تبتسم للأبرياء وحدهم ،
    و تفتح للمهمشين أحضانها


    هنا ميدان طلعت حرب ............
    نقطة صغيرة فى مدينة جائعة ،
    لا يظهر على خريطتها
    بالنقوش القليلة،
    كالندوب على واجهات المبانى ......
    انظروا .......
    إنها تلوح كطلل يبتسم ،
    أو باقى الوشم فى ظاهر اليد،
    كبقايا معبد قديمٍ فى صحراء شاسعة
    رمالها رجال برؤوس صلعاء ، و ملامح متطابقة تتأمل واجهات المتاجر،
    و العيون الشرهة لكشافات الإضاءة التى لا تفتش عن غزالة هاربة ،
    أو شجرة سنديان تتآكل ذاتياً فى حديقة سابقة روت حكايتها صفحات
    من كتاب قديم عن أميرة نامت بجذعها، و عجوز بأسنانٍ خشبيةٍ
    وضعت طلاسمها بجناح عصفورة أكلها نسرٌ جائع ينتظر صياداً
    لا يجئ................
    كشافات الإضاءة ليست مخبراً يتسلل لأفكار معارض ، و يجبره
    على إنكارها ، برغم أنها تقيد العابرين بحبالٍ من الأضواء
    الكاشفة ، و تتأمل المارة مثل واش محنك .........



    هنا ميدان طلعت حرب
    حيث كورنيش النيل على بعد أمتار ، و خلفه ينام النهر تحت
    تأثير مخدر موضعى ملتحفاً بالجسور، و الفنادق العائمة ،
    دون أن يسمح لصورتى أن تطل على محياه ، أو لعاشقين
    حق العبور إلى ضفته الأخرى فى مركب صغير ،
    فهل كان النهر مستيقظاً حين غنت له أم كلثوم ، أم فتياً،
    و ثائراً حين اصطفت حوله أشجار التوت، و ألقت ضفائر
    الصفصاف أنوثتها على يديه..........
    و هنا لا نرى مئذنة الحسين، أو مسجد السيدة، و لا نشتم رائحة
    البخور و التوابل ، فكيف انصهرت الأباريق النحاسية ، و تحركت
    التماثيل الخشبية فوق أرصفة هاربة من جوار ثائر
    لم يغتل عنوة ...... فدائماً هناك من يكتشفون أنواعاً مميزةً
    من الموت كهدية لأعدائهم ، و علامة أبدية على المحبة الكاملة،
    و من يظنون أن موتهم حيوات لأحبتهم ........


    هنا
    ميدان
    طلعت
    حرب
    حيث تبدو الجموع العابرة كأشباح تخرج من السراديب،
    و السيارات كأبسطة سحرية ، و هى تهرب من مدرعة
    تملأ المكان ، و أنا أمشى فوق خطوات ضائعة لغائبين
    لا أمتلك حق رؤيتهم ..........
    أيمكن استعادة من مضوا ؟ و العثور على ذواتى السابقة ،
    و الأيام التى فقدتها فى رهاناتٍ فاسدةٍ، و ألعابٍ لا فائدة منها
    فهنا تبدو الاحتمالات متاحة، و ضائعة فى ركام الخُطا،
    و تلال الأصوات التى نعجز عن رؤيتها، و هى تعيد
    رسم الدائرة ، و تقترح منافذ بديلةٍ، و شوارع أكثر ليونة ،
    و طيبين لا ترهقهم الكوابيس، أو يخسرون أعمارهم فى
    مغامرات بائسة كان لابد منها ......
    أيمكن لنا أن نتذكر؟ أن طلعت حرب كان يهتف فى مظاهرة ،
    و حوله العملاء، و المرتزقة و تركوه بين العصى الكهربائية
    و بيادات جنود الأمن المركزى ؟ قبل أن ترتل ساحرة عجوز
    بتمائمها على الماء و ترشرشه،
    من يومها صار هذا التمثال الذى يتجول فى الليل
    باحثاً فى الأركان الخفية لميدانه عن قلبه الذى انتشله لصٌ
    فى الزحام ، و ذاكرة لا يملك تحديد أوصافها سقطت من رأسه



    هنا ميدان طلعت حرب
    دائرة من الحجارة و مصب لمتاهاتٍ تفضى إلى متاهات آخر،
    و شخص ما ينعطف يميناً قادماً من أقصى اليسار قبل أن
    يجلس فى الوسط تماماً ليبدأ حوارٌ عن شاعرٍ مات تحت
    عجلات سيارة عسكرية منذ ما يجاوز ثلاثين سنة ....
    هنا لا يلوح قمرٌ مكتملٌ، و لا تتجول الشمس فى الشرفات
    الميدان لا يسع أطفالاً يلعبون ، و لا يسمح لفتياتٍ بملابس
    النوم أن تقفن فى الشرفات ليضحكن من مراهقٍ خجولٍ يمر
    بنظراتٍ مرتبكةٍ، و خطا لم تعرف ثقتها

    هنا لا ينشد مدفع الأفطار تواشيح رمضان، و لا يتجول
    منشدٌ عجوز بآلة شعبية يردد معها حكاياته بكلماتها الساذجة .....
    و لا يوجد مقهى لتجربة أحجار النرد ، و افتقاد ما خسرناه بالفعل فى رمية خائبة، فخطوات قليلة فى الاتجاهات المضادة للدائرة
    المفتوحة تعطينا كل ذلك، فالرجل الواقف فى المنتصف على القاعدة الخرسانية حدد شروطه الصارمة، و أجبرنا عليها، أو خضع مستكيناً
    لطغيان الجغرافيا بقدررتها على فرض تفاصيل صغيرة كحقائق
    لا يحبها، و دخان السيارات يغطى الجثة السمراء، و الحشرات
    الصغيرة تتنزه على حُلته قبل أن يغتسل فى المساء بخراطيم من
    المياه كفيلٍ عجوز لا يجد نهايةٍ للغابة الشاسعة .........

