مواضيع توثقية متميزة

مناولة...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 02:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-01-2013, 08:01 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مناولة...

    مـُـــــــــــــــدُنْ...... في ..الظــــــــــــــلام(قصة قصيرة)
    هيثم علي الشفيع


    وكما عودتكم الإدارة الثقافية بقناتكم المميزة أنها دائمة الحضور وقريبة من المشهد الثقافي في كل السودان ومواصلة لسياستها في ذات الإتجاه نلتقي الآن –سادتي- وعلى الهواء مباشرة هاتفياً بالروائي الشاب (ياسين مصطفى عزالدين) للحديث عن بعض أعماله الأدبية ، ولإلقاء مزيد من الضوء على كتابه الذي نزل المكتبات حديثاً والذي اختار له كاتبنا الشاب اللغة الإنكليزية ، كتجربة جريئة للكتابة بغير اللغة الأم :
    - آلو ..... أستاذ ياسين عزالدين؟
    - مرحب وعليكم السلام ...معاك ياسين
    - أستاذ ياسين في الحقيقة نحن حابين الليلة نعرّف المشاهد بالكثير من زواياك الشخصية و نود الحديث عن بعض أعمالك ، لكن دعنا نبدأ بالحديث عن كتابك الأخير (Cities in dark) – أو...مُدن في الظلام ...كتجربة جديدة جريئة لكاتب شاب إختار أن يكتب رواية كاملة باللغة الإنجليزية ...و...
    - نعم ..نعم....نعم يا أستاذ؟؟؟ قلت إسمها شنو؟؟؟
    - Cities in dark!!!!!
    - بس أنا ما عندي رواية بالإسم دة ولا عمري كتبت كتاب باللغة الإنجليزية!!!!
    - عفواً..........مش حضرتك الأستاذ ياسين مصطفى عزالدين القاص والروائي المعروف ب(ياسين عزالدين)؟؟؟
    - نعم سيدي..
    - وإذا بتحضر في حلقتنا الحالية واللي على الهواء مباشرة ...مش الكتاب دة حقك؟؟؟ والصورة الفي خلفية الكتاب دي صورتك..
    - أي نعم أنا قدّام التلفزيون –حسب طلبكم-والصورة نعم صورتي والإسم إسمي ...لكن يا سيدي أنا عمري ما كتبت باللغة الإنجليزية ولا عمري نشرت كتاب بالإسم دة!!!
    - عفواً عزيزي المشاهد .....يبدو أن هناك لبس ما حصل.....
    ندى....
    هل كانت مصادفة –هي أيضاً- أن إختارك الكاتب (والذي من المفترض أن أكون أنا) لتكوني بطلة الرواية ، وكيف أسهب في وصفك بصورة كربونية لواقعك!!!؟
    ....
    ......
    ........
    {..لم يكن يعلم سبباً آخر لهجرته خارج الوطن سوى سلسلة الفشل التي لازمته منذ تخرجه من الجامعة....فشل أسري ، وآخر عاطفي وثالث مهني ورابع تنظيمي وعاشر إجتماعي......حتى ندى والتي ظن أنهما لن يفترقا إلاّ بالموت....هجرته ورضيت بالزواج من أحد أثرياء الفجأة متعللة بأنه تغيّر كثيراً وصار إنفعالياً أكثر من اللازم وليس بالوقار والحكمة الذين كانا يميزانه أيام الدراسة!!!
    وثالثة الأثافي كانت مقتل صديقه عماد في المعتقل.........
    آآآآآآآآآآآآآآآآآه يا زمان الفشل}

    - مقطع مترجم من الرواية رفض الملحق الثقافي للصحيفة -مدعية الريادة- نشره كجزء من دراسة عنها متعللاً بأنها مجهولة الكاتب بعد أن أنكرها ياسين عز الدين-
    أية مدن؟؟
    وأيّ ظلام هذا الذي يمتد –مثلها- بلا نهاية؟؟؟
    ولماذا فعل كاتبها وناشرها ما فعلا؟؟؟
    يا لحيرتي وأنا أرى أن اللغة المستخدمة والأفكار تشبهني كثيراً ، وكيف ولماذا عرف كاتبها نيتي في الكتابة عن مآسي مدينتي التي لا تنتهي ؟؟؟
    وهل يا ترى ستتحقق نبوءتي-أو بالأصح نبوءة الكاتب- بأن ينتهي واقعنا لما انتهت اليه الرواية؟؟؟

    - لكن تعرف يا ياسين!!؟؟ الرواية تحفة عديل ، ولو ما مكتوبة بي لغة ما مفهومة بالنسبة لغالبية الناس ، كانت بتدخل بالراحة ضمن الكتب البيقولوا عليها(غيّرت وجه التاريخ)..
    وكما عودتكم الإدارة الثقافية بقناتكم المميزة أنها دائمة الحضور وقريبة من المشهد الثقافي في كل أنحاء الوطن العربي ومواصلة لسياستها في ذات الإتجاه نلتقي الآن –سادتي- وعلى الهواء مباشرة هاتفياً بالروائي السوداني الشاب والمقيم بالمملكة المتحدة (ياسين مصطفى عزالدين) للحديث عن بعض أعماله الأدبية ، ولإلقاء مزيد من الضوء على كتابه الذي نزل المكتبات البريطانية حديثاً والذي اختار له الكاتب الشاب اللغة الإنكليزية ، كتجربة جريئة للكتابة بغير اللغة الأم :
    - آلو ..... أستاذ ياسين عزالدين؟
    - وعليكم السلام سيدتي ... ياسين يتحدث..
    - إستاذ ياسين بدنا تحكي للمشاهد عن كيف و ميتة بلشت تكتب بغير لغتك الأم ، وليش إخترت هالتجربة ، وعن كيف بتقيّم محاولتك الأولى عبر كتابك(Cities in dark)!!؟؟
    - بداية ....أشكر قناتكم الرائدة دوماً على هذه الإستضافة ، والتي أعتبرها تكريماً لشخصي المتواضع وللوطن الغالي عبر أحد أبناءه...
    حقيقةً .........فكرة الكتابة بالإنكليزية كانت تراودني ومنذ فترة طويلة .....و......و.....و.......
    لتغرق مدن كثيرة جداً .......في.... ذات الظلام!!!



    أمدرمان –أغسطس 2013م-


    http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=28305
                  

09-01-2013, 08:03 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    بلاد على المزاج.
    تماضر حمزة




    على مهلك يا صديقي، فما كل ما بيننا يؤتى على عجل،
    تقصّداً وضعت القهوة أمامك، فريثما آخذ تنهيدة،
    يأخذ الحاكم بأمرنا غفلته التي ننتظر؛ فتسترق رشفتك أنت،
    في اللحظة التي تلي وضعك لفنجانك،
    أكون أنا قد اتخذت مقاماً خفياً في أقصى قهوتك
    كذرّات سكّر عصيّة على الذوبان، لأبدأ الرسم من القاع هناك حيث الرؤية أصدق.
    الرسم بالمزاج ياصديقي ممتع وألطف الألوان وأكثرها حميمية بقايا البن.
    ابتكرت لنا بلاداً في لوحة، أتقنت اخفاء السماء فيها، لاحاجة لها،
    على ثوبي رسمت عددا مقدراً من النجوم.. وقد كان ازرق اللون،
    أعلى الثوب تبرز شمسان بدلاً عن واحدة،
    حتّى القمر "فتته" إلى قطع مضيئة صغيرة،
    وزعتها بالتساوي على النساء المنسيات عمداً في طيّاته،
    وتلك التي تحيك الليل حتى تلبسه الصباح، بأصابع مخلصة،
    عادلة ووفيّة، أصابع صابرة لا تمتلكها إلا امرأة، رسمتها حقل قمح خصيب.
    لماذا كل الرجال ياصديقي عيونهم تتراءى كعصافير؟
    بعدها، لم أحتج مراقبتها فعدلها كقلب أحب واحداً غمرها، فما ترك لغير الحب بذرة فيها.
    ولا عدل أعدل من ماكان أساسه المحبّة.
    والأرض ممتدة، ممتدة.. لولا أن خيالي قصير.. لكنت للان مشغولة برسم امتدادها.

    أنا لم أدع سبيلاً لانتظار فعل خارق،
    الواقعية أسهل الطرق للعقول.
    أو حتّى خرائط تُقذف من أعلى السحاب لتبيّن لنا "صراطاً" يسلّمنا لنهاية خرافيّة،
    وخلقت مدينة لا كالمدائن،
    لازال حبرها يسيل من لعب الأطفال، وملحها مجفف من ندى الجبين المنهك بسبب المحبة أيضاً. فكل الممارسات في مدينتي أصلها المحبّة.
    جدران البيوت فيها أغنية وعلى الموائد يلتهمون الشعر والقصص الطريفة
    ويضحكون على الفقر، خلقت عصافيراً كثيرة،
    اكتظت بهم المدينة، حتّى ان جناح أحدهم أكملته في الهواء، يلاحق إمرأة خارج اللوحة.. ياللعصافير!
    فاندلق اللون على الأرض ضاحكاً عليّ.
    كغصن مقطوع من أصله، شاخ في غير مكان مولده،
    كانت دروب الناس، مساحة محددة.. فكل ماعداها أنت.
    حمّلت الارض كمّاً من الظلال لو أنّها بقلب رجل لانعكست عليه آلاف النساء.
    حمدت البن أنّ الأرض أنثى.
    وابتكرت جوقة حاكمين تضعهم البلاد كقوس قزح،
    متى أمطرت ارتدتهم ومتى سكنت لصفائها ما عادت لهم حوجة.
    فكّرت قبلاً ان أضعه في جيبها، ثم تذكرت أن بلادي كالحقيقة عارية.
    استرد الحاكم انتباهه، أسرعت فحملت الفنجان فغسلت البلاد التي رسمت.
    أنا أرى السماء الآن فماذا كنا نقول يا صديقي؟


    http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=28284
                  

09-01-2013, 08:14 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    أغنية
    وضحى المسجن
    (البحرين)



    أستبقي من جسدي أصابع
    من وجهي عينين
    أصابعي لأكتب إليك،
    عيناي أفتحهما على اتساعهما
    وأترك الأشياء تتساقط:
    اسمي
    اسمك،
    قصيدتي،
    قصيدتك..
    ما يدلني عليك،
    وما يدلك عليًّ.
    ما الذي يمكن أن يحدث..الآن
    في هذه اللحظة
    وأنت تكتشف أنّا شبحان؟!
    شبحان ولا نصدّق
    شبحان ولا يرّف لنا جفن
    شبحان ولا نتخلى عن المحاولة.
    لماذا تفرط في التدخين كلما قرأت ما أكتبه إليك؟
    لماذا أبكي وأنا أكتب؟!
    لماذا لا نتصرّف كما يليق بشبحين؟!
    نعد القهوة لبعضنا
    نمشي الدرب ذاته،
    نغني الأغنية ذاتها "يا أعلى احساس شدني ..."
    صوتي ضعيف
    يتلاشى
    ..يتبدد

    لا تتوقف عن الغناء
    لكي لا أسقط مجددا
    لكي تتبين ملامحي
    أنا هنا على حافة العالم
    .. صدقني قليلا لكي أتجسد
    صدقني لكي أكون
    ...
    لا تترك الشِعر يربح.


    http://www.jehat.com/Jehaat/ar/DaftarAfkar/Salah13-8-2013.htm
                  

09-01-2013, 08:17 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    أقدام حافية تحت المطر
    أحمد باشا
    (سوريا)



    " في غفلة عن الكلام وُجِدنا
    لم يعرف أهلنا ما سِرُ البراري؟
    ما حجم الصحاري البيض في داخلنا
    النخلة التي كانت تَكسِر رتابة الصحراء
    اقتلعت من جذورها
    غصت السماء بأغانينا
    علمتنا نحن "حراس الوهم" :
    أن لا نبحث عن ذواتنا في الرمال
    فالرمال تخفي حنيناً تخبئ دفء من ماتوا تائهين
    تخبئ موتنا الذي لم نبح به بعد
    تتركنا تتركنا نسير على حطام ذواكرنا
    نستلذ بوقع أقدام الإبل
    بقرع الحقيقة لجدراننا
    فالفتاة التي احببتها أنتَ
    وأحبتك أيضاً كانت أنا
    هجرت نفسها
    لتبقى الصحراء وحيدة
    لتكون ظل السماء
    ومرآتها

    ***

    تفضحني عيني بتلونها
    كما لو أنني أكذب أمام أمي
    أسألُ ذاكرتي
    أستجوب أبناء الحي
    هل حقاً مات صاحب عربة السندويش؟
    هل أخفت القذائف أُثر قدميَّ الصغيرتين
    وذاك الطفل، هل أفشى سِرَ رسومي أمام الجند الغرباء؟
    أمام جحافل العسكر اختبأتُ وراء العربة
    مازلت اشتم رائحة الطعام من أخشابها المهترئة
    ثابتة تلك العربة .. مثلي
    لكن عجلاتها
    لا زالت تسير في الذاكرة

    ***

    على عجلٍ
    .. قبل أن أحضرَ قهوتي
    أكمل رسم صورة الخراب
    أجعلها أجمل، يشاركني كل أطفال الحي برسمها
    يعلو صوت البائع المتجول
    أحاول أن أتبع الصوت
    فأكتشف بأني تأخرت على عملي
    وفي كل مرة أعدُ فضولي:
    سأكملها غداً

    ***

    في القارة البعيدة لا يهمني كثيراً شأن من أحببت أنا
    كيف أضحى ملمس بشرتهم
    ولا أنشغل بالسؤال أبدأ عن رائحة إبط أطفالهم
    أربي الذكريات وحيدةً، بعيداً عن قسوة الزوج القديم
    وعن إلحاح الجميع عن معرفة أحوال عالمي
    العالم الذي طالما رسمته وحيدة
    لا يعنيني اليوم أبداً لا يهمني أن أبدو سعيدة أمام أحدٍ
    ففي كل حكاية من هذا الكون أجد نفسي
    في المسافة بيني وبين روحي ثمة لحن غريب...
    ثمة وقع كلمات
    لا تشبه أبداً غزل أبي
    ولكنني أشعر بمتعة التلصص ذاتها
    كما كنت أفعل أخر الليل
    الصوتُ رسمٌ
    همهاتُ رجلٍ غريبٍ
    كلما سمعته، خِلتُ نفسي إمرأةً وحيدة
    تسيرُ، ترقصُ بأقدامٍ
    حافيةٍ تحت المطر




    المصدر السابق
                  

09-01-2013, 08:26 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى محمد عبد الله حرسم.... (Re: بله محمد الفاضل)


    المُثقَّف والسِّياسِي



    صلاح ابوسريف
    (المغرب)




    ما لم نُمَيِّز بين المعرفة والأيديولوجيا، أو بين العمل الثقافي والعمل السياسي، لا يمكن أن نضمن استقلالية الثقافة عن السِّياسة، أو تَمَيّزَها عنها، في أقل تقدير.
    إذا كانت الأحزاب والنقابات، في فترات سابقة، وخصوصاً في لحظات المواجهات العنيفة بين النظام واليسار، اعتبرتْ الجمعيات والمؤسسات المدنية المختلفة، وبينها المؤسسات الثقافية، أذْرُعاً للنضال، والمواجهة، وهو ما سينخرط فيه المثقفون بدورهم، فاليوم، لم يعد هذا مُمْكِناً، لأسباب عديدة، بينها:
    ـ الهيمنة المطلقة التي كانت للسياسي على الثقافي، واستعمال ‘الحزب’ للثقافة كواجهة، في غياب فهم واضح لدور المثقفين في صياغة مشروع ثقافي، هو ما يمكنه أن يُجَدِّدَ، أو يُعيد تفكير المعنى الأيديولوجي، أو الفكري، للسياسيّ، أو لـ ‘الحزب’.
    ـ انعدام الحوار، بين السياسي والثقافي، أو شراكة المثقف في اتِّخاذ القرارات، بما يعنيه ذلك من هيمنة كاملة للسياسي، وتهميشه لرأي المثقف الذي كان، في بعض حالات النقاش، يبدو خارجاً عن دوغمائية السياسي، أو الحزب.
    ـ عقدة ‘المثقف’ التي كان السياسي يَسْتَشْعِرُها دائماً،. وهو يقرأ، أو يستمع لخطابات، ونقاشات المثقفين، في ما يَهُمّ الشأن السياسي. فالسياسيّ، أو الحزبي، بالأحرى، هو شخص، لا يملك أفُقَ نظرٍ واضح إزاء ما يقوله، أو يفكر فيه، لأنه يكتفي براهن الأمور، ولا يستطيع قراءة ما يجري، في سياقاته التاريخية والمعرفية التي يمكنها أن تُضيء ما يبقى مُعْتِماً في نظر السياسي، ما يؤدي إلى وقوع زَلاَّت، وأخطاء في تحليلاته، وفي فهمه لما يقوله، أو يُدْلي به من تصريحات، وأقوال.
    ـ المثقف، بطبيعته، ينظر للمسألة، كيفما كان شأنها، بنوع من الحذر، والتَّرَوِي، وبنوع من القراءة المتأنية، الفاحصة، العارِفَة، وهذا ما لا يقبله السياسي، الذي هو شخص، مِتَسَرِّع، اسْتِعْجالي، يريد أجوبة، ولا يريد أسئلة.
    ـ انتهازية السياسي إزاء المثقف، فهو يعتبره قِطْعةَ غيار، يستعملها في لحظات العطب، وحالما تتحرك الآلة، لا يعود لهذا المثقف مكان في حسابات السياسي.
    ـ الهيمنة المطلقة، داخل الأحزاب السياسية، والنقابات، لغير المثقفين، على دواليب تسيير القطاعات لمختلفة للحزب، أو النقابة، وفي حالة وجود مثقفين في قطاع من هذه القطاعات، فهم يوجدون بالصفة السياسية، أو النقابية، لا بصفتهم مثقفين، لهم زاوية نظر أخرى، ولهم معطيات أخرى، تحليلية نقدية، ولهم رأي إخر، مختلف، ربما،لا يتوفر للسياسي، أو النقابي. فالحِرَفِيون، والمهنيون، أو ‘التقنيون’، ممن يمكن اعتبارهم، تجاوزاً ‘خبراء’، وهم بمثابة الإطفائيين، هم من يُهَيْمِنون على الحزب والنقابة، ويقصون غيرهم، ممن يبدو فكرهم مخالفاً لفكر الحزب والنقابة، أو يسعى لتصحيح انحرافاتهما، أو ما قد يكون من قبيل الانحرافات، أو الأعطاب التي يمكنها أن تفضي لتخلُّف الحزب أو النقابة.

    ـ ثم إن المثقف، هو شخص لا يستقر على فكر ثابت راسخ، أو على عقيدة نهائية، حاسِمَة، أو على نفس الجملة، يُعيد تكرارها، بنفس الترتيب، دون ملل، أو كَلَل. فالمثقف، قَلِق، مِلْحَاحٌ، لَجُوجٌ، انتقاديّ، مُدَقِّق، فكره النقدي يقوم على التفكيك، والحَفْر، والشَّك، وهو كثيرُ الرِّيبَة، ولا يُجيد ثرثرة النقابي والسياسي، وتعبيراته الإنشائية الخَطابية التي نتقصُها كل أدوات ‘الخِطاب’، بما تعنيه الكلمة من معنًى، في سياقها المعرفي. وهذا بين ما يجعل المثقف غير مرغوب فيه، في الحزب والنقابة، وحتى في مؤسسات الدولة التي تقوم على القبول والطَّاعَة، وتثمين القرارات، دون تفكيرها، أو مناقشتها.
    هذا بين أهم الأسباب التي تُضاعِف الهُوَّةَ، بين المثقف والسياسي، وتجعل المسافة بينهما هي مسافة غير قابلة للتَّجْسِير، كون السياسي لا يقبل بالاختلاف في الرأي والنظر، أو يعتبر ‘الانضباط’ لقرارات الحزب والنقابة، شرطَ تعاقُدٍ، بين ‘القيادة’ و ‘القاعدة’. والمُتأمِّل في بعض هذه الاستعمالات الحزبية والنقابية، سيدرك معناها العسكري، وهو ما كان سقط فيه غرامشي نفسه حين أكَّد على مثل هذه الاستعمالات، في حديثة عن دور ‘هيئة أركان الحزب’، وفي تسميتها، بالمعني التَّسَلُّطِيّ التَّحَكُّمِيّ، كما كنتُ كتبتُ في مقال ‘العنف السياسي، بين السيف والميزان’.
    الجمعية، أو المؤسسة الثقافية، لا تحتاج لتزكية السياسي، أو النقابي، فالمثقف، حين يعمل بصفته هذه، لا بِغَيْرِها، فهو يساعد السياسيّ المتنوِّر، غير الدوغمائي، أو الأرثودكسي المتزمِّت لفكره، وعقيدتخ، ولطريقته في قراءة الأشياء وتحليلها، على النظر في مرآته، بغير العُمْق الصَّقِيل الذي تَعَوَّد أن ينظر به لنفسه، بل بعمقٍ، يفضح تَشقُّقَات الوجه، وتصدُّعاته، أو ما يمكن أن يفعله فيه الزمان من أفاعيل، لم تكن تكفي عين السياسي، المتعودة على رؤية ما تريد أن تراه، لتكشفه، لأنها فاقدة لبعد النظر، وتكتفي بما هو آنِيّ، لَحْظِي، لا غير.
    العمل الثقافي، هو قاطرة العمل السياسي، وليس العكس. المثقف، هو من يقود السياسي، وليس العكس. فالسياسي، كثيراً ما يقوده عماء الأيديولوجية، لكن قراءته لتحليل المثقف، ولِما يقترحه من أفكار، يقوده للضوء، ويخرج به من الظلمة التي، هي مُشْتَرَك ‘الأصوليات’ سواء أكانت سياسية، أو دينية.
    بدا لي، وأنا أتابع بعض ما يجري في العمل لجمعوي، في أكثر من مكان، أن السياسيَّ، شرع، بعد تراجعاته السابقة، في استقطاب المثقفين، أو بعض المثقفين، وفي استعمال بعض الجمعيات، أو بعض المؤسسات الثقافية، لاستعادة ما فقده من أذْرُعٍ، ليس بتفكير دور الجمعيات، والمثقفين، في استقلاليتهم، بل بالتبعية، وهو ما كان من قبل، وكأن لا شيء تغيَّر بين الأمس واليوم.
    فتجييش ‘المناضلين’ وتعبئتهم، لاختراق المؤسسات الثقافية، هو بين ما يمكنه أن يعود بنا إلى الوراء، ويجعل مصداقية العمل الثقافي، و ما يمكن أن يكون للمثقفين من عمل، في استقلال عن الحزب والنقابة، وربما في نقده لهما، تموت، في مقابل ‘المثقف’ الذي سيقبل أن يلعب، مرة أخرى دور قطعة الغيار، أو الكومبارس، في مسرحية قديمة، بنفس الحوار، وبنفس الممثلين، ونفس الإخراج، الشيء الوحيد الذي يكون تغيَّر، هو الديكور، وبعض الأكسسوارات الصغيرة والجُزئية، أو الماكياج، بالأحرى.
    كان الروائي الراحل، عبد الرحمن منيف، في أحد أعماله النظرية، حول الثقافة والسياسة. انتقد هذه الهيمنة، وهذا الاحتلال، والتَّحَايُل الذي يستعمله السياسي، لامتصاص المثقف، وتهميشه بالتالي، من خلال ازدراء رأيه وفكره، رغم ما في فكر السياسي من جهل، وخلط، وضيق أفق، في مقابل فكر المثقف، وعُمق نظره.
    الثقافة هي أرض تقبل بالحوار، وتقبل بالنقاش والاختلافات، كما تقبل بكل المعارف التي تسمح بتوسيع أفق النظر، في رؤية المثقف، وفي تفكيره، وما يؤسس له من أسئلة، وما يطرحه من قضايا، أو إشكالات، لكنها ليست أرضاً تابعة للسياسي، يدخلها وقت ما شاء، ويخرج منها وقت ما شاء، وكأنها أرض بلا حدود، وبلا طبيعة خاصة. ففصول أرض الثقافة، هي غير فصول أرض السياسة، التي يمكنها أن تتشبَّث بنفس الفصل إذا كان سيُسْعِفُها المطر، في توسيع حجم الكارثة التي، عادةً، ما يستعملها لسياسي، بغض النظر، عما قد تُسَبِّبُه من خسارات في الأرواح، وفي البنيات المختلفة للوطن، لتحقيق مكاسبَ تجعله يحصُد الأصوات التي ستأخذه للسلطة، ومواقع القرار، كما هو حادِثٌ اليوم، في مصر، في ظل حكم ‘الإخوان’، أو في تونس، ‘حزب النهضة’.

    حسابات السياسي، والنقابي، هي غير حسابات المثقف، واستقلالية المثقف، والعمل الثقافي، هي قبل أن تكون في صالح المثقف، فهي في صالح السياسي، الذي عليه أن يخرج من صوته المفرد الوحيد، ليستمع للصوت الآخر الذي ينقصه، دائماً، في التحليل، وفي القراءة، وفي النظر، قبل أن يتخذ قراراته، التي قد تكون رَعْنَاء، وتجلب ما لا يمكن تصوره من مشكلات، وهذا ما حدث، عندنا، في المغرب، بالأمس القريب، حين تَمَّ اتِّخاذ قرار ‘التناوب التوافقي’، دون وضع هذا الشرط في حسابات السياسي، الذي عاد بعد إخفاقه ليعترف بأخطائه، وبما واجهه من مشكلات، لم يكن يتوقَّعها، أو لم يُرِد أن يفكَّر فيها، لأنه كان مُنْشَغِلاً بغنـــائم السلطة، وبإغراءاتها، وبما احْتَلَّه من كراسٍ، وهو ما يحدث اليوم للإسلامويين في مصر، وما يعيشه أخوتُهُم في المِلَّة، هنا في المغرب، وهو، في ما نسمعه، ونقرأه، ونراه في ما يجري، في أكثر من بلدٍ عربي، من البلدان التي قامت فيها الثورات ضد الأنظمة العسكرية الاستبدادية، لتجد نفسها في مواجهة أنظمة دينية استبدادية جاهِلَةٍ، وعمياء، أو بتعبير ابن رُشد فإنَّ ‘شَرَّ الظُّلْم ظُلْم رِجال الدِّين’.
    لا معنى لِسَعْيِ السياسيّ للهيمنة على الثقافة، واسْتِدْراج المثقفين، بعد تجاهُلِهِم، ورفض أفكارهم، وما كانوا يقدمونه من انتقادات، إزاء إخفاقات السياسي، حين اختار السلطة، وذهب إليها بدون برنامج، وبدون شروط. كما لا يمكن للمثقف أن يكون مُغَفَّلاً إلى هذا الحد الذي يجعل منه عَجَلَةَ احتياط، في سيارة، العطبُ موجود في مُحَرِّكِها. فالسياسي حين وجد نفسه، بدون أدْرُع، تخدم مصالحَه، وتقوي مكانتَه، عاد ليستجدي المثقفين، والجمعيات الثقافية، ولعل ما حدث في انتخابات الهيئة المسيرة لاتحاد كتاب المغرب، بين طَرَفَيْن من نفس الحزب، حول من يكون الرئيس، واحتلال بيت الشِّعر في المغرب، بالانقلاب على مشروعه، وبرنامجه، وما كان أَسَسَ له من أفكار، من قبل نفس الذين انهزموا في انتخابات الاتحاد، ما يكفي لفضح هذا التهافت السياسي، على استقلالية، وخصوصية المثقفين، والعمل الثقافي.

    القدس العربي- 8-8-2013
                  

09-01-2013, 02:06 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... (Re: بله محمد الفاضل)

    الغائب الأخلاقي... التسامح
    عبدالله النغيمشي
    الأحد 24 مارس 2013



    تتماهى قيمة التسامح، وأعلى عتبات الإنسانية، وتشارف أن تكون رديفاً موضوعياً لها،
    إذ اشتمال التسامح مجموعة القيم العليا التي تبتني السلام والتعايش من خلال المشتركات والتعاذر في المختلفات الثقافية لمصلحة المجموعة والفرد،
    التسامح يأخذ أهميته الأثيرة والمؤثرة من حيث تسربله بملاءة منظومية أخلاقية متعددة، كما اشتماله مجموعة القيم الكبرى التي لا تجد أهميتها وتأثيرها من دون قيمة التسامح...
    ذلك أن هذه القيمة العليا هي الضمانة الفارقة في وأد التبعات والذيول التي تخلفها الخصومات والخلافات (الفكرية/ المذهبية/ السياسية)
    والتي غالباً ما تكون مخلق الكراهية والضغينة المتبادلة،
    كما أن هذه القيمة «التسامح» تمتلك إمكان زحزحة بقايا الكراهية القديمة التي ظلت ماكثة في اللاوعي بفعل «توارث الكراهية»...
    ولأن الوعي يحتفظ بالكراهية كعادة ذهنية راسخة ملازمة للوعي التقليدي،
    الذي يستبطن لا شعورياً منافرة المختلف،
    كان من المهم استعادة القول والحكي في التسامح استدعاء له وتوسلاً بجنابه الأثير بحثاً عن خروج من نفق الكراهية...
    خصوصاً ونحن نمر بمرحلة تتزايد فيها شحنات الكراهية التي يتناوب الفرقاء في إذكائها وتسليعها.

    ثقافة التسامح ظلت الغائب الأكبر في ثقافتنا،
    ممهدة الطريق لهيمنة ثقافة التنافر والكراهية المتبادلة من دون مبرر يستدعي هذا الكم من التكاره المنهجي المذرر للحمة والوئام الوطني،
    بتنا نستبدل بمناخ التسامح المعتدل أجواء الكراهية الساخنة التي تجذذنا كثيراً من إمكاناتنا وممتلكاتنا في الصعد كافة،
    ممعنين في نفق التقهقر والتراجع، في الحين الذي كان بإمكاننا أن نجتمع في أفق التسامح والتعاذر الرحب،
    حفاظاً على المكتسبات وحراسة لبيتنا الاجتماعي والثقافي والوطني...
    التخلي عن التسامح والتعاذر ليس حكراً على فئة من دون فئة في ساحتنا الثقافية،
    فكل فئة تدعي التسامح وتلقي الملامة على الأخرى في نشر الكراهية والاستعداء الرسمي والشعبي، مدعية أنها حامل راية التسامح.

    الناظر في وسطنا الاجتماعي والثقافي باحثاً عن أسباب جوهرية مقنعة تستدعي هذه الأجواء المتوترة/ الموتورة، ما بين الأضداد،
    لا يكاد يطالع ما يستدعي هذا الفيح من هجير الكراهية المحموم، لن يجد دواعي وأسباباً جوهرية فارقة توازي الحجم ذاته،
    الذي ننتجه ونستكنه من مشاعر وتجهم فكري تجاه الآخر المختلف من بني عمومتنا وطنياً...
    بل العكس، فالخصومات بين الأضداد غالبها في قضايا لن أتردد في وصفها «حواشي وهوامش»،
    وفي جزئيات فرعية لا تتماس والأصول والقواعد التي قد يتواضع على تسميتها ثوابت (دينية/ اجتماعية/ فكرية).

    برأيي أن قضايا الصراع السجالية التي تحسب مؤجج الكراهية قد لا تكون هي مخلق المنازلات والمناكفات الحقيقي في وسطنا الثقافي
    «والتي كما قلت إنها غالباً ما تكون صغيرة ولا تستحق أن تكون صانعاً للكراهية»،
    وإنما تكمن صناعة الكراهية واللاتسامح وراء أي قضية (دينية/ اجتماعية/ فكرية)
    في كائن الكراهية الأيديولوجي الرابض خلف القضايا السجالية التي يتخذها الأضداد كذرائع لتهديم وإقصاء الآخر...
    ما يعني أن ما نشاهده غالباً من صراع ما هو في حقيقته إلا كراهية أيديولوجية مجردة، وما يتم ترويجه من غيرة وحمية
    ما هو إلا ستار للضغينة غير الموضوعية المستترة بسربال قضايا هامشية لا تستحق حجم الكراهية الذي يتم ترويجه...
    ولأن الأضداد في ثقافتنا يتعاطون روح الكراهية والإقصاء الدوغمائي الضغائني غير الموضوعي،
    كان سبيلهم التمويهي أحياناً في تشويه وتهديم الآخر، افتعال قضايا قد تصل لمحاولة التخوين، وصناعة الفضيحة، والدخول في ممارسات فكرية لا أخلاقية.

    ما يغتال التسامح الأخلاقي في ثقافتنا وهمان:

    - افتراض كل معسكر أنه المسؤول الحقيقي عن إدارة الوعي وحراسته، وأنه العليم بمصالح وخيرية المجتمع،
    وأنه الامتداد الطبيعي للمجتمع من دون سواه، ما يشي بنرجسية فكرية عميقة لا تستوعب غير ذاتها.

    - التبخيس المتبادل ما بين الفرقاء، الذي يصل لمستوى الاتهامات العريضة،
    ذلك أن المحافظين يرون في أنفسهم الخيرية، وفي غيرهم الضلال والانحراف، واعتبارهم خبيئة تغريب، وعملاء للأجنبي، الذي ينتوي تغريب الأمة... إلخ،
    في المقابل دعاة المدنية الذين يرون في ذواتهم أنهم حبل الخلاص والنجاة من التخلف...
    وأن المحافظين أعداء للتمدن والتحديث، وأعداء للرأي والرأي الآخر، وحرية التعبير، وحرية العقيدة... إلخ... وكل يدعي وصالاً وسهراً مع ليلى.

    برأيي أن الكراهية ليست طارئاً على ثقافتنا، بل هي صوتيم ممتد عمق تاريخنا «العربي/ الديني»،
    وليس قول عمرو بن كلثوم «ونشرب إن وردنا الماء عذباً/ ويشرب غيرنا كدراً وطيناً»... إلا بعض قولنا ووعينا...
    وما نموذج الكتاب الديني القديم، «الصواعق المرسلة على المعطلة والجهمية»، إلا شيء من إرثنا اللغوي الديني،
    الذي يمتهن ويشرعن المنافرة والكراهية...
    ما يعني أنه لا تاريخ للتسامح في ثقافتنا... ليس عيباً في تراثنا الديني الذي هو إسلام الله «إسلام النص»،
    وإنما في «إسلام التاريخ»، الإسلام الذي اعتمد الإضافات والمزايدات البشرية منذ تهدم ما يُسمى الخلافة الراشدة حتى الراهن المُعاش. «الحصاد»...
    الكراهية انبعاث تنتجه الثقافة التي لا تعتبر الآخر شيئاً مذكوراً، وأن ما عدا تخومها الفكرية ظلال وجهل وانحراف لا يستحق أن يتنزل معه في حوار،
    بوصفه خارج محازة الحقيقة المطلقة... ثقافة التسامح ضمانة أخلاقية للوئام الوطني والفكري والاجتماعي،
    ذلك أن التسامح قيمة تعني الوجود والسلام والاستقرار، كما هي رديف موضوعي للطهرانية الإنسانية.



    http://alhayat.com/OpinionsDetails/496061
                  

09-01-2013, 03:23 PM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7328

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... (Re: بله محمد الفاضل)

    هذه ليست مناولة يا استاذ بلة محمد الفاضل
    هذه فرصة للمتاوقة في عقول و قلوب نابضة بالحياة فلكم الشكر الجزيل
                  

09-01-2013, 05:50 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... (Re: طه جعفر)

    هي كذلك يا طه
    لكنها تبدأ بالمناولة أولاً
    وليتك تناولنا كذلك
    فجعبتك لا ريب زاخرة بما يستحق



    ..........
    ليتك يا طه
    لا تسبق اسمي بشيء
    هكذا أجمل بالنسبة لي
    ومريح في التعامل والأخذ والرد

    سلمت
                  

09-01-2013, 03:46 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى جميع الفرقاء، اختلفوا بحُب.... (Re: بله محمد الفاضل)

    مزالق الحوار
    النور أحمد علي



    إدوارد دو بونو من مواليد مالطا 19 مايو 1933،
    ويحمل الجنسية المزدوجة المالطية -البريطانية. حاصل علي إجازة الطب من كلية إدوارد ،ثم الجامعة الملكية المالطية،
    ثم دكتوراة في الطب وعلم النفس من جامعة اكسفورد،
    يعتبر دو بونو مؤسس علم التفكير الإبداعي «المفارق» « The Lateral Thingking» وله في هذا المجال اكثر من 75 كتاباً، واكثر من معهد ،
    في مختلف القارات لتدريس التفكير الإبداعي. وهو محتفر مصطلح «Po» وذلك في كتابه الموسوم «Po beyond Yes and No».
    وهو يعني التفكير ما بعد التقليدي، حيث ان «Yes» و«No» ادوات التفكير التقليدي - النطقي- ويعنيان الخطأ والصواب، وهو،
    ايضاً، مؤسس« امانة الابحاث المعرفية»1969م
    وحيث ان الحوار هو المطلوب الاول في ساحات الوطن العربي السياسية الملتهبة هذه الايام ،
    وهو مطلوب علي اكثر من صعيد، لذا رأيت ان اقوم بهذه المحاولة، لترجمة القسم الثاني من الفصل الاول من كتابه:
    Conflects A Better Way to Resollve Them
    وعنوان هذا الفصل
    «WHAT IS WRONG WITH ARGUMENT»
    والكتاب طبعته لأول مرة موسسة «HARRAP»1985م. اما هذه الترجمة فعن طبعة «PELICAN»1986

    مزالق الحوار

    يعتبر الحوار من أعرق تقاليد التفكير الغربي وأجلها، وقد اعتمدته كثير من الثقافات ويستخدم في أنظمة الحكم وقاعات المحاكم .
    ومهما اختلفت تسمياته: حجاجا،ً مناظرة، جدلاً ،، أو حتى صدام فعائد استخدامه يكون واحداً .
    وأنا أحاول في هذا القسم من الكتاب مهاجمة محتوى هذا المفهوم في العمق، سأهاجمه بعنف، ولكن الطريف في الأمر أنني سأستعمل منهجه في مهاجمته .
    دعني أقول مبدئياً، أنني أجد الكثير من الميزات في طريقته، ولكن، وتحت سطوة استقطاب الحوار، أجدني مرغماً على مهاجمته كأنما هو خطر،
    أو غير ذي جدوى، وفي الحقيقة أنني أجده شديد الخطورة، وفي نفس الوقت ليس عديم الجدوى، فالطبيب غير المؤهل، وبحسن نيته في تأهيله،
    قد يعطي مريضاً علاجاً خاطئاً يودي بحياته، قطعا،ً فهو ليس بقاتل، ولكن براءته حيال تأهيله، أدت إلى نتيجة تَصُفه في صف القتلة، ولكنه ليس برجيم ولا وحش .
    هذا هو بالضبط ما أحسه تجاه الحوار، أحسّ أنه أسيء استعماله من خلال التقدير المفرط حيال جدواه .
    أعتقد أن دواعي استعماله بهذا القدر من البراءة، لأنه يبدو مفيداً، ولأنه ليس هناك من بديل منظور له .
    وعلى كل فإن نمط الحوار خطير جداً ، لعدم كفائته، وحسن الظن به يجعله أكثر خطورة، لأنه يكف أيّ محاولة لتطوير بدائل أخرى، أكثر فائدة منه .
    لا أود الخوض عميقاً في تاريخ هذه الظاهرة، فهي قد بدأت مسيرتها في فضاء المصطلحات منذ حوارات أرسطو الفلسفية، والتي تبدو أكثر نزقاً من التعرف المتمهل،
    وقد عُمدت الطريقة وطورت بواسطة عَمَدة التفكير الكنسي في القرون الوسطى، وقد كانت في ذلك الزمان، تفي بحاجاتهم الماسة لمواجهة الهطرقة التي كانت منتشرة بكثافة
    وقتها، وإلى حدّ ما يبدو هذا النظام معلقاً فيما يخص مفاهيم الله، والعدل، والكمال، وهذا متسق تماماً مع دلالات مفهوم الجدل،
    وقد حقق المصلح الكثير من الإنجازات في هذا الجانب، ولكن القديس أوغسطين، الذي ورط نفسه كثيراً في مثل ذلك الجدل ولتغطية عجزه فيها اخترع مفهوم «رحمة الله» .
    لقد استخدمت الكنيسة نمط التفكير الغربي في الثقافة والتعليم من خلال ترسيخ تقاليد هذا الحوار، وهناك، أيضاً الكثير من الأسباب، منها طرائق التوظيف،
    وقد أحتل هذا النسق مكانة واسعة عند الفلاسفة .
    يجب التأكيد أن مصطلح الحوار، كان دائماً دعامـه أساسيـة في طرائق مواجهة الأزمات، كما أنه يعتبر بحدّ ذاته نموذجاً لمتخرجات لهذا النوع من التفكير .

    كيف يفترض ان يعمل نمط الحوار :

    نفترض أن هناك فكرة تحتاج التغيير أو هناك فكرة نعتقد أنها خاطئة، أو هناك حالة، أو إدعاء، أو وجهة نظر تحتاج النقض - هناك عليك التحفز لمهاجمة ما يواجهك .
    هذا يعني أن هناك فرضية، وعليك تفكيكها ونفيها، السير المنطقي لهذه المواجهة يفترض أن يؤدي إلى المواءمة بين الأطروحة ونقيضها،
    بتخلق أحسن ما فيهما في فكرة جيدة . هذا افتراض فيه الكثير من حسن النية، إن لم نقل العبث، ففي الحقيقة أن هذا لن يحدث إلا نادراً،
    ليس من الصعب ملاحظة لماذا دائماً يكون الحاصل أقل من المتوقع، فالشاهد هناك قليل من الجهد يبذل من كل المتحاورين للاقتراب من أحسن مما في فكر محاوره .
    وفي أحسن الأحوال تكون هناك مساومة حذرة، وربما تراجع طفيف في الموقف .
    نظرياً، يكون نمط للتحليل والتركيب جاذبيته المبنية على أناقة الحوار، وحيويته، ولكن بانزاله إلى أرض الواقع تبان عطالته،
    ربما كان لذلك قيمته في حقل العلوم بالرغم من ازدحام تاريخ العلوم بالكثير من المعارك العلمية الفاسدة في مواجهج النظريات البائدة .
    ما يحدث على أرض الواقع، إن أحد المتحاورين يجب أن ىكون منتصراً والآخر مهزوماً،
    في أبسط محاولة لاختبار فعالية المصطلح وتكون النتيجة النهائية هي قوة أحد المتحاورين، ليس من ناحية البراعة أو الجودة،
    وبذلك يصبح المهزوم أكثر تزمتاً وعدائية - والمنتصـر أكثـر زهواً، والاثنـان أكثـر بعداً عن مناطق الاستكشاف .
    قبل الولوج إلى نقطة الاحتفاء والهزيمة، يجب أن نلقى نظرة فاحصة على موقف كلا الجانبين، فالمهزوم يتنامى حقده وتعصيه لوجهة نظره،
    والمنتصر أكثر يقيناً بجدوى آرائه وتسقط محاولة بلورة الآراء بينهما، وفي النقاط التالية ما يلخص الموقف كاملاً .
    1- كل طرف من المتحاورين يصبح أكثر تزمتاً في مواجهة الآخر .
    2- لا أحد منها يخطو نحو تطوير فكرته اعتماداً على ايجابيات فكرة الاخر .
    3- يُهدر الكثير من الوقت والجهد حتى يصلان إلى منطقة مغلقة لا يمكن تجاوزها مهما امتد الوقت .
    4- لا تتجه قدراتهما الابداعية نحو تحسين الفكرة مثار الحوار ولكنها تتجه إلى المواجهة بين الرأيين .
    5- وفي نهاية الحوار تبيان أي الفكرين أقوى، ولكنها ليست بالضرورة الأحسن .

    استكشاف المصطلح :

    المصطلح الذي سأتناوله هنا له علاقة بالمصطلح الياباني بالرغم من مثالية الثاني، أنا لا أسبق عليه أية أفضلية منسوبة لمزاجه الياباني، إنه مصطلح يفرض منطقه الخاص .
    تعد عبقرية المكان ميزة لليابانيين، فهي تمنحهم فرصة التعرف على عادات الحوار الأوروبية، فاليابان،
    ولعهود طويلة ظلت دولة اقطاعية تسودها انظمة التفكير التي ينتجها هذا الفضاء، وهي عادات تفكير راسخة ضمن هذا النسق وتلك الجغرافية،
    بكل اعتباراته واخلاقياته، وفي مثل هذا النسق، فإنه من السيء جداً أن تقول لشخص ما، أنك مخطئ أو أن فكرتك خاطئة، وقد يصل الأمر حدود التجريم،
    أن تقول أن شيئاً ما يجب أن يغير ، وعليه فإن علل المصلح الغربي لم تتسلل إلى مثل هذا النظام .
    «إن هذا الشيء ممتاز، ومكتمل، ولا يمكن تغييره!»
    دعنا الآن نبدأ التعرف إلى العقلية الغربية، وعاداتها في التفكير في مثل هذه الحالة، والتي يظهر التناقض جلياً فيها، فإذا كان الأمر ممتازاً ومتكملاً ،
    حسب المقتطف، فلماذا نبذل الجهد لفحصه؟
    في فصل لاحق سأتطرق للمصاعب التي تتخلق داخل نظام المفاهيم الغربي في ما يختص بالتناقضات،
    والتي توجد أساساً في جذور المنطق اللغوي الغربي ، دعنا الآن نلاحق المصطلح الياباني، الذي ظل متماسكاً حيال مثل هذه التناقضات التي تصيب المصطلح الغربي .
    في فضاء المصطلح الياباني للحوار ، يبدأ كلا الجانبين المتحاورين فحص موضوع الحوار، وكلاهما يبحث عن أحسن الأفكار لدى الطرف الآخر،
    وكلاهما ينظر بايجابية لما عند الآخـر من أفكار . باختصار حلّ الفحص الدقيق مكان الحوار .
    من المهم الآن أن نلحظ أن الجهد المبذول في منهج الحوار الغربي أقل انتاجية من النمط الياباني، وفي حال توصل الجانبان إلى فكرة جديدة،
    جيدة فإن طاقاتهما تتجه إلى اعتماد تلك الفكرة الوليدة ورعايتها، على العكس من النموذج الغربي، والذي فيه تتصارع الأفكار، وتهاجم بعضها بعضاً، ولا تزال،
    وفيه تعطل الفكرة، ويبطل استعمالها، في هذه الحالة فمن الخير تجاهل الفكرة المبعدة تماماً، لأن اثارتها تمدد في حياتها .
    نصل الآن إلى أكثر الظواهر إثارة، وذات الوثاقة بنمط الحوار الغربي .
    إن المحققين اليابانيين إذا عجزوا عن التوصل إلى فكرة جيدة، فإنهم يعودون، وببساطة إلى الفكرة القديمة، ذلك أنها لم تهاجم ولم تشوه،
    وإنما تركت طليقة ترعى في حفل الأفكار، وهذا مباين تماماً لنمط الحوار الغربي، حيث هناك تهاجم الفكرة بعنف وتدمر، بحيث تصعب اعادتها إلى حيوتها السابقة،
    وفي هذه الحالة، ولعدم وجود بدائل محتملة ومفيدة تعم الفوضى المجتمع، هذا هو العبث بعينه. ويعاد البحث من نقطة الصفر بحثاً عن آلية تنتج أفكاراً جديدة .
    هناك ميزة أخرى لمنظومة التفكير الياباني، ففي حين أن فضاء التفكير الغربي لا يقبل بحث أفكار جديدة، حتى يتبين فعلاً عدم فاعلية ما كان متحققاً،
    هناك الكثير من الأشياء ذات الجدوى والتي لم يتبين خطأوها، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من المواضيع المدرسية القيمة،
    ولكنها تحتاج فسحة أكبر من الزمن حتى تنتج جدواها .
    فمن البديهي أن نجد في مشهد النظام الياباني الكثير من الأشياء المفيدة، وفي نفس الوقت نجد الكثير من الجهد يبذل لتطويرها وزيادة فاعليتها،
    وهذا بالتحديد ما أدى إلى نهضة اليابان .
    أريد أن أكون أكثر تحديداً هنا، فليس لي غرض من تقريظ نظام التفكير الياباني، فقط لأنه ياباني،
    ولكن لابين أن نظام التفكير الغربي ليس هو القطب الوحيد الذي يمكن يقود مباشرة إلى الإزدهار ،
    ولذلك أضع في مواجهته نظاماً لا يخضع لنسقه، ومع ذلك، يظهر نجاعة في فضاء استعماله .
    ففي الفضاء الياباني تسود نفس خصائص الإحساس بالقوة، والجشع، وحبّ الذات، وقد واجهوا الحروب والأزمات والتصادمات التي تنتجها هذه الخصائص،
    ومع ذلك، وبالرغم أنهم لا يعتمدون نسق التفكير الغربي، إلا أنهم خطو خطوات كبيرة نحو التقدم، وذلك باعتمادهم نظام التفكير الذي اقترحه في هذا الكتاب .
    ولكن أجدني في مواجهة نوع آخر من التحدي يضمره هذا السؤال، إذا كان اليابانيون جديرون في هذا ؟، لماذا هم دائماً خلف الغرب،
    في مجال الاختراعات وفي العلوم بصفة عامة؟ فاليابانيون جديرون فيما يسمى«نظام القفذات أو تركيب الاختراعات، ولكنهم متواضعون في ما تواضع عليه باسم الطفرات،
    لأن هذا النوع من التفكير الطفري يحتاج إلى ذهنية متفردة تتبع منهجها الخاص في الإبداع والتخطي، متناسياً كل ما يثيره المحيط حول أفكاره .
    فعندما قرر Frank Whittle على تصميم المحرك النفاث، أثارت أفكاره الكثير من السخرية من زملائه العلماء، ولكنه لم يلتفت إليهم، ونجح،
    وكذلك ماركوني الإيطالي المولد، البريطاني الجنسية، وقد منحته هذه الميزة - وجودة في بريطانيا - فرصة التفكير المتفرد، فهو كفيزيائي،
    يعرف أن موجات الراديو ذات مسار مستقيم، حسب قوانين الفيزياء في عصره، ولا يمكن أن تتبع مساراً منحنياً حول الأرض، وهذا ما يحتاجه البث الإذاعي .
    وعلى الرغم من كل الاعتراضات المنطقية والعملية التي أثارها زملاؤه العلماء، إلاّ أنه واصل تجاربه العنيدة من نيوفاونلاند، وقد اعتبره زملاؤه مجنوناً،
    ولكن تفكيره العنيد والمتفرد قاده إلى النجاح، لأنه اكتشف أن طبقة الايونوسفير تعكس الموجات اللاسلكية إلى الأرض .
    أن التفكير المفارق، يحتاز نوعاً من المنطق الداخلي والقناعات الذاتية، بحيث لا يحتمل التعميم، وقد يعتبر محتازه شخصياً ، شاذ التفكير، أو مختل عقلياً.
    ففي فضاء الثقافة اليابانية، يصعب وجود هذا النوع من التفكير، لأن في مثل فضاء هذه الثقافة، عندما يقول لك من حولك أنك مجنون فعليك اللوّز إلى الصمت .
    مؤكد أن الجدل الغربي له دور كبير في بناء نهضتنا التقنية، ومن المؤكد أيضاً أن الصدام بين النظريات هو ضمن مقومات تقدمنا التقني،
    على الرغم من ثقني أن كل هذا قد لعب دوراً ثانوياً في هذا التقدم التقني، واعتقد أيضاً، أن مفتاح التقدم التقني الغربي، هو إعتماد «الفرضيات» .
    إن التفكير فيما يجب أن يكون، هو ما يدفع المفكرين إلى الريادة العلمية، فالتكنولوجيا الصينية، والتي كانت مزدهرة لقرون عدة،
    وذلك لأن الفنيين كانوا يملكون فرصة التجريب غير المشروط، أو المرتبط بنظريات مسبقة، ولكن عند دخول العلماء والأكاديميين إلى مشهد الثقافة الصينية،
    استبعدوا كل جهود الفنيين من ساحة العلم ، اتكاء على النظريات المسبقة، وهذا ما عطل مسار الازدهار للثقافة الصينية .
    ان التكنولوجيا الصينية لم تطور أبداً مفهوم «الفرضية» وهذا،ما أبطل نموها .
    وهناك اعتقاد سائد، أن تطوير الغرب لمفهوم الفرضية يرجع إلى اعتقادهم في وجود الله، قاد هذا النوع من التفكير إلى أن الله قد خبأ عزيمة القصد عن كل العالم،
    وأتاحها فقط لهم،[ مستثنياً العرب] وحيث أن الفرضيات علامة على تلك الارادة، وحيث أن الحضارة الصينية تخلو من عنصر الإيمان بالله، فقد خبأ الله عنها تلك الإرادة ،
    لذلك ضمرت في سياقها الفرضيات .
    وسنلحظ لاحقاً، أن مفهومى «التفكير المفارق»Lateral Thinking والفهم العام للفرضيات، يكونات محرضات مهمة في نسق هذا التفكير .
    بالطبع فإن المفهوم «Po» يسمح باحتياز قدر من التماسك يتيح للمفكر تجاوز العلاقات المنطقية للفكرة القائمة، تجاه فكرة جيدة .
    تجمل النقاط الأساسية للمصطلح بالفحص كالآتي :
    1- الفكرة القائمة لا تهاجم، مما يسمح بالعودة إليها لاحقاً، دون الانتقاص من قيمتها .
    2- بدأ، فإن كلا الفريقين يسعيان لفحص إمكانية فكرة جديدة .
    3- الزمن المستخدم في الفحص يستثمر بنحو ايجابي وخلاق .
    4- ما دام ليس لكلا الفريقين نية مهاجمة فكرة الآخر وتدميرها، ،فإنه، يسهل اتفاقهما على تغيير الفكرة القائمة بالرغم من صلاحيتها .
    5- تصاغ الفكرة الجديدة وتقيم باتفاق الطرفين .
    6- ولغياب المنطق التجاري،الخاص بالحيازة فإن الفكرة الجديدة تعتبر إنتاجاً مشتركاً .
    بحث دائم،عن ما هو أفضل في، كل مرحلة، وبعد فحص قاس للفكرة، يتم تقييمها، فإذا بينت أنها آمنة، وقابلة للتطبيق، وتبشر بعوائد ذات جدوى. يتم اعتمادها.
    وهذا هو العائد المتوقع من مثل هذا النوع من التفكير .
    لست على ثقة إذا كان هذا صواباً أم لا . وقد أتساءل هل التقييم المفرد أو بالمستقل هو الأحسن؟
    في هذه المرحلة من البحث دعني، أوضح أنه ليس لدى اعتراض على صيغة الجدل، ولكن،
    يكمن الخطر في القناعة التامة في الاعتقاد الجاذم بأن صيغتة صالحة للإبداع وتقييم وبناء الفكرة .
    هذا في اعتقادي عبث لا طائل وراءه، فإذا كانت صيغة الحوار هي الوحيدة الجديرة بمواجهة الأزمات، فهذا يقود مباشرة الى التبلد،
    ذلك أن هذه الصيغة تمنح المحاور قناعة أنه على حق في كل مراحل الحوار، وهذا يعني إنه على اتساق تام، وأنه لا يناقض نفسه أو الأفكار التي يحملها.
    وعليه أيضاً أن يؤسس كل خطوة على الشواهد، وتحاشي العواطف والتخمينات .
    وعند هذه اللحظة نصاب بالعمى الفكري ولا نرى في محرضات الحوار أية حقائق تستحق عناء الفحص،
    أو مقبولة من الناحية المنطقية، في حقل المفاهيم . كما توجد أيضاً، انصاف الحقائق والمقترحات والاشارات،
    وحفنة من العوائد، ولكن ليس من بينها ما يثبت للفحص الدقيق، وعلى كل، هي ليست بحاجة إلى كل ذلك ،
    حيث أنها تتموضع داخل التنظيم الذاتي لفاعلية الحق التي تنتج الفكرة النهائية .
    وهي الفكرة التي تسوغ نفسها وفق منطقها الخاص .
    إن الاعتقاد بأن الفكر النهائية يجب أن تكون صحيحة في كل مراحل نموها، اعتقاد بائد . وهذا ما يبين سوء الفهم الكامل لنظام المفاهيم هذا .

    النفيّية

    إن أحد الأغراض الأساسية لنسق الحوار أن يكون سلبياً، ولهذا غرضان الأول استبعاد الأفكار غير السليمة،
    أو لا تملك مسوغاتها، والثاني والأهم، هو جعل الناس يفكرون ملياً في ما يجب قوله، لأن كل ما يقال يكون عرضة للمهاجمة .
    هنالك طريقة جد بسيطة لتجاوز مثل هذه المزالق، وهي اللجوء لمكائد المبالغة.
    هناك كم هائل من التعابير الفخمة مثل : في نفس الوقت، والمدى الواسع، والغامض، وسلم القيم، وهي جاهزة دائماً للاقحام في أي لحظة،
    وهي حصينه ضد المهاجمة، وأيضاً تتضمن كلمات مثل :- الحقوق، الحرية، الاضطهاد، العدالة، الإنسانية والمعاناة ،.
    وهي كلمات يصعب تخطئتها، و في خطوها داخل الكلام، تحمل كل مقومات الحوار .
    سأعود لهذا لاحقاً. هناك الكثير الذي يمكن أن يقال لفحص نوايا المتحاورين. وبما إن حوار الأزمات لا يتم في مساحة من الرحابة الفكرية،
    فمن الطبيعي أن يعمد المتحاورون إلى قوانين الربح والخسارة .
    نحن الآن أمام سلبية المصطلح عارية. وفي هذه الحالة، من الذي يستطيع أن يمسك بالنقاط الإيجابية الجيدة في كل الحوار؟
    فمن البديهي أن كلا الفريقين لا يمتلك الاستعداد لهذه المهمة، وبديهي، ايضاً، أن هذا يجب أن يكون دور طرف ثالث قادر على التحكيم ،
    ويتفق عليه الطرفان. هذا ما سأتناوله في هذا الكتاب كضلع ثالث من مثلث هذا المصطلح للتفكير الأشكالي .
    إن السلبية السائدة لدى المتحاورين، تولد سلبية المناخ العام، والتي بدورها تحد من القدرة على التفكير السليم، كما اقترحت لاحقاً في هذا الكتاب.
    عند تحكم السلبية في مناخ الحوار يعجز المتحاورون عن خلق أفكار بناءة.إضافة إلى أن سلبية المناخ العام،
    تنتج سلوكاً عدائياً لدى كل طرف من أطراف الحوار، ومن الطريقة التي يعامل بها كل محاور الآخر .
    ويعتبر التفكير التجاري مشكلة داخل المشكلة العامة . وتغيم المشكلة، ويعتم الحل.نظرياً، من المحتمل أن تُجري حواراً حضارياً ثقفاً،
    إذا توفر لكلى المتحاورين الثقافة اللازمة، والدراية الكاملة بأساليب الحوار وقوانينه .
    إن خبرات الفضاء القضائي تبين أنه مهما كانت كفاءة وثقافة الخصوم القانوية، سريعاً ما يدفعهما منطق الخصام إلى نسيان أمكانية تطوير الجدال نجاة منطقة التدبر،
    فيتجه كل منهما إلى النقاط القوية لدى خصمه والسعي الجاد إلى تدميرها، وتشتيت تفكيره وارباكه .
    عند هذا المنحنى، أنا لا أناقش الفاعلية، ولكنني اتوجه نحو حالة الوفاق، لأنها هي الحالة الوحيدة التي تقود إلى البناء أكثر من الهدم .
    والتفكير البناء قد يكون عادياً، ولبس به من سمات بارزة للإبداع، ولكن حتى هذه الحصيلة المتواضعة لا تأتي في حالة الخصام ومحاولة الاستبعاد .

    حالة الاستقامة

    في حالة أن يكون التفكير الاستبعادي هو الإداة المعتمدة في الحوار، فإن المنجز المتوقع هو القناعة التامة بكونك تمتلك الحقيقة كاملة ،وحالة الاستقامة المتوهمة هذه،
    هي خليط من أدوات التفكير السلبي، وتمثلها القناعة التامة والمتوهمة كرد فعل طبيعي للهجوم المدمر الذي يواجهه المحاور.
    وبالتالي فإن كل ما يهمه فقط أن يكون على حق .
    حالة كونك «على حق» تشكل طيفاً واسعاً, يمتد من الحسابات العلمية الدقيقة لإنزال رجل على نقطة محددة على سطح القمر ،
    وحتى حدس جدتك أن هذه الليلة ستكون ممطرة . وهي «حالة كونك على حق» جثة تطمئنك أنك على أحسن ما يكون،
    وتملأك بيقين امتلاك الحكمة، والقبول، والشخصية المنافسة : ومن هذه الحالة ــ حالة الاطمئنان المتوهم ــ يكون فيها أطباؤنا أجدر الأطباء،
    وخطوطنا الجوية هي الأفضل بين كل خطوط الطيران، وطيارونا الأكثر امتيازاً. وهناك اختبار حقيقي لجدارتهم .
    هذا النوع من التفكير السدادي، يختلف لدى السياسيين ولدى المحاورين في حالة النزاع الفكري .
    إن أي شخص ذو ذكاء متواضع يستطيع أن يبني جدلاً متماسكاً للدفاع عن أفكاره . وهذا ما نسميه بفخ الذكاء,
    فالشخص الذي يستخدم هذا النوع من الذكاء، يقل تشوفه إلى النقاط الجيدة والمفيدة لدى الآخرين, ولذلك يقع في فخ ذكائه .
    من أسهل الأمور أن تكون على سداد، فما عليك إلا أن تحدد مفاهيمك، وتجمع ما يفي من معلومات لدعمها، ثم تستبعد ما لا يتواءم معها .
    ثم تختار غرضاً عاماً، وكلمات منمقة، ثم تلقى بسخرية أو أكثر على خصمك، فتحقق غرضك وتصبح تجاه نفسك شخصاً مميزاً ومتحدثاً لبقاً مفوهاً .
    مهما كانت جدية حديثك ومواءمتها للحالة مكان الحوار . وللسخرية ميزة حوارية فائقة الكفاءة,
    لأنها تحقق اغراضها في تثبيط الآخر، دون أن تقدم أي شيء ، وليس مطلوب منها أكثر من ذلك، فهي إداة استبعاد ممتازة .

    مستحكمات اللعبة

    بمجرد دخولك إلى حلبة الحوار ، عليك الاحتكام إلى قوانينه، هذه نقطة قاعدية سأعود إليها مراراً خلال هذا الكتاب،
    ولهذا قيمتة عند انشاء ابنية وانظمة التفكير - خلافاً للحوار -. فالمتحاورون يعتمدون قانون اللعبة، ولذلك يجدون أنفسهم في فضاء للتفكير مختلف .
    إذا أخذت مجموعة من الناس، ذوا النوايا الحسنة والعقل المنفتح، وطلبت إليهم أن يمثلوا دوراً خصامياً أو حوارياً، فليس مستبعداً أن يكون خارج هذا الحوار أزَمياً.
    لأن هناك مواقف تستوجب حمايتها والدفاع عنها، وفق قوانين الحوار وهناك أيضاً انتصارات يجب أن تحرز،
    وخصومــاً يجب أن يلحقهم الهزيمة .هذه هي طبيعة الخصام، فكيف، في مثل هذا المناخ أن يُتَوقع نتائج إيجابية.
    وعليه فإن النوايا الحسنة لن تحمي فرقاء الحوار من سطوة المصطلح وقسوة قوانينه .

    الأغراض العامة للحوار

    نحن نستعمل الحوار بكثافة ــ لماذا نستخدمه؟
    1- لنبيِّن أن شخصاً ما على خطأ. ولنبرهن على عدم جدوى السببية، ولنؤكد أن هذا الشخص يحتاز أفكاراً غير منسقة، أو متناقضة.
    وعلى العموم لنوضح ونسبغ كل السلبيات على الخصم .
    2- لتبرهن على غباء، وجهل خصمك، وأن كل ما يشْفَه به عديم الجدوى، ولتُرِى أن الآخر، أيضاً، عديم الاعتبار، متحجر، ومتنمر بغيض .
    متقلب ولايمكن الوثوق به . يستتبع ذلك، وينتج عنه أن أفكاره ومنطقه، لن يكون أفضل من شخصيته .
    3- ولتحدث انطباعاً لدى الجماهير، كما يحدث في الأمم المتحدة، وتحت قباب المحاكم، أو محطات التلفزة .
    4- لاحداث حالة عاطفية، والتي ستندمج لاحقاً في مشهد الحوار . هذه الحالة قد تكون عنيفة، قوية، متزمتة وعدائية.
    هذه هي بعض مسـاهمات الحـوار الحقيـقية، والتي تؤثـر على الأفكار كما ذكرت في فصول الكتاب السابقة .
    5- لتلقى الشكوك حول مصداقة الترجمة ــ في حالتها ــ «كما في المحاكم، مثلا» . وأن تقترح احتمالية بديلة، تدعم وجهة نظرك .
    هذا هو المدى الحقيقي لاقتراب الحوار من منطقة الإبداع .
    6- لتفرض فحصك الخاص للمسألة، لاجلاء وجهة نظرك، وأن تكون منتبهاً لوجهة النظر الأخرى . لتدفع كلا وجهتى النظر باتجاه المستقبل،
    وعميقاً باتجاه قيم قاعدية لتظهر الاختلافات المحتملة، وما هو متوقع من نتيجة الحراك . ولتبين أن كلا وجهتي النظر يمكن أن تتعايشا في مختلف الظروف .
    لتلحم وتمدد من حياة الأزمة .
    7- لتبتدع تعبيراً فطناً، ولتساعد شخصاً ما على أن يرى الأمور بشكل مختلف .
    يبقى من المؤكد أن التغيير الفطن لوجهة النظر، هو المفضل على كل النواتج .
    إن كان كل هذا يتصف بالعمومية، فهو كاف للحكم على الحالة .
    ومما هو مؤسف، أن هذا نادراً ما يحدث، وعلى كل حال، فإذا كان من الفطنة أن نحاول أن نوجد تخطيطاً سليماً للتفكير فإن هذا ما سأحاوله في القسم التالي من هذا الكتاب،
    والذي أرجو أن يكون أكثر فائدة .
    شخص ما يشكو من قلة الإمداد المائي، وإن صنابير المياه تغلق دون تنبيه مسبق، وعليه، فهو يرى أن التنبيه المسبق، وبزمن كاف قبل انقطاع المياه قد يكون مفيداً .
    فالمراقب قد يوافقه، ولكنه يتوقع اهداراً للماء أكثر ، حيث أن الناس في هذه الحالة ستهرع إلى ملأ احواض الحمامات والاواعي بالماء .
    وعندها يتبنه المشتكي أن هذا صحيح فعـلاً . وذلك من خلال تجربته في هونج كونج خلال فترات انقطاع المياه . هذه الحالة ايقظت لديه حالة التدبر . ويمكن، أيضاً،
    تلمس أن التحري «النطقة السادسة» قد يكون هو الغرض الحقيقي للحوار، وإذا كان الأمر كذلك،
    فسيكون المعنى النقاش وليس الجدل، فالجدل يفترض أفكاراً مسبقة وجاهزة وقد اختبرت في فضاء المشاكسة والدفاع،
    بهذا التوصيف يكون الاستكشاف هو تلمس نقاط إضافية وجديدة .
    مرة أخرى إذا كان الاستكشاف أحد محاور الجدل، فيمكن الدخول إلى فضائه بطريقة مباشرة،
    وأكـثر فاعلية باستعمال نمط التفكير الموصوف في هذا الكتاب . « The Lateral Thinking »
    هناك ،قطعاً، بديل للجدل .





    http://##################/forum/viewtopic.php?t...1f63194c6e4cad238c40
                  

09-02-2013, 03:06 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة
    1979- 1992
    أدونيس



    ( 1 )

    أبدأ بالكلام على أوهام الحداثة. ذلك أنها أوهام تتداولها الأوساط الشعرية العربية وتكاد. على المستوى الصحفي- الإعلامي. أن تخرج بالحداثة عن مدارها، عدا أنها تفسد الرؤية وتشوه التقييم.
    أوجز هذه الأوهام في خمسة. توهم بثلاثة منها مقتضيات التطور الثقافي، بعامة. أما الاثنان الآخران فتوهم بهما مقتضيات فنية، بخاصة.
    الوهم الأول هو الزمنية. فهناك من يميل إلى ربط الحداثة بالعصر، بالراهن من الوقت، من حيث أنه الإطار المباشر الذي يحتضن حركة التغير والتقدم أو الانفصال عن الزمن القديم. والتقاط هذه الحركة، شعريا، أي رصدها وفهمها والتعبير عنها، دليل كاف بحسب هذا الميل، على الحداثة. ومن الواضح أن هؤلاء ينظرون إلى الزمن على أنه نوع من القفز المتواصل، وعلى أن ما يحدث الآن متقدم على ما حدث غابرا، وعلى أن الغد متقدم على الآن.
    والواقع أن هذه نظرة شكلية تجريدية، تلحق النص الشعري بالزمن، فتؤكد على اللحظة الزمنية لا على النص بذاته، وعلى حضور شخص الشاعر، لا على حضور قوله. وهي، من هنا تؤكد على السطح لا على العمق، وتتضمن القول بأفضلية النص الراهن، إطلاقا، على النص القديم. وخطأ هذه النظرة كامن في تحويل الشعر إلى زي. أعني انه كامن في إغفالها أمرا جوهريا هو أن حداثة الإبداع الشعري غير متساوقة، بالضرورة، مع حداثة الزمن. فإن من الحداثة، ما يكون ضد الزمن، كلحظة راهنة. ومنها ما يستبقه، ومنها ما يتجاوزه أيضا، فحين يهزنا اليوم شعر امرئ القيس، مثلا، أو المتنبي، فليس لأنه ماض عظيم، بل لأنه إبداعيا يمثل لحظة تخترق الأزمنة. فالإبداع حضور دائم. وهو بكونه حضورا دائما، حديث دائما.
    ومعنى ذلك، بالتالي، أن ثمة شعرا كتب في زمن ماض ولا يزال، مع ذلك حديثا، فالشعر لا يكتسب حداثته بالضرورة، من مجرد زمنيته، وإنما الحداثة خصيصة تكمن في بنيته ذاتها. استطرادا، يمكن القول في أفق هذا المنظور، إن امرأ القيس، مثلا، في كثير من شعره أكثر حداثة من شوقي في شعره كله، وإن في شعر أبي تمام، كمثل آخر حساسية حديثة ورؤيا فنية حديثة لا تتوافران عند نازك الملائكة.
    الوهم الثاني هو ما أسميه بوهم المغايرة. ويذهب أصحاب هذا القول إلى أن التغاير مع القديم، موضوعات وأشكالا، هو الحداثة أو الدليل عليها. وينتج عن هذا الوهم القول بآراء حول بنية القصيدة، وحول الوزن ووحدته الإيقاعية، وحول مضموناتها، تغاير آراء النقاد القدامى. ويكفي الشاعر في منظور هذا الوهم أن يصنع قصيدة تغاير، بموضوعها وشكلها، القصيدة الجاهلية أو العباسية، لكي يكون حديثا. وهذه نظرة آلية تقوم على فكرة إنتاج النقيض. وهي، شأن النظرة السابقة. تحيل الإبداع إلى لعبة في التضاد. تلك تضاد الزمن بالزمن، وهذه تضاد النص بالنص. وهكذا يصبح الشعر تموجا ينفي بعضه بعضا، مما يبطل معنى الشعر ومعنى الإبداع، على السواء.
    الوهم الثالث هو ما أسميه بوهم المماثلة ففي رأي بعضهم أن الغرب مصدر الحداثة، اليوم بمستوياتها المادية والفكرية والفنية. وتبعا لهذا الرأي لا تكون الحداثة خارج الغرب، إلا في التماثل معه. ومن هنا ينشأ وهم معياري تصبح فيه مقاييس الحداثة في الغرب، مقاييس للحداثة خارج الغرب.
    وهذه نظرة تصدر عن إقرار مسبق بتفوق الغرب، ولهذا فإن أصحابها والدائرين في فلكها ينعون دائما على الشعر العربي تخلفه وتقصيره عن اللحاق بالشعر الغربي، كما ينعون على الحياة العربية، إجمالا، تخلفها وتقصيرها عن الحياة الغربية.
    لكن، ألا تبدو المماثلة هنا استلابا كاملا- أي ضياعا في الآخر حتى الذوبان؟ والحق أن شعر المماثلة مع الخارج المحتذى ليس إلا الوجه الأكثر إغراقا في ضياع الذات لشعر المماثلة مع الموروث التقليدي المحتذى. فالعربي، اليوم، الذي ينتج شعر المحاكاة للقديم، إنما يعيد إنتاج الوهم الأسطوري- التراثي، ولا يبدع شعر ذاتيته الواقعية الحية. والعربي الذي يكتب اليوم شعر المماثلة مع الآخر الغربي، لا يكتب شعره الخاص، وإنما يعيد إنتاج شعر ذلك الآخر.
    الممارسة هنا وهناك استلاب. لذلك تقتضي الحداثة قطعا مع التأسلف ومع التمغرب في آن. من أجل كتابة الذات الواقعية الحية، وقد وعت فرادتها وخصوصيتها إزاء الآخر، وتمثلت، بنقد جذري إبداعي، أسطورتها التراثية- الأبوية، وتجاوزتها- أي انطلقت، بدءا منها، إلى أبعاد جديدة.
    الوهم الرابع، شأن الوهم الخامس، فنيان يرتبطان عضويا بوهمي المماثلة والمغايرة، أسمّي الأول وهم التشكيل النثري، وأسمي الثاني وهم الاستحداث المضموني. وهذان رائجان، اليوم. وهم النثر استغراق في المغايرة- المماثلة. ووهم المضمون استغراق في الزمنية.
    من الناحية الأولى يرى بعض الذين يمارسون كتابة الشعر نثرا أن الكتابة بالنثر، من حيث هي تماثل كامل مع الكتابة الشعرية الغربية، وتغاير كامل مع الكتابة الشعرية العربية، إنما هي ذروة الحداثة. ويذهبون في رأيهم إلى القول بنفي الوزن، ناظرين إليه كرمز لقديم يناقض الحديث.
    إن هؤلاء لا يؤكدون على الشعر بقدر ما يؤكدون على الأداة. النثر، كالوزن، أداة، ولا يحقق استخدامه، بذاته، الشعر. فكما أننا نعرف كتابة بالوزن لا شعر فيها، فإننا نعرف أيضا كتابة بالنثر لا شعر فيها. بل إن معظم النثر الذي يكتب اليوم على أنه شعر لا يكشف عن رؤية تقليدية وحساسية تقليدية وحسب، وإنما يكشف أيضا عن بنية تعبيرية تقليدية. وهو لذلك ليس شعرا، ولا علاقة له بالحداثة. وهذا ما ينطبق أيضا على معظم الشعر الذي يكتب، اليوم، وزنا.
    ولعلنا نعرف جميعا أن قصيدة النثر، وهو مصطلح أطلقناه "في مجلة" شعر إنما هي، كنوع أدبي- شعري، نتيجة لتطور تعبيري في الكتابة الأدبية الأميركية- الأوروبية.
    ولهذا فإن كتابة قصيدة نثر عربية أصيلة يفترض، بل يحتم الانطلاق من فهم التراث العربي الكتابي، واستيعابه بشكل عميق وشامل، ويحتم من ثم، تجديد النظرة إليه وتأصيله في أعماق خبرتنا الكتابية- اللغوية، وفي ثقافتنا الحاضرة. وهذا ما لم يفعله إلا قلة. حتى أن ما يكتبه هؤلاء القلة لا يزال تجريبيا، فكيف يكون الأمر، والحالة هذه، مع الذين يقتنصون هذا التجريب، ويعرشون عليه، بانقطاع كامل عن لغة الكتابة الشعرية العربية، في عبقريتها الخاصة، وفي نشأتها ونموها وتطوراتها؟
    أخيرا، يزعم بعضهم، انسياقا وراء وهم استحداث المضمون، أن كل نص شعري يتناول إنجازات العصر وقضاياه هو، بالضرورة نص حديث. وهذا زعم متهافت. فقد يتناول الشاعر هذه الإنجازات وهذه القضايا برؤيا تقليدية، ومقاربة فنية تقليدية، كما فعل الزهاوي والرصافي وشوقي، تمثيلا لا حصرا، وكما يفعل اليوم بعض الشعراء، باسم بعض النظرات المذهبية الإيديولوجية. فكما أن حداثة النص الشعري ليست في مجرد زمنيته، أو مجرد تشكيليته، فإنها كذلك ليست في مجرد مضمونيته.
                  