    هنا تترك اللعناتُ رنينها فى فضاء محاصر بأضواء النيون،
    و هراوات الجنودِ بالخطا الرسمية الواثقة من انتصارها الأبدى
    على الحناجرِ المتعبة
    هنا الرجل الذى ترك المشيعون جثمانه فوق القاعدة الرخامية البيضاء
    تاركين لنا حق إعلان وفاته، و منحه بطاقة للرقم القومى
    تمنع رجال الشرطة السرية من اقتياده للمخفرِ كل ليلةٍ،
    و ليشغل وظيفة علامة مرورٍ فى ميدان تخترقه الشوارعُ،
    و تتخطفه الاتجاهاتُ دون تحديد راتبٍ، أو التفكير فى الظلال
    التى اغتالتها السيارات الطائشة، و الأشباح التى تتحرك
    بلا غايةٍ، أنا مثلاً اختلسوا ظلى فى صيفٍ ما بعد أن
    رافقنى سنواتٍ، و تكرر ذلك كلما نبت ظل بين قدمي ،
    أو خرج شبحٌ من ملابسي .....

    آه أيها الميدان
    كيف تنتشل السنوات دون أن يتوغل البياض فى رأسك،
    أو تصاب بالصلع ..... أنت محتفظ بشبابٍ لا حاجة لك به
    كُن شيخاً مرةً، و تحدث عن ذكرياتٍ كاذبةٍ، و لا تترك العابرين
    يحددون المواقيت، و يسرقون الهواء من رئتيك .....
    كُن متهوراً و واجه ببندقيةٍ فارغةٍ تلك الرؤوس الجوفاء
    التى لا أحلام لها، و تمر دون التفاتٍ للواقفِ فى منتصفك
    هنا ميدان طلعت حرب الذى يمكن أن يقودك
    إلى الأتيلية،
    أو زهرة البستان،
    و محطات مترو الأنفاق حيث الروائح الكريهة لأجسادٍ
    متشابهةٍ بلا رؤوسٍ تقريباً، و الصوت ذو النبرة المحايدة
    يعلن عن نعشٍ قادمٍ لأشخاصٍ تصطف على طوارٍ ضيقٍ،
    و تتناثر من الأبواب فى محطاتٍ قادماتٍ دون أن يعرف أحدٌ
    من أين جاءوا، و لماذا يذهبون

    هنا تبدو بعض البنايات كمثلثاتٍ هائلةٍ
    كنماذج صغيرة لأهرامٍ من المطاط فقدت ملوكها،
    و أكلت نقوشها على مائدة العشاء
    ربما قلت ذلك من قبل عن دائرةٍ لا تؤدى إلى شئٍ،
    و لاتجد بها عربة يدٍ صغيرةٍ لبائع فولٍ، أو مطعماً
    يقدم الكشرى، و يقف فى منتصفها رجلٌ لا يشبه العابرين
    فهل قلت أن التمثال ليسس مرآة، و بلا ظلٍ،
    و ملامحه التى اختلسها قاطع طريقٍ تباع على الأرصفة
    فى الشوارع المحيطة، كدمية يلهو بها الصغار،
    و يقذفونها بعيداً حيث لا أراها

    إن ميدان طلعت حرب ليس محايداً، و يعامل خطواتنا
    كنباتاتٍ ضالة، أو أوراقٍ تحركها العواصف، و ينتظر
    المساء حيث تختفى غابات الملابس التتى تلتف حوله،
    و يصبح مرور علبة معدنية بتهورٍٍ غير مزعجٍ، و تتساقط
    الحروف التى لوثت أذنيه، ليلتفت الواقفف فى وحدته ،
    كخيال حقلٍ بانتظار أجنحةٍ لا تحلق هنا ..........
    وحده يقف كشجرةِ كافورٍ نبتت فى البحر، أو ديناصور
    اختبأ فى كُتبِ الجيولوجيا مليون سنةً خرج فجأةً،
    و عجز عن عبور الطريق إلى أن تجمد نتيجة لثبات
    الجغرافيا الوصفية للميدان عبر ما يزيد عن سبعين خريفاً،
    لقد تصوره البعضُ هكذا ، و صمموا على روايتهم التى أتشكك
    فى صحة أجزاءٍ كثيرةٍ منها نتيجة لتواتر الألفاظ
    من رواةٍ يتحركون فى المقاهى القريبة ، و بعضهم
    كان ثملاً إلى حدٍ ما و متماسكاً
    فالسيجاررة هى التى كانت ترتعشُ بين أصابعه،
    و الماء المتساقط من كأسه سببه وجود ثقبٍ
    هائلٍ فى الزجاج، و هذا لا يعنى ......
    أن تلك الروايات ملفقة، أو يُحتمل كذب بعض
    أحداثها، فطلعت حرب بوقوفه فى الميدان
    هذه السنوات الطويلة منح الآخرون
    حق البحث عن موعد وصوله، و كيفية صعوده
    للمنصة ، إصراره على ملابسه التى لم يجددها
    كشحاذٍ محنكٍ، أو تاجرٍ بخيلٍ ،
    و مثل أكمنةٍ لقناصةٍ مأجورين، أو ########اتٍ
    يسيطرن على الغواية تلتف أشجار الفيكس
    فى خطة حصارٍ محكمةٍ تساندها السلاسل الحديدية
    الغليظة، التى تحدد معتقله الأخير بدائرةٍ صغيرة
    تتوسط ميدان لم يؤسسه، لتطرد فكرة الجلوس
    معه فى مقهى زهرة البستان، لنلعب النميمة،
    و نمارس النرد، و ننتظر أمنية محرمة بإزالة
    العتمة، و نغنى مع ريتسوس سوناتا ضوء
    القمر – دعنى أذهب معك – أيمكن أن نغنى معاً ؟
    بيننا أكثر من سبعين سنةً لا تخفيها البنايات الأسمنتية،
    و لا يراها الموظفون الرسميون ، بيننا عقود من
    الأعوامِ لا تصلها طلقات جنود الحراسة ،
    فدعنى أذهب معك حيث لا ينتهك الأسفلت أقدامنا،
    و لا تأكل الأرصفة ملامحنا ...........
    هناك بعيداً حيث ترقص المومياوات على موسيقى سنوحى،
    و أغنيات شيستر بيتى، و يُطلق الأطفالُ عصافيراً من
    الصلصالٍ دون الدخول فى تجربة دعونا الرب أن يوقعنا
    فيها وسط الشوارع المزدحمة التى لا تؤدى إلا إليك .

    هنا ميدان طلعت حرب
    الذى لا تعبره الحافلات العامة التى احتفظت بالطيبين
    طويلاً، كمقاعد مهشمةٍ لجلوس المتشردين،
    الحافلات العامة لا مكان لها هنا،
    و محطات الباص بحاجةٍ للسير بعض الوقت،
    و طلعت حرب يفكر فى الذهاب معى،
    و هو يمارس بطالته، و يقف صامتاً أمام
    حراسه كأسدٍ أسيرٍ فى حديقة حيوان مفتوحةٍ،
    ينظر بعينين فقدتا لونهما لمكتبه البعيد حيث
    تتحرك العرائس الخشبيةٌ فى عرضٍ درامىٍ
    مخصص للغائبين، و تصمت الموسيقى التصويرية تاركةً
    مساحة هائلة للصمت يقُص خلالها حكاية السكونِ، و جدوى
    الأستاتيكا، كأسطورةٍ ينشدها راويةٌ أخرسٌ وسط عاصفةٍ
    من الخماسين، أو نغمات قادمة من أزمنة مجهولة
    تفتت فى الهواء، و هى قادمة إلينا، كأغنية هربت من
    كلماتها المبهمة
    إن مكتبه ليس غير جرحٍ عميقٍ يتسلل من جسده،
    و هو ينعى ملابسه، و سماءه القديمة، التى لا تصلح
    كأُطرٍ لسياراتٍ واطئةٍ، أو أسفلت مهلهلٍ،
    هذه السسماء التى لم تدرك تحول الميدان إلى
    جنازاتٍ لأشباهٍ يتحركون كالمرايا، و هو يقف فوق
    رخامٍ مسممٍ بثيابٍ تشبه سجناً مثمراً بالموتِ
    ترسل رياحها الفاشلة
    فمن يتذكر الرجل الإيطالى، و هو يرسلُ مساعده
    لإعداد حُلة تليق بوقار مهرجٍ أخرس ترك طبلته
    بعيداً، و ألقى بمقاعد المتفرجين فى قبوٍ بعيدٍ،
    لا تحركه لذةٌ خفية، أو يثيره حنينٌ يلتهب.....
    لم يكن صانع الملابس النحيف بعيداً عن مقره
    الأول ، و لا كهفه الجديد، و فشل مراتٍ عديدة
    فى تقديم قميص بشلالات من الألوان، أو بنطالٍ
    فضفاضٍ من الجينز، و لم يعد لمحله ثانية فى
    إصرارٍ واضحٍ على فقدان الذاكرةِ، و منح الآخرين
    فرصة إعداد نظرياتٍ للغيابِ، و دفترٍ مخصص
    للانصراف فقط خالياً من أختامٍ بصورةِ نسرٍ
    محنطٍ .

    هنا ميدان طلعت حرب حيث أكل الهواء الطائرات
    الورقية، و تبخرت رؤوسٌ عديدة من فوق رقاب أصحابها،
    و ربما تبدلت دون أن تنتبه المرايا للملامح الجديدة،
    و تدرك أن الأشباح يسرقون رؤيتها، و يضربون عييونها
    بمسخٍٍ تخافه، و أزمنةٍ لا نلتقطها تتسرب فى أرضيةِ الميدان،
    و واجهات البناياتِ قبل أن تطمسها دهاناتٌ مشوهة .