09-02-2013, 03:20 PM

راشد سيد أحمد الشيخ
<aراشد سيد أحمد الشيخ
تاريخ التسجيل: 11-15-2012
مجموع المشاركات: 478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    يا بله
    سلام عليك في الاولين والآخرين
    هذه فسفساء جديرة بالإحتفاء والترقب الحميم
    بيبلوغرافيا زي الببلوغرافيا
    وشكراً مرة أخرى أن اشركتنا فيما استباك من الكلم
                  

09-03-2013, 08:11 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: راشد سيد أحمد الشيخ)

    تسلم يا راشد
    وعشمي أن يكون فيما نناول النفع
    كما ولنا عليكم أيضاً حق المناولة
    فإنا بما تتعطرون من لغة
    لمترقبون


    محبتي
                  

09-03-2013, 08:25 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    خمسُ أغنياتٍ لن تكفي أيضًا!
    سعد الياسري



    أعباءُ النُّعومة:

    لن أنامَ،
    كما إنَّني لن أرحلَ دونَ صخبٍ...
    إذْ لا بدَّ مِن يدٍ واعيةٍ تُنجزُ المهمَّةَ،
    وللمفارقةِ؛ تلكَ هي مهمَّتي!
    أنْ أحنوَ على الحقلِ اليتيمِ...
    حيثُ أعبرُ إلى براعمِ آذارَ كما تعبرُ شمسٌ فَتيَّةٌ لا يعنيها الأمرُ،
    وأستحمُّ عندَ مهبطِ السَّاقيةِ؛
    فيما أصابعي، وعندَ المساءِ، ستدسُّ في كلِّ نجمةٍ بريقَها الذي تجهلُهُ.
    تلكَ هي مهمَّتي!
    والطِّفلُ الذي كنتُهُ ولمْ يبقَ منهُ سِواكِ؛ سيقولُ
    - وكم يبدو قولُهُ مَعقولاً-
    بأنَّ شخصًا ما سيتوجَّبُ عليهِ القيامُ بأعباءِ كلِّ هذهِ النُّعومةْ!



    مشروعُ هاجس:

    امضِ حيثُ تأخذُكَ المسرَّةُ المؤقَّتةُ!
    أمَّا أنا فسأكونُ، لا لا بل نحنُ سنكونُ بانتظاركَ،
    حينَ ينفضُّ السَّامرُ الضَّبابيُّ مِن حولِكَ...
    وتتلفَّتُ فلا تجدُ سِوى القُدامى القُدامى؛
    واقفينَ على بابِ القلبِ دونَ مَلَلٍ،
    أولئكَ الذينَ يصارعونَكَ -لو صارعوكَ- بالوردةِ،
    ويعاتبونَكَ -لو عاتبوكَ- بالمِلحِ والمصافحةِ الهائلةِ.
    امضِ؛
    فيما أنا صامتٌ وكئيبٌ،
    نعم، لأنَّني لن أنشغلَ بهذا الهاجسْ!



    أساطيرُ:

    ثُمَّ قالَ: حسنًا؛
    أمَّا الولدُ الذي صفعتْهُ الأقدارُ بغتةً على مؤخِّرتِهِ...
    فخالَها نهايةَ العالمِ،
    وراحَ يبلِّلُ أجواءنا بالعويلِ واللُّعابِ والمَسْكَنةِ،
    ألاَ ينظرُ إليَّ دونَ أنْ يرتعدَ؟
    إلى قلبي، مفتوحًا بشفرةِ الحلاَّقينَ، ولا ضمادةَ...
    إلى لساني، مطرَّزًا بدبابيسَ ملوَّنةٍ، ولا كلامَ يفيضُ...
    إلى قدميَّ، مربوطتيْنِ منَ الكاحليْنِ بالأسلاكِ والكلاليبِ، ولا فِرارَ...
    إلى عينيَّ، سابحتيْنِ في قدحٍ منَ الحامضِ، ولا عَمىً!
    اللَّعنة؛
    كم أشتهي ركلَ المُدَلَّلينَ الذينَ لم يروا شرطيًّا في حياتِهم...
    وأرهقونا بأساطيرِ الزَّنازينْ!



    وحشةٌ:

    جادَّةٌ؛
    كجُرحٍ فتيٍّ في العينِ،
    سعيدةٌ؛
    كفأسٍ في زجاجةٍ،
    الوحشةُ عاريةٌ؛
    كقدمي على اللُّغمِ...
    الآنَ!





    الباريسيَّةُ:

    لمْ أمنحِ الأشعثَ المُسنَّ -في باريسَ- شيئًا؛ حينَ مدَّ إليَّ بصحنِ الحياءِ فارغًا، ولا الغجريَّةَ الماكرةَ لقاءَ وردتِها الذَّابلةِ سِوى نُفوري، لكنَّني منحتُ نقودًا وابتسامةً لصبيَّةٍ صهباءَ جلستْ - في الواقعِ هي أجلستْ مؤخرتَها السَّعيدةَ - على طرفِ حقيبةِ سَفرِها، أمامَ المَحطَّةِ؛ المحطَّةَ الصَّاخبةَ أعني... فيما وضعتْ قبَّعتَها الصُّوفيَّةَ المُطرَّزَةَ بألوانِ (بوب مارلي) البرَّاقةِ أمامَها؛ كنايةَ الاستسقاءِ المُسالمِ والمُحتشمِ، ثمَّ غابتْ في صمتٍ مَجدليٍّ وقورٍ. حينَها؛ حينَها فقط، قلتُ في نفسيَ الأمَّارةِ بالحِرصِ: ويحكْ! هذهِ قصيدةٌ تكفي قبيلةً يا فتى؛ فلا تُفسدْها! نعمْ -قلتُ- لنْ أكتبَ شيئًا، وسأدخِّنُ سيجارتيْنِ أو ثلاثَ معَ كأسِ اللَّيلةِ، وأتنفَّسُني جيِّدًا في حِضنِ مَن أُحبُّ... وأرضى!
    http://alyasiry.com/ar/index.htm
                  

09-03-2013, 08:41 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    قِيامةُ التُّوليبِ آخرُ مَن يعيثُ بحُلْمِنا
    سعد الياسري




    إهداءٌ:

    إلى الشَّاعر دخيل الخليفة،
    يا أخا نفسي،
    إنِّي لأجفلُ أمامَ بلادٍ لم تمنحِ البحرَ هُويَّتَها!



    I
    بالزَّنجبيلِ تجسُّ خاصرةَ المَساءِ،
    تمدُّ لي قلبًا،
    وتشربُ ما تيسَّرَ مِن مَهبِّ الأُنسِ،
    تجذبُكَ الكِنايةُ كي تقيسَ المَكْرَ في مَعنى النَّجاةِ،
    طعنتَ يومَكَ بالبَصيرةِ...
    والعماءُ يدسُّ فينا مِنجلَهْ!

    II
    وطنانِ ليْ؛
    -قُلتَ-
    القَصيدةُ،
    والأُلَى سَاروا على قَلبي حُفاةً وادعينَ،
    ركضتَ ركضَ الذِّئبِ في الوادي...
    وحيدًا مثلَ أوَّلِ مرَّةٍ...
    لمْ تُجفِلِ الظَّبيَ الأليفَ،
    ولمْ تلوِّثْ نبعَ أغنيةٍ بأُخرى،
    لمْ تُغنِّ:
    "الشَّمسُ أجملُ في بلادي مِن سِواها، والظَّلامُ..." *
    صمتَّ في (مِيمِ) الظَّلامِ،
    ووحشةٌ في عقدِكَ الخامسْ...
    تصافحُ أوَّلَهْ!

    III
    وطَويتَ رملَ النَّصِّ في جوعِ البلادِ،
    فَسَلْتَ بحرَكَ مرَّتيْنِ،
    لبِثتَ في الصَّحراءِ تنتظرُ البِشارةَ؛
    مثلَ صُوفيٍّ تأزَّرتَ المسوحَ،
    فلا تعيلُ سِوى قطيعِ النَّجمِ،
    تَرعى كلَّ شمسٍ نحوَ مَجثَمِها،
    وتقرأُ - في الظَّهيرةِ - سيرةَ الوطنِ الجَحُودِ،
    وتجتبيكَ الأسئلةْ!

    IV
    وهبطتَ مِن فرسِ الخليلِ على تُخومِ النَّثرِ،
    قُلتَ: الحُلْمُ مُعجزتي الأخيرةُ؛
    ليسَ لي إلاَّ يدي ربتَتْ على كتِفي،
    وقُلتَ: البابُ موهبةُ الذي صنعَ الكمائنَ،
    فاعبروا بابي أكُنْ...
    أو لا أكونُ...
    وتلكَ ليستْ مَسألةْ!

    V
    لكَ ما يفوقُ بوحشةٍ عمَّنْ سِواكَ؛
    لكَ الوقوعُ - أو الوقوفُ - على مَنامِ السَّابحينَ بغُربتيْكَ،
    تقولُ: أمضي، كي أترجمَ شوكتيْنِ،
    وأستكينَ إذا تناهبَني المَلاكُ...
    ألمَّ بي في المَنزِلةْ!

    VI
    عَبَرَتْ وصايا الطَّارئينَ،
    العِجلُ والدِّينارُ سِلعتُهمْ...
    وأنتَ تقصُّ فادحةَ الرُّؤى:
    باءٌ لباديةِ الجهاتِ،
    ودالُ دولابِ المَصيرِ،
    الواوُ واجهةُ البلادِ المُشتهاةِ،
    النُّونُ في العرفانِ يُجدي صحنُها.. لا في الـ هُنا،
    إنِّي رأيتُ اثنيْنِ يا قَومي...
    رجالاً.. تأكلُ الغربانُ سوأتَهم،
    نِساءً.. ينتحبْنَ على سَريرِ الأرملةْ!

    VII
    خُذْ صَولجانَكَ أيُّها الغيبُ الجَليلُ؛
    وردَّ لي تاجَ الحِكايةِ!
    بالنَّواجذِ - عَضَّ وردٌ لحمَ قلبِكَ - والشَّذا،
    وقِيامةُ التُّوليبِ آخرُ مَن يعيثُ بحُلْمِنا.
    طفليْنِ كنَّا - يا أخا نَفسي - نَزجُّ النَّهدَ في صِفةِ القَصيدةِ،
    لا لِنطْهوَ للخيالِ حساءهُ الولهانَ،
    أو كيما نَحوكُ قميصَهُ الطُّغيانَ،
    بلْ مِن أجلِ أنْ نَعدو على خدِّ القَبيلةِ،
    قبلَ أنْ تَهوي علَينا المِقصلَةْ!



    * مُقتبسٌ من نصِّ: غريبٌ على الخليجِ للشَّاعر العراقيِّ الخالد: بدر شاكر السَّيَّاب.
    ** الصورة للشاعر دخيل الخليفة بعدسة المصور الأميركي غريغ قسطنطين.


    كُتبَ النَّصُّ في تشرين الثَّاني | 2012
    نُشر في جريدة "الصَّباح" العراقيَّة
    عدد 19 | كانون الأوَّل | 2012


    المصدر السابق
                  

09-03-2013, 03:01 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس


    ( 2 )

    تلك هي، في ما يخيل إلي، أوهام لا يصح الكلام على الحداثة الشعرية العربية إلا بدءا من نقضها وإبطالها. ولا بد، في هذا السياق،
    من الإشارة إلى ظاهرة شبه مرضية في الوسط الثقافي العربي، هي ظاهرة اتهام الشاعر العربي الحديث بتقليد الحداثة الغربية، وتقليد شعرائها، وبنقل مفهوماتها،
    والحكم تبعا لذلك على الحداثة الشعرية العربية، بأنها غير "أصيلة" وليست لها قيمة شعرية أو فنية.
    وغالبا ما يكون هذا الحكم قائما على الاجتزاء، وعلى الجهل بالشعر الغربي، والشعر العربي معا. بودلير، مالارميه:
    إنهما، نظريا وشعريا، أساس الحداثة في الشعر الفرنسي. لكنهما لم يأخذا مفهوم الحداثة من "التراث" الفرنسي،
    وإنما أخذاه من الولايات المتحدة- من إدغار ألن بو. أكثر من ذلك: إن مدار آرائهما في الشعر هو نفسه مدار آرائه، حتى أنهما يتبنيان أفكاره نفسها.
    رامبو: أليس شعره مليئا باقتباسات وأفكار وأقوال يأخذها من مصادر متنوعة وفي مقدمتها المصادر المشرقية؟.
    واقرأوا دانتي أو شكسبير أو غوته: ألا تجدون في نتاجهم عبارات وأفكارا وآراء مأخوذة من تراث شعوب مختلفة، ونتاج شعراء مختلفين؟
    كذلك يمكن القول بالنسبة إلى هولديرلن ونرفال وشار وميشو وجوف وسان- جون بيرس، لكي لا نسمي إلا عددا من الكبار.
    وماياكوفسكي؟ هل أخذ مفهوم الحداثة الشعرية من التراث الروسي، أم أنه أخذه، علىالعكس، من بودلير ورامبو ومالارميه؟
    كذلك إليوت: لم يأخذ مفهوم الحداثة من التراث الإنكليزي، وإنما أخذه من بودلير ولافورغ وكوربيير.
    فهل هناك قارئ/ ناقد يقيم أحدا من هؤلاء بما "أخذه" عن غيره؟ أو يقول عنه إنه خرج على تراثه؟ ثم أليس من المسكنة العقلية، حين نتحدث عن هؤلاء،
    أن نقف عند فكرة أو عبارة اقتبسوها، ونتهمهم أنهم سارقون مقلدون؟
    وما يصح على هؤلاء، يصح على شعرائنا العرب: أبي نواس وأبي تمام والمتنبي وأبي العلاء لكي نسمي أيضا غلا عددا من الكبار.
    وما يصح على هؤلاء، يصح على شعرائنا العرب: أبي نواس وأبي تمام والمتنبي وأبي العلاء لكي لا نسمي أيضا إلا عددا من الكبار.
    لقد أدخل هؤلاء ما أخذوه واقتبسوه في نسق مغاير خاص، وصهره كل منهم في نظام من العلاقات متميز وخاص به. وإنه لجهل كامل بالشعر،
    أن نجتزئ، حين ننقدهم فكرة من هنا وقولا من هناك، داخل نتاجهم ونصدر أحكامنا عليهم، وإنما يجب أن نكتشف النسق العام لهذا النتاج، ونظام علاقاته-
    ومن ثم نصدر أحكامنا.
    ينبغي على القارئ/ النقاد، إذن أن يواجه في تقييم شاعر ما ثلاثة مستويات، مستوى النظرة أو الرؤيا، مستوى بنية التعبير، مستوى اللغة الشعرية.
    يتصل المستوى الأول بما لدى الشاعر من الخاص المميز الذي يفرده عن غيره من حيث أنه يقدم صورة جديدة للعالم الذي يعيش فيه والعالم ككل.
    ويتصل المستوى الثاني بما لديه من الخاص المميز أيضا في إعطاء هذه الصورة بنية تعبيرية جديدة، بالقياس إلى موروثة.
    ويتصل المستوى الثالث بما لديه من طاقة خاصة مميزة في أن يؤسس باللغة العامة التي هي ملك الجميع، ، كلاما خاصا به متميزا.
    ويصح الكلام على تقليد حين نجد شاعرا يحول أحد هذه المستويات عند شاعر آخر إلى نمطية يتلبسها ويكررها.
    وأبسط ما يقال في صاحب هذا التنميط هو أنه ليس لديه ما يقوله، وليست لديه لغة شعرية خاصة، وإن كانت لديه، أحيانا، براعة التنميط.
    لكن ،ما التنميط المقصود هنا؟
    إنه ليس في مجرد الكتابة وزنا أو نثرا، فلو كانت الكتابة بمجرد شكل كتابي سابق تنميطا، أي تقليدا، لكانت كتابتنا اليوم، بالوزن والنثر على السواء، تقليدا،
    الكتابة بالوزن أو بالنثر ليست بذاتها امتيازا أو خصوصية، وإنما الامتياز والخصوصية في نظام التعبير، أي في عالم العلاقات الذي يبدعه الشاعر.
    ذلك أن التنميط يمكن أن يكون في الوزن وفي النثر.
    التنميط، إذن هو إعادة إنتاج العلاقات نفسها: علاقة نظرة الشاعر بالعالم والأشياء، وعلاقة لغته بها، وبنية تعبيره الخاصة التي تعطي لهذه العلاقات تشكيلا خاصا.
    أن يكون أبو تمام، مثلا، كتب بنظام الشطرين لا يعني أنه يقلد حسان ابن ثابت وأن يكتب اليوم الشاعر بنظام الشطر الواحد لا يعني أنه يقلد نازك الملائكة أو السياب.
    كذلك يصح القول نفسه فيما يتصل بالكتابة نثرا،خارج نظام التفعيلة. فأن يكتب شاعر عربي بنظام قصيدة النثر لا يعني أن كتابته "متقدمة" على قصيدة الوزن،
    أو أنه يقلد بودلير أو رامبو أو سان- جون بيرس. وما ينطبق هنا على "طريقة" الكتابة، وزنا أو نثرا، ينطبق أيضا على "الموضوعات":
    فليس مجرد الكتابة عن العبث أو الموت أو البعث أو الخراب أو الحب والجنس.. الخ، تقليدا للشعراء الذين كتبوا سابقا حول هذه "الموضوعات".
    ومن هنا نجد تباينا بين شعراء يصدرون عن نظرة واحدة للعالم (مسيحية، مثلا، أو وجودية، أو ماركسية). ويكتبون بطريقة واحدة: وزنا، أو نثرا.
    نقول عن شاعر إنه تنميطي، أي مقلد، حين يكرر العلاقات ذاتها التي ابتكرها شاعر آخر، ولا نقول عنه ذلك لمجرد كتابته بالوزن مثله، أو بالنثر،
    أو لمجرد التقائه معه في النظرة إلى العالم. فأن يصدر شاعر عربي، مثلا، عن اللاوعي والحلم لا يعني بالضرورة أنه يقلد السوريالية.
    يعني ذلك أن "العناصر" "(النثر، الوزن، الأفكار.. الخ) ليست ابتكارا لشاعر محدد، وإنما هي موجودة، موضوعيا، وجود الأشياء.
    ولهذا فإن استخدامها لا يكون سرقة أو تقليدا، لكنه، بالمقابل، لا يكون إبداعيا إلا إذا خلق بنية جديدة، ونظاما جديدا من العلاقات.
    ومن هنا لا يمكن الشاعر أن يجدد إذا لم يكن متأصلا في عبقرية لغته (لكي يعرف كيف يصهر العناصر التي يستخدمها، ويحولها إلى طبيعة اللغة التي يكتب بها). هذا من جهة.
    ومن جهة ثانية، لا يقيم الشاعر بنوع كتابته، سواء كان نثرا أو وزنا، أو بفكرة أو أفكار تجتزئها من نتاجه، وإنما يقيم برؤياه ككل، ونظامه الفني ككل، وعالم العلاقات التي يبتكرها.
                  

09-03-2013, 03:23 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    الشاهقُ من بذرةٍ
    نصار الصادق الحاج




    ( 1 )
    حينما
    تنامُ في الليل
    أشباحُ العُزلة
    يكسر الفانوس سروالَ الضوء
    ويمشي بهدؤ العاصفة
    يقضمُ الفاكهةَ بالطاعة نفسها
    لأسرار النجاة .

    ( 2 )

    رائحةُ الليل
    تغادرُ العتمة
    بثوبٍ عابر شرفة النار
    في الماعون المؤجل تحت الأناشيد
    لم يعد من مهمةٍ لهذا المكوث الطويل
    موتى في الطريق
    ينهضون من حيلة النعش
    لتعبر الأشواق من هنا
    صوت أعشاب تحبل باوراق الشجر
    والطمي المهاجر من بحيرة في قمة الأماتونج
    نهر يشرق مثل حالة الطّمث
    وشهيق الغرباء في محطة القطار .

    ( 3 )

    الشاهق من بذرة تحت ركام العزلة
    ينجو من سقف العناية
    بصوت القابع هناك في رحم الآلهة
    يهندمُ الأرواح
    بشوق رصين للطاعة
    كلما أيقن العابرون
    أن التربة أنجبت ما لديها من يرقات العشب
    وسكان الآخرة .

    ( 4 )

    مقبرةٌ في الداخل ترعى سماد الكائنات
    والقرابين التي علّقها رُعاةُ المحبة
    للشاهق من موعظةٍ غائبةٍ في بوابة الضريح
    يعبر الى نفق ساهرٍ في البحر
    يطبخُ مزامير الدخان تحت علبة الموتِ
    وأشواق الهاربين من عقاب محتملْ .

    ( 5 )

    الشريك في الرّغبة
    ينظّف الذاكرة من مواقد الرّضا
    يراقبُ المصابيح
    ترش النهار على تعب العزلة
    يمنح الخصوبة
    لإمرأةٍ تكنس الدم
    للمرّة الأولى من تخوم نجمتها .

    ( 6 )

    الواقف على شرفة الليل
    يحرسُ باب الآلهة
    سرَّبَ الأقوالَ للكاهنِ في صومعة الريح
    وصبيان الخروج الماهرينَ
    تحت سِتْرَتِهِ
    يكتبون الأحاديث
    وسرقة الطمأنينة من قلوب العراة
    هي النجاة من شبق السطو
    على خزائن العذراء في عزلتها
    وغربلة الصباح من مخالبِ النذور الخائبة .


    نوفمبر 2003



                  

09-03-2013, 04:23 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    شكرا لهذه المتعة الذهنية يا بله
    شكرا للحدائق الغناء


    لقد نلت حظى من المناولة الثرة
                  

09-04-2013, 05:31 AM

الفاتح ميرغني
<aالفاتح ميرغني
تاريخ التسجيل: 03-01-2007
مجموع المشاركات: 7488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: Ishraga Mustafa)

    Quote: مناولة


    لك اجرها واجر إشراكنا متعة القراءة.
    سلام يا بل.
    محبتي
                  

09-05-2013, 07:41 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: الفاتح ميرغني)

    شكراً يا وجيه
    تعطير المناولة
    بعبورك الرونق


    وحبذا لو جئتنا مرات ومرات
    وناولتنا مما عندك
    من اختيارات
    أعرف تماماً أنها مثلك
    فارعة المدى
    معبأة بالندى


    محبتي
                  

09-04-2013, 08:16 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: Ishraga Mustafa)

    وعلى وعثائها
    إطلاعاً وإدراكا
    فإننا مدينون بالشكر لناحتيها
    من سلسال اللغة والرؤى


    مثلك أخت روحي
    حقيق بالاحتفاء بالمدون من شوارد الأرواح العالية


    محبتي واشتياقي
                  

09-04-2013, 08:33 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 3 )



    إذن، ما حقيقة الحداثة؟
    لا أزعم، أن الجواب عن هذا السؤال أمر سهل. فالحداثة في المجتمع العربي إشكالية معقدة، لا من حيث علاقاته بالغرب وحسب،
    بل من حيث تاريخه الخاص أيضا. بل يبدو لي أن الحداثة هي إشكاليته الرئيسية.
    لكن، مع أن الجواب ليس سهلا، فإنني سأحاول أن أتلمس جوابا ما.
    من أجل ذلك أود أن أشير أولا إلى أن الحداثة الشعرية العربية لا تقيم إلا بمقاييس مستمدة من إشكالية القديم والمحدث في التراث العربي،
    ومن التطور الحضاري العربي، ومن العصر العربي الراهن، ومن الصراع المتعدد الوجود والمستويات، الذي يخوضه العرب، اليوم.
    وأود ثانيا، أن ألجأ إلى شيء من التبسيط، فأقسم الحداثة إلى ثلاثة أنواع: الحداثة العلمية، وحداثة التغيرات الثورية- الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، والحداثة الفنية.
    علميا، تعني الحداثة إعادة النظر المستمرة في معرفة الطبيعة للسيطرة عليها، وتعميق هذه المعرفة وتحسينها باطراد.
    ثوريا، تعني الحداثة نشوء حركات ونظريات وأفكار جديدة، ومؤسسات وأنظمة جديدة تؤدي إلى زوال البني التقليدية القديمة في المجتمع وقيام بني جديدة.
    وتعني الحداثة فنيا، تساؤلا جذريا يستكشف اللغة الشعرية ويستقصيها، وافتتاح آفاق تجريبية جديدة في الممارسة الكتابية، وابتكار طرق للتعبير تكون في مستوى هذا التساؤل.
    وشرط هذا كله الصدور عن نظرة شخصية فريدة للإنسان والكون.
    تشترك مستويات الحداثة هنا، مبدئيا، بأنواعها الثلاثة، في خصيصة أساسية هي أن الحداثة رؤيا جديدة، وهي، جوهريا، رؤيا تساؤل واحتجاج: تساؤل حول الممكن،
    واحتجاج على السائد. فلحظة الحداثة هي لحظة التوتر أي التناقض والتصادم بين البنى السائدة في المجتمع، وما تتطلبه حركته العميقة التغييرية من البنى التي تستجيب لها وتتلاءم معها. غير أن هذه المستويات وإن ائتلفت، مبدئيا، فإنها تختلف وتتفاوت تطبيقيا، وذلك تبعا للصعوبات والمراحل. وبما أن المستويين الأول والثاني يعنيان بتغيير الواقع مباشرة،
    فإن الصعوبات والمعوقات أمامهما أكثر بكثير منها أمام المستوى الثالث، مستوى الحداثة الفنية، الذي لا يعني بتغيير الواقع، إلا بشكل مداور. ولهذا نرى أن إمكان التغير على هذا المستوى أسهل وأسرع، وليس من الضروري أن يرتبط، عكسا أو طردا، بالمستويين الأولين.
    ما مدى حضور هذه المستويات وما مدى فاعليتها في الحياة العربية؟ إن نظرة تحليلية سريعة تكفي للإجابة. فليس في المجتمع العربي حداثة علمية.
    وحداثة التغيرات الثورية: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، هامشية لم تلامس البنى العميقة. لكن، مع ذلك، وتلك هي المفارقة، هناك حداثة شعرية عربية.
    وتبدو هذه المفارقة كبيرة حين نلاحظ أن الحداثة الشعرية في المجتمع العربي تكاد أن تضارع، في بعض وجوهها الحداثة العشرية الغربية. ومن الطريف أن نلاحظ، في هذا الصدد،
    أن حداثة العلم في الغرب متقدمة على حداثة الشعر، بينما نرى، على العكس، أن حداثة الشعر في المجتمع العربي متقدمة على الحداثة العلمية- الثورية. هكذا تبدو الحداثة الشعرية العربية لكثير من العرب كأنها جسم غريب مستعار. وفي هذا ما قد يفسر أسباب عدائهم لها، ورفضهم إياها،
    ورمي ممثليها بمختلف التهم التي تبدأ بالغموض وتنتهي بتهمة تقليد الغرب مرورا بتهمة هدم التراث أو التنكر له.

    أبدأ بالكلام على أوهام الحداثة. ذلك أنها أوهام تتداولها الأوساط الشعرية العربية وتكاد. على المستوى الصحفي- الإعلامي.
    أن تخرج بالحداثة عن مدارها، عدا أنها تفسد الرؤية وتشوه التقييم. أوجز هذه الأوهام في خمسة. توهم بثلاثة منها مقتضيات التطور الثقافي، بعامة.
    أما الاثنان الآخران فتوهم بهما مقتضيات فنية، بخاصة.

    ويصدر هذا الموقف عن إيمان بتساوق النية الفنية والبنية الاقتصادية- الاجتماعية في المجتمع، بحيث تكون الأولى انعكاسا أو في أبعد تقدير مواكبة للثانية.
    غير أن هذا الموقف تمليه مقتضيات إيديولوجية بحتة، بحجة الوفاء للتراث والارتباط به، حينا، وبحجة الوفاء للجماهير والارتباط بها، حينا آخر.
    غير أن المقتضى الإيديولوجي هنا لا يحجب حركة الواقع أو يشوهها وحسب، وإنما يحجب أيضا حركة الإبداع الشعرية ويشوهها.
    وهو ينسى أو يتناسى أن الشعر،والفن بعامة، هو جوهريا رؤيا احتجاج وممارسة احتجاج. ومن هنا التفاوت الطبيعي، أي الضروري،
    بين البنية الاقتصادية- الاجتماعية والبنية الفنية في المجتمع. لا يمكن بمعنى آخر، قياس التطور الفني على التطور الاقتصادي- الاجتماعي.
    ذلك أن الحدث الاقتصادي- الاجتماعي حدث مراوحة نفي الزمان والمكان يستنفد بغاياته العملية المباشرة، بينما الحدث الشعري حدث تجاوز لا يستنفد.
    فالإبداع الشعري هو تحديدا، استباق وحيث تنشأ نتاجات شعرية تتآلف مع البنية الاقتصادية- الاجتماعية السائدة وتعكسها،
    فإن نصيب هذه النتاجات من الإبداعية والفنية يكون سطحيا ضحلا، بحيث تتحول إلى وثائق اجتماعية مكتوبة بتوهم الشعر.
    هذا هو مثلا مصير ما سمي في تراثنا الشعري بشعر الرثاء والهجاء والمدح، فنحن، اليوم نقرأ فيه الوثيقة الاجتماعية- السياسية أكثر مما نقرأ الكشف الشعري أو الرؤيا الشعرية.
    وهذا هو نفسه مصير معظم الشعر العربي المعاصر الذي يسمى خطأ بالحديث، والذي يصور أو يعكس وهم الحداثة الثورية، أي وهم التغير الاقتصادي- الاجتماعي- السياسي.
    فهذا الشعر يكتب خارج الواقع الحي، وخارج اللغة الشعرية.
    لم يعد أحد ينكر الترابط بين ما يسمى بالبنية الفوقية وما يسمى بالبنية التحتية لكن الخلاف لا يزال قائما حول كيفية هذا الترابط.
    وهو خلاف لم يعد محصورا بين الماركسيين وغير الماركسيين، وإنما أصبح قضية رئيسية للجدل في ما بين الماركسيين أنفسهم.
    لا أذكر اسم العالم الاقتصادي الماركسي الذي يصف الاقتصاد بأنه علم متاخم أو علم المتاخمة. أعني أنه يتصل بعلوم إنسانية متعددة- علم الاجتماع،
    علم الإنسان (الأنتروبولوجية) التاريخ، التربية، وهو يتصل بالإضافة إلى ذلك، بالثقافة وتاريخها.
    بل يبدو لكثير من علماء الاقتصاد أن من المتعذر فهم أية مشكلة اقتصادية. فهما عميقا محيطا، دون الاستناد إلى هذا الإطار الواسع من العلوم الإنسانية.
    ذلك أن الاقتصاد ليس معادلات ذهنية أو رياضية. فالاقتصادي السياسي مثلا علم يعنى بالحياة الاجتماعية، وعلى الأخص بجانب من جوانبها الأكثر أهمية:
    الإبداع الإنساني، وكل تجديد وكل تغيير في القطاع الاقتصادي يكشفان عن إبداع، كالإبداع الفني ذاته.
    أضف إلى ذلك أن تطور التقنية خلق نوعا عميقا من العلاقة بين النتاج الاقتصادي والنتاج الفني يتمثل، على الأخص،
    في الشكل. فلقد أصبح الشكل قضية رئيسة في كل نتاج معاصر، بل أصبح قضية رئيسة حتى في الآلة نفسها.
    هكذا يبدو الاقتصاد شأنا اجتماعيا معقدا، يرتبط بالحياة الإنسانية، ككل، والإبداع في أساس الاقتصاد.
    وحين أشدد على الإبداع في الاقتصاد أشير إلى ما يؤكده علماء الاقتصاد المعاصرون وفي طليعتهم بعض الماركسيين، من أن القواعد، والوصفات والتعليمات، والحدود،
    تؤدي إلى خنق الحركية الاقتصادية، أي تؤدي بالتالي إلى كبح التقدم الاجتماعي. إذا كان ما تقدم صحيحا في الاقتصاد نفسه، فبالأحرى أن يكون أكثر صحة في الفن.
    ومعنى ذلك أنه لا يمكن أن نقيس النتاج الأدبي بمقاييس النتاج المادي، وأن المبادئ التي تحلل بها الظواهر العلمية هي غير التي تحلل بها الظواهر الأدبية.
                  

09-04-2013, 10:49 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    كادت أن تبوح صبية...
    عزت الطيري




    قف للمعلم
    وفـِّـــهِ
    كتَبَ المعلمُ
    فوق سبوراتِهِ البيضاءِ
    لملمَ حزنهُ
    مترقرقا وخجولا
    ومضى يقول لفتيةٍ
    ولزمرة الفتياتِ
    في عمر الهدير البكرِ
    في وقت الندى


    كاد المعلم
    أن...........
    يذوبَ أسى
    وكادت أن
    تبوحَ صبيةٌ
    بغرامها
    لفتى يتيهُ
    بخصلةٍ سوداءَ
    فوق جبينهِ
    وتبتلت تبتيلا
    قف للمعلمِ
    لم يقفْ
    ولدٌ
    نحيلٌ
    أسود الخصلات
    عن تيهٍ
    وكـــفـّـتْ
    في مقدمة الصفوفِ
    صبيّةٌ فرعاءُ
    عن صمتٍ
    وعن صبرٍ جميلٍ
    أرسَلَتْ
    في الُظُهرِ
    للولدِ النحيلِ
    رسولا


    http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=N...ile=articleandsid=3261
                  

09-04-2013, 11:18 AM

ibrahim fadlalla
<aibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    هذه مناولة بديعة حد التعب ..يا بلة ...شكرا ليك هذا الجمال ...
                  

09-05-2013, 07:36 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تفاصيل صغيرة (Re: ibrahim fadlalla)

    تفاصيل صغيرة
    فاطمة الناهض



    1
    دعوني "أهندس" ما يهمله العالم..على راحتي:
    ما ضر أن وضعت الورود في صفيحة زيتون فارغة .بدلا من مزهرية ..؟
    او رسمت على الجدران قططا تطارد كلابا، بدلا من قمر يهدر نوره على عاشقين وهمييين.
    ماذا لو جعلت قلبي مستودعا لقصص الغرباء المكسورين.. الذين اصادفهم في المحطات البعيده.. ؟
    الا يمكن ان يمر نهر مثلا..فوق سكة قطار مهجوره..او تنقل دار الاوبرا قرب ميتم أو سجن للنساء.

    2
    دعوا الأطفال .. يتسخوا ولو قليلا ..ليصبحوا حقيقيين..ابتعدوا عن تعقيمهم بالموانع والعيب واللاءات ..
    اتركوهم وحالهم بعض الوقت.. يلطخون انفسهم ببقايا الطعام....يكسرون نافذة ...او يرسمون بالاحمر وحوشا تشبهكم ..على حيطان غرفة الضيوف..

    3
    لماذا يجب ان يصبح الكل " مثاليا" ..طول الوقت..حتى على الورق.
    لا بد ان هناك صعلوكا فاتنا -يكره ان يغطي شعره- يذرع الطرقات حافيا في الظلام..وفي فمه اغنيه..
    وأن تكتشف امرأة بأنها تحب زوجها فقط لمجرد انه لا يقتل النمل..ويلجأ إليها كطفل حين يصاب بالزكام.
    نحن "الناقصون" حتى في مرارة الندم.لماذا يجب أن نبني حياة "كاملة ".من أجل الاخرين..
    الا نستطيع حمل نقصاننا الأبيض ليعرفوا اننا أحياء..
    لماذا نتركه في الزوايا المظلمة وخزائن الاقفال الرقمية..ونستعرض قوتنا أمام الآخرين..
    الناقصون مثلنا..ذوو الزوايا الأكثر ظلمة..والخزائن السرية الغامضه.

    4
    لبعض ذلك..سأنشغل بهندسة التفاصيل المهمله..
    أصنع بها عالما موازيا يعانق الحياة
    وأترك لكم مسائل العالم "الكبرى.". ترتبونها على راحتكم..
    فنحن لن نلتقي على اية حال.

    15 أغسطس




    صديقة البطلة



    لم تستطع الأيام ولا الناس
    أن تهذب عواطفي .
    لا زالت تلك الغجرية التي تسكن داخلي..تطل من ملامحي أغلب الوقت.

    ربما كنت شجرة في حياة ثانيه..تطيش أغصانها في كل اتجاه
    يعانق ظلها اللطيف..تعب العابرين
    وتنكمش على نفسها كل خريف..
    فيما تذرف اوراقها حزنا رائقا على الرصيف.
    أو طائرا ربما ..يذرع السماء بقلق الهجرة الأولى..
    ولا يعرف ما يريد بالضبط.
    لكنني لم أكن قطة منزلية في يوم من الأيام..
    ولاأرنبة مذعوره..تتلفت فوق كتفيها طول الوقت..
    ما أقل هذا النهار.وانا أحاول توزيعه على الفرح..
    ساعتان للقلق..ساعة للاصدقاء..كوب قهوة...ورواية قديمه...
    ليس يأسا..لكنني لا أجيد البطولة المطلقه.
    أحب..صديقة البطلة..
    لديها من الصبروخفة الدم ما يعوض عن صفاقة البطلة الاصليه....حتى انها تستفز الخيال..وتثير حفيظة الدهشة..وربما كانت غجرية بعض الشيء..مثلي..تمضي في أيامها بجناحين ..وأساور.. وأغنيات.
    إذن....لن أشعر بالغربة وانا أقطع الوقت بالعرض..
    أقتسم نفسي والبهجة ،حين تأتي بلا سبب..
    وأهب الريح عباءة القلق..

    15 أغسطس2013





    من أول السطر



    يلزمني الان عقل آخر..
    وجسد آخر..
    وقلب جديد..
    كي أواجه ما انتهى اليه الربيع..
    الربيع الذي أيقظ ارواحنا من غفوة فاتره
    وترك اجسادنا تئن من خفتها..
    وقلوبنا تترنح لفرط الترقب..
    أشهر سكاكينه دفعة واحده!
    كان الأفق ممهدا بالنوايا ..والكركرات الغريرة ..
    وكان الخطو يحرك على إيقاعه الكون..وأسراب الاماني..
    وكان الربيع..يدير الرؤوس..
    من كان يتنبأ بالعتمة التي قطعت الطريق..مثل لص محترف..
    وعصفت بأعناق الورد ..
    كيف انهارت الحياة هكذا ..شجرة شجرة..
    والبراءة ..دهشة اثر أخرى..
    قلب جديد يارب..
    يسع..كل الذين أوغلوا في بساتينه المريبه..
    وراحوا...ضحية فتنته الكاذبه.

    20 اغسطس2013


    http://www.seeeen.net/texts-0-3026.html

    (عدل بواسطة بله محمد الفاضل on 09-05-2013, 07:38 AM)

                  

09-05-2013, 07:45 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: ibrahim fadlalla)

    سلمت صاحبي
    وأنت فيها
    لا بل ليس كمثلنا
    بل أنك تحولها إلينا من لغة إلى لغة
    شاكرين لك ومغتبطين
    ما تبذله لك ولنا
    من جهد مقدر



    ولا تنسى مناولتنا في عبورك القادم مما قرأت


    محبتي
                  

09-05-2013, 08:01 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    فتحتَ المظروفَ الذي وصلكَ من كل مكان
    عبد العظيم فنجان



    عندما هربتََ من المرأة التي خرّبتْ حياتكَ ، وحزمتَ أمركَ : صعدتَ القطار طلبا للنسيان .

    عندما ألقيت نظرة أخيرة على ماضيكَ ، ودخلتَ في كهوف النوم، بعد أن رميتَ بذكرياتكَ من النافذة : رأيتَ إليها تطيرُ ، و يحملها الهواء الطلق بعيدا عن الطريق .

    عندما استيقظتَ ، بعد قرون من المحطات ، وتنفستَ الصعداء .

    عندما نزلتَ ، ورأيتها تنزلُ معكَ من جميع الأبواب .

    عندما صارت جميع المسافرين .

    عندما يمّمتَ وجهكَ شطرَ جهةٍ أخرى ، لم توجد بعد ، ومشيتَ حافيا ، إلى أن خضتَ في وحل الألم ، حتى ركبتيكَ .

    عندما شعّت رؤياكَ ، ومرَّ نيزكٌ في فضاء غرفتكَ الباردة .

    عندما سمعتَ الليلَ ، في منتصف النهار ، وكنتَ جالسا على رصيف مقهى ، في مدينة ساحلية .

    عندما وجدكَ ساعي البريد ، الذي كان يبحثُ عنكَ منذ قديم الزمان .

    عندما أخيرا ، وبعد مماطلات ، فتحتَ المظروفَ الذي وصلكَ من كل مكان ، وقرأتَ الخبرَ السار ، الخبر ـ اللغز ، الخبر الذي تعرفه ، الخبر الذي لم يهمكَ يوما ، الخبر الذي أثبتَ لكَ أن حدوساتكَ كانت صحيحة : أن المظروفَ فارغ ، أن ساعي البريد لم يصلكَ ، أن المرأةَ التي خرّبتَ حياتها هي نفس المرأة التي خرّبتْ حياتكَ ، أنكَ لم تصعد القطار ، أنكَ لا تجلس قرب البحر ، ولا في المقهى ، وأن عليكَ أن تفركَ الصدأ عن باطنكَ الذي كان مشعـّا ، فالليل ليس الظلام ، وهو ليس ظاهرة فيزياوية إطلاقا ..



    المصدر السابق
                  

09-05-2013, 09:42 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التاريخ، نقيضاً للتاريخ (Re: بله محمد الفاضل)

    التاريخ، نقيضاً للتاريخ
    أدونيس
    الخميس 5 سبتمبر 2013
    (دفتر يوميّات)


    ( 15 آب 2012 )
    «ابتلعتُ جرعةً فاخرةً من السمّ « (رامبو)،
    وها أنا من جديد، أكرر قديمَ رامبو: أبتلعُ، كلّ يَومٍ، مثلَ هذه الجرعة.
    جسدي مدينةٌ من السمّ الفاخر.
    لكن لديّ مشكلةٌ لم أفكّر فيها هي أنّ السمَّ في الحياة العربية الراهنة لم يعُدْ فعّالاً.
    *
    غلَبَنا الشقاء.
    كلُّنا نقبل اليوم أن ننظر إليه بوصفه خبزاً يوميّاً.
    *
    أملك بيتاً سرّيّاً أفيء إليه كلّما تعبت
    من هذا العالم:
    بيتاً في زاوية كتاب.
    *
    (آب، 16)
    نهضتُ من نوميَ هذا الصباح، ونهض معي الحلمُ
    الذي رافقني طولَ الليل.
    شربنا القهوةَ معاً، ثمّ خرجتُ وحدي
    أمارس رياضتي اليومية.
    بدَت لي الطريقُ ضيّقةً لا تتسع لخطواتي.
    آثرت العودة إلى البيت. كان الحلمُ ينتظرني.
    قلنا: سننام هذه الليلة معاً. ونحاول أن نكتشف طرقاً أخرى
    في بلدانٍ أخرى.
    *
    للهرب من هذا العالم
    عطر امرأةٍ عاشقة.
    *
    أحياناً يطيب لجاري، الصديق الرسّام، أن يضع العصر الذي
    يعيش فيه، بين يديه،
    أن يفركه كمثل تبغٍ ليّنٍ،
    يحشو به غليونه،
    أن يدخّنه فيما يحاول أن يبتكر له
    شكلاً.
    *
    طاغيةٌ هي اللغة العربية:
    تراقبُ الأشياءَ - جميع الأشياء،
    تمنعها من الكلام، متى شاءت، أو تضيّق عليها حدودَه.
    هكذا يظلّ الزمن العربيّ واقفاً،
    إلاّ إذا أراد السّيرَ إلى الوراء.
    حسناً : هذا ما يريده العالم.
    *
    مأخوذون بالسّلطة،
    يحلمون بالجلوس على كرسيّها،
    حتّى بعد أن يُقتَلوا،
    حتّى بعد أن يُمَثَّل بجثثهم.
    *
    لا لغة الواقع.
    لا لغة ما وراء الواقع.
    بل اللغة التي توحّد بينهما.
    *
    (آب، 18)
    واسعةٌ هي أرض العرب وكريمة:
    جميع بلدان الأرض مقيمةٌ فيها،
    لكنّها هي نفسها،
    تقيم في بلدانٍ غير عربيّة.
    *
    حتّى أنتَ، أيّها القمر؟
    حتّى أنتِ ، أيتها الشمس؟
    كيف لا تحملان سلاحاً، ولا تحاربان،
    إلاّ تحت سماءِ العرب؟
    *
    على باب غرفتي،
    على الطريق منها وإليها،
    في الفضاء المحيط،
    غِربانٌ كثيرةٌ تتطاير. تحديداً:
    ثلاثُ مئةٍ وخمسةٌ وستّون غراباً،
    لكنّها جميعاً تطير بأجنحةٍ من الكذب.
    في الوقت نفسه،
    أسمع كلّ يومٍ رواياتٍ كثيرةً
    عن شيءٍ يُسَمّى الصّدق،
    بعضها يقول إنّه مريض،
    بعضُها يقول إنه مجنون،
    وبعضها يقول، ولعل ذلك هو الأرجح :
    اعتُقِلَ وقُتِل.
    *
    اتّسعْ، اتّسعْ أيُّها الكهف،
    عندكَ ضيوفٌ ضخامٌ هذه الليلة:
    ساسةٌ وقادةٌ وَسَادة.
    *
    ماذا تنتظر أيُّها القلم
    لكي تُنتِجَ ورقاً من القنابل والصواريخ والنّفايات؟
    *
    (آب، 20)
    أخيراً وضعَتِ السماء يديها المُتعبَتين
    على كتف اللغة.
    شكَتِ اللغةُ حالَها - قالت:
    لماذا لا يُمسكُ أحدٌ بيديّ،
    ويرافقني إلى حديقة الصِّدق؟
    وماذا عليَّ أن أفعل لكي يُبادَ الكذب؟
    *
    سيكونُ لكم أيّها الفقراء، ما تشاؤون،
    لكن في دورةٍ مقبلة من موسم العطاء.
    *
    تركوه يتخبّط سابحاً في دمه،
    قالوا مطمئنّين:
    ستأتي السماء وتأخذه إلى بيتها.
    *
    - «أعْطيني ما أقدرُ أن أبتكرَ منه عيوناً
    لرؤية العالم حولي»، قالت الشجرة
    للشمس،
    قالت، فيما كانت تحترق.
    *
    بدأ جسمُ الوَقْت يتجعّد وييبس،
    منذ أن بدأ يفقد ذاكرته.
    *
    (آب، 22)
    - تريد، إذاً، أن تتنفّس في رصاصة
    وأن تسكن في قنبلة؟
    هل أنت ملاكٌ؟ أو ماذا؟
    *
    شبحُ جنّيّةٍ؟
    هل تريد حقّاً، أن تنزل ضيفةً عليك؟
    *
    مهمّةٌ شبه مستحيلة:
    كيف تُغسل الشوارعُ والأنقاض
    من ذكرياتها؟
    كيف تُحَرّر من ذاكرتها؟
    *
    ما أغربَ ذلك الجسم المحارب:
    في رأسه أكثرُ من قدمٍ.
    في القدمِ أكثرُ من عين،
    وكلُّ خليّةٍ رصاصةٌ تُهَيَّأُ لكي تُطلَق.
    *
    تاريخٌ
    يعتقلُ الهواء ويقتل الماء.
    *
    ذلك القتيلُ المصلوبُ،
    إنْ لم يكنْ أنا نفسي،
    فمن يكون؟
    *
    سأنتزع قلبي من شبكة ذلك الجمهور:
    من علمِه ومن حبِّه خصوصاً
    وفي زيارتي المُقبلة،
    لن آخذ معي رأسي.
    *
    قارىءٌ حديدٌ وكتابٌ حَديدٌ:
    لكن، من يكون الكاتب؟
    *
    تطوّرٌ غيرُ طبيعيّ :
    لم تعُد الأيائل هي التي تقيمُ في الغابات.
    على العكس، أصبحت الغابات هي التي تتنقّل مذعورةً تحت سماء الأيائل.
    *
    «عندي شهوةٌ لالتهام المدن:
    تصرخُ حروبٌ عربيّةٌ آتية.
    *
    قيثارٌ يُقطِّع أوتارَه :
    الطبعُ يخونه،
    والطّبيعة حوله صمّاءُ بكماء.
    *
    منذ فترةٍ،
    توقّفتُ عن تعلُّم لغة الغبار
    وبدأتُ أتعلّمُ لغةَ الرّيح.
    *
    لم أقاوِمْ، بل استسلمت:
    أمسِ، أخذتني نجمةٌ إلى بيتها،
    لكن لم تعرف كيف تفتحه.
    *
    (آب، 25)
    صفصافةٌ باكية،
    تحبّ أن أستحمّ في حوضها.
    « ستغسلني بدموعها «، قالت.
    شكراً أيتها الغالية العالية.
    *
    أتنبّأ بقبورٍ
    تحفرها الأظافرُ والأسنان،
    أتنبّأ بأطفالٍ
    يعرفون كيف يحوّلون الكواكبَ إلى أحصنة
    والغيومَ إلى مراكب.
    أتنبّأ بخبراء
    لا يقرأون كيمياءَ الوقت إلاّ في كبد الذّرّة.
    *
    (31 آب، 2013)
    غاز غزوٌ غَزَويّ :
    مسرح صواريخ وأقنعة وزيزان.

    ولا يخرج غازُ السّارين من الحاويات والأنابيب والصواريخ وحدها.
    من العقول والقلوب والنّفوس يخرج كذلك وعلى نحوٍ أشدّ فتكاً.
    ولماذا كلّما تقدّم الإنسان ازداد لجوؤه إلى التفنّن في أساليب التدمير والقتل؟
    *
    أغنية
    قلتُ من أوّلٍ، وأكرّر ما قلتُه :
    لا أرى لحياتيَ في العالم العربيّ
    المُدَجّنِ والمتَأمْرِكِ معنى.
    « فيضانٌ غريبٌ «، مثلما قال رَامبو،
    « محا الشرقَ « - يأتي
    فيضانٌ غريبٌ جديدٌ ليمحُوَ
    شرْقَ العروبة، لكن
    ربّما سيكونُ اسمُه عربيّاً.

    الأربعاء 4 سبتمبر 2013


    http://alhayat.com/Details/548397
                  

09-05-2013, 10:13 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التاريخ، نقيضاً للتاريخ (Re: بله محمد الفاضل)

    فَنّ الكَلام
    الشاعر الأرجنتيني: خُورخِي لويس بورخيس
    ترجمة: الشاعر عادل أحمد العيفة ( تونس)



    التَّحديقُ في نَهرٍ نابِعٍ من وَقتٍ وماء
    ووَقتُ التَّذَكُّرِ ، هُوَ نَهرٌ آخر
    أَن نَعرِفَ ، هُو أن نكونَ طائِشِينَ
    مِثلَ نَهرٍ
    وُجُوهُنا تَتَلاشَى مِثلَ الماء
    أَنْ تُحِسَّ أنَّكَ أَفَقْتَ ، ذلك
    حُلمٌ آخَر
    حَيثُ أحلام اليَقضةِ، وَ حيثُ المَوت
    المَوتُ هُو أن نَخاف ، داخِلَ عِظامِنَا
    ونظلُّ كُلَّ ليلةٍ نَدعُو الحُلُمَ
    لِيَأتِي
    كُلَّ يَومٍ و سنةٍ ترى رَمزًا تَلمَسُ
    الإنسانَ فيهِ
    حَوِّل إِذًا الغَضَبَ إلى مُوسيقى
    إلى أصواتٍ وإيحاءات

    حُلمٌ يُرى أثناءَ المَوت
    حُزنٌ لامِعٌ مِثل الشِّعرِ ساعَةَ
    الغُرُوب يَلُوح
    الشِّعرُ بسيطٌ و خالِدٌ
    يَعُودُ كالفجرِ ، كغُروب الشَّمس
    مَساءً، يلوحٌ وَجهٌ لنا مِن أعماق
    المَرَايا
    يَجِبُ على الفَنِّ أن يكون له فِعلُ
    المِرْآة
    إنَّهَا تكشِفُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا
    حَقيقَةَ وَجههِ
    الفنُّ أَزَلِيٌّ ، هُو كالنَّهرِ
    المُتدَفِّق
    يَجُوبُ المَرَايَا
    مِرآةٌ لِـ ‘هِيرَكليتسand#8242; المُضطرِبُ
    أَبَدًا
    مِثلَ نَهرٍ هَائِج

    القدس العربي- August 30, 2013

    http://admin.jehat.com/Jehaat/ar/KheyanatThah...oet/Luis2-9-2013.htm
                  

09-07-2013, 10:19 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 4 )


    يبدو في ضوء ما تقدم، أن البحث في الحداثة الشعرية العربية آخذ في دفعنا باتجاه مأزق لا مخرج منه.
    وهذا صحيح، ظاهريا لكن هذا المأزق سرعان ما يتكشف عن الجادة، حين نعود بالبحث إلى مداره الصحيح. وينهض هذا المدار على جلاء ثلاث قضايا:
    القضية الأولى تتصل بإشكالية نشوء الحداثة في المجتمع العربي.
    والقضية الثاني تتصل بإشكالية التعارض: شرق/غرب.
    والقضية الثالثة تتصل بمعنى الحداثة الشعرية العربية، وبخصوصيتها.
    أما عن القضية الأولى، فلعلنا نعرف أن المحدث الشعري العربي نشأ كخروج على محاكاة النموذج القديم، أي نموذج النظم كما تمثله القصيدة الجاهلية،
    والذي سمي في المصطلح النقدي بـ: "عمود الشعر" ويتضمن هذا الخروج تمردا على معيارية ترسخت قيميا وفنيا، واتخذت طابعا اجتماعيا- ثقافيا، ذا بعد سلطوي.
    لكن هذا المحدث نشأ بفعل الضرورة التي فرضتها المرحلة التاريخية- الحضارية، وليس بمجرد الرغبة في معارضة القديم.
    فهذه المرحلة واجهت الشاعر بمشكلات وأسئلة لم تطرحها المرحلة الجاهلية. وهذا ما فرض عليه أن يعيد النظر في اللغة الشعرية الجاهلية، وطرق التعبير المألوفة،
    وأن يبتكر طريقته الخاصة، ويستخدم اللغة بشكل جديد.
    يمكن القول إذن إن الحداثة الشعرية العربية نشأت في مناخ أمرين مترابطين:
    إكتناه اللحظة الحضارية الناشئة، واستخدام اللغة- أي التعبير بطريقة جديدة يتيح تجسيدا حيا وفنيا لهذا الإكتناه.
    ونخلص من هذا إلى مبدأ أساسي هو أن الحديث لا يمكن أن ينشأ إلا بنوع من التعارض مع القديم، من جهة، وبنوع من التفاعل مع روافد من تراث شعب آخر.
    وهذا ما تنطق به الحضارة العربية، ككل. فهذا الذي نسميه الحضارة أو الثقافة العربية التي نضجت في العصر العباسي، إنما هي في أعمق أبعادها،
    جسد مغاير للجسد الثقافي الجاهلي. إنه مزيج تأليفي من الجاهلية والإسلام، تراثيا، ومن الآخر- الهند وفارس واليونان،
    تفاعليا- أي مما كان يشكل النتاج البشري الأكثر حضورا وفاعلية، بالإضافة إلى العناصر الأكثر قدما مما ترسب في الذاكرة التاريخية: سومر، وبابل، وآشور
    في صورها الآرامية- السريانية.
    وفي هذا أعطت الفاعلية الإبداعية العربية المثل النموذجي الأول: لا يمكن أن تقوم لشعب ما، ثقافة بذاتها ولذاتها، في معزل عن ثقافات الشعوب الأخرى.
    فثقافة كل شعب حضاري إنما هي تأثر وتأثير، أخذ وعطاء؛ حركة من التفاعل. وتكون الحضارة تأليفا من هذا التفاعل أو لا تكون.
    كذلك أعطت الفاعلية الإبداعية العربية المثل الآخر وهو أن شرط هذا التفاعل أن يتسم بالإبداعية والخصوصية في آن.
    وقد نقل العرب هذا المزيج التأليفي الإبداعي الخصوصي، في ذروته العليا، إلى الآخر- وهو هنا الغرب- عبر الأندلس.
    ما الحداثة، في هذا المستوى الذي عرضناه؟ إنها التغاير: الخروج من النمطية والرغبة الدائمة في خلق المغاير. والحداثة، في هذا المستوى، ليست ابتكارا غربيا.
    لقد عرفها الشعر العربي، منذ القرن الثامن، أي قبل بودلير ومالارميه ورامبو، بحوالي عشرة قرون. وهي، لذلك، ليست "مستوردة"، وليست "فطرا"
    وإنما هي ظاهرة أصيلة، عميقة في حركة الشعر العربي. ويمكن التأريخ للشعر العربي، بدءا من بشار بن برد،
    من زاوية الصراع أو "الجدل" بين "القديم" و "المحدث" (وهذان مصطلحان عربيان "قديمان")، وهذا هو، كما أرى، التأريخ الشعري الحقيقي الذي لم يكتب حتى الآن،
    ويشكل غيابه ظاهرة مهمة للدراسة.
    الحداثة، إذن ملازمة للقدم في كل مجتمع وفي كل مرحلة. ومن الطبيعي أن تختلف أبعادها وأشكالها من مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى زمن.
    إن سياقها ودلالتها عند الشاعر الفرنسي، مثلا هما غيرهما عند الشاعر الإنكليزي أو السوفياتي أو الأميركي. كذلك لسياقها ودلالتها، عند الشاعر العربي خصوصية متميزة.
    لذلك لا تبحث الحداثة، في المطلق، كمفهوم مطلق. فالحداثة هي دائما حداثة شعر معين في شعب معين في أوضاع تاريخية معينة. والحديث في هذا الشعب ينشأ،
    بالضرورة، في بعض وجوهه، من القديم فيه. هذا صحيح وبدهي. لكن من الصحيح والبدهي أيضا أنه لا ينشأ إلا كشجرة تمتد غصونها في الاتجاهات كلها. "الأخذ" وحده،
    فطر لا يلبث أن يموت: لا جذور له، ذلك أنه ليس نتاج الذات، بل نتاج الآخر. لكن القديم إذا لم يتفجر، ويتوالد، ويتجاوز نفسه، لا يلبث هو كذلك أن يفقد نفسه الحي،
    ويتحجر وتصبح الذات في عزلة عن الآخر، أي تتحول إلى قبر.
    الحداثة، في هذا المنظور، هي الاختلاف في الائتلاف:
    الاختلاف من أجل القدرة على التكيف، وفقا للتغيرات الحضارية، ووفقا للتقدم.
    والائتلاف من أجل التأصل والمقاومة، والخصوصية. الاختلاط المفرط عن تراث اللغة التي يكتب بها الشاعر، هو الموت- أي هو التبخر كالدخان،
    بالقياس إلى نار هذه وجمرها. الائتلاف المفرط هو الموت أيضا- أي التخثر كالحجر.
    كأن الحداثة أن تخلق النظام فيما تمارس الفوضى. أو كأنها أن تجرح فيما تلأم.
    على هذا المستوى، تبدو الحداثة صراعا دائما. وهي تأخذ في المجتمع طابعا حادا أو هادئا، جذريا أو إصلاحيا، بحسب ظروف هذا المجتمع، وبحسب أوضاعه.
    ومن هنا تبدو الحداثة كأنها حركة إلى الأمام لا تنتهي في قديم يحاول أن يكون حركة إلى الوراء لا تنتهي.
    لكن يجب أن نلاحظ ونعترف أنه حدث خلل في هذا السياق التاريخي، بدءا من سقوط بغداد تحت سنابك هولاكو.
    ويتمثل هذا الخلل في قطعين كبيرين: الأول هو القطع العثماني، والثاني هو القطع الغربي. بالقطع العثماني انفصل العرب عن أفق الإبداع الحضاري، وبالقطع الغربي،
    انفصلوا عن هويتهم الحضارية، وإذا كان خطر القطع الأول يتمثل في تعميم الظلامية وترسيخها، فإن خطر القطع الثاني يتمثل في تعميم نور زائف.
    ومن هنا يبدو ما سميناه بـ"عصر النهضة" كأنه فراغ أو تجويف داخل التاريخ الثقافي العربي. وهو فراغ بوجهين:
    الوجه الأول هو فراغ القطع مع عناصر الحيوية والتقدم في الماضي العربي، والوجه الثاني هو فراغ القطع مع عناصر الحيوية والتقدم في الحاضر الغربي.
    من الناحية الأولى، ارتماء عشوائي في أحضان الحضارة الغربية. فقد اغترفنا منها معظم نظرياتنا الفلسفية والأدبية والثورية-
    وبخاصة أفكار القومية والعلمانية والاشتراكية والماركسية والشيوعية والرأسمالية. وغمرتنا هذه الحضارة، فوق ذلك، باقتصادها وأبعادها السياسية الاستعمارية.
    وبرز العلم بتطبيقاته الاستهلاكية على الأخص، يسيطر علميا على الحياة العربية. وهكذا نقلنا المنجزات ولم نأخذ الموقف العقلي الذي أدى إليها.
    ومن هنا بدأ المجتمع العربي، بشكل عام، كأنه عربة تتجرجر، مترنحة، في قطار الهيمنة الغربية.
    أما من الناحية الثانية فالتصاق جنيني بالماضي، لكن بمستوياته الأكثر تقليدية والأكثر ارتباطا بالنظام الذي ساد، والذي كانت القوى الحية في المجتمع العربي قد تجاوزته.
    وفوق ذلك، نظر إلى هذا الماضي كأنه حقيقة العرب وشخصيتهم وهويتهم، وكأنه الكامل المطلق. وهكذا أعيد إنتاج أشكاله وأفكاره، اجترارا وتكرارا.
    وفي هذا بدأ الإنسان العربي كأنه كائن غير تاريخي: ضائع بين استحداثية تستلب ذاتيته، واستسلافية تستلب إبداعيته وحضوره في الواقع الحي.
    من الناحية الأولى أخذ يتكلم على الواقع بلغة ليست منه، ومن الناحية الثانية أخذ ينظر إلى العالم نظرة غير تاريخية.
    وتتوج هذا الضياع بهشاشة البنية العربية التي كشف عنها الاستيطان الصهيوني ومصاحباته الاقتصادية والسياسية،
    وكشف عنها امتلاك لطاقة بترولية هائلة هو في جوهره تسول هائل. وهذا كله ولد هاوية مأساوية بين الواقع والممكن، وبين الفعل والقول،
    أدت في الممارسة إلى ما يشبه انهيارا عربيا شبه كامل: على صعيد الأنظمة،
    انحسار بشكل أو آخر أمام الهجوم الصهيوني أدى إلى ازدياد الهيمنة الإمبريالية على الحياة العربية، وعلى صعيد الشعب، خيبة مريرة ويأس يكاد أن يكون ساحقا.
    نخلص من ذلك إلى أن هذا الخلل لا يجوز أن يحجب عنا كون الحداثة إشكالية عربية قبل أن تكون غربية.
    فهي تعود إلى بداية القرن السابع، أي قبل حوالي تسعة قرون من نشوئها في الغرب. نضيف إلى ذلك أنها نشأت في الغرب بتأثير من مسأليتها في الحضارة العربية.
    إن استدعاء هذا الواقع التاريخي الذي يتناساه معظم الذين يتكلمون على الحداثة العربية، وبخاصة الشعرية،
    يتيح لنا أن نطرح مسألة الحداثة الشعرية العربية، بعيدا عن هيمنة الآراء والنظريات المشتقة من قضايا الحداثة الغربية،
    بحيث نقيمها استنادا إلى مقاييس مستمدة من إشكالية القديم والمحدث في التراث العربي نفسه.
                  

09-08-2013, 07:28 AM

ibrahim fadlalla
<aibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    سلام يا بلة ...بمناسبة بورخيس ..هاك قصيدة قرأتها منذ زمن زمين ...إلا أنها ظلت عالقة في الذاكرة .. وكلما مر بي ذكر بورخيس ..
    أحسست " بالمتاخمة المزاجية " ...الليلـــتك ..
    ----------------------------------------------------------
    ترجمة وإعداد: عدنان المبارك

    ( نشيد )

    في ذاك الصباح رائحة لاتصَّدق
    تضوع في الهواء ، رائحة الزهور المتفتحة في الجنة.
    على ضفاف الفرات
    يكتشف آدم زفير الماء العذب.
    المطر الذهبي يسقط من السماء :
    إنه ُحب زيوس.
    من البحر تتقافز السمكة ،
    في حين أن الإنسان من أغريجنتو Agrigento* يتذكر
    أنه كان في الماضي سمكة.
    وفي المغارة المسماة التاميرا Altamira**
    ترسم يدٌ بلا وجه ، قوس ظهر الثور.
    يد فرجيل البطيئة تمرعلى الحريرالذي
    جاءت به من دولة الإمبراطورالأصفر
    القوافلُ والسفن.
    العندليب الأول يغني في المجر.
    المسيح يرى عملة ً تحمل صورة القيصر الجانبية.
    فيثاغورس يكشف أمام يونانييه
    بأن شكل الزمن هو الدائرة.
    وفي جزيرة ما وسط المحيط
    تطارد كلاب السلوقي الفضيّة عبيداً ذهبيين.
    على السندان يطرقون السيف الذي
    سيخدم ، بوفاء ، زيغورد Sigurd. ***
    ويتمان يكتب الأشعار في منهاتن.
    هوميروس يولد في مدن سبع. عذراءٌ ما قبضت قبل لحظة
    على وحيد ِ قرن ٍ أبيضَ.
    الماضي كله يعود موجة ً.
    وكل هذه الأمور البالغة القدم تحدث من جديد
    ولأن إمرأة معيّنة قبّلتك .

    * إسم مدينة في صقلية تعود آثارها الى عصور ما قبل الميلاد.
    ** المغارة المشهورة في إسبانيا والتي عثر فيها على رسومات الإنسان القديم.
    *** بطل أسطورة جرمانية ترمز الى الصراع الدائر آنذاك بين روح الوثنية الجرمانية والرسالة الإنجيلية. ويسمى البطل زيغفريد أيضا.
                  

09-08-2013, 07:44 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: ibrahim fadlalla)

    بديع يأتي بالبديع

    شكراً للمناولة الباهظة
    من خورخي
    شكراً للنشيد


    ويا للصباح الصبيح



    مودتي


    وواصل فمنك تحلو المناولة
                  

09-08-2013, 08:36 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 5 )



    نأتي الآن إلى القضية الثانية، قضية التعارض: شرق/غرب.
    ففي الأصل لا "غرب" لا "شرق". في الأصل الإنسان، سائلا، باحثا. بدأ السؤال والبحث، وجودا ومصيرا، في حوض المتوسط الشرقي، ومن ضمنه سومر/بابل. ثم أصبحا نظاما فكريا، ومشروع أجوبة، متكاملة وشاملة في أثينا.
    من هذا الحوض كذلك، جاءت الرؤيا الدينية: اليهودية وبعدها المسيحية- مشروع أجوبة أخرى. وهيمن الجواب المسيحي، و "غزا" ما وراء المتوسط: "الغرب".
    ثم جاء الإسلام بأجوبته التي تحتضن ما تقدمها، وتكملها.
    أوروبا نفسها "تسمية" مشرقية- فينيقية: أي أنها "اكتشاف" أو "ابتكار" مشرقي، - (أليس اسمها هو نفسه اسم الإلهة الفينيقية" أوروب "كما تقول الأسطورة- أي كما يقول الخيال/الواقع؟).
    الانفصال إلى "شرق" و "غرب" في الشكل الراهن، معنى: صورته "التدين"، وأساسه التسيس- التعيش، أي "الاستعمار". ومنذ الحروب الصليبية، ثم الانفصال، وبدأ يأخذ شكله الإمبريالي- الرأسمالي مع توسعات "النهضة" الأوروبية.
    كان، في أثناء ذلك، يتم على المستوى الحضاري، انفصال آخر بين "العقل" و "القلب" اختارت أوروبا العقل، بل "ألهته"- ارتباطا بأثينا أرسطو. وبالغت في توحيده "فوصلت إلى التقنية.
    الإبداع، أساسا، ليس تقنية. ذلك أن التقنية تطبيق. إعادة إنتاج فهي لا تحقق شيئا إلا بتحويل مادة معطاة، وإلا استنادا إلى مخطط- نموذج التقنية مشروطة بالنموذج، الموجود، أوليا، قبل التطبيق. الإبداع هو التحقيق دون نموذج. الإبداع نموذج ذاته. وفي حين تستند التقنية إلى شيئا إلا بتحويل مادة معطاة، وإلا استنادا إلى مخطط- نموذج التقنية مشروطة بالنموذج الموجود، أوليا، قبل التطبيق.
    الإبداع هو التحقيق دون نموذج. الإبداع نموذج ذاته. وفي حين تستند التقنية إلى تحليل الواقع، وتجزئته، أي الفصل بين النموذج والواقع، فإن الإبداع يفترض، أوليا، عدم الفصل بين النموذج والواقع، المادة والشكل.
    التقنية "تقدم" في إعادة إنتاج النموذج. الإبداع ليس تقدما تقنيا أو نموذجيا، إنه انبثاق- اكتشاف للأصل لا نهاية له.
    إبداعيا، أعني على مستوى الحضارة بمعناها الأكثر عمقا وإنسانية ليس في الغرب "شيء" لم يأخذه من الشرق. الدين، الفلسفة، الشعر (الفن، بعامة) "شرقية كلها. ويمكنكم أن تستأنسوا بأسماء المبدعين في هذه الحقول، بدءا من دانتي حتى اليوم.
    فخصوصية "الغرب" هي التقنية، لا الإبداع. لذلك يمكن القول إن الغرب، حضاريا، هو ابن للشرق. لكنه، تقنيا، "لقيط": انحراف- استغلال، هيمنة، استعمار، إمبريالية، إنه، في دلالة أخرى، تمرد على الأب. وهو الآن لم يعد يكتفي بمجرد التمرد، وإنما يريد أن يقتل الأب.
    لا وسيط في الإبداع، بين العدم والاسم. أن تولد وأن تسمي فعل واحد. الإبداع كلمة/ فعل، فعل/ كلمة. إنه سديم يتمرأى، يتصور ذاته. إنه تأسيس على الهاوية- أي انخراط بدئي في قوى الكون الحية. أمام "الفكر الغربي "يأخذك" النظام"، "النسق"، "المنهج" أمام "الفكر الشرقي"، تشعر، على العكس، أنك في حضرة الهاوية، حضرة السديم. الخلاق المشرقي هو نفسه سديم. لذلك تشعر، إزاءه، كأنك مأخوذ بالرعب.
    هكذا يرسي "الفكر الغربي" الواقع في أفق المادة، ويرسيه "الفكر الشرقي" في أفق الوحي، أي أفق اللغة- الخيال.
    يحاول الأول أن ينظم المحدود، ويحاول الثاني أن يحدد ما لا يمكن تحديده، وأن يقبض على ما يتعذر القبض عليه- على ما يظل مبدأ وأصلا.
    لهذا كانت الإبداعات الكبرى في الغرب، سواء كانت دينية أو فنية أو فلسفية. تجاوزا للتقنية، أي "شرقية" الينابيع. إنها نوع من شرقنة الغرب.
    في الراهن تاريخيا، يستسلم الفكر الغربي لشيطان التقنية. أما "الفكر الشرقي" العربي- الإسلامي) فإنه يستسلم لشيطان الاستبداد، تقليدا أو نظاما. كلاهما في حالة "استقالة" - استقالة من سؤال الوجود والمصير. استقالة من "المبدأ و "الأصل" وانخراط في الآلة وأشيائها.
    لكن، هناك يقظة ما في الغرب: أعظم ما في الفكر الغربي، اليوم هو تفكيك" الغرب" وهيدغر هو المفكك الأعظم. لهذا أصف هيدغر بأنه "غربي" "الولادة" شرقي الأصل و "التكّون".
    استمرار الانحطاط في "الفكر الشرقي" "(العربي- الإسلامي) عائد إلى أنه ليس إلا إسقاطا تقنيا- أي إلى أنه ليس إلا سقوطا. وهذا السقوط يتزايد بقدر ما تتزايد الهيمنة التقنية (الإمبريالية) - "الغربية". يبدأ هذا الفكر بتفكيك ذاته، أو لا يكون أبدا.
    في الأصل، لا "غرب" لا "شرق".
    في الوقع الراهن: "الغرب" هو الشكل وحشيا، يبحث عن لطافة المعنى. أما "الشرق فهو المعنى وحشيا، يبحث عن لطافة الشكل.
    وجهان لمشكلة واحدة.
    أخوان يبحثان.
                  