    هنا ميدان طلعت حرب ( ناس من بلدنا هناك أهم )
    دعهم يمرون كأشباحٍ لماضٍ ينزف هواءً ساخناٌ
    يدفعهم إلى جمرةٍ هائلةٍ، أو لمتاهةٍ يوقعهم بها حضرة
    الأراجوز على جسد موسيقى أعمى ، و شاعرٍ بدين ،
    دع الليلة تمضى بلا جمال مزينة بالأعلام و البالونات ،
    أو حلوى من الحمص
    دعهم يذهبون بعيداً فبالقربِ من هنا يجلس المناضلون
    القدامى من رجال التطبيع، و السلامة أصحاب الياقات البيضاء
    لاحتساء خمور مستوردة ، و اطفاء سجائرهم
    فى ظلال المارة، و هم يقدمون إشكاليات جديدة كمقدماتٍ
    لنتائج، أو نتائج لمقدماتٍ
    عن صراعٍ بلا نهايةٍ، أو نهايةٍ بصراعٍ
    دون أن يلتفت المُخرجُ الجالس بعيداً إلى أهمية تسجيل الحدث
    كمشهدٍ أخيرٍ فى فيلم قديم لم ينتظر فشله، و اغتيال المنتج بتحريضٍ من دائنيه .......
    يمكن للمخرج أن يستعيد عدساته المهشمة، و يضع كلمةً بديلةً
    للنهاية قبل أن يلوح بيده تاركاً رأسه فوق المنضدة ،
    و عيينيه جوار نظارتيه فى تحدٍ واضحٍ لكاتب السيناريو،
    و مقص الرقيب، و دون أن يفكر المنظررون فى استعادة الموتي ،
    أو ينتبهون للأحداث الجارية .

    هنا ميدان طلعت حرب الذى لا تصلح بوصلة للوصول إليه ،
    و لا تحدد الخريطةُ شكله الدائرى، الذى يبدو كثقبٍ هائلٍ
    فى مجرةٍ، أو عينٍ واحدةٍ لمدينةٍ عوراء تقيدها الجسور،
    و يتحرك سكانها فى السراديب كقوارضٍ هاربٍةٍ تفتش
    عن حياتها بين الكلاب الضالة، و النظرات المصابة بالسعار
    للأبواب، و هى تنغلق على أعناقهم .....
    الشوارع تتداخل كالكلمات المتقاطعة،
    و الأشخاص حروفٌ دونت على سبيل الخطأ
    فى مربعاتٍ مشوهةٍ بجريدةٍ لا تحمل أخبارا جديدة
    عن مقتل مجهولين فى حوادث عاديةٍ،
    و انسياب الدم كعلامةٍ يشرية على الموت
    الشوارع تتصارع على جذب القاعدة الرخامية إليها،
    و إلقاء التمثال بعيداً كانتصارٍ زائفٍ يخبئ هشاشتها،
    و ينهى اختراق السيارات الطائشة لإشارات المرور،
    التى تمنع عبور خطوطها البيضاء،
    و تؤكد أن العربات الواقفة على الجانبين
    لا تتحسس جسدها المباح،
    و لا تخلع الظلال المستترة خلفها
    آه إنها تقدم وجوهً قديمةً فى ثياب أُخرى،
    و أناشيد مكررة فى أيقاعللت أكثر ضجيجاً
    الشوارع تبدو كأطرافٍ صناعيةٍ لقتيلٍ
    تركت جثته فى الفضاء، و قيدت الحادثة ضد مجهولٍ
    يعرفه الصامتون، و رجال الشرطة، و تحتفظ كما أظن بملامحه،
    و هو يمضى واثقاً من براءته
    لقد عبرت أنا كذلك بجواره دون أن أفطن لرائحة الموت التى
    لا يملك الفرار منها
    فلماذا تقف هنا ؟
    أنت لست قاطع طريق،
    و لا تنتظر ملائكةً يعبئون أجولةً قديمةً بأنفاسٍ مجهولةٍ
    تاركين للجنرالات وحدهم حق تحديد أصحابها و الإعلان عنها
    فلماذا لا تريح ساقيك ؟
    ألا يوجد مقعد يصلح لك،
    أو فرش ملائم لجسدك ؟
    أم تفتقد مثلى ليقين يحدد وجهتك،
    و رؤية تسعى وراءها فى شوارع محايدة،
    و مباحة لأطر السيارات ، و الأحذية،
    و مشوهة بالرؤوس الصلعاء، و المتشردين تقودنا إليك
    أيها التذكار الخالد،
    و الحجر الصامت كيف تخفى السكون،
    و تختزل الوقت فى ثيابٍ كلاسيكية ؟
    و غطاء فوق الرأس المحرضة لعمالٍ يتساقطون تحت
    هراوات الجنود، و تلقيهم الشوارعُ ككدمةٍ فى جسد الفراغ،
    أو ندبة هائلة تشوه هواء يتحرك دون وجهةٍ محددةٍ،
    و يترك رجلاً فى منتصف العمر يصادق سيدةٍ تصغره بأيامٍ
    يتجولان وحيدين وسط الجموع العابرة فى علاقةٍ لا يعرفان
    كيف تنتهى .... و يتخيلان طفلاً يسير بينهما يمسكان به
    إلى مدرسةٍ صغيرةٍ، و حين يكبر قليلاً يصنع دائرةً
    يسميها الميدان ليلعب بها لعبة التمثال و العابرين،
    و يضع مؤسسة لأحلامٍ هزيلةٍ تأكلها الطيورُ المهاجرةُ
    فى الشتاء، و تعود على طائرات الأباتشى،
    و هى ترقص لمغانمها، و تضحك من احتلالها
    لميدان سيمون بوليفار* ببيادق من لحمٍ، و دم
    تتحرك وفق رغبتها
    هكذا يحلمان
    دون أن يبدأ الليل خطواته الثقيلة، و ينتظران
    نهايةً لمأسويةٍ يعيدان وفق قواعد الإيهام
    تحريكها على أرض الشارع،
    كتكرارٍ لمحاكمة حوريس، و ست
    قبل اختفائهما الغامض فى شوارع المحروسة
    منذ اكثر من سبعين قرناً بعد إصابتهما بعته الشيخوخة
    كنتيجةٍ طبيعيةٍ لثمانين عاماً من الجدال
    دون أنن يفكر شخصُ ما فى البحث عن عدوين
    يتعايشان معاً، و يضلان فى الشوارع وحدهما...
    أنا كذلك أفتش عنى، و أبحث عن أحلامٍ لا حصر لها
    تساقطت منى
    كيف تقف وحيداً فى ليالى الشتاء ؟
    إننى أشعر برطوبتها تتسلل إلى عظام ساقيك،
    حاول إذن أن تترك المنصة الرخامية الباردة،
    و تجرب السير معى إلى دار الأوبرا الجديدة
    هل تعرف مكانها ؟
    و أنت مثبت فى دائرة من الأسفلت فى موقع المحارب الفرنسى**
    تفكر كما اعتقد فى تداعيات الخصخصة،
    وإمكانية استبدالك بجندى من البرابرة
    الذين انتظرهم كفافيس يوجه فوهة بندقيته إلى رأسى،
    و يضع أحلامه فى جهاز الرؤية الليلية لضخ كوابيس
    أشد رعباً فى رؤوس البسطاء
    عن تحول الميدان المستدير إلى مشنقةٍ،
    أو استبداله بكُرةٍ هائلةٍ من الجحيم تتدحرج فى الشوارع
    التى تقود إليك،
    و كمنتجٍ لأفلام الرعب يقدم إثارةٍ أكثر
    باقتلاع بعض الرقاب السمراء تاركاً الرؤوس تتدلى
    من أيادى أصحابها كالحقائب الفارغة .

    أيها الشيخ الطيب تحدث معى قليلاً ......
    عن أسباب التضخم، و انهيار سعر الصرف، صفوف
    العاطلين، و إضرابات العمال،
    عن الموجة الجديدة لأفلام السينما، و حركة العدسات على وجوه المتعبين
    اعطنى فرصةً للحوار عن شجرتين هائلتين تقفان
    فى ميدان التحرير تلاعبان حبال الغسيل،
    و تخفيان ظلالهما عنا
    حاول أن تجرب تعاسة بديلة، و روائح مختلفة عن عوادم السيارات،
    و التبغ الردئ
    يمكن ذلك بسهولة داخل بار ستيلا، أو مطعم الجوريون
    حيث تتساقط التحفظات تباعاً، و تبدو النفوس أكثر عرياً
    من أصحابها، و هم يواجهون أشباحهم، و يكتشقون ذواتاً
    بديلةً لا تصلح لارتداء ملابسهم، أو التحرك بخطا واثقة
    نحو كسلهم، و تنظيراتهم التى لا تصلح لإضاءة مصباحٍ
    مهشمٍ يقف على ناصيةٍ مُعدةٍ للمراهقين
    يمكن تذكر ذلك، و أنا أعبر مع حبيبتى بين وجهها الملائكى،
    و عبيرها الدافئ، و التوتر أيضاً من أنوثتها الناضجة
    إننى مرتبك تماماً أمام خلافاتٍ لابد منها، و أطفالٍ ينتظرون عودتى
    فكيف تأخر لقاءنا كل هذه السنين؟
    عُد أيها الوقت،
    و تراجعى للخلف يا عقارب الساعات،
    و أذهب أيها الزمن بعيداً لتتكسر أخطاءنا،
    و تنصهر التجاعيد التى ورثتها عنى،
    و تمسك كفى بغمامة صيفيةٍ،
    و يمتلئ جيبى بالنجوم، و الشموس الصغيرة،
    و كيف نلتقى دون أن نحدد مواقيت فراقٍ قادمٍ .

    ها نحن نمضى، و نعود،
    و صوت احتكاك الأطر بالأسفلت يحقق انسجاماً
    مع بائعات المحال، و الأطفال المتسولين ،
    و هم يجذبون ملابس المارة، و يقذفونهم بأدعية شريرةٍ
    و مناديل ملوثةٍ بالبياضِ كعيونٍ من المياه الجافةِ
    تزدرد القادمين
    ها نحن نسير معاً .........
    هى جانبى خرافةٌ تأسرنى،
    و فيضٌ من الحنين لا تحتويه العبارات،
    و أنت شاهدٌ على ذلك أيها السيد الواقف على
    منصته الرخامية البيضاء بانتظار مناخات جديدة ،
    و زى مناسب لسيارة شيروكى تلائم لقب الباشا
    كمصطلح مغاير لأصحاب المعالى من الللصوص،
    و الباعة الجائلين، و أصحاب التنظيرات الصالحة للغبار .....
    فهل تلمح تلك الفقاعة الهائلة ؟
    انظر ...........
    إنها الشمس، و قد أطلت بشغفٍ على أشباح الليل،
    و كائنات النهار، على حيواتٍ قتيلةٍ تخطو جانبنا......
    أيمكن أن نتحاور معاً ؟
    أن نقف جانباً بالأسئلة الحائرة عن تمييزك
    بين الصيف، و السيارات، بين الكتب المستريحة
    عند مدبولى، و المومسات على ناصية شارع قصر النيل ...
    كيف امتلكت ساقيك القدرة على الوقوف صامتاً؟
    و مانحاً ظلك لجروبى دون أن تفكر فى احتساء فنجان
    من البن على مقعدٍ جانبي به، من المؤكد أن وقتك
    مزدحمٌ بأعمالٍ لا أعرفها شغلتك عن ملاحقة فتاة
    تطاردها السيارات الفارهة بوم ......
    تك ......بوم
    آه المشاجرة التى دبت بين سيارتين، مع صوت ارتطامهما قطعت
    حواراً من طرفٍ واحد، و جندى المرور يحدث عجوزاً
    تقف بسيارتها جانباً ممسكاً بجنيهاتٍ قليلةٍ، و دفتر لقيد المخالفات ....
    أيمكن أن تجيبنى ...... أركب سيارتك أنها سليمة، و لم يحدث شيئاً،
    و المتفرجون يلملمون خطواتهم بعيداً، و تتناثر أصواتهم
    فى ضجيج وسط القاهرة
    : كل من يركب سيارة يفعل ذلك ؟
    : و لا تهمه مشاعر الأخرين ........
    الأصوات غير مميزة، و الحروف تتداخل بينها أصوات مكبرات
    الصوت، و توسلات الشحاذين، و العابرون بالملامح ذاتها،
    مع اختلاف فى حجم الرؤوس، و الملابس، و السيارات
    تراك ....تراك ....ترااااااااك
    سيارة شبح يقودها مراهقٌ تصعد الرصيف، و تعاود
    النزول، و هو يقهقه ساخراً من المارة،
    و أنت تقف دون سيارة كاديلاك يتقدم سائقها منحنياً
    لترككب فى المقعد الخلفى
    أكنت تفعل ذلك ؟
    قبل أن تعمل كعلامة مرورٍ هائلةٍ فى ميدانك الصغير،
    و حولك متاريس الشرطة، و مصفحاتها ، عمال النظافة بزيهم
    الرسمى،و عربة القمامة الأنيقة تكمل بفرشاتها الآلية أعمالهم
    تاركين لى مساحة صغيرة للحوار مع حبيبتى حول روعتها،
    و سنواتنا الضائعة، و نحن نعبر الميدان بعينيها الوديعتين،
    بالطيبة ذاتها التى تصنع خلافاتٍ تنتهى و تعود نسير معاً
    متجهين إلى محطة المترو فى لقاءاتٍ واضحة الهوية،
    و محبةٍ كاملةٍ للجنون ........