09-08-2013, 08:42 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    موقف الغاوون: دونيَّة المثقف العربي
    العدد 56 - آب 2013



    رفعتْ ثورات الربيع العربي الستارَ عن دونية حقيقية كان يشعر بها المثقف العربي تجاه نفسه ودوره وموقعه قبل الثورة. فقد تعامل هذا المثقف مع نفسه ودوره كما يتعامل أهلُ الحِرَف مع أنفسهم ودورهم. لقد بدت الثقافة مهنةً عاديةً كبقية المهن تأثيرُها محصورٌ بأفراد القطاع الذين يعملون فيها.

    اكتفى المثقف العربي بلحاق «الجماهير»، ومن لم يستطع اللحاق بها هجاها واعتبرها رعاعاً. تنصَّل هذا المثقف من جميع مسؤولياته لأنه اعتبر نفسه أقلّ من أن يقود الجماهير أو يصنع وعيها، ولأنه أيضاً اكتشف في دخيلة نفسه أن مسألة بناء الوعي الثقافي لدى الجمهور هي مسألة تراكمية لا تُصنَع فجأةً حين يدهمُ المجتمعَ استحقاقٌ كبيرٌ كاستحقاق الثورة.

    لقد ظنَّ المثقف العربي أن الأبراج العاجية هي المكان الأنسب لإقامته، لكنه لم يحترم حتى شروط الإقامة في تلك الأبراج، حيث صنع لها سلَّماً خلفياً للاتصال ببلاط السلطان. وهكذا صار البرج العاجي برجاً فارغاً حتى من قيمة الزهد الاجتماعي!

    لم ينزل المثقف العربي إلى مستوى جمهوره للتغيير فيه وبناء وعيه، ولم يصل أيضاً إلى مستوى العيش في برج يزدري التفاصيل الأرضية بما فيها بلاط السلطة. لذلك جاء دوره مخيّباً وخائساً، بل ورخيصاً في أحيان كثيرة حيث راوحَ بين ممالأة السلطان وممالأة الجماهير.

    النتيجة: نظر المثقف العربي إلى نفسه بدونيّة، ثمَّ تعجَّب من نظر الجمهور إليه بتلك الدونيَّة!



    «الغاوون»، العدد 56، 1 آب 2013


    http://alghawoon.com/mag/art.php?id=1493
                  

09-08-2013, 09:45 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    صبوات المداد
    الشاعر د. محمد ولد عبدي*




    غَريمانِ يَعْتَصِرانِ فُؤادِي
    ويَسْتَمْطِرانِ الرُّؤَى
    كلما في انْخطافِي تقلبتُ في صَبواتِ مِدادِي:
    قصيدةُ عشقٍ تُطَوِّحُنِي في المنافِي
    وَوَجْهُ بلادِي



    1
    فَيا أيها الشعرُ
    يا ضَرْبَةَ النَّردِ
    يا مُستحيلاً تَفَصَّدَ في ِرئَتِي
    أيُنا بالمرايا اخْتْلىَ؟
    أنتَ لما نَصَبْتَ الفِخاخَ
    وأَغويْتَنِي بالتَّنصتِ للصَّمتِ؟
    أم أنا لما اشْتَبَكْتُ بِحَبلِكَ
    منذُ وداع المَشيمَةِ في صَرخَتي؟
    كُنْ عطوفا قليلاً
    وقَلِّبْ على جَمركَ المتلألئ حُلمي
    فما زال في المُتقارب مُتَّسعٌ لغدٍ آخرٍ
    لم يشِمْهُ "الخَليلْ"
    غدٍ لم تُسَوِلْهُ لي لُغتِي في " كتاب الرَّحيلْ"
    أيها المستحيلْ
    لاهِثٌ أنا خَلْفَ مَداكَ
    أَهُشُّ القصيدَ "بلائي"
    التي أثْخَنَتها المنافِي
    وترفُضُ أن تَستقيلْ
    فحتَى مَ أركضُ والعاطلون عن الحُلْمِ
    في المَنْكِبِ/ التِيهِ
    يَستنْفرونَ ورائي القبيلْ
    تَشَرَّبتُ رَفْضِي
    وما بيدي في غَدي غير هذا المجازْ
    يُدَوْزِنُهُ القلْبُ في " مَكَّ مُوسَ "*
    أو النَّهاوَنْدِ
    أو الجازْ
    أو في مَقام الحجازْ
    أَينما القلبُ وَلَّى وأَوْجَسَ في نفسهِ وَطنًا
    سيكونُ لهذا الكَمانِ انْحِيازْ
    فيا سُلَّما يَتَصَعَّدُ في الرُّوح، رُحماكَ،
    أَورَثْتني غُربتينْ
    جَرَّعتَنِي زمنينْ
    أَشْرَبْتني وَطنينْ
    سَلْطَنْتَنِي فَتَمايَلْتُ فوقَ سَماكَ
    وأَسلمتَنِي للمقاماتِ تَعبثُ بِي
    فامّحَيْتُ لأرسُمَ وجهَ بلادِي.
    2
    بلادي
    أتَكفِي الولادةُ كيْ تَتَدَلَّلَ ياءُ الإِضافَةِ
    حينَ أنادي بلادي ؟
    أم العمرُ أسلمتُهُ لمنافِي تعشّقتُها حدَّ موتِيَ
    أَعطَتْ كما البحرُ
    عانقتُها فاتْحدتُ بها في مَقامِ القصيدةِ
    تَكفِي لتُلبِسَ ياءَ الإضافةِ ثوبَ الحدادِ؟
    بلادي
    ويا حَسرةَ الرُّوحِ
    بين الولادةِ والموتِ
    لما التَّمائمُ نِيطَتْ عليَ
    ولما سَيَسْتزلُ الشعراءُ الرثاءَ عليَ
    يقولون:
    " كان عليها ينادي،
    بلادي
    ويسكُنُه الزَّهوُ
    كان يخيطُ مع الفجر – يرحمه الله-
    أحلامَ من يولدون غدًا،
    يَتَهجىَ عيونَ الصِّغارْ
    وما خلَّفَ المُبلسونَ
    طُهاةَ السَّرابِ من القَهرِ
    والكذبِ المرِّ والعارْ،
    ما رسموا في المناماتِ من خَرَفٍ
    في المدارسِ من سَخَفٍ
    شَيَّدوا من متارسَ بين النَّخيل وبين الجِرارْ
    وأنذرَنا غَدَنا قبلَ موت الحمامْ
    - الحمامُ تخطَّفَهُ النَّبذُ والجبذُ والكَلِمُ المستعارْ-
    كان يرحمُهُ اللهُ ...
    كانْ...
    وكانْ..."
    ربما شاعرٌ واحدٌ يَتنكَّبُ دَربَ الخليلْ
    ويكتبُ مرثيةً دمعُها بين سَطرٍ وسَطرٍ يَسيلْ
    ربما وقعُ ذاكَ المساءِ ثقيلْ
    ربما الياءُ عن رَسْمها المغربِي
    قليلا تميلْ
    فتَمتَدُ فيها الإِضافةُ من صَرخَة الطِّفلِ
    عند وداعِ المَشيمةِ
    حتى وداعِي تُجلِّلُنِي نجمةٌ وهلالٌ أصيلْ
    بلادييييييييييييييييييي
    فتَشتَبِكُ الياءُ بالقلبِ
    بين المطارات،
    أحملُها في الحقيبةِ
    أسْكنُها في القصيدةِ
    أُعلنُها أفقًا للذين غَدًا يولدون
    أَعودُ إليها وبِيِ من مَواجدِها
    ما تَميدُ به الأرضُ
    ما يُقلقُ البحرَ وهو يُغالبُ ايقاعَهُ
    فإذا دَمُها عالقٌ بالقبائلِ تَلعَقُهُ
    بالجهاتِ، الفئاتِ، الحماةِ، الحفاةِ، القضاةِ، العراةِ ...إلخْ
    قد تُصابُ القصيدةُ بالجَلْطَةِ اللّغَويَةِ
    لو أن مَسْخَ التَّحَيُّزِ ظَلَّ على رِسلِهِ يُنْتَسَخْ
    لذا قالتِ الياءُ
    وهي تُعانقنِي في المطارِ:
    وداعًا
    دخلتَ إلى معجمٍ مِنْ تَعتُّقِهِ في السُّقوطِ امتَسَخْ
    إلى بَرْزَخٍ يَتَمرَّغُ في طينِهِ الآدَمِيِ،
    تَقَدَّس في الدَّنس الوَثَنِيِ
    تورَّمَ في جِلدِهِ وانْتَفَخْ
    إلى منكبٍ رَعَوِيٍ تَجوسُ الأساطيرُ في أمسِهِ،
    يومِهِ، غدِهِ .
    وتُقْرَعُ فيه طبولُ القِطافْ
    لذا لا يُضافْ.
    فمن ذا سواك عليه يخاف؟
    ومن ذَا سواكَ عليه يُنادِي
    " بلادي"
    ويَفضحُهُ القلبُ في صَبَواتِ المداد؟ِ

    أبوظبي30/1/2013



    * شاعر وناقد من موريتانيا
    * هو مصطلح موسيقي موريتاني، يطلق على الطريق ( الطاروق) البيضاء من مقام " كَرْ " أول المقامات الخمسة التي تقوم عليها الموسيقى الموريتانية.

    المصدر السابق
                  

09-08-2013, 08:47 PM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)


    شكراً بلة على المناولة!
    أرجو أن أكون فهمت الغرض،
    أنك بصدد اصدار مجلة أدبية
    ربما هذا عددها الصفر (قبل الأول!)


                  

09-09-2013, 09:26 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: mustafa mudathir)

    سلمت يا درش


    هي مجرد مناولة إسفيرية للجميع
    وبالجميع
    بما قرأته أخيراً
    ورأيت أنه يستحق أن يطلع عليه
    الناس

    ....
                  

09-11-2013, 07:53 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: mustafa mudathir)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 6 )



    لنفصل، قليلا، هذه الأفكار العامة.
    على المستوي الحضاري العام، نلاحظ أولا أن الحضارة الغربية هي بمعنى ما استجابة عالية للتحدي الذي طرحته الحضارة العربية- الإسلامية على أوروبا، بدءا من الدفعة التأسيسية في العالم المتوسطي- المشرقي: ما بين النهرين، ووادي النيل، وحوض المتوسط الشرقي، وهي دفعة أعطاها الإسلام طابعها الأخير، وأكملها بل إن الحضارة اليونانية كانت استجابة أوروبية أولى لهذا التحدي. ومعنى ذلك أن الإبداعات الإنسانية هي، جوهريا، شراكة إنسانية.
    نلاحظ ثانيا، أن العالم كله اليوم يعيش في مناخ حضارة كونية واحدة. ليس هناك اليوم حضارة فرنسية، مثلا بالمعنى الحصري القومي الدقيق، أو حضارة روسية أو ألمانية أو صينية، وإنما هناك، ضمن هذه الحضارة الكونية الواحدة، خصوصيات واضحة أو غامضة، لا تبعا لدرجة العراقة التاريخية لدى الشعوب، بل تبعا لدرجة حضورها الإبداعي وهذا يعني أن الحداثة هي، بدورها، مناخ عالمي- مناخ أفكار وأشكال كونية، وليست مجرد حالة خاصة بشعب معين. إنها حركة عامة وشاملة. وفي هذه الحركة تشارك جميع الشعوب، بشكل أو آخر، قليلا أو كثيرا،والمشاركة تعني التقاء وإئتلافا، كما تعني الافتراق والاختلاف. والمسالة إذن هي مسألة الإبداع والخصوصية في هذا المناخ العام، وليست مسالة رفضه أو الانفصال عنه.
    وفي هذا الإطار يحسن أن نذكر بما يراه اختصاصي في مباحث الحضارة، هو المفكر الفرنسي هنري دولا باستيد، إذ يقول: "لقد انتهى مفهوم الحضارة العربية. وما من رؤيا للمستقبل تكون لها قيمة، من الآن فصاعدا، إلا إذا تضمنت قيم الحضارات الخمس الكبرى في العالم: الأوروبية (الفكر) العربية (اللغة)، الهندية (الحركة)، الصينية - اليابانية (الإشارة)، الإفريقية (الإيقاع) وهؤلاء الذين سيشحنون الكلام أو الريشة بالفاعلية والتأثير الأكثر عمقا سيكونون الخلاقين الذين أمضوا قسطا من حياتهم في اختيار القيم الأصيلة لهذه الحضارات المختلفة.
    ولعل هذا الرأي أن يجد ما يتممه في رأي آخر للفيلسوف الفرنسي بول ريكور يحدد خصائص هذه الحضارة الكونية، ويوجزها في خمس:


    العلم (الذي يكشف عن وحدة البشر، عقليا، من حيث المبدأ).
    التقنية (من حيث أنها تطوير للأدوات التقليدية، انطلاقا من ممارسة العلم الواحد، ومن حيث أنها اختراع تكشف كذلك عن وحدة البشر، عقليا).
    العقلانية السياسية (التي تتجلى في نشوء الدولة الحديثة، كتقنية سياسية واحدة، عبر تعددية الأنظمة السياسية وتباينها).
    العقلانية الاقتصادية (التي تتجلى في نشوء تقنية اقتصادية واحدة، فيما وراء التباين بين الرأسمالية والاشتراكية).
    عقلانية الطراز الحياتي (ويتجلى هذا الطراز في توحيد الشكل، شكل الملبس والمسكن، على الأخص، وتتجلى هذه العقلانية في تقنية الإنتاج والمواصلات والعلاقات، والرفاهية، وأوقات الفراغ، والراحة. بتعبير آخر إن نشوء ثقافة استهلاكية ذات طابع عالمي يؤدي إلى نشوء طراز حياتي عالمي واحد).
    لنلاحظ، ثالثا، في ضوء ما تقدم- أي في ضوء الماضي والحاضر، أن التعارض شرق/ غرب. وبتحديد أخص: شرق عربي- إسلامي/ غرب أوروبي أميركي، ليس تعارضا من طبيعة حضارية، خصوصا أن في الغرب أنواعا كثيرة من الغرب أكثر انحطاطا من أي انحطاط مشرقي، وأن في الشرق أنواعا كثيرة من الشرق أكثر تقدما من أي تقدم غربي.
    الإسلام نفسه في طليعة ما يؤكد لنا ذلك. فهو في جوهره، أو كما أفهمه على الأقل، ليس شرقيا ولا غربيا، وإنما هو كوني، والمسلم إذن لا يجزئ العالم إلى شرق وغرب، شمال وجنوب، في ممارسة الإسلام دينا وثقافة، وإنما يتجه إلى الكون كله، إلى البشر جميعا كوحدة إنسانية.
    يؤكد ذلك أيضا الفن بعامة، في الغرب، والشعر بخاصة. فالشعر الغربي الحديث في ذرواته العليا هو نوع من الكفاح لتجاوز الغرب- أي نوع من الانتماء إلى الشرق، أو نوع من شرقنة الغرب. إن شعرية الشعر الغربي العظيم تتصل بخصائص مشرقية: النبوة، الرؤيا، الحلم، السحر، العجابية، التخييل، اللانهاية، الباطن أو ما وراء الواقع. الإنخطاف، الإشراق، الشطح، الكشف..الخ.
    بودلير، مثلا، من صانعي الرؤيا الشعرية الغربية الحديثة. إن فنة الشعري يقوم في أجمل مناحيه، على المطابقات وهي أصل مشرقي- صوفي.
    رامبو كمثل آخر. إن أعمق ما في شعره هو صراخه بحنجرة الشرق في وجه الغرب بدءا من قوله: الذات شخص آخر، والتي هي تنويع على القول الصوفي: أنا لا أنا. مرورا بتقاليد الأسرار وطقوسها، وبإشراقاته، رجاء الإنخطاف وتحرير النفس من الجسد.
    نوفاليس، كمثل آخر، في قوله إن الشاعر يرى مالا يرى ويحس بما فوق المحسوس، مالارميه- في الكهانة والنرجسية والملائكية.
    ونستطيع أن نضيف أيضا الكوكبة الشعرية التي توجه الحساسية الإبداعية في الغرب هولديرلن، نرفال، لوتريامون، بروتون بسرياليته التي هي،عمقيا، تجربة صوفية.
    هذا دون أن نسمي الرسامين الذين أسسوا للرسم الغربي الحديث. بدءا من كاندينسكي، مرورا بباول كلي، وانتهاء ببيكاسو وبراك وميرو، لكي لا نسمى غير بعض الكبار.
    لنلاحظ أخيرا أن الغرب، اليوم، هو تقنية/ تقدم- أي بقاء في حدود الظاهر، وأن الشرق هو هذا الهاجس الذي لا يرى الظاهر إلا عتبة للباطن- الباطن الذي هو موطن الحقيقة، أي موطن الإنسان. والشرق اليوم هو مناخ التجربة الشعرية، بامتياز: التطلع إلى المطلق، والتطلع في الوقت نفسه إلى المجهول- أي لبلوغ ما يستعصي على التعبير، أو للتعبير عما لا يعبر عنه. ومن هنا يمكن القول إنه إذا كان في الغرب ما يجدد الشرق، تقنيا. فإن في الشرق ما يجدد الغرب، كيانيا- على مستوى الرؤيا الأكثر عمقا، والتجربة الأكثر شمولا، أي الأكثر إنسانية. بعبارة أخرى: إذا كان الغرب يتقدم في معرفة الشيء فإن الشرق يتقدم في معرفة الذات. وكلاهما الآن يسبحان، حضاريا، في ماء واحد - ماء البحث عن أفق جديد. ذلك أن الاستغراق في الشيء قتل للإنسان، والاستغراق في الذات قتل للطبيعة.
                  

09-11-2013, 07:57 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 7 )




    نصل الآن إلى القضية الثالثة. وفي الكلام عليها ينبغي أن نسارع أولا إلى التوكيد على التعارض شرق/غرب، حدث عارض، وأنه من مستوى إيديولوجي- استعماري، وأننا حين نرفض الغرب اليوم لا يجوز أن نرفضه إلا على هذا المستوى. أما إبداعاته الحضارية فيمكن أن نأخذها، بخصوصيتنا الحضارية، تماما كما فعل هو، بالنسبة إلى ما أخذه عنا سابقا.
    وانطلاقا من ذلك، يجب أن نعترف أن ما أنتجه أسلافنا في الماضي ليس كله قادرا على الإجابة عن مشكلاتنا الراهنة، أو إفادتنا في التغلب عليها- بل من الخطأ افتراض هذه الإجابة أن هذه الإفادة. كذلك يجب أن نعترف أن في الغرب إبداعات تجيبنا عن كثير من مشكلاتنا، وأن ما ينقله إلينا ليس كله خاليا من الحق. دون هذا الوعي، قد ينقلب هذا التعارض الإيديولوجي السياسي، إلى تعارض ثقافي- حضاري. وليست إرادة الوصول إلى هذا التعارض الأخير، سواء جاءت من جهة الغرب أو من جهة الشرق، قصدا أو عفوا. إلا إرادة المحافظة على استمرار مقولة "التفوق الغربي" أي استمرار الثنائية الزائفة: غرب متحضر- شرق متخلف، واستمرار مشكلية ثقافية زائفة تهيمن علينا، فتأسر حركتنا وفكرنا، وتفسدهما مسبقا. وفي أفق هذا الوعي، يصح أن نقول إن الحداثة، مبدئيا، ليست غربية أكثر مما هي عربية، وإذا كان ثمة تفاوت بين الغرب والشرق في ممارستها التطبيقية، فإنه فرق في الكم لا في النوع.وظني أن هذا التفاوت هو ما ينبغي أن يدفعنا أساسيا إلى أن نعيد النظر، بشكل نقدي شامل وجذري، في ماضينا المعرفي وحاضرنا على السواء.
    هل يمكن أحدنا اليوم أن يعرف عالمه الذي يعيش فيه بالمعرفة التي أنتجها الغزالي أو ابن سينا مثلا؟ أو هل يمكنه أن يقارب الأشياء والأفكار المقاربة نفسها التي نراها عند زهير بن أبي سلمى أو أبي العتاهية؟ ولا يتضمن السؤال هنا إنكارا لقيمة هؤلاء في تاريخية إنتاج المعرفة العربية أو مشكليتها، وإنما يتضمن التوكيد على أننا اليوم، رغم أن عالما ثقافيا- لغويا واحدا لا يزال يجمعنا، نعني بأشياء وموضوعات لم يعنوا بها، ولهذا فإن من المحتم علينا إن كنا خلاقين بالفعل، أن نقاربها بطرق مغايرة لطرقهم، خصوصا في المناخ الهائل لانفجار المعرفة، وانفجار طرقها، تعددا وتنوعا وتخصصا. وهو انفجار لا يقتصر على ميدان ما نسميه بالعلوم الإنسانية وحدها، وإنما يشمل أيضا ما نسميه بالعلوم الدقيقة أو البحتة. ماذا يعني إذن البقاء في أشكال المعرفة والمقاربات الماضية؟ إنه ببساطة. يعني الخروج من التاريخ. لكن التخلي عن تلك الأشكال لا يعني تنكرا لتاريخنا أو أصالتنا. ذلك أن الأصالة ليست نقطة أو موقعا في الماضي تجب العودة إليه لنثبت تراثيتنا. وإنما هي بالأحرى الطاقة الدائمة على الحركة والتجاوز في اتجاه المستقبل- أي في اتجاه عالم يتمثل الماضي فيما يستشرف مستقبلا أجمل وأغنى. على العكس، إن ما ينبغي أن نتعلمه ممن أنتجوا لنا المعرفة الماضية، إنما هو ضرورة إنتاج رؤيا جديدة ونظام جديد من المقاربة والمعرفة. هو أن نكملهم، لا بتكرارهم، بل باللهب الذي حركهم، لهب السؤال والبحث، واكتناه العالم والإنسان، وهذا يقتضي سؤالهم ومواجهتهم، إذ دون ذلك لا نقدر أن ننتج معرفة عربية تترابط في سياق تاريخي واحد.
    هكذا يكون إنتاج المعرفة تجاوزا، أي تكون الحداثة في إنتاج المعرفة من مستلزمات القديم، جوهريا. بل تكون الحداثة، جوهريا، ضمان القديم- لحظة كونها تعارضا معه. وفي هذا المستوى لا يمكن الشاعر العربي أن يكون حديثا حقا ما لم يتمثل القديم، أي ما لم يختبره كيانيا.
    هكذا نصل إلى تخطيط أولي لمعنى الحداثة الشعرية العربية وخصوصيتها. إنها على الصعيد النظري العام، طرح الأسئلة من ضمن إشكالية الرؤيا العربية- الإسلامية حول كل شيء، لكن من أجل استخراج الأجوبة من حركة الواقع نفسه، لا من الأجوبة الماضية. وهي على الصعيد الشعري الخاص، الكتابة التي تضع العالم موضع تساؤل مستمر، وتضه الكتابة نفسها موضع تساؤل مستمر.
    هكذا تنبثق الحداثة العربية من قديم عربي هي، في الوقت نفسه، في تعارض معه. فأن تكون شاعرا عربيا حديثا هو أن تتلألأ كأنك لهب خارج من نار القديم، وكأنك في الوقت نفسه شيء آخر يغاير القديم مغايرة تامة. وينطوي معنى الحداثة هنا على تغيير النظرة للممارسة الكتابية الشعرية، وتقييما جديدا لمقوماتها. وتحديدا لقوانين التعامل معها، وللقوانين التي تكونها. وعلى هذا، أكرر ما أشرت إليه آنفا من أن حداثة الشعر العربي لا يصح أن تبحث إلا استنادا إلى اللغة العربية ذاتها، وإلي شعريتها، وخصائصها الإيقاعية-التشكيلية، وإلى العالم الشعري الذي نتج عنها، وعبقريتها الخاصة في هذا كله. وذلك ما يطرح مسألية نقد الحداثة، أو الحداثة النقدية التي لا تنفصل عن الحداثة الشعرية. وهو ما أختتم به.
                  

09-11-2013, 08:00 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 8 )




    طبيعي أن الدعوة إلى انقلاب في فهم الحداثة الشعرية العربية تقتضي الدعوة إلى انقلاب مماثل في نقد هذه الحداثة. وأود هنا أن أكتفي بإيجاز المبادئ الأساسية لهذا النقد الحديث، كما تبدو لي. وأوجزها في خمسة:


    المبدأ الأول الذي يجب أن ينطلق منه النقد الحديث في تقويم الشعر الحديث هو أن مفهوم الممارسة الكتابية الحديثة يختلف جذريا عن المفهوم الذي استقر تراثيا- تاريخيا. وتبعا لذلك، تنبغي الملاحظة أن نظرية الكتابة الشعرية الجديدة هي التي تغير هذا المفهوم تغييرا كاملا، بحيث يصبح للشعر نفسه مفهوم مغاير للمفهومات الموروثة: يتغير معناه، ويتغير دوره.
    بدءا من هذا المفهوم، ينبغي النظر إلى القصيدة الحديثة كنص يدرس ببنيته الخاصة، أي ضمن العلاقات التي تقيمها لغة النص: تراكيب،وصورا، ورموزا. وليست اللغة التي نقصدها هنا مجرد صوتية، قائمة بذاتها، وإنما هي أكثر من ذلك: إنها الكلمات- العلاقات. وفي هذا تنفصل القصيدة كنص عن تاريخية الموروث الشعري- النقدي. ويعني هذا الانفصال أن القصيدة لا تحيل إلى معلوم شائع أو موروث، شأن القصيدة التقليدية، وإنما تحيل إلى مجهول، حاضر أو محتمل- ومهمة النقد أن يحاول اكتشافه.
    الممارسة الكتابية الحديثة ممارسة استباقية. ولهذه الاستباقية وجهان: سلبي، وإيجابي. يعني الأول قطعا مع إيديولوجية الكتابة السائدة على مستوى النظام الثقافي السائد. ويعني الثاني اندفاعا في معانقة المجهول- رؤىّ وطرق تعبير. ومن هنا تتغير النظرة إلى المفهومات الإيديولوجية التي تستند إليها الكتابة الشعرية التقليدية، كالأصالة، والجذور، والتراث، والإحياء، والانبعاث، والهوية.. الخ، ويصبح الارتباط بما يمثل الحركة في اتجاه المستقبل هو الارتباط المهيمن والموجه- أي أن الكتابة تؤسس تاريخها على الرغبة والإنخطاف والرؤيا والكشف، أي على ما يخرق العادة. وبدلا من مفهومات: المترابط، المتسلسل، الواحد المكتمل- المنتهي، التي توجه النقد التقليدي، تنشأ مفهومات أخرى: كالمنقطع، والمتشابك، والكثير واللامنتهي، لكي توجه النقد الحديث.
    القصيدة- النص، إذن، لا تعود مجرد خيط نفسي، أو فكري، أو مجرد سطح انفعالي، وإنما تصبح نسيجا حضاريا، شبكة/ فضاء، يتداخل فيها إيقاع الذات وإيقاع العالم، وتحتضن الزمان الثقافي الخلاق.
    النقد الحديث هو نقد هذا الفضاء في إيقاعه الشامل. ويقوم هذا الإيقاع على حركة مزدوجة، أو على جدلية الهدم البناء، في حركة مستمرة من الاستشراف والتجاوز. ومن هنا نقول أن هذا الإيقاع الإبداعي هو جوهريا وبالضرورة في اتجاه التغير الشامل، أي في بؤرة الممارسة الثورية الشاملة.
                  

09-11-2013, 08:04 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    بيان الحداثة - أدونيس
    ( 9 )



    بعد إيضاح الحداثة العربية ومشكليتها، ينبغي التأسيس لمرحلة جديدة: نقد الحداثة. فالحداثة انتقال نحو سمة. رؤية ما. حساسية ما. تشكيل ما، ليست الغاية وليست في حد ذاتها، ولذاتها قيمة، بالضرورة. الأساسي هو الإبداع من أجل مزيد من الإضاءة، من الكشف عن الإنسان والعالم.
    الإبداع لا عمر له، لا يشيخ، لذلك لا يقيم الشعر بحداثته، بل بإبداعيته. إذ ليست كل حداثة إبداعا. أما الإبداع فهو أبديا حديث.

    (بيروت، 1979)
                  

09-11-2013, 08:25 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    الطائي
    شتيوي الغيثي
    الثلاثاء 10 سبتمبر 2013




    قال: من أنت؟
    قلتُ: من سلالة أسلافيَ المتعبين بأوهامِهِمْ..
    والذين تكسّرت الأغنياتُ على وَجعٍ بهمُ
    في شتاءٍ نسيتُ اختلاط دموعيَ فيه صغيراً برائحةٍ للحطب.
    الذين يُضيّع حاتمُهُم خبزَ أولادِهِمْ..
    والقِرى كعبةً المغتربين الذين استووا حول قصعة أفقر أفقرهمْ..
    حينما تنثني في مجالسهم حدباتُ الركب.
    الذين تنوءand#1648; بهم صَهَوَاتُ النساء..
    فأجداثهنّ قبورٌ رَمَيْن بها كل أحلامهنّ اللاتي ذهبنَ بهنّ لملءِ القِرَب.
    وعُدْنَ وليس بهنّ احتمالٌ لذاك الذي يتولّد في رغباتِ الفحولةِ..
    والتّعَبِ الذي يتدفّقُ فوق تَعَب.
    الذين تصيرُ السماءُ لهم وطناً
    والربيع ذَهَب.
    وتصيرُ جميع النساء اللاتيَ أرضعنهمْ
    أمهاتٍ لهم..
    والصبايا المليحاتِ يُصْبِحْنَ
    أخواتٍ لهم..
    حين يختطّ تحت أُنوف الرجال (الشّنَب)
    الرجال الذين يَمسُّهم الضّرُّ حين تجوع بُنيّاتهمُ
    في السنوات الكُرُب.
    الرجال الذين يفرّون من عجزهمْ بافتعال الغَضَب.

    ***

    أنا نسل من يحسبون قبيلتهم فوق كل القبائلِ..
    حتى إذا ما استفاق النهار عن الغزوات يجيئون مثل جناح النسور التي كَسَرَتها الرياحُ غداة نواحِ بنات العرب.
    أنا ولدٌ للنخيل التي طوّقتها الجبال
    فصرنَ عرائسَ صبحٍ تداعبهنّ الأيادي الصغيراتُ
    والأرجلُ الحافياتُ لجمع الرّطَب.
    بدمي يتوحّد رملُ (النّفُودِ)
    فيغدو ارتحالي صلاة دراويشَ في خَلَوَات الظهيرةِ..
    تغدو الفيافي البعيدةُ حاديةَ الرّكْبِ..
    حين كانت مَطِيّةُ أحلامهم (هَيْجَنَاتٍ)
    وكانت مدامعهم من لَهَب.
    وبعينيّ تسكن (السامريّة)
    يوم كان يبوءُ بإثم الغناء الرجال
    وتهتزّ أشواقهمُ للطّرَب.
    يوم كانت بنات العشيرة يصدُقْنَ في وعدهنّ
    وكان الفوارس يؤتون أرواحهمْ كي تكون مهوراً لهنّ.. وكانت قصائدهم من سُحُب.
    أنا واحدٌ من عِيال الذين ينام (الخزامى) بأحداقهمْ..
    وَتَشُبُّ سواعدُهم عند مفترق العمر..
    قبل رحيل الغوايةِ..
    واللغةِ المستكينةِ بالحجرِ الجاهليّ الغريبِ عن المدن المتخماتِ بحمّى الكَذِب.

    ***

    أنا هاهنا واقف في ضمير الرجال
    كأنيَ رمحُ حكاياتهمْ..
    قبل أن تستقرّ حكاية أحفادهمْ
    حين مرّ بجانبهم زمهرير العقول
    فكانت وجوهُ المحبين غائبةً..
    والضمائرُ منسوجةً كاللعب.
    واقفٌ واحتمالُ المسافةِ بيني
    وبين الذين يموتون في كل صبح مضى
    كالمسافة بيني وبين غَدِي.. والحفيدِ..
    ورائحةِ تستثير سكون الحِقَب.
    واقفٌ أستجير سحائب عمريَ ألا تثير غبار السنين بعين ابن عمي الذي ليس يعرف معنى التغرّبِ في وطنٍ من قَصَب.

    ***

    واقفٌ تَتَمَلْمَلُ هذي القصيدةُ بيني وبين حنينيَ..
    بيني وبين مساء الربابةِ.. والوقتِ..
    والسهرِ المستبدِّ بنا كعيون الشوارع في وطن الغرباء..
    وأتلوَ ما يتيسّرُ من صَلَوَات الأَدَب.
    فتخشعُ فيّ القصيدة:
    وَيَسْكُنُ في صَمْتي ضجيجٌ يلفّني/ وفوقيَ أسفارٌ من الأمس تعتلي/ يثور دمي نزفاً قديماً وفي فمي/
    حجارةُ آبائي ورفضي معولي/ (ولي وطن آليت ألا أبيعه)/ فيوسِعُنِي جمراً ويرضى بمقتَلي
    (وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى)/ إذا ضاقَ عن رَحْبِ الفضاءاتِ منزلي
    المدينة / نهاية أبريل 2012


    * شاعر سعودي.

    http://alhayat.com/Details/550230
                  

09-12-2013, 10:37 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... لنقرأ معاً: بيان الحداثة - أدونيس (Re: بله محمد الفاضل)

    ميدان طلعت حرب
    أسامة الحداد




    ما الذى يدفعنى لأستسلم هكذا ؟
    ما الذى يقودنى لأكون لا شئ؟
    و أعيش ما يشبه الحياة ،
    أذوب فى دائرةٍ من الإسفلت محاصراً بالاتجاهات،
    و كيف أترك ظلى يتآكلُ فى لعبة الأشباه ؟
    مدفوعاً بقوى مجهولةٍ للمكان ذاته،
    و للواقف وحده فوق منصته،
    أمام لعبة الموتِ
    يتأملها خارج الحاسوب، و الأساطيرِ.......
    فكل لحظة يلتهم الميدان الصغير السيقان، و الروائح العابرة
    من الشحاذين، و أصحاب السيارات الفارهة .... البسطاء ،و أصحاب
    الأزياء الرسمية
    و أنا أفكر فى اقتناص ملامحى من العابرين
    فكثيرة هى الأماكن التى لا أملك العودة إليها ،
    فالميدان الصغير أرحب من بيتى القديم ، و ألعابى الصغيرة،
    من فناء المدارس ، و الكراسات ،
    و من حنين لا يعاودنى لشرفة باهتٍة كنت أترك روحى كفرسان الأساطير
    على سياجها ، و من أناشيد ضاعت حروفها، و طوابير الصباح


    هاهنا الميدان...........
    و طلعت حرب يقف وحده فى المنتصف تماماً
    بوثيقةٍ متحجرةٍ، و عينين تشبهان نجمتين انتحرتا
    تحت ضوء قمٍر غائبٍ
    هنا يمكن أن اقابل صديقاً مات منذ سنواتٍ
    و نتصافح
    متذكرين امرأة خدعتنا كنا نعاشرها معاً،
    و زجاجات احتفت بنا، و تجرعت أشباحاً كُنا ننتظرها،
    ثم أمضى دون أن أتذكر أين رأيته من قبل
    لنتحرك فى اتجاهاتٍ متضادةٍ لشوارع
    تفضى إلى ميادين أكبر، و باراتٍ صغيرة
    نخطو من أمام جروبى ...... حيث أصحاب الياقات الأنيقة،
    و مدبولى بالكتب التى لا نعرف أصحابها


    هنا كل الأشياء يمكن ألا تحدث، و يحتمل كذلك وجود مفاجأت هائلة عشوائية ، و شاذة، فعبر سنواتٍ طويلةٍ، و نحن نجتازه
    دون أن نمسك لحظةٍ منها، أو نحدث صاحب الطربوش
    عن امكانية عودة العمال إلى فوهة ماكيناتٍ تغنى لهم
    عن الدم، و النار ما يشبه قصيدة لناظم حكمت .......
    و وحده الرجل ذو اللحية بمكبر الصوت
    يحتل الذاكرة ،
    و يعبث بصندوق خشبى، و مسجدٍ لم يشيد..... و حوله المارة
    من العابرين، و السائحات بالنهود المستديرة ، و النساء
    بالعجائز التى تكمل السراويل جنونها
    انظروا إلى هذا البنطال ......
    إنه يظهر الحافة السفلى لسروال من النايلون يهتز داخله
    لحم طرى يبدو أن أخرين التهموه من قبل، و جندى المرور
    يحملق فى منتصفه تماماً ، تاركاً سيارة تقطع الشريط الأبيض،
    و تتفادى فتى يقبض على يد مخادعة


    هنا ميدان طلعت حرب الذى يجمع الباعة الجائلين، و أثرياء الحرب-المثقفين،رجال الخصخصة ، و المعارضة الأنيقة لاغتيال أبرياء شاهدنا موتهم على شاشة التلفاز ،كاحتفال بضحية ، و مهرجان للقتلى ،
    أو رسالة ترحيب بقبورٍ جديدة تبتسم للأبرياء وحدهم ،
    و تفتح للمهمشين أحضانها


    هنا ميدان طلعت حرب ............
    نقطة صغيرة فى مدينة جائعة ،
    لا يظهر على خريطتها
    بالنقوش القليلة،
    كالندوب على واجهات المبانى ......
    انظروا .......
    إنها تلوح كطلل يبتسم ،
    أو باقى الوشم فى ظاهر اليد،
    كبقايا معبد قديمٍ فى صحراء شاسعة
    رمالها رجال برؤوس صلعاء ، و ملامح متطابقة تتأمل واجهات المتاجر،
    و العيون الشرهة لكشافات الإضاءة التى لا تفتش عن غزالة هاربة ،
    أو شجرة سنديان تتآكل ذاتياً فى حديقة سابقة روت حكايتها صفحات
    من كتاب قديم عن أميرة نامت بجذعها، و عجوز بأسنانٍ خشبيةٍ
    وضعت طلاسمها بجناح عصفورة أكلها نسرٌ جائع ينتظر صياداً
    لا يجئ................
    كشافات الإضاءة ليست مخبراً يتسلل لأفكار معارض ، و يجبره
    على إنكارها ، برغم أنها تقيد العابرين بحبالٍ من الأضواء
    الكاشفة ، و تتأمل المارة مثل واش محنك .........



    هنا ميدان طلعت حرب
    حيث كورنيش النيل على بعد أمتار ، و خلفه ينام النهر تحت
    تأثير مخدر موضعى ملتحفاً بالجسور، و الفنادق العائمة ،
    دون أن يسمح لصورتى أن تطل على محياه ، أو لعاشقين
    حق العبور إلى ضفته الأخرى فى مركب صغير ،
    فهل كان النهر مستيقظاً حين غنت له أم كلثوم ، أم فتياً،
    و ثائراً حين اصطفت حوله أشجار التوت، و ألقت ضفائر
    الصفصاف أنوثتها على يديه..........
    و هنا لا نرى مئذنة الحسين، أو مسجد السيدة، و لا نشتم رائحة
    البخور و التوابل ، فكيف انصهرت الأباريق النحاسية ، و تحركت
    التماثيل الخشبية فوق أرصفة هاربة من جوار ثائر
    لم يغتل عنوة ...... فدائماً هناك من يكتشفون أنواعاً مميزةً
    من الموت كهدية لأعدائهم ، و علامة أبدية على المحبة الكاملة،
    و من يظنون أن موتهم حيوات لأحبتهم ........


    هنا
    ميدان
    طلعت
    حرب
    حيث تبدو الجموع العابرة كأشباح تخرج من السراديب،
    و السيارات كأبسطة سحرية ، و هى تهرب من مدرعة
    تملأ المكان ، و أنا أمشى فوق خطوات ضائعة لغائبين
    لا أمتلك حق رؤيتهم ..........
    أيمكن استعادة من مضوا ؟ و العثور على ذواتى السابقة ،
    و الأيام التى فقدتها فى رهاناتٍ فاسدةٍ، و ألعابٍ لا فائدة منها
    فهنا تبدو الاحتمالات متاحة، و ضائعة فى ركام الخُطا،
    و تلال الأصوات التى نعجز عن رؤيتها، و هى تعيد
    رسم الدائرة ، و تقترح منافذ بديلةٍ، و شوارع أكثر ليونة ،
    و طيبين لا ترهقهم الكوابيس، أو يخسرون أعمارهم فى
    مغامرات بائسة كان لابد منها ......
    أيمكن لنا أن نتذكر؟ أن طلعت حرب كان يهتف فى مظاهرة ،
    و حوله العملاء، و المرتزقة و تركوه بين العصى الكهربائية
    و بيادات جنود الأمن المركزى ؟ قبل أن ترتل ساحرة عجوز
    بتمائمها على الماء و ترشرشه،
    من يومها صار هذا التمثال الذى يتجول فى الليل
    باحثاً فى الأركان الخفية لميدانه عن قلبه الذى انتشله لصٌ
    فى الزحام ، و ذاكرة لا يملك تحديد أوصافها سقطت من رأسه



    هنا ميدان طلعت حرب
    دائرة من الحجارة و مصب لمتاهاتٍ تفضى إلى متاهات آخر،
    و شخص ما ينعطف يميناً قادماً من أقصى اليسار قبل أن
    يجلس فى الوسط تماماً ليبدأ حوارٌ عن شاعرٍ مات تحت
    عجلات سيارة عسكرية منذ ما يجاوز ثلاثين سنة ....
    هنا لا يلوح قمرٌ مكتملٌ، و لا تتجول الشمس فى الشرفات
    الميدان لا يسع أطفالاً يلعبون ، و لا يسمح لفتياتٍ بملابس
    النوم أن تقفن فى الشرفات ليضحكن من مراهقٍ خجولٍ يمر
    بنظراتٍ مرتبكةٍ، و خطا لم تعرف ثقتها

    هنا لا ينشد مدفع الأفطار تواشيح رمضان، و لا يتجول
    منشدٌ عجوز بآلة شعبية يردد معها حكاياته بكلماتها الساذجة .....
    و لا يوجد مقهى لتجربة أحجار النرد ، و افتقاد ما خسرناه بالفعل فى رمية خائبة، فخطوات قليلة فى الاتجاهات المضادة للدائرة
    المفتوحة تعطينا كل ذلك، فالرجل الواقف فى المنتصف على القاعدة الخرسانية حدد شروطه الصارمة، و أجبرنا عليها، أو خضع مستكيناً
    لطغيان الجغرافيا بقدررتها على فرض تفاصيل صغيرة كحقائق
    لا يحبها، و دخان السيارات يغطى الجثة السمراء، و الحشرات
    الصغيرة تتنزه على حُلته قبل أن يغتسل فى المساء بخراطيم من
    المياه كفيلٍ عجوز لا يجد نهايةٍ للغابة الشاسعة .........

    هنا تترك اللعناتُ رنينها فى فضاء محاصر بأضواء النيون،
    و هراوات الجنودِ بالخطا الرسمية الواثقة من انتصارها الأبدى
    على الحناجرِ المتعبة
    هنا الرجل الذى ترك المشيعون جثمانه فوق القاعدة الرخامية البيضاء
    تاركين لنا حق إعلان وفاته، و منحه بطاقة للرقم القومى
    تمنع رجال الشرطة السرية من اقتياده للمخفرِ كل ليلةٍ،
    و ليشغل وظيفة علامة مرورٍ فى ميدان تخترقه الشوارعُ،
    و تتخطفه الاتجاهاتُ دون تحديد راتبٍ، أو التفكير فى الظلال
    التى اغتالتها السيارات الطائشة، و الأشباح التى تتحرك
    بلا غايةٍ، أنا مثلاً اختلسوا ظلى فى صيفٍ ما بعد أن
    رافقنى سنواتٍ، و تكرر ذلك كلما نبت ظل بين قدمي ،
    أو خرج شبحٌ من ملابسي .....

    آه أيها الميدان
    كيف تنتشل السنوات دون أن يتوغل البياض فى رأسك،
    أو تصاب بالصلع ..... أنت محتفظ بشبابٍ لا حاجة لك به
    كُن شيخاً مرةً، و تحدث عن ذكرياتٍ كاذبةٍ، و لا تترك العابرين
    يحددون المواقيت، و يسرقون الهواء من رئتيك .....
    كُن متهوراً و واجه ببندقيةٍ فارغةٍ تلك الرؤوس الجوفاء
    التى لا أحلام لها، و تمر دون التفاتٍ للواقفِ فى منتصفك
    هنا ميدان طلعت حرب الذى يمكن أن يقودك
    إلى الأتيلية،
    أو زهرة البستان،
    و محطات مترو الأنفاق حيث الروائح الكريهة لأجسادٍ
    متشابهةٍ بلا رؤوسٍ تقريباً، و الصوت ذو النبرة المحايدة
    يعلن عن نعشٍ قادمٍ لأشخاصٍ تصطف على طوارٍ ضيقٍ،
    و تتناثر من الأبواب فى محطاتٍ قادماتٍ دون أن يعرف أحدٌ
    من أين جاءوا، و لماذا يذهبون

    هنا تبدو بعض البنايات كمثلثاتٍ هائلةٍ
    كنماذج صغيرة لأهرامٍ من المطاط فقدت ملوكها،
    و أكلت نقوشها على مائدة العشاء
    ربما قلت ذلك من قبل عن دائرةٍ لا تؤدى إلى شئٍ،
    و لاتجد بها عربة يدٍ صغيرةٍ لبائع فولٍ، أو مطعماً
    يقدم الكشرى، و يقف فى منتصفها رجلٌ لا يشبه العابرين
    فهل قلت أن التمثال ليسس مرآة، و بلا ظلٍ،
    و ملامحه التى اختلسها قاطع طريقٍ تباع على الأرصفة
    فى الشوارع المحيطة، كدمية يلهو بها الصغار،
    و يقذفونها بعيداً حيث لا أراها

    إن ميدان طلعت حرب ليس محايداً، و يعامل خطواتنا
    كنباتاتٍ ضالة، أو أوراقٍ تحركها العواصف، و ينتظر
    المساء حيث تختفى غابات الملابس التتى تلتف حوله،
    و يصبح مرور علبة معدنية بتهورٍٍ غير مزعجٍ، و تتساقط
    الحروف التى لوثت أذنيه، ليلتفت الواقفف فى وحدته ،
    كخيال حقلٍ بانتظار أجنحةٍ لا تحلق هنا ..........
    وحده يقف كشجرةِ كافورٍ نبتت فى البحر، أو ديناصور
    اختبأ فى كُتبِ الجيولوجيا مليون سنةً خرج فجأةً،
    و عجز عن عبور الطريق إلى أن تجمد نتيجة لثبات
    الجغرافيا الوصفية للميدان عبر ما يزيد عن سبعين خريفاً،
    لقد تصوره البعضُ هكذا ، و صمموا على روايتهم التى أتشكك
    فى صحة أجزاءٍ كثيرةٍ منها نتيجة لتواتر الألفاظ
    من رواةٍ يتحركون فى المقاهى القريبة ، و بعضهم
    كان ثملاً إلى حدٍ ما و متماسكاً
    فالسيجاررة هى التى كانت ترتعشُ بين أصابعه،
    و الماء المتساقط من كأسه سببه وجود ثقبٍ
    هائلٍ فى الزجاج، و هذا لا يعنى ......
    أن تلك الروايات ملفقة، أو يُحتمل كذب بعض
    أحداثها، فطلعت حرب بوقوفه فى الميدان
    هذه السنوات الطويلة منح الآخرون
    حق البحث عن موعد وصوله، و كيفية صعوده
    للمنصة ، إصراره على ملابسه التى لم يجددها
    كشحاذٍ محنكٍ، أو تاجرٍ بخيلٍ ،
    و مثل أكمنةٍ لقناصةٍ مأجورين، أو ########اتٍ
    يسيطرن على الغواية تلتف أشجار الفيكس
    فى خطة حصارٍ محكمةٍ تساندها السلاسل الحديدية
    الغليظة، التى تحدد معتقله الأخير بدائرةٍ صغيرة
    تتوسط ميدان لم يؤسسه، لتطرد فكرة الجلوس
    معه فى مقهى زهرة البستان، لنلعب النميمة،
    و نمارس النرد، و ننتظر أمنية محرمة بإزالة
    العتمة، و نغنى مع ريتسوس سوناتا ضوء
    القمر – دعنى أذهب معك – أيمكن أن نغنى معاً ؟
    بيننا أكثر من سبعين سنةً لا تخفيها البنايات الأسمنتية،
    و لا يراها الموظفون الرسميون ، بيننا عقود من
    الأعوامِ لا تصلها طلقات جنود الحراسة ،
    فدعنى أذهب معك حيث لا ينتهك الأسفلت أقدامنا،
    و لا تأكل الأرصفة ملامحنا ...........
    هناك بعيداً حيث ترقص المومياوات على موسيقى سنوحى،
    و أغنيات شيستر بيتى، و يُطلق الأطفالُ عصافيراً من
    الصلصالٍ دون الدخول فى تجربة دعونا الرب أن يوقعنا
    فيها وسط الشوارع المزدحمة التى لا تؤدى إلا إليك .

    هنا ميدان طلعت حرب
    الذى لا تعبره الحافلات العامة التى احتفظت بالطيبين
    طويلاً، كمقاعد مهشمةٍ لجلوس المتشردين،
    الحافلات العامة لا مكان لها هنا،
    و محطات الباص بحاجةٍ للسير بعض الوقت،
    و طلعت حرب يفكر فى الذهاب معى،
    و هو يمارس بطالته، و يقف صامتاً أمام
    حراسه كأسدٍ أسيرٍ فى حديقة حيوان مفتوحةٍ،
    ينظر بعينين فقدتا لونهما لمكتبه البعيد حيث
    تتحرك العرائس الخشبيةٌ فى عرضٍ درامىٍ
    مخصص للغائبين، و تصمت الموسيقى التصويرية تاركةً
    مساحة هائلة للصمت يقُص خلالها حكاية السكونِ، و جدوى
    الأستاتيكا، كأسطورةٍ ينشدها راويةٌ أخرسٌ وسط عاصفةٍ
    من الخماسين، أو نغمات قادمة من أزمنة مجهولة
    تفتت فى الهواء، و هى قادمة إلينا، كأغنية هربت من
    كلماتها المبهمة
    إن مكتبه ليس غير جرحٍ عميقٍ يتسلل من جسده،
    و هو ينعى ملابسه، و سماءه القديمة، التى لا تصلح
    كأُطرٍ لسياراتٍ واطئةٍ، أو أسفلت مهلهلٍ،
    هذه السسماء التى لم تدرك تحول الميدان إلى
    جنازاتٍ لأشباهٍ يتحركون كالمرايا، و هو يقف فوق
    رخامٍ مسممٍ بثيابٍ تشبه سجناً مثمراً بالموتِ
    ترسل رياحها الفاشلة
    فمن يتذكر الرجل الإيطالى، و هو يرسلُ مساعده
    لإعداد حُلة تليق بوقار مهرجٍ أخرس ترك طبلته
    بعيداً، و ألقى بمقاعد المتفرجين فى قبوٍ بعيدٍ،
    لا تحركه لذةٌ خفية، أو يثيره حنينٌ يلتهب.....
    لم يكن صانع الملابس النحيف بعيداً عن مقره
    الأول ، و لا كهفه الجديد، و فشل مراتٍ عديدة
    فى تقديم قميص بشلالات من الألوان، أو بنطالٍ
    فضفاضٍ من الجينز، و لم يعد لمحله ثانية فى
    إصرارٍ واضحٍ على فقدان الذاكرةِ، و منح الآخرين
    فرصة إعداد نظرياتٍ للغيابِ، و دفترٍ مخصص
    للانصراف فقط خالياً من أختامٍ بصورةِ نسرٍ
    محنطٍ .

    هنا ميدان طلعت حرب حيث أكل الهواء الطائرات
    الورقية، و تبخرت رؤوسٌ عديدة من فوق رقاب أصحابها،
    و ربما تبدلت دون أن تنتبه المرايا للملامح الجديدة،
    و تدرك أن الأشباح يسرقون رؤيتها، و يضربون عييونها
    بمسخٍٍ تخافه، و أزمنةٍ لا نلتقطها تتسرب فى أرضيةِ الميدان،
    و واجهات البناياتِ قبل أن تطمسها دهاناتٌ مشوهة .


    هنا ميدان طلعت حرب ( ناس من بلدنا هناك أهم )
    دعهم يمرون كأشباحٍ لماضٍ ينزف هواءً ساخناٌ
    يدفعهم إلى جمرةٍ هائلةٍ، أو لمتاهةٍ يوقعهم بها حضرة
    الأراجوز على جسد موسيقى أعمى ، و شاعرٍ بدين ،
    دع الليلة تمضى بلا جمال مزينة بالأعلام و البالونات ،
    أو حلوى من الحمص
    دعهم يذهبون بعيداً فبالقربِ من هنا يجلس المناضلون
    القدامى من رجال التطبيع، و السلامة أصحاب الياقات البيضاء
    لاحتساء خمور مستوردة ، و اطفاء سجائرهم
    فى ظلال المارة، و هم يقدمون إشكاليات جديدة كمقدماتٍ
    لنتائج، أو نتائج لمقدماتٍ
    عن صراعٍ بلا نهايةٍ، أو نهايةٍ بصراعٍ
    دون أن يلتفت المُخرجُ الجالس بعيداً إلى أهمية تسجيل الحدث
    كمشهدٍ أخيرٍ فى فيلم قديم لم ينتظر فشله، و اغتيال المنتج بتحريضٍ من دائنيه .......
    يمكن للمخرج أن يستعيد عدساته المهشمة، و يضع كلمةً بديلةً
    للنهاية قبل أن يلوح بيده تاركاً رأسه فوق المنضدة ،
    و عيينيه جوار نظارتيه فى تحدٍ واضحٍ لكاتب السيناريو،
    و مقص الرقيب، و دون أن يفكر المنظررون فى استعادة الموتي ،
    أو ينتبهون للأحداث الجارية .

    هنا ميدان طلعت حرب الذى لا تصلح بوصلة للوصول إليه ،
    و لا تحدد الخريطةُ شكله الدائرى، الذى يبدو كثقبٍ هائلٍ
    فى مجرةٍ، أو عينٍ واحدةٍ لمدينةٍ عوراء تقيدها الجسور،
    و يتحرك سكانها فى السراديب كقوارضٍ هاربٍةٍ تفتش
    عن حياتها بين الكلاب الضالة، و النظرات المصابة بالسعار
    للأبواب، و هى تنغلق على أعناقهم .....
    الشوارع تتداخل كالكلمات المتقاطعة،
    و الأشخاص حروفٌ دونت على سبيل الخطأ
    فى مربعاتٍ مشوهةٍ بجريدةٍ لا تحمل أخبارا جديدة
    عن مقتل مجهولين فى حوادث عاديةٍ،
    و انسياب الدم كعلامةٍ يشرية على الموت
    الشوارع تتصارع على جذب القاعدة الرخامية إليها،
    و إلقاء التمثال بعيداً كانتصارٍ زائفٍ يخبئ هشاشتها،
    و ينهى اختراق السيارات الطائشة لإشارات المرور،
    التى تمنع عبور خطوطها البيضاء،
    و تؤكد أن العربات الواقفة على الجانبين
    لا تتحسس جسدها المباح،
    و لا تخلع الظلال المستترة خلفها
    آه إنها تقدم وجوهً قديمةً فى ثياب أُخرى،
    و أناشيد مكررة فى أيقاعللت أكثر ضجيجاً
    الشوارع تبدو كأطرافٍ صناعيةٍ لقتيلٍ
    تركت جثته فى الفضاء، و قيدت الحادثة ضد مجهولٍ
    يعرفه الصامتون، و رجال الشرطة، و تحتفظ كما أظن بملامحه،
    و هو يمضى واثقاً من براءته
    لقد عبرت أنا كذلك بجواره دون أن أفطن لرائحة الموت التى
    لا يملك الفرار منها
    فلماذا تقف هنا ؟
    أنت لست قاطع طريق،
    و لا تنتظر ملائكةً يعبئون أجولةً قديمةً بأنفاسٍ مجهولةٍ
    تاركين للجنرالات وحدهم حق تحديد أصحابها و الإعلان عنها
    فلماذا لا تريح ساقيك ؟
    ألا يوجد مقعد يصلح لك،
    أو فرش ملائم لجسدك ؟
    أم تفتقد مثلى ليقين يحدد وجهتك،
    و رؤية تسعى وراءها فى شوارع محايدة،
    و مباحة لأطر السيارات ، و الأحذية،
    و مشوهة بالرؤوس الصلعاء، و المتشردين تقودنا إليك
    أيها التذكار الخالد،
    و الحجر الصامت كيف تخفى السكون،
    و تختزل الوقت فى ثيابٍ كلاسيكية ؟
    و غطاء فوق الرأس المحرضة لعمالٍ يتساقطون تحت
    هراوات الجنود، و تلقيهم الشوارعُ ككدمةٍ فى جسد الفراغ،
    أو ندبة هائلة تشوه هواء يتحرك دون وجهةٍ محددةٍ،
    و يترك رجلاً فى منتصف العمر يصادق سيدةٍ تصغره بأيامٍ
    يتجولان وحيدين وسط الجموع العابرة فى علاقةٍ لا يعرفان
    كيف تنتهى .... و يتخيلان طفلاً يسير بينهما يمسكان به
    إلى مدرسةٍ صغيرةٍ، و حين يكبر قليلاً يصنع دائرةً
    يسميها الميدان ليلعب بها لعبة التمثال و العابرين،
    و يضع مؤسسة لأحلامٍ هزيلةٍ تأكلها الطيورُ المهاجرةُ
    فى الشتاء، و تعود على طائرات الأباتشى،
    و هى ترقص لمغانمها، و تضحك من احتلالها
    لميدان سيمون بوليفار* ببيادق من لحمٍ، و دم
    تتحرك وفق رغبتها
    هكذا يحلمان
    دون أن يبدأ الليل خطواته الثقيلة، و ينتظران
    نهايةً لمأسويةٍ يعيدان وفق قواعد الإيهام
    تحريكها على أرض الشارع،
    كتكرارٍ لمحاكمة حوريس، و ست
    قبل اختفائهما الغامض فى شوارع المحروسة
    منذ اكثر من سبعين قرناً بعد إصابتهما بعته الشيخوخة
    كنتيجةٍ طبيعيةٍ لثمانين عاماً من الجدال
    دون أنن يفكر شخصُ ما فى البحث عن عدوين
    يتعايشان معاً، و يضلان فى الشوارع وحدهما...
    أنا كذلك أفتش عنى، و أبحث عن أحلامٍ لا حصر لها
    تساقطت منى
    كيف تقف وحيداً فى ليالى الشتاء ؟
    إننى أشعر برطوبتها تتسلل إلى عظام ساقيك،
    حاول إذن أن تترك المنصة الرخامية الباردة،
    و تجرب السير معى إلى دار الأوبرا الجديدة
    هل تعرف مكانها ؟
    و أنت مثبت فى دائرة من الأسفلت فى موقع المحارب الفرنسى**
    تفكر كما اعتقد فى تداعيات الخصخصة،
    وإمكانية استبدالك بجندى من البرابرة
    الذين انتظرهم كفافيس يوجه فوهة بندقيته إلى رأسى،
    و يضع أحلامه فى جهاز الرؤية الليلية لضخ كوابيس
    أشد رعباً فى رؤوس البسطاء
    عن تحول الميدان المستدير إلى مشنقةٍ،
    أو استبداله بكُرةٍ هائلةٍ من الجحيم تتدحرج فى الشوارع
    التى تقود إليك،
    و كمنتجٍ لأفلام الرعب يقدم إثارةٍ أكثر
    باقتلاع بعض الرقاب السمراء تاركاً الرؤوس تتدلى
    من أيادى أصحابها كالحقائب الفارغة .

    أيها الشيخ الطيب تحدث معى قليلاً ......
    عن أسباب التضخم، و انهيار سعر الصرف، صفوف
    العاطلين، و إضرابات العمال،
    عن الموجة الجديدة لأفلام السينما، و حركة العدسات على وجوه المتعبين
    اعطنى فرصةً للحوار عن شجرتين هائلتين تقفان
    فى ميدان التحرير تلاعبان حبال الغسيل،
    و تخفيان ظلالهما عنا
    حاول أن تجرب تعاسة بديلة، و روائح مختلفة عن عوادم السيارات،
    و التبغ الردئ
    يمكن ذلك بسهولة داخل بار ستيلا، أو مطعم الجوريون
    حيث تتساقط التحفظات تباعاً، و تبدو النفوس أكثر عرياً
    من أصحابها، و هم يواجهون أشباحهم، و يكتشقون ذواتاً
    بديلةً لا تصلح لارتداء ملابسهم، أو التحرك بخطا واثقة
    نحو كسلهم، و تنظيراتهم التى لا تصلح لإضاءة مصباحٍ
    مهشمٍ يقف على ناصيةٍ مُعدةٍ للمراهقين
    يمكن تذكر ذلك، و أنا أعبر مع حبيبتى بين وجهها الملائكى،
    و عبيرها الدافئ، و التوتر أيضاً من أنوثتها الناضجة
    إننى مرتبك تماماً أمام خلافاتٍ لابد منها، و أطفالٍ ينتظرون عودتى
    فكيف تأخر لقاءنا كل هذه السنين؟
    عُد أيها الوقت،
    و تراجعى للخلف يا عقارب الساعات،
    و أذهب أيها الزمن بعيداً لتتكسر أخطاءنا،
    و تنصهر التجاعيد التى ورثتها عنى،
    و تمسك كفى بغمامة صيفيةٍ،
    و يمتلئ جيبى بالنجوم، و الشموس الصغيرة،
    و كيف نلتقى دون أن نحدد مواقيت فراقٍ قادمٍ .

    ها نحن نمضى، و نعود،
    و صوت احتكاك الأطر بالأسفلت يحقق انسجاماً
    مع بائعات المحال، و الأطفال المتسولين ،
    و هم يجذبون ملابس المارة، و يقذفونهم بأدعية شريرةٍ
    و مناديل ملوثةٍ بالبياضِ كعيونٍ من المياه الجافةِ
    تزدرد القادمين
    ها نحن نسير معاً .........
    هى جانبى خرافةٌ تأسرنى،
    و فيضٌ من الحنين لا تحتويه العبارات،
    و أنت شاهدٌ على ذلك أيها السيد الواقف على
    منصته الرخامية البيضاء بانتظار مناخات جديدة ،
    و زى مناسب لسيارة شيروكى تلائم لقب الباشا
    كمصطلح مغاير لأصحاب المعالى من الللصوص،
    و الباعة الجائلين، و أصحاب التنظيرات الصالحة للغبار .....
    فهل تلمح تلك الفقاعة الهائلة ؟
    انظر ...........
    إنها الشمس، و قد أطلت بشغفٍ على أشباح الليل،
    و كائنات النهار، على حيواتٍ قتيلةٍ تخطو جانبنا......
    أيمكن أن نتحاور معاً ؟
    أن نقف جانباً بالأسئلة الحائرة عن تمييزك
    بين الصيف، و السيارات، بين الكتب المستريحة
    عند مدبولى، و المومسات على ناصية شارع قصر النيل ...
    كيف امتلكت ساقيك القدرة على الوقوف صامتاً؟
    و مانحاً ظلك لجروبى دون أن تفكر فى احتساء فنجان
    من البن على مقعدٍ جانبي به، من المؤكد أن وقتك
    مزدحمٌ بأعمالٍ لا أعرفها شغلتك عن ملاحقة فتاة
    تطاردها السيارات الفارهة بوم ......
    تك ......بوم
    آه المشاجرة التى دبت بين سيارتين، مع صوت ارتطامهما قطعت
    حواراً من طرفٍ واحد، و جندى المرور يحدث عجوزاً
    تقف بسيارتها جانباً ممسكاً بجنيهاتٍ قليلةٍ، و دفتر لقيد المخالفات ....
    أيمكن أن تجيبنى ...... أركب سيارتك أنها سليمة، و لم يحدث شيئاً،
    و المتفرجون يلملمون خطواتهم بعيداً، و تتناثر أصواتهم
    فى ضجيج وسط القاهرة
    : كل من يركب سيارة يفعل ذلك ؟
    : و لا تهمه مشاعر الأخرين ........
    الأصوات غير مميزة، و الحروف تتداخل بينها أصوات مكبرات
    الصوت، و توسلات الشحاذين، و العابرون بالملامح ذاتها،
    مع اختلاف فى حجم الرؤوس، و الملابس، و السيارات
    تراك ....تراك ....ترااااااااك
    سيارة شبح يقودها مراهقٌ تصعد الرصيف، و تعاود
    النزول، و هو يقهقه ساخراً من المارة،
    و أنت تقف دون سيارة كاديلاك يتقدم سائقها منحنياً
    لترككب فى المقعد الخلفى
    أكنت تفعل ذلك ؟
    قبل أن تعمل كعلامة مرورٍ هائلةٍ فى ميدانك الصغير،
    و حولك متاريس الشرطة، و مصفحاتها ، عمال النظافة بزيهم
    الرسمى،و عربة القمامة الأنيقة تكمل بفرشاتها الآلية أعمالهم
    تاركين لى مساحة صغيرة للحوار مع حبيبتى حول روعتها،
    و سنواتنا الضائعة، و نحن نعبر الميدان بعينيها الوديعتين،
    بالطيبة ذاتها التى تصنع خلافاتٍ تنتهى و تعود نسير معاً
    متجهين إلى محطة المترو فى لقاءاتٍ واضحة الهوية،
    و محبةٍ كاملةٍ للجنون ........



    هنا ميدان طلعت حرب
    حيث عبرناه معاً تاركين عاصفةً حمقاء، و مواكب
    من الكوابيس ترتطم ببعضها حول الواقف وحده
    كملكٍ مخلوعٍ، أو قائدٍ عسكرى خدعه الجنود مع
    الطلقة الأولى، و منحه المنتصرون عفوهم ......
    ألمَ أقل لك أن مقهى زهرة البستان يمكننا العودة منه
    فى ثانية ..... أنت إلى معتقلك، و أنا على حافة الطريق
    بين أطيافٍ كنتها ،
    و شخصٍ أخر سأكونه .......
    أنا دائماً
    ذلك الأخر
    و أنت لا تعبأ بى ..... الأرقام وحدها مجدك،و هزيمتك،و جثمانك
    واقف كذلك .......و أنت تحصى العاببرين دون أن تحدد طبيعة العلاقة بين رقمين يعبران متجاورين فى تحدٍ واضحٍ لنرجسية العزلة، و شرور الأشباه، لخطواتٍ بلا أجسادٍ، و أسقفٍ واطئةٍ لا تظلل أحداً،
    و لا تمنح طيورها المصابة بالكساح حق الموت فى وداعةٍ،
    فوباء النوم الذى أصاب ماكندو ليس استثناءً، و الأسماك الملونة لا تحلق
    حول الرؤوس المُعلقة، و لا تسمح باصطيادها ......
    انظروا لقائدى السيارات فى نعاسهم، و المارة، و هم يخطون بأجفان مُغلقة، و أنت تملك مفاتيح مدينة بديلة تخفيها فى جيب سترتك
    ليست قبلاى خان و لا القاهرة القديمة ،
    م تخرج من كتاب أساطيرٍ مجهول المؤلف.....
    شوارعها لم تلتهم ظلاً واحداً، و ساكنيها لم يقتربوا من مداخلها،
    و الأطياف التى تمنحنا حق امتلاكها ليست خيالات مهووسين،
    أو هذيان لمرضى فى لحظاتهم الأخيرة ، و الميدان يأكل
    أقدام أحفادهم .....
    أيمكن أن تمنحنى حق اللجوء إليك،
    أو توقع تأشيرةً بالذهاب إلى مصطفى كامل ،
    حيث يقف الشابُ النحيلُ فى دائرةٍ أخرى،
    و متاهةٍ لا تلوثها عوادم السيارات وحدها،
    بينكما شارعٌ طويلٌ بين جنون الواقعية، و خرافة الحلم
    الذين افتقدهما قصرٌ بعيدٌ فى ضاحية مصر الجديدة
    لا نريد ساكنيه .... بينكما ما يزيد عن الثلاثين سنةً من الراحة،
    و التعب أيضاً، و عابرون لا ملامح لهم، و الأسفلت يجذبنا
    من ظلالنا لنبحث عن خطواتنا المتسعة التى فقدناها،
    و نقاط الدم التى ترطها فتى أسمر، و انتظرنا غاباتٍ
    من التوت، و الجميز تنمو مكانها،
    و تظلل الواقف تحت سماء القاهرة

    أيها الشيخ
    أنت تذكر ذلك الفتى حين لجأ إليك
    منذ ما يقرب من أربعين سنةً،
    هرباً من الجنود فى ميدان التحرير،
    و احتفظت بجرحه ساخناً دون أن تبوح بسر بريئة تقف بانتظاره
    على الناصية، و تتحرك فى أماكن جمعتهما ،
    و هما يسيران معاً محتفظين بمسافة صغيرة
    بينهما كدلالةٍ على فراقٍ قريب ......
    أتذكر شتاء 1977، و الورود تتفتح فوق أرصفة القاهرة ؟
    قبل أن تغتال الأزياء الرسمية أحلامها،
    و تذبل وحيدةً فى الفراغ،
    وهى تلقى نظرتها الأخيرة على طوابير الخبز، و صفوف العاطلين،
    و كمصرفى مخضرمٍ تزعجك تغيرات أسعار الصرف، و حركة
    تداول الأسهم، وهى تعبر من يديك فى اتجاهاتٍ
    لم تخط بها، أو تتابع نقاط دمٍ ساخنة تتقافز داخلها
    قادمة من جروحٍ قديمةٍ تعرف أصحابها ......
    فهل وضعت خطةً ما لمواجهة انخفاض معدلات التنمية،
    و زيادة معدلات التضخم، و البطالة فى أعمق نقطة بتمثالك
    لم تصل إليها ضربة أزميل النحات الذى ألقى بجسدك
    فوق المنصة الحجرية، و تركك وحيداً فى ملابس قديمة
    أيمكن إذن أن تتناسى الفوارق الهائلة بين الدخول،
    و تلقى جانباً بوجوه راكبى السيارات الفاخرة،
    و هم يطعمون كلابهم، و تتجه معى إلى عربة فولٍ
    يقودها شيخٌ فى ممرٍ جانبى شريطة أن تدفع لأصدقائى
    قيمة المواصلات لاستريح من خياناتهم، و تتطاير أكاذيبهم بعيداً عنا
    أيمكن أن نحتسى معاً كوبين من الشاى ؟
    على مقهى شعبى انستنشق رائحة الجاز، و الأدخنة الرخيصة،
    و تلمح سهماً يتحرك فى اتجاهٍ يخالف تصورات الخبراء،
    كبداية للإعلان عن بيع شركةٍ فاسدةٍ، و انتعاش المقهى
    مؤقناً بروادٍ جدد..........
    أيمكن أن ننسى النظرات الغاضبة ؟
    بعد أكثر من ثلاثين سنةً،
    و ننتظر ثيراناً جديدةً تهزم المصارعين، و تحطم المدرجات
    كنهايةٍ لمسرحيةٍ هزليةٍ بلا مخرجٍ تقريباً
    أيمكن ان تفكر من فوق القاعدة الخرسانية فى استضافة بعض
    الجائعين على مائدة العشاء، دون أن يتسرب الملل إلى ملابسهم
    من حوارك حول قيمة الفائدة، و ارتباكك أمام حنينهم للموت و الحياة
    إننى فى حنين أبدى لميدانك،
    فالعبور منه ليس لعبةً، أو كابوساً،
    و الشرور العادية ليست مشهداً سريالياً،
    فأنا واحدٌ من الجموع التى تجتازه،
    أنا فى الحقيقة لا شئ،
    و أنت تدرك أن الجميع يخوضون فى ظلك،
    و لست بحاجةٍ إلى أن تكون بائعاً متجولاً
    لتدرك الفارق بين القوميين و السلفيين،
    أو عامل نظافة لتحديد العلاقة
    بين ملامح منظرٍ اشتراكى، و ابتسامة متسلقٍ يقدم عملييات اغتيالٍ
    أنيقةٍ لشركائه على أطباق مذهبة ، و هو يطعم أطفالهم بالخبز،
    و النبيذ كنبىٍ متقاعدٍ يبتكر ذكرياته......
    و أنك لا تصلح كحلاقٍ للدميمات، أو خبيرٍ فى الرشاقة
    يقدم برامج لإذابة الهموم .........
    أعرف أنك تدرك كل هذا، و أن حوارنا مفتوح كميدان مستديرٍ،
    أو خارطةٍ خاليةٍ من الخطوط
    تصبح إذن على قاعدتك الرخامية ،
    سأمضى الآن كما أتيت أمارس نقل قدمى على الطريق
    للوصول للبيت، فيبدو أننى صرت شخصاً تقليدياً له أماكن محددة
    يذهب إليها
    تصبح فى ميدانك
    تحياتى إليك بدون قبعةٍ ألوح بها .........
    عليك غداً أن تتذكرنى حين أمر جوارك
    تصبح بين مصفحات الشرطة، و القيود الحديدية
    نصبح فى القاهرة ..........