    هنا ميدان طلعت حرب
    حيث عبرناه معاً تاركين عاصفةً حمقاء، و مواكب
    من الكوابيس ترتطم ببعضها حول الواقف وحده
    كملكٍ مخلوعٍ، أو قائدٍ عسكرى خدعه الجنود مع
    الطلقة الأولى، و منحه المنتصرون عفوهم ......
    ألمَ أقل لك أن مقهى زهرة البستان يمكننا العودة منه
    فى ثانية ..... أنت إلى معتقلك، و أنا على حافة الطريق
    بين أطيافٍ كنتها ،
    و شخصٍ أخر سأكونه .......
    أنا دائماً
    ذلك الأخر
    و أنت لا تعبأ بى ..... الأرقام وحدها مجدك،و هزيمتك،و جثمانك
    واقف كذلك .......و أنت تحصى العاببرين دون أن تحدد طبيعة العلاقة بين رقمين يعبران متجاورين فى تحدٍ واضحٍ لنرجسية العزلة، و شرور الأشباه، لخطواتٍ بلا أجسادٍ، و أسقفٍ واطئةٍ لا تظلل أحداً،
    و لا تمنح طيورها المصابة بالكساح حق الموت فى وداعةٍ،
    فوباء النوم الذى أصاب ماكندو ليس استثناءً، و الأسماك الملونة لا تحلق
    حول الرؤوس المُعلقة، و لا تسمح باصطيادها ......
    انظروا لقائدى السيارات فى نعاسهم، و المارة، و هم يخطون بأجفان مُغلقة، و أنت تملك مفاتيح مدينة بديلة تخفيها فى جيب سترتك
    ليست قبلاى خان و لا القاهرة القديمة ،
    م تخرج من كتاب أساطيرٍ مجهول المؤلف.....
    شوارعها لم تلتهم ظلاً واحداً، و ساكنيها لم يقتربوا من مداخلها،
    و الأطياف التى تمنحنا حق امتلاكها ليست خيالات مهووسين،
    أو هذيان لمرضى فى لحظاتهم الأخيرة ، و الميدان يأكل
    أقدام أحفادهم .....
    أيمكن أن تمنحنى حق اللجوء إليك،
    أو توقع تأشيرةً بالذهاب إلى مصطفى كامل ،
    حيث يقف الشابُ النحيلُ فى دائرةٍ أخرى،
    و متاهةٍ لا تلوثها عوادم السيارات وحدها،
    بينكما شارعٌ طويلٌ بين جنون الواقعية، و خرافة الحلم
    الذين افتقدهما قصرٌ بعيدٌ فى ضاحية مصر الجديدة
    لا نريد ساكنيه .... بينكما ما يزيد عن الثلاثين سنةً من الراحة،
    و التعب أيضاً، و عابرون لا ملامح لهم، و الأسفلت يجذبنا
    من ظلالنا لنبحث عن خطواتنا المتسعة التى فقدناها،
    و نقاط الدم التى ترطها فتى أسمر، و انتظرنا غاباتٍ
    من التوت، و الجميز تنمو مكانها،
    و تظلل الواقف تحت سماء القاهرة

    أيها الشيخ
    أنت تذكر ذلك الفتى حين لجأ إليك
    منذ ما يقرب من أربعين سنةً،
    هرباً من الجنود فى ميدان التحرير،
    و احتفظت بجرحه ساخناً دون أن تبوح بسر بريئة تقف بانتظاره
    على الناصية، و تتحرك فى أماكن جمعتهما ،
    و هما يسيران معاً محتفظين بمسافة صغيرة
    بينهما كدلالةٍ على فراقٍ قريب ......
    أتذكر شتاء 1977، و الورود تتفتح فوق أرصفة القاهرة ؟
    قبل أن تغتال الأزياء الرسمية أحلامها،
    و تذبل وحيدةً فى الفراغ،
    وهى تلقى نظرتها الأخيرة على طوابير الخبز، و صفوف العاطلين،
    و كمصرفى مخضرمٍ تزعجك تغيرات أسعار الصرف، و حركة
    تداول الأسهم، وهى تعبر من يديك فى اتجاهاتٍ
    لم تخط بها، أو تتابع نقاط دمٍ ساخنة تتقافز داخلها
    قادمة من جروحٍ قديمةٍ تعرف أصحابها ......
    فهل وضعت خطةً ما لمواجهة انخفاض معدلات التنمية،
    و زيادة معدلات التضخم، و البطالة فى أعمق نقطة بتمثالك
    لم تصل إليها ضربة أزميل النحات الذى ألقى بجسدك
    فوق المنصة الحجرية، و تركك وحيداً فى ملابس قديمة
    أيمكن إذن أن تتناسى الفوارق الهائلة بين الدخول،
    و تلقى جانباً بوجوه راكبى السيارات الفاخرة،
    و هم يطعمون كلابهم، و تتجه معى إلى عربة فولٍ
    يقودها شيخٌ فى ممرٍ جانبى شريطة أن تدفع لأصدقائى
    قيمة المواصلات لاستريح من خياناتهم، و تتطاير أكاذيبهم بعيداً عنا
    أيمكن أن نحتسى معاً كوبين من الشاى ؟
    على مقهى شعبى انستنشق رائحة الجاز، و الأدخنة الرخيصة،
    و تلمح سهماً يتحرك فى اتجاهٍ يخالف تصورات الخبراء،
    كبداية للإعلان عن بيع شركةٍ فاسدةٍ، و انتعاش المقهى
    مؤقناً بروادٍ جدد..........
    أيمكن أن ننسى النظرات الغاضبة ؟
    بعد أكثر من ثلاثين سنةً،
    و ننتظر ثيراناً جديدةً تهزم المصارعين، و تحطم المدرجات
    كنهايةٍ لمسرحيةٍ هزليةٍ بلا مخرجٍ تقريباً
    أيمكن ان تفكر من فوق القاعدة الخرسانية فى استضافة بعض
    الجائعين على مائدة العشاء، دون أن يتسرب الملل إلى ملابسهم
    من حوارك حول قيمة الفائدة، و ارتباكك أمام حنينهم للموت و الحياة
    إننى فى حنين أبدى لميدانك،
    فالعبور منه ليس لعبةً، أو كابوساً،
    و الشرور العادية ليست مشهداً سريالياً،
    فأنا واحدٌ من الجموع التى تجتازه،
    أنا فى الحقيقة لا شئ،
    و أنت تدرك أن الجميع يخوضون فى ظلك،
    و لست بحاجةٍ إلى أن تكون بائعاً متجولاً
    لتدرك الفارق بين القوميين و السلفيين،
    أو عامل نظافة لتحديد العلاقة
    بين ملامح منظرٍ اشتراكى، و ابتسامة متسلقٍ يقدم عملييات اغتيالٍ
    أنيقةٍ لشركائه على أطباق مذهبة ، و هو يطعم أطفالهم بالخبز،
    و النبيذ كنبىٍ متقاعدٍ يبتكر ذكرياته......
    و أنك لا تصلح كحلاقٍ للدميمات، أو خبيرٍ فى الرشاقة
    يقدم برامج لإذابة الهموم .........
    أعرف أنك تدرك كل هذا، و أن حوارنا مفتوح كميدان مستديرٍ،
    أو خارطةٍ خاليةٍ من الخطوط
    تصبح إذن على قاعدتك الرخامية ،
    سأمضى الآن كما أتيت أمارس نقل قدمى على الطريق
    للوصول للبيت، فيبدو أننى صرت شخصاً تقليدياً له أماكن محددة
    يذهب إليها
    تصبح فى ميدانك
    تحياتى إليك بدون قبعةٍ ألوح بها .........
    عليك غداً أن تتذكرنى حين أمر جوارك
    تصبح بين مصفحات الشرطة، و القيود الحديدية
    نصبح فى القاهرة ..........

    أسامة الحداد- القاهرة فبراير 2008
    * ميدان سيمون بوليفار بضاحية جاردن سيتى بالقرب من ميدان التحرير و به مبنى السفارة الأمريكية بالقاهرة

    ** فى عام 1964 تم وضع تمثال طلعت حرب بدلاً من تمثال سليمان باشا الفرنساوى و كان الميدان و الشارع يسميان باسم شارع سليمان ولا يزال البعض يسمى الشارع بالاسم القديم
                  