    أسامة الحداد- القاهرة فبراير 2008
    * ميدان سيمون بوليفار بضاحية جاردن سيتى بالقرب من ميدان التحرير و به مبنى السفارة الأمريكية بالقاهرة

    ** فى عام 1964 تم وضع تمثال طلعت حرب بدلاً من تمثال سليمان باشا الفرنساوى و كان الميدان و الشارع يسميان باسم شارع سليمان ولا يزال البعض يسمى الشارع بالاسم القديم
                  

09-14-2013, 08:13 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    كيف لاتسقط الأرض على السماء ؟
    مهدي النفري




    -1-
    دهشة الغياب

    خذ هذا المركب ايها الدرب وأكتب عن طبائع العصافير انها لم تكن يوما ما
    بلا أجنحة/ اُكتُب عن بيت الغابة كيف سقط الانسان ضحية ظل شجرة وعِشٍ من بقايا الريش/ اعرفُ ان الحب فيك ايها المركب لاقميص له وان وجه الريح الذي صافحتَهُ خلسة لم يكن سوى دمعة من دهشة الغياب/ هي أبواب تتهاوى كلما أصطكت الجدران لتصل مملكة السؤال/ هي حوافر الكلام تلطخ به المعنى حيث الانحسار هو المصير الوحيد/

    -2-
    أول الخواء

    ثمة اشياء تفرض نفسها عليك من دون ان تملك اي وسيلة للتخلص منها فاالحل الوحيد هو القبول بها والتعايش معها سواء بطريقة الخداع او بدرب الاستسلام/ الليلة اقتسم مع هذا السرير أغاني لم استمع لها قط لكنها تصدح في أذني وتأت بسكاكين كأنها تريد ان تنتزع مني حتى هذه اليقظة لاأقول النوم , النوم وسيلة افتقدنا التواصل معها منذ سنوات عديدة/ قلت لعل الحل الوحيد لهذه الحداءات ان أملا جيوبي من النسيان وأكتب كل الاسماء التي عرفتها وحين أنتهي من تلك اللعبة اجلب كثيرا من الدمع وازرع حجرا واوهام من نيازك الوحشة افترشها وأحتفل بموت صارخ/
    -3-
    هل النوافذ جثث

    ماإن تمتلأ هذه الروح بمقاصل اللغة حتى يبدا الاسترسال بدروب لانجاة من اللهاث فيها , ليتني ابتلع الخوف في فمي وأنام فأنا ايضا شهوة أيامي الخوالي ونكوص أثرها الذي لاخطوات فيه سوى وطن من القتلى ونوافذ من الجثث
    -4-
    خذ مثلا كيف لاتقع الارض على السماء

    المسافة ليست مايُقاس بحدود البصر
    هناك وجع لاحدود له
    مثلا كيف يطير سريرك حتى لحدك وانت تتأمل العودة كَمَلك الى حضن الفراغ
    لاتذهب بعيدا
    فما بين الحنين والكلمة
    جمرة تقود الورق والقصائد
    وكلما انحنيت لتلتقط طفولتك من الانتظار
    شاكستك الحقيقة بفكرتها .... لاترتبك ثمة شبيه لك هو أنت لاجواب له سوى مراوغة الحواس
    -5-
    لاموسيقى في خيبة الرغبة
    -6-
    آن لهذه الجثث المكدسة في قلبي أن تكُف عن الدسائس

    -7-
    زخم الليل

    هذه الخطيئة الخارجة من غيمة قلبي تفرك عيني كي لاأكتشف ليلا آخر غير هذا ال
    فراغ الشاغر بين كتب الاخبار/ اريد ان افلح مرة واحده في خسارة المديح فسنواتي التي تركتها مؤجلة في كهف الاحتمالات أعيد الساعة ترتيبها من جديد كي لايتبعني كابوس الصمت/ هاأنا مكتضا بكل الاختيارات التي تقود الى اللاشيء/ وكل الدروب الهاربة مني الى درب اسماؤه مزينة بالوحشة /لاأحد يفتح شرفة الغابة للعصافير فكل الخصوم هناك يدخرون التأويل قبل ان تصيبهم جمرة الغفلة

    -8-
    فزاعة

    لستُ خائفا من الليل لكن مايخيفيني ان اصعد باتجاهي وحيدا وانفرد بالحنين هناك / افكر كثيرا في هذا التراب / التراب الذي سيجمعني للابد هل سنكون اصدقاء اوفياء هل نتقبل بعض هل نكره بعض هل ستكون هناك حروبنا وامواتنا ومقابرنا ولاننسى مقاهينا واكواب الفراغ التي تجرعناها في غيابنا عنا
    -9-
    الندم ايضا غابه

    هاانا اعود مرة اخرى كنت اود ان انام ولو مجرد بالحلم لكني عدت / هل يعود الموتى ؟
    اردت ان اكتب لك عن طيشاني وعن هروبي المستمر من هذه الارض/ قد يصيبك الملل من كل ماستجده هنا لكن عليك ان تتحلى بالصبر وعليك ان تثق بي ولو لمرة واحده / لااريد ان اقرع الطبول من اجل حفنة مجانين يدورون بقلبي في تابوت فارغ / لااريد ان اقضم الهوة بيني وبين ان اصل او لاأصل/ الندم ايضا غابه/ والحياة هنا واقفه على جذع نخلة يابس / لامريم هنا لتهز الجذع اليها/ ولاابي الذي تراكمت جذوره في السماء فأرسل الي معجزة الجرى وراء بلاد من السراب/ أعرف انني لاانتهي من هذه الصحراء واعرف ان السقوط الى الاعلى لن يجربه احد غيري/ اذن مالذي افعله في طعم لاطعم فيه؟ مالذي أفعله في مستنقع لايربط خطواتي إلا برصاص تائه/ كأنني اللاشيء ولاغيره/ كأنني أمشي وظلي يسافر وحده/ لاوشم للنهر في اليابسة لاقميص يوسف في اغتسال الدمعة/ من يجمع هذه النار من رماد قلبي؟/
    -10-
    مر اليوم منحدرا من أقصى قامتي حتى بلاد السهو / مر النهار وانا اجمع شطايا الماضي وقلبي العطوف يتوسل الساعة ان تتوقف عن الدوران/ يالهذا المنحدر / يالهذه الارض كلما اقتربت منها بان الدم فيها يجري كالماء/ قلت للميت فيَّ كيف ينتحل عصفور فاقد جناحيه صورتنا ويطير بلا ظلنا

    -11-
    فجأة نقتسم التفاحة والفأس

    في كل صورة هناك مرايا تمتد لصور آخرى قد لاتشبه بعضها البعض لكنها تعرف جيدا ان جذرها واحد وان السراب الذي خلفته الملامح لايعني ان الثمر يسبق نكران المأوى / وقد يزين يتم القول بلل الطلقة وهي تغدو لتتخلى عن شرط الغاية
    -12-
    عرافٌ ميتٌ يحتضر داخل ازهار جافه

    لست ُ عكازة نبي كي أُفكر في ملامح وجه الأعمى / ولارصاصة أتبع غائباً معتل / انني أقشر القيظ من اجل غيمه/ لا قناعة للشمس بنصيب تفاحة اختلست الحياة من التبجح/ هي شهادة التتويج لأرصفة هلهلت كثيرا للفقد/ هي ذاكرة حنجرة غمرتها الجمرة حتى توجت بالغصة/ أيها العراف يامنافس ثوب احتضارك لِمَ تعانق ازهارك الجافة دون روحك ؟
    -13-
    عواء على طريقة الخائف من الذئب

    كم اتحاشى الشائع من زينة الدروب هنا / المدن التي عرفتها منذ ولادتي هي انحسار على شكل أقفال/ يكفي فيها انك تعطس الملح شرقا وغربا / لا حراس هناك يجففون لك دمعة مصيرك/ هناك فقط رؤوس تحدق في اظافر الهزائم/ ترسمها كقبول وطاعة يتعذر مسح الوانها / هي عواء كلما ارتفعنا بمحاذاة قلوبنا ارتدّ علينا زهد التصحر فينا
    -14-
    الكتابة بحبل المساومة او ضربٌ من الندم

    ان تحاول ايجاد وصلة تربطك ببحر هائح لتنقذ راسك من راسك / عليك ان تبحر عميقا حدّ اللعنة ايها القاتل لااحد هناك ينتقي لك احلامك فالحجر ايضا حياة والسمك ايضا موت/ لاتقلق فالحسنة الوحيدة التي عليك ان تتعلم منها انك لن تتعلم شيئا ابدا في هذا النوم/ هناك كما يقولون حين تبدا الانفاس بالبحث عن نافذة تبدا رحلة الكتابة بخرطوم الفيل
                  

09-14-2013, 08:39 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    سبع قصائد إليها
    نهى العتيبي





    1-
    تغزلين الغيمَ،
    فتمطرُ القصيدة.

    2-
    صوتكِ النور الذي يغازل الظل،
    النارُ التي تطارد الفراشات
    صوتك البحرُ،
    والملحُ ظمأ

    3-
    مُدّي يمينك
    يستريح القلبُ من وهنٍ..
    ينطوي فصلٌ من الحزن الأبيض.

    4-
    ما جدوى الجناحين،
    والطائرُ أعمى؟
    ما جدوى السماء،
    والعشّ غربة؟

    5-
    كانت الليلة حلماً
    كان الحلم وطناً
    كان الوطن عينيك.

    6-
    وأنا أبحث منذ عصورٍ
    عن وطنٍ لا ينكرني،
    عن وترٍ لا يعزف حزناً
    عن بحرٍ لا يلفظُ سرّي
    عن حلمٍ لا توقظه الشمس.

    7-
    كوني الماءَ والميناء
    كوني النخلَ والزيتون
    كوني الوطنَ الأم
    كوني الحبّ والمنفى
    كوني الموتَ والميلاد
    كوني حرباً
    كوني أغنية للسّلام
    كوني أنتِ
                  

09-14-2013, 01:57 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    جثث تكـرر موتهـــــــا
    عباس مزهر السلامي



    -1-
    ألِفْنـــــــا الموت
    فترانا نرتدي جثثنا
    قبل أنْ نهمّ بالخروج
    الى الحياة !
    ***
    -2-
    حين صيَّرَهُ الزمنُ
    جثةً شبــه واقفــــة
    إتفقوا.. والموت
    على قامتــــــــــــه!!
    ***
    -3-
    وقفَ وسط الجثث
    وصرخ بأعلى موتــــه
    انها ليستْ الجثث الفارّة من القبور،
    آه !
    انها الحشود التي سيّروها!
    ***
    -4-
    منذ أن وافتهُ الحياة
    وهويقيـم في جثته
    فقبرهُ لم يولد بعــــــد!
    ***
    -5-
    همسَ الى جثتهِ
    أنـــــــــــا...
    لستِ أنتِ
    فانتصبتْ ،
    ثم سارتْ بـــــــــه!
    ***
    -6-
    على مقربةٍ من جثته
    (عاش) أناسٌ كثر
    لكنهم ماتحسسوا موتَـــــــــــهْ !!
    ***
    -7-
    ثمة جثة تسكنهُ ،
    في المساء
    يمتدُ بـها، يموت،
    وفي الصباح تسير به
    حيث تُريــــــدْ!
    ***
    -8-
    بعد أنْ أوهـمَ القبـرَ
    دسَّ جثتَــــهُ في الحياة
    ***
    -9-
    في المقبـرة وأمام المشيِّعين
    سأل جثتـَـــــــــــــــــهُ...
    فأجاب .. ########اً كان موتُكِ
    وقفتْ جثتُهُ
    احتضنها
    ودعها ساخراً
    ثم عاد (معهم ) ميتـــاً !!!
    ***
    -10-
    سدد خطاه
    ورمى بجثته
    فوق نعش الطريق !
    ***
    -11-
    متشابهان حد الموت
    أنا وجثتي،
    آه!
    لالغة بيننا للتحاور
    ايتها الجثة البابلية
    جثتي،
    أنتِ مقيمة في قامتي
    ربما سأكون عوناً لكِ
    في موتك الآخـــــــــــــــــر !!
    ***
    -12-
    لِمَ تحيــــــــا وأنتَ مثلي ؟
    جثـةٌ سألت :
    أقل ماأفعلهُ ،
    هو أن يبتهج لي القبر
    وأنا أملأ عليه فراغــــــــــــه !!
    ***
    -13-
    على حشدٍ كبيـــر من الجثث
    امتشق لسانه
    (وأنشد) للحياة !
    ***
    -14-
    كان لزاماً على الجثث
    أن تعلن تمردها
    وتخرج من القبور
    قبل أن يطالها الموت !
    ***
    -15-
    الموتُ يتقافـز تحت الجثث
    تلك التي تلهثُ زاحفة
    خلف الحياة !
    ***
    -16-
    ثمة جثث يستفزها الموت
    (فتحيا) ميتة
    ثمة أخرى تستفز الموتَ بموتِها
    لتحيا!
    ***
    -17-
    حينما تولد جثة
    يكون مخاض الأرض كئيباً
    وحينما تخرج جثة من موتها
    يستبشر التراب!!
    ***
    -18-
    ينظــــرُ لهـــــــا الموتُ بإستخفاف
    جثة تريـــــــــــــــد الحياة !
    ***
    -19-
    الوردة المقطوفة جثة تحملها الأنامل ،
    الوعد الكاذب جثة شيّعها الوقـــــت ،
    القلم الأبكم جثة فوق البيـــــــــــــاض،
    الظلام جثة الضـــــــــــــــــــــــــــوء،
    الرماد جثة النــــــــــــــــــــــــــــــار،
    التابوت، جثة من غير جثة
    ***
    -20-
    في مدن الموت
    التابوت لايموت!
    التابوت هو المعمِّـــــــر الوحيد فوق الأرض !
    ***
    -21-
    الجثة بإستطاعتها أنْ تفعل شيئاً
    هي وحدها التي تغيّر اسم الحفرة
    الى قبـر !!
    ***
    -22-
    قالت جثة الى جثة تجاورها
    وبصوت عالٍ:
    تعالي نعيد موتنا الذي أغفلناه
    بلعبة...
    أجعلُ من جسدي دعامةً لك مرة
    وتجعلين من جسدك دعامةً لي مرة أخرى،
    لنرَ وجه الموت الحقيقي !!
    ***
    -23-
    لاتصدق انك جثــــــــة
    والاّ سيطالك الموت !!
    ***
    -24-
    لسانك مفتوح
    ولستَ خارج –التصفية-
    حذاااااااااااااري
    ضغطةٌ واحدة تكفي
    لتعبئة رصيد قبـــــــرك !!

    شاعر من العراق
                  

09-14-2013, 02:02 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    إن جُثَّتِ الحركات
    شعر : أحمد ضيف الله العواضي




    ( 1 )
    إن جُثَّتِ الحركاتُ لا مُستفعلن يجدي ، و لا بلدٌ يحبّكَ يا فتى . هذا رخامُ الشِّعرِ أوله معلّقةٌ و آخرهُ أقل من الهباء . خسرتَ سيفكَ مرّتين . إلى الأمامِ ترى الفواكه و النساء دُمى من المطّاطِ ، هل تمضي القصيدةُ كلّما اكتملتْ إلى أقصى من امرأةِ الخيال . و هل سنمضي بعد تاريخٍ من الإسراء و المعراجِ و الفتحِ المبين إلى مدى أقصى من الشرطي في أفق القبيلة . جثَّتِ الحركاتُ . لا بلد يحبكَ يا فتى إلا الصحارى القاحلات و مطعم الغرباء . لا بلد يحبك يا فتى إلا رخام الشّعر أوله معلّقةٌ و آخره فضاء . أنتَ حرٌّ خذ من الحزن المفاجئ ريشَ أجنحة الغناء . و طر ، و غنّ أيما جهة ستألفُ وحشة الأسفارِ . لا بلد يحبّك يا فتى إلا المهرّج و النساء ، و آهة المطاط . لا شيءٌ يدل على طريقك غير ظلٍّ للمعلقة العجوز و ما تبقى في المضارب من تجاعيد البكاء .
    ( 2 )
    متفاعلن . متفاعلن . في غيمة الأسفار خمس فوائدٍ . لا حلم إلا ما يخط على زجاج الرُّوحِ منعى للتأمّلِ في مرايا الكائنات . و لا زمان سوى المكان . فكفَّ عن دورانك العبثي كي يترتّب الحلم البطيء موشّحا . لا الروح ملَّ ، و لا الخفي من العوالمِ دلَّ أسفاري على بلدٍ أحب ، يدور في فلك القصيدة خطوتين إلى الأمام . فوائد الأسفار خمسٌ في مرايا الكائنات : دبيبُ نملٍّ فاعلن متفاعلن ، و جناح نحلِّ فاعلن متفاعلن ، و شذىً لأزهار ، و سنبلة تجود ، و غيمة الأحلامِ تهطِلُ كلّما فتَّشتَ عن بلد يحبكَ يا فتى ... متفاعلن متفاعلن ...
    سترى المدى قفراً و فوضى الوقت أيتها القبائلُ و الدخان .
    ( 3 )
    وقفَ الفتى في أولِ الأسفارِ مندهشاً يتمتمُ : ما أظنُّ أديم هذا الأقُّ إلا من رفات قبائل غابت لكي تتمسرحُ الطرقاتُ ثم تعود . ما جدوى الشجون ، و ما أظنّ أديم هذي الأرضُ إلا من حطامِ قبائلِ النخلِ العجوز . إلى الأمام لنودِّع الفوضى لجيلٍ بعدنا ، و نُقيلُ من أسمائنا الفوضى ، و نبكي كلما طارت إلى ما بعد أسوارِ الطفولةِ كلّ أسرابِ الحمام .
    ( 4 )
    وقفَ الفتى في آخر الأسفارِ مضطرباً ينادي :
    أيها البلدُ الجميلُ أنا المسافر كلما ( حجَّيتُ ) بالأشواقِ زُلفى .. لا أراكْ !
    و أنتَ في روحي شِراعُ الغيبِ . ترتيبُ المشاعرِ لا يهم .
    أنا أحبُّكَ .
    كلما هيأتُ أغنيتي تفرُّ إليك . كيف تراكَ في أسفارها و أنا المسافرُ لا أراكْ .
    و ليس لي إلا سراج الشّعرِ – حين تغيبُ في الظلماتِ – فاتحة التنبؤ .
    أيها البلدُ المفصَّصُ بالنجومِ و بالشجونِ و آية الرمانِ . مالي لا أراكْ ؟
    و كلما حاولتُ فاجأني فضاء الوقتِ . هل سأموتُ كي تحيا فيحييني هواكْ ؟
    .. أنا هوىً متجدّدٌ في بعض صوتكِ أو صداكْ .
    تعبتُ من شجني عليك ، و كلما وجهتُ ذاكرتي إلى جهةٍ تعود ..
    كأنما الدنيا بلاد الله ليس بها سواكْ .
    ( 5 )
    علّق هواكَ على هواكَ لتشعلَ الذّكرى . و غامر أيما جهة ستألفُ وحشةَ الأسفارِ لا الفوضى تعينُ و لا نظام الرَّي يمنحني الطعام . إلى الأمام .. ترى المهرّجَ كلما اشتدّ الظلامُ يغيب بين مواسم التنجيمِ . هل سنلملم الفوضى إلى الفوضى لجيلٍ بعدنا ؟ ليرى معلقةً من الفوضى على صدر المهرجِ كالوسام .
    ( 6 )
    القلبُ أشعلَ غابة الذّكرى ليعرفَ ما يريد . و ياقة الجندي لا تقوى على حمل النبوءة . لا زمان لكي نقاوم ما استجد . و لا مكان لنزرع الأحلام و القمحَ الفقير إلى القبائل . أيها الوقت العجوز أتى المهرجُ يملأ الدنيا من الفوضى سنابل . لا جديد سوى الكلام يغيبُ في الضحك القتيل . أتى المهرجُ كلّما غنّى تكاثرَ . في مدى الفوضى تكاثرتِ القبائل و الجوارحُ و المهرّجُ . ما استجد يموتُ كي تتكاثر الفوضى و تتّسعُ القبائلُ . لا فتى إلا المهرّج . غاب في الضحك القتيل لكي نمرَّ إلى الأمام .
    ( 7 )
    خرجَ الفتى في آخر الأسفارِ مُتَّشِحِاً خرافته و قال : سيعلمُ الأعرابُ أن القلبَ أصدقُ من جهات الأرضِ . لا جغرافيا الدنيا تعين و لا خطوطُ العرضِ تمنحني التأمّلَ و الأمان . أنا مزاجُ الغيم . ترتيب المواسم لا يهم . سأجمع الفوضى إلى الفوضى و أكتب إن للفوضى ( يدٌ سلَفَتْ و دَيْنٌ لا ينام ) .
    ( 8 )
    إن جُثَّثِ الحركاتُ لا مستفعلن يجدي و لا متفاعلات . حروفُ جرٍّ تربك المعنى و تبدي آهة الشُّعراءِ . تلك سيوفنا صدِئتْ من التجويدِ . لا الإدغامُ أوصلنا إلى برِّ الأمانِ . و لا الوقوفُ مبرَّرٌ إلا لوصل سلالة الأحلامِ بالأوهامِ . و الصحراء حلم واحدٌ متكرِّرُ النظراتِ . لا التكعيب أوصلنا إلى ما بعد خيمتنا . و لا النّثر المشتتُ تحتَ أقدامِ المعلَّقة العجوز يشدّ أزر القادمين .
    بأي نصرٍ سوف ندخلُ دار عبلة بالجواء . و أي وحي يقنع العبسي عنترة الفتى الفضّي . في آهاتِنا تتقاطعُ الكلماتُ . لكن القصائد أكثرُ الطرقاتِ إيلاماً إلى أطلالنا .
    فقِفا لنبكي أكبر الأطلالِ في تاريخِ أمَّتنا
    العدالةَ
    و النِّظام ! .
                  

09-14-2013, 02:34 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    قصة من أم درمان
    صلاح أحمد اٍبراهيم



    و رميت رأسي في يدي
    ما تنفع الشكوى،
    وشعرك
    جف بالشعر الخيال
    و كأن راسي في يدي
    روحي مشقشقة بها عطش
    شديد للجمال
    وعلى الشفاه الملح واللعنات
    و الألم المحنط بالهزال
    وكان رأسي في يدي
    ساقاي ترتجفان من جوع
    ومن عطش ومن فرط الكلال
    وأنا أفتش عن ينابيع الجمال
    وحدي بصحراء المحال
    بسراب صحراء المحال
    بسموم صحراء المحال
    أنا والتعاسة والملال
    وكان رأسي في يدي
    والمركبات تهزني ذات
    اليمين أو الشمال
    والمركبات تغص بالنسوان
    واللغط الشديد وبالرجال
    وكان رأسي في يدي
    مازال يقذفني اللعين كأنه
    الغربال من أقصى
    اليمين إلى الشمال
    وبقلبي الأمل المهشم والحنين
    إلى الجمال
    والوحشة الغرَّاء والنور
    المكفن بالطلال
    وخلو أيامي ورأسي في يدي
    ورفعت رأسي من جحور كآبتي
    وأدرت عيني في المكان
    وكنت أنت قبالتي
    عيناك نحوي تنظران
    عيناك ... وأخضر المكان
    وتسمرت عيناي في عينيك
    ماعاد المكان أو الزمان
    !! عيناك بسْ
    ومسكت قوس كمانتي
    عيناك إذ تتألقان
    عيناك من عسل المفاتن جرتان
    عيناك من سور المحاسن
    آيتان
    عيناك مثل صبيتين
    عيناك أروع ماستين
    ( هذا قليل )
    عيناك أصدق كلمتين
    عيناك أسعد لحظتين
    ( هذا أقل )
    عيناك أنضر روضتين
    عيناك أجمل واحتين
    ( ما قلت شئ )
    عيناك أطهر بركتين من
    ، البراءه
    نزل الضياء ليستحم بها
    فألقى عند ضفتها رداءه
    الفتنة العسلية السمراء
    والعسل المصفى والهناء
    وهناك أغرق نفسه
    ( عجز الخيال )
    عيناك فوق تخيلي
    فوق إنطلاق يراعتي
    فوق إنفعال براعتي
    عيناك فوق تأملي
    ومضيت مأخوذاً وكنت قد
    اختفيت
    من أنت ؟ ما اسمك يا جميل ؟
    وكنت من أي الكواكب قد أتيت
    وقد اختفيت
    مازلت تملأ خاطري مثل
    الأريج
    كصدى أهازيج الرعاة تلمه
    خضر المروج
    كبقية الحلم الذي ينداح عن
    صبح بهيج
    ومضيت مأخوذاً وكنت قد
    اختفيت
    ومضت ليال كالشهور فما
    ظهرت ولا أتيت
    وأنا أسائل عنك في الليل
    القمر
    وأنا أفتش في ابتسامات
    الرضا ... لك عن أثر
    في كل ركن سعادة لك عن أثر
    في كل نجم خافق
    في كل عطر عابق
    في كل نور دافق
    لك عن أثر
    حتى لقيتك أنت تذكر في
    ضحى من غير ميعاد وغير تعمد
    ولمحت وجهك فجأة وظللت
    مشدوهاً بهول المشهد
    وتزلزلت روحي ونطَّ القلب
    يهتف صائحاً
    هو نفسه ... هو نفسه
    وتفتَّح
    وكأن ليلاً أصبح
    ووقفت في أدب وفي فرط
    إحتشام
    ومددت كفي بالسلام
    لكن كفك في الطريق ترددت
    وتعثرت
    وامتد في عينيك ظل توجس
    وكأنما كفي حرام
    وكأنما قتلت حسيناً ، أو رمت
    بالمنجنيق قداسة
    البيت الحرام
    لكنني لم أنبس
    وخنقت في صدري كلام
    وحبست في حلقي ملام
    ومضيت مغتاظاً أضمد
    مهجتي
    ألم من فوق التراب كرامتي
    وأسب يوماً كنت تجلس
    أنت فيه قبالتي
    ولكم دعوتك .. كم دعوتك
    بيد أنك لم تلبي
    مازلت تخشى أن ترى
    نوري وتغرق نورك الوضاح في
    أرجاء قلبي
    وتخاف لمس أناملي
    وتخاف قلبك أن يجيب ،
    تخاف من خطوات حبي
    لك ماتشاء !! .. فلسوف
    أغلق جنتي
    ولسوف أطفئ نورك الخابي
    وأوقد شمعتي
    ولسوف أطرد طيفك المغرور
    أنفيه لأقصى بقعة
    ولسوف أتركه لتنهشه
    مخالب غضبتي
    والمُّ من فوق التراب
    كرامتي
    وأسب يوماً كنت تجلس
    أنت فيه قبالتي
    حتى لقيتك أنت تذكر من
    جديد
    في ذلك الركن القصي بذلك
    البلد البعيد
    إذ جئت تخطر نحونا وكان
    وجهك يوماً عيد
    ماذا يريد ؟
    وهفا الفؤاد ... هفا ؟ فقمت
    نهرته
    وهتفت ماشأني به
    وزجرته
    وذكرت أنك طالما عذبته
    وأهنته
    ولويت رأسك يا عنيد
    وأتيت مبتسماً وفي عينيك
    ألوان الحنان
    مذا هناك ؟
    ومددت كفك بالسلام
    لا لم تعد تلقي يداه الإتهام
    وتقول كفاه بأن يدي حرام
    لا لم يعد
    ودفنت في أرجاء كفك
    راحتي
    وضممتها ... وضممتها
    ورميت قلبي في ذراعي بهجة
    وحمدتُ يوماً كنت تجلس
    أنت فيه قبالتي
                  

09-14-2013, 02:39 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    منزل مزدحم بالغائبين
    تمام التلاوي







    في منزلٍ مِن غرفتينِ ورَدهةٍ
    ربّيتُ أحلامي لأعوامٍ طِوالٍ
    ربّما دخلَتْهُ إمرأةٌ لتُنجِبَ فيه حُلْماً عابراً أو تقتلَهْ
    ولربّما كنّا نعذّبُهُ كثيراً في مسَاءاتِ الوعولِ.. فنكسرُ الأقداحَ فوقَ سكونهِ أوْ نصفعُ الأبوابَ أوْ حتّى نقوِّضُهُ بعصفِ لهاثِنا في الليلِ

    لكنّي اعتنيتُ بهِ كأنّهُ والدي, لي فيهِ كرسيٌّ كحِضنِكِ آنَ يُدفِئُ عزلَتي, ونوافذٌ مفتوحةٌ لتأمُّلِ الأيَّامِ وهْيَ تمُرُّ في بالِ الخريفْ

    مفتاحُهُ ما زالَ يصدأُ في حقيبتِها, وها إنّي أواصلُ عادتي في الانتظار ومضْغِ ذاكرتي كلوْزٍ, تاركاً خلفي سريراً فارغاً بعدَ التي كانتْ تبعثِرُ عمرَها كرَزاً وسمّاقاً وجمْراً فوقَ شَرشَفِ ذكرياتي

    سوفَ أضحكُ حينَ أذكرُ كيفَ كانَ التمْرُ ينضُجُ في عرُوقي كلّما ارتعشَتْ على شَفَةِ القرنفُلِ زَفْرةٌ أوْ كلّما ارتطمَتْ على كَتِفَيْ دمي ساقانِ مِن دفلى
    سأضحكُ.. كنتُ مأخوذاً بموجي, لا أحطُّ بمرفأٍ إلاّ لأُبحرَ منْ جديدٍ, كانَ لي بحّارَةٌ لا يسأمونَ منَ الأغاني وهْي تخفِقُ في صواري القلبِ

    لكنّي سأبكي حينَ يُرجِعُني صريرُ البابِ يا أمّي إلى القلَمِ الذي اقترفَتْ بهِ أنثايَ حزني فجرَ أقفلَتِ المدينةُ خلفَها برِتاجِ أشعاري نهاري


    إنّما لي منزلٌ منْ غرفتينِ ورَدهةٍ, ربّيتُ فيهِ صِغَارَ أحلامي لأعوامٍ كمَا ربّيتِنِي, وحرستُ صمتَ جُنَينتي بشُجيرتَي وردٍ وليمونٍ وأيْكةِ آكِدِنْيا, رافعاً قمرِي لجارتِنا التي تصطادُ أعشاشَ العصافيرِ الصغيرةِ كلّما اهتزَّتْ غُصونُ الحبِّ في قلبي..

    تركتُكِ.. كنتِ واقِفَةً على عتَباتِ دمعَكِ كالفَنَارِ, وكنتِ عبَّأْتِ الحقيبةَ بالحنينِ وقلتِ: لا تنظرْ إليَّ لأنّني سمراءُ يا ابْني, إنّني السمراءُ, سوسنَةٌ العواصِمِ, لوَّحتْني الشمسُ في زمَنٍ نطَرْتُ بهِ كرومَكَ, لوَّحتْني شمسُ أيّامي, ولمْ أنطُرْ أنا كرْمي..

    وقفتِ.. وكانَ صدرُكِ يومَها رَطْباً, وكانتْ ذكرياتُكِ ربّما هيَ ذكرياتي نفسُها. ولأنَّ عاداتي قد اختلفَتْ كثيراً, صارَ يكفي أنْ أرى باباً لأدخلَ في البكاءْ
    أوْ أنْ أُلامسَ حائطاً حتى يصيرَ أرَقَّ منْ أثوابِ نومِكِ..



    منزلي, ربّيْتُ فيهِ صِغارَ أحلامي كمَا ربَّيتِني, ومنعتُها مِنْ أنْ تُغافلَني وتلعبَ مع صغارِ الحيِّ, قلتُ: هناكَ ذئبٌ في المدينةِ, قلتُ: ثمَّةَ ساحراتٌ, قلتُ: قربَ البحرِ كوخُ البحرِ يقْطُنُ فيهِ شيخٌ يأكلُ الأولادَ

    لمْ أكذِبْ كثيراً يومَ قلتُ, فحالما اشتدَّتْ بيَ الأحلامُ وانطلقَتْ على صهَواتِ خيلِ الوهمِ مسرِعةً, سهرتُ أمامَ طاولتي لأنتظِرَ البريدَ.... فجاءني فجراً ثلاثُ رسائلٍ لثلاثةٍ: ذئبٌ, وساحرةٌ, وشيخٌ

    منزلي هذا, أراهُ الآنَ مزدحماً بكلِّ الغائبين: حبيبتي, أهلي, وأصحابي القدامى.. بينما ما زلتُ منذُ الأمْسِ مُرتمِياً على ورَقي وذاكرتي أعانقهُم وحيداً. تحتَ عَتْمِ الحِبرِ, أنصِتُ لانهماري جيّداً, وأرى ارتعاشَ العُشبِ تحتَ السورِ عبرَ بُخارِ نافذتي, أبلِّلُ باشتياقي معطفَ الكلماتِ وهْيَ تمُرُّ مسرعةً على ورقِ الرّصيفِ الآنَ, نافِثةً دخانَ مَشاهِدي حولي, وعابرةً على الشرفاتِ برقاً تلوَ برقٍ تلوَ برقٍ

    قبلَ أنْ أبكي, رأيتُ اللهَ, فانبَجسَتْ حياتي عبرَ شرخٍ في جدارِ قصيدتي, وترقرَقَتْ عينايَ بامرأةٍ وراءَ البابِ. كانَ البابُ مطْلِيّاً ببيتِ العنكبوتِ, وكانَ في أعلاهُ عشُّ حمامةٍ. طارتْ.. فلا دخلَتْ خُطا امرأتي إليَّ, ولا خرجتُ أنا إليها

    زنزنَتْكِ وساوسي, وتدفّقَتْ حولي حياتي, ثمَّ جفَّتْ في الحنينِ وفي السنينِ وفي الكتابِ الجامِعيِّ وفي رغيفٍ يابسٍ في مطبخي, وعلى هواتِفِ لَيلِكُمْ وعلى غيابي –أنتِ أقربُ في الغيابِ إليَّ منْ حبْلِ الوريدِ- وفي الرّسائلِ أوْ عليها, في قرنفُلِ صاحِبَاتي أوْ عليهِ, وفي المَمَرِّ تدفَّقَتْ, وعلى رؤوسِ أصابعي جفَّتْ حياتي مثلَ حِبرٍ

    هكذا زعمَ الرّواةُ, وهكذا قَصَّ الشتاءُ على المدى أقصوصَتي, حتّى تلبَّدَتِ السماءُ بصوتِ أمّي والصلاةِ..

    نعِستُ يا أمّي, فأينَ الآنَ كفُّكِ تنفضُ الحُمَّى قليلاً عنْ سريري, والحبيبةَ عنْ جبيني؟. ربّما ما زلتِ جالسةً على نهرِ المدينةِ تعصرينَ قميصَ صبرِكِ. ربّما جفَّتْ يداكِ وأنتِ ترمينَ السنينَ كما الحصى فوقَ المياهِ. نعَمْ, رأيتُكِ عندما الْتَفَّتْ عليَّ دوائرُ الغرباءِ, ما كنتُ استلَلْتُ القلبَ منْ غِمدِ البراري بعدُ. طولَ الليلِ كنتُ ركضتُ طولَ الليلِ لمْ أسقطْ ولمْ أسقطْ ولمْ أسقطْ إلى أنْ غاصَ نابُ الّليثِ في فخذِ الغزالْ

    حسَنٌ إذنْ.. سأقولُ هذا منزلي, وأعيدُ ترتيبَ الأواني فوقَ رَفِّ الأُمنياتِ. وسوفَ أكنسُ عن بلاطِ الروحِ ما قدْ خلَّفَتْهُ عليهِ أحذيةُ النَّدامى, ثُمّ أحلُمُ منْ جديدٍ, ناسياً مائي القديمَ يجِفُّ فوقَ النارِ في إبريقِ وقتي, سانِداً رأسي على كَتِفِ الأريكةِ, عابثاً في فَرْوِ قِطّتِيَ الكسولةِ

    إنّ هذا منزلي, ولطالما جدرانُهُ كانتْ لصوتي دفتراً في الليلِ, أمّا في الصباحِ فمِعطفاً سترَتْ بِهِ امرأتي خطيئَتَها القويَّةَ عندما زارَتْ حيَاتي..

    إنَّ هذا منزلي, ولطالما ناقشتُ فيهِ الأنبياءَ بمَا أضفْتُ على رسائِلِهِمْ, وأقنعتُ الشياطينَ الكبارَ هنا بلا جدوى وساوسِهِمْ. وكانَ الأنبياءُ على يميني يجلِسونْ
    أمّا الشياطينُ الكبارُ على الشِّمالِ فواقفونَ. وكنتُ أشعِلُ بالجِدالِ سجَائِري, حتّى تنَحْنَحَتِ الحقيقةُ ذاتَ قِسطاسٍ بجلسَتِها لتحكُمَ.. أطفَأَتْ أعقابَ قولي في فنَاجينِ السؤالِ, وأردفَتْ: أينَ الحقيقةُ؟. قلتُ: فيكِ..
    فأطرَقَتْ حُزناً, وأغْضَتْ عنْ جوابي النارَ, ثُمَّ اغرَوْرقَتْ بالمُستحيلْ..

    ولأنَّ هذا منزلي, فلقدْ مدَدتُ بشُرفتي –مُذْ جِئتُ- حبلاً معدنيّاً, ثُمَّ علَّقْتُ المدينةَ مثلما علقْتُ قمصاني وأزواجَ انكساراتي وحَمَّالاتِ أوجاعِ الحبيبةِ. وانتقيْتُ لكيْ أُطِلَّ عليكِ نافذةً وكرسيّاً وعصفوراً, فشارَفَتِ البلادُ على المطرْ
    ورأيتُ ظُفراً يخْمشُ امرأتي, فأجهشَتِ الشوارِعُ بالشتاءْ,
    ورأيتُ سيَّافاً على بابِ الخليفةِ يُشهِرُ الموتى عليَّ, فحشرجَتْ بالرّعدِ حنجرتي وأحرقَتِ البواشِقَ والشجرْ...

    الآنَ يا أمّي, وما بينَ المدينةِ والمدينةِ, ينصِبُ الغرباءُ جسرَ الريحِ كيما يرجعونْ
    وأنا أعاونُهُم, أُفكِّكُ منزلي هذا, لنرفعَ مِنْ حجارَتِهِ لأجلِ الجِسرِ أعمدَةً, ونجعلَ منْ عوَارضِهِ أفَارِيزاً, ونصنعَ منْ حديدِ مقابضِ الأبوابِ حدْوَاتٍ لأجلِ الخيلِ.. لمْ نكبَرْ كثيراً, بعدَ زوبعتَيْنِ سوفَ تُقِلُّنَا العرباتُ نحوَ الأمّهاتِ, وسوفَ نرجِعُ كلُّنَا, غرباءَ مُبْتَلِّينَ بالمنفى.. وقدْ خشُنتْ جلودُهمُ قليلاً ربّما, أوْ ربّما اتَّسعَتْ منَاكبُهُمْ قليلاً, ربّما عَرِيَتْ رؤوسُهُمُ قليلاً.. إنّما ازدادَتْ قساوَتُهُمْ كثيراً بعدَما جفَّتْ على طرقَاتِهِمْ آبارُ أعينِهِمْ, وجَفُّوا بعدما امتصَّتْ لحومَ صدورِهِمْ أُمُّ الذِّئابْ



    الآنَ يا أمّي أفكِّكُ منزلي حجَراً
    حجَرْ
    حجَراً
    حجَرْ..

    للأرضِ عادتُها, ولي في الأرضِ عاداتُ الغجَرْ
    سترَيْنَنِي يوماً أمامَ البابِ مُنتصِباً كنَايٍ, فاعرفيني إنْ لمَحْتِ أصابعي وتَراً وتَرْ
    تهتَزُّ في قيثارةٍ صدئَتْ, وفُضِّي عن وعولي شبْكةَ الصيّادِ, وانتَزِعي الطحالبَ عنْ ضفافِ العُمرِ, هُزّيني كجذعِ النخْلِ تسَّاقَطْ على قدمَيكِ أغنيتي وأنطقُ مرّةً أخرى بمهْدِ الحُلمِ, ربّينِي كمَا ربّيْتُ أحلامي, ولا تضَعي الوِشاحَ, ولا تطوفي بي بأسواقِ المدينةِ منْ جديدٍ, بلْ ضعيني وردةً بإناءِ صدرِكِ, والْمسِيني دائماً بيدَينِ سمْراوَينِ, يا سمراءُ, يا مَنْ طالَما غرَّتْكِ غيْرَةُ والدي, وخناجِرُ المَلِكاتِ وهيَ تُضيئُ في غُرفِ المُلوكْ


    هوَ منزلٌ منْ غُرفتَينِ ورَدهةٍ
    بابٍ, وخمسِ نوافذٍ وجُنَينَةٍ
    فكَّكْتُهُ, وجلستُ مُستنِداً لزنْكِ خزانتي, أصغي إلى مطرٍ قديمٍ
    ليْتَ هذا منزلي
    إذْ ليْسَ هذا منزلي
    فكَّكْتُهُ.. فكَّكْتُهُ..
    وجلسْتُ في المطرِ القديمِ أُضيئُ أوراقي ببَرْقِ مدائحي..
    سمراءُ
    يا أمَّ المنازلِ كلِّها
    كمْ منزلٍ في الأرضِ قدْ عَقَّ الفتى
    ومديحُهُ أبداً
    /أبداً/ لأوَّلِ منزِلِ
                  

09-22-2013, 10:00 AM

محمد عبد الله حرسم
<aمحمد عبد الله حرسم
تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 4492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى محمد عبد الله حرسم.... (Re: بله محمد الفاضل)

    شكرا يا حبيب

    لم الاحظ المناولة الا اليوم

    فى الصميم


    وسانقله الى هناك لارد على ما جاء فيه

    دفعا للتقدم اكثر
                  

09-22-2013, 10:07 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إلى محمد عبد الله حرسم.... (Re: محمد عبد الله حرسم)

    لا عليك
    كان من الواجب تنبيهك إليه
    أو نقله إلى محله
    لكنما فات علي ذلك
    فمعذرة


    وعسى أن يكون نافعاً لمفترعك الثر


    محبتي
                  

09-15-2013, 01:03 PM

جورج بنيوتي

تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 1174

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    ولــــك أجرهـــا
                  

09-15-2013, 02:43 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: جورج بنيوتي)

    "تظهر كدا
    وتغيب"


    وعليكم الشوق والمحبة



    تعال...
                  

09-16-2013, 06:08 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    ( وآ شري ! جابو الإسعاف ! )
    سيد أحمد العراقي





    خرج مقطع الأغنية من جوف الحسين ، بطيئا ، متعثرا ، مثقلا بالمخاوف والرجاء ، فقد ظل الحسين جالسا في ذات المكان ، منذ عودته بعد وداع ليلى ، التى غادرت بالقطار من كريمة.

    وصل الى شجرة السنط تلك ، فوق ضفة النهر ، قبل آذان الظهر ، وجلس ميمما وجه الى كريمة ، وطال جلوسه . ولم تحدثه نفسه بالذهاب ، ولا يريد العودة لمنزله .

    ياحليلها بلا عدد قالوا شالها قطار الأحد *


    لا يدرى كم مرة غلبه النوم ونام ؟

    وكم مرة نزل وشرب من النهر ؟

    وكم مرة أنتشله ، وأزعج وهدته ، تسلل تلك الديدان ( الصرفة) تحت ملابسه، إلى جسمه ، و إخراج إفرازها الحارق عليه ، فيضطر للقيام ، متضايقا ، ليتخلص من تلك الديدان ، ويبدأ نوبة حك للمواضع المصابة من جسده ؟

    ومضى زمن بعد آذان العشاء والحسين لا يجد في نفسه رغبة لمغادرة المكان

    تذكر ان قطار كريمة عادة يصل إلى أبى حمد فى ذاك الميعاد ، غلبه شوقه ومخاوفه ، فهدأهما بتمنى برودة الطقس وأن يدرك النوم ليلى ، فخرج مقطع آخر من الأغنية ، و إنساب داخل بدنه . أن يبرد الليل حيث تكون ليلى آنذاك ، لتنعم بنوم عميق، متدثرة بثوبها ، أو هكذا تخيل و تذكر وتمنى الحسين .

    فى الرباطاب الليل برد تلقاه نام فى توبو إنجبد **

    بل حمله مناه الى محطة ابى حمد ووجد ليلى نائمة وكتم شوقه ولم يوقظها ، رأفة بها ومحبة لها . المحطة من حوله تمور ببائعى العجوة والبيض ورائحة الشاى المقنن تملأ المكان .

    أيغظه قرص تلك الديدان فى عدة مواضع من جسده ، إستفاق، مذعورا وحزينا ، ليتخلص منها ويحك مواضع إفرأزها عليه .

    حتى التمنى والحلم لا يكتملان يا الحسين .

    أحس الحسين أن هواجسه تخنقه ، فى حلقه ملح مركز ، و وتناوشه أفكار بغيضة ، يقشعر منها ويرفضها ..
    مثل تجرعه دواء الكينا الذى جربه ولم يستسيغه أغلب أو كل أهل القرية ، في العيادة أو كما يسمونها أحيانا نقطة الغيار .

    هي الشفخانة بديارنا ، تلك التى بها ثلاث زجاجات ، كلها بنية اللون ، واحدة بها محلول الكينا للحمى او الحميات بأنواعها ، وثانية بها المزيج، فقط نعرف أن إسمه مزيج .
    لا ندرى ماذا مزجو ؟ وهو لنزلات البرد ومصاعب التنفس .

    و للجروح صبغة يود بالزجاجة البنية الثالثة .

    وعلبة من الألمونيم ، مثبت عليها ورق أصفر ، عليه كتابة بنية اللون ، تحوى حبوب سلفا زول ،والسلفا قد يدعم ما بتلك الزجاجات الثلاث ، إذ ا يمنحه المساعد الطبى لنا كثيرا مع أى من العلاجات الثلاث .

    زجاجات العيادة الثلاث ، صارت مرجعا لتشبيه القصار ، ممتلئ الأجسام من نسائنا ورجالنا ، ويضرب بها المثل لحالنا الذى يظل لسنوات كما هو ، لا يزيد ولا يظهر فيه النقصان .

    ( مدقلب أو قابضة الواطة زى قزبزات الإستبالية) ( ياهو حالنا من قمنا ، لا زاد لا نقص زى قزيزات الحكيم )

    يا شافي و ياكافي ، هذه هي مستشفانا وطبيبنا ، وجهد أمهاتنا بالقرض والحرجل وكل أعشاب الخلا وماياتى به النهر من طحالب وأعشاب .
    لها مراسم وطقوس , منها شراب بارد أو ساخن وبخور .

    حين البخور ، يغطونك بما تيسر من غطاء ، مع دخان القرض ، وحين يكون البخور لبان ، ليخرج من المريض سحر يتربص به ، تحنس الأمهات وتنده بكل ما يعتقدن ،

    أخرجى ...يا كافرة يا نصرانية
    أخرجى... يا فاتية يا عانية
    عين الفتاة فيها الواطا
    عين المر ا فيها الترى
    عين الراجل فيها مناجل
    عين الحسود فيها العود

    وتلحق الأم بخور القرض بمسح صدر مريضها بزيت سمسم مخلوط بملح داعية الصالحين أصحاب القبب ورب العالمين ان تزول الشدة ويشفى المريض ، والمرض ما بيكتولو زول ، يكتلك يومك ،

    وأصر سليمان ود ست أبوها أن يضيف ( تكتلك المغسة والحقارة !)

    قبل أهلنا من سليمان ود ست أبوها تلك الخلاصة وأضافوا عبارته إلى

    حديثهم حين الحاجة وعند التندر .

    اللوبيا الطيب نأكل أوراقه وثماره بعد طبخها ، ونعصر الأوراق لتخرج لنا ما فيها من عصير أخضر نأخذه كدواء للعيون ، والشاى الأحمر بدون سكر مطهر للعيون ونوع من الصبغة حمراء تسمى ( التفتة ) ، هى كذلك للعيون ونكتب بها على جولات البلح وكل الطرود .

    أوراق اللوبيا الطيب تفرك كملاح نسميه ملاح الورق ، وحين الضيافة والتكريم تخلط اوراق اللوبيا الطيب مع البامية والشمار الأخضر لتعطيك الملاح المتلوت ، سميكا ومتماسكا ولزجا (لأيوق) يمشى فوقه الزرزور ، هذا ما تقوله أمهاتنا فخرا بملاحهن .

    ثمار اللوبيا الطيب ( القرمسى) هى للسلق ، بليلة ، ثم تفتح الغلاف الذى يحوى البذور لتأكلها ، وكنا نخالف توجيهات الكبار ونأكل الغلاف والبذور ، فله طعم مالح لذيذ ، ويزيد نصيبك من الطعام .

    إستدعاء الإسعاف من المدينة المجاورة لقريتنا مزعج ومخيف ، الإسعاف ذلك الكومر الذى عليه سقف من قماش ثقيل أبيض ، هو بيت الموت ، فقليلة أو قد تكون نادرة ، هي حالات المرضى التي عاد فيها لقريتنا حيا ، من حمله الإسعاف من بيوتنا .

    ( وا شرى جابو الإسعاف !؟) عبارة تقولها أمهاتنا بإشفاق وأسى ، فالإسعاف نذير شؤم . إنذار بدنو رحيل عزيز .

    نواجه الأمراض بما ألفنا من حيل متوارثة ، وقد تكون الشكوى من المرض ، أمر غير مرغوب أو محمود ، إذ هى إظهار لقلة الصبر ، وتكليف للناس .
    أغلب الأحيان نلزم الصمت أو نحاول عقاقيرنا البلدية ، حتى يتمكن منا الداء
    ونأتى بالإسعاف إضطرارا ومتأخرين .

    وليلى يا الحسين حملها الإسعاف ، مكثت بمستشفى المركز بمروى ،ولم يتحسن حالها ، وهاهو قطار الأحد يحملها من كريمة طلبا للعلاج فى عطبرة .

    تملك الحسين جزع شديد ، خاف على ليلى ، خشى أن لا تعود ويذهب معها ماتمنياه معا ، وصبرا عليه لسنوات أطالها ضعف صحة ليلى .

    ذهب الحسين لمروى ورافق ليلى وأهلها الى كريمة وبقى حتى تحرك القطار ، وعاد لديارنا مهموما ، لا يقوى على التركيز .

    إنتصف نهار اليوم التالى ، ولا يزال الحسين مشتتا ، مكسور الخاطر ، فإذا بزغاريد يشق سكون وقيلولة القرية .، نوع من الزغاريد يعلن موت الأحباب ، هو غير زغاريد الفرح ، فلكل نغمته وإيقاعه .

    أدرك الحسين أن المخاوف داخله ، هزمت مناه ، و خرجت ومشت وهاهى

    تقتلعه إقتلاعا ، وتصفعه .

    ليلى غادرت دنياك ومات معها حلمكما .

    حين عاد جثمان ليلى ومرافقوه لديارنا ، وتمت موارتها فى الثرى.

    عرف الحسين ان ليلى قد برد عليها ليل الرباطاب حقيقة ، و أنها نامت

    نومتها الأبدية هناك .

    توارى الحسين عن أنظارنا ، ودخل في بكاء يخصه . قصرت دونه محاولاتنا لتعزيته وجره لسلوان .


    هذا المؤشر بنجمة ،بيت من أغنية للشاعر الراحل / محمد حسنين *

    وهذا بيت آخر من ذات الأغنية **



    http://##################/forum/viewtopic.php?t...a789299668c03df657f8
                  

09-17-2013, 09:27 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    ويكيبيديا الصبابات
    موسى أحمد مروِّح




    الصباباتُ نَهرٌ

    بِبابِ الكلامِ

    شَفا لغةٍ تتفادى

    المزالقَ

    (مِن لُغةٍ واعتِقاداتِ)

    تلتفُّ حين استواءِ الحياةِ

    تجتاحُ ليلِي

    على صَهوةٍ من بريقٍ عميقِ

    الصباباتُ تأتي فُرادى

    تجيئُ على حِينِ شوقٍ

    رفيقِ

    تُرى في التساؤلِ دون الإجاباتِ

    في برتقاليِّ نارِ التطهُّرِ

    أو في تلهُّفِ ياءِ المُنادَى

    اشتهاءاتِ معزوفةِ التوقِ

    وهي تُراوحُ

    بينَ لعلَّ وحتى

    الصباباتُ تأتِي ولا تتأتَّى

    لِغير الذي يتصيّدُ منها تفانينها السانحاتِ

    أو يتقيّدُ --عن رغبةٍ-- بتفاسيرها المبهماتِ

    لأنَّ الصباباتِ تعريفُها جامعٌ للشتاتِ

    تخضرُّ أشجارُها

    في ينايرَ أو في جُمادى

    الصباباتُ مستقبلٌ قد يجيئُ

    وماضٍ يغادرُ

    لكنه لا محالة آتِ

    حنينٌ يسافر في خاطر الأغنياتِ

    الصباباتُ خفقٌ

    فقد تتسارعُ أو تتهادى

    فلا تركُننَّ إلى غيرها

    من شبيهِ الإشارةِ

    إذ أنّ أصلَ الصباباتِ حُرّيّةٌ

    إذا قُمتَ فيها مقامَ المُحِبِّ العليمِ

    فاْلزَمْ مكانَكَ، في غبطةٍ،

    مثل الجزيرةِ في لجّة الماءِ

    لؤلؤةٍ بين حبّاتِ عِقد الحبيبةِ

    أو نغمةٍ في نشيد الوجودِ العظيمِ.
                  

09-17-2013, 10:10 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    يحرس فضائحه بجدارة
    إبراهيم زولي




    انتظار

    سوف أبحث عن وجهك
    خفية من الآخرين
    لا أعرف أيّ الطرق
    تحفظ أسماءك عن ظهر قلب.
    لكنني سأذهب
    عارفاً أنني أمتحن مصيري
    مصيري الذي
    لم أره من قبل.
    كلّ مرة أكون في انتظارك
    تتصاعد هذه الرجفة
    وأفقد الكثير مما يصعب
    تجاوزه
    وأنا في طريقي
    إليك.



    جسد

    هذا الجسد
    لم يعد يأبه كثيراً بالموت
    لأنه يحرس فضائحه بجدارة
    ولايهتمّ بتسديد النفقات.
    على الأقلّ
    حريصاً على العزلة
    في خلاف دائم
    مع الجنون
    تمنياته الطفولية أن يتعلم
    صلاة الجنازة
    وما يدعوه للضحك باستمرار.



    دائرة

    في محاولة لإقناعه
    أن الصحراء لم يجلبها معه
    إلى هذا المكان,
    وأن سخافاته لم يتمكن من
    فكّ شفرتها.
    لكنه كان مستعداً للاعتزاز بها
    لم يكن أمامه خيار إلا أن
    يعود إلى جسده
    لأنه ليس مضطرّاً
    لتفسير كل شيء
    حتى عندما رأى صوته
    يحيطه بدائرة حول عنقه
    ويسدّ عليه الطريق.



    شهود

    في البدء
    أفكر في سماء
    تلهث في الظلام
    أشعر أن الكتابة تتدحرج
    تحت السرير,
    وأن هذا الليل تتخطّفه الحمّى.
    أرى شهوداً
    يجلسون تحت شمس مكسورة,
    يصطادون الأجنحة في الخفاء.
    قبل أن أمدّ يدي
    خرج كذراع الضوء في خفّة
    يتسكع في الشوارع
    حيث حارس الموت
    واقفا في انتظاره.



    مشهد

    قال لنفسه قُضي الأمر
    لم يترك له الأثر
    فرصة لليقظة.
    يجذب في ضراعة الدروب النائمة
    التي تلفّ أعضاءها في قميصه.
    وسط هذه الفوضى
    طلع النهار من اتجاه أخر
    لدرجة يمكن استخدامه
    كخلفيّة لجهاز الكمبيوتر
    قرّر أن يبقيَ فمه مفتوحا,
    أوتتوقف طفولته
    عن التحديق في الكلمات.
    ظلّ يراقب المشهد
    وهي تجرجر رجليه
    إلى قفص وسيم..
    حدث ذلك لأنني
    لم أرقص بما فيه الكفاية.



    أبي

    داخل هذه الغرفة
    تمرّ الحكايات الغريبة.
    كان من المثير
    أن يمرّ أبي
    يسترق السمع
    يحاول أن يأمرني بالاعتراف
    في وحشة فائضة.
    هذه فاصلة أنيقة تحدّق في
    أعضائي بذهول
    ربما لست أنا
    الذي يبذر حنطة العشاق ,
    ويسوّي بين حواس الطير.
    لكنني كنت أضع تاج وصاياك
    على رأسي, وألهب
    ظهر القصيدة
    بسياط القلق.



    إياك

    إياك..
    أن تشقّ بمفردك الطريق إلى الغابة
    بحجّة أن عاصفة تطعن أشجارها.
    إياك..
    أن تضبط عيونا تشعّ بالحنين
    لأنك إمّا مخبولاُ أو....
    إياك..
    أن تبحث عن معنىً لأن القصيدة
    هي النصل الذي يشق الفراغ.
    إياك..
    أن تتوجه وحدك لاستقبال النهاية.



    كما أنا

    ...كما أنا
    استخدم المناديل المستعملة.
    أقرأ الجريدة من الصفحة الأخيرة.
    اضطجع على الأرض عندما
    يفاجئني السعال.
    أشكر التاريخ على نتائجه الفنتازية.
    أتحمّل بين الحين والآخر
    عبء الأسماء.
    أحدّق في الخرائط ولا أجد مدينتي.
    لا أصمد أمام الاختلاف.
    أكتب قبل النوم
    حتى أصدّق كوابيسي.
    ......................
    ......................
    ......................
    ياللفضيحة
                  

09-17-2013, 10:14 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    أُم شَبَتُو
    منعم الجزولي
    إلى معروف سند



    وهذه حكاية، من أعجب ماسمعت فى حياتى. إمتدت عبر السنوات، فى مساحات من الأراضى، والمدن، والشوارع، وتمددت فى المكان - يمكن - منذ ماقبل ميلادنا. وتستمر - ربما - الى مابعد رحيلنا.

    لا أحد يعرف من أين جاءت. كل مانعرفه أنها اقتحمت المكان فجأة. أصبحنا يوما، فوجدناها، ثم، وبالتدريج، أصبحت، فى عاديتها، من علامات المكان.

    الناس سموها أم شبتو. قيل لأنها تشبه العنكبوت، بأطرافها الطويلة، طولا غير عادى. قليلة الكلام. كثيرة التحديق فى الناس، والحيوانات، والاشياء. سريعة الانتباه، رغما عن بطء حركتها. تتكرفس داخل ثوب أسود. أو ربما كان له لون آخر، ذات يوم، ولكن الماثل أمامنا الآن، هو الاسود الحالك. ممزق فى أكثر من موضع، حتى لتظن أن هذه التمزقات مقصودة لذاتها، أو، أنها جزء من تصميمه!! وتظل فى تكرفسها ذاك، لاتتحرك، فيظنها المارة بعض متاع مهمل. وتبقى هكذا الى آخر النهار، دون أن ينتبه الى وجودها أحد.

    كنا بعد صبية، نلعب الكرة الشراب، فى الفسحة التى خلف بيوت أولاد سند، عصر كل يوم من أيام السنة، صيفا وشتاء. ولانهتم كثيرا بنوع الموسم، إن كان موسم سيول وفيضانات، أم موسم جفاف وتصحر!!

    كانت أم شبتو تتكوم دائما تحت أمية الكهرباء الكبيرة، فى ناصية الميدان. أو تحت الحائط الجنوبى لبيت صالح سند. وكانت فى سكونها الابدى ذاك، لاتتحرك، حتى وإن اصابتها الكرة. كان ذلك يحدث كثيرا. فى البداية كنا نخاف أن نقترب من مرقدها، لإستعادة الكرة. ولكنها بهدوءها وسكونها، شجعتنا. فكنا نفعل ذلك فى حذر شديد، ثم تعودنا قليلا، قليلا. ثم أصبحنا نروح الى جانبها ونجئ فى عادية. ثم لم نعد ننتبه الى وجودها، فيجرى الواحد منا الى مكانها ويستعيد الكرة فى طمأنينة، دون أن يفكر، ولو للحظة، فى وجودها أو عدمه. طالما أنها كانت فى سكونها ذاك. ولكن ما أن تتحرك، حتى ترتفع درجة الحذر عندنا الى اعلى مانستطيع، فنتحفز للهرب، عند أول مايبدو لنا أنها حركة عدوانية. فنحن، لم نكن نعرف ماذا يدور فى عقلها!! بل ولم نكن متأكدين، أصلا، إن كان لها عقل أم ماذا؟

    عبد المعروف، ولد سند الكبير، كان الوحيد الذى يقترب منها، دون وجل أو خوف. بل، أحيانا، كنت تجده جالسا تحت ظل الامية، بجوارها، يعالج كرة الشراب بالإبرة والخيط. كان بارعا فى ذلك.وقد درجت خالتى الحاجة، أمه، على إرساله اليها، ببعض مايفيض عندهم من طعام. فانزلق بينهما ودٌّ سرىٌّ غامض. فتجده جالسا غير بعيد عنها، يتحدث، اليها، أو إلى نفسه، لاتفهم. بل وكنا نستعجب عن نوع الحوار الذى يمكن يدور بينهما. على الرغم من أن معروف، قد أقسم بالطلاق ثلاثا، وهو لم يكن قد بلغ العاشرة بعد، أنها لم تكن لتقول له شيئا. طيلة هذه السنوات، كان كمن يتحث إلى نفسه، ولم يسمعها تنطق حتى ولو حرف واحد. قال إنه لم يسمعها تقول شيئا أو تصدر أى صوت، إلى أن أصر حاج سند، يوما على شراء ثوب جديد لها، والايام كانت عيدا من أعياد الله. ذهب مع والده الى حيث تتكوم المرأة، وطرح الحاج فوقها الثوب الجديد.

    معروف قال لنا إن ردة فعلها كانت آخر ماكان يتوقعه. هبت مذعورة وصاحت فى صوت أخرس مفزوع، وقذفت بالثوب بعيدا عنها، وهى لاتزال تصرخ، ذلك الصراخ العجيب، الأخرس، ثم راحت تبكى، بكاءً، يشبه الأنين، أو، لعله عواء من نوع ما.

    وهكذا، ظلت أم شبتو لغزا مغلقا أمام أفهامنا، لانقوى على إدراكه، حتى جاء لزيارتنا عمى وداعة الله بولاد، إبن عم لابى، يقيم فى سافل النيل الابيض، لعله فى القطينة أو ماجاورها، وإن كان كثير الترحال من بلد الى بلد، بحكم عمله كسائق شاحنة، تنقل البضائع من مكان إلى آخر.

    كان يسير باللوارى إلى نيالا والجنينة، وحتى فورتلامى، فى بعض الأحيان. قيل انه كان ينقل الاقمشة والعطور الفاخرات، يملأ بها عربته الكبيرة، ليفرغها فى أمدرمان. وكون ثروة، جعلته فى عداد الموسرين بين الناس، فى عائلتنا. وإن كان مصدر ثروته الذى يشاع بين الناس، هو تجارته فى الزئبق .

    وللزئبق، فى أعراف الناس احوال. أغلاها وأعلاها شأناً، هو الزئبق الاحمر، والذى يقال أنه إذا وضع بجانب الحديد، ليلة كاملة، عند استدارة القمر، أحاله إلى ذهب نقى، عيار أربعة وعشرين قيراطا!! فكثر عليه الطلب، وقل المعروض منه فى الاسواق. وجزء يسير منه، يعادل ثروة. قالت أمى إن الجرام منه يباع بمليون جنيه انجليزى. أذكر أننى قضيت ليلتى تلك، أحسب فى أصابعى كيف يكون المليون!!

    وقيل إن الزئبق الفضى يعالج كافة الامراض. يضعونه بجانب المريض ليلا، فينهض عند الفجر معافى من كل سقم. وقيل، أيضا، إن الزئبق الاصفر، توضع منه قطرة واحدة فى كوب الحليب ظهرا، ويترك بجانب نقَّاع الزير حتى بعد صلاة العشاء، فيشربه الرجل ويستحيل وحشا كاسرا، تصرخ إمرأته تحته، طوال الليل، وهو بعد لايكل ولا يمل، وكلما فرغ من وطر، طفق يبدأ مشروع وطر جديد.

    وقد راج أن ولد سوار الدهب، قد قتله إفراطه فى استخدامه، وكان مدمنا يعاقر الخمر صباحا ومساء، ولايكاد يمس الطعام، فانهلك جسمه داخل جلده، حتى أصبح كالعنكوليب المجوف.

    خرج عمى إلى بعض أشغاله فى سوق المدينة، فرآها عند الامية.وحين جلسنا للغداء، قال إنه فقد ولاعته الرونسون الفاخرة، وسأله والدى عن آخر مرة استخدمها فيها، فقال إنه أشعل بها سيجارة بالقرب من بنت الجاك!!

    التفت اليه والدى مستفهما، فأشار ناحية الامية قائلا:

    - مبروكة بنت الجاك المؤذن، المرأة التى عند امية الكهرباء الكبيرة، فى الفسحة، وراء البيوت!!

    فاندفعنا مدهوشين نتسائل فى إستغراب:

    - أم شبتو؟؟؟
    - سميتموها أم شبتو!؟

    سأله والدى وهو يمصمص أطراف أصابعه من بقايا إدام علق بها:

    - ماهى حكاية مبروكة هذى، ومن هو الجاك!؟

    قال الرجل، إنه رآها أول مرة، وهى تقوم بتنظيف المسجد الصغير، فى حلة ولد سليم فى سنار. ثم قام الى الحنفية يغسل يديه. وحين عاد، جلس على الكنبة الكبيرة، فى الديوان، بجوار والدى، الذى ناوله كوبا كبيرا من الشاى الاحمر. عمى دائما يشرب الشاى الاحمر، فى كوب كبير، من تلك التى يقدم فيها الماء والعصائر، وليس فى كبايات الشاى المعهودة الصغيرة، كما يفعل كافة خلق الله. عمى كان عادة لايفعل ماتعود خلق الله على فعله.حتى طريقة ملبسه، كانت مغايرة لملبس الناس الآخرين. مرة رأيناه يأكل الكسرة والملاح بالشوكة!! وحاولنا بعد ذلك تقليده، فجلبطنا الدنيا حولنا بالملاح السائل، فقامت أمى بإخفاء الشوكتين الوحيدتين فى البيت، ولم نعثر عليهما إلا بعد ذلك بسنوات ملفوفتان فى قطعة من القماش ومخبئتان داخل جردل كبير فى رأس البترينة، كان يستخدم لحفظ السكر.

    - الجاك، رحمه الله عليه، كان مؤذنا فى مسجد ولد سليم.

    رشف من الكوب فى يده، ثم صاح مناديا أمى فى الداخل:

    - يابنت الجريفاوى، تسلم ايدك، والله ، الشاى، إما أن يكون هكذا ..وإلا فعدمه أَخْيَر.

    رشف ثلاث رشفات متتابعات، ووضع الكوب على الطقطوقة الصغيرة امامه. ثم أخرج علبة السجاير الروثمان الكبيرة من جيبه، أشعل لنفسه، ولوالدى من علبة ثقاب كانت فى يده

    - عثر عليها الجاك ملفوفة فى قطعة قماش. لابد أن امها، وضعتها هنالك، عمدا. خشية فضيحة، أو خشية إملاق..كله يتساوى.

    قال الرجل إنه رآها أول مرة وهى تقوم بنظافة المسجد

    - كانت دون التاسعة، فيما أظن، حلوة التقاطيع، مليئة بالحيوية والرشاقة. كانت تقفز من ركن الى آخر، وتهتم إهتماما دقيقا بتتبع ذرات الغبار أينما وجدت، تلتقطها بقطعة من قماش مبلله بالماء في يدها. ثم حين تفرغ من ذلك تهرع الى البيت، لتعود حاملة إناء من السلك المعدنى المضفور، عليه بعض جمرات متقدات، تضعه على الناحية من المنبر، ثم تهيل عليه قبضة من بخور فى علبة صغيرة تحملها معها،وسرعان ما يتعبق الجو من حولنا برائحة زكية طيبة.

    رشف من كوبه رشفتين، ثم تابع:

    - تصدق، كلما شممت رائحة البخور تلك، فى أى مكان فى الدنيا، تذكرت فورا مسجد حلة ولد سليم فى سنار، ومبروكة، وهى تقوم بالعناية به. لم تكن تحادث أحدا، ولايحادثها أحد. لقد كانت خرساء!!

    طفرت دمعة من عينى، غصبا، بينما انهمك الرجل فى ارتشاف السائل الاحمر، من الكوب الكبير فى يده. رشفات متتابعة، دون توقف، ثم وضعه امامه، وقد تعرى نصفه الأعلى ألا من زجاج شفاف:

    - كنت، كلما قدمت الى المدينة، أقصد حلة ولد سليم، واترك اللوارى عند مقهى أولاد شباك النبى، وأهرع فورا الى كمبو السوق. كان يسكنه خليط من الاغراب، شايقية، وجعليين، ودينكا، وفلاتة، وغيرهم. كنت اقصد بيت أم ضمير، فى طرف الكمبو، ناحية الصهريج. نذبح عتودا سمينا، نشويه كله على الجمر، ونصنع الشطة بالبصل، ونجلس نشرب العرقى البكر الذى تحتفظ لنا به زينب أم ضمير. وفى الصباح التالى نغتسل ونهرع الى المسجد لاداء الصبح حاضرا. وكانت الفتاة دائما هناك. وكان جو المسجد دائما معبق برائحة البخور الطيبة.

    تناول كوبه، مرة أخرى، وراح يرتشفه فى صمت، ونحن نرقبه فى صمت. والحكاية تنتظر اكمالها، فى صمت، ايضا. حتى افرغه تماما فى جوفه، ووضعه زجاجا يابسا على المنضدة الصغيرة, ثم تناول علبة السجاير، مد منها واحدة لوالدى، الذى إعتذر عنها، فأشعل لنفسه واحدة، جذب منها ثلاثة أنفاس أخرجها من منخريه، ثم جذب جذبة رابعة، شهق بها فترة، ثم ارسل دخانها، رفيعا، من بين شفتيه، والعيون تتبعه فى صبر، لا يتأتى إلا للأنبياء. نفض رمادها فى منفضة من أصداف البحر الاحمر الكبيرة، امامه، ثم واصل:

    - غبت فترة عن المدينة، إنشغلت ببعض أسفارى، فى أقاصى الغرب. وعندما عدت بعد ذلك، وجدت كل شئ، ينتظر كما هو. أم ضمير، فى كمبو السوق، وعرقيها البكر، وأولاد شباك النبى، وقوتهم فى السوق، والمرأة التى كنا نشترى منها العتود، نسيت إسمها، والمسجد والحلة وكل شئ، كما هو. الشئ الوحيد الذى لم أجده هو الفتاة الصغيرة، وبخورها. بل وإن رائحة المسجد كانت غير مستحبة إطلاقا، ربما لطول غياب البخور عنه.

    جذب نفسا من سيجارته، وواصل:

    - سألت شاع الدين، شقيق أم ضمير، وكنا نناديه عيون كديس، نسبة لاخضرار غريب داخل بؤبؤى عينيه. فقال لى إن الفتاة، وقد استدار جسمها، وتكور صدرها، قال الامام إنها صارت فتنة للمصلين، وأمرها أن تبتعد عن المسجد، فما عادت تعتنى به، كما فى السابق. الأمام قال إن أعداد الشبان الذين أصبحوا يؤمون المسجد قد تضاعف بشكل مريب، وقد جزم بأنهم ماكانوا ليأتون لصلاة أو نسك، بل وإن بعضهم – وقد أقسم على ذلك – كانو يأتون للصلاة وهم على جنابة!!

    ضحك، وراح يشفط أنفاسا من سيجارته.
    كان والدى يرقبه فى صمت وصبر. وكنا كذلك نحبس أنفاسنا فى انتظار بقية الحكاية.

    - بعدها بفترة، علمت أن الشيخ المؤذن قد مات بالسل الرئوى، عليه رحمة الله. ومالبثت زوجته أن لحقت به بعد فترة قصيرة. وبقيت الفتاة فى البيت وحدها. فالرجل لم تكن له ذرية، وكان ناس الحلة يقومون بواجب اطعامها، حتى نزل عليهم ذات يوم رجل يقال له صبير، وينادونه بالكعكول، قيل إنه أخ غير شقيق للمرحوم الشيخ، وجاء يطلب حقه فى الميراث. حسب الشرع.
    وقيل، إنه فى بادئ الأمر، قد وافق على أن تظل البنت تسكن معه فى البيت، ولكنه، ولسبب لايعلمه أحد، قام بطردها، بشكل مفاجئ. بعض الناس قالوا إنه راودها عن نفسها فأبت، فطردها إلى الشارع، حيث ظلت تحوم بين بيوت الحلة، حتى إختفت تماما، ذات شتاء، على ما أذكر.

    حك والدى رأسه بيده، قائلا:

    - هذه حكاية عجيبة، والله!! أين ذهبت بعد ذلك؟ فهى حين جائت الى هذه الحلة، لم تكن إلا على هيئتها هذى التى نراها الان. قطع شك، لم تكن تلك الفتاة التى تتحدث عنها!

    قال عمى وهو يكور لنفسه سفة من علبة تمباك فضية اللون، أخرجها من جيبه:

    - والله الأقاويل كثيرة، فقد سمعت أن بعض أولاد الحلة قد أدخلوها يوما بيتا من بيوتهم، وأغتصبوها..

    قفز والدى كالملدوغ، وهو يصيح:

    -لاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم.... استغفر الله العظيم... استغفر الله العظيم.

    ثم راح يجر مسبحته فى عصبية وغضب شديدين. بينما واصل عمى وهو يضع ساقه اليمنى فوق فخذه الايسر وراح يمسح باطن قدمه بيده:

    - الاقاويل كثيرة، ولاتكاد تعرف الصحيح من الخطأ. قيل أن زوجة الدابى، تاجر المواشى المشهور، قد أسكنتها فترة عندها. كان الرجل غائبا فى إحدى سفراته الطويلة. ثم لما عاد، طردتها الى الشارع مرة أخرى دون إبداء أية أسباب. وقيل أن جميع نسوة الحى، كن يخشين على أزواجهن، من أنوثتها الطاغية. فهامت على وجهها فترة من الزمن، حتى حدث لها ماحدث، من أولاد الحلة فاختفت فجأة.

    - استغفر الله العظيم.

    قال والدى، وهو يجر حبات مسبحته جرا عنيفا:

    - ولكن أين ذهبت، وكيف وصلت الينا هنا؟

    - سمعت انها قضت فترة فى حى العمال فى المدينة. سكنت شوارعه، واقتاتت من زبالته، ومخلفات أهله. ثم قيل أنها ذهبت الى سنجة، وقيل أنها سكنت عند ########ة فى ديم العرب، قبل أن تذهب الى الروصيرص أو الدمازين، لا أذكر. ولكنها فى النهاية جاءتكم هنا، بعد أن تحطمت تماما. وإن كانت لاتزال تحتفظ بنفس ملامح الوجه الصبوح.

    سأله أبى وهو يتنحنح:

    - وأين عمها، ألكعكول الأن؟
    - فى السجن، على ما أظن.
    - فى السجن؟!! لماذا؟
    - يقضى – على ما أعتقد – عقوبة عن جريمة سطو، ارتكبوها فى سوق مدنى. قيل إنهم صعدوا الى سطح إحد دكاكين الصاغة، وخرموه من أعلى، ثم تدلوا بحبل الى أسفل. نهبوه، ولكن الحبل سقط داخل الدكان، فلم يقدروا على الخروج. البوليس قبض عليهم فى الصباح.
    - وماذا حدث للبيت الذى انتزعه من الفتاة
    - قيل إنه خسره فى مائدة قمار.

    بعد ظهر اليوم التالى، كنا نلعب البلى، بجوار الامية، فى طرف الفسحة، خلف بيوت أولاد سند، عندما شاهدت والدى، قادما ناحيتنا، فظننت أن شرا مستطيرا، ولابد أن قد وقع منى. ورحت أسترجع شريط أفاعيلى منذ مساء الأمس، بل وأول الأمس، علنى أفهم طبيعة المصيبة التى سويتها، والتى تجعل والدى يترك عمله فى محلج ربك، ويسرع فى طلبى، فى مثل هذا الوقت.

    توقفت، مستسلما لقدرى، وتوقف بقية الاولاد، فى انتظار وقوع المصيبة. إلا أن الرجل مر عبرنا، دون حتى أن ينظر إلينا!! كان يحمل فى يده إناءً مصنوعا من الأسلاك المعدنية المضفورة، وكيسا ورقيا كبيرا فى اليد الأخرى. أدركت فورا مقصده، فتبعته فى صمت وسار ركب الأولاد من خلفنا.

    توقف الرجل تماما حيث توقعت، عند أم شبتو، المتكومة – كالعاد – تحت الحائط. هبت مزعورة، وعيناها تنظران الى الأناء المعدنى. فانتبهت الى أن بضع جمرات متقدات ترقد فوقه.

    جلس أبى على الأرض، وفتح الكيس الورقى، أخرج بعض البخور، وكبه فوق الجمر – تماما كما توقعت – فانطلق الدخان كثيفا، وعبقت الجو رائحة مألوفة، ومحببة. طفرت الدموع غزيرة من عينيها ومن عينى أبى ، فرحت انهنه بالبكاء، وراحت المرأة تعوى عواء مكتوما، وراح ابى يبكى بصوت مسموع، فارتفع صوت الاولاد من خلفنا بالبكاء، دون أن يعرفوا سببا لبكائهم. لم أر أبى يبكى من قبل كما رأيت بكائه اليوم. حتى يوم وفاة جدتى الحاجة، أمه، مابكى هكذا!!

    - قومى معى

    قالها أبى، وهو يقف ممسكا بالمرأة من ذراعها، يساعدها على النهوض. فنهضت وهى لاتزال ممسكة بالاناء المعدنى، والبخور يتصاعد منه.

    كنت، وكأن حُجُب الغيب قد انفتحت امام بصيرتى، فجأة، أعرف بالضبط إلى أين سيأخذها أبى، فسرت خلفهما مسير الواثق من نبوئته!!

    وبالفعل، سار أبى والمرأة تتبعه، والإناء فى يدها، فى إتجاه المسجد. ولدهشتى، ودهشة نبوئتى نفسها، كان شيخ سلولة، إمام المسجد، يقف عند الباب، ومسبحته الغليظة فى يده، كما عادته. شيخ سلولة، ومنذأن عرفته، مارأيته قط، والمسبحة ليست فى يده، كأنها جزء من جسده.

    دخلنا، باحة المسجد الداخلية، فى موكب باكٍ، عجيب. خلع أبى حذائه عند الباب الداخلى، ففعلنا جميعا. وقد كانت المرة الاولى التى أدرك فيها أن المرأة حافية، لاتنتعل حذاء!! وكانت، رغما عن ملابسها الرثة الممزقة، تبدو لى وكأنها ملاك طاهر، من تلك الملائكة التى كنت أشاهدها مرسومة على جدران الكنيسة بجوار سوق المدينة الكبير.

    - أدخلى

    قالها حاج سلولة، بصوت متهدج، وقد تأثر لمرأى الدموع فى عيوننا جميعا. فدخلت، وفى لحظة كانت عند المنبر، تمسحه بيديها، فخلع أبى عمامته وشقها نصفين، ناولها نصف، وأشار علىَّ بالنصف الآخر أن أذهب وأبلله بالماء،فانطلقت كالصاروخ، الى صف الحنفيات عند جدار المسجد، بجوار المستراحات. بللته بالماء سريعا، وعدت منطلقا، لاناوله لها. أخذته وواصلت انهماكها فى تنظيف اركان المسجد. المرأة كانت فى نشاطها، كالاطفال. انا لم أكن لأتخيل فى اقصى شطحاتى الخيالية، أن أرها فى مثل هذه الحيوية، وهى التى لم نتعود منها سوى السكون الكاملّ!!

    كان والدى طيلة الوقت جالسا عند المنبر، واضعا يديه على خديه، ومطرقا بنظره الى النقوش على السجادة تحته، بينما جلس شيخ سلولة، وظهره الى عامود النصف الكبير، يجر حبات مسبحته فى صمت. وجلس أولا سند الثلاثة، عند المدخل، يرقبون فى صمت، وقد وقفت شقيقتهم الصغرى متكئة الى الباب، واضعة باطن رجلها اليمنى، أسفل فخذها الايسر، تماما فوق الركبة، كعادتها فى الوقوف دائما. بينما جلست انا غير بعيد منها، وكلتا إليتىَّ، مسنودتان، بإحكام على كعبىَّ، كعادة جلوسى للصلاة. والمرأة، وقد ركبها عفريت من النشاط، كانت لاتكاد تمسح جزءً من تلك النافذة، حتى تهرع لتمسح نافذة أخرى. وظلت تقفز كالاطفال من ركن الى ركن، تارة، وتارة تعود الى حيث تركت اناءها المعدنى، تضع عليه بعض البخور وتحمله الى ركن آخر من أركان المسجد. والصمت يعم المكان، فلاتكاد تسمع شيئا سوى طقطقات مسبحة شيخ سلولة. وظللنا هكذا حتى قطعت الصمت نحنحة حاج النورانى، مؤذن المسجد الضرير. دخل يقوده حسب الله، ولد بنته، وتوجه به ناحية المنبر، والرجل يتشمم حوله، وقد علته إبتسامة راضية، مرددا:

    - ما شاء الله.. ماشاء الله

    ناوله الولد مايكرفون المسجد، فسمعنا طقطقة خفيفة، ثم ارتفع صوته العذب بالنداء لصلاة العصر:

    - الله أكبر......

    توقفت المرأة فورا، وحملت إنائها وخرجت، بينما انطلقنا نحن الى الحنفيات نتوضأ.

    عقب الصلاة، خرجت مع أبى ، نبحث عنها. وجدناها تجلس عند جدار المسجد، من الداخل. أشار أبى إليها، فتبعتنا، وماعونها لايزال فى يدها، حتى دخلنا بيتنا. أمرنا أبى ، مسعود إبن عمتى، وأنا، أن ننظف المخزن فى طرف البيت عند باب الشارع. كان فيما مضى يستأجره هارون المكوجى، قبل أن يسافر إلى ليبيا، أظن. وقضينا الوقت كله حتى آذان المغرب، ننظف المكان ونرتبه، ماوسعتنا الحيلة، والقدرة. وجاب أبى عنقريبًا ولحافاً، وضعهما فى المكان، وأشار اليها، فدخلت، تتبعها شامية إبنة عمتى الكبرى، تحمل صحنا فيه، على ما أظن كسرة وملاحاً، فجريت أنا الى المزيرة، فى الراكوبة، وحملت لها كوزاً كبيرا من الماء.ثم تركناها لحالها، وذهبنا نبحث فى أحوالنا.

    صباح اليوم التالى، أيقظنا أبى ، كالعادة، لصلاة الصبح. فاستيقظنا، وكالعادة أيضا، فى تثاقل، وتبعناه، ليس خوفا من الله، ولكن خوفا من عصاته، إن لم نفعل. كانت تجلس عند باب المسجد، وبين يديها ماعونها، وفيه بعض جمرات متقدات، لا أعرف من أين جابتها. صلينا الفجر، وقد لاحظت أنها وقفت تصلى فى صف وحدها عند الناصية. ثم عدنا الى البيت وقد تركناها خلفنا، وقد شرعت فور انتهاء الصلاة فى عملية التنظيف. حمل أبى كوبا كبيرا من الشاى بالحليب، وصحنا فيه بعض الزلابية، وخرج، فتبعته. كانت نائمة تحت المنبر، بالضبط، والإناء بالقرب منها، تتصاعد منه الأبخرة زكية الرائحة. وضع أبى الكوب والصحن بجوارها ومد يده، يوقظها، فلم تستجب. هزها قليلا، ولمس يدها، ثم صاح:

    - إنا لله وإنا إليه راجعون.

    سبتمبر 2011
                  

09-17-2013, 03:20 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)
                  

09-17-2013, 04:50 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    محاولة لتحطيم أنف العالم
    عبد العظيم فنجان




    أتدربُ ، مذ عرفتكِ ، على أن أكون خاسرا \ أضفتكِ ، مذ أول لهفة ، إلى مفقوداتي ، قبل أن يحصلَ ذلك ، وأفقدكِ فعلا .
    لم احبكِ \ إلا لأن الحبَّ تنشره الصبايا ، \على حبال الغسيل ، \لتتبخرَ ، من أرواحهن ، الطعناتُ تحت الشمس .


    لم أغرم بك\ إلا لأنكِ مخمورة ٌ بالألمِ وبالتوبيخِ ِ ، حدّ الثمالة . \وها أني أشربُ خمرَ غيابكِ ،

    واضعا وجهكِ على طاولة مخيلتي لأسكرَ :
    أسكرُ
    من أجل أن اجرجرَ العالمَ من شَعره ،
    وأرميه بين قدميكِ :
    يصفعونكِ في البيتِ ،
    فأسقط ُ ، بدلا عنكِ ، في الشارع .
    أما امكِ فلن يغفر لها الشِعرُ ،
    وستفرّ الجنة من تحت أقدامها نحو الشيطان ، لأنها تراني ، عندما تبكين ، طافرا من بين دموعكِ ، فلا تحرّك ساكنا .

    تطبخكِ وجبة من تعاليم ،
    وتبني ،
    من صفعاتها على خديكِ ،
    مطبخا تأكلكِ فيه العائلة ُ ..

    احبكِ .
    اقسمُ بالقمر ،
    وهو يرفرفُ جريحا فوق رؤوس العشاق ،
    إثر انفجار عبوّة ناسفة في قلبه .
    اقسمُ بالخوف :
    ينشرُ راياتِه فوق رؤوس متظاهرين ،
    في مسيرة ٍ لا يعرفُ فيها أحدٌ أحدا .
    لا يعرفون لِمَ هم هكذا محمولين على أكتاف الهتافات بدون فائدة .

    احبكِ حتى الأخير .
    حتى الأخير ، حتى الأخير
    رغم أننا نعيشُ مرحلة ما بعده .
    حتى عندما يأتي يومٌ
    ترشّنا فيه خراطيمُ المياه بدموع الحكومة ،
    حتى في وشايات الأصدقاء على بعضهم البعض ، من أجل عضّةٍ من تفاحتكِ المنهوبة منذ أول غابة .

    ماذا أكثر من هذا شِعر ؟
    ماذا أكثر من هذا جنون ؟

    غير أني لا أعرفُ كيف احبكِ دون أن أسكرَ .
    دون أن أبيتَ ليلتي عند عتبة اسمكِ ، فلا تمرين إلا وأنتِ مبتورة العواطف ، في سيارة طواريء .

    أحسبُكِ تنادين الأقاصي من مستوصف الزمن ، وتحسبيني انادي الشِعرَ ، ممتطيا حصان الرصيف ، لكنني اغنيّكِ أيتها الشقية .

    أخسركِ يوميا ، وأكتبُ :
    إذا كنتِ امرأة ، فكوني امرأة حقا ، لأنني إذا ما سكبتُ عليكِ من مياه فرحي ، فلن تفيض على وجهكِ إلا صفعات اخرى ، يزرعها الأصدقاءُ على خديكِ ، واحدا تلو الآخر ، فتدفعني لأشرب من أقرب غيمة ترفرفُ فوق رأسكِ :
    أسكرُ
    كي أحطم أنفَ العالم ،
    فلا يتحطم سوى رأسي ، وأنا أضربه بالحائط .

    لكِ
    أن تختفين في شِعري دائما ،
    ولي
    أن أقطعَ المسافة بين القصيدة والشـِعر حافيا .

    أمشي على شظايا مرآة هاويتي المنثورة طول الكتابة ، فألمحكِ تقفزين ، من جملةٍ إلى جملةٍ ، وخلفكِ يقفزُ ثعلبٌ ، سيواصل لعبته ، حتى وأنا أحذفه من هذا المقطع .

    غير أني مللتُ .

    مللتُ أن احبكِ بهذا الشكل ،
    حتى صرختُ ثانية :
    إذا كنتِ امرأة ، فكوني امرأة حقا .
    فخرجتِ من غرفة النقاط :
    مشيتِ ، كالحِبر ، في عروق الحروف ، ولم أجد لكِ معنى عندما وضعتُ كلماتكِ ، تحت عدسة مكبرة :

    يحتلني غيابـُكِ ،
    واقترابي يحعلكِ تفلتين من قبضة الحضور .

    احبكِ .
    اقسمُ بكل ما فقدتُ من أصدقاء في الحروب ، وبكل جرعة خذلان كرعتها ، وأنا جالسٌ على شرفة الحب في الشوارع الخلفية .

    أضمّكِ إلى مفقوداتي ، واغنيكِ ،
    ثم أضحكُ جزعا ،
    لأن اللعبة هذه لا يفهمها أحدٌ سواي :

    أنا الخاسرُ مذ قلتِ : احبكَ ،
    لأنني خالي الوفاض إلا من عطش الرحيل ،
    ولستُ بنادم .

    أنا الرابحُ الأزلي مذ تدرّبتُ على اضطرابكِ بين مقبض الوردة وغصن الخنجر ،
    ولستُ فرحا :

    لا فرق ،
    ففي الحالتين يصفعكِ أحدٌ ما ،
    فأسقطُ ، بدلا عنكِ ، في الشارع :
    تجمعني امكِ مع دموعكِ ،
    لأعودَ مثل نهر ٍ
    ترمين زوارقكِ الورقية الى مجراه ،
    ولا أفعلُ شيئا سوى أن أسكرَ :

    أرفعُ قبضتي عاليا لأحطم انف العالم ،
    فأرتطم بأول حاجز .
    يركلني الجندُ على مؤخرتي فأطيرُ ،
    كقنبلة تنوير في ساحة حرب .

    اراقبكِ تغرقين غيابا ، واراقبني أفيضُ حبا لكِ ،
    يوما بعد آخر ، حتى آخر ركلة
                  

09-17-2013, 05:26 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    لو أن ظلًا مرّ
    دخيل الخليفة




    سجن

    كلما وضعت قلبي في قفص
    وجدت بابه مفتوحاً
    وأنا كائن يسجنني الهروب
    يجرحني أن يدخلني ظل
    فيدحرج قلبي خارج جسدي
    يجرحني الحب حين يلتفت بلا أجنحة
    يجرحني الخوف حين يخرج بلاثوب
    يجرحني الرمش حين يكون حادًا كنصل
    يطعن
    ويختفي
    كل هذه الفضاءات بيتي
    غير انني وحيد وحيد
    مثل قلبي
    أعد جروحي مثلما اعد الشيب في لحيتي
    وباب القفص مفتوح..



    لو

    لو أن ظلًا مرّ
    قرب نبضاتي المتعثرة هناك
    لاكتشف جثتني
    قبل أن أهرب منها
    لو أن قدمًا سهت عن أختها قليلًا
    لداست دمعتي المتخشبه
    لو أن ######ًا نبح لنهضت
    أجر الشارع على نصفي الأسفل




    تعريف

    الحب ليس مكالمة عاجلة
    ولاغرفة بسريرين يستوعبان ضحكة مؤجلة
    إنه اعتذار متأخر
    لشارعِ يسهر وحيدًا..




    صور

    بابانِ في روحي
    لا أعرفُ أيهما أفتح
    لتتكاثر صور الموتى
    وتتساقط صور الأحياء
    أنا ظل من نبيذ
    هارب من مشاعر الوهم
    هارب من فجيعة الانتظار على حافة
    من ابجديتي المنتهكة
    من صبح أعرج
    سأدخل من باب روحي
    لأقف مع صور الموتى..




    أوطان

    كل هذه الكوابيس
    بلا شوارع معبدة
    كان على الأوطان أن تكبَر قليلاً
    أن تقلّم أطرافها الصدئة
    أن تتعالى على فقاعاتها الصغيرة
    أن تمنحنا وردةً
    بدلا من قطعةٍ بيضاء
    وحفرةٍ لا تكفي دمعةَ ######ٍ ضال..



    http://www.seeeen.net/texts-0-2238.html
                  

09-18-2013, 02:29 PM

ibrahim fadlalla
<aibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    *
                  

09-19-2013, 08:05 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: ibrahim fadlalla)

    شكراً يا إبراهيم
    على عبورك اليشبهك



    إدواردو غاليانو
    التاريخ لا يقول وداعاً أبداً، التاريخ يقول سأراكم لاحقاً
    ترجمة: بثينة العيسى


    كتب: غاري يونغ - الغارديان.
    كلّ صباح الأمر نفسه. على طاولة الفطور، يجلس كاتب الأورغواي إدواردو غاليانو ذو الـ 72 عاماً مع زوجته، هيلينا فيلاجرا، يناقشان أحلام الليلة الماضية.

    "أحلامي دائماً غبية" يقول غاليانو. " غالبا ما أنسى أحلامي، وعندما أتذكرها، فهي تكون عن أمور سخيفة، مثل طائرات مفقودة ومشاكل بيروقراطية. ولكن زوجتي لديها أحلام جميلة!"

    في إحدى المرّات حلمت هيلينا بأنهما في مطار، حيث المسافرون يحملون وسائدهم من الليلة الماضية. وقبل أن يتمكنوا من الرّكوب، كان موظفو المطار يضعون الوسائد في آلات تستخرج منها أحلام الليلة الماضية، ليتأكدوا من عدم وجود ما هو تدميري في تلك الأحلام.
    عندما أخبرته هيلينا عن حلمها شعر غاليانو بالخجل من تفاهة أحلامه: "هذا مخجلٌ بالفعل!"

    ليس هناك سِحر كثير في واقعية غاليانو، ولكن ليس هناك ما يخجل بشأنها أيضاً. فهذا الصحفي السبعيني الذي تحول إلى كاتب، ثم حاز على جائزة الشاعر من الحركة المناهضة للعولمة، عن طريق إضافة صوت مكثف وشعري إلى الكتابة الواقعية، عندما قام الراحل هوغو تشافيز بتقديم نسخة من كتابه "الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية" الصادر عام 1971، لمؤتمر الصحافة العالمي في 2009، قفز الكتاب من المركز الـ 54 على قائمة موقع الأمازون إلى المركز الثاني. عندما أعلن غاليانو عن خطته للسفر إلى شيكاغو لحضور فعالية قراءة لأروندهاتي روي، هللت الجماهير، وعندما وصل غاليانو إلى شيكاغو في مايو كانت نسخ كتابه قد نفدت.

    "هناك رؤية تقليدية تنظر إلى الصحافة على أنها الجانب المظلم من الأدب، عندما صارت كتابة الكتب في قمة مجدها". قال غاليانو للصحيفة الإسبانية El Pais مؤكداً: "أنا لا أتفق. أعتقد بأن كل أشكال الكتابة تكوّن الأدب. بما فيها الكتابة على الجدران. لقد ألفتُ كتباً لسنين عديدة، ولكنني مدرَّبٌ كصُحفي، وأنا مدموغٌ بهذه الصفة. أنا ممتن للصحافة لإيقاظي لرؤية حقائق العالم".

    هذه الحقائق تبدو كئيبة. "فالعالم ليس ديموقراطياً على الإطلاق". يقول غاليانو: "أكثر المؤسسات نفوذاً، وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تنتمي إلى ثلاث أو أربع دول، والبقية تتفرج. العالم مصمم وفق اقتصاديات الحرب وثقافة الحرب".

    إلا أنه حتى الآن لا يوجد شيء في عمل غاليانو أو سلوكه ينم عن يأس أو حتى عن حزن.

    عندما كان في إسبانيا أثناء الانتفاضة الشبابية قبل سنتين، قابل بعض المتظاهرين الشباب في مدريد. وتضامن غاليانو قلبياً مع الاحتجاجات. يقول "كانوا شباباً مؤمنون بما يفعلونه، وليس سهلا أن تجد ذلك في حقول السياسة. أنا ممتن لهم جداً".

    أحد المتظاهرين الشباب سأل غاليانو، إلى أي مدى يعتقد بأن الصراع سوف يستمر. فأجابه غاليانو: "لا تقلق، الأمر يشبه ممارسة الحب. إنه أبدي بقدر ما هو حي. لا يهم إن كان قد استمر لدقيقة واحدة، لأن الدقيقة التي يحدث فيها تبدو كسنة".

    غاليانو يتحدث هكذا كثيرا، ليس تماماً بلغة الأحاجي، ولكن بطريقة محيرة ولعوب. يستخدم الزمن كند.

    عندما سألته إن كان متفائلاً بشأن الأوضاع في العالم، قال: "الأمر يعتمد على الفترة التي تسأل فيها سؤالك. من الساعة الثامنة صباحا وحتى الظهر أنا متشائم. ومن الواحدة بعد الظهر حتى الرابع مساء أنا متفائل."

    قابلته في بهو فندق في وسط شيكاغو، في تمام الساعة الخامسة مساء، وكان جالسا ومعه كأس كبير من النبيذ، ويبدو سعيدا جداً. رؤيته للعالم ليست معقدة: المصالح العسكرية والاقتصادية تدمر العالم، بالإضافة إلى تراكم القوى في أيدي الأغنياء الذين يسحقون الفقراء. ونظراً للاكتساح الواسع للتاريخ لعمله - ووجود أمثلة من القرن الخامس عشر وما بعده ليس أمراً قليل الشيوع - فهو لا يفهم الحاضر بصفته تطورًا، بل استمرارية لوضع قديم على كوكب يعاني بشكل دائم من الغزو والمقاومة. يقول غاليانو: "التاريخ لا يقول وداعاً أبداً، التاريخ يقول سأراكم لاحقاً".

    يمكن أن يكون غاليانو أي شيء إلا شخصًا "تبسيطياً". الناقد الحاد لسياسة أوباما الخارجية الذي عاش في المنفى في الأورغواي لأكثر من عقد من الزمن، خلال السبعينات والثمانينات، يستمتع - رغم ذلك - بالعودة الرمزية لأوباما عبر الانتخابات، مع جملةِ أوهامها: "لقد كنتُ سعيدا جدا بانتخابه، لأن أمريكا بلد له تقاليد عنصرية طازجة".

    يذكر غاليانو القصة عندما أمر البنتاغون في 1942 بمنع عمليات نقل الدم من السود إلى البيض. "من الناحية التاريخية هذا لا شيء، 70 سنة تعادل دقيقة. ولهذا فبالنسبة لدولة كهذه، يعتبر انتصار أوباما مدعاة احتفال"

    كل هذه الخصال: اللغة المحيرة واللعوب، الرؤية التاريخية والواقعية، تمتزج في كتابه الأخير "أطفال الأيام" حيث قام بصياغة مقالات تاريخية مصغرة عن كل يوم من أيام السنة. الهدف هو أن تكشف لحظات من الماضي، وتضعها في سياق الحاضر، تتموج في داخلا وخارجا من الحقب والقرون المختلفة لتكشف عن الاستمرارية.

    ما يحققه غاليانو في كتابه هذا هو نوع من الحفر في العلاقات، يقتلع القصص المفقودة والمسروقة، ويعرضها في مجدها الكامل، المرعب والعبثي.

    مقالته ليوم 1 يوليو، مثلاً، جاءت بعنوان: إرهابي واحد أقل. ونصّها ببساطة: "في العام 2008 قررت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن تمحو اسم نيلسون مانديلا من قائمة "الإرهابيين الخطرين". الرجل الأفريقي الأكثر احتراما في العالم ظهر على هذه القائمة الآثمة لستين عاماً".

    وعن اكتشاف 12 أكتوبر، يكتب: "في عام 1492 اكتشف السكان الأصليون بأنهم هنود، واكتشفوا بأنهم يعيشون في أمريكا"

    وعن تاريخ 10 ديسمبر، عنون نصّه "الحرب المباركة" وأهداه إلى أوباما الحاصل على جائزة نوبل للسلام، عندما قال أوباما " هناك أوقات ستجد فيها الشعوب أن اللجوء إلى القوة ليس ضرورياً وحسب، وإنما مبرر أخلاقيا".

    يكتب غاليانو: "قبل أربعة قرون ونصف القرن، عندما لم تكن جائزة نوبل موجودة، وارتفع الشر في البلدان، ليس بالنفط بل بالذهب والفضة، قام القاضي الإسباني خوان جينيه دي سيبولفيدا أيضا بالدفاع عن الحرب، ليس بصفتها ضرورة وحسب، وإنما بصفتها مبررة أخلاقياً".

    وهكذا فإنه ينتقل من الماضي إلى الحاضر ويعود مرة أخرى، لإقامة علاقات بطرافة وخفة دم لاذعة. رغبته، كما يقول، هي تجديد ما يسميه "قوس قزح الإنسان، الأكثر جمالا من قوس قزح السماء" يصرّ.

    وأضاف: "ولكن لدينا تلك النزعة العسكرية، الذكورية، العنصرية التي تعمينا عن ذلك". هناك طرق كثيرة ليصبح المرء أعمى. نحن عميان للأشياء الصغيرة والأشخاص الصغار. والطريق الأكثر سهولة لكي يصبح المرء أعمى، كما يؤمن غاليانو، ليس بفقده لبصره، بل لفقده لذاكرته.

    "خوفي الكبير هو أننا جميعا نعاني من فقدان الذاكرة. كتبت لاسترداد الذاكرة من قوس قزح الإنسان، وهو معرّض لخطر التشويه".

    ومن الأمثلة التي كتبها حكاية روبرت كارتر الثالث - الذي لم أسمع به قط - الوحيد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية الذي قام بتحرير عبيده. "ونتيجة لارتكابه لهذه الخطيئة التي لا تغتفر، حكم عليهِ بأن ينساه التاريخ".

    سألته: من هو المسئول عن هذا النسيان؟

    "ليس شخصا" يجيب غاليانو. "إنه نظام القوة الذي يقرّر دائماً، باسم الإنسانية، من الذي يستحق أن نتذكره ومن الذي يستحق أن ننساه. نحن أكثر بكثير مما قيل لنا. نحن أجمل بكثير".

    * عن (آراء)
    http://www.araa.com

    المصدر السابق
                  

09-19-2013, 08:22 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    علي محمد الأمين
    وِحدةٌ تُشبهُني



    تُنبيكَ الوحدةُ أن سوف تمشي في جنازتكَ بُمفردك , لن يُشيّعكَ الذباب فضلاً عن رجالات العشيرة , لن تبكيكَ الأزّقةُ والمواويل , ولن تشّقَ الأبجديةُ جيبَها عليك
    ستحملُ جثمانك على عاتقك كما يحمل العتّالونَ أشوِلة القمح , تُلّوحُ للريح في طريقك الطويل إلى مدافن القرية , علّها ترحمُ روحكَ , وتُعينكَ على الفناء ,
    بعد احتضارٍ تصلُ إلى المدفن , تجول ببصرك المُنهك على الموتى , ثم تضعُ الجثمان جانباً ,
    -"اللّي هنا , يااا صديق , يا بو الشباب "
    يعودُ إليكَ صوتكَ يجرُّ حباله الصوتيةَ وقد اهترأت , تتقدّم إلى الغرفة المُنزوية , لا أحد بالمكان , سوى صحن إيدام معدنيّ في قعره رؤوس فلفلٍ أحمر مشنوقة , وعلبةُ "سand#1700;ن أپ" عائلية الحجم ملأى بماء باردٍ كالحياة ,
    ذهب الحفّارون لتوّهم وتركوا معاولهم وروائح الموت الفسيح , لا مفرّ من حمل المعول ومزاولة الموت ,
    بعد أن تواريك الثرى , وتُهيل عليك التُراب , أخرج يدكَ وازرع فسيلةَ شِيحٍ جوارَ شاهدِ قبرك , تُعيذك من طمس الطامسين ,
    في الصباح استعِر من جاركَ سُلّما , اعتليهِ كزومبي وقُم بتثبيت الأضواء وفرش السجاد ليبدو سُرادق عزاءك لائقاً بكَ وحدك .
    ثم قِف مُتهندماً كما يليقُ بروحٍ غائبة.


    حربٌ لاتكفُّ رحاها عن الدوران


    تَنهمِرُ المُجنَزراتُ باكيةً , نَشوى
    "تحتضنُ عشرةَ صواريخ "آر بي جي
    تملؤ الخوذات التعبى بالسكّاكر
    وتطوفُ بها على صغار المُجنّدين
    وأخيراً..
    دُقّتْ طُبولُ السلام..
    وضعت الحربُ أوزارها ..
    فَكَّتْ أشلاءَ جدائلها
    فتحتْ أزاريرَ قميصها المُشجّرِ بالدماء
    واستلقت في "البانيو" المُكَدَّسِ بالجُثث , والشُّرَفِ المُهدَّمَة
    تجرّدت من كُلِّ شيء , حتّى أوامرَ مُسعِريها
    أدارت اسطوانة الجرامافون , كان "بيتهوفن" يعزِفُ سيمفونيتهُ التاسعة
    وأخذت تُدّخن..
    نسِيتْ سيجارةً لم تنطفئ
    في شَعرِ جُثةٍ مُتفحّمة
    كانت كفيلةً باندلاعِ حربٍ أخرى .
    يا الله.. ما أسهلَ نُشُوبَ الحروبِ في هذا العالم

    نفسه
                  

09-19-2013, 08:30 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    عبدالله بيلا
    نيلسون مانديلا




    ولأنكَ أنقى من عرقٍ

    يتحدّر من جبهةِ عاملِ منجمْ .

    ولأنكَ مذ صافحتَ ضياءَ الآخَرِ فيكَ

    تلاشى صوتُ العتمةِ ..

    وانهمرتْ موسيقى الحريةِ .. من شفتيكْ .

    ولأنّك إنسانٌ بالمعنى النورانيِّ ..

    تسامَت روحُك واعتنقَت أرواحَ العالَمِ

    وانصهَرتْ في معنى الحُب .

    ولأنّك أكبرُ

    مِن أحيازِ العَرَضِ .. الجنسِ .. العِرقِ .. اللونِ .. الدينِ ..

    إلى آخرِهِ .

    ولأنكَ إذ تحسو منذ الأزلِ الحريةَ

    أنخاباً تتقدّس بين يديكْ ..

    كنت تُعرِّي اللونَ الثَمِلَ الشاخصَ في مرآتِكَ

    حتى ترجعَ ألوانُ الجسدِ المشدودِ إلى الأضدادِ

    سواداً أبيضَ ..!

    ورماداً تنفثه الغُصّةُ من رئتيكْ .

    ولأنّكَ لم تصهر أغلالكَ بالنارِ الحاقدةِ

    ولم تطعَن سجّانكَ بالسُلطةِ

    إذْ حانتْ لحظةُ نُضجِ الغِلِّ

    ولم تعرفْ كفُّك غير بنودِ السِلمِ .. العدلِ .. الحريّةِ .. والحُبْ .

    ولأنّك آمنتَ .. بأنْ لا قوّةَ فوق الشعبْ .

    ولأنكّ يا " ما نديلا " ....

    آخرُ رُسلِ سلامِ الأرضِ إلى الملأِ الأعلى ..

    أخضعُ .. أجثو بين يديكْ ..

    لأرتّب في وجدانِ العالمِ سفرَ نضالكَ يا " ما نديلا " ..

    وأقبّلَ في خجلٍ خديكْ .





    18-7-2013 م



    نفسه
                  

09-19-2013, 08:32 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... يا درش (Re: بله محمد الفاضل)

    علي سباع
    قراءةٌ في فلمٍ لم يعرض بعد ..



    الغلافُ : عالقةٌ في ذهني صورةُ الخيطِ الخفيِّ الذي لا يوصلنا لشمسٍ ولا يعيدنا لملامحَ شخوصٍ بشريّة, المرح أو الحزن أو القلق أو الخوف, يطلّ رجلٌ يرتدي قميصاً أبيضاً, رجلٌ عليه ملامحُ النهرِ وغبش العشبِ وكمينُ الصمتِ واحتواءَ الشهادة, يطلّ من وحدته على بصيص ضوء, ليكن هذا البصيص شخصيّةً, لتكن هذه الشخصيّة أملاً مقطوعاً من شجرة, سنعرفُ من خلالها التشظي, ستتحرّك الحبيبةُ باتجاه الحبيب, سيقفُ الزمنُ ويتحرّكُ الظلّ, لتكن هذه الشخصيّة شاعراً مدعواً لحفلٍ ضخمٍ جداً.

    والشاعرُ ليس بطلاً, الشاعر لم يكن يوماً بطلاً, هو النّص فقط, يمارسُ متعة وجوده بتحويل الأشياءِ لكلمات, يمارسُ صداقته لرجلٍ غامض, المجهول دائماً هو البطل, وبقيّة الشخصيات عابرين في حياةٍ ناقصة.

    بالحديث عن السيناريو كحفل, كمهرجان كما يقول باختين, لا أحدَ سيعرفُ كاتب السيناريو فالجميع مشغول باحتفاليّة المعنى الجديد, بالرقص على إيقاع شجرة عارية, بتقبيل سحابةِ صيف, بمنظر الألعابِ الناريّة تضيء العيون الصغيرةِ, بتقوّس الكأس على شفتيّ الغواني, بانكسارِ الطريقِ وباتساعه, بالمهرّجُ يخدشُ إيمانه بالحمائم, بالبركِ المائيّة في صخبِ التعرّي والفساتينُ مسكونةٌ بالهواء, بوحدةِ حبيبته في الطرفِ الآخر من عينيه تكتبُ لشفتيهِ رسائل لا تصل, بأهل المدينة من أثرياء وحاملي البطاقات التأمينية وأصدقاءِ البيئة, بأهل المدينة والمدينةُ واسعة جداً, الشطر لا يعرفُ الشطرَ القادم, القافية على وشكِ الموت, كادوا يسمونها مدينة ما بعد الحداثة, أمّا الآن فهي مدينةُ الورق, ولا أحد يعرف كاتبَ السيناريو, لم يكن أحدٌ مدعواً سوى القارئ الأعمى, الآن جميعهم لا يرون الحقيقة, أو يرونها بسيطةً جداً كما يفعل الرجلُ الغامضُ وهو يمسكُ بسيجارتهِ ويضعها في فمه ببطء كما لو أنّه يكتبُ قصيدةً أو ينتظرُ فرصةً, فرصةً فقط.

    الصورةُ, تكوينُ الصورةِ أعني, حين تكون خاليةً من المعنى, فارغةً من العنوان, ويبدو كلّ شيءٍ باردٌ جداً ثم بشكلٍ مفاجئ يلتقيان, لا أقصد يتعانقانِ إنما أنا أتأمل الصورةَ بطبيعتها وتنقّلها السريع, يلتقيان لا كما نلتقي, ويجلسان معاً, يضع يده اليمنى أعلى الكرسيِّ, خلف عنقها تماماً, تنظرُ في عينيه مباشرةً بدهشةِ الغريب وحنكته, لكننا هنا نتحدثُ عن الحركةِ, والحركةُ مهمةٌ, المسافةُ مهمةٌ أيضاً, الفكرةُ تجيءُ وتذهب, تخرجُ من الرأسِ وتعود, تمطر السماءُ ويعقد لسانها الخيانةُ وتغتسلُ القبلةُ بقبلةٍ أخرى, ويتدرّج النّص في تحوّلاته, الحوار دائماً غير مكتمل, يقول وهو ينظر في عينيها: رأيتُ قوساً, وهذا ما أفعله عادةً.
    يفسدُ صديقه الصورة, لابدّ أن يفسدها لكي ننتقل لصورةٍ أخرى, لكنه لم يستطع, نادى بأعلى صوته, طرق الباب, طرقه بأقصى ما يستطيع, طرق فخذ الرجل وكتف الحبيبة, وغاب في وعيه.

    كمن ينتظرُ فكرةً ينتظرها, الوردُ الذي يحمله يكفي المحبّين على الكرةِ الأرضية, الوردُ الذي أدخله عنوةً في سواد الأشياء, لكّنها التزمت بدورها في الحكاية, المرأة تظلّ هي المرأة, لم تحاول أن تكسر السيناريو بخلقِ أزمةٍ جديدة, رغمَ أنها كانت تعرف السردَ جيّداً, تعرف أنّ عدد الأزمات يزيدُ من دهشة النص, لعلها تخاف الطيران, تخاف النهايات الحزينة, لعلها تفعل ذلك من أجله.

    فتحَ بيديه صفحةً جديدةً, الحياةُ أعمقُ من النّص, ونحن نغرق بسهولة, أعادتها :أنت حبيبي.
    فردّ :بهذه البساطة ..
    :نعم, أنت حبيبي.

    الخمرةُ وما أدراكَ ما الخمرة, حين يستفزّك النقيض, الصادقُ واحتمال الكذبة الأولى, البكرُ على شرفةِ الفضِّ وانكسار البداية, الشعرةُ البيضاءِ الأولى في محفل الشيب, الحاضرةُ قبل الموعدِ والفاتنةِ في وغولها بالحياة, لا يستطيع أيّ مخرجٍ إدراكَ الخياراتِ جميعها, لا يستطيع إدراك سعدية حين قالت كأنّها تصفُ الأرض : ( فعل الخيانة له عنوانان دائما, خيانة علنيّة وإخلاص خبيءٌ), النقيض أعني حين تقول لزوجها أخونكَ, حين يقفُ بمسافةِ مترٍ ويقول: رأيتك, ثم النقيضُ حين لا يرقصُ معها في الحفلِ, حين تنتهي الصورةِ على جدارٍ سميكٍ بنوافذ مفتوحة, حين يصبحُ كلّ شيءٍ مشوشاً, لا .. كنت أعني مشوّهاً.

    ثمّة حلقةٌ مفقودة في المنتصف, الحبلُ قصيرٌ جداً, العربةُ واقفةٌ وسط الصحراء, الشاعرُ يمسكُ كلماته خوف العطش, يحدث هذا دائماً أن لا يرتفع الإيقاع, أن نظلّ مشدوهين بالغربةِ والصور الثنائية واكتشاف التفاصيل, أن نظلّ نبحث في الخارجِ عن الطبلة وصوتها المرتفع, هذا ليس الإيقاع, الخيانةُ ليست الحبكةُ المناسبةُ وليس من الإيقاع أن تظل الحبيبةُ مع زوجها بوجود حبيبٍ قادمٍ من البعيد, ليسَ من الإيقاع أن يلتقيا في نصٍّ واحد, الثلاثةُ على طاولةٍ واحدة, أن تلبسَ فستانها معقوداً من المنتصفِ وقصيراً حدّ الوردةِ, الخمسةُ على طاولةٍ واحدة, أن يتعاركا من أجلها, أن يقتلَ أحدهما الآخر, أن يعيش كلاهما لأجلها, أن تحتار فجأةً بين القتيل والقاتل, أن تختارَ زاويةً وتبكي, أن تختارَ زاويةً وتضحك, وحيدةً على طاولةٍ واحدة, ينكسرُ الإيقاع بخيالها وهي تشيّع دموعها لمثواها الأخير, أمسك منديله كما يمسكُ المخرجُ باللقطةِ الفاصلة ليحذفها, أمسكها من يدها وسقطت, أمسكها بعناقٍ وهو يتلمّس أغوارها العميقة, التصقت قدماه بالمكان, حاول أن ينقذها, لكنّه لا زال جثةً بدورِ حبيب.

    فيما لو كان الشاعر ضمن الصورةِ فهو شاهدٌ, وفيما لو كان زوجها هارباً فهو إنسانٌ, والحكاية في النصّ متهمٌ بريء, والحبيبُ .. قالت: لا أعرفه ؟!
    تذكّرَ وهو منكسرٌ, بدايته المفقودة, كيف عليه أن يؤدّي نهايته هكذا, هكذا دون أن يتذكّر شجرته العظيمة, جذورها في الأرض, إلى أيّ أرضٍ يحن, من أيّ سجن وصل هنا ؟!

    كما يلتقونَ عادةً, لا كما نلتقي, كان يخاطبُها, حبيبته أعني :
    في الواقع لا يوجد كومبارس, الجميع يعيش بطولته ..
    سنبقى داخل الفلم
    سنبقى داخل الفلم, أبداً
    لكّنها اعترفت بحماقتها, الحمقُ الذي يحوّل الحزنَ إلى أشدّ حزناً, اختارت تجربة أداء جديدة في فلم آخر, خرجَ خلفها وتحدّث مع نفسه, البحرُ ليس بحراً, الشاعرُ بقلقه سيهدم الحقيقة ويعيد بنائها, واثقا من خطواته يتبعها, يدخل التجاربَ ليصلَ لفلمها القادم, يبحث عن بطولته وتبحث عن بطولتها, تتسارع اللقطات بشكلٍ مدهش, لم تستطع الظهور على الشاشة من جديد, لم يستطع خيانتها مع أحد.



    نفسه
                  

09-19-2013, 08:40 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    أحمد الصحيح
    كلما فتحت الباب انهال علي العالم




    (الباب)


    الباب ..
    يُحاذي الخارجَ بأقصى ما أوتيَ من سِرّ
    هُوَ فكرةُ الخارجِ عنّي
    عندما أدخُلُ منهُ، أعلّقُ عليهِ التّعبَ وأطفو
    أمسحُ كلّ أياديهم من يدي لأتخفّفَ وأنام
    و عندما أخرجُ تركضُ الأسرارُ قبلي إلى العتبة
    يلتقطُها المارّةُ ويرسمونَ بها وجهًا لي
    فيما يدّعي بعضهُم أنّهُ أمسكَ بذاكرتي عندما خرجت .
    الباب ..
    يُحاذي الوقتَ بساقينِ تنوحُ فيهما الرّيحُ،
    يشدّ تفاصيلَ يومٍ جديدٍ إليّ
    يُحرّر بعضي من بعضِ الأمسِ و يُسرّبه إلى ثُقبهِ المُعتاد
    يتعاطى أسماءَ الرّاحلينَ و نبراتِ أصواتهم.
    على بابيَ خسارتانِ و انتصارٌ واحد،
    ذاكرةٌ تتكئُ على كتفٍ يقِظ،
    قصيدةٌ مخلوعة،
    فُرصةُ أغنيةٍ مُهمَـلةٍ،
    إبتسامةٌ واحتمالُ فَم.
    على بابيَ حُلمٌ يتجفّفُ من قُدرتهِ،
    دمعةٌ يُشيّدُها صمتُ الرّاحلين،
    زَمنٌ يُصيبُني بالمسافةِ و يركُض،
    فكرةٌ تجهَلُ أمامَها،
    وغُبار.
    على بابيَ
    فراغٌ يتأبّطُ العُمرَ،
    هاويةٌ تتحرّكُ،
    وامرأةٌ تُطلُّ على الجانبين.
    الأبوابُ مفاصلُ المدينةِ
    الّتي تتفرقعُ بالأسرارِ وحشرجاتِ الهويّة
    الدخول والخروجُ منها يُشبهُ ارتداءَ الملابس وخلعَها
    و أنا لن أخلعَ البابَ لكي لا تبينَ عورتي
    و سأكتفي بإصلاحِ أجزائهِ المعطوبة.




    (غريب)


    في كفّهِ بعضُهُ، يُفكّرُ في هذا البعضِ الباهتِ :
    لو أنّهُ شيئًا آخرَ لاكتملتُ .
    يرميهِ عليّ ، أُمسِكهُ ، ونمضي في اتجاهٍ واحدٍ
    فيما تَضحكُ المرآة .
    كلّ صباحٍ ،
    أحدقُ في وجهِ العالمِ ثُمّ تهربُ ابتسامةٌ بيننا
    يدّعي أنّ نهاري في الخارجِ سيجرّني إلى خسارةٍ أخرى ،
    و أعرفُ أنّ شظيّةَ المجهولِ المُلقاة فِي أقصى ابتسامتي
    هيَ اقتراحٌ ما ، لِما سأكونُهُ يومًا .
    أنا ما زلتُ موبوءًا بالأبواب ،
    سأفتحُ واحدًا منها يومًا لأصافحَ سيرتَيَ الذّاتيّة
    أمّا أفكاري فتمشي على أصابِعِها كي لا ينطفىءَ الفجرُ أكثر
    و ثمّةَ جدارٌ يتربَّصُ بي في مدخلِ الحُلُم .
    في هذهِ المدينةِ ،
    في هذا الهزيعِ المتأخّرِ من ليلِ الأُمنية
    أنفضُ الغُرباءَ عن صدري ، فأسقطُ واحدًا منهُم .
    قوسُ الكَشفِ لم يشتدّ ،
    و القلقُ لا يَفترضُ طريقةً للخروج .
    و أنا ما زلتُ أعرفُ
    أنّ العُمُر الّذي يمرّ سريعًا في الشارع الخلفيّ للمقهى .. عُمُري
    و أنّ ما أحتسيهِ في دمي إجابةٌ مبتورةُ الأطراف .




    (فاحت من جسدي غيمة)


    قلبٌ ينوءُ بنشيدٍ جائع،
    وهزيعُ العطشِ يزحفُ إلى آخر القناديل المعلّقةِ على خدّي
    هذا العالمُ مصبوغٌ بالهاويةِ الّتي تَشهقُ بالقمّةِ حينَ تمرُّ بعينيكِ
    أنا كافرٌ بهِ، و مؤمنٌ بكِ
    ألتقطُكِ على مقرُبةٍ من النّشوةِ وأدخلُ في مُخيّلتي
    هُنالكَ تتمُّ إضافتي إليكِ أكثر،
    أمّا جمالُكِ فاتّساعٌ تفسيرُهُ احتياجُ مُخيّلتي إلى مُخيّلة..
    هذا الرّكامُ الهائل من الوقتِ على عِظامِ الفُرصةِ يأكلُ الأحلامَ
    و يُعبّئُ أكتافَنا بالأجل
    هذا الرّكامُ في يدي ضوء،
    وأنا منذُ لمستُ خدّكِ واخضرّ صوتُ الجهات،
    منذُها و أنا أدخلُ إليَّ من يدي.
    ما زالَت فكرةُ اللّيلِ تُضَرِّجُ بابَ شقّتي
    أغرِفُ عينيكِ بذاكرتي ليسقطَ رأس الفكرةِ من رأسي.
    الغيابُ الّذي يطعنُ صدرَ الفضاءِ فيفيضُ حِدادٌ في فمِ الأغنية..
    من يكنِسُهُ من المشهد ؟
    و كيف سأجفّف هذي المسافةَ قبل أن يكبر الهامشُ أكثر ويصيرَ نهاية
    نحنُ نتآكلُ كلّما قرعنا الخُطى نَخْبَ الأمام
    نخسرُ صورتَنا و يفضحُنا الإنتهاء .
    قبلَ صوتِكِ .. هذا العالمُ يخلعُني من يدي، فأبقى في الخارج.
    و ها أنا وحدي مثل غروبٍ يتدحرجُ إلى هاويته
    وحدي .. تخيطُ الوحدةُ بُركانًا على جسدي
    و ها هو صوتُكِ يوحي رغبةً لِدَمي
    فينهضُ دمي في شَغَفِ الشّراعِ و إقدامِ السّفينة .
    أنا كافرٌ بهذا العالم.
    ومنذُ آمنتُ بكِ .. هبطَ الطينُ وفاحت من جسدي غيمة.



    (ذكرى)


    رأسي مدهونٌ بزيتِ أمسه
    كُلّما تَحَرَّكَ تذَكَّرَ
    آآآآه.. لو أنَّ الوراءَ لا يأتي إلى الأمام!
    اللعنة.

    كلّما تحرّكتْ مفاصلُ الحنينِ رأيتُهم،
    يشربون المسافةَ وبين أصابعهم متّكأٌ للنهاراتِ القديمة.



    (حبيبتي)


    الرابعةُ بعد منتصفِ السيلِ، ولا تزالين في الكأس..

    سيرتفع بحرٌ على خصركِ
    في منتصف الرقصة..
    سيهبط الشاطئ على زندي

    كلّما مددتُ أصابعي
    لألمسك في انعطافةِ وقت
    لمسكِ الوقتُ في أصابعي

    وكلَّما أدخلتُكِ في بيتٍ شعريٍّ
    انعطفَ شطراهُ ليحضناكِ

    الفتى الذي ابتلعَ الكمنجةَ كان يريدُ لأحشائهِ أن تفهمكِ

    الفتاة ُ في الباص ِ قُرب النافذة، يُطل الخارج ُ عليها بينما تشد ّ في شفتيها حربًا. تفتح ُ فمَها.. تحدث ُ فتوحات ٌ مُبينة.





    نفسه
                  

09-19-2013, 08:40 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    أحمد الصحيح
    كلما فتحت الباب انهال علي العالم




    (الباب)


    الباب ..
    يُحاذي الخارجَ بأقصى ما أوتيَ من سِرّ
    هُوَ فكرةُ الخارجِ عنّي
    عندما أدخُلُ منهُ، أعلّقُ عليهِ التّعبَ وأطفو
    أمسحُ كلّ أياديهم من يدي لأتخفّفَ وأنام
    و عندما أخرجُ تركضُ الأسرارُ قبلي إلى العتبة
    يلتقطُها المارّةُ ويرسمونَ بها وجهًا لي
    فيما يدّعي بعضهُم أنّهُ أمسكَ بذاكرتي عندما خرجت .
    الباب ..
    يُحاذي الوقتَ بساقينِ تنوحُ فيهما الرّيحُ،
    يشدّ تفاصيلَ يومٍ جديدٍ إليّ
    يُحرّر بعضي من بعضِ الأمسِ و يُسرّبه إلى ثُقبهِ المُعتاد
    يتعاطى أسماءَ الرّاحلينَ و نبراتِ أصواتهم.
    على بابيَ خسارتانِ و انتصارٌ واحد،
    ذاكرةٌ تتكئُ على كتفٍ يقِظ،
    قصيدةٌ مخلوعة،
    فُرصةُ أغنيةٍ مُهمَـلةٍ،
    إبتسامةٌ واحتمالُ فَم.
    على بابيَ حُلمٌ يتجفّفُ من قُدرتهِ،
    دمعةٌ يُشيّدُها صمتُ الرّاحلين،
    زَمنٌ يُصيبُني بالمسافةِ و يركُض،
    فكرةٌ تجهَلُ أمامَها،
    وغُبار.
    على بابيَ
    فراغٌ يتأبّطُ العُمرَ،
    هاويةٌ تتحرّكُ،
    وامرأةٌ تُطلُّ على الجانبين.
    الأبوابُ مفاصلُ المدينةِ
    الّتي تتفرقعُ بالأسرارِ وحشرجاتِ الهويّة
    الدخول والخروجُ منها يُشبهُ ارتداءَ الملابس وخلعَها
    و أنا لن أخلعَ البابَ لكي لا تبينَ عورتي
    و سأكتفي بإصلاحِ أجزائهِ المعطوبة.




    (غريب)


    في كفّهِ بعضُهُ، يُفكّرُ في هذا البعضِ الباهتِ :
    لو أنّهُ شيئًا آخرَ لاكتملتُ .
    يرميهِ عليّ ، أُمسِكهُ ، ونمضي في اتجاهٍ واحدٍ
    فيما تَضحكُ المرآة .
    كلّ صباحٍ ،
    أحدقُ في وجهِ العالمِ ثُمّ تهربُ ابتسامةٌ بيننا
    يدّعي أنّ نهاري في الخارجِ سيجرّني إلى خسارةٍ أخرى ،
    و أعرفُ أنّ شظيّةَ المجهولِ المُلقاة فِي أقصى ابتسامتي
    هيَ اقتراحٌ ما ، لِما سأكونُهُ يومًا .
    أنا ما زلتُ موبوءًا بالأبواب ،
    سأفتحُ واحدًا منها يومًا لأصافحَ سيرتَيَ الذّاتيّة
    أمّا أفكاري فتمشي على أصابِعِها كي لا ينطفىءَ الفجرُ أكثر
    و ثمّةَ جدارٌ يتربَّصُ بي في مدخلِ الحُلُم .
    في هذهِ المدينةِ ،
    في هذا الهزيعِ المتأخّرِ من ليلِ الأُمنية
    أنفضُ الغُرباءَ عن صدري ، فأسقطُ واحدًا منهُم .
    قوسُ الكَشفِ لم يشتدّ ،
    و القلقُ لا يَفترضُ طريقةً للخروج .
    و أنا ما زلتُ أعرفُ
    أنّ العُمُر الّذي يمرّ سريعًا في الشارع الخلفيّ للمقهى .. عُمُري
    و أنّ ما أحتسيهِ في دمي إجابةٌ مبتورةُ الأطراف .




    (فاحت من جسدي غيمة)


    قلبٌ ينوءُ بنشيدٍ جائع،
    وهزيعُ العطشِ يزحفُ إلى آخر القناديل المعلّقةِ على خدّي
    هذا العالمُ مصبوغٌ بالهاويةِ الّتي تَشهقُ بالقمّةِ حينَ تمرُّ بعينيكِ
    أنا كافرٌ بهِ، و مؤمنٌ بكِ
    ألتقطُكِ على مقرُبةٍ من النّشوةِ وأدخلُ في مُخيّلتي
    هُنالكَ تتمُّ إضافتي إليكِ أكثر،
    أمّا جمالُكِ فاتّساعٌ تفسيرُهُ احتياجُ مُخيّلتي إلى مُخيّلة..
    هذا الرّكامُ الهائل من الوقتِ على عِظامِ الفُرصةِ يأكلُ الأحلامَ
    و يُعبّئُ أكتافَنا بالأجل
    هذا الرّكامُ في يدي ضوء،
    وأنا منذُ لمستُ خدّكِ واخضرّ صوتُ الجهات،
    منذُها و أنا أدخلُ إليَّ من يدي.
    ما زالَت فكرةُ اللّيلِ تُضَرِّجُ بابَ شقّتي
    أغرِفُ عينيكِ بذاكرتي ليسقطَ رأس الفكرةِ من رأسي.
    الغيابُ الّذي يطعنُ صدرَ الفضاءِ فيفيضُ حِدادٌ في فمِ الأغنية..
    من يكنِسُهُ من المشهد ؟
    و كيف سأجفّف هذي المسافةَ قبل أن يكبر الهامشُ أكثر ويصيرَ نهاية
    نحنُ نتآكلُ كلّما قرعنا الخُطى نَخْبَ الأمام
    نخسرُ صورتَنا و يفضحُنا الإنتهاء .
    قبلَ صوتِكِ .. هذا العالمُ يخلعُني من يدي، فأبقى في الخارج.
    و ها أنا وحدي مثل غروبٍ يتدحرجُ إلى هاويته
    وحدي .. تخيطُ الوحدةُ بُركانًا على جسدي
    و ها هو صوتُكِ يوحي رغبةً لِدَمي
    فينهضُ دمي في شَغَفِ الشّراعِ و إقدامِ السّفينة .
    أنا كافرٌ بهذا العالم.
    ومنذُ آمنتُ بكِ .. هبطَ الطينُ وفاحت من جسدي غيمة.



    (ذكرى)


    رأسي مدهونٌ بزيتِ أمسه
    كُلّما تَحَرَّكَ تذَكَّرَ
    آآآآه.. لو أنَّ الوراءَ لا يأتي إلى الأمام!
    اللعنة.

    كلّما تحرّكتْ مفاصلُ الحنينِ رأيتُهم،
    يشربون المسافةَ وبين أصابعهم متّكأٌ للنهاراتِ القديمة.



    (حبيبتي)


    الرابعةُ بعد منتصفِ السيلِ، ولا تزالين في الكأس..

    سيرتفع بحرٌ على خصركِ
    في منتصف الرقصة..
    سيهبط الشاطئ على زندي

    كلّما مددتُ أصابعي
    لألمسك في انعطافةِ وقت
    لمسكِ الوقتُ في أصابعي

    وكلَّما أدخلتُكِ في بيتٍ شعريٍّ
    انعطفَ شطراهُ ليحضناكِ

    الفتى الذي ابتلعَ الكمنجةَ كان يريدُ لأحشائهِ أن تفهمكِ

    الفتاة ُ في الباص ِ قُرب النافذة، يُطل الخارج ُ عليها بينما تشد ّ في شفتيها حربًا. تفتح ُ فمَها.. تحدث ُ فتوحات ٌ مُبينة.





    نفسه
                  

09-19-2013, 08:50 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    لا بأس أن كرر النص السابق نفصه
    فإنه كـ (عاقد الحاجبين)
    قتلني مرتين
    وفي طريقه إلى مرات كثيرة


    ياااااااااااه يا رجل
    لكم أنت صحيح
                  

09-19-2013, 09:42 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    الصِّفر، ذلك الجدُّ الأوّل
    (أدونيس)
    (4 أيلول 2013)




    الإنسان الحديث؟
    يبدو أنّ «حداثته» أوصلَتْه إلى العمل على أن يحاصر غيره، محاصِراً نفسه، وأن يعيش، تبعاً لذلك، في حصارٍ مدى حياته - استعداداً لحصاره الأخير بين جدران القبر.
    *
    حين رأى الطفل الجثثَ المطروحة في العراء، بكى. رأى علَماً في غرفة والده.
    أخذه ومزّقه.
    حلُمَ في اليوم الثاني أنّ الأشجارَ بدأت تُحارب الطيور. استيقظ من نومه خائفاً.
    من سيمنع الأشجار من محاربة الأجنحة؟ وكيف؟
    *
    للعدد في حساب الجمهور
    عِلمُ أنسابٍ تنحدرُ من الجدّ الأوّل: الصِّفر.
    (أيلول، 5)
    قام قعدَ. تحدّث، خطبَ. وعدَ توعّد. غاب، حضرَ. كتب قرأ:
    لا شيء!
    خيالُ ظلٍّ
    لقبّعةٍ من أجنحة النّمْل.
    *
    لهذا الوقت أذنٌ
    يتّسع دهليزها للأصوات كلِّها،
    إلاّ صوت الصِّدق.
    *
    فكُّه الأسفلُ في قتالٍ دائمٍ مع فكّه الأعلى،
    وفي تبشيرٍ دائمٍ:
    الوسيلةُ هي كذلك غايةٌ.
    وكلُّ خداعٍ مشروع.
    *
    البُغاثُ يستنسر،
    ولم يبدأِ الصّيد.
    *
    ما هذا التاريخ الصّاخب
    الذي تغنّيه حناجرُ لا صوتَ لها؟
    *
    أجنحةُ زيزانٍ
    تعتقلُ الفضاء.
    *
    يرفض صِهريجُ الذّهب، على نحوٍ قاطعٍ،
    أن يصبّ في نهر الحرّيّة.
    *
    بشرٌ تترنّحُ أجسامُهم،
    تطفو وترسُب
    في بحيراتٍ من الفضّة.
    *
    جدَلُ الريح يسفِّه منطقَ الغبار.
    منطقُ الغبار
    لا يعترف بجَدَل الرّيح.
    *
    زواحِفُ آدميّةٌ. طيورٌ من الحديد
    في صوَرٍ وزخارفَ
    تستلقي على أسرّةٍ سماويّةٍ.
    *
    رؤوس أطفالٍ
    تتبقّع بقطران الغَزْو.
    *
    عرف الغربُ ويعرف
    كيف يتفنّنُ في صناعة الطّبول
    التي تعرفُ عِصِيُّ العرب
    كيف تتفنّن في قرعها.
    *
    (أيلول، 6)
    من أين تجيء هذه الكائنات الرخويّة
    التي تعلّم الحجر
    كيف يكون مادّةً صلبة؟
    *
    من نداوة أرضكَ الأولى،
    يتبجّس ينبوع شعركَ الأوّل.
    ابقَ بعيداً عنها،
    إن شئتَ أن يظلّ دافقاً في أحشائك.
    *
    نعم تنقلبُ النّافذةُ أحياناً إلى غَيْمة:
    أليست أفضلَ وأجمل
    من العصا؟
    *
    لم أقدرْ، هذا الصباح، أن أعبرَ السّياج الذي يفصلني عن شُجيرةِ زيتون
    آتيةٍ من الجنوب الفرنسيّ في آنيةٍ بلاستيكية، تجلس وحيدةً في زاويةٍ
    من الحديقة القريبة.
    كنتُ، كلّ صباح، أسلّم عليها إحياءً لذكرى زيتونة كبيرة معمِّرة، رافقت طفولتي كلّها في قصّابين.
    لا أعرف كيف نسيت موعدي مع السياج.
    لا أعرف كيف نسيتُ كلمةَ السرّ، كلمة المرور.
    *
    لا تقْلَقْ.
    لا أنتمي إلى هذا الواقع. لا أزاحمك
    في أيّ شيء. لا أريدُ أيّ شيء.
    لا أعاشر إلاّ التوهُّم.
    *
    فكّ الشاعرُ حبال قاربه الذي يربطه
    بخليج الحاضر. وعاد إلى بيته تحرسه
    أحلامُه.
    في طريق العودةِ، التقى بصيّادٍ لم يعرف اسمَه.
    كان تموُّجٌ ناعمٌ يداعب الزّبدَ، ويدخّنُ غيماً رماديّاً.
    « لكن أين بيتي؟» تساءل الشاعرُ، شارداً ضائعاً.
    *
    (أيلول 7)
    لا يفهم جدائلكِ إلاّ كتفاكِ
    والموجُ الذي ينسدل عليهما.
    *
    (أيلول، 8)
    الصّوابُ خطأٌ آخر عند فردٍ أو جمعٍ يرفض
    أن يعترفَ بأنّه يُخطئ.
    *
    لا يفكّر إلا لكي يوظِّف فكره من أجل هدفٍ معيّن.
    وهو إذاً، لا يفكّر. إنّه يمارس نوعاً من رياضة التصيّد.
    الفكر أفقٌ. سيرٌ في مشروعٍ مفتوحٍ، وليس شبكةَ صيد.
    *
    (أيلول، 9)
    وَهْمي خيوطٌ تنسدل عليها
    ثيابُ الواقع.
    *
    عندي أفكارٌ لا تريد أن تنتظم في كتاب.
    الكتابُ راحةٌ وهذه الأفكارُ تبحث عن التعب.
    *
    لماذا يبدو عقلُك حمَلاً أمام الأشياء التي تحبّ أن تحقّقها،
    ويبدو ذئباً أمام الأشياء التي سبق أن حققتَها؟
    *
    لا تقدرُ أفكاري أن تعيش في رأسي إلاّ واقفة.
    فكرةٌ تجلس إنما هي فكرةٌ معوَّقَة.
    *
    أحبُّ أن تتخاصمَ أفكاري في الليل،
    وأن تتآخى في أثناء النهار.
    *
    إذا كنت تعتقد أنّك عربيٌّ لأنك تتكلّم العربيّة،
    فأنت تعتقد، تبعاً لذلك، بأنّ
    درجة عروبتك تابعةٌ لدرجة إتقانك اللغة العربية.
    وإذاً ، يمكن القول إنّ هناك أشخاصاً كثيرين، يمكن
    وصفُهم بأنّهم أنصافُ عرب، أو أشباهُ عرب،
    أو ما دون ذلك.
    *
    ( أيلول 10 )
    هل شاهدتَ مرّةً كيف يموت الكلام؟
    وهل سِرْتَ في جنازة كلامٍ مات؟
    *
    آملُ أن أعرِّفكم، يوماً، على تباريحي:
    إنها خريطةٌ ضخمةٌ لبلاد بلا حدود.
    *
    مرّةً أخرى، أمسِ،
    أكّدت الشمسُ أمامَ عينيّ حِرصَها
    على قراءة جسدها
    لكن ما أن بدأت القراءة حتّى غابَتْ.
    *
    ( أيلول 11 )
    القتلُ يتتلمَذ على القتل. والدّمُ يرسمُ الدروب.
    *
    كيف نخترع أمكنةً لا نرى فيها جثثاً، أو أجساماً
    ترتجف نائحةً على أشلائها الآتية؟
    لا تعرف هذه الأشلاء أين تستقرّ؟
    في نارٍ لا تنطفئ؟
    في قفرٍ يبنيه الرّمل، ويهدمُه في
    حركةٍ لا تهدأ؟
    في خزائنَ للدّمى والتعاويذ؟
    أو ربّما في رمادٍ رحيمٍ يتآخى مع الريح.
    أو لعلّها تفضّل السكنَ في أجسام الأطفال
    عندما يخرجون من أرحام أمّهاتهم، إذا تيسّر لهم،
    بين المفصل والمفصل، وبين الخليّة والخليّة.
    أشلاؤنا، نحن العرب، هي أيضاً جيوشٌ
    وحروبٌ وثارات.
    *
    قالت لي الرياحُ في بلاد العرب:
    مللتُ، أنا أيضاً، من البكاء والنّواح.
    (أيلول، 12)
    يسألني الضوء: ماذا تكتب؟
    يسبقني الظلّ إلى الكلام متسائلاً: لماذا تكتب؟
    هل أخرج إلى الشارع برفقة الضوء؟
    هل أعود برفقة الظلّ؟
    *
    أحبّ أحياناً أن أكون نحيلاً كحرف الألف،
    لكي أقدر أن ألتصق بك، وأكون معكِ أينما كنتِ،
    دون أن يراني أحد.
    *
    تسألُ الحياةُ عنّا نحن العرب، لكي تحيا معنا.
    لكن قلّما تجد لها مكاناً بيننا.
    هكذا نولد. نمضي إلى الموت. نعبر
    الحياة دون أن نراها.




    http://alhayat.com/Details/553177
                  

09-19-2013, 10:38 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    في تحرير الانتماء
    محمد جميل أحمد



    يولد الانسان منتميا، الانتماء قدر، وليس هناك تصور لإنسان بلا انتماء في هذا العالم، كما أن الانتماء ــ في جزء منه ــ ذا جانب جبري متصل بما يجد الانسان نفسه عليه: أمه، أبوه، قبيلته، لونه.
    بيد أن السؤال الجوهري هو: كيف يمكننا تحرير الانتماء والتحلل من أشكاله المؤذية والمفضية للتعصب والتحيز السلبي وما يجران إليه من خلاف ومشاكل وعنف ؟ لن يكون ذلك إلا بالمعرفة، والتأمل العميق في ما هو متصل بقدرتنا على أن نكون أحرارا في تكييف انتماءاتنا تكييفا موضوعيا وإنسانيا. هذه مهمة بالطبع لا تخلو من صعوبة، ومن خيارات.
    ولعل أبرز الإشكالات التي تواجه تحرير الانتماء هي: الوعي النسقي القبلي والطائفي، أي ذلك المتخيل الجمعي المفترض من قبل أفراد القبيلة أو الطائفة عن نفسها، والذي بالضرورة يتمثل كل الفضائل والقيم في تصوره للقبيلة باعتبارها جماعة معصومة.
    لكن ما يغيب عن الكثيرين أن خيارات الأفراد وسلوكياتهم لا يمكن أن تكون كلها ــ من حيث كونهم أفرادا ــ متطابقة مع التصورات المثالية لذلك المتخيل الجمعي المشترك للقبيلة.
    وهنا حين تقع بعض أخطاء الأفراد من قبيلة ما تجاه قبيلة أخرى ينحاز الوعي الجمعي للقبيلة إلى اصطفاف ضروري مع ذلك العضو من أعضاءها، مسقطا حالة جماعية ومثالية عن القبيلة على تصرف ذلك الفرد.
    وهذا تماما مادل عليه القول العربي الجاهلي المأثور (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) والذي أعاد الإسلام تعريفه بصورة إيجابية.
    هذه المقدمة ربما كانت ضرورية في مقاربتنا لفكرة الانتماء، والتي هي في مجتمعاتنا ترتبط بالقبيلة والطائفة على الأغلب، وتنعكس منهما على الممارسات الحزبية والتنظيمية.
    إن قدرتنا على التكييف الإيجابي للجانب الإرادي من معنى الانتماء هي التي تمنحنا موقفا أخلاقيا وإنسانيا، وهي بالتالي ما سيسهم في الرقي بمجتمعنا وانتماءاتنا إلى ضفاف أكثر وعيا، وإدراكا، وتسامحا.
    فالوعي الجمعي للقبيلة أو للطائفة مثلا، إذ يتوهم قدرات أفراده ونبوغهم وتميزهم بردها إلى خصيصة حصرية جمعية للقبيلة؛ إنما يمارس تجييرا تضليلا خبيثا لفكرة الانتماء ومن ثم يقع في تناقض واضح؛ هو: أن قدرات الأفراد وقابليتهم للتميز هي قدرات تولد معهم؛ أي أنها قدرات ومؤهلات ذات طابع انساني عابر للقبائل من حيث قابليتها بأن تكون في أي فرد من أي قبيلة، وليس لها علاقة لقبيلة بعينها دون غيرها.
    لكن ما يصرف هذا الشرط الضروري في انسانية الانتماء عن أذهان الكثيرين هو الوعي القبلي حين يعيد تعريف أصحاب تلك المواهب والقدرات والحيثيات من أفراد قبيلته، بوصفها خصائص خاصة بالقبيلة فيجردها بالتالي عن طابعها الانساني العام.
    وهذا الالتباس بين ما هو فطري وانساني أي بين ما هو قابل للتشارك بين الجميع؛ وبين ما هو نسقي ومحدود في الوعي القبلي هو سبب كل المشكلات التي تنشأ بين الناس عندما يغطي انتماؤهم المتعصب على وعيهم الفردي والإنساني.
    وهكذا يحدد الوعي النسقي القبلي آفاق المواهب الإنسانية إذ يعيد تعريفها بتلك الصورة المتخلفة فيجعل العلاقة بين أصحابها علاقة عداء وتنافر. يصح الأمر أيضا على الانتماءات الأخرى؛ كالانتماءات الطائفية والحزبية الآيدلوجية وغيرها.
    يمكننا القول أيضا أن طريقة اشتعال الوعي النسقي، سواء أكان طائفيا، أو قبليا أو حزبيا تلتف باستمرار وخبث على الكثير من مقاربات المعرفة التي تحاول اختراق نسق الوعي القبلي والطائفي إلى آفاق العلاقات الوطنية والإنسانية بالتعليم والإعلام، والثقافة.
    ذلك أن التعليم حين ينفصل عن فلسفته الجوهرية في تطوير قدرات الوعي الانساني واستقلالها، وينحصر في العلاقة التقنية للعلوم بوصفها تخصصات حيادية، يصبح ــ دون أن يدري أو لا يدري ــ أسيرا للوعي النسقي بوصفة أمرا واقعا للصورة الذهنية للانتماء الذي غالبا ما يكون انتماء طائفيا أو قبليا وهكذا سنرى أن تحرير الانتماء من أشكال الوعي النسقي ليس فقط ضرورة لإعادة وموضعة الانتماء في مكانه الصحيح ضمن الشروط الذاتية المنفكة عن الشروط الموضوعية للفضاء العام؛ بل وكذلك ضرورة لاتساق الفرد مع قناعاته وخياراته الموضوعية.
    ذلك أن واقعنا في هذا الجزء من العالم المسمى عربيا، يخضع لنمط الوعي النسقي بطريقة معكوسة من خلال تحويل فضاء الخيارات الشخصية إلى التزام جمعي تفرضه القبيلة أو الطائفة بصورة أصلية، ويفرضه الحزب أو التنظيم بصورة اعتبارية، فيما تتحول المفاهيم المركزية الناظمة لسوية الحياة العامة؛ كالحرية، والقانون، والوعي، والمسؤولية الأخلاقية العامة للفرد ــ بحسب ذلك الوعي ــ إلى مفاهيم نسبية وذاتية.
    وبالتالي فإن خيارات الالتزام حيالها بوصفها ضرورات منهجية في الفضاء العام تصبح بعيدة عن دائرة المسؤولية الفردية ومن ثم يمكن التحلل من الالتزام بها في مقابل إكراهات الوعي النسقي القبلي والطائفي. ولكن بما أن أشكال الحداثة الكونية هي الأكثر طغيانا في الفضاء الإعلامي العام على حياة الناس؛ كالجامعات، والتنظيمات، ووسائل الإعلام وغيرها؛ فإن الوعي النسقي الطائفي والقبلي يعيد موضعة نفسه، لا من خلال طبيعته الخام، وإنما عبر تقمص الهياكل الحديثة؛ كالجامعات، والقنوات الفضائية، والصحف، والأحزاب.
    هكذا يمكننا أن نرى في لبنان أحزابا طائفية، وجامعات طائفية، وقنوات إعلامية طائفية، كما يمكننا أن نرى في السودان أحزابا وتنظيمات ذات عناوين محايدة، وعضويات قبلية حصرية كتنظيم (الأسود الحرة) الذي يحصر منسوبيه فقط في قبيلة الرشايدة العربية مثلا.
    وبالجملة فإن الوعي النسقي القبلي والطائفي هو المعنى المضمر لانتماءات الاحزاب ولممارسات الساسة، ولكل هياكل الدولة في البلاد العربية للأسف.
    هذه الهياكل الحديثة ذات المحتوى الطائفي والقبلي هي بمثابة من يغير اسمه من (حسن زفت) إلى (عباس زفت)، كما قال فهمي هويدي ذات مرة.
    * كاتب وصحافي سوداني
    [email protected]





    http://www.alkhabarnow.net/news/53883/2013/05/25/
    وأيضاً
    في تحرير الانتماء - محمد جميل أحمد
                  

09-20-2013, 10:40 AM

ibrahim fadlalla
<aibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    Quote: اكتب

    بمشيئة العارف
    بكل ما بين يديك
    من قصب و خيوط
    بخبرة الرائي, ما يحرك الجسد
    يفيد الفضاء...

    (الابيات للصديق الشاعر الصادق الرضي)

    ************
    سالحق بك
    تتعب الصورة من نهر ابيك
    يغرق من اعلي
    من السمك الملقي علي الرمل
    من حواف البيوت
    تتعب من مراي مراكب لا تلوح
    من عصافير منهكة في يديك
    ليس يناديك نبع
    تتعب
    لا تؤاخيك عذوبة.

    (الشاعر الصادق الرضي)

    - استعادة التميمة -

    (مقطع مختزل من كائنات البهو الثالث التي ليست للنشر و لكن فقط لعيني حبيبتي في عامنا الالفي الجديد)

    لم تمهد السماء الطريق
    و لا
    مدت الالهة يد ـ طيشها ـ

    لتقول :
    عد
    لكن الصبي متجولا في ارجاء سجن القبائل المحظية بالجاه و السطوة...التقط ـ بعرة شتاء ـ قديم و فتتها بين اصابعه فانهال حنين الترحال و رائحة القوافل القديمة و مسدت جديلته الميتة و دواخله.....و صرخ حادي عدالة ما:

    الروايات ـ عنك ـ لا يسندها
    اي موطأ
    لا تعد اقوالا نهائية
    فلا تصمت....

    الريح ازت :

    اغلق عيناك عن رمل الصي الآدمي
    عد لصي الرمل
    و ترجل عن رجرجة الدم و البكاء.

    التراب همس:

    هناك

    بالشط الغربي سفر مودع بعناية...
    و مآذن تفقه السفر الالهي...
    سفر عن ورطات الغياب...
    عن تماسيح حجرية - سٌخطت قبلا - بيد السلف
    تقص خفاءا
    حكايات المشي علي الماء...نكات تجار اشجار النسب في البلاد البهية ـ قبلا ـ
    فاغلق عينيك عن السباب...

    النار....نمت بصفرتها الشبيهة الرمل:

    هات شعلة القلب...
    تواني الحطب..
    از - جواه - بالفحيح
    تيقظت العماءات...
    صمت - التصعيد الداخلي -
    هدأ الكون.

    الماء :

    القي ما تواتر من اناشيد الدميرة
    اصطاد - صيحة مرتجلة - من تاريخ معاكسات النو
    و الريح الشرقي للمراكب العتيقة التحوس بين الضفاف...

    هنا:
    سقط الصبي...عائدا الي غيبوبة عمقه...
    و اختزن الهزال...

    **********

    السريج ( النسر الصحراوي)..هبط قيد انملة من مرمي الاحلام...فاردا اجنحة تشبه اليتم...اغبرا..
    و انبري يكيد مكرا لذيذا....نوايا ليست بذيئة...كونها لا تخلو من حضرات مبهمة و همهمات بلغات غريبة لسلف تواري في ذاكرة الصبي...صرخت اضغاثه و البرية...هناك...اظنه حف النخل..هٌدهده استكان مثل ارنب منزلي مدلل دون خشية من هلاوس الصيادين العابرين للصحاري الي براري ثلجه الممتدة بحثا عنه و عن (نسله)...
    الطبل..حنينا و مشؤوما في آن...ارتطم بناصية الفؤاد المفولذة عن التعابير...جامدة التعابير...بدأ الطبل يئن..يصرخ..يعوي دقاته المؤلمة المعهودة....

    اللوم...اللوم...يا جنا

    اللوم...اللوم..يا جنا...

    فارقتو درب القوم...

    يا جنا...
    **********

    ليليلت صائدة الاطفال و التي تتبعه منذ الطفولة حيث لا يراها الا هو و تمد لسانها ان: اصبر...
    تارة في صورة (البرون درو- طائر البومة في اللغة النوبية)...و تارة بوجه تلك ال.........ابتدات تهمس - داخل - وساوسه:

    لا تنصت...
    لا تنصت للطبل...
    لا تنصت ...

    و تحولت تصرخ بالطبل في جنون:
    صه
    يا طار الشؤم...
    صه..
    بهوس ترش الملح المعتق علي بوابات المنازل و تحت سريره و خزانة ملابسه...
    تسب انكفاءات النساء...يقظة ارحامهن..همودهن المغشي بالخصب و اللقاح الذري....

    - تجعر - حسرتها نواحا يصيب بالدوار:

    ها
    طفلي الازلي الوحيد...يتنسم ريح رحمه - الاب -
    تبا يا........عاهرات.......... النشوة.....يا .....
    تبا
    اذ تسدون نوافذكم عن اقلامي و فطنتي
    اذ اترصده منذ آلاف السنين...
    خشية ميلاد - الالسنة...و لقاح الطين المقدس
    بماء الانا...

    تسب النسر:

    صه يا رسول الخسارة....يا نبوءة الزوال...
    ترميه - بحدوة حصان اثرية -.....و اذ يطير
    مهفهفة اجنحته باوراد ازلية....ترش اثار اقدامه بالماء المعمد من معابد
    المدينة الاثرية...نقطة ...نقطة.....

    ***********

    الصبي يرتجل كما عادته...صراخ زواله...و الغياب...هو العاشق لهذا الهنا...للثلج المتراكم علي
    النوافذ...للقلوب الندية...الصديقات و الحياري و الاساري...و القسسة البكائين حين الحق....
    يهش بنهد غزالته...تحكي اصابعه عن النهم..و الوهم...عن الوداعات الرابضة فيهما...عن الجسارات
    الجمعتهما و الخسارات...يصطك فيها ولوجا...و ترجمه بانينها...تهمس قبلته:
    انا
    انا
    ما انتويتك محض
    ارتجاج صفيق و نئ...
    و ما بهتك...اذ مارست الربا بحنينك و فقات عين طفولتك الندية...لتصيري انثايا و حكايا المدينة..
    تحكي عشقنا...فتحسدك النساء علي المجون الرابض بيننا..التصاقاتنا البذيئة كيفما اتفق...قبلنا التي توقف دقات ارحامهن فتهفو للخلاس الذي بيننا...تنفضح اشتهاءاتهن و نوايا الخيانة في هدايا اعياد الميلاد مثيرة غضبك الحرون..البهي و المفعم بالنداء...علي..علي العالم..و النساء...الي...الي..الينا...الي تكور ذواتنا في رحم الوصول الابدي....رباه...

    و اذ يقتربان من الخلاص الكذوب...مهد العذاب المرتجي...يهمس في لحمة قلبها..في عرق و جذر
    نشوتها المتسللة في دمها و دمه...

    - ساحبك الي الابد -

    تغفو - وادعة مثل كبش مقدس - بين جنبات كتفيه الغارقين امتلاءا في النوايا.....
    تشتعل لفافة جنونه الاخيرة...يكتب بدخانها الثقيل و الفظ كل قرآن المعارف المختزنة في رحم امراة طفلة...تعوده من جديد رائحة القوافل المحملة...بالمر ...بالميرا..و اللبان المقدس...مهداة برسم الاف الخطوات لكل المدن التي تحن الي الالهة...يرتاح مليا....تقف نظرته الساهمة عند محطة الابد....
    مثلما هي...برقة تشبه الشفير خرافي الحدة...يرف رمشها...تنفتح حدقاتاها عن ازرق زواله ذاك...وهمه السرمدي
    يقر - متهما - في أذنها:

    صبيتي و طفلة مواجدي,
    انا
    رجل
    من
    محض
    الرحيل.......

    أن الطار مجددا

    اللوم...اللوم...اللوم
    اللوم
    اللوم
    اللوم
    القوم
    القوم
    القوم
    صرخ...تبا ألقوم الا هي....ألقوم الا اياها....
    تململت من اثر صراخه..جففت بالازرق دمع قلبه الباسم...صبغته بالحمرة نقابا عن ولائم العشق المجاني...ارتدت المليحة رداءها...كان معتقا باعشاب البراري الثلجية منذ الاف النصر و الهزيمة...تتمايل..تتمايل و تشوي - خاتميهما - علي نار الغياب...تشوي..تشوي...تشوي..
    و تماما عند منتهي اللظي...حملتهما بنفس الاصابع...و رجفتهما...تلك التي فتنته منذ تاريخ بعيد في رقصة جنون ليلية في اطراف المدينة...بفتنة الرجفة التي استعبدت ما تبقي في قلبه من وقار..الرجفة التي اخافت السنوات التفرق بينهما فتلاشت....مسدت برفق حلمات الطفل المسن الذي فيه بماء الورود البرية...وضعت الخاتمين مجتمعين في اشتعالهما..في ننة قلبه بالضبط...شوته بعمق الانثي التي فيها..انطبعت صورة ماجدة لالهة تشبه الشمس بشعرها الاشقر المضئ...الهة ماجدة لشعوب يجل نبلها و تعشق هفواته في التاريخ....انطبعت صورة غزالته عند حافة النساء....الانثي الطفلة...الام..الطفلة...
    نهض متثاقلا و محموما من كي اغترافه ماء الوجود... نشوة الفقد...راها في المرآة تقبله...تحمله
    في ضلعه الزائد....و قرأ وشمه اسفل الصورة...تميمته المفقودة:
    سافر
    و
    عد
    فارق
    و
    قد.....
    لا تترك خلفك سوي اثا ر اقدامك.....و لا تحمل معك سوي الذكري...

    ولج الصبي الي الرحيل...معية وشمها...و هديتها...قنينة عطره الازلية...سار بحذر..متتبعا زوايا العصور...همس الطبول القديمة...صلاد العائدين...و خفقات اجنحة نسر البشارة...
    ما اصابه العياء...
    ارتاح في صحرائه....
    مزدردا نقر الطبل علي الرمل...
    اسرار الماء و الميلاد
    ...................
    ...................
    ...................
    *********************
    ان تبكي جدارا لا يخصك
    قرب خيط النمل
    ان تحصد المراثي و الفتوحات
    ناسلا سدة القلب نجمة
    ان تغلق النافذة
    يكفي لكي تتيقن
    ان تنسي - تُنسي
    يكفي....
    امام الله.

    (الابيات للصديق الشاعر الصادق الرضي و له المعذرة ان نسيت اسم المجموعة الشعرية)

    ********

    * تتعدد المسالك
    بتتعدد السالكين.*

    الشيخ الاكبر محي الدين بن عربي.

    **************
    مهتدي بجة...الخرطوم...في عيد السنوات الجديدة.


    نقلا عن سودانيز أونلاين ...الربع الراهن ...
                  

09-21-2013, 07:11 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: ibrahim fadlalla)

    كم أنت أجملُ في الحنين إليك
    شوقي بزيع



    الآن تقترب القصيدة من نهايتها
    وتشتبه الظّلال على المساءِ
    الآن يبدأ ذلك الألقُ المراوغُ للحقيقةِ
    عدّه العكسيّ،
    للآلام ما يكفي من الشبهات
    والشرفاتُ أضيقُ من حلول الذكرياتِ
    على الشتاءِ
    لا أرض تُرجع هذه الفوضى
    على أعقابها
    لأشمّ كامرأة على قبر
    قميص لهاثكِ الملقى على جزع السرير
    ولا تمائم كي أروِّض بالكلام الصِّرف
    أحصنة الدماءِ
    لا شيء يوقفني على قدَمَيْ رحيلكِ
    أو يحالفني مع الضجر الملبّد بالخسارةِ
    في فناء البيت،
    محضُ يدينِ فارغتين في أبدية ثكلى
    يدايَ،
    وإذ تداهمني عواصفُ نأيكِ الهوجاءُ
    تنشبُ حيرتي أظفارها كالقطة العمياءِ
    في الغبشِ المرائي
    كم أنت أجملُ في الحنينِ إليكِ،
    كم ذكرى النساءِ أشدّ سحراً
    في حساب العاشقينَ
    من النساءِ
    كم أنتِ بالغة الخفاء،
    كأنما تتجاوزين هشاشة الأجسامِ
    كي تتصالحي مع رغبة الفانينَ
    في ترميم ما خسروهُ
    من حلم البقاءِ
    الآن تقترب القصيدةُ من نهايتها
    تضيء يمامتا ذكراكِ
    في غبشِ الظهيرةِ
    كالنجومِ المستعادةِ من صراخ الليلِ
    والنسيانُ يرفع ذلك الاسم الخماسيّ
    المبالغ في تهدّجهِ
    على خشب الشحوبِ
    لا بدّ من هذا الفراق إذن
    فأدرك أنني أعمى بدونكِ،
    أنني النصفُ الضريرُ من التماعكِ
    في الحصى الغافي
    وحصة حاجبيكِ من انحناءِ الشمسِ
    في قوس الغروبِ
    لو كانت الأحلامُ أصدقَ من حنين الحالمينَ
    لو القصائدُ لا تخون مؤلفيها
    حين ينقلب الغناء على المغنّي
    لاختلطتُ على أنينكِ
    في فم القيعانِ
    كالوتر الكذوبِ
    صفراءُ ريحكِ في يباس الفقدِ،
    أصفرُ ذلك الخفر المغطّى بالبثورِ
    على ملامحكِ المطلةِ
    من غبار الأمس،
    أيتها الشبيهة بانبلاج يد ملوِّحة
    على غرق الكتابة،
    والتظاهرة الأخيرةُ للوداعةِ
    في تفتحها على الآلام
    كيف أُجيد تهجئة الروائحِ دون عطركِ؟
    كيف أُفلح في احتساب الوقت؟
    كيف أعيد تهدئة الأسرّةِ والوسائدِ،
    أو أعدّ على الأصابعِ
    ما تناثر من هبوبكِ
    فوق صفصاف الجنوبِ؟
    صدئٌ نحاسُ الوقتِ،
    فحميّ صدى الأجراس،
    مذبوحٌ شعاع الشمس فوق
    أريكة الماضي،
    الشتاءُ بلا يديكِ الطفلتينِ
    يخرّ كالسحب القتيلة
    عند أقدام الجبالِ
    والبيتُ تنخرهُ الملوحةُ،
    حيث لا قدماكِ في أرجائهِ
    تتبادلانِ مهمة الطيرانِ
    فوق رتابة الساعات،
    لا كفّاك تنزلقانِ عن كتف الصباحِ
    كرغوة الصابون،
    لا عيناكِ تقتسمان بُنّهما المحيّر
    مع ملائكة الأعالي
    تترأس الفوضى جمالكِ
    وهو يمعن في تصايحهِ مع الغربان
    فيما لا يُرى مني
    سوى أسمالِ ما خلّفتِ من وجع
    تخثّرهُ الشهور على الظلالِ
    في أي نهر
    تهرقين الآن فاكهة اشتهائكِ،
    أي صيف دائم الجريان
    يبزغ مثل تغريد العنادلِ
    من مسيل خطاكِ في الأيام
    ثم ينام نوم الحوْرِ
    في ريح الشمالِ
    الآن تقترب القصيدة من نهايتها
    إذن ستلفّق الكلماتِ لي ندماً
    يناسب جسمكِ المغدور
    في المرآةِ
    والمنذور في المعنى لأسئلةِ الوجوهِ
    تطأ النعومةُ نفسها
    في ماء فتنتكِ الأليفِ
    وينتشي بلعاب نأيكِ سمّها الليليّ،
    وجهكِ سادرٌ في فجره العاري
    ونهدكِ يستريح الآن في كنف استدارتهِ
    بعيداً عن شهيق يديّ
    ثم يفوح كالقمر الرضيعِ
    على الورودِ
    ستلفّق الكلماتُ أفئدةً ملائمةً
    لعجزي، دون هاتفك المعطّلِ،
    عن مفاتحةِ الصباحِ
    بما يلائم من شرودي
    ومجرّةً مشفوعةً بهديلها
    لمرور شعركِ في حقول القمحِ
    وهو يهبّ مثل كنائس تعبى
    على خبز المناولةِ المقدّسِ
    أو يؤلّب نوم تفاح الجرودِ
    على الجرودِ
    عبثاً أردّ على تنفسكِ المثلّم بالنشيجِ
    غلالة الهذيان
    أو أرفو شغوركِ في المكانِ
    بخيط حكمتيَ الضرير،
    وأستردّ من الحياةِ،
    وقد أضاءتْ في ابتهال آخرٍ،
    أضغاثَ كوكبها الولودِ
    لو كان ثمة ما يقالُ،
    أرقّ مما قاله العشاقُ من قبلي،
    لخلّصتُ العبارة من تلعثمها
    وذبتُ من الحنينِ
    كما يذوبُ النايُ في القصب البعيدِ
    الآن تقترب القصيدة من نهايتها
    ليبتكر الوداعُ مرافئاً مفقوءة الأمواج
    للزمن الذي يأتي
    وأعواما تلوّح كالمناديل القديمةِ
    في محطات تطولُ
    بلا قطارِ
    ما كان هذا الحبّ
    غير تلمسِ المجهولِ في المرئيّ
    والنفق الذي يجتازهُ
    جسدانِ مخمورانِ، منحنييْنِ،
    في البحث العقيم عن الفرارِ
    ما كان هذا الحبّ
    غير تبادلِ الأعمار بين اثنينِ،
    والصوتِ المضاعفِ للجمال الغضّ
    وهو يعيد تضميد الفراغِ
    بما يليقُ من الغبارِ
    كم أنتِ نائيةٌ وفاتنة الغيابِ
    ولا يليكِ من الظهورِ
    سوى الحجاب،
    ومن حلولكِ في الخريفِ
    سوى انحلالي كالدموعِ على سفوحكِ
    واتحادي بالخرافةِ
    كي أزحزح صخرة الرؤيا
    وأُبعث، كالمسيح الحي، من قاع انتظاري




    مناولات سابقة
    شوقي بزيع
                  

09-21-2013, 07:16 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    شكراً إبراهيم على المناولة الفاتنة

    واصل بالله عليك


    ....
                  

09-21-2013, 02:34 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    رأيت رفاقي
    وديع سعادة





    رأيتُ رفاقي متعبين يمشون كأبطأ السواقي

    يستعيرون قصباً نحيلاً ويغنُّون لإلهاء خيباتهم

    يصرخون أحياناً

    لإعادة دمهم الذي يتنزَّه في الشوارع

    ويحفرون ثقوباً

    لنوم المتأخرين من عروقهم.

    رأيت رفاقي يجلسون أياماً على الكراسي ليسلُّوا أرواحهم الضجرة على الطاولات

    يوصلون بصعوبةٍ تنفُّسَهم بسلك الهواء ويرسلون

    شيفرةَ حياةٍ غير مسموعة

    المتجوِّلون مع الفجر قطعةً قطعة

    مغسولين كيفما كان بأيدي السجناء

    الذين ضربوا حارس المحطَّة وسافروا بلا حقيبة

    استلقوا صامتين

    في ارتعاشات منحرفة

    نخزوا شرايينهم وفرشوا السجائر في طريقهم

    من الباب إلى الدرَج ومن الدرج إلى الباب

    غير واجدين ما يبرِّر خطوة إضافية.

    عرفتُهم من عيونهم

    من وقوفها الطويل في الشتاء البطيء

    رأيتُ خصلات شعرهم حمائم

    وجبينهم كزقاق جانبيّ

    هادىء.

    سمعتهم ينادون أصواتهم لتعود من الهواء

    ورأيت ظلالهم تغفو

    على حائط بسيط.

    مخنَّثون

    قدّيسون

    غرقى وسكارى

    جاؤوا من السهول والغابات لنسف القطار

    التقوا حكماء وأحجاراًً ونبتات مضحكة

    تحسَّسوا لحم بعضهم بعضاً

    ارتطموا بأضلاعهم

    وتفكَّكوا.



    مناولة سابقة:
    http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=25884andpage=5
                  

09-21-2013, 02:42 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    نعيٌ مبّكر .. لموتٍ مؤجّلْ
    الطيب برير يوسف




    دعْ عنكَ
    إشكالَ التّواردِ في الخواطرِ
    فكرةَ التّسديسِ
    في جمعِ الحواسْ
    ما غنَّى طيرٌ للحبيبةِ
    وقتما صنعوا لها جسداً
    إلهاً
    من نُثارِ الشّعرِ
    قالتْ : لا مساسْ
    تعبّئنا إذن
    كبسولةً للوقتِ
    تُفتحُ حالما نلجُ الصّراطَ
    مظارفاً من قبضةِ الوعدِ
    القِصَاصْ
    تعبّدنا بذكرِ الغيب شعراً
    ثُمّ قمنا في وثاقِ النّارِ
    برداً
    نفتحُ الباب القديمَ
    و لا مناصْ
    لا مناص الآن من شعرٍ
    يبعّدُ
    أو يُعبّدُ شارعَ الأعصابِ
    يخرجُ من قميصِ الذّاتِ
    يدخلُ في عميقِ الإختصاصْ
    الشّعرُ مسئولٌ إذن
    عن ورطةِ التّحديقِ في الأشياءِ
    نسجاً للعمومِ
    وقدرةَ الإشراقِ
    في معنى الخواصْ
    * * *
    إطرحْ علىّ سؤالكَ
    المنفوثَ من تبغ الفضولِ
    تجاوزاً
    أو هكذا ..
    لا تسألوني عن هوى الشّعراءِ
    قد قالوا :
    (خَلاصْ)
    لا تسألوا لغةً
    تُجادلُ حرفَها
    فيُجيبُها ظنّاً تردّدُ
    حسبما جاءت بهِ
    في حزنِ أقلامِ الرّصاصْ
    أوَ لا مناصْ
    بالشعرِ قُلْ
    فالشّعرُ .. هندسةُ الفُجاءةِ
    من صراعِ الذّاتِ في الفوضي
    ومغنطةِ الحواسْ
    بالشّعر..؟
    أىْ
    للشّعرِ أن يغدو مشاعاً
    مثل ضوءِ الشّمس
    والخبزِ
    المساكنِ
    والقِصاصْ
    بالشّعرِ..؟
    لو
    لكنّما حرفي ترمّزَ
    ساعة الإفصاحِ
    جاءَ كما يُقالُ ..
    (القولُ خاصْ)
    للعلمِ ..
    هذا القولُ .. خاصْ
    خاصٌ بطعمِ تفرّدِ الوخزاتِ
    في عصبِ التّنبُّهِ
    وانفعالات الذّواتْ
    أهذا على دَرَجِ انسلاخِ الذّاتِ
    في كينونةِ التأطيرِ إذعاناً؟
    و لاتْ
    * * *
    قُلتمْ ..
    و قلْنا
    ما اكتفينا من مُشاجَنةِ الحروفِ
    بذاتِ صبِّ الزيتِ
    في عصبِ الغناءِ
    فكلّما لمعَ التّفرّدُ
    راودتني جذبةُ الإشراقِ شوقاً
    و اقشعرّتْ في دمي
    كلُّ الكراتْ
    فإذا أنا..
    نفسُ المعادلةِ القديمةِ
    لانتصابِ الطّين
    في الجسدِ المياهِ
    ورغبةُ الإبصارِ في كلّ الجهاتْ
    زورةُ الأحلامِ صحواً
    و انطلاقُ مدارجِ الإيقاظِ
    ضدّاً للتّكلُّسِ و الثّباتْ
    أحتاطُ للرؤيا بصحوٍ نابهٍ
    أعني ..
    أعبّدُ برزخاً بينَ التّشتتِ
    و ارتباطِ أواصرِ التّعميقِ
    في شكلِ الصّلاتْ
    أو مثلما قد كان قبلاً
    من حكايات التّطلُّعِ
    و اشتباهِ نواظرِ الإيغالِ
    في كلّ انفلاتْ
    قدري تحقّقَ في دمي أزلاً
    أُطوّعُ إنْ تعصّى
    أو تأبّى
    أو دنا للقطفِ عُمُري
    أعلم الآنَ يقيناً
    أنّ صدق الوَعدِ في هذي الحياةِ
    يكونُ في طيِّ المماتْ
    أجتازُ ..
    ما وسعتْ خطايَ
    لربّما تتسرّبِ الأشياءُ
    من ثقبٍ بقلبي
    قدْ يضئُ لبرهةٍ
    أفكلما خفقتْ بقلبيَ نبضةٌ
    فرحاً يصيحُ الموتُ:
    هاتْ




    مناولة سابقة:
    http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=21690
                  

09-22-2013, 04:00 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    غائلة دار الفور . . و السودان بضرورة الحال

    الى عالم عباس





    فأن لم تكن تسطيع دفع منيتى فدعنى أبادرها بما ملكت يدى
    طرفة ابن العبد

    ان بالشعب الذى دون سلع لقتيلا دمه ما يطل
    شاعر جاهلى


    يبدأ ليل الموت حيث تلتقى المرايا
    بالظل فى حديقة النهار
    يبدأ من حقيقتى
    يبدأ من حيث ينتهى الحوار
    يبدأ من تساؤل يحار

    النور عثمان أبكر


    ****
    تبسط الأرض كفها مرفوعة الى السما
    متى يحل عصر المعجزة؟؟
    الم يحن بعد زمان عودته؟؟

    أم المسيح فى متاهة الرمال/فى قوافل ألأغاثة التى تنوشها الرياح..يجىء..فى قوائم المشبوه والذين أينعت رؤوسهم..قبائل المراقبون
    ..خفر السواحل..درق المداخل..عسس المنافذ..ام أنه سيهبط أضطرارا بعيد شط الأطلسى فى نداوة الصباح؟؟
    ينكره رجال الأمن و المخابرات..يسلمه المعمدان للرماح..و الحواريون قبل ان يبدأ ديك الفجر فى الصياح!
    هل يحلم الصغار في خرائب السيال و الخروب و الهشاب.. بمقدمه؟؟
    مزدهيا فى حافلات عصبة الأمم ؟حاملا حلوى من الفردوس و مسبحة من الأبنوس
    يتلو شيئا من عبقريات (عنان) وحكمة (أتشيبى) وبعض من خطل (أنانسى) الزعيم الأله-
    أم يكتمون صرخة حبيسة لمراى(أغاممنون) وهو عاكف على الرقاب؟؟
    بل يشهدون
    تفتق القروح فى جدارية ال(جورنيكا)
    أسلامية السمات من ألفها ليائها
    وكل لمسة على فسيفسائها
    أزوم يا أزوم
    يا عزاء رحمة تنزلت سموم
    أمتزجت وقهوتى و قسوة الأنباء فى صحيفة الصباح
    و صورة للصبر جالس فى عرش شوكه و الصولجان
    يقول ..هذه الرمال عسجدى
    هذه الجباه بعض أرضى
    و هذه القيود فى يدى و ساعدى
    أرقب فى حسرة بعضى يأكل بعضى
    أنبئنى…
    هل تطاول الحفاة و العراة فى البنيان؟؟؟
    *********
    يخلد الناصرى للصلاة
    قبل أن تدركه كلاب الفلاة
    وموقع السجدة/ فرقة بين هاطل الحديد وساقط المنجنيق وماطر البلاتونيوم، جرعة من السراب و الصافنات عاديات موريات
    حاملا حلوى من الفردوس ..مسبحة من الأبنوس
    هل تفيض الحقيقة من مستور الينابيع/
    وأحلام العصافير لهذى البغال التى ترود الخرطوم كل جمعة بحكمة التصوف المزيف البديع
    فى موقع السجود فى مفرق المياه بين النيل و نهر الكونغو-و رحلة يائسة للعطبرة سادرا مناقب الجفاف و الربيع والفرات دجلة يسيل فى لزوجة الرمال
    فى ازوم…حسبت أنه أتى؟؟أم أنه المدد ياتى من بنوك البركة؟؟؟؟
    ********
    أم أنه العقاب
    أتى به الموجه المرشد المنشد البليغ الصفيق الحبر العلم الغوى الصفوى المفوه المعضد المنضد (ابن ابيه)
    القائل للزمان أنا أنت و للمكان أنا أفسح منك و أبقى/ البحر الفذ العباب
    الذى
    مساهم وبسطهم حرير و صبحهم و بسطهم تراب!!!!!!!!
    *********
    نشأ الفقر قويا بين أهله
    و لم يكن (عليا) حاضر لقتله
    ********

    و فى الفنادق الظليلة فتك التفاوض الكسول بالقبيلة
    يختلط الأمر على الغراب
    من القاتل؟؟من المقتول؟؟ من هو الضحية
    فوارى الغراب فعلته بحفنة من التراب
    و طمرت دارفور فى بقية البقية


    تاج السر الملك
    2004



    http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=28393
                  

09-26-2013, 04:15 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    لا تصالح
    أمل دنقل




    (1 )

    لا تصالحْ!

    ..ولو منحوك الذهب

    أترى حين أفقأ عينيك

    ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

    هل ترى..؟

    هي أشياء لا تشترى..:

    ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

    حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،

    هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

    الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..

    وكأنكما

    ما تزالان طفلين!

    تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

    أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

    صوتانِ صوتَكَ

    أنك إن متَّ:

    للبيت ربٌّ

    وللطفل أبْ

    هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟

    أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

    تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

    إنها الحربُ!

    قد تثقل القلبَ..

    لكن خلفك عار العرب

    لا تصالحْ..

    ولا تتوخَّ الهرب!

    (2)

    لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

    لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

    أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

    أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

    أعيناه عينا أخيك؟!

    وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

    بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

    سيقولون:

    جئناك كي تحقن الدم..

    جئناك. كن -يا أمير- الحكم

    سيقولون:

    ها نحن أبناء عم.

    قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

    واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

    إلى أن يجيب العدم

    إنني كنت لك

    فارسًا،

    وأخًا،

    وأبًا،

    ومَلِك!

    (3)

    لا تصالح ..

    ولو حرمتك الرقاد

    صرخاتُ الندامة

    وتذكَّر..

    (إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)

    أن بنتَ أخيك "اليمامة"

    زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-

    بثياب الحداد

    كنتُ، إن عدتُ:

    تعدو على دَرَجِ القصر،

    تمسك ساقيَّ عند نزولي..

    فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-

    فوق ظهر الجواد

    ها هي الآن.. صامتةٌ

    حرمتها يدُ الغدر:

    من كلمات أبيها،

    ارتداءِ الثياب الجديدةِ

    من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!

    من أبٍ يتبسَّم في عرسها..

    وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..

    وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،

    لينالوا الهدايا..

    ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)

    ويشدُّوا العمامة..

    لا تصالح!

    فما ذنب تلك اليمامة

    لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،

    وهي تجلس فوق الرماد؟!

    (4)

    لا تصالح

    ولو توَّجوك بتاج الإمارة

    كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟

    وكيف تصير المليكَ..

    على أوجهِ البهجة المستعارة؟

    كيف تنظر في يد من صافحوك..

    فلا تبصر الدم..

    في كل كف؟

    إن سهمًا أتاني من الخلف..

    سوف يجيئك من ألف خلف

    فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة

    لا تصالح،

    ولو توَّجوك بتاج الإمارة

    إن عرشَك: سيفٌ

    وسيفك: زيفٌ

    إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف

    واستطبت- الترف

    (5)

    لا تصالح

    ولو قال من مال عند الصدامْ

    ".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."

    عندما يملأ الحق قلبك:

    تندلع النار إن تتنفَّسْ

    ولسانُ الخيانة يخرس

    لا تصالح

    ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

    كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

    كيف تنظر في عيني امرأة..

    أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

    كيف تصبح فارسها في الغرام؟

    كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

    -كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

    وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟

    لا تصالح

    ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

    وارْوِ قلبك بالدم..

    واروِ التراب المقدَّس..

    واروِ أسلافَكَ الراقدين..

    إلى أن تردَّ عليك العظام!

    (6)

    لا تصالح

    ولو ناشدتك القبيلة

    باسم حزن "الجليلة"

    أن تسوق الدهاءَ

    وتُبدي -لمن قصدوك- القبول

    سيقولون:

    ها أنت تطلب ثأرًا يطول

    فخذ -الآن- ما تستطيع:

    قليلاً من الحق..

    في هذه السنوات القليلة

    إنه ليس ثأرك وحدك،

    لكنه ثأر جيلٍ فجيل

    وغدًا..

    سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

    يوقد النار شاملةً،

    يطلب الثأرَ،

    يستولد الحقَّ،

    من أَضْلُع المستحيل

    لا تصالح

    ولو قيل إن التصالح حيلة

    إنه الثأرُ

    تبهتُ شعلته في الضلوع..

    إذا ما توالت عليها الفصول..

    ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)

    فوق الجباهِ الذليلة!

    (7)

    لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم

    ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..

    كنت أغفر لو أنني متُّ..

    ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.

    لم أكن غازيًا،

    لم أكن أتسلل قرب مضاربهم

    لم أمد يدًا لثمار الكروم

    لم أمد يدًا لثمار الكروم

    أرض بستانِهم لم أطأ

    لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!

    كان يمشي معي..

    ثم صافحني..

    ثم سار قليلاً

    ولكنه في الغصون اختبأ!

    فجأةً:

    ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..

    واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!

    وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ

    فرأيتُ: ابن عمي الزنيم

    واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم

    لم يكن في يدي حربةٌ

    أو سلاح قديم،

    لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

    (8)

    لا تصالحُ..

    إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

    النجوم.. لميقاتها

    والطيور.. لأصواتها

    والرمال.. لذراتها

    والقتيل لطفلته الناظرة

    كل شيء تحطم في لحظة عابرة:

    الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

    وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة

    كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة

    والذي اغتالني: ليس ربًا..

    ليقتلني بمشيئته

    ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته

    ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

    لا تصالحْ

    فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..

    (في شرف القلب)

    لا تُنتقَصْ

    والذي اغتالني مَحضُ لصْ

    سرق الأرض من بين عينيَّ

    والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

    (9)

    لا تصالح

    ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ

    والرجال التي ملأتها الشروخ

    هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

    وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

    لا تصالح

    فليس سوى أن تريد

    أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

    وسواك.. المسوخ!

    (10)

    لا تصالحْ

    لا تصالحْ


                  

09-26-2013, 04:32 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    وطنٌ يُبَاعُ ويُشْتَرَى وهَلُمَّ جَرَّاً
    عالم عباس محمد نور




    كانت تنامُ على وسائدِ شَوْكِهَا

    والقهْرُ يوخِزُها

    فتوقِظُها الهواجسُ

    والكوابيسُ التي تطفُو كمثلِ الطفحِ في وجهٍ جميلْ

    و مضَتْ تُكَتِّمُ في مَشِيمَةِ حُزْنِها الدَّامِي

    جنيِنَاً أرّقَتْهُ الفاجعاتُ وأجْهضَتْهُ

    وفي تصبُّرِهَا العنيدِ أتَتْ بهِ تَحْمِله

    وانتبذَتْ به ركْنَاً قصيّا

    مرّةً أخرَى، وثالثةً

    وكان الخوفُ أنْ يصلوا

    ولمّا ينقضي الليلُ الطويلْ

    كدأْبِهَا انتظرَتْ فأثمرَتِ الْمَخاوفُ عن رجال (الأمن)

    دسّوا في المشيمةِ

    (ميكرفونا) هامِسَاً

    وبَقَوْا هنالك راصدين وحاقدين يسجِّلون

    حياتَهُ

    حركاتِه

    سكناتِهِ

    والحزنَ والنبضَ الضَّئِيلْ

    في حبْله السُرِيِّ أجْهِزةُ التنَصُّتِ

    كالشرايين التي انتَشَرتْ

    فَأضْحَتْ كالنَّواشِرِ فوق

    ظهر المِعْصَمِ المَعْروقِ

    في الجسد الهزيلْ

    حتّى إذا مدَّتْ ذِراعاً أبيض للنيلِ

    كان النيلُ في الرمقِ الأخيرِ

    يُصَارعُ المَجْرَى

    الذي

    قد صار قَبْراً بالذي يجري

    وليس الماءُ ما يجرِي

    لهذا صار هذا النيلُ

    قبراً أزْرق يتوسَّطُ المجرى فينتحبُ النّخيلْ

    وتسلّلوا كالنّمْلِ فوق الرَّمْلِ

    صار النيلُ يبصقُ ضفَّتَيْهِ تِقَيُّأً

    في المقرن المجدور

    والخرطومُ ترفلُ في تهتُّكِها الرخيصِ دعارة

    وبَدَتْ لها سوْآتُها الكُبْرَى

    وليس ثمّةَ

    مِنْ حياءٍ ما يوارِي سَوْأَةَ الوطنِ القتيلْ

    وتجسَّمتْ في الليل أشْبَاحٌ بدتْ فيهم ملامِحُنَا

    فهم أشْباهُنَا

    وحصادُ ما اكتسَبَتْ أيادينا

    وهُمْ أوْزارُنا

    فاحتْ نتانَتُهَا

    فأغْرَتْ مِن ضواري الليل والآفات


    من كل

    النفايات التي يأتي بها ليلاً غُثَاءُ السَّيْلْ

    ألا

    مِنْ أيّ أْركانِ الظَّلام أَتَوْا

    وكانوا أوّل الفجرِ الّذي لم نَنْسَ مقدِمَهُمْ

    بدَوْا

    مُتَجَمِّلين

    على الوجوه براءةٌ

    حتى ظنّنّاهم ملائكةً

    وقدّيسين أطْهاراً

    وما كَلّوا عن التسْبيحِ والترتيلْ

    وأنْشدْنَا جميعاً خلفَهُم قُدّاسَ عيدِ المجدِ والبُشْرى

    تُرَى ما بالُنا حَلّتْ عليهم

    أو علينا لعنةٌ

    صاروا وحوشاً واسْتبَاحوا لحْمَها

    شربوُا دِماها قَبْلَ قُرْصِ الشمسِ تنْزِعُ

    للأفولْ!

    من أين جاءت هذه الديدانُ ناهشةً

    لناخرِ عظْمِها أو ما تَبَقّى مِنْه

    ما اكْتَنزَتْهُ يوم

    اليُسر للعُسْر الذي يمتدُّ جيلاً بعد جيلْ

    إرْثَاً من الأخلاقِ

    والنُّبْلِ المُضَاعَفِ نسْجُهُ

    وحلاوةِ الإيثارِ

    نَجْدةَِ مُسْتَغيثِ الليل

    والمُسْتصْرِخِ الملهوفِ

    سِتْرِ نسائنا

    وحمايةِ الجار البعيدْ

    تبّاً لهُمْ

    تبّاً لنا

    من أيّ لعناتِ السماءِ ######ْطِها حَلّتْ بنا ؟

    صار الفخارَ العارُ

    صار العارُ غاراً

    ثم أُبْدِلَتِ المَكارِمُ خِّسةً

    أضحى التّنافسُ جُرْأةً

    في هتكِ عِرْضِ الجارِ أقْربُ ما يكونُ

    وأكْلُ مالَ السُحْتِ

    مِن أفواهِ أطفالٍ تَهَاوَوْا في

    المجاعات التي تمّتْ مُتاجَرَةٌ بها


    مُتَسَوِّلٌ يَفْتَنُّ في إبرازِ عاهَتِهِ ليَسْتَجْدِي الفضولْ

    أَ ذَا هُوَ الوطَنُ ؟


    أم ذا هو الكَفَنُ ؟؟

    جعلوك قبراً للنفايات التي يوماً

    ستقْبُرُنا

    وتُهْلِكُ نَسْلَنا وتنالُ مِنَّا

    يا أيُّهَا الوطنُ الذي اغتالوكَ سِرّاً

    يا أيها الوطنُ المُبَاعُ المُشْتَرَى وهَلُمَّ جَرَّأً

    من أيّ أصقاعِ الجحيم تلوحُ صاعقةُ العذابِ الهُونِ عاصفةً حُسُوما ؟

    ليس فينا قومُ عادٍ

    لا

    وما كُنّا ثموداً

    نحنُ لم نعْقِر النّاقةَ يا قومُ

    ولا الوادي إرَمْ


    لكنّما هيهاتَ أنْ يجدِي الندمْ!

    أ ذا هو الوطنُ الذي في ساعةٍ

    (كرري) يُقدِّمُ مَهْرَهُ الدّمويّ في رأْدِ الضُّحى

    عشرةَ آلافٍ من الفرسان

    يَنْشَقّون في ساحاتِ عُرْسِ المجد


    نِيلاً أحمر في موْجِه

    يَتَأَصّلُ الوطن الأصيلْ

    أ ذا هو الوطنُ؟


    أودتْ بهِ الإِحَنُ!

    وهُوَ الذي كان (الخليفةُ) في المُصَلّى رابِضَا كالّليثِ

    مُؤْتَزِراً وِشاحَ الصّبْرِ

    والإيمانِ يَفْنَى صامِدَاً في الذَّوْدِ عنهُ

    يمينُهُ ألقُ الفداءِ

    وفي شمائِلِهِ الجَّسارةُ والشهادةْ!

    إنْ كان ذا الوطنُ

    فما هو الثمنُ ؟

    أَ هُوَ الذي (دينارُ) وَطّنَ نفْسَهُ في الجانبِ الغربيِّ مِنْهُ

    ليستعيدَ بمؤمنينَ تَدَرّعُوا

    عزْماً وصبراً في البلاءِ

    وأقْسَمُوا يردُوا المنونَ حياضَها

    أو يدْرِكونَ الثّأْرَ لليومِ

    الجليلْ

    أم ذلك الوطنُ الذي (عثمانُ) في شَرْقِيِّهِ أسداً يُزَمْجِرُ فاتِكَاً فيَدُكّ صرحَ البَغْيِ

    حِصْناً بعد حصنٍ، خلْفُهُ

    " الله أكْبَرُ "

    صرخةٌ تَعْلُو فيرْتدُّ الصّدَى حِمَمَاً تُدَمّرُ سطوةَ

    البَاغي الدخيلْ

    كأنْ لمْ يأْتِ للوطنِ المُبَاعِ سبيّةً

    زمنٌ مِنَ التاريخِ كانتْ رايةٌ زرقاءُ خافقةً على

    (سنّار)

    خيلُ العِزِّ تركضُ في مرابعها

    ومنْ فرسانها (بادي) بكلِّ شموخِهِ

    و(شلوخِهِ)

    وجسارةُ (الزاكي)

    ونصرُ (عمارة الفونجِ) العريقِ

    ومَكْرُماتِ الموتِ


    في شرَفِ القَبيلْ

    عجباً

    ولكِنْ كيف هانَ وكيف هُنّا!

    والأمسُ ذاك

    فكيف كُنّا؟

    إذاً هو الكفنُ؟

    أم ذا هو الوطنُ ؟

    في جوفه تتلاقحُ المِحَنُ!

    وما هو الثمنُ؟

    من قبلُ يا وطنَ الشّموخِ المُشْرَئِبِّ سماحةً

    تنداحُ من كفّيك معجزةٌ

    فتعتشبُ

    الروابي معجزاتْ

    هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ

    معجزةً تطهّرُنا بها

    وبها تُخَلِّصُ أرضَنا

    من رجْسِها

    حتى تصالحَنا السماءُ

    وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟

    علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ

    فنّ النّهوضِ من الجراحْ

    تقشّعتْ ظلماتُ هذا اللّيلِ

    اخْرِجْ كفَّكَ البيضاءَ يا وطني

    وأسْكِرنَا بمعجزةٍ تعيدُ لنا

    الحياةَ ويستفيقُ الروحُ في الجسد العليلْ

    كانت تئنُ على وسائدِ شوكها والقهرُ يوخزُها

    ويُقْعِدُها التوجُّسُ

    هلْ ستُوْقِظُها طبولُ العِزّ بعدَ سُبَاتِها زمَناً

    وما نامَتْ

    وهاهِيَ ذِي تُجَددُ معجزاتٍ

    طالَمَا عُرِفَتْ بِهَا دوماً

    لِتَنْهَضَ من جديدْ


    مارس/ ابريل 1985
                  

10-03-2013, 10:24 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    بورتريه
    الرشيد إسماعيل محمود



    "الآن تدركون آثار دمي وتطلقون على جثماني نشيد المذلـة"
    قاسم حدّاد



    ولكن كيف حدث ذلك؟!
    الآن فقط يعود قاتلوك لأبنائهم مطمئنين بعد أن تخلصوا من فائض حيواتهم، من عبئك وعبء أمثالك، فهم وحدهم الذين يعرفون المخربّين، ويملكون صك حماية الأوطان من مخربيها، وحدهم من يعرف مصلحة الوطن.
    وقاتلوك ذوي الوجوه التابوتية، الآن فقط آبوا لأبنائهم الذين لا يشبهونك، وزوجاتهم اللاتي لا يشبهن أمك، فاتلة حبال الحزن والكمَد، أمك التي سوف يفاجؤها حنينٌ أموميٌّ من نوع خاص لا تعرفه سوي الأمهات اللاتي فاجأهنّ الحنين، تفتل في حبال حزنها وهي تعرف أنه لم يبق منك شيئاً غير الذكريات.
    عادوا لأبنائهم بعدما أنجزوا مهمّة حماية الوطن كما ينبغي، وضعوهم علي الأسرّة الدافئة، سحبوا عليهم الغطاء، طبعوا علي جبينهم قبلة وتمنوا لهم أحلاماً سعيدة وأنت مسجّي في حفرة موحشة بلا أحلام ولا غطاء ولا وطن!!، تمنوا لأبنائهم أحلاماً سعيدة ولم يتمنوا لك إلّا الموت، كأنّ أحلامهم لا سبيل لتحققها إلّا عبر موتك الطاعن في القسوة.
    تنفجر ضحكاتهم المجلجلة في مائدة الوطن المنهوب، تعبرعرباتهم علي الاسفلت القريب من أخدودك القبر، وتعبر أنت الحياة عبر هذا النفق الضيق، أليس غريباً أن تتجاور ممرّات الموت والحياة بهذا الشكل الممعن في القسوة حدّ البكاء!
    كيف لهذا الجسد النحيل الغض أن يكون فريسة لبندقية!!، جسمك النحيل الذي استوطنه الفقر والعناء وتلقي لسنواتٍ ضربات الجوع والمرض والمآسي واحتمل لسعات البعوض وهذيان الملاريا والتايفويد وقلة الحيلة، هاهو أخيراً يسقط برصاصة!!، يا لهذا الجسد الإنساني المحيِّر!! يقاوم مآسيَ بعمر السنوات ولا يستطيع مقاومة رصاصة بعمر الثواني، ذلك أنّ الأهوال جميعها يمكن التفاوض معها، ولكن الرصاص النحاسي عنيد جدّاً، عنيف في خروجه وحين اصطدامه، يخرج فلا يعود أبداً.
    جسدك وهو متهالك في الأخدود، يسدِّدون نحوه بنادقهم الآلية، فيزهر في شكل شجرة، يطلقون عليه الرصاص فينتفض، يتشكل في هيئة عصفور، تنتفض روحك البريئة، تخرج منك بعد عناء لا يعرفه أحدٌ إلاك، تتسرّب منك قطرات الروح، تتشكّل، تأخذ شكل حمامة، ينبت ريشها، يصفق الجناحان، ينفردان، تحلق الروحُ الحمامة، تطير الحمامةُ الروح، تقطع الاسفلت، تصل النيل والشجر والبيوت، الطرقات المليئة بالأسي، الاسواق وسرادق العزاءات، تحلق الروح الهديل، النازفة كجرح طريٍّ فتنتعش الأحلام. تموت هكذا في قارعة الوطن، في وضح النهار، دمك يشخب لتخضرّ الأشجار، عملتَ جاهداً لتتفادي موتك، وعملوا جاهدين لتفادي حياتك!، أحكموا عليك باب الموت، فأحكمتَ عليهم بموتك باب الخديعة!!

    تموت هكذا!!
    رافعاً رأسك لأعلي فلا نعود نعرف حدود حياتك من موتك، رافعاً رأسك لأعلي كأنك كنتَ تستمهل السماء كي تبقيك أطول وقت ممكنٍ بالحياة لفرط ضلوعك وتورطك في الحياة.
    تختار الموت بعيداً عن الانظار، طاردوك كفريسة، عدوتَ طويلاً بين الأزقة والطرقات حتي كلّت ساقاك الضعيفتان، وهنتْ ساقاك عن العدو ولم توهن فيك رغبة الحياة، اختبأتَ أخيراً بحفرة ضيقة، اختبأتَ عن أنظار العالم ولكنك لم تستطع الإختباء عن مرمي البندقية. أليس عجيباً أنّ ثمّة أشخاص بالعالم يساهمون علي الدوام في مغادرتنا للحياة باكراً بشكل مباغت!!
    تموت في حفرة قصية كأنك تصدُّ جراحك عن غبار الطريق، كأنك تداري جراحك عن أعين المارة، فلا أحد يتمني أن يصبح موته مشاعاً لهذه الدرجة، تتمرّغ في التراب قبل موتك كـ من يأخذ بركة من ضريح!!
    هذا الموت الفارع أطول قامة مما عداه من موت، فـ بالله كيف يمكن مداراة رغبة الدمع في التفجر في حضرة مشهد شخص حيٍّ يحتفل بموته هكذا!، بالله، كيف يمكن رؤية مشهد كهذا دون الاقتناع بأنّ رغبة الحياة سببٌ جدير بالموت!. لكلِّ إنسان موته، ولكن موتك يختزل موت الناس أجمعين، متعبٌ هو هذا الموت، ومرهق حدّ البكاء، وجبين الوطن لشدّ ما تفصّد دماً حتي كاد ينسي عادة الحياة، تموت هكذا، موتاً معلناً، الترابُ يسند ظهرك ورأسك مرفوع لئلا تخدع الراحة آخر الشهداء القادمين.
    نحيلاً كضوء الفوانيس المراهقة، ضئيلاً كمساءٍ وقور، متبرعاً بدمك مضيتَ لافتتاح الأناشيد الصاخبة ديباجة للحرية والسلام والانسانية، مضيت كأنك ترفض اقتران مجدك بوطن غائب، متَّ متخذاً هيئة غريبة علي الموت، هيئة تجريدية لا يعرف أحدٌ كيف تفتق موتك عنها، فبدوتَ كشخص يتدرّب علي النوم قبل حلول مواسم الأرق، كأنك وُجدت هكذا منذ الأزل، اختبرت قدرتك علي الموت لتحيا، في معركة غير متكافئة قوامها أناسٌ يتشاركون الحياة وتتقاطع بينهم طرق كثيرة.
    ولكن هاهي الشموسُ الجديدة تفضح زيف صلواتهم، تفضح أسمالَ واهية لا تستر ذقونهم وهم يرقصون علي حرائق الانسان ومواجعه وهوانه، أنت لم تكن مخرِّباً ولا مندساً ولا طارئاً علي الحياة، المندسُّون هم الذين حرفوا حياتك عن مجراها الطبيعي وقوّسوا أحلامك عن سوية الصلات البشرية والحرية التي تنبع من الداخل وتعطي للوجود معناه.
    المخرِّبون هم صانعو الكوابيس الوطنية الذين تحولوا لممثلين أدعياء وشخصيات كاريكاتيرية، تنظر للعالم من أعلي وتعيش عالة علي المجتمع الحقيقي. سوف تطاردهم لعنة الأبرياء العزّل، الأطفال والأمهات وجموع المعزِّين، ستطاردهم اللعنة حتي ولو خبأوا أنفسهم تحت فساتين الراقصات.


    خط إضافي:
    لكَ هذا القيامْ
    لكَ هذا الجلوسْ
    لكَ هذا السلامْ
    لكَ هذا الوطن



    http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=28573
                  

10-24-2013, 10:47 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    رسالة إلى شاعر
    أدونيس
    الخميس and#1634;and#1636; أكتوبر and#1634;and#1632;and#1633;and#1635;


    - 1 -
    من أين، أيها الشاعر،
    تجيئك هذه الشجاعة:
    تتحدّث عن المستقبل
    كما لو أنّك تحفظُه
    عن ظهرِ قلْب؟
    - 2 -
    أنظرْ إلى التاريخ، هنالك، في آخر الشارع، اذهبْ واسألْهُ:
    لماذا قرّرتَ أن تُعيدَ النّظر في هذا العالم، وفي نفسكَ، قبل أيِّ شيءٍ؟
    - 3 -
    وصَفْت، مرّةً، اللغة العربية بأنّها لغةٌ نائمة،
    وقلتَ: لن تنهضَ من نومها،
    إلاّ إذا نهضَتِ اللحظةُ الحاضرة،
    ونهض معها المكان.
    هل وصفُك ما يزال قائماً، وصالحاً؟
    - 4 -
    أنتَ مسافرٌ دائمٌ في اللغةِ حتّى عندما تكون نائمة. أعجبني ما دوّنتَه في يوميّاتك حول سفرك الأخير:
    «السّفرُ يصِلُ أطرافَ الجسدِ بأطرافِ الأفق».
    - 5 -
    اسمحْ لي أن أستشيركَ في هذه المسألة:
    في أثناء حديث عن الحبّ مع محلّل نفسيّ صديق، طلبَ إليّ بإلحاحٍ، أن يحلّل علاقتي بالغطاء في سرير النّوم، وبالوسادة، على نحوٍ خاصّ.
    غير أنني تردّدتُ. ولا أزال متَردِّداً.
    ما رأيُك؟ هل أغّير رأيي؟
    - 6 -
    أعيد كثيراً قراءة الجملةِ التي قلتَها جواباً عن سؤالٍ حولَ هويّتك:
    « تشبهني تلك الموجة التي لا تُشبه أيّةَ موجة».
    - 7 -
    أسألُكَ:
    « لماذا يبدو الوقتُ كأنّه قصيدةٌ غامضة، مع أنّه يقطرُ دماً،
    ولماذا تحبّ هذا الغموض؟»
    - 8 -
    أعيد الآن قراءة أبي نواس. عندما قرأتُ قولَه:
    هذا زمانُ القرودِ فاخْشَعْ
    وكُن لها سامعاً مُطيعا،
    تذكّرتُ انشغالك بالزمن، وبخاصّةٍ المستقبل. وتساءلتُ ما يكون رأيُك في فنّ السَّيْرِ المُعاصِر؟
    ذلك أنّ له معنى مُزدوِجاً: السيرَ في المكان والزمان معاً. ولا تصنعُه الأرجلُ وحدها، وإنّما تصنعه كذلك الرؤوس.
    أهنالك، حقّاً، مكانٌ لا يستطيع السائر أن يتقدّمَ فيه؟
    أهنالك حقّاً، زمانٌ يرفض أن يسيرَ إلاّ القهقرى؟
    - 9 -
    قرأتُ لك في بعض كتبك هذه الأقوال:
    1 - « طلبَتِ الصاعقةُ من مِترسَةِ الصاعقة موعداً لكي تتحاور معها».
    2 - «طائرٌ لا يحبّ أن يخرجَ من القفص إلاّ ميتاً».
    3 - «للضوء أجنحةٌ ليست لها أيّة خبرةٍ في أيّ طيرانٍ ليليّ».
    4 - «تقطّعَتْ حبال الضوء عندما عبَر القمر، الليلة الماضية، فوق البيت الذي وُلدتُ فيه».
    عندي حول هذه الأقوال بعض الأسئلة التي أتردّد في طرحِها خوفاً من أن تتّهمني بعدم الفهم، أو بالجهل. علماً أنّ الغايةَ منها هي تذوُّقُ هذه الأقوال بشكلٍ أفضل وأغنى. غير أنّني سأرجئ طرحَها إلى وقتٍ آخر.
    - 10 -
    عندما أقرأ كتاباً لك، لا أشعر بالوحدة التي أحسّ بها، أحياناً، في قراءة كتبٍ أخرى لكتّابٍ آخرين. مع ذلك أشعر شخصيّاً، أنّ أكثر اللحظات جمالاً ورهبةً هي تلك اللحظة التي يُحسُّ فيها الإنسان أنّه وحيدٌ، وأنّه يعيش كمن يتدلّى في الفراغ.

    هل تعرف هذه اللحظة؟
    - 11 -
    ثمّةَ بلدانٌ أعرفُ بعضها جيّداً ليست أكثرَ من إعلاناتٍ معلَّقةٍ على جدران العالَم.
    ماذا تفعل لو كنتَ مواطناً في أيٍّ منها؟ أعني هل تواصل العيش فيها؟ هل تهاجر؟ هل تشارك في النّضال من أجل تغييرها؟
    أشدّد على الكيف، كيفيّة التغيير، لأنني أعرف أنّ تقاليدَ التغيير في مثل هذه البلدان، وبخاصّةٍ العربيّة، لا تنطلق من السؤال: كيف نبني مجتمعاً؟ بل من السؤال: كيف نغيّر السلطة؟ وقد تغيّرت السلطة وتتغيّر دائماً في المجتمعات العربية، مثلاً، أو في بعضها، على الأقلّ، لكن المجتمع ذاته لم يتغيّر. على العكس، ازداد انهياراً، وتخلّفاً، وتبعيّة في جميع الميادين.
    ألديكَ ما تقوله؟
    - 12 -
    تعرف أنّ معظم الذين يمثّلون الثّقافة الغربيّة ينتقدوننا نحن العرب، بأنّنا شعوبٌ غير ديمقراطيّة. ولا ينتقدوننا بنبرة احترامٍ تحرص على تفهّم الأوضاع التاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة الخاصّة بنا. على العكس، يفعلون ذلك بنبرةٍ تخفي كثيراً من الازدراء.
    لكن سوف أكون حسَنَ النّيّة، وسوف أنظر إلى هذا الانتقاد بوصفه اهتماماً بنا، ودعوةً لنا إلى أن ندخلَ منتدى الشعوب الديمقراطيّة في العالم. وهذا يعني أنّنا ننتظر من هؤلاء المثقّفين أن يساعدونا في السّير نحو الديمقراطيّة، وأن يقفوا إلى جانب القوى التي تناهض الديكتاتوريّات والرجعيّات على حدٍّ سواء، في بلداننا.
    لكنّ الواقع كذّب انتظارَنا، ماضياً، ويكذّبه حاضراً. فلم يفعل الغربُ الثّقافيّ، الأميركيّ والأوروبيّ، شأنَ الغرب السياسيّ، إلاّ ما يزيد شعوبَنا بُعداً عن الديمقراطيّة، وما يزيد ارتباطَها بأسُسِ التخلّف والرّجعيّة في شكليهما الأكثر ازدراءً للإنسان وحقوقه: التيوقراطيّة، والمذهبيّة - القبَليّة.
    وسؤالي الذي أطرحه على نفسي دائماً، وأطرحه عليك هنا، هو:
    هل هذا الغرب الثّقافيّ - السياسيّ مريضٌ، إزاءنا، بفصام الشخصيّة؟ أم أنّه يحتقر العرب، فعلاً؟ وبدلاً من أن يعلّمَنا كيفيّة التخلّي عن العنف، وضرورات الاعتراف بالآخر المختلف، وكيف يتوجّب إنسانيّاً، أن نناضل بسلميّةٍ وباحترامٍ للإنسان وحقوقه، لا يعلّمنا، على العكس، إلاّ العنفَ، والتسلّح، وقتال بعضنا بعضاً. هكذا يسهر على هذا المسرح العربيّ الحديث المتواصل: باسم الديمقراطيّة، وحقوق الإنسان وحرّيّاته، وباسم الدفاع عن الحقيقة والحقّ، يتمّ القضاء كلّيّاً على جميع الأسس التي تؤدّي إلى هذا كلّه.
    ونظراً إلى أنّ الدين الإسلاميّ هو المكوِّن الأساس لعقليّة العرب وثقافتهم، فإنّ هذا الغرب لا يؤيّد عمليّاً إلاّ ما يخلق المناخات السياسيّة والفكريّة التي تزعم أنّ هذا الدين خصم للتفكير الحرّ.
    ولا أريد هنا أن أتحدّث عن موقف هذا الغرب الثقافيّ - السياسيّ من إسرائيل، وكيف يشارك ساسةَ هذه الدولة في صنع واحدةٍ من المآسي التاريخيّة - الإنسانيّة الكبرى.
    سؤالٌ طويل؟ ماذا؟ لا تريد أن تبحثَ فيه الآن؟ حسناً. نرجئه إلى وقتٍ آخر.
    - 13 -
    سألتَني مرّةً:

    لماذا يرفض العربيّ أن يتأمّل في ذاته؟ ودعمتَ هذا السؤال بقولك: يندرُ أن ترى عربيّاً يعْتَرف، إذا أخطأ، بأنّه أخطأ. وأردفْتَ، لمزيد من هذا الدّعم: قلّما نجد عربيّاً يقبل أن يعترف بمشكلاته أمام محلِّلٍ نفسيّ. وأذكرُ أنّني لم أُجِبْك. ذلك أنّ الجواب لم يكن سهلاً عليّ. هكذا أرجأْنا الحديث في هذه المسألة.

    اليوم، أسمح لنفسي بأن أطرح عليك السؤال نفسه في ضوء الأحداث العربيّة الراهنة؟ ماذا؟ هل تريد، إذاً، أن نُرجئ كذلك البحث في هذه المسألة؟ حسناً. إلى وقتٍ آخر.

    - 14 -

    سؤالٌ أخير عن المسألة الجماليّة في الفنّ:

    كنّا سابقاً، نقول إنّ خصوصيّة الفنّ تكمن في مدى اختلافه ( عن الحياة اليوميّة، والتذوّق الشائع، والقيم والأفكار السائدة...إلخ )، واليوم يُقال العكس:

    خصوصيّة الفنَ هي في ائتلافه: لا يبتكر جديداً، لا يزعزع أنظمةً قائمة، سياسيّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة، لا يحرّك في اتّجاه المعرفة والكَشف، وإنّما هو مع «الجمهور» وفي مستواه. هكذا يغيب، اليوم، «علم الجمال»، في الفنّ، ويحلّ محلّه «علمُ التّوافُق» مع ثقافة الناس وأذواقهم ورغباتهم.

    هل لديك ما تقوله؟

    ماذا؟ هل تريد كذلك أن نرجئ البحث في هذه المسألة؟

    حسناً. إلى وقتٍ آخر.

    http://alhayat.com/Details/564529
                  

10-27-2013, 08:33 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    رجلٌ من ورق
    جنات بومنجل



    واحتمى بالورق
    قال شعراً جميلاً يماثلني..
    حتى أني تخيلتُ أنه بعض من الصدق..
    قد نطق
    قال أغني بأني كل أنواع الزهور
    وأني الطيور الجميلة التي لا تموت
    وأني الحبق
    وأني جميع الأغاني التي قالها بلبلٌ في سماء الشفق
    قال أني جميلته
    وقد كان لو تدركون (وحشي)..
    وكنت أنا الهمسة التي خانها الليل
    فانتظرت فارس الحلم
    الذي..
    لم يستفق
    قال أني حبيبته
    وأني أساوي جميع النساء اللواتي عبرن من العمر..
    (هل صدق؟)
    كم جثة امرأة مات في قلبها نبضها
    كم دفنت هيكل حب بذاك النفق؟
    قال أني زهرته العطرة
    وأنه عمري الذي سوف يأتي
    وأن الذي بيننا أكبر من كل صدق
    وأن الحنين إليه عبير وأني موفدة إلى نبضه
    كي أعيد الحكاوي
    كي أرتب قلباً تناسى الحلم
    كم زهرة عبرت من هنا
    وذاك العبير
    هل كان كذباً وكان اختراقاً غبياً لهذا الخفق
    بربك لا تعيد الخطى نحو هذا الفؤاد الذي
    جره الزيف نحو الغرق
    ثم أعلم بأنك لم تعد في خيالي
    سوى رجلاً من ورق...
                  

10-27-2013, 10:36 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    مِنْ بينِ مَنْ أحببتُهُنَّ اخترتُ رِقَّتَها لأنساهُنَّ.
    أجملُ ما بضحكتِها السنونو.
    كلّما ليلاً هَمَتْ أمطارُهُنَّ على خدودي,
    شرّدَتْني الذكرياتُ وهدّدَتْ رأسي الوساوسُ,
    فالْتجأتُ لبابِها..





    بعضُ عُيوبِها
    تمام التلاوي



    إنْ قلتُ: وردَ منالَ,
    أعني أنّ شاعرةً بعُمرِ الوردِ
    تسكنُ في طريقِ الوردِ
    ملءَ الطابقِ الورديِّ مِنْ قلبي,
    وأعني أنَّ ماءَ الوردِ قَطْرُ دموعِها ما إنْ تراني واقفاً في بابِها.
    هيَ بينَ مَنْ أحببتُهُنَّ طريقتي في الموتِ حُبّاً كلّما أسْلَمتُ روحي مرّةً بسريرِها.
    وهيَ التي إنْ قلتُ: ليلَ منالَ, أعني أنني خبّأتُ وجهي في ضَفَائرِها.
    وإنْ قلتُ: اكتمالَ منالَ,
    أعني أنَّ نَحّاتاً تألَّمَ عندما مرّتْ مصادفةً,
    ورسّاماً تعذّبَ عندما الْتفتَتْ مصادفةً,
    وأعني شاعراً كسَرَ المحابرَ بعدَ قامتِها.

    تعرّتْ مرّةً..
    فعلمتُ كمْ كذبتْ عليّ الأخرياتُ بشأنِ تأريخِ الأنوثةِ.
    واستحمَّتْ مرّةً..
    فرأيتُ كيفَ الماءُ يصبحُ خمْرةً, وشربتُ حتّى مَنْ رآني ظَنَّ أنّي ثعلبٌ بيْنَ الكرومِ.
    ومرّةً وقفَتْ بنافذةِ الصباحِ لكيْ تجفِّفَ شعرَها بالضوءِ,
    فازدحمتْ شُموسٌ لا تُعَدُّ أمامَها, وتصادمتْ في الأفْقِ آلافُ الكواكبِ..
    صدّقوني لا أبالغُ, فالبلاغةُ ليس تبلُغُها,
    ولكنّي أقولُ وحسبُ
    بعضَ عُيوبِها.

    عُشّاقُها هُمْ مَنْ رأوها,
    ربّما مِنْ أجْلِ ذا خبّأتُها عنْ والدي.

    مِنْ بينِ مَنْ أحببتُهُنَّ اخترتُ رِقَّتَها لأنساهُنَّ.
    أجملُ ما بضحكتِها السنونو.
    كلّما ليلاً هَمَتْ أمطارُهُنَّ على خدودي,
    شرّدَتْني الذكرياتُ وهدّدَتْ رأسي الوساوسُ,
    فالْتجأتُ لبابِها..
    كمْ أدخلتْني بعدما طالَ الضياعُ,
    ودفَّأتْني عندما اشتدَّ الشتاءُ,
    وأطعمَتْني بينما عُشّاقُها حولي جِيَاعٌ.

    لا انتظارَ لها
    سوى إصغائِها بينَ المرايا لارتطامِ حُطامِ روحي فوقَ عتْبَتِها,
    وتعلمُ أنّني إنْ جئتُ لا أشكو اشتياقاتي لرِقَّتِها
    ولكنْ قسوةَ الطرقاتِ أشكو..

    واقفاً في بابِها هذا المساءَ
    أُعيدُ توزيعَ النِّصَالِ على جراحاتي
    ليكتسبَ الأنينُ أناقةَ الجنرالِ بعدَ النصرِ,
    لكنْ كلّما هِيَ مرَّرَتْ يدَها على قلبي
    تُحِسُّ بنُدبةٍ أخرى
    فأزدادُ انكساراً..

    ليسَ ما بيني وبينَ منالَ مِنْ سِرٍّ إذنْ
    إلاّ الذي أفْضَتْ إليهِ قُبلتي الأولى على فمِها.
    أعودُ لبابِها وأدُقُّ لهفتَها بدمعي كلّما خذلتْنِيَ امرأةٌ..
    أُبرِّرُ رعشتي بالبرْدِ,
    والبَللَ الذي يعلو القصائدَ بالمطرْ,
    وإذا أرادتْ أنْ أُفسِّرَ حُمرَةً تعلو قميصي,
    قلتُ: رُمَّانٌ,
    فإنْ هِيَ صدَّقَتْ ما قلتُ,
    كذَّبَني الشّجرْ.

    الآنَ كيفَ –بربِّ هذا الليلِ- أشرحُ هذهِ الحُمّى؟
    "دقَقتُ البابَ حتى" سبَّني الجيرانُ واتَّفقَتْ على تِيهي الشوارعُ.
    بعدُ لمْ أسمعْ خُطاها
    أوْ أنينَ المقبضِ السّكرانِ في يدِها النبيذِ.
    وقيلَ لي: رحلَتْ,
    وقيلَ: تزوّجَتْ..
    ولمَحتُ نجماتٍ تضاءَلَ ضوءُها
    ورسائلَ احترقَتْ.. وجدراناً بكَتْ.

    مِنْ بينِ مَنْ أحببتُهُنَّ
    اخترتُ وردَكِ
    كيْ أُعِيدَ إلى فرَاديسِ القصيدةِ
    ما المعاني بدَّدَتْهُ مِنَ الحنينِ.
    فأينَ غيَّبَكِ الغيَابُ
    وما الذي قطَعَ الطريقَ على الأغاني والوتَرْ؟.
    لاشيءَ
    –قالَ الوردُ-
    أخَّرَني المطرْ..



    المصدر:
    http://www.seeeen.net/texts-0-1172.html
                  

10-27-2013, 10:44 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    واقعة مؤلمة
    قصة قصيرة: جيمز جويس(1)
    ترجمة: مصطفى مدثر



    اختار (جيمز دافي)، إبن مدينة دبلن، أن يقيم في ضاحية شبلزود. رأى أن نواحي دبلن الأخرى لها نفس سمات
    المدينة من لؤم وحداثة وغطرسة. أشياء رغب أن يبتعد عنها ما امكنه.
    أقام في منزل معتم. وكان يرى من نافذة غرفته تلك المقطرة المهجورة أو، أبعد من ذلك، النهر الضحل الذي بنيت
    على ضفافه دبلن.
    كانت حجرته بلا سجاد وبجدران عالية لم يعلق عليها أي تصاوير. اشترى بنفسه كل قطع الاثاث. سرير بملة
    حديدية، مغسلة يدين حديدية، أربعة كراسي خيزران، مشاجب للملابس، مقطف فحم وسياج للمدفأة ومكواة
    ودكة خشبية مربعة وضع عليها طاولة كتابة بها درجان وقام بتجهيز خزانة كتب في فجوة في جدار الغرفة
    بأرفف من الخشب الابيض. وفرش سريره بملاءة بيضاء ووضع تحته بساطاً بلونين قرمزي وأسود. وعلق
    مرآة يد صغيرة فوق المغسلة. وكان مصباح بغطاء أبيض هو الحلية الوحيدة فوق هيكل المدفأة اثناء النهار.
    كانت الكتب مرصوصة في خزانتها من أسفل إلى أعلى بحسب الحجم. المجموعة الكاملة لوردسويرث في ناحية
    من الرف السفلي ونسخة من كتاب التعاليم الدينية(2)، مخيّطة على الغلاف القماشي لمفكرة، في ناحية من الرف العلوي.
    كانت أدوات الكتابة تقبع على الطاولة بشكل دائم وفي احد الدرجين ترقد مخطوطة لترجمة كتاب (مايكل كرامر)
    للمؤلف هوبتمان وتوجيهات لتنفيذها على المسرح مكتوبة بالحبر الاحمر وكانت حزمة ورق مثبتة بمربط نحاسي
    جاهزة للاستعمال.
    كانت جملة تنكتب على صفحة من هذا الورق من حين لآخر. ويمكن، في لحظات سخرية، أن تجد ملصوقةً على الصفحة
    الأولى قصاصة من صحيفة لإعلان عن أقراص لعسر الهضم. وبرفع غطاء الطاولة تنسرب رائحة لعطر مبهم، ربما أريج
    اقلام الرصاص الجديدة أو رائحة طيبة من قنينة صمغ أو من تفاحة قديمة منسية في ركن من الدرج.
    كان (دافي) يكره أي شئ يشير إلى اختلال في البدن أو العقل. ينسبون أمثاله في القرون الوسطى لكوكب زحل من فرط
    سوداوية نظرتهم. وجهه، المكتوبة عليه قصة سنينه، به مسحة من سمرة شوارع دبلن. وعلى رأسه الممدود، والضخم نوعاً
    ما، نما شعر أسود جاف وشوارب عجزت عن ستر فمه الدميم. وأضاف بروز عظام خديه تعبيراً خشناً لوجهه.
    لكن عينيه خلتا من قسوة وهما تنظران للعالم من تحت حاجبين باهتين ما يعطي الانطباع بأنه شخص دائم التطلع لمن
    يحسن إليه وعلى نحوِ تلقائي، لكنه غالباً ما يخيب ظنه.
    كان يحيا مبتعداً قليلاً عن جسده، يراقب أفعاله بنظرات مرتابة من ركن عينه. وكانت له عادة متفردة وغريبة ينشئ
    بمقتضاها،في عقله، من وقت لآخر جملة قصيرة في وصف نفسه يكون فاعلها ضمير الغائب وفعلها ماض. ولم يحدث أن
    تصدق لشحاذ. وكان يمشي صارم الخطوات وفي يده عصاة من خشب البندق.
    عمل (دافي) لسنين عديدة صرافاً في مصرف خاص بشارع باغوت. وكان يأتي لعمله كل صباح بالترام ويذهب لمطعم
    (دان بيرك) لتناول وجبة الظهر "زجاجة بيرة وصينية صغيرة مكتظة ببسكوت من نبات جذر السهم" وبعد العمل وفي
    الساعة الرابعة بعد الظهر يأكل غداءه في مأكلة بشارع جورج كان يحس فيها بأمان من شباب دبلن المتسكعين وأيضاً
    لاعتقاده أنه كانت هناك محض نزاهة في ما يتقاضاه أصحاب المحل منه. كانت أمسياته تنقضي إما أمام بيانو صاحبة البيت
    أو بالتجول في أطراف المدينة وأحياناً يقوده حبه لموزارت إلى أوبرا أو دار عرض موسيقي.
    كانت تلك تبديداته للوقت.
    لارفيق ولاصديق ولا كنيسة أو إنتماء لفريق. لم يشرك في حياته الروحية أحداً لكنه كان يزور أقرباءه في الكريسمس
    ويمشي خلف نعوشهم إن ماتوا. يفعل ذلك من باب الكعب الاجتماعي في طرازه القديم. ولم يأبه، خلا ذلك، بأي تقاليد.
    كان يعتقد أنه وفق شروط معينة يمكنه أن يسطو على مصرف. لكن ولأن تلك الظروف لم تنهض فإن حياته تتدحرج هكذا
    مثل حكاية خالية من المغامرات.
    وجد نفسه ذات مساء جالساً جوار سيدتين في مسرح روتانا. كان جمهور قليل العدد وصامت يتابع العرض. وكانت إحدى
    السيدتين قد تطلعت حولها مرتين ثم قالت:
    - يا للخسارة! من الصعب أن تغني لمقاعد خالية!
    رأى في تلك الملاحظة دعوة للحديث. أدهشه أنه لم يكد يحس بخراقة في هذه الدعوة. حاول أثناء حديثه معها أن تستضيفها
    ذاكرته بشكل دائم. وعندما عرف أن السيدة الأخرى إبنتها استطاع أن يرجح أنها ربما كانت تصغره بحوالي السنة.
    كان وجهها، ذو التاريخ الوسيم بلا شك، باقياً على ذكائه. بيضاوياً وبتقاطيع موسومة بقوة. العينان داكنتا الزرقة، مستقرتان.
    في تحديقهما إشعار بالتحدي سرعان ما يربكه غروب، كأنه متعمد، لسواد العين وراء الحدقتين وتنكشف معه، لوهلة، فطرة
    مدركةٌ وعظيمة الحساسية. ثم يعيد سواد العينين توكيد نفسه سريعاً وتنزوي تلك الفطرة المواربة تحت سلطان الرزانة.
    كما وأن الجاكيت، المصنوع من الفرو الفارسي، الذي ارتدته، تحذقَ مبرزاً صدراً به شئ من امتلاء، ومؤكداً لإشعار التحدي
    أيما تأكيد.
    التقاها مرة أخرى بعد أسابيع في مسرح ايرلس فورت تيراس واغتنم لحظات انشغلت فيها ابنتها ليتقرب إليها أكثر.
    لم يكن إيماؤها لزوجها مرةً أو مرتين من قبيل التحذير. كان إسمها السيدة سيمكو. انحدر زوجها من أسرة عريقة في
    ليجهورن. وعمل قبطاناً يبحر بين دبلن وهولندا. ولها منه بنت واحدة.
    في المرة الثالثة قابلها صدفة ووجد الشجاعة ليطلب منها موعداً.
    وجاءت!
    كان ذلك أول سلسلة من اللقاءات. دائماً في الأماسي، متخيرين الأحياء الأكثر هدوءاً للتجول. على أن (دافي)، لنفوره من
    أساليب الخفية وإدراكه أنهما مجبران على اللقاء خلسةً، دفعها لأن تطلب منه لقاءها في منزلها. وشجعه القبطان سيمكو
    على الحضور في منزلهم ظناً منه أن أحدهم بصدد طلب يد ابنته. لقد أسقط القبطان، بكل صفاء نية، زوجته من قائمة مباهجه
    وذهب به صفاء النية أن يستبعد أن يهتم بها أحدٌ غيره. ووفّر غيابه وانشغال ابنته بتدريس الموسيقى فرصاً عديدة استمتع فيها
    (دافي) برفقة السيدة. لم يحدث لأي منهما ان عاش مثل هذه التجربة قبلاً ولم يع أي منهما تناقضاً أو تنافر. وشيئاً فشيئا صار
    يشبك افكاره بافكارها. أعارها كتباً، زوّدها بالمفاهيم وقاسمها حياته الفكرية. واستمعت هي لكل شئ.
    كانت أحياناً، مقابل نظرياته، تطلعه على حقائق حياتها الخاصة. وبما هو أقرب لنصح الأم حفزته أن يطلق العنان لطبيعته.
    صارت له مثل أب الاعتراف في الكنيسة. حكا لها أنه ولبعض الوقت ساعد على قيام اجتماعات الحزب الاشتراكي الايرلندي.
    وكان يرى نفسه متميزاً في تلك الاجتماعات وسط مجموعة من العمال الصارمين يلتقيهم في غرفة مهملة فقيرة الاضاءة.
    وأنه عندما تم تقسيم الحزب لثلاثة أقسام، بقائد لكل قسم، توقف عن حضور الاجتماعات. قال لها إن نقاشاتهم كانت جزعة
    وإهتمامهم بمسألة الاجور مبالغاً فيه وأنهم كانوا واقعيين بملامح شاقة، يمقتون ضوابط إحتاج انتاجُها لتفرغ ليس متاحاً لهم.
    ثم قرر لها أنه أمر بعيد الاحتمال، ولقرون، أن تتحقق ثورة إجتماعية في دبلن.
    سألته لماذا لم يكتب هذه الافكار؟ سألها باستخفاف محسوب: ولماذا يكتبها؟ هل لينافس مفرخي العبارات العاجزين عن التفكير
    المنطقي لستين ثانية؟ أم ليخضع نفسه لانتقادات طبقة وسطى متبلدة عهدت بأخلاقها للشرطة وبفنونها الجميلة لمتعهدي
    الحفلات؟
    كان لها كوخ صغير في ظاهر دبلن زارها فيه مراراً. قضيا فيه أغلب الامسيات على انفراد. ورويداً رويداً ومع تشابك
    أفكارهما صارا يتحدثان في موضوعات أقل بعداً عن ذاتيهما. كانت رفقتها له كما التربة الدافئة لنبات وافد. كانت كثيراً
    ما تترك الظلام يدركهما ممتنعةً عن إشعال مصباح. تلك الغرفة الكتومة المعتمة، وعزلتهما، وموسيقى ترن في أذنيه،
    لا زالت، كانت عوامل توحيد لهما. توحيدٌ سما به وشذّب الاطراف الفظة من شخصيته. أشعل حياته العقلية بالعاطفة.
    فضبط نفسه تصغي،مراراً، لصوته. إعتقد أنه صعد في عينيها لمقام ملائكي. ومع تزايد تعلقه بطبيعتها الجائشة صار
    مسموعاً له ذلك الصوت الغريب، اللا شخصي، الذي هو صوته هو، يصر على أن لا شفاء لعزلة الروح. أن ليس بوسعنا
    أن نمنح ذواتنا. أننا ملك لذواتنا. وانتهت تلك الاحاديث بينهما في ليلة بلغت بها الإثارة مبلغها فأمسكت يده وضغطت بها
    على خدها.
    اندهش (دافي) لهذا الفعل دهشة عظيمة. ورأى أن تفسيرها لكلامه جاء مخيباُ لأمله. أحجم عن زيارتها لإسبوع كتب لها
    بعده رسالة يرجوها أن تلتقيه. ولأنه لم يشأ للقائهما الأخير أن يتكدر بتأثير من تصارحهما التعيس ذلك التقاها في دكان
    حلواني صغير قرب بارك جيت. وهامَا، برغم برودة الجو الخريفي، لقرابة الثلاث ساعات في ذلك المنتزه.
    اتفقا على فض علاقتهما. قال لها إن كل رباط ما هو إلاّ رباط بالأسف. وسارا في صمت خروجاً من المنتزه وصوب القطار.
    لكنها أخذت ترتعش بعنف فودعها وابتعد مسرعاً حَذرَ أن يصيبها انهيار آخر.
    جاءه بعد أيام طرد بريدي به كتبه واسطواناته.
    ومرت اربع سنوات.
    عاد (دافي) لحياته القديمة. وما فتئت غرفته تشهد على ذهنه المرتب. انضافت اسطوانات جديدة لمكتبته. وقبع في أحد الرفوف
    مجلدان لنيتشه: (هكذا تكلم زرادشت) و (العلم المثلي)(3). لم يكتب كثيراً. إحدى الجمل المكتوبة بعد شهرين من لقائه بالسيدة
    تقرأ:
    "الحب بين رجل ورجل أمر مستحيل لأنه لا ينبغي أن تتم بينهما مواقعة جنسية والصداقة بين رجل وإمرأة أمر مستحيل
    لأنه ينبغي أن تتم بينهما مواقعة جنسية."
    أقلع عن ارتياد العروض الموسيقية خوفاً من أن يلتقيها. مات والده وتقاعد الشريك الاقل نصيباً في المصرف. لكنه ظل يركب
    إلى المدينة صباحاُ ويعود راجلاُ في المساء بعد أن يأكل عشاءاً معتدلاُ في ذلك المطعم ويقرأ صحيفة المساء كبديل للتحلية.
    في احدى الامسيات وبينما هو على وشك ان يضع لقمة في فمه توقفت يده وتسمرت عيناه عند فقرة في الصحيفة التي كان
    قد أسندها على ابريق الماء أمامه. أعاد اللقمة إلى الطبق وقرأ الفقرة بانتباه. شرب كوب ماء وأزاح الطبق جانباً وجذب إليه
    الصحيفة ليقرأ تلك الفقرة مراراً.
    بدأ دهنٌ أبيض الترسب على الطبق. خفت إليه النادلة وسألته إن لم يعجبه الطهي فقال لها إنه جيد والتهم أكثر من لقمة
    بصعوبة ثم دفع ما عليه وخرج.
    مشى حثيثاً في أصيل ذلك اليوم من نوفمبر. يطرق بعصاه الارض بانتظام وقد برز من جيب معطفه طرف من صحيفة المساء.
    وفي الطريق الموحش بين بارك جيت وضاحية شبلزود أبطأ خطواته وقلت حدة طرق عصاه على الأرض. تكثف زفيره في
    الهواء البارد على نحو أقل اضطراباً. وفور وصوله توجه إلى غرفة نومه وقرأ ذلك التقرير تحت ضوء النافذة المتضاءل.
    قرأه محركاً شفتيه دون صوت مثل راهب يصلي. كان التقرير يقرأ:
    ---------------

    باشر نائب محقق الوفيات بمستشفى مدينة دبلن (في غياب السيد ليفريت) الكشف على جثمان السيدة إميلي سيمكو (42عاماً)
    التي فاضت روحها بالأمس بمحطة سدني باريد. وتقول الشواهد أن المرحومة أرداها قطار العاشرة مساءاً البطيء القادم
    من كنجستون أثناء عبورها لسكته. وقد تسبب الحادث في اصابات بالغة بالرأس والجانب مما كان سبباً للوفاة. وقد أدلى
    سائق القطار جيمز لينون بأنه عمل لشركة السكة حديد لخمسة عشر سنة وأنه حرّك القطار بعد سماعه صافرة التحرك
    من الحارس لكنه أوقفه بعد ثوان لسماعه صراخاً عالياً. واضاف أن القطار كان فد تحرك لتوّه.
    وقال الحمّال (دورني) أنه شاهد امرأة تحاول عبور القضبان عند تحرك القطار وانه جرى نحوها وناداها لكنها تعلقت بمصد
    القطار وسقطت.
    سأل محلفٌ: أرأيتها تسقط؟
    الشاهد: نعم!
    رقيب الشرطة (كرولي) أفاد أنه عند وصوله وجد السيدة مسجاةً على الرصيف وميتة، كما بدا، له فطلب نقلها إلى حجرة
    الانتظار حتى مجيء الاسعاف. وأيد كلامه شرطي آخر.
    الدكتور (هابلن)، مساعد الجراح بالمستشفى، أفاد بأن المتوفية عانت من كسر في عظام أسفل القفص الصدري ورضوخ
    شديدة في كتفها الأيمن بالاضافة لتأثير السقطة على الرأس. وقال إن إصاباتها غير كافية لتسبيب الموت لإنسان عادي.
    وأنها ربما ماتت، في رأيه، بسبب الصدمة أو لهبوط في القلب.
    السيد (بترسون هينلي) ممثلاً للسكة حديد أعرب عن عميق أسفه للحادث. لقد كانت الشركة على الدوام تحتاط
    بما يمنع الناس من عبور القضبان ما عدا باستخدام الجسور. وذلك بوضع لافتات تحذيرية في كل المحطات وبعمل
    بوابات تحكم في المزلقانات. وقال إن السيدة اعتادت عبور الخطوط من رصيف لآخر في أوقات متأخرة من الليل وأنه
    وبالنظر لملابسات أخرى في القضية لم ير لائمة يمكن أن ينحيها على مسؤولي السكة الحديد.
    القبطان سيمكو من نواحي ليوفيل في سيدني باريد، زوج المتوفية، قال في شهادته إنه لم يكن في دبلن في وقت الحادث
    ووصل بعده في ذلك الصباح من روتردام وإنهما كانا في زواج سعيد لمدة اثنين وعشرين سنة وحتى قبل حوالي
    السنتين حين بدأت تظهر عليها أعراض الإدمان.
    الآنسة ميري سيمكو قالت إن أمها اعتادت في الآونة الأخيرة على الخروج ليلاً لشراء الكحول. وأنها كشاهدة تفيد
    بأنها حاولت مراراً إثناءها عن ذلك ونصحها بالالتحاق باحدى الروابط المعنية بمثل هذه الأمور. وأنها لم تكن بالمنزل
    حتى بعد ساعة من وقوع الحادث.
    كان حكم المحلفين بمقتضى البينة الطبية هو تبرئة سائق القطار من كل لوم.
    وقال نائب محقق الوفيات إنها واقعة شديدة الإيلام. وأبدى عظيم تعاطفه مع القبطان وابنته. ثم حث شركة السكة الحديد
    على إتخاذ تدابير صارمة تمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل. ولا جناح على أحد.
    ---------------------

    رفع (دافي) عينيه من الصحيفة وحدق عبر النافذة في المشهد المسائي الكئيب. كان النهر هادئاً جوار المقطرة الخاوية
    وفي شارع بعيد كانت مصابيح المنازل تلمع وتخبو من وقت لآخر.
    يا لها من خاتمة!
    ساءه مجمل السرد عن موتها. ساءه أن يفكر في كونه قد حدثها بما أكنه في نفسه. تلك التعابير الرثة، الصياغات الفارغة،
    الكلمات الحذرة لمراسل صحيفة تم شراء قلمه ليخفي تفاصيل موت سوقي ومبتذل، أضرمت الغثيان في جوفه. هي لم تنتقص
    من قدرها فحسب بل أهانته هو أيضاً. واستبان بؤس سبيل الرذيلة الذي سارت عليه.
    أخت روحي!
    تذكر اولئك الأشقياء الذين إعتاد أن يراهم يأخذون القوارير الفارغة لإعادة تعبئتها في الحانة.
    يا عدالة السماء! يا لها من خاتمة!
    جليٌ أنها لم تصلح للحياة لخلو نفسها من الهدف، لكونها صيداً سهلاً لسلطان العادة، أحدِ الأنقاض التي انبثقت منها الحضارة.
    ولكن أن تغور إلى هذا الدرك!
    هل من الممكن أن يكون قد خدع نفسه بشأنها لهذا الحد؟
    تذكر جيشانها في تلك الليلة وفسره على نحو أكثر قسوة من ذي قبل. بل هو الآن لا يجد صعوبة في قبول مسلكه تجاهها.
    ومع خفوت الضوء وضلال الذاكرة ظن أن يدها لمست يده. ها هي الهزة التي أورثته الغثيان تنشب أظفارها في أعصابه.
    إرتدى معطفه والقبعة على عجلٍ وخرج.
    استقبله الهواء البارد عند عتبة البيت وتسلق أكمام معطفه.
    في الحانة عند كوبري شابلزود طلب شراباً ساخناً. تعامل معه صاحب الحانة باهتمام دون أن يكلمه. جلس على مقربة منه
    خمسة أو ستة عمّال يتحدثون عن قيمة عقار مملوك لأحدهم في عزبة بناحية كلدار. كانوا يرشفون بتمهل من اقداح ضخمة
    ويدخنون ويبصقون مراراً على الأرض تحتهم. وأحياناً يسحبون بنعالهم الثقيلة النشارة المفروشة ليغطوا بصاقهم.
    جلس (دافي) يحدق فيهم دون أن يراهم أو يسمعهم. وبعد حين خرجوا وطلب هو كوباً آخر هوّم فوقه لوقت طويل. سكن المكانُ
    وتمدد صاحب الحانة على طاولة أمامه، يقرأ صحيفة الهيرالد ويتثاءب. ومن حين لآخر هسهس قطار مبتعداً في الطريق الموحش.
    جلس هناك يستعرض حياته معها. يستدعي بالتناوب الصورتين اللتين يراها خلالهما. انتبه لكونها ميتة، لكونها انقطعت عن
    الوجود وصارت ذكرى. أحس بضيق. سأل نفسه إن كان هناك شيئ آخر يمكنه عمله. لم يكن بوسعه مواصلة كوميديا الخداع معها.
    لم يكن ممكناً أن يعيش معها علانية. لقد فعل ما بدا أنه الأحسن. فكيف يلام؟ لقد أدرك الآن بعد ذهابها كيف أن حياتها كانت
    موحشة، جالسةً ليلة وراء ليلة في تلك الغرفة. إن حياته هو الآخر موحشة إلى أن يموت هو أيضاً، يكف عن الوجود ويغدو ذكرى.
    إن كان هناك من سيذكره.
    خرج من الحانة بعد التاسعة في ليل بارد وكئيب. دخل المنتزه من بوابته الأولى ومشى تحت شجر هزيل. تلك الممرات الجرداء
    التي سارا فيها قبل أربع سنين. بدا أنها بجانبه في الظلام بل أحس في لحظات بصوتها يمس أذنه. يدها تلامس يده.
    وقف يصغي.
    لماذا أمسك عنها الحياة؟ لماذا قضى عليها بالموت؟ أحس بدواخله تتشظى.
    توقف عند ذروة التلة وأجرى بصره فوق النهر صوب مدينة دبلن التي توهجت أضواؤها حمرة وحفاوة. أطل على المنحدر
    تحته. عند السفح وفي ظل حائط المنتزه رأى هيئات آدمية مستلقية. كانت تلك الغراميات الفاسدة والمختلسة تملأه بالقنوط.
    استجوب حياة الاستقامة التي يحياها. أحس بأنه منبوذ من مأدبة الحياة. هاهو كائن بشري قد شغف به فأنكر هو عليها الحياة
    والسعادة. أصدر عليها حكماً بالمهانة، بالميتة المذلة. كان يدرك أن الكائنات المضطجعة أسفل التلة ترقبه وتتمنى ذهابه.
    ليس ثمة من يرغبه. منفيُ هو من ولائم الحياة.
    حوّل عينيه للنهر الرمادي اللامع يتلوى صوب دبلن ومن ورائه رأى قطار بضاعة يتلوى خارجاً من المحطة مثل دودة برأس
    ناري تزحف خلل الظلام بعناد ومثابرة. غاب القطار عن ناظريه بأناة وتمهل لكن دنين المحرك ظل يردد مقاطع اسمها
    على مسمعيه.
    قفل راجعاً وإيقاع القاطرة يقرع في أذنيه. أخذ يتشكك في حقيقة ما أخبرته ذاكرته. توقف تحت شجرة يجيز للصخب أن
    يتلاشى. لم يعد يشعر بها قربه في الظلام ولا لامس صوتها أذنه. أصغى لدقائق. لم يسمع شيئاً. ليلٌ في تمام الصمت.
    اصغى مرة أخرى. صمت منجز. أحس بأنه وحيد.
    انتهت



    --------------------------
    (1) جيمز جويس قاص ايرلندي معروف (1882-1941) النص هو A Painful Case من مجموعة The Dubliners
    (2) Maynooth Catechism
    (3) The Gay Science


    المصدر:
    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bi...andfunc=flatview
                  

10-29-2013, 09:31 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    تارخ الشك
    تاج السر الملك





    Doubt can be as powerful and sustaining as certainty

    إنبعثت الموسيقى من جوف ملعب الأقراص، فملأت سماء الغرفة، سطعت الشمس عبر زجاج النوافذ العظيمة مثل حقيقة باهرة، عادت بعد غياب أسبوعين كاملين، صافح ضياؤها الوجوه والمقاعد وذوائب الأستار وطلع الشجر، تلاشى صوت المعلم معلنا، وسط مجرى هدير همهمة النساء والرجال المنتظرين سماع أسماء أطفالهم تتلى لاستلام الجوائز الموعودة، عن بدء مراسم الاحتفال، الرجال كانو يحلمون بصوت نسائي عذب، والنساء يبدلن مواقع الشك باليقين، يغرسنه بين العيون التي تسترق النظر إلى عيون أخرى، تجلس في محاذاتها او قبالتها. تغنت بأعلى صوتها، امرأة قوقازية في منتصف العمر، تبعت مسار الأغنية في حرص، مالت على إبنها هامسة، والزهو يملأ جوانحها (لا أزال احفظ كل كلمات هذه الأغنية رغما عن بعد عهدي بسماعها)، ضمت كفيها، أغمضت عينيها، فكأنما تستنهض ذكرى قدر قديم، صفقت تطرد الشك عن معاني الكلمات في نسختها الأولى، غارقة في ظنونها، باعثة جدتها من بين طيات الهلاك اليومي على مطهر سباق الأغاني، هزت شعرها الأشقر مرات، ولوحت بما تبقى من خريف عجيزتها الملتصقة بالمقعد الضيق، وصاحت في لهف وكبد وعناد وثقة


    When you wish upon a star
    dreams,

    will take you very far
    When you wish upon a dream
    Life aint always what it seems, oh yeah
    Once you see your light so clear
    In the sky so very dear
    Youre a shinig star, no matter who you are
    Shining bright to see what you can truly be
    That you can truly be



    كان الوقت مبتدأ النهار، باكرًا، شقياً، ماكرا، تبدى في عنفوان مجده بعد هزيمة المطر، ولكن الأغنية لم تشذ عن السياق، لا الوقت والحال ولاالمناسبة، إتسقت والفرح الطليق، إعتدلت في إيقاعها وتردده المحسوب، أفرجت عن اسر أبواقها، وأشاحت باستجدائها في غمرة سطوعها وتجليها، فاضت الحيوية على وجوه الصغار، وسرت عدوى الإنفعال وتبدت في وجوه الذين فاجأهم ذهول الصحو الباكر، سدت يد عنيفة مجرى اللحن فجأة ....طق....، فسكت الضوء وانفسد مزاج القوقازية، ولكنها عادت إلى اعتمار بسمة بلهاء، ولهاث مكتوم.
    جفت شفتا ابي، تلجلجت جوارحه وهو يتمتم بإجابات غير مستيقنة في حضرة مدرسه، أهمى برأسه على كتفي، وشرع يمتص في كلف عصير برتقال (ديزني)، يبلل روحه ويهدىء من تسارع دقات قلبه، داعبت شعر رأسه بكفي، فشهقت الشقراء من مقعدها في حنو، برقت عيناها فعاد الضوء إلى حديثه الصاخب، رن هاتفي دون قصد من صديقي، ولكنه حدثني حديث الكهرباء، والعطر العابق في قميص يوسف، لم تغضب لحديثه معي، ولكن فضولها لمعرفة ما اخط وامسح، غلب على فطنتها، فأحكمت الغيرة قبضتها على خناق مشاعرها، ولوثة حنقها، مضت في غيها، فكممت حواسي في قسوة وحب.


    رحت أبحث في صحراء سأمي، عن موقع الشوكة التي انتبذت مكانا قصياً في جسدي، دون جدوى، أضاعت إمرأتي قرطها في تلك الأثناء، فكذبت أذنيها، واستعارت في عجل قرطا زائفاً، ومضت إلى ليلة عرسها، أغمد أبي أحزانه في قارورة الخمر الرخيص، ومضى يمشي في ساحة الرعب الذي تألق في نفس (ود أحمد)، وهو يتهيأ للموت في (النخيلة)، إختنق الرجل الذي جلس بجانبي، نشهد معا وقائع المعركة المنقولة على الهواء، سعل في عنف وضيق، ركض دون استئذان إلى خارج الغرفة وعيونه تطفر بالدمع، عاد بعد هنيهة، والخجل يكسو وجهه، حدد مقياس حبة القمح التي سدت منافذ الهواء إلى رئتيه، مشيرا إلى ثلث سبابته، تابعنا بأعيننا المغرورقة بالدمع القوم حتى لحظة اندحارهم، تم أسر ( ود أحمد)، ونحن منشغلون بانتشال الجثث التي طفت على نهر العطبرة، كان سهراً عصيباً، وأمسيات عامرة بالرعب والنحيب والمجون.


    Don't you hate that??
    Hate what??
    The uncomfortable silence!!

    ....وعندما صدقت طمأنينتي، وأوليتها ظهري، هجمت على أغراضي تبعثرها، وتنقب في محتوياتها، قلبت جيوب ردائي وعيونها تلمع بشره وغيظ ومتعة، وعلى حقول القمح، وتحت ظلال النخل المستطيلة، تبعثرت أجسادهم، وعلى وجوههم ارتسمت آيات الغضب وعلائم النقمة، وشلوخ مستقيمة متوازية، إنطفأت ضجة السلاح الناري، وسرت رائحة البارود في اتجاه مجرى النهر، إختلطت بالهواء وتلوى دخانها مثل أفعى، قفل جنود الباب العالي إلى أسفل الوادي، دون نصر يحتفون به و بذكره، عادوا إلى شظف حياة البداوة، أودعوا أحزانهم إلى زكائب النسيان، وغسلوا دمع الهزيمة بفرح الكحول، ولم يقرؤوا الفاتحة على أرواح ضحاياهم من المسلمين.

    سلكنا طريقا إلى الجنون، لا يفضي إليه، إهتدينا بهدى نجم الحقيقة، ذلك الذي احتجب وراء السحب، فأضحت الحقيقة المزعومة، بقايا من ذكريات غامضة مبهمة ، غائمة متكدرة، بيد أنها هناك، عام مضى، والسحب لاتني تتكاثف، حلت الظلمة، والشك، حتى انتفت الفروق بين البحر و الصحراء، والزاد أوشك على النفاد، ولكنها كانت تلتقي بعشاقها سرا، لم تكن تطارحهم الغرام، ولكنها لوحت به مثل بشارة أوقربان. كانوا رهطاً من الأدعياء والدجالين، يداعبون غرورها في صبر، تسمعت في غيظ ضحكاتها الصاخبة، من وراء خيمة في مشارف الأفق، مقيد كنت في أصفاد الغمام، أغمط عشاقها على احتفالهم بسعادة جهلهم، أحسدهم على غضارة حدسهم، كان الماء حقيقتهم الوحيدة التي يؤمنون بها و يعيشون من أجلها، وحينما يخرجون في طلبه، كانت تجيئني دون موعد، إلى باب خبائي المرتجل ، عارية إلا من غطاء رأس، تلسع في سعيها الأحجار من فرط شوقها، والرمل والحصى وعشب الطريق، ثم تسكن إلى جواري منهكة تستجدي عطفي وسماحي، فلا إملك غير أن أمنحها الأمان.

    وقفت في مدخل خيمتي، ذات صباح، موقف (اني جيراردو) في صفحات (الموت حبا)، إلا أنها كانت تبغض تلميذها في هذه النسخة، تبغضه وتحرشاته الجنسية الرخيصة، لم تكن وزوجها يساريين كما يبدو للوهلة الأولى، و لكنهما عاشقين لشعر ( النور عثمان)، وأقاصيص (اريك سيغال)، والمدائح بصوت ( السماني أحمد عالم)، ولا يريان باسا في شخصية (منصور خالد). الفت تجوالهما طرقات الجامعه الضيقة، رافقتهما في تجوالهما، إبتسامات الحرس الجامعي، وعيونهم التي لم تكن تخلو من تطلع إلى إثارة، وابتسامة حارس (متحف التاريخ الطبيعي) والتي يتبعها بسؤال ملح عن موعد زواجهما.
    وفي المساء كانا يأويان إلى موقع قبالة (كازينو حماد)، يحتميان بالظلمة وشرف القصائد من عسف الحياة، وفضول البشر، وحينما فاجأهما وكيل العريف بوجهه المحتقن بالشر، أجابته وهي ترتعد فرقاً
    ( قاعدين هنا ساى)
    وحينما علم بأخاها ضابط الأمن، نزع عنه قناع حقده، فاستبانت أسنانه القذرة و بدا وجهه أكثر تسامحا
    ( نحنا ما كلنا شباب)
    أخذهما معه في المقعد الأمامي للكومر، حتى أتى إلى بوابة وزارة الداخلية، وأشار إلى مقعد خال يطل على النهر
    (الحتة دي امان)
    ثم انصرف و هو يقهقه. ولكنها ظلت ترقب من وراء كتفها، شحوب أضواء النيون التي تزين مدخل الوزارة بألوان الباستيل، ما عادت تؤمن غدر القصائد، ولا عيون حبيبها المطمئنة، ولا وجوه الشرطة وعيونهم المتشككة المتلصصة. حدقت في جانب وجهه في صمت الظلمة، وهو غارق في حيرته، يحدق في أضواء الضفة المقابلة تستحم في رماد الطمي، متسائلا في سره، اى من الأغنيات لحنها ( كمال الطويل)؟؟.

    حدثت ( بشير) بكل ما لدي من أسرار صغيرة ثمينة، آمالي وأحلامي وتطلعاتي، أرجو مساعدته وأتوسل بعونه، العمل والإغتراب والزواج، ربت على ظهر أحزاني بأمهرية اشك في صحتها، و عربية تعمد تهشيمها، فلم تنطل الخدعة على، ولكنني تظاهرت بالتصديق (إنتي تمشي تسوي بخور)، تململت في مقعد إعترافي الضيق، وانا اشهد كل أسراري الحميمة ملقاة مبعثرة دون حذر على ارض الغرفة المغبرة، كان الهواء خانقا في الداخل، عدا لحظات تستدير فيها المروحة التي تقف على ساق واحدة مستقيمة، معتمدة على قرص حديدي صلب في نهايتها، تحرك الستائر المرتجلة الحمراء في عنف مفاجئ، وعقود من الخرز الصناعي المنسدل على المدخل مثل سياج من الحصى، و روائح نفاذة، طلح وصندل وسوار دي باري، وشهوات عابرة مثل سحب منتصف مايو الخادعة. لم تمنعني خنثته الفادحة من الجلوس إليه في تلك العزلة، مستقبلا نظرات عيونه الواسعة المستديرة، عيون يسكنها الخوف والاشتياق واللوعة و الحرمان ، وبعض عزم وقوة، يستطيل الشك ولا ينحني ، ماتت آمالي الكبيرة عندما التقت في منتصف سماء الغرفة، بضآلة مقدرته وضعف سحره، فامتنعت عن ذكر شأنها معي، كدت أحدثه عنها، فبدد هواء المروحة المسعورة صدى صوتي، ثم راح يطرق الخرز بعضه ببعض، وارتد به هسيسا من إبر على أذني، فتذكرت أغنية ( كمال الطويل) للحظة قبل أن تغيب عني مرة أخرى.
    في غرفة الاستقبال، إنتظرت عودته في توجس ونفاد صبر، أطل بقامته الفارعه، كان قد إرتدي جلبابا مغربيا آخر، ووجه خال من المساحيق، ولسان فصيح، لم يكن هو هو ، ولكنه كان هو، إبتدرني ضاحكا بصوت لم تفارقه الخنثة ( بشير قاليك شنو؟؟)، حدثته ببعض ما حدث، وأخفيت بعضا، مخادعا نفسي حتى صدقت كذبتي، إستمع الى وهو ينظر الى فراغ مغيب في وعيه متظاهرا بمتابعة حديثي، مؤمنا على اهتمامه بهزات قصيرة من رأسه بين الفينة والأخرى، كان كمن يستمع إلى هذا الحديث لأول مرة، حتي راقت لى فكرة أن اغير في الكلام حتي اكشف كذبه، فما استطعت. بيد انه استدرك في لحظة حاسمة من غيبته الظاهرة، كان كمن انتبه لأمر صحا لفجاءته عنوة، فقاطعني بسؤالي ( أتعشيت؟؟)، شعرت بألم حارق في امعائي حال سماعي لذكر الطعام، داهمني الجوع كذئب البرية، وعطش ورغبة في التدخين والعدو، داهمتني أحاسيس ناجٍ من تحطم طائرة، ذابت كل التفاصيل الصغيرة الحميمة الأثيرة، إنطمست معالمها واندثرت قيمتها إلى الأبد، هب سعيدا حين أجبته بالنفي، وعكف بصدق على إعداد الطعام.

    خرجت إلى الشارع مثل ممسوس يمشي على عسلٍ منسكب، ومن على البعد رأيت الرجال يتسامرون على بساط بالٍ عقب فراغهم من صلاة العشاء، إختلطت ضحكاتهم بالسعال والإستغفار، أغذذت الخطو بخطى واسعة هربا من شكوكي، عدوت إلى مقعدنا الآمن أمام مبنى الوزارة، فلم أجدها في انتظاري هناك، تحسست جيوب ردائي، والضوء المستحم برماد الطمي، فأدركت أنني أسقطتها ضمن تفاصيلي الحميمة الصغيرة في حضرة (بشير)، هممت بالعودة، ولكن ضحك الرجال المختلط بالسعال أوقع الرعب في قلبي، جلست وحدي أرقب الضوء والطمي، غير عابئ بالنيون الذي يزين مدخل الوزارة، ولا الأغنية التي لحنها (كمال الطويل)، ولكنني تمعنت في تفاصيل الرقم الذي دسته القوقازية في جيبي.

    2009
                  

10-30-2013, 03:34 PM

Muna Khugali
<aMuna Khugali
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 22503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)



    مناولات قطعا لك الأجر الإلهي عليها...

    فقد نقلتنا بين العقل وروحه والقلب وذكرياته!

    شكرا يا جميل!



    ..............
                  

10-31-2013, 07:31 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: Muna Khugali)

    يا رب
    لي وللعابرين أيضاً





    لن أمل ما بقيت والمزاج متاخم
    عن رفعها لنتشارك نفعها -والأمل معقوداً في ذلك (أي نفعها)
    وفي مناولتنا من كؤوسكم بعض الرحيق أو الحريق...



    تحياتي، محبتي واحترامي منى....
                  

10-31-2013, 08:32 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... إنا من القراء يا أسامة ومن المشتاقين إلى حرفك/وجودك هنا... (Re: بله محمد الفاضل)

    حامل القات للسيِّدة
    شعر: أسامة الخوّاض



    "منذ العائلة...منذ المدرسة...منذ التقاليد...منذ الإرهاب كان كلُّ شيئ عني تاءً للخجل،
    كل شيئ عنهن تاءٌ للخجل".

    "تاء الخجل"،ص 11.




    أنا حامل القات للسيِّدةْ
    و كاتمُ أسرار فتْنتها،
    و افْتهاناتها(1)،
    و مديرُ كؤوس نبيذ الصخبْ
    على جوقةٍ من نوارس بحْر أنوثتها،
    و معلِّقُ روزنامة السعْد في سقْف طالعها،
    و العليمُ بأخبار إسرائها من مهاوي الرتابةِ ليلاً،
    إلى سدْرةٍ في سديم الهيامِ،
    و حوذيُّ نزْهاتها في بقاع الغيابِ،
    و مقْرئُ أصْحاح حكْمتها،
    و مترْجم شطْحاتها،
    و مفسِّر هذْيانها،
    و "المعجّن" منْشدهاً من لدونة "عجْوتها"،
    و زفاف الُمثنّى إلى المُفْرد الصمديِّ،
    و "نون" النسيبِ،
    و "نون" النساء و ما يشْتهينَ،
    و تاء المُخاطَب من ربّة الصولجانِ،
    و تاء التليدةِ،
    خارج أسوار "تاء الخجلْ"(2)
    و "واو" المعيَّةِ مسبوقةً بالتمنِّي،
    و "واو" انعطاف الحُلِيِّ على الزعفرانِ،
    و "ياء" المُنادَى إلى همْزة الاشتهاءِ،
    و نحْو لغات الجسدْ

    يناير-أكتوبر 2013.



    هامشان:
    (1)الافتهان هو أقصى درجات المتعة التي يبلغها ماضغ القات.
    (2) عنوان رواية لفضيلة الفاروق .
                  

11-11-2013, 10:31 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    من تقاطعات زمن الهجاء - البكاء

    عبدالعزيز المقالح

    جريدة الحياة - الأحد and#1633;and#1632; نوفمبر and#1634;and#1632;and#1633;and#1635;



    -1-

    حينما أخذتني الكتابةُ

    من غفوةِ اللامبالاةِ

    وانفتحت لي خزائن هذا الفضاء

    الذي لا حدودَ لَهُ

    قلت للكلمات: اتبعيني

    إلى سدرة المنتهى

    إن هذا مداري

    سأفتح نافذةً في جدار السماء

    وأخرى على حافة البحر

    ثم أشيّد أرضاً مكان التي

    افتقدت منذ حينٍ براءتَها.



    -2-

    قلت للأحرف النائيات: اقتربن

    سأجعل من جسد الكلمات

    قصوراً ليسكنها الفقراء

    وأجعل هذا الأثير حقولاً من القمح

    فاكهةً تتدلىّ،

    وأملأ هذا الفراغ المملّ

    موائدَ من فيض ما لذّ

    شَهداً، وأرغفةً،

    وشراباً طهوراً،

    وأدعو الجياع إليها

    وأمضي بهم نحو أرض البنوك

    وأطلب فتيانَهم أن يسدوا مداخلها

    ومخارجَها

    ويقولوا لكل النقود:

    وداعا.



    -3-

    كان ذلك حلمي غداةَ

    اصطفتني الكتابةُ خِدناً لها،

    بيد أنّ يديْ ارتعشتْ

    خذلتني أصابعها

    فتوقفت عن رسم خارطة العالم المشتهى.

    بكتِ الكلماتُ، وأجهش خوفي.

    ورافقني ضجرٌ كنت أعرفهُ

    قبل أن تصطفيني الكتابةُ.

    ناديتُ أهلي وصحبيَ،

    لا صوت قد جاءني

    أو أجاب ندائي

    سوى خوذةٍ لشهيدٍ

    عليها ثقوبٌ مدمّاةْ

    من خلفها يتعالى

    بكاءُ الأرامل والنادباتْ.



    -4-

    كل شيءٍ مُعَدٌّ هنا

    للفناء.

    الذبول يوشّح وجهَ المدينة

    والناس من خوفهم يهربون

    إلى الخوف.

    لا شيء يُنقذ أرواحهم!

    لا ملاذَ من الخوف إلاَّ إليه،

    ولا صوتَ يعلو على صوتهِ

    وحدَهُ من يهزّ المساءَ إذا جاء

    وحدَهُ من يهزّ النهار إذا جاء

    وهو الذي وحّد الكائنات

    وأخلى الشوارع من أهلها،

    من كلاب الأزقةِ

    من قططِ الليل

    من همسات العسسْ.



    -5-

    أنا لا أرى وطناً

    لا أرى غير أكوام ناسٍ

    على حافةِ القبر

    يقتتلون على ضِفدعٍ ميّتٍ

    لا خيولَ لهم،

    لا سيوف،

    انخذالاتهم تملأ الأرضَ

    حزناً،

    قياداتُهم، وجنرالاتهم هربوا

    قبل أن يخرج الفجر من رحم الليل،

    بل قبل أن يترقرق فوق سقوف البيوت

    صياح الديوك.

    حملوا كل ما خفّ من ذهبِ الأرض

    من فضةِ الشعب

    وانحدروا في بقايا الظلام.



    -6-

    سادتي، سيداتي

    من العرب الواقفين على حافةِ

    الأرض،

    ينتظرون جنازتَها

    لا تخافوا...

    ما الذي سوف تفتقدون إذا رحَلتْ

    خوفَكم؟

    جوعَكم؟

    وخلافاتِكم؟

    أي شيءٍ أضفتم إليها حديثاً؟

    ألا تخجلون؟

    أنتم الفائض المزْدَرى

    كالخراف تنامون في مسلخ

    الانتظارْ.



    -7-

    لا أقول السلام عليكم

    فما عاد في هذه الأرض

    من يستحق السلام

    انطوتْ صفحةُ الأنبياء

    وما عاد في جنة الممكنات

    رجالٌ شغوفون بالحب

    والشعر،

    كل المسافات مقفرةٌ

    والجـُناةُ خلا لهم الجو

    والروح غائرةٌ

    تتقيأ آخرَ أنفاسها

    وسط هذا الفراغ المميت،

    ولا وردَ ثمّ، ولا من حَمامٍ

    ولا من سلامِ.





                  

11-26-2013, 08:45 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    الجُّرحُ والقَوْس: ;منظمات المجتمع المدني. كمال الجزولي


    دفعت هَبَّة الجَّماهير السُّودانيَّة، في سبتمبر المنصرم، بهموم التغيير في البلاد، أكثر من أي وقت مضى، إلى الواجهة السِّياسيَّة على جميع الأصعدة. ومن ثمَّ فإن الحواريَّة التي افترعها الأستاذ الحاج ورَّاق بهذا الشَّأن (حريَّات الإليكترونيَّة؛ 18 أكتوبر 2013م) تستدعي التداخل في ما يتصل، خصوصاً، بـ "روحيَّة" قضايا "إنضاج العامل الذاتي"، كأحد أهمِّ الرَّوافع الاستراتيجيَّة للقوى التي يُنتظر أن تسهم في إحداث التغيير المنشود. ولئن كان الضِّلعان الرَّئيسان لهذه القوى، خلال ثورة أكتوبر 1964م وانتفاضة مارس/أبريل 1985م، هما الأحزاب السِّياسيَّة والكيانات النقابيَّة، فثمَّة ضلع ثالث برز، بقوَّة أكبر، خلال ربع القرن الماضي، بحيث لا يمكن إغفاله: "منظمات المجتمع المدني" و"المنظمات غير الحكوميَّة" الحديثة.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1)
    ويلزمنا، بادئ ذي بدء، التأكيد، لأسباب لا تخفى، على أن ما يعنينا، هنا، ليس أمر "منظمات الضِّرار" الحكوميَّة التي تضع قناع المنظمات غير الحكوميَّة، أو ما يُصطلح عليها بالـ GONGOs، والتي أنشأها النظام الحاكم، وما زال ينشئ المزيد منها، ويسبغ عليها أشكالاً وألواناً من رعايته وحمايته كي تكون عوناً وسنداً سياسيَّاً له! إنما يعنينا أمر المنظمات المدنيَّة المستقلة التي تنشأ من بين أوساط المجتمع المدني بغرض خدمة قضايا مجتمعيَّة وإنسانيَّة محدَّدة. فتأهيل "العامل الذاتي" لهذه المنظمات، بالذَّات، يقع في مركز الدَّعوة غير المسبوقة التي طرحها ورَّاق بغرض تحقيق "فاعليَّة" النشاط الرَّامي، عموماً، لإحداث التغيير المنشود، عن طريق إشاعة "روحيَّة جديدة" في أفقه، وبالتالي في أفق نشاط هذه المنظمات على وجه الخصوص.
    إن أوَّل ما تجدر ملاحظته، هنا، هو أن ناشطي هذه المنظمات ما انفكوا يعكسون، منذ حين، وعن جدارة، أكثر فأكثر، في السُّودان كما في غيره، صورة "مناضلي" القرن الجَّديد. مع ذلك لا بُدَّ من الاعتراف بأن نشاط هذه المنظمات ظلَّ يعاني، في السُّودان بالتحديد، مرضاً يكاد يستفحل، بل، ولولا فسحة الأمل، لقلنا إنه قد يستعصي على العلاج تماماً! وأبرز أعراض هذا المرض ثلاثة: "ضعف الوعي بالذات"، و"تناقض النظر والممارسة"، و"ازدواجيَّة الحقيقة والوهم".
    وتنبع أهميَّة التَّصدِّي لتهوية هذه القضية ذات الأثر والخطر من ضرورة تهيئة الفضاء "المعنوي"، عموماً، والأخلاقي، بالذات، لنشاط هذه المنظمات، بما يفوق، ربما، الاهتمام بالبُعد "الموضوعي" لهذا النشاط، وذلك هو، على وجه الدقة، محل اتفاقنا مع ورَّاق في ما عناه بدعوته المذكورة، والشَّاملة لكلِّ قوى "التغيير"، كجرس يُقرع للتنبيه إلى أن هذا "التغيير" ليس محض حزمة من الإجراءات نتخذها، فنعبُر بها من حال سئ إلى حال أفضل، وإنما هو، في المقام الأوَّل، مناخ من "روحيَّة" إيجابيَّة يحتاجها الفضاء "المعنوي" لحراك الجَّماهير، تقي من اليأس، فالسُّقوط المأساوي في غواية الاستكانة للتنازل عن "الكرامة"، و"الحريَّة"، و"الحقِّ" في "المشاركة" في تقرير المصير، ومن ثمَّ الارتداد البئيس للقبول ولو بكاريكاتير "مستبدٍّ عادل"، كما يحدث، الآن، في بعض بلدان المنطقة!

    (2)
    إذن، فالعرَض الأول للمرض المشار إليه يتمثل في ضعف وعي الكثير من منظمات المجتمع المدني، في بلادنا، بذاتها، تحت وطأة خطأ معرفي ومفهومي فادح يجعلها تغفل عن حقيقة كونها سليلة ما كان يُعرف في السَّابق بـ "المنظمات الجَّماهيرية"، وتتوهَّم، ضلالاً، أن ظاهرتها "مستجلبة"، أصلاً، من الغرب، ولا نسب لها في الخبرة الوطنيَّة! هذا الخطأ يستند، في الغالب، إلى ثلاثة أسباب أساسيَّة:
    (1) العُسر النسبي في الحصول على التمويل من السُّوق المحلي، حيث يحتاج جمع التبرُّعات إلى عمر نوح وصبر أيوب، مقارنة باليُسر النسبي في انسياب التمويل من المصادر الأجنبيَّة، بصرف النظر عن الحكمة التي تجري بها بعض الأمثال عن أن "من يدفع للزَّامر يفرض عليه اللحن"، اللهم إلا من عصم ربك، بالطبع، وهم، في العادة، قلة! وسوف نعرض، بعد قليل، لنوعين متمايزين من التمويل: "حميد" و"خبيث"؛
    (2) طبيعة مناهج التدريب الغربيَّة التي غالباً ما تأتي في أذيال التمويل الأجنبي، والتي تصمَّم، على نحو ما، بتصوُّرات أيديولوجيَّة زائفة تنزلق، بنعومة، إلى فكر هذه المنظمات؛
    (3) غلبة المصطلحات والمرجعيَّات الأجنبيَّة المعرَّبة بلا هوادة، والمعتمدة كلغة عمل لهذا المجال، فتوحي بأن مصدر علمه الأساسي هو، بالضَّرورة، غير سوداني، حتف أنف النشأة الباكرة للنشاط المدني في بلادنا، والتي سنشير إليها أدناه!
    على أنه تلزمنا المسارعة هنا باستدراكين مهمَّين:
    أولهما: أن المشكلة، كما سبق وألمحنا، ليست وقفاً على التَّجربة السُّودانية، فليس نادراً ما تثار في الكثير من الفعاليَّات المدنيَّة الإقليميَّة؛
    وثانيهما: أننا لا نعمِّم، ولا ينبغي لنا؛ فثمة منظمات في بلادنا، وإن تكن قليلة، مبرَّأة، إلى حد كبير، من حَوَل البصر والبصيرة هذا! وقد ظل إسهامها كبيراً، بالأخص الناشطة منها في مجال حقوق الإنسان، فضحاً للانتهاكات، ودفاعاً عن الضحايا، ورفضاً للتشريد بين معسكرات النزوح في الدَّاخل، واللجوء في الخارج، وشنَّاً للحملات ضدَّ القتل، والتعذيب، والاغتصاب، والإخفاء القسري، والاعتقال الإداري، وتدجين القضاء، وما إلى ذلك. وحبَّذا لو رتبت بعض هذه المنظمات مُدارسات مرموقة لثقافة هذا النشاط الضَّاربة بجذورها في تربة الإرث العريق للعمل الطوعي لدى مختلف تكويناتنا الإثنيَّة "نستخدم المصطلح بدلالة (العرق + الثقافة) معاً"، فضلاً عن تطوُّر هذا العمل، وارتقائه من الشَّكل الأهلي الأوَّلي إلى الشَّكل المدني الحديث، وما راكم خلال ذلك المشوار، منذ مطالع القرن الماضي، من خبرات ثرَّة لم تحبس هذا النشاط في فهم صفوي ينسرب من وسع الهموم العامَّة إلى ضيق الاهتمامات الخاصَّة، مثلما يحدث الآن في الغالب، وإنما ظلت تنفتح به على آفاق الفعل الجَّماهيري، عبر مؤسَّسات الصَّحافة، والمكتبة القبطيَّة، والفرق المسرحيَّة، وأندية الخرِّيجين، والاتحاد السُّوداني، واللواء الأبيض، ومجموعات القراءة Reading Groups، ومؤتمر الخرِّيجين، والأحزاب السِّياسيَّة، والكيانات النقابيَّة، والاتحادات المهنيَّة، والتنظيمات الفئويَّة، والمدارس الأهليَّة، والأتيام الرِّياضيَّة، والجَّمعيَّات التَّعاونيَّة، والرَّوابط الإقليميَّة، وأندية الأحياء، ومعهد القرش، وتنظيمات الكشَّافة، والمرشدات، وغيرها من التنظيمات المرتبطة بالجماهير الشعبيَّة، مباشرة، والفاعلة، تاريخيَّاً، في بلورة وإنفاذ البرنامج الوطنى الديمقراطى. جهد كهذا قمين بتوفير معرفة نحتاجها، بإلحاح، لتصحيح فهومنا المعطوبة، والقائلة بأننا، على هذا الصَّعيد، اتِّباعيُّون ولسنا ابتداعيِّين!

    (3)
    ولئن كان المنطق الأساسي لعمل منظمات المجتمع المدني ينهض على دعامتين اثنتين من قيم الحداثة ومبادئ العدالة الاجتماعية، فإن العرَض الثاني للمرض المشار إليه إنَّما يتمثَّل في التَّناقض الفاضح لدى الكثير من هذه المنظمات، والتي يربو عددها، حاليَّاً، عن الألف، بين ضجيج اللغو النَّظري بهذه القيم والمبادئ، وبين المفارقة الخشنة لذات هذه القيم والمبادئ على صعيد الممارسة العمليَّة! مردُّ ذلك التناقض، في الغالب، إلى تعقيدات الظروف الاستثنائيَّة التي تفجَّرت تحتها وأخضعت لها، خلال ربع القرن الماضي، أشكال وأساليب نشأة ونشاط هذه المنظمات، مقارنة، كما سبق أن أشرنا، بتلقائيَّة الثقافة الشَّعبيَّة، أو حتى بمناهج عمل المنظمات الجَّماهيريَّة المار ذكرها. ولا نعتقد أن بنا حاجة لتعريف هذه الظروف الاستثنائيَّة بالقمع السِّياسي، وشروطه القانونية المجحفة، والتضييق الذي تفرضه هذه الشروط على فرص الحركة باحتكارها للموالين للسُّلطة، مع غياب أبسط احترام رسمي لأيَّة مظلة دستوريَّة لديموقراطيَّة التَّنوُّع والتَّعدُّد، الأمر الذي يُلجئ هذه المنظمات، في أغلب الأحيان، إلى إدارة أمرها بطرق غاية في الالتواء، بل والذهاب في هذا إلى حدِّ أن يصبح الالتواء هو الأصل، وما عداه استثناء!
    لذلك كله فإن من أبرز احتمالات تمظهر هذا العرَض أربعة:
    الاحتمال الأوَّل: تضعضع مناهج العمل الجَّماعي الشَّفاف transparent المفترضة في الإدارة الدِّيموقراطيَّة لهذه المنظمات، وتردِّيها إلى الانغلاق في أنماط ضيِّقة من الذِّهنيَّات القبليَّة، أو العشائريَّة، أو العائليَّة، أو الشُّلليَّة، في أفضل الأحوال، أو ربَّما حتَّى ذهنيَّات المافيا، في أسوأها، حيث تسـتأثر رؤوس معـدودة بالأمر، إداريَّاً وماليَّاً، وربَّما رأس واحد!
    الاحتمال الثاني: تفادي بعض هذه المنظمات مجابهة القيود القانونيَّة لتسجيل "تنظيمات العمل الطوعي" أو "الجَّماعات الثقافيَّة"، وتفضيلها، بدلاً من ذلك، التَّسجيل الميسور، نسبيَّاً، لدى "المسجِّل التِّجاري العام"، دون أن تعير انتباهاً إلى حقيقة أنها إنما تضع نفسها بذلك، منذ البداية، وبصرف النَّظر عن حسن النوايا أو سوئها، في دائرة "السُّوق"، ودون أن تقيم أدنى اعتبار، بالتالي، للفروق الجَّوهريَّة بين هذه الدَّائرة وبين دائرتي "المجتمع" و"الدَّولة"، أو لمنظومات القيم الموضوعيَّة التي تشكل القانون الدَّاخلي لكلٍّ من هذه الدَّوائر، حيث "الرِّبح" قانون "السُّوق"، و"التكافل" قانون "المجتمع"، و"العنف المشروع" قانون "الدَّولة"؛
    الاحتمال الثالث: إرساء غلبة المحاذير الأمنيَّة الأساس التَّبريري لتحوُّل الكثير من هذه المنظمات إلى محض كيانات مغلقة، لا يتجاوز عدد "مالكيها"، بل ولا يرغبون في أن يتجاوز، أصابع اليد الواحدة، بالمخالفة للمبدأ المتمثِّل في وجوب انفتاحها للعضويَّة الفاعلة والرَّاغبة في المشاركة في المجال المعيَّن، الأمر الذي يفضي، بالضَّرورة، إلى غياب الهيكلة والممارسة الدِّيموقراطيَّة الشَّفافة داخلها، فقلما توجد لوائح منضبطة يتمُّ التحاكم إليها، بجدِّيَّة، في ما يتَّصل بالأهداف أو الوسائل، وقلما تنعقد جمعيَّات عموميَّة، أو تُنتخب مجالس أمناء، أو إدارات تنفيذيَّة، أو تُتَّبع أسسٌ محاسبيَّة، أو يُعهد بالميزانيَّات إلى مراجعين، أو ما إلى ذلك من أساسيَّات التنظيم الدِّيموقراطي الحديث.
    الاحتمال الرَّابع: طغيان مشكلة "التَّمويل" التي تأتى، من فوق هذا كله، كما سلفت الإشارة، كي يفضي قبضُ الدولة يدها، كلَّ القبض، عن دعم هذه المنظمات، بالمخالفة لما يقضي واجبها، إلى إفساح المجال بأكمله لينفرد به "التَّمويل الأجنبي" وحده! على أنه ينبغي ألا يُفهم من هذا أن لدينا اعتراضاً، بالمطلق، على "التَّمويل الأجنبي" من حيث هو. لكن، مع إقرارنا بوجود تمويل أجنبي "حميد"، يجدر بنا الإقرار، أيضاً، بوجود تمويل أجنبي "خبيث"، ومنبع "خبثه" إمَّا الاستراتيجيَّات السِّياسيَّة للمانحين أنفسهم، أو فساد أساليب عمل إداريي هؤلاء المانحين أو ممثليهم الإقليميين! مهما يكن من أمر، فإن هذا النوع "الخبيث" من التمويل هو الذي يلعب الدَّور الأكبر في تحويل مثل هذه المنظمات إلى محض "كناتين للعمل المدني!"، بل إن بعض المنظمات أو الجَّمعيَّات أو المراكز ليست، في حقيقتها، غير حقيبة صغيرة تحت إبط "المالك" الذي يكون، عادة، لغفلته، آخر من يعلم أنه، بهذا، إنما يجعل من نفسه هدفاً لسخرية المانحين، أنفسهم، قبل غيرهم، فيطلقون على مؤسَّسته، تندُّراً، ما يُعرف، في دوائرهـم، بالـ "Brief Case NGO"، ويا له من وصف مُهين! هذا النوع من التَّمويل يقف، في تقديرنا، وتحت ضغط الضَّوائق الاقتصاديَّة المعلومة، على رأس مهدِّدات مثل هذه المؤسَّسات بالفناء، أو بالشَّلل في أفضل الأحوال، إذ يحوِّلها إلى مجرَّد "مشروعات إعاشة" لـ "أصحابها" وذويهم، أو "مطايا" للأسفار التي تُحتكر، فحسب، لمن في يدهم القلم في قمَّة إداراتها، ولا تَسَلْ، بعد ذلك، عن القدرات الفكريَّة المتدنِّية لدى الكثيرين مِمَّن يجرى ابتعاثهم، من المحاسيب والخاصَّة والأقارب، إلى مشاركات دوليَّة أو إقليميَّة، فتتحوَّل، بفضل تدنِّي هذه القدرات، إلى محض مواسم لـ "السِّياحة"، الأمر الذي يكون، هو وغيره، محلاً، في العادة، للصِّراعات الشَّخصيَّة، والنزاعات غير المبدئيَّة، ونميمة مجالس الأنس، وثرثرات الهواتف النقَّالة صباح مساء!
    هذه الاحتمالات قد تقع فرادى، وقد تقع مجتمعة، بحسب كلِّ حالة على حدة. أمَّا أخشن تمظهرات التَّناقض بين اللغو النَّظري بقيم ومبادئ الحداثة والعدالة الاجتماعيَّة، وبين إدارة الظهر لنفس هذه القيم والمبادئ في الواقع العملي، فتتبدَّى بجلاء لا يحتاج إلى فانوس ديوجينس لإضاءته حين تجد، مثلاً، منظمة يدِّعي القائمون عليها، في العلن، أنهم يدافعون عن المظلومين، بينما شبكة "المصالح" الضَّيِّقة تدفعهم، في الخفاء، لممالأة الظالمين طالما كانوا من الأقارب، أو الأصدقاء، أو الشُّلة، أو المافيا! أو حين تجد، مثلاً، منظمة أو جمعيَّة أو مركزاً ثقافيَّاً يملأ الدُّنيا ضجيجاً حول الدِّفاع عن حقوق الإنسان، على حين لا يتوانى هو نفسه في جحد حقوق المستخدَمين لديه بالأجر، أو هضم حقوق المبدعين الذين يستثمر إنتاجهم لأغراض الربح، أو انتهاك ملكياتهم الفكرية بفظاظة لا تعرف الحياء! أمثال هؤلاء ينهضون كأسوأ مدافعين عن أعدل قضيَّة، ومن ثمَّ يوفرون أبأس نماذج المصادمة المباشرة لمطلوبات الفضاء "المعنوي" المرغوب فيه للتحشيد باتِّجاه مناصرة نفس القضيَّة التي يُفترض فيهم خدمتها!

    (4)
    أما العـرَض الثالث فيتمـثَّل في بعـض "الأوهـام" التي ما تنفكُّ تعشعـش في أذهان الكـثير مـن النُّشـطاء، وأخطـرهـا طـرَّاً تعـريـف "منظـمـة المجـتمـع المدني" ككـيان "غـير سياسـي apolitical"، بينما المقصود أنها كيان "غير حزبي nonpartizan"، والفرق، يقيناً، جدُّ شاسع! وقد يستبين هؤلاء فداحة خطأهم هذا إذا قدِّر لهم أن يدركوا، مثلاً، كيف أن منظمة دوليَّة، كمنظمة الصحَّة العالميَّة WHO، أصبحت تقرُّ بازدياد نشاط منظمَّات المجتمع المدني كقنوات لممارسة المواطنة في سبيل تحقيق التَّغيير الاجتماعي والاقتصادي. ولأن قنوات كهذه يستحيل أن تكون "غير سياسيَّة"، فإن باحثين كثر، كالسُّوداني محمَّد سعيد الطيِّب والتونسي منصف المرزوقي، أضحوا يميلون نحو تأكيد المفهوم "السِّياسي" لهذه المنظمات بالأساس.
    كذلك فإن ثمَّة تيَّاراً عالميَّاً مرموقاً ما فتئ يشدِّد، منذ حين، لدى الحديث عن منظمات حقوق الإنسان، مثلاً، على أنه لا معنى لمفهوم "الإنسانيَّة" ذاتها بدون الصحَّة، والعمل، والغذاء، والملبس، والمسكن، والتَّعليم، والثقافة؛ وأن تواتر المناداة بالعدالة الاجتماعيَّة في شأن هذه المطلوبات عائد لكون نفس الأسباب تولد، دائماً، نفس النتائج. ومن ثمَّ فمن الضَّروري أن تتصدَّى "حركة حقوق الإنسان" لتحقيق هذه المطالب المشروعة للطبقات الفقيرة والشُّعوب المقهورة. وإنه لمِن عمى البصيرة، بل من "مرض الغرض"، يقيناً، عدم رؤية الطبيعة "السِّياسيَّة" لهذه "الحركة" نفسها من هذه الزاوية بالذَّات! فحتى لو جرى، بحسن نيَّة، ابتلاع الفكرة الزَّائفة بأن على منظمات المجتمع المدني ألا تمارس "السِّياسة"، فإن "المناضل" من أجل "حقوق الإنسان"، أو "صون البيئة"، أو "حماية المستهلك"، على سبيل المثال، سرعان ما يصاب بالحيرة ـ حسب المرزوقي ـ حين يكتشف أنه، في "نضاله" هذا، لا يغادر "السِّياسة"، في الحقيقة، قيد أنملة! فإنْ هو أدان "التعذيب" مارس "السِّياسة"، وإن غضَّ الطرف عنه مارس "السِّياسة" أيضاً، وسواءً طالب، أو لم يطالب، بالحريَّات الشَّخصيَّة، أو العامَّة، أو بحقوق الطفل، أو المرأة، أو الأقليَّات، أو حتى سعى، فقط، لـ "تعليم" حقوق الإنسان، فإنما يمارس "السِّياسة"، بالضَّرورة، ومن كلِّ بُد!
    وهكذا فإن الأمر، في جوهره، أكثر تعقيدا من مجرَّد قوائم الشُّروط التَّبسيطيَّة المُخِلة التي تصمَّم كتالوجاتها manuals خصيصاً ليُدفع بها إلى ورش "الزِّيانة" التَّدريبيَّة على رءوس "اليتامى"، كما في بعض الأمثال، استهدافاً لإخصاء الطابع الرَّاديكالي لخبرة "المنظمات الجَّماهيريَّة" في بلادنا، منذ نشأتها في أتون الصِّراع ضد الاستعمار من أجل الاستقلال السِّياسي، وحتى انخراط سليلتها "المنظمات المدنيَّة" في معمعة النضال من أجل التغيير الشَّامل، سياسيَّاً، واقتصاديَّاً، واجتماعيَّاً، وثقافيَّاً!

    (5)
    أخيراً، لئن كان من قبيل الحُجَّة غير المهضومة أن يدعو أحد لإرجاء المكاشفة الواجبة حول هذه القضيَّة، والمفاكرة الضَّروريَّة في شأنها، بدعوى أن الوقت غير مناسب، أو بزعم الحذر من إساءة استغلال هذه المكاشفة أو المفاكرة من جانب السُّلطة وأجهزتها المعادية للمنظمات المدنيَّة، فإن ثمَّة، مِن أهل نفس هذه المنظمات، مَن لا يتوانى في استخدام ذات هذه الحُجَّة لتكريس الاتجاهات الخاطئة، فتكون هذه المنظمات جرحاً بقدر ما هي قوس! لذا، ولأن الوقت المناسب لأي إصلاح هو، بالقطع، كلُّ الأوقات، فينبغي تفويت الفرصة على كلا الطرفين، السُّلطة والنشطاء الفاسدين، بحملة جادَّة يقودها الشُّرفاء في هذه المنظمات، لإصلاح أوضاعها، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بغير فتح الجُّرح لتطهيره من خلال حوار داخلي واسع، صريح، شفاف، وحرَّاق، يضمن لهذه المنظمات اليوم، وليس غداً، أن تحافظ على رأسمالها الرَّمزي الافتراضي، القائم، ما يزال، بالحقِّ، في ثقة واحترام أقسام واسعة من الجَّماهير للكثير من قادة هذه المنظمات ورموزها، وتعويلها عليهم في لعب أدوار مقدَّمة في معارك التحوُّل الدِّيموقراطي، وإلا فإن الحديث عن إسهام هذه المنظمات كضلع في التَّغيير المنشود، وبالأخص في دعم "روحيَّة" الفضاء "المعنوي" المطلوب لهذا التغيير، لن يعدو كونه محض أماني، بل .. مجرَّد حديث خرافة!



    http://##################/forum/viewtopic.php?t=7683andsid=875cc...944e45430332d27a31ca
                  

11-26-2013, 10:38 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة...إلى إبراهيم فضل الله في غيابه الموحش المقلق ومصطفى مدثر وجميع المترجمين... (Re: بله محمد الفاضل)

    الترجمة بوصفها تعرّفاً إلى الغريب


    محمود حيدر*


    من وحي كتاب “التعرُّف إلى الغريب” للباحث والمترجم الفرنسي أنطوان بيرمان، يمضي هذا المقال لتبيان المهمّة الصعبة للترجمة، والتي تتعدّى تقنيات نقل الحروف والجمل والعبارات من لغة إلى لغة، لتصل إلى إدراك سرّ النص ودلائله ومراميه، إلى حدّ أنه هو وصاحبه ينزلان منزلة الغربة، وينبغي أن يكونا معاً موضوع التعرُّف بحسب بيرمان، وبهذا يصبح الغريب حقلاً معرفياً من الدرجة الأولى، وبالتالي ينبغي سبره والتعرُّف إلى مزاياه وخصائصه وطبائعه ومقاصده وغاياته على هذا الأساس.

    منذ البداية يعترف بيرمان بصعوبة المهمّة. لكنه يقترح حلولاً لبلوغ ترجمة تعرُّفية تقوم على خطين أساسيين متلازمين هما: التجربة والتأمل.

    في خط التجربة: يرى أن الترجمة من حيث طبيعتها هي تجربة. فالمترجم يكابد ويعاني التعارضات التي تتناول مجال الترجمة؛ مثل التعارض بين اختلاف اللغات وتشابهها، والتعارض بين قابليتها للترجمة وعدم قابليتها لها، وكذلك التعارض بين استرجاع المعنى واستنساخ المبنى.

    أما في خط التأمل: فإن المؤلف يلحظ بأن “الترجميات” هي “غاية الترجمة في ذاتها”. مبيِّناً كيف ان التأمل ليس إلا انعكاساً للتجربة على نفسها، انعكاساً يتمّ بوساطة اللغة الطبيعية، وكيف أن الترجمة لا تستغني عن هذا التأمل، ولو أنها قد تستغني عن التنظير.

    ولمّا نظر الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر إلى النقل من زاوية الفلسفة، انطلق من حيّز ما، يسمّيه “الوجود المستقل للغة”، وكذلك من “المعنى الأصلي للفظ”. فجعل الترجمة الموصولة بالفلسفة تستمع إلى الوجود اللغوي، ثم تستنطق بعدها المعنى الأصلي الذي فيه.

    في اختبارات ما بعد الحداثة، حيث احتلت تقنيات التواصل مركز الجاذبية في إنتاج المعلومات و المعارف والأفكار، لم يعد التعرف في فضاء اختلاف الألسنة، منحصراً في المجال النظري، فقد جاءت “ثورة الميديا” لتفصح عن مناحٍ جديدة لمشكلات التعرّف.

    هل الترجمة صادقة؟

    مع أن الترجمة كمنجز معرفي حاصلة منذ وقت بعيد، وأن مفاعيلها وصورها وآثارها واضحة وجلية في تواصل الحضارات، وتعرُّفها بعضها إلى بعض، لا يزال السؤال يُطرح عمّا إذا كانت الترجمة عملية ممكنة، وصادقة في آن…

    الكلام في هذه المفارقة مرجعه إلى جدلٍ لم ينته حول ما إذا كان النص المترجَم هو نفسه النص الأصل، ولاسيما أن ثمة من لا يزال يشكك في إمكان نجاة النص من الأذى، فيما هو يترنَّح بين لغتين، لكلّ منهما عالمها المخصوص. يظهر ذلك في حقل الأدب والشعر والسياسة، مثلما يظهر أيضاً، في حقول الفلسفة والتصوُّف والنصوص المقدسة. كثرة كاثرة من الباحثين وجدوا أن تاريخ الفلسفة هو نفسه في العمق تاريخ الترجمة. وقد تكتسي الترجمة مظهر الشرح والتعليق كما هو الشأن عند ابن رشد. وعلى سبيل المثال، فإنك حين تدرس أرسطو، فذلك يعني أنك تشرحه، ثم تحوِّله من لغة إلى لغة، ومن خطاب إلى خطاب. وهذا التحويل، هو ما يوفّر للفلسفة حيويتها ونشاطها. والذين يقولون بهذا الرأي، يعتقدون أن الترجمة تعطي حيوية للنصوص، وتنقلها من ثقافة إلى أخرى. والنص – في رأيهم – لا يحيا إلا لأنه قابل للترجمة، أو أنه غير قابل لذلك في الوقت ذاته. الترجمة ككل كتابة هي فعالية وتحويل وإعادة إنتاج. ذلك أن ترجمة نصٍّ ما، هي تحويله وتوليده. فالنص لن يموت، ولن يُلغى، إلا إذا لم يعد قادراً على الإنتاج. إلا إذا لم يعد يطرح أسئلة. وفي هذه الحالة، فإنه لا يُترجم فقط، وانما لا يُفكَّر فيه وبه، ولا يُتداول، ولا يؤوَّل، ولا يُقرأ، ولا يعود نصَّاً.

    من هذه القراءة نلْحظ أن الترجمة تمرّ بمراحل متداخلة ومتناسجة في ما بينها. فهي كما يقال، نَسْخٌ وإلغاءٌ واستمرار. إنها نقلٌ للنصوص، وتحويل لها. وهي أيضاً تحويل للّغتين معاً: اللغة المترجِمَة واللغة المترجَمَة. ولعلّ هذا معنى ما قصده الجاحظ في قوله “متى وجدنا الترجمان قد تكلم بلسانين، علمنا أنه قد أدخل الضَّيْمَ عليهما، لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى، وتأخذ منها وتعترض عليها”.

    والنقل في كلّ حال، أمرٌ مستصعب، ومهمّة شاقة، فلا يُحسنُهما إلا من كان على دراية وعناية بثلاث معارف:

    أولاً: معرفة بلغة الآخر، أي بلسان الغريب وكيف يتكلم.

    ثانياً: معرفة بلغته الأصلية. ذلك أن مهمّة المترجم أن يُعِدَّ للنص المترجَمِ ما وَسِعَتـْه قدرته من إحاطة بقواعد اللغة، في نحوها، وصرفها، وبناءاتها، وتراكيبها.

    ثالثاً: معرفة بموضوع النص. فلو لم يكن المترجمُ عالماً بالنص المترجَمِ، أقلُّ الأمر أن يكون مثقفاً به، قارئاً له، فلن يتسنى له الإحاطة والإتقان به والإحسان إليه. وإذاً، العلم بنوع النص المترجَم، هو من الشروط الأولى التي يجب على المترجم حيازتها.

    يبقى السؤال قائماً حول ما إذا كانت الترجمة ممكنة. وفي هذه الحال أيضاً، سوف يأخذ الجواب مسافة أبعد ممّا ذهبنا إليه حتى الآن. فلقد اشتغلت الفلسفة الغربية على الترجمة، بوصفها قضية في غاية التعقيد. ثم مضت بعيداً في الاجتهاد، لعلها تجد حلولاً لهذه الإشكالية.

    كل ترجمة خيانة

    فيلسوف اللغة الأميركي المعاصر أندريو بنجامين له مذهب في الترجمة أقامه على ضربين مفهوميّين هما: مفهوم الكلمة ومفهوم الاستعمال.

    1- جعل بنجامين من “الكلمة” مفهوماً عاماً يندرج تحته كلّ ضرب من ضروب القول، لفظاً كان أم جملة أم نصاً. وجعل من أخصِّ صفات هذا المفهوم، أنه محلّ تعدّد الاختلاف، أو التنازع الدلالي. وتوضيح ذلك، أن الإحالة التي تجمع بين الكلمة والشيء الخارجي الذي تطلق عليه، لا تستغرق كلّ إمكانات الكلمة الدلالية، بل تقوم فيها إلى جانب هذه الإحالة دلائل إضافية مختلفة. فتكون قدرتها الدلالية مجاوزة لوظيفتها الإحالية. ويرجع السبب في ذلك، إلى أن الكلمة لا تدل على معناها الإحالي دلالةً مطلقة، وإنما تنطوي على إمكان ظهور معانٍ أخرى فيها تُنازِعُ هذا المعنى محلّه، وتشكُّل معه تعدداً دلالياً لا يستند إلى معنى أصلي بعينه، أو قل تشكّل معه تعدداً من دون أصل.

    2- أما مفهوم الاستعمال، فإنما هو عنده كناية عن الوصول إلى اللحظة، التي يتمّ فيها تحصيل معنىً مخصوص لنصٍّ، كما لو فهم المرء، مثلاً، القول المُلقى به إليه في أثناء التواصل. وقد استخدم بنجامين للدلالة على هذا المفهوم لفظاً اقتبسه من اليونانية. وهو “براغما”. أي معنى الشيء، باعتبار حصوله من طريق الممارسة.

    ومهما يكن من أمر، فثمة من فلاسفة اللغة ، فثمة من فلاسفة اللغة من قرّر أن المترجم لا يمكنه إنجاز الحدّ الممكن من مهمته إلا إذا تعامل مع الترجمة كعملية تحويل. تحويل القراءة والكتابة معاً. فلا ينبغي للترجمة كما تريد الميتافيزيقا الأفلاطونية أن تكون نسخة طبق الأصل. بمعنى أن يطابق عالمُ المُثُل والمعاني، عالمَ المحسوسات. ولكن إذا كانت الترجمة عملية تحويل، فهذا لا يعني أنها تمضي في اتجاه واحد. فالترجمة لا تحوِّل النص المترجم فحسب، وانما تحوِّل في الوقت نفسه اللغة المترجِمة، أي لغة المترجم نفسه. وفي هذه الحالة سوف يتعيّن على المحوِّل – أي المترجم – أن يتمثّل النص الذي أمامه. كأن يتكيَّف بيئة النص ويعيشها، كما لو كانت عيشه هو بالذات. فلا يغادرها حتى يمتلئ بها، وتمتلئ به. فيصير حالئذٍ نائباً لصاحب النص الأصلي، أو بديلاً منه، في لحظات الكتابة والنقل والتحويل. ذلك أن ماهية الترجمة – بوصفها عملية تحويل – إنما تكمن في توغُّل مفاعليها حتى داخل اللغة الواحدة نفسها. لذا يؤكد هايدغر “أنه على الرغم من كون عملية الترجمة التقاء بين لغتين، وتجعلهما تدخلان في حوار متبادل وتفاعل بينهما، فإن ذلك لا يشكل العنصر الجوهري للترجمة”.

    من هنا، على الأرجح، نشأت تلك العبارة الإيطالية، التي باتت تُتداول عن ظهر قلب: “traduttoret traditore” (“المترجم خائن”). وإذا كانت هذه العبارة تضعنا في المناخ الأخلاقي الذي أطلقته الرؤية الأفلاطونية للترجمة، فلا تعود هذه الرؤية تدل على التمييز بين عالم المُثُل وعالم المحسوسات فقط ، وإنما – كما يبيِّن الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز – وقوفٌ عند النُّسخ ذاتها، وفحصها لإظهار ما ينتسب الى الأصل، وما لا علاقة له به. وإذا كان الأنموذج الأفلاطوني هو المطابق لذاته، فإنه بهذا المعنى قد لا يجعل الترجمة ممكنة، مع أنها واقعية ممكنة في سيرورة الزمن والتجربة، ولاسيما حين تتوافر الحدود المعقولة لما يسمّى بأخلاقيات الترجمة. فما دمنا في الحديث عن الشغف الذي لا بدّ للمترجم أن يتوافر عليه حيال النص، فذلك سيوصلنا إلى الكلام على الوازع الأخلاقي المؤيّد بالتقوى في ميدان التعامل مع النص. والأخلاقية التي ينبغي على المترجم التزام قواعدها الكلية، قد تشكل الأساس الذي يصون عمليات التحويل والنقل من الزلل، والناظم الذي يحفظ الأمانة ويقيم التعرّف إلى نصاب العدل.


    *باحث في الفلسفة، ورئيس مركز دلتا للأبحاث المعمّقة- لبنان


    منقول من موقع مؤسسة الفكر العربي (أفق)
    http://ofoq.arabthought.org/?p=394
                  

11-28-2013, 09:28 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    بور تسودان... حتى تنام
    عالم عباس محمد نور






    ( إلى "ع" التي أعطت بور تسودان قطرة إيراق وحيدة وانتظرتها تتبلور )

    ويهطل ليل
    فتنفضّ عنها خطى السابلة
    فتنزع أسمالها تتعرّى ، وتلبس ثوبا جديدا
    ووجها جديدا ،وجنسية ، ثم تأخذ زينتها وحلاها
    وتقعي بعيدا ، تضاجع ليلتها المقبلة
    وقار السكينة يغدقها هالة من نقاء مريب وهالة
    فهذي المدينة
    لهل كل يوم لبوس ووجه ، وفي كل ليل
    لها ألف زينة .
    هاهي ذي تسفح الضوء ماجمّعته خلال النهار
    خيوطا قبيل المغيب ، وتنسى أساها
    وتلقي وشاحا من الظل أسود فوق المساكن
    عند الديوم ، فتخنقها إذ تراها
    تلملم أشعاثها ، فالمسارجُ شمْعَةْ
    تغالب حشرجة في الرياح ، ودمعَةْ
    تسيل، وتطفر أخرى، فتسكبها في حشاها .
    وبورسودان تحمل في الصدر نارا ، جراحا
    وتفرغها في الديوم مُدًى ، ونصالا ، وآها .
    وبورسودان ثاكلة في الديوم ،مشردة في الشوارع ، عاهرة في المواني
    وفي ديم " جابر " " كوريا " و " ديم المدينة "
    يساومها الموت حتى النخاع، وبالسلّ ، بالعار ، بالخوف ...
    تشرب قهوتها المرّة الطعم ، جائعة ، مستكينة

    بورسودان طفلة .
    بورسودان ناشزة غافلة .
    بورسودان غانية مترفة .
    بورسودان تفرد ساقيها ، فللبر ساق
    وساق إلى البحر ، كسلى لعوب
    وحين تجيء السفائن تمخر بينهما ثم ترسو
    تقيئ حمولتها في الرصيف.
    وتمضي لتأتي سفائن أخرى ، وأخرى ، وثالثة ،
    وهي ما أتعبتها المضاجعة المستمرة ، ما أرهقتها ...
    الصعود الهبوط الصعود
    تنادي بنيها: لقد مات يوم تعالوا لنغتال آت .
    فيأتون. عبر المسارب ، عبر الكوى المدلهمّة بالصمت والجوع
    يأتون من كل فج عميق ، جراد ، قطيع ن جموع
    " أوشيك " " أدروب " " أوهاج " "آدم "
    يختنق الشارع المتدلي إلى البحر حتى " السقالة "
    وتأتي إليها المواخر ، تخرج أثقالها ثم تملأ
    " أوهاج " يحمل جوّال سكر .
    وتعلو الروافع ، ترجع خاوية .. ويحمل " أوشيك " طردا على ظهره
    ويئنّ . و " آدم " يسقط بين الرصيف وبين السفينة
    وتصعد همهمة وصراخ ،ويعلو ضجيج
    ويطفح "شوتاله " و" الصديري " على صفحة البحر
    بعض الوجوم على وجه " أوشيك "
    وجه تكلّس بالحزن حتى استحال يقينا .
    رويدا رويدا يفرّون ، تأتي الروافع، يحمل " أوهاج " كيسا ،
    ويصعد وهو يئنّ ، تعود الروافع خاوية، والبضائع ،
    تلال تكوّمن أنواع شتّى ، وبعض تبعثرن ..
    ما لفظته المخازن متخمة ، وهي ملأى أمام الجمارك .
    و " أوشيك " ظمآن والبحر زيت ...
    وأعينه الغائرات تسافر نحو الصوامع شامخة ..
    مثل نصل يمزق وجه السماء البريء ، فصومعة
    للجياع هي الصومعات.
    و تأتي المواخر تسكب قمحا
    وتشفطها الماكنات الضخام
    وتملأ أمعاءها الأسطوانية الشكل ،
    صومعة للجياع تحاصرها الأعين الجائعات .
    " أوهاج " يأكله الجوع ،يسقط وسط الزحام ،
    تمرّ به الفارهات ، فتدهسه أو تكاد
    ويسقط من جيبه بعض حبّات عجوة ،
    وبنّ ،وبعض النقود ، وعلبة تبغ ، وأشياء أخرى .


    وشمس العشية ترمي شباكا مذهّبة الخيط ،
    تنأى بعيدا عن البحر،
    تهرب خلف الجبال،
    تنام .
    ومقهى " جروبي " يعجّ بروّاده الألف ، يعلو صراخٌ
    وينده نادلْ.
    وتمتلئ الحافلات بركّابها و" تغلّق " تزحف نحو الديوم.

    بورسودان تخرج من جلدها تتمطّى ، وتأخذها بهجة من بعيد
    تداري عيونا بطرحتها ، وهي ترفل في ثوب عرس شفيف .
    ويمتلئ السوق بالنّازحين النمال ، فيمتزجون ...
    تحيط بهم ضجّةٌ غلّفتْ كُلَّ سوق.

    على الأفق ترعى السحائب أسراب، تمضي سراعا ...
    وتكسو المدينة ثوبا من " الموسلين "
    تراها، وقد خرجت تستحمّ على ساحل البحر
    والجوّ مثل الوشاح الحرير،
    يحيط بها،
    فالربيع هنا جاء يحمله البحر عند المواسم.
    هاهم أولاء الهنودُ، الحضارمةُ الساكنون بها، والشوامْ،
    فهم مترفوها، وهم واهبوها طلاء جميلا، ونكهةْ،
    وتلك محارمهم في الشوارع نشوى ..
    وضحكاتها العابثات ترنّ،
    يجاوبها في البعيد الصدى .
    ويبتلع الصمت ديم " السلالاب" " جابر" " كوريا" و " ديم المدينة "
    وتمتزج النسوة السائرات، زكائبَ، حمراءَ، زرقاءَ،
    صفراء، خضراء، تمضي،
    تواصل رحلتها في السكينة .
    ومن بينها تنْبُضُ الأعينُ الزئبقيةُ ومضاً خلال الخمار،
    وتنأى،
    تذوب معالمُها في حواري المدينة .


    موّال حزين
    يجيءُ الليلُ عبر مدينتي بجحافل الْحُمّى فيخنقها،
    ويكاد يخفيها.
    تقاومها منارتُها، وأضواءٌ صمَدْنَ هناك،
    ومضاتٌ محشرجَةٌ،
    كأنَّ الحزنَ يطفيها.
    ولولا أنّها تعِبَتْ، ولولا أنها نزفَتْ،
    ولولا أنها حجزَتْ بكفّيْها،
    ظلالاً كان ينسجها الدجى، ويُخِيطُ أكْفاناً
    يلفّ مدينتي فيها،
    لما هَبَطَتْ بِحُمّاها، ولا عادت ببسمتها،
    لكان البؤس يكفيها!
    وقد قالوا، وأعْجَبُ من مقالتهم بأن الحزن يشفيها،
    تنام مدينتي والليل،
    حتى الليلُ يَدْفِنُ عُرْيَهُ فيها!!


    بورتسودان أول نوفمبر 1972


    http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=25360andpage=2
                  

12-01-2013, 07:42 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    وتخـــرجُ مِنك...إليكِ
    الطيب برير يوسف




    كُنْتَ نَشَازَاً جِدَّاً..
    حِيْنَ مَدَدتَ الصَّوْتَ..
    لِتَصْنَعَ بِالألْحَانِ...
    نِدَاءَ الرَّقْصِ...
    المُمْعِنِ فِي التَّأطِير لِنَغَمٍ سَافَرَ فِي الإيْحَاشِ

    كُنْتَ ضَعِيفَاً جدَّاً..
    حِيْنَ وَهَبْتَ الصَّحْو لْقُرْصِ النَّومِ...
    لْيَمْنَحَ عَصَبكَ..
    زَيْفَ هُدُوءٍ
    دُونَكَ حُزْن’’ عَرَّشَ بالأكْبَادِ
    وجَاشْ

    وأَنْتَ الآنَ بِسُوحِ النّزَقِ
    لْتَدْلِقَ كأسِاً في الأعصَاب..
    لَعلّكَ تُفْرِغُ رَهَقَ الحُزنِ..
    لِغَيبةِ وعيٍ..
    تَعْبُرُ في الأوقَاتْ..

    كُنْ ((أكْسِيَد)) الأمَلِ..
    إذَا مَا اخْتَزل الحُزْنُ..
    ضَياءَ الزّمَنِ
    وبَاعَكَ قَلَقَاً...
    لليلاتْ

    كُنْ...يا أَنْتَ
    كسَاحِلِ بَحْرٍ...
    يَعْلَمُ أنَّ الشَّمسَ
    سَتَأخُذُ عَذْب المَاءِ
    وتُعْطِي ملحاً..للآتِينَ بِرَكبِ الحُزنِ..
    ...
    هِبَاتْ

    كُنْ..يا أنْتَ
    كَما لَوْ كُنْتَ..تَكُونُ..
    فَإنّي أَعْلَمُ أنَّ الأمَر سواء’’
    حِيْنَ تُحَطَّمُ فِينَا...
    نَخْوَ الذّات
    *
    رأَيْتُكَ تَخرُجُ مِنكَ...
    إليكَ،
    وتَرقُب – عَبْر ثُقُوبِ القَلَقِ-
    رَحيلَ الأملِ
    وَتنْزِع عَنْ أُذُنَيْكَ
    حُدَاءَ الرَّاحِلِ للِمَجْهُولْ

    خُذْ لِلْعَينِ غِطَاءَ الدّمْعِ
    فَإنّكَ لَوْ جَاوَزْتَ اللَّيلَ
    سَتُدْركُ أنَّ نَهَاركَ...
    بَيَّن أَثَرَ الدَّربِ بِقَلبكَ
    دُونَ أُفُول

    قَدْ قِيلَ بأنَّ حِبَالَ الصَّبرِ
    إذَا مَا وَلَجَتْ...
    سَمَّ خِيَاطِ الحُزْنِ
    سَيَشْهَدُ قَلْبُكَ فجرَ المُمْكِنِ...
    والمأمُولْ

    وأنَّ الرَّاحِلَ عَبْرَ مَسَامِكَ..
    يَرْجعُ للتّكْوينِ
    بِحَقّ جُزىءِ القَلْبِ
    تَسَامَى شَارَةَ فَرَحٍ للآتِينْ

    قَدْ قِيْلَ..
    وأَنْتَ الآن تُغِيظُ الزَّمَنَ
    بِجَمْع الضّدِّ..
    وَترْصِدُ غُرَفَ القَلْبِ
    لَعَلّكَ تَلْقَى مَا ضيَّعتَ قَدِيماً..
    أَمَلاً غَادَرَ مُنْذُ سِنينْ
                  

12-01-2013, 07:52 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... رفيقة الصباح (Re: بله محمد الفاضل)

    فيروز.. إسمٌ منح للقلب تفسيراً
    محمد حداد
    (البحرين)


    فيروزمثل الحلم تنسل بين رفوف مكتبتي الصوتية التي أرشفتها بأبجدية محكمة،
    كي لا أضعف وأضع أسطواناتها خلسة في الرف الخاص بحرف السين لأنها (سيدة المقام الموسيقي وأيقونته)،
    كما أن رفوف العين لا تسعها أيضاً، وكونها «لولو» لم يشفع لي أن أضع اسطوانتها في رفوف حرف اللام..
    أحياناً أعقف لها قاف القلب مدعياً أنني أخطأت بين القاف وبين الفاء (وهو حرفها الرسمي في مكتبتي)،
    ثم أبتكر تصنيفاً يمكنني من أن أدس أسطوانتها في رف الميم،
    مبرراً ذلك بأن ألبوم «مشوار» يبدأ بهذا الحرف.. تتعب مني الأبجديات لأبدأ تصنيفاً ثالثاً،
    لعلّي أكون به منصفاً للآخرين!!
    فأرتب ألبوماتها في رفوف الأغنية العربية، لكنني أنسى متعمداً من دون قصدٍ إسطوانتيها:
    (ولا كيف) و(كيفك إنت)، تسبقهم أسطوانة (معرفتي فيك) بين رفوف موسيقى الجاز،
    متعذراً بأن زياد صاغ لصوتها مجموعة من الأغنيات تتلبس بين حناياها تعابير الجاز (إن جاز التعبير)،
    وحيناً (أفاجأ) باسطوانتها متربعة بين رفوف الموسيقى الدينية، فليس هناك مكان أقدس من هذه الرفوف (للجمعة الحزينة) و(أغاني الميلاد)،
    ثم أراها شامخة في رف موسيقى الوطن، حيث (راجعون) يسرد أجمل ما قيل في احتراف الحزن والإنتظار..
    تفعل كل ذلك غير مكترثة بأبجدياتنا وكأني أسمعها تقول:


    (غيروا أساميكن.. إذا فيكن!!)

    مثل الحلم تنسل في تفاصيلنا.. ابتكرت للوطن صورة جعلتنا نصبر عليه،
    أثثت كنائسنا بتراتيل يبتسم لها الرب، رممت ما أتلفته الحروب فينا، ومسحت الحزن عن أفراحنا والمساجد،
    هدهدت أحلامنا واقتسمت معنا العشق. امرأة ترى بيروت كما لم يرها أحد، تلتذ في وصف تفاصيل هذه المدينة الجريحة فتفتك بنا،
    مسنودة بأسياد الكلمة واللحن، وهم يشحذون أنفاسها بأغنيات تصبها في قوالب أراوحنا ليتلف الجسد..
    نصلي ونعشق ونناضل بما يحرضنا عليه قنديلها، فيما هي ترى إلينا شامخة.
    في البدء تغنّي.. فتحسب أنها تغني لك وحدك، ولا أحد سواك يسمعها،
    بعد ذلك تشعر بأنها تغنيك أنت، لحميمية مواضيعها التي تتمرغ في تفاصيل (حلمك وخوفك، عشقك وتعبك، وطنك ودينك)..
    فتخبرنا أن (غدها كل يوم بات يرتجل) كي نألف ما نحن فيه من (هموم الحب)، تهمس في آذاننا (شو بخاف) و(أنا فزعانة!)
    لكي نعرف أننا لسنا وحدنا، فنطمئن في خوفنا.. في صوتها نسمع (عصفورتي الشمس والشجن)، تنتظر (الجلنار) لكنها لا تأتي،
    تغريك وتغرر بك ولا تهدأ إلا إذا سلمتها أذنك وروحك و (مفاتيحك)، تحرس أطفالك وأحلامهم، تفرح بالهدايا، تنتظر عند المفارق وتُنسى مع المنسيين،
    خبّرها العندليب بأنها سترجع يوماً مع المهجرين، تهوى بلا أمل، الناطرون يهدونها مزهرية جديرة بها،
    وتهدي حبيبها مزهرية لا يستحقها، تتغنى بـ (يارا والمسيح)، تعطينا درساً في الحياة حين (تقول لطفلتها) الكلام،
    تزور بأغنياتها (مكة والإسكندرية ودمشق)، تأخذنا معها وهي تقول بخجل (لا تسألوني ما اسمه حبيبي)،
    فنعرف أنها ستأخذنا إلى (طريق النحل)، نزداد قرباً منها لتسّر لنا كيف يكون العشق (فتفرش لنا العشب ليلاً، وتسقينا الفجر خمراً)،
    أما عن قصتها مع القمر، فلا أحد يجرؤ على تفسير هذا الولع المتبادل بينهما، فقد ذهب القمر بها وذهبت هي بنا حين غنّته وبكته وسهرت معه،
    أحياناً تشهق عالياً مثل نجم طافر من أيقونة، وأحياناً أخرى نراها تسكن غرفنا ببساطة الأخت والأم والحبيبة التي تقول (الله يخليك.. خليك بالبيت)،
    لكن إذا راح حبيبها «بترم مش مسموح»، تراها وبكل ثقة تقول له «مش فارقة معاي»، خصوصاً انه (عا أهلو ما معرفها وعا صحابو ما مشوفها).
    تغني أخطاءنا بكل صدق، تحرض العشاق على الهروب، ثم تسأل مثل طير القرميد (وينن؟)، تتغنى بألحان لا تتألق إلا بصوتها،
    فتأتي مخفورة بموتسارت كي تعترف لحبيبها (عرفوا إنك حبيبي!)، ويأتي يواخين رودريغو ليرسم معها (وجه بحار قديم) كي يكتمل مجدٌ من رمادٍ لبيروت،
    مرت على جنّة الرحابنة باختلاف أجيالها وأمزجتها، حيث أسست معهم درسنا الأخلاقي والحياتي والوطني،
    فعشقنا ما تبقى من أوطاننا علّنا نليق بها. و صعدت (فوق هاتيك الربى) كي تغنينا زكي ناصيف، ثم فيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب،
    ولم تنس سيد درويش و محمد حسن.
    امرأة مثلها.. كيف لك أن تتفادى حضورها فيك؟ وكيف تتفادى فكرة ذهابك إلى البحر مع حبيبتك الوحيدة بك،
    لتجلس في سيارتك مواجهاً الموج محاولاً الإصغاء معها الى صوت الملاك وأنتما مغمضا العينين،
    علّك تحظى بما يطفر من بقايا صوتها الذي يهز قلاع الروح وعروشها، لتتأكد بأنك مازلت على صواب في جميع أخطائك.

    http://www.jehat.com/Jehaat/ar/DaftarAfkar/Naghma/Fairooz6-11-2013.htm
                  

12-16-2013, 07:49 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... ثلاث قصائد: حافظ عباس عالم (Re: بله محمد الفاضل)

    غرفة في المدينة كانت بنافذتين



    غرفة في المدينة، في الحي
    كانت بنافذتين
    تحنّ فيودع فيها العصافير
    أطفالها.
    و(سباليقها) غرف (للدباس).
    تجوع فتأكل من خبزها المتدلي
    على رأسها،
    خبزها موغل في اليباس.
    وكانت من الطين
    تعرى، فيكسونها بالطماء
    وبالروث..،
    تبدو فتاة..
    وتبدو عروسا..
    وتبدو تراثاً من الزمن
    الأبجدي
    البعيد!

    غرفة في المدينة،
    في الحيّ،
    كانت بنافذتين..
    ترانا
    وتشهد ميلادنا،
    وميلاد كل الذين مضوا
    في الجنائز..
    من ظلّها المتعرّج قامت طفولتنا
    وانتهت في المنافي!!
    كانت بنافذتين، وباب
    إلى الشرق
    يدخلها الفجر والصبية الحالمون
    بدفء الأماسي والأحجيات.
    وكنا ننام على حجرها،
    وتنام العناكب في سقفها،
    والطيور الأليفة،
    عقد من العشق بين الطبيعة
    والكائنات.
    كانت من الطين، تعرف أسماءنا،
    وتشاطرنا فرحة العيد
    والأمنيات.
    تخبئُ أسرارنا في التجاويف
    بين الشقوق،
    تمدد رمشا من الظل بين
    الضحى
    والظهيرة،
    تغدقنا بالظلال الطويلة في
    الأمسيات

    غرفة في المدينة..
    كانت كصومعة الرّاهب المتبتل
    تسمع في خاصر الليل همس التراتيل..
    طقطقة المسبحات،
    دعاء القنوت،
    لتبقى المطامير متخمة بالغلال.
    وتبقى المدينة،
    تبقى القرى عامرات بأعراسها،
    والعصافير تبقى،
    الجنادب.
    غرفة في المدينة كانت.....
    وكانت بنافذتين،
    تحن فيودع فيها العصافير
    أطفالها
    .. وسباليقُها غرف للدباس.





    وجهي يتقشر منه ملامحهم


    أبحث عن زمنٍ مخبوء في نافذةٍ
    وجدار يرمقني بعتاب ...
    أبحث عن أمي ..
    وضجيج الصبية في الديوان
    أصوات الحدادين
    وريح الكير
    دوي المرزبة إذ يهوى في القلب
    وفي جمر الصوان ...
    O O O
    (الفاشِر) نافذة في شفق الفجر
    وحلم الخبز بذاكرة الفقراء المنسيين ....
    ظلام يسخر حين يمد لساناً
    في الطرقات وفي الحارات
    أضواء خجلى تتسرب من شرفات الطين ....
    ومن فجوات قطاطيها العامرة الدفء
    فنادق للآتين لها من أقصى الدنيا ....
    وللبجع الرحال نواصيها ...
    وأعالي الأشجار..
    الآن أجيئك ...
    وجهي يتقشر منه ملامحهم ....
    في جيبي ورق لا تصلح للتبياع ..
    آفاق سواري الليل ....
    وجندرما السلطان ....
    شوارعك الآن امتلأت بالغرباء
    ودور كنا نغمر مساحتها بطفولتنا ..
    ونلامس عطر عذاراها
    فنميز بن العشق وبين الطيش
    بشخبطة في الجدران ..
    O O O
    أبحث عن زمن مفقود
    هل يتمدد في بئرٍ ( بحجر قدّو)
    أم في قافلة (الكنين)
    أبحث عن زمن وحنين...
    عن قافلة تهبط من أعلا التل الشرقي ..
    بأعلاف ودعامات لبيوت الطين ..
    أبحث عن طبل ونحاس ..
    وسلاطين.........





    انه الســـــــــــــــــأم يا ســــيدي


    سأنسحب الآن من غرفة بين قوس الضلوع
    ومن شقتي
    فالنهار ادلهم واني فشلت
    سأعترف ألان إني أزحت الستار
    وبدلت لون الإطار
    وعدلت في لوحتي
    وكان السرير يمينا إلى جانب النافذة
    فانتبذت به في اليسار
    وكنت حفيا بعصفورة دمية
    لا تزقزق رابضة في بروز الجدار
    دنوت لأمسح طيف الزمان الشفيف
    على جيدها ..
    فبكيت بلا دمعة
    وبلا شمعة في الخواء الغبار
    انه السأم يا سيدي..
    انكسار الجياع من الصبر
    نافذة في البوار
    طيور محنطة في الهواء
    فراش وورود من الطين و الكلس
    والفلسبار ...
    سأنسحب الآن مني
    ومن غرفة بين قوس الضلوع وبيني
    إلى خيمة في فضاء
    ارتب أقماره وحدود المجرات
    انتخب الحلم الأمنيات ..




    حافظ عباس عالم
                  

12-16-2013, 08:06 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... قصة الخلق: ح.خ (Re: بله محمد الفاضل)

    قصة الخلق
    حافظ خير




    كانَ الكونُ كوناً
    وكان الغيبُ يغرقُ في ظلامٍ دامسٍ
    كامناً في نقطةٍ قصوى من الإظلام
    قصوى لحدٍ فادحٍ حتى ليطلعُ من دًّبماسه شررٌ بليغٌ
    فينفجرُ انفجاراً هائلاً
    ويختلقُ الكواكبَ والنيازكَ والنجوم
    (أو هكذا تخيّلها أبي-
    بالتبنّي-
    لاحقاً-
    آلبيرت!)





    تكثّف الماءُ
    غامتِ الدنيا بغيمٍ واعدٍ
    وفي العُلا، تحقق اللهُ من أفكارِهِ
    وتحققت أفكارُه!
    (سبعين يوماً، أو سبعَ أيامٍ، لا فرقَ طبعاً!
    فالله أكبرُ من دقائقنا وأعشارِ الثواني)
    تبردُ الدنيا على مَهلٍ
    فيبردُ عظمُها حجراً
    ثم...
    تفتق الغيمُ عن مطرٍ
    واستبسل النبتُ عن أغصانه ثمرا
    جاعتِ الدنيا لتأكل بعضها بعضا
    وماجَ البحر...


    ح.خ
    ديسمبر 2013م


    http://##################/forum/viewtopic.php?t=7702andsid=08508...a0ef7ae9bccd2db9d936



    وعذراً أخي ح خ إن تعثرت في النقل كما ينبغي
                  

12-21-2013, 09:16 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... قصة الخلق: ح.خ (Re: بله محمد الفاضل)

    تميمة الصمت
    محمد بهنس





    ربما
    يفهم الورد
    كيف أن أخطأه ذهبت حلوة
    في خضم الرحيق


    كيف نطقت مشاعرنا
    كلمة للوداع
    ... ... ...
    ... ... ...

    وكنا التقينا
    على جمر هذا الحريق






    آه بلدي
    وبيتي
    وقلبي
    وهذا الطريق

    لقد كم عبرنا
    وكنا نريد الوصول
    مسافة آلامنا فانتحلنا
    حدائق دون طيور
    فغبنا
    لحين من الدهر دون مخافة
    أن لا نفيق

    عفو خاطركم
    كل أهلي
    فقلبي سخين سخين
    لساني من الشوق لهب طليق

    عفو خاطر هذا المدى
    إان شهقت فخان الصدى
    زمن أخر يا نديمي
    لعل المحبة ثلج
    لعل الذي منعني كان خيرا
    فإني بعيد هنا
    ياصديق!


    جبال البيرينيه- فرنسا الجمعه 3 مارس 2006

    (عدل بواسطة بله محمد الفاضل on 12-21-2013, 09:19 AM)

                  

12-23-2013, 09:23 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... قصة الخلق: ح.خ (Re: بله محمد الفاضل)

    النور والتابوت
    محسن خالد



    اجتمع سارتر وجيفارا وسيمون دي بوفوار بإحدى دول أمريكا الجنوبية. ربما بفيدل كاسترو، لا أذكر. أو ربما أتجاهل للنيل من كاسترو وحرمانه من شرف لقاء جيفارا وحده. فالرجل الآخر ومرافقته دَبَّرتُ لهما مكيدة مختلفة. وكاسترو ذنبه عندي كذنب ستالين وكابيلا وناصر ونميري، ذنبهم جميعاً الردة والديكتاتورية والأنانية الفطرية التي أنقذ الموتُ منها باتريس لوممبا. ذاك رجل مات دون أن يتوفر لنا زمن كافٍ لكشفه. مسألة الاجتماع تلك حقيقية وأقسم بالله. ولكن دعنا نتخَيّل الحوار الذي دار فيها. دعنا نَنْجُرْ قليلاً ونتحكَّم في التاريخ، أو نَصْدُق كثيراً ونطالب بالتحكم في أقدارنا. ومن هنا تعجبني ألعاب الكمبيوتر. فبطن هذه الألعاب تمثل المدينة الفاضلة الوحيدة وبالشكل الصحيح. المدن الفاضلة كلّها، ما قبل هذه الألعاب، سخيفة جِدَّاً، لكونها تحاول أن تبني البيوت والقوانين التي تضبط أصحابها أوَّلاً، سواءٌ مدينة إفلاطون، أو الفارابي، أم صياغات توماس مور لذلك كلّه في القرون الوسطى، وإلى جزيرة ألدوس هكسلي. أما الأمور في ألعاب الكمبيوتر فأكثر ذكاءً، لأنَّها تركز على القانون الذي يبني الحياة ذاتها بالتناظر مع مصير وأقدار الكائن الحي بداخلها، من خلاله هو، ومن خلال تكوينه. ها هنا لك حق تقرير الحياة والمصير. أنت بوسعك منذ البداية امتلاك السلاح الذي يناسبك. وباجتهادات معينة -تعرفها مقدماً- يمكنك الحصول على عدد الأرواح التي تكفيك لإنجاز مهمتك. تختار طريقك وسط خصوم نينجا، ثعابين أو خفافيش سامة، كما تشاء. وهكذا يناقشونك في طريقة حياتك حتى تصبح إمبراطور الموضوع. أو على أقل تقدير إمبراطور تكوينك وقدرك وما يترتب عليه من مصير. ولك أن تعرف أن لي أزمة مع هذه المسألة ولن أعفيك من ملاحظاتي الغريبة حولها، وربما ال########ة.
    المهم أن سيمون دي بوفوار كانت تسريحتها حلوة. وكان مزاج سارتر في تلك الأيام رائقاً ويخلو من تطلعاته العدمية. وكلما تشاغل عنهما جيفارا بإشعال غليونه أو التفت لأمر ما، كان سارتر يفعل بصلب رفيقته حركة كتلك التي يفعلونها في دعاية البيبسي.
    يقول لها سارتر بنفس الحذق الذي يستخدمه في صناعة كتبه،..
    "سيمو، ألا تناوليني كأساً؟".
    فتأتيه إجابتها بالدلع نفسه، المروي بالهبهان وماء جوز الهند: تأمر يا مؤلف الوجود.
    ثم تنحني سيمون أمامه فيما يشبه صب الكأس بتأنٍّ، كي تطول حركة دعاية البيبسي. وقطعاً الرجل المرفعين، الذي جاء لاجتماعهم هذا من أقرب غابة مجاورة لا يفوته شيء. ولكنه يتجاهل. ويطول إشعاله للغليون لمزيد من التجاهل.
    ثم فاض بجيفارا، بالضبط عندما سألته سيمون من باب (.........) لسارتر: طبعاً أنت في الغابة وكذا؟ لم تصلك أعمال سارتر الأخيرة؟
    "ليست باروداً لأهتم بعدم وصولها. الغابة تتسَقَّط أخبار المؤن وحدها".
    يضحك سارتر بمجاملة، وهيييه طويلة: أنت تتجاهلنا إذن يا تشي؟ يا لك من رجل!
    يسأله جيفارا وهو ينفض بوته من الحصى،..
    "من تقصد بالجمع هذا؟ التعظيم؟ سيادتكم؟".
    سارتر قصد ذلك، ولكن عيون جيفارا المشهود لها جعلته يجيب: لا.. أبداً، العفو يا سيد جيفارا. أنا أقصد نفسي وسيمون وجان ككتو وجاك لوران وفانيتي.. الشُلَّة يعني.
    طبعاً جيفارا الذي في قصتي هذا يعرف اللغة العربية. ويعرف أن سارتر اسمه الكامل جان -بول سارتر، وعليه فقد أجابه: وإبليس؟ هذا نسيته. كل الجوان حضّرتهم ماعدا جان جونيه، لماذا؟ أليس من شلة الشواطين هو أيضاً!؟
    "ياه، جونيه! يا له من مشاكس. أوه، هذا الغلام اللواطي تمرد عليّ أخيراً. أظنه غاضباً مني. سنصالحه يا سيد جيفارا، لا تشغل بالك".
    "لا تُبَسِّط المسألة بهذه الطريقة الداعرة يا سارتر. ياه، وأوه، ولهفي، مثل هذه اللغة لن تنفعك إلا مع سيمو. جونيه كلامه لك بخصوص العمال وزنوج أميركا وثوار فلسطين واضح. أنت دعاية لا أكثر. ومن هم الزنوج أو ثوار فلسطين ليخدموك بدعاية ما؟ هذه هي كل المسألة".
    "تظلمني والله يا سيد جيفارا. خذ الرفض في أعمالي مثلاً، هذا له اعتباره الثوري. أظنك لم تفهم جيداً كتابي "نقد العقل الديالكتيكي" ولذلك تعتبره عداوة و...."..
    يقاطعه جيفارا محركاً جسمه كله. تسقط بعض الأشياء من فوق المائدة التي أمامه،..
    "أيُّ رفض يا حثالة الذي يخبرك به صُلْب هذه المرأة!؟
    يسأله سارتر بلهجة مائعة ومُنْكِرة: أية امرأة تقصد؟
    يشفط جيفارا غليونه كقُطَّاع الطُرق، ثم يجيبه بلغة كوكني من النوع الذي يستلهمه الإنسان أثناء قضاء حاجته: هذه ال############ التي معك، ألا تراها؟ من خبأت شيئاً في سروالها وكان عليك أن تجده طوال جلستنا هذه كلها.
    "اسمع يا متوحش أنت، أنا لا أسمح لك"، تتدخل تلك الأرستقراطية.
    "ليُجِبْني رجلك المتحضِّر هذا، لماذا يخذل العمال الهامشيين والثُوَّار أين ما وُجِدوا؟" يقول جيفارا وهو يخرج الدخان بمنخريه محاكياً مدخنة عاتية.
    يسأله سارتر بتنطُّع "متى؟ أنت تُلَفِّق يا رجل. ترافق تجار المخدرات وقطاع الطرق، تعاطيت شيئاً ولا بد! أنا أكثر ثورية منك".
    تصمت سيمون. تكتفي بموقعها الحقيقي، كمرافقة لشخص مهم، وكموضوع لا يمكن شرحه بعيداً عن سارتر.
    يسأله جيفارا وهو يُفرغ رماد الغليون بحركة واحدة ومتوترة: قل لي إذن أية تضحية قدمتها بداخل فرنسا؟ ولماذا تواطأت ضد الرفاق في إيطاليا وشيكو سلوفاكيا؟ ولماذا خسرت جونيه بسبب الزنوج وثوار فلسطين بالذات؟ أنت (.........) لدعاية الغرب لا أكثر. جئت للدنيا في الزمن الذي خلت فيه من هيجل وماركس وانجيلز. أنت فيلسوف الدنيا الفاضية والناس الفاضيين. طُز فيك وفي غثيانك. أنت فعلاً ذبابة ولا تُكَلِّف أكثر من مروحة سعف ########ة، كما أنها أيضاً تزيل رائحتك التي كالفساء من الجو.
    يخلع سارتر نظارته باضطراب ويرد بحديث يتقطع من الغضب وانتقاء الكلمات: أنت.. أنت.. أنت رجل قاصر. ثور، مندفع كالثيران، مُهَرِّج. لن تفهم أبداً قضايا الفلسفة والفكر الوجودي. حارب كما تريد لو كانت الحرب تحل لك مشكلة.
    يسأله جيفارا بينما هو يمد أصابعه في وجه سارتر: وماذا يحل إذن!؟ كتبك!؟ نعذرك يا سارتر، لو كنت تنتقل من فخامة وجود لفخامة آخر فأنت رُبّان الوجود ولا شك. وكما يقول أصحابك ناس فَلْسِف فَلْسِف فأنت موجود. والدليل على وجودك ولولة سيمون تحتك في الفراش. فلماذا لا تكتب بعد ذلك عن الغثيان والذباب؟ غثيان الولائم الفخمة والويسكي، وذباب الخراء الدسم. اسمع يا سارتر، الوجود لن تكتب عنه بشكل صائب إلا حين يُهَدِّدك. وجودك آمن يا سارتر، ما الذي ستقوله للناس؟
    ولا أدري ماذا قال له سارتر. فأنا جائع. فكرت في هذه المسألة وقلت لن أثبتها في أحد كتبي الفنيَّة. لأنَّ الأذكياء عندنا سيرمونني بعدم الجدية. ستبقى مع أوراقي الكثيرة التي لا أعرف ماذا أفعل بها.
    شعرت بالكُرْه لنفسي وللأفكار، فأنا جائع وضَارٍ في هذه الساعة. جيفارا في هذه اللحظة معه حق دون شك، وهذه هي الطامَّة تقع حينما تطغى وحشية الواقع على جدوى الفكر، ولكن ليذهب جيفارا في داهية. بماذا سيفيدني حقه وباطله؟ لست مشتاقاً للمعتقل في هذا الحر. كنت في إجازة صيف والجامعة متعطلة عن العمل. ويا ليتني كنت أمتلك سيمونَ خاصة بي، مُفبركة، كالتي منحتُها أنا لسارتر. فربما كان بوسعها أن تحل مشكلة الغداء هذه.
    كنت في منزل "عبده تِيِّه" وزوجته "الست"، أفقر شخصين وأكرم زوج خلقهما الله. كنت أراحمهما أحياناً لو كان معي مالٌ. وهذا ربما حدث ليوم أو يومين من حياتي فقط. وباقي عمري كله ألجأ إليهما محتاجاً. هما من جبال النوبة بغرب السودان، يُعِزَّانني جداً وأُعِزُّهُمَا. الست تصبح مهنتها أحياناً صنع العرقي. "الست" هذا لقبها، أما اسمها الحقيقي فصعب جداً على نطق اللسان العربي. كما أنهم لم يكرروه أمامي كثيراً كي أتمَكَّن من حفظه. لأنهم حين يأتون إلى مدن الحضر -التي يسيطر عليها تجار المواشي والصابون من العرب- يتركون خلفهم حتى أسماءهم.
    أما "تِيّه" فقد كان يعمل فيما يتعارفون عليه بسوق الشمس والحرامية.
    باختصار تعودتْ ابنة حَلَب -غجر- اسمها "جليلة" أن تلاحقني في بيت الست وتيَّه بشكل غامض. يوم قرأت تحَوُّل "فيرمينا أداثا" الغامض، من حب "فلورنتينو إيريثا" لحب الدكتور، تذَكَّرت علاقتي الغامضة بجليلة. وربما مَرَّ ماركيز نفسه بمثل هذه التجارب الغامضة. على كل حال ليس بالضرورة، ولكنه في النهاية سيحكيها عن آخرين لأنه كاتب محترم. المهم أنني لا أعرف ما الذي تريده مني جليلة ولا ماذا أُريد أنا منها، ولا أعرف حتى كيف تعارفنا! العلاقة بيننا استفزازية بدون سبب. الست لم يُعرف عن بيتها دعارة إطلاقاً. والناس أحياناً يواصلونها بالسلام عليها من عند عتبة بابها، غالباً عندما تتباعد زيارات بوليس الانضباط لها. وللصدق وبعيداً عن أية مزايدات سياسية ########ة، لم تكن الست تصنع الخمر إلا حينما لا تجد عملاً. فقد كانت تعوّل أكثر على خدمتها في البيوت. لم تكن امرأة مشبوهة مطلقاً. ولكنني طلبت منها أن تمنحني فرصة مع هذه الحلبية لو لاحقتني في بيتهم مرة أخرى، وكان.
    أنا كنت راقداً على السرير وأُفَكِّر في تلك القصة التي حكيتها لك عن جيفارا والآخرين، والست كانت خارج الغرفة. وربما هي لمحت جليلة عند الباب الخارجي فاخترعت لها حجة غادرت بها المنزل، لا أعرف. ولكنني لم أسمعهما تتحدثان بالخارج، وهذا مجرد تخمين. الجوع كان يحصرني في نفسي ويُقَلِّل من مقدرة حواسي. كنت منكفئاً على وجهي ويدي أسفل بطني، حركة عفوية بلا شك، ولكنها أرادت إذلالي. قصدتْ إذلالي وحده ولا أدري لماذا، ولا حتى كيف ولا من أين دخلت ورأتني في ذلك الوضع. بدأت إدانتي وتفتيشي بعيونها أولاً. ثم سألتني باستفزاز ووقاحة كي تجرحني لا غير،..
    - ما الذي تفعله؟
    الحنق مع الجوع يُدَوِّخان ويُفْقِدَان السيطرة،..
    "أمارس العادة السرية، تجي نمارسها سوا؟".
    - يا منحط، يخسي عليك وعلي خلقتك السوداء.
    "وعليك إنتِ وعلي شناتك أم برص".
    سمعت منها وهي خارجة: سترى يا ########.
    تهددني بأخيها الحلبي ياسر، الذي كان في المدرسة يفعلون له ويفعلون به. ناديت ناحيتها،..
    "ياسر أحلى منك. أخبريه هو الآخر كي نمارسها سوا".
    وانتظرت.. والست لا تعود. ربما تجلب معها من الخارج شيئاً يؤكل. ولكنها لا تعود. أخذت طفلها معها.
    تذكرت كيف تآمر الفقر والجيران عليها حين ولادة طفلها. لقد تهَرَّبوا منها جميعاً. كادت المرأة أن تموت وزوجها عبده يبكي لجوارها. لن أنسى ما حييت موقف أخي هاشم وبطولته معها. كان ما يزال طبيب امتياز. ولكنه ليس من نوعي، هو رجل يعرف ما يريد. وفوق ذلك يسانده عقل جبار وإلحاح لئيم. لا أدري من أين يأتي هؤلاء الناس بامتيازات التدرب على إنجاح الحياة. أخبرتُه عند الباب فجاء معي ركضاً. عبده تيه كان يبكي ويهرول هنا وهناك كالسيدة هاجر حين حاصرتها وطفلها الصحراء والعطش. لقد رأيت من أخي هاشم ليلتها وجهاً متبدلاً وجدية أرهبتني أنا شخصياً إله الشجاعة. المرأة تدهورت حالتها وكادت أن تنفق بين أيدينا كحيوان. لا مجال لنقلها ولا لأي مقترح آخر عدا الولادة. وها هنا حيث الموت أضمن وأقرب من أي مشوار غيره، تصارع هاشم معها فوق هذا العنقريب ال######## كأنَّها حيوان، وجَرَّها حتى طاحت على الأرض والدماء تُغَطِّي المكان كله، ومثل بقرة حقيرة وضعت طفلها، الذي غسلناه من التراب أكثر مما غسلناه من دم النفاس. أسيكون بشراً هكذا أم دودة لا أعرف!
    أية حياة هذه التي يطالبونا فيها بعد ذلك بالأدب وعدم الفحش والانضباط؟ كُس أمها عيشة وبلد. دعنا نَسَلْ: لماذا أوصى ألدوس هكسلي في جزيرته الفاضلة بأن يشهد كل امرئ في حياته حالة وفاة وحالة ولادة؟ لا بُدَّ أنني اخترت حالة الولادة الخطأ لأشهدها. لقد صارت الحالتان عندي ذاتا حكمة واحدة.
    كنت مغاضباً إخوتي، هم أصلاً لم يعرفوني إلا وأنا رجل، ماذا لو لم أُقبَل في جامعة الجزيرة! ألكانوا لا يعرفونني حتى تاريخ اليوم؟ سأفترض ذلك وأعيش على هذا الأساس، لأرى فيم سأفتقدهم!؟ من عال نفسه وهو مُجَرَّد طفل من تسَلُّق النخل، لن يعدم ما يتسلقه في هذه المدن التي يبنونها من التسلُّق.
    أعرف أن مهنتي غريبة بعض الشيء ولذلك سأشرحها. طريقتنا الوحيدة في ريف السودان الشمالي لحصد التمور، هي أن يذهب أحد إلى رأس النخلة ومن ثم يُلقي بالتمر على الجوالات والبروش المفروشة له على الأرض، أو ينزله بحبل. حسب نوع التمر. فالتمور اللَّيِّنة لو ألقوا بها من علو النخلة ستفسد طبعاً. ما زالوا يفتقرون لرافعات كالتي توجد في العراق والسعودية ومجمل بلاد التمور. وبالإضافة إلى ذلك أقوم بمهمة تلقيح النخل وتنظيفه. حين أكون راضياً عن نفسي أُسمي مهمتي هذه "مهمة ألوان الفراش وفاغي الورود وعسل النحل"، وحين أكون مغاضباً نفسي أقول "معرَّص الأخضر". كنت في طفولتي شيطاناً -كما يمتدحني الناس- ولا أحد غيري بوسعه أن يفعل ذلك. ماعدا رجل آخر اسمه "عبد الرحمن السيد" وهذا شاعر عامية شهير وبالغ السخرية. أما الرجل الأشهر على الإطلاق في هذه المهمة فهو أخي "الحسين" من جهة أمي. سيرد أخي "الحسين" آخر، من جهة أبي. وقد كانت هذه الحرفة مهنة جانبية بالنسبة له. في الأصل هو مزارع والناس أكلوا له الكثير من الفول المصري والبصل. ما يهمنا أنه هجر مهنته الجانبية هذه وسافر لمدينة كسلا لاحتراف الزراعة وحدها. هو رجل طيب لحد لا يمكن الإحاطة به في كتاب. ورغم ذلك لن يساعدني في دراستي أبداً، لعامل الفقر وحده ولا غيره. ولذلك كنت أقول لنفسي: هذا الرجل بالكاد يقرأ ولا أظنه يكتب، ولكن لو كان ثرياً لما تَرَدَّد لحظة واحدة في أن يكون لي أعظم مما كان "ليو" لأخيه فان جوخ. ولكنني كنتُ لنفسي أعظم من كليهما.
    نظرتُ لهامات النخل العالية والمسكونة بالثعابين والعقارب وحيوان "أبو عفنة"، ثم عاهدتُ قَدَري ومصيري "طريق السماء طريقي. أُلدغ أو أسقط وأنسحل لن أعيش مع خالتي، ولن أتسوَّل أحداً. هذه الدار التي بلا سقف لن أغادرها إلا لرأس نخلة أو للمدرسة".
    خالتي "عائشة" في ذلك الزمن كان عندها ستة صبيان وثلاث بنات. وفقرها يكفي لفتح سودان كامل في السويد. ثم زاد صبيانها سابعاً، وطلبت منها أن تُسَمِّي السابع باسمي كذكرى، فوعدتني ونكصت. الشخص الآخر الذي أسمته عليه منحها نعجة. قلت لها: سأنال منك وأكتب ذلك في كتاب ذات يوم ولم تُصَدِّقني. ولكنني كنت لنفسي أعظم من كلهم. ولا يقدر أحد على أن يكون ذكرى لي.
    كنت في صف ثالث ابتدائي وانحصر تعاملي مع ثلاثة أشخاص فقط من تجار التمر. رجل وامرأتان. اللَّرس -هذا لقبه واسمه منصور- ثم المَلْكَة وأم سلمة. كلهم ماتوا. وكانوا أنزه ما يكون في التعامل مع طفل. أشكرهم بشهامة، فقد دعموني في تحقيق طفولتي الرجل.
    إدريس قريمان جمعني به مصير الطفولة المتشابهة القسوة قبل مصير الحرب. روى لي ورويت له وكنا عائدين من بيت شراب. اتفقنا على تحية تلك الطفولة الجندية والباسلة. قلنا نحيّيها بكامل عطب العساكر والشراب.
    "معك سلاح؟"، سألني إدريس.
    "ألم نخرج من بيتك معاً!؟".
    "آه، نسيت يا محسن. لن نحتفل بالبارود إذاً؟".
    تَرَنَّح بثبات ومرح كما هي عادته: نكتفي بالتحية إذاً.
    "خلاص نكتفي، وماله؟"، أختصر ثرثرته أنا.
    كنا قد بلغنا المقبرة ونمشي وسط وعثتها وحجارتها الكئيبة الرابضة في الظلام كمخلوقات حَيَّة وتترقَّب. يتوقّف إدريس ليسألني: هذا الطريق لا أعرفه، من أين جاء؟
    كنت من فرط سكري أرى كُلَّ الأشياء تتحرَّك،..
    "ربما قصدنا. أو قد يكون تبعنا كجرو".
    أضحك أنا بعنف تنفتح له أشداق كل أزمة في الإنسان وأضيف: لا تهتم به يا إدريس.
    "صحيح، لا نهتم به. هو حر. ضَع البوريه يا محسن، سنُحَيِّي الآن".
    وضعت البوريه فوق رأسي وصففت نفسي عسكرياً لجواره.
    "نحتاج لكركون سلاح؟"، يسألني هو.
    "لا تثرثر يا إدريس. دعنا نُحَيِّي. أنت سَكرت أم مالك؟".
    "أنا؟ أنا حصان. أنت لا تعرفني. نُحَيِّي، وماله؟".
    كنا سكرانين جداً. نترنَّح ونُطَوِّح من الشراب. الواحد منا لا يقوى على الوقوف باستقامة إلا إذا سَنَد نفسه لشاهد قبر. حَيَّينا طفولتنا معاً، والشوارع كما يقول عنها الشاعر محمد نجيب: "خَلَتْ من ابن آدم ومن نباح للكلاب، وأنت تُؤذِّن بالرؤيا لصلاة منفردة".
    إدريس شرب أكثر مني وأصبح رديئاً. تباغته الذكريات فيسألني: وجوليفار؟
    كنت قد نعست، وكرهت حالنا والشراب والحبيبات وأي مقترح آخر عدا النوم.
    "يلعن دين الشراب ودين جوليفار. نريد أن نبيت يا إدريس".
    رآني مَرَّة مُدرِّسنا في الابتدائية على رأس نخلة. كنت أعمل لأم سلمة. هو من قريتي ويعرف ظروفي. لا أدري من قال له إن فكرة الإشادة بكفاحي أمام الطلاب فكرة صائبة. خَطَب في الطلاب طويلاً ومريراً عليّ. أستاذ "التاج" فعلها بحسن نية، ولكنني سئمته. ختم خطبته بوصفه لي بالعبلاج –القرد- المستقل والذكي. كنا بداخل الفصل، ولم يستطع زملائي أن يضحكوا لوصفة العبلاج. من يضحك سأحرمه من التمر الذي أنا وكيله الأوَّل في المدرسة، بثقل وكيل مرسيديس بينز بدول الخليج. سخرتْ مني عيونهم فقط، أما أفواههم فخشيت العواقب. تألَّمت. ما أردت له أن يميزني عنهم ويضعني في كرنتين خاص بي كالأجرب. أنا مثلهم وأفضل. أنا بحجم ماعون قدري، من هو مثلي تُشَوِّهُه مخاوف الآخرين، التي تتنكر في اسم الوالدين والأهل والقبيلة. من هو مثلي يجب أن يكون عُرضة للجوع والريح وللشتاء في طريق عام، لذاكرة الفرد المستوحدة والضارية. مثلي لا يخرج رأسه من البيضة إلا في خلاء كامل من الزواحف، وتحت سماء كاملة من المناقير. هو وصفني بالذكي ولكنه لم يُقَدِّر لأي مدى. كلمة عبلاج تلك لم تكن مُوَفَّقة أبداً. حوّلتْ خطبته في نفسي إلى نوع من التحرُّش. من هذا المنطلق دعني أشتمهم لك أجمعين وأنال منهم. هم أصلاً -هؤلاء الأساتذة- لم يعلموني إلا الكسور العشرية، أما الخط العددي والساعة أم شوكات فقد صفعوني عندهما وما زلت أجهلهما حتى اليوم. أمي حين سَلَّمتني لهم في المدرسة كنت أكتب وأحفظ القرآن على قراءتين. "الدوري" و"حفص" مع إلمام كثير من قالون وورش. قالون قرأتها مع عبد الرؤوف المزمل ولا أدري من أين تعَلَّمها هو. أظنه تعَلَّمها من صديق مغربي أو ليبي لا أعرف -كان يَتعَبَّد بها- وأنا لم أقابله منذ زمن طويل كي أسأله. وأيضاً كان معي بعض إلمام قليل بالقراءات الأخرى وخصوصاً قراءة عبد الله الشامي. أما كتب الإعراب فلا حصر لها مع تركيز على "مفصّل الزمخشري" والألفية والآجرومية وهمع الهوامع. كانت هذه مسألة أساسية وسيقتلك أبو صلاح عبد الله شيخ الحيران علناً لو قال لك أعرب وتلكأت. يقولون إن أبي كان رجلاً ضليعاً في القرآن واللغة أكثر من عبد الله الطيب. وصارماً تجاههما أكثر من أبو صلاح عبد الله شيخ الحيران. فأبي أيضاً كان مُعَلِّم قرآن ولغة كما تُصَرِّح أختي فاطمة في أي مجمع ناس تجده. حكت لي أنه كان يصحح عبد الله الطيب عبر الراديو أثناء برنامجه الإذاعي الشهير في تفسير القرآن وإعرابه. ولكن ربما كان يقول لها أي كلام، من يعرف؟ لن تحكم لي فاطمة في مسألة كهذه. الوحيد من أبنائه الذي كان بإمكانه أن يكشفه هو أنا. إخوتي جُلُّهم فنيون ومهندسون وطبيب واحد، وأنا لم أدرك الرجل. لقد فلت مني بغنيمته وفشخرته على فاطمة تلك. لحكمة الأقدار قامت بتعليم أبي جَدَّته بنت المُفتي. وأنا قامت بتعليمي أمي البتولا بنت عبد الله المُوفَد. أما أنا فخذلان أبي لي في التعليم حدث نتيجة لوفاته المبكرة بالنسبة لميلادي. ولا أتذكر له إلا مشهداً واحداً. أما هو فأبوه قد خذله لأنه كان صياد سمك. فالإعراب والقرآن لن يهمانه إلا إذا كانا شباكاً تعين على قبض السمك.
    أنا مواليد 1973 / 4 / 14م في الحقيقة. وأبي توفي في عام 1979م. هو مات في بلد أخرى بعيدة، مع زوجاته الأخريات وأبنائه الآخرين. أنجبني وهو شيخ فوق الثمانين بقليل. أمي كانت شابة وجميلة للغاية، وربما زَوَّجوها له لكونها مطلقة ولها ولدان من طليقها –ابن عمتها. أنجبني في الزمن الإضافي للعبة نسائه الوافرات كالهدف الذهبي. لا أدري كيف أنجبني في تلك السن، ولا أدري كم سنة أحذف من تاريخ وفاته -إما ثلاث أو أربع- كفترة سافر فيها هو من عند أمي بقريتنا المسيكتاب ليقضيها مع زوجاته الأخريات ويموت بأرض الجزيرة. أريد أن أعرف لماذا أنا لا أتذكر أي شيء عنه، ماعدا مشهداً واحداً فقط ولا غيره. يا ترى كم كان عمري وقتها؟ ولماذا خَلَت ذاكرتي -التي كانت تعمل- من أي ذكرى ثانية له. هل جاء هو حين بدأت ذاكرتي تعمل بالضبط، ثم غادر بيتنا بعد تسجيلي للمشهد بالضبط؟ لا أعرف.
    كان يجلس على عنقريب -سرير خشبي- عالٍ. أمامه طربيزة مصبوغة بلون أزرق وعليها طعام. دعاني لآكل معه. حاولت دَسْ يديّ في الطعام مباشرة. اعترضني: اغسل يديك.
    وانتهينا. ولا أي نتفة مشاهدة زيادة. وحين أتذَكَّر أمره لي بغسل يديّ عبر تلك الذكرى الشحيحة والمجذوذة أتساءل بيني وبين بالي: لو عاش ذلك الرجل لكان له معي برنامجه إذاً؟ لا تصدقني، ربما أنا فقط أُعَوِّض عن فقدي له. فقد تيتّمتُ مبكراً، وكلمة أبي هذه أنا لم أستخدمها في حياتي مطلقاً، ولا حتى في هذه الذكرى المجذوذة. وبعدها بقليل صرتُ عَجيَّاً بضياع كلمة أمي.
    كان عملاقاً وإنْ كنتُ لا أتذكر هيئته جيداً. أما ملامح وجهه فقد دعمها في ذاكرتي الفوتوغراف الذي أخذوه له بداعي الذهاب إلى الحج. أمي لم تحج وليس لها أي فوتوغراف. التصوير الفوتوغرافي ظهر في أواسط القرن التاسع عشر 1839م، ولم تعاصره أمي بلقطة واحدة في ثمانينات القرن العشرين. لغرائب الصدف، صوتها محفوظ على شريط كاسيت سَجَّله ابن عَمَّتها "المقبول". وهذا رجل له هواية عجيبة. أرجو أن تقارنها بنظيراتها من جنس جمع الطوابع وتوقيعات المشهورين. هذا "المقبول" يجمع أصوات من يظن أنهم سيموتون قريباً. والناس يخافونه جداً إذا رأوه يحمل مُسَجِّلته ويقصد أحداً. لأنه مثابر ولا يعرف الفشل. لا تسألني كيف؟ أنا أيضاً لا أعرف كيف. وهو يمارس هذه الهواية منذ زمن الأسطوانات. ولكن أمي تحديداً كانت مصابة بداء القلب ويمكن توقع موتها. وكفنها الذي اشترته بنفسها، نزل قبلها للقبر سبع مرات في صحبة أموات آخرين. كانوا يأخذونه لأنه مخيط وجاهز ثم يعيدون لها واحداً بدلاً عنه فيما بعد. معلومة الكفن هذه بالإضافة لجمالها الوقور كامرأة وتدينها تُمَثِّل مُلَخَّص سيرتها في القرية.
    المهم أنني ذهبت للمقبول في بيته عندما كان يجاور النهر. فزرت الآخرة من ناحية قريتنا وتناولت أُنسي وشايي هناك. أسمعني في البداية أكثر من عشرين "مرحوم". لم يكن يتباهى بتوقعاته مطلقاً. بل كان يعرض ذلك أمامي كما يعرض أي خبير تشريح قطع البني آدم لطلابه. يهمهم معي بصوته الغليظ والمخدوش،..
    "تلاحظ؟ هذا عمك المرحوم "فلان"، في التسجيل الثاني أظنَّه أوضح".
    "ولكني لا أعرفه" أُجيبه وأنا أتزحزح من مكان لمكان.
    "طبعاً طبعاً. جدتك "الحرم" تعرفه. أنت صغير لن تعرف شيئاً".
    فَكَّاه الأصفران عريضان ولحيته كثة. يهمهم بكل جد وهو ينحك "هنا شريط المرحومة "فلانة" مقطوع، لو سألت المرحومة عن ضرّتها لتحدثت أكثر. مزاج المرحوم "فلان" يكون رائقاً في الساقية، كان يجب أن لا أُسَجِّل له في القرية. ذلك الغبي، الصوت الثالث، تسمعه؟ كان يجب أن لا أدعه يجلس معنا، هذا لن يموت قريباً".
    قلت في بالي: هذا الرجل لا يلعب أبداً. بل أكثر جدية من البير كامو. وهذه ساحة أعرض لمناقشة العبث كنحت من صميم الحياة.
    أردتُ مَرْحَلة الموضوع، كي لا أبدو متلهفاً لسماع صوت أمي. هكذا نشأنا على أن العاطفة منقصة للرجل. أُدحرجه في اتجاهي: كلهم لا أعرفهم.
    هو أيضاً يمرحل الموضوع من ناحيته،..
    "المؤذِّن علي القاضي، تعرفه أم لا؟".
    "أعرفه".
    "تريده؟".
    "أُريد أمي. أتذكر صوتها أكثر".
    انحشرت زوجته "مُنَى" بيننا، ورفضت ذلك بشكل قاطع. تخشى عليّ من التأثر. وبدأت هي بالبكاء مقدماً. قلت له: دعنا منها، أخرِج الشريط.
    هو أصلاً كان منشغلاً بإخراجه. كنت أحاجج زوجته أنا. همهم بارتياح: ها هو، البتولا عبد الله رقم 23.
    خشخش صدره وتعالى وهبط خلف ضحكة،..
    "هنا أيضاً المؤذِّن على القاضي موجود. صوته بعيد ولكنه واضح. أثناء حديثي مع أمَّك سيُؤذِّن".
    جلباب المقبول من النوع الذي يأتون به من السعودية، ثقيل ورمادي بأزرار كالتي تُثَبِّت الحذاء. زوجته كانت تتحلَّف عليه وترجوه أن لا يُدير الشريط. التفت ناحيتها مهدّداً: ستخرجي وألا أرميك برّه وأقفل الباب؟
    تنهَّفَت وهي تخرط دموعها: أريد أن أسمع معكم.
    قال لها وهو يهز الشريط في وجهها: أنت لن تسمعي ولن تتركينا نسمع.
    تحَلَّفت هي من جديد وأهملها هو. أظنه معتاداً على ذلك. أو ربما هنا تكمن هوايتها هي. وضع الشريط في المسجل وسمعته يتحدث مع أمي. صوته الأجش ذاته، وصوت أمي الذي كأنَّما نبع من ذاكرتي فحسب، فهو لم يقطع أي مسافة من زمنهما ليبلغ زمني. قطعاً هو أدار جهاز التسجيل قبل أن يصلها. كانت تقول له،..
    "أهلاً، حبابك يا مقبول. إن شاء الله "منى" وأولادك طيبين؟"، في ذلك الزمن كانت أسرته تقيم في أم درمان.
    -علي القاضي يؤذِّن في هذه الأثناء-
    همهمت زوجة المقبول لجانبي وهي تنهنه،..
    "يا حليلها البتولا، تسأل عني وعن وليداتي، حنينة والله البتولا".
    كانت امرأة لها جلال وشهمة جداً. فيها رُقي ضافٍ من بعيد كظل الشجر. المرأة الريفية المختلفة والراقية بشكل فطري لا علاقة له بالثقافة والظروف، رُقي الله والرسول.
    أكثر ما أتذكره عنها صدقها، لقد صنعت لي عقدةً مع الكذب والكذّابين بشكل مَرَضي. وأيضاً أداءها المتواتر نِيِلاً لصلاة الضُحى، كانت لا تُفَرِّط فيها مطلقاً. موتها ترك فراغاً في همهمة أصوات القرية المتبتِّلة عند الصباح.
    دفنَّاها والناس يبكون ويودعونها بذلك التوقع الذي وصفه الطيب صالح في رواية مريود عند دفن مريم، قال {دفناها عند المغيب كأننا نغرس نخلة، أو نستودع باطن الأرض سراً عزيزاً سوف تتمخَّض عنه في المستقبل بشكل من الأشكال}.
    أمي دفنَّاها عند الفجر، وكأنَّ حادثة موتها تُصَحِّح مواقيت الدفن الخاطئة التي اختارها الطيب صالح. الموت الغرس مواعيده الفجر وليس الغروب. لأنَّ مريم هي المرأة التي ماتت من عند العمر الذي كان يجب أن تقود من عنده حياة مختلفة. من عند صباح-بداية، وليس غروب-نهاية، فمريم لم تمت من عند العمر الذي انتهت إليه عبر حياة عاشتها عن طريق الخطأ، مع زوج لم تحبه. وإنما ماتت من عند طفولتها وهويتها السابقة –مريوم- ومن عند حبيب حياتها التي لم تعشها -مريود. الشخص المتحد معها، أنَاها على الضفة الأخرى، الذي ينادي من على شاطئ النهر: مريوم، مريوم. فيرجع صدى صوته من الضفة الثانية: مريود، مريود.
    أُمي كانت مريم شندي، فكلا الرجلين اللذان زُوِّجت لهما، لم يكونا يستحقانها أبداً، ابن عمتها وأبي على حد السواء، كانت مثل أم الرجل الأميبي، من قال عنها حين سؤاله عن جمالها الإنساني والتكويني "نعم كانت جميلة، جميلة ومختلفة لدرجة أن يُمنح وجهها لطابع بريد، لا لزوج".
    أنا مواليد 1972 / 1/ 1م في جواز السفر بناءً على دخولي المدرسة. أرادت أمي أن تدخلني المدرسة باكراً ولم يكن من الممكن إعادة ولادتي. لذلك قام أحد الأساتذة بما يمكنه من "كلاكيت" وأعاد تصوير شهادة ميلادي من جديد. فأنا كنت خريج خلاوي أكتب وأقرأ. كما تعَرَّفت على الأخفش وأصحاب شذور الذهب والخصائص وقطر الندى والنحو الواضح -هؤلاء نسيت أسماءهم الآن- وغيرهم. يعني ما شاء الله لم تتبقَّ لي إلا الكسور العشرية. لزمن قريب كنت أتساءل ولم أكن مقتنعاً أبداً بنظرية أبو صلاح شيخ الحيران، ما الذي يقصده من تدريسنا كشاف الزمخشري؟ ما الذي كنا سنعرفه له؟ كنا نزيل مخاطنا من جهة، ونسمّع له كالآلات من جهة. لم نكن نفهم، والآن لم نعد نتذكر. الأخفش أنا أتذكره لأننا كنا نسخر من اسم كتابه "همع الهوامع" لا أكثر. فإذا ضربك أبو صلاح نقول إنك تلقيت درساً في "لبع اللوابع" أو "لطش اللواطش" وأيضاً "شلوت الشلاليت".
    لم أكن أعرف أن العلم يتناولونه كعلف الدابة، فقط كي تسهل مسألة اجتراره والمتعة به ذات يوم. أشكر هذا الرجل وأترَحَّم على روحه الطاهرة باسمي واسمكم جميعاً. وسأعفي اسمه داخل كتابي هذا من حركات الإعراب وابتزازه في حكاية "أبو" صلاح "أبي" صلاح "أبا" صلاح هذه، تثميناً لدوره في تعليمي، لذا دعنا نقل "أبو" صلاح في جميع الأحوال. وأيضاً كاجتهاد من قِبلي أنا فيما عَلَّمني. فقد تبدلت لالتحاقي بمدارس أخرى جديدة بالنسبة لي ومتمردة في النحو. صرت أكثر جرأة ووقاحة. لأنني أحببت بعد أبو صلاح إبراهيم مصطفى وتلميذه المخزومي. ليسقط العامل ولنفتح للّغة باباً جديداً بكامله. صرت أعارض معهم مدرسة "البصرة" وأناصر مدرسة "الكوفة".
    لقد ارتدّيت وشكراً جزيلاً وعفواً يا أبو صلاح. فأنت لا تعرف كيف شَكَرتك وزارةُ التربية مُمَثَّلاً في تلميذك محسن. سأعود لأشتم لك الأساتذة غير المثقفين وأنال منهم من جديد. الأستاذ "ع" من قرية مجاورة، لن أذكر اسمه صراحة، سأحرمه من أن يشتهر على حسابي. سأرمز إليه فقط كي يتعَرَّف عليه القرويون في قريته وقريتي. وما أدراك ما سُخر وثقالة الريفيين في ناحيتنا، عليه أن يرحل. فقد صار لي كتابٌ وصار بوسعي أن أنال منه ومن الحكومة ومن كثيرين. كتبنا حكومتنا وبيوتنا.. نقضي عندها بما نشاء ونرتاح فيها كيفما نشاء. السلطة القادمة للكتابة والفكر ولا غيرهما. علاوة على أنني لا أمتلك بيتاً حالياً، وليس لي إلا ظل كتابي هذا. لأن حسين أخي من جهة أمي تزوج وسكن في بيتي الذي تسقفه السماء ذلك.
    كنت يومها في صف أول ابتدائي، حينما طلب مني الأستاذ "ع" أن أقرأ عليه سورة "البلد". وعند هذا الموقع من السورة كنت أقرأ،..
    "وما أدرِاك ما العقبة. فَكَّ رقبة، أو أطعَمَ في يومٍ ذي مسغبة".
    تلوَّى "ع" كالحيَّة ثم صفعني بعنف منذ البداية. جَرَّني بقسوة من شعري: من أين تقرأ يا حيوان؟ هذا قرآنك أنت. صَحِّح يا بهيمة، اسمعني جيداً.
    ثم قرأ عليَّ هو،..
    "وما أدراك ما العقبة. فَكُّ رقبة، أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة".
    قلت له: كله صاح.
    ويا ليتني لم أقل، هجم عليّ كالجاموس، لم يمهلني لثانية واحدة. انكال عليّ ضرباً وهو يصيح،..
    "كله صاح!؟ مجنون؟ مجنون أنت، أم ماذا؟ أعوذ بالله، شيطان، شيطان رجيم".
    طاخ، طاخ، بهمجية ووحشية عجيبة. كان ينتصر للدين مني ويأخذ بثأر الصحابة. صاح من جديد: كما في الكتاب يا ملعون.
    جهله لقراءات القرآن جعلني أجهل ما يقصده. ظننت أن كتابهم ككتب أبو صلاح. تركت القراءات وأخذت أعرب ككشاف الزمخشري، قلت له بسرعة مذهلة،..
    "في حالة حفص "فكُّ" خبر مبتدأ، وفي حالة الدوري "فَكَّ" فعل ماضي، وفي حالة فلان وكتاب علان وكذا وكذا".
    ولم يغثني ذلك. لم ينتبه، لم يلاحظ، ############. هذا الطفل المجنون والكافر يهذي بالفعل، ولكن ألم يذكره هذيانه هذا بشيء؟ ألم يقابله في مكان ما؟ ألا تشبه هرطقته هذه دروساً قابلته هو في سنته الأخيرة بالمعهد قبيل تخرجه ومجيئه لتنوير الناس؟ ما زلت حتى هذا اليوم محتاراً في ذلك الرجل. لم يلاحظ أبداً أنني يا دوب جئتهم كي يعلمونني بينما أتفَوَّه بمصطلحات مثل: فعل ماضي وخبر مبتدأ وجملة اسمية وفعلية وغيرها. كما وبإمكاني أن أعرب "أو" و"ذي" اللتين يجهل إعرابهما هو نفسه في الآية الكريمة. أنا شخصياً أفشل تماماً عن تفسير عماه ذلك. صاح مهتاجاً وهو يضرب ويرفس من جديد،..
    "يا رب القدرة، يا رب القدرة. قرآن حار، ببوخه. كما في الكتاب يا مجنون".
    عجزت. القراءات جربتها كلها، هو لا يريدها. الإعراب جربته كله، هو لا يريده. ماذا يريد ذلك الرجل القاسي إذاً؟ عجزت وبكيت. وما عاد بإمكاني سواهما.
    كنت صغيراً ولا أمتلك كلمة أخرى عدا "كله صاح"، وهي تُهَيِّجه. لم يكن بوسعي أن أشرح له القراءات في تلك السن. فقط أكرر أمامه بصورة ببغائية ودموعي تنسال بمذلة،..
    "الدوري، حفص، الدوري. اسأل أبو صلاح. والله العظيم جد".
    ولم ينجدني كل ذلك. فما هو الجِد الذي أعنيه وأُقسم عليه؟ مخلوق صغير مهان ويُركل ودمعه يتشتت بذنب أنه يعرف أكثر مما