العنوان الكاتب Date
مناولة... بله محمد الفاضل09-01-13, 08:01 AM
  Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-01-13, 08:03 AM
    Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-01-13, 08:14 AM
      Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-01-13, 08:17 AM
        Re: مناولة... إلى محمد عبد الله حرسم.... بله محمد الفاضل09-01-13, 08:26 AM
          Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... بله محمد الفاضل09-01-13, 02:06 PM
            Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... طه جعفر09-01-13, 03:23 PM
              Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... بله محمد الفاضل09-01-13, 05:50 PM
            Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... بله محمد الفاضل09-01-13, 03:46 PM
              Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-02-13, 03:06 PM
                Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس راشد سيد أحمد الشيخ09-02-13, 03:20 PM
                  Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-03-13, 08:11 AM
                    Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-03-13, 08:25 AM
                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-03-13, 08:41 AM
                Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-03-13, 03:01 PM
                  Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-03-13, 03:23 PM
                    Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس Ishraga Mustafa09-03-13, 04:23 PM
                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس الفاتح ميرغني09-04-13, 05:31 AM
                        Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-05-13, 07:41 AM
                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-04-13, 08:16 AM
                  Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-04-13, 08:33 AM
                    Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-04-13, 10:49 AM
                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس ibrahim fadlalla09-04-13, 11:18 AM
                        تفاصيل صغيرة بله محمد الفاضل09-05-13, 07:36 AM
                        Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-05-13, 07:45 AM
                          Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-05-13, 08:01 AM
                            التاريخ، نقيضاً للتاريخ بله محمد الفاضل09-05-13, 09:42 AM
                              Re: التاريخ، نقيضاً للتاريخ بله محمد الفاضل09-05-13, 10:13 AM
                    Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-07-13, 10:19 AM
                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس ibrahim fadlalla09-08-13, 07:28 AM
                        Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-08-13, 07:44 AM
                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-08-13, 08:36 AM
                        Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-08-13, 08:42 AM
                          Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-08-13, 09:45 AM
                            Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس mustafa mudathir09-08-13, 08:47 PM
                              Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-09-13, 09:26 AM
                              Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-11-13, 07:53 AM
                                Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-11-13, 07:57 AM
                                  Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-11-13, 08:00 AM
                                    Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-11-13, 08:04 AM
                                      Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-11-13, 08:25 AM
                                        Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس بله محمد الفاضل09-12-13, 10:37 AM
                                          Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-14-13, 08:13 AM
                                            Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-14-13, 08:39 AM
                                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-14-13, 01:57 PM
                                                Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-14-13, 02:02 PM
                                                  Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-14-13, 02:34 PM
                                                    Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-14-13, 02:39 PM
          Re: مناولة... إلى محمد عبد الله حرسم.... محمد عبد الله حرسم09-22-13, 10:00 AM
            Re: مناولة... إلى محمد عبد الله حرسم.... بله محمد الفاضل09-22-13, 10:07 AM
  Re: مناولة... جورج بنيوتي09-15-13, 01:03 PM
    Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-15-13, 02:43 PM
      Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-16-13, 06:08 PM
        Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-17-13, 09:27 AM
          Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-17-13, 10:10 AM
            Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-17-13, 10:14 AM
              Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-17-13, 03:20 PM
                Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-17-13, 04:50 PM
                  Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-17-13, 05:26 PM
                    Re: مناولة... ibrahim fadlalla09-18-13, 02:29 PM
                      Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 08:05 AM
                        Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 08:22 AM
                          Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 08:30 AM
                            Re: مناولة... يا درش بله محمد الفاضل09-19-13, 08:32 AM
                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 08:40 AM
                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 08:40 AM
                                Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 08:50 AM
                                  Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 09:42 AM
                                    Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-19-13, 10:38 AM
                                      Re: مناولة... ibrahim fadlalla09-20-13, 10:40 AM
                                        Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-21-13, 07:11 AM
                                          Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-21-13, 07:16 AM
                                            Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-21-13, 02:34 PM
                                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-21-13, 02:42 PM
                                                Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-22-13, 04:00 PM
                                                  Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-26-13, 04:15 PM
                                                    Re: مناولة... بله محمد الفاضل09-26-13, 04:32 PM
                                                      Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-03-13, 10:24 AM
                                                        Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-24-13, 10:47 AM
                                                          Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-27-13, 08:33 AM
                                                            Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-27-13, 10:36 AM
                                                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-27-13, 10:44 AM
                                                                Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-29-13, 09:31 AM
                                                                  Re: مناولة... Muna Khugali10-30-13, 03:34 PM
                                                                    Re: مناولة... بله محمد الفاضل10-31-13, 07:31 AM
                                                                      Re: مناولة... إنا من القراء يا أسامة ومن المشتاقين إلى حرفك/وجودك هنا... بله محمد الفاضل10-31-13, 08:32 AM
                                                                        Re: مناولة... بله محمد الفاضل11-11-13, 10:31 AM
                                                                          Re: مناولة... بله محمد الفاضل11-26-13, 08:45 AM
                                                                            Re: مناولة...إلى إبراهيم فضل الله في غيابه الموحش المقلق ومصطفى مدثر وجميع المترجمين... بله محمد الفاضل11-26-13, 10:38 AM
                                                                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل11-28-13, 09:28 AM
                                                                                Re: مناولة... بله محمد الفاضل12-01-13, 07:42 AM
                                                                                  Re: مناولة... رفيقة الصباح بله محمد الفاضل12-01-13, 07:52 AM
                                                                                    Re: مناولة... ثلاث قصائد: حافظ عباس عالم بله محمد الفاضل12-16-13, 07:49 AM
                                                                                      Re: مناولة... قصة الخلق: ح.خ بله محمد الفاضل12-16-13, 08:06 AM
                                                                                        Re: مناولة... قصة الخلق: ح.خ بله محمد الفاضل12-21-13, 09:16 AM
                                                                                          Re: مناولة... قصة الخلق: ح.خ بله محمد الفاضل12-23-13, 09:23 AM
                                                                                            Re: مناولة... بله محمد الفاضل12-26-13, 07:28 AM
                                                                                              Re: مناولة... بله محمد الفاضل12-28-13, 08:13 AM
                                                                                                Re: مناولة... بله محمد الفاضل12-28-13, 08:49 AM
                                                                                                  Re: مناولة... بله محمد الفاضل12-28-13, 09:05 AM
                                                                                                    Re: مناولة... بله محمد الفاضل12-28-13, 09:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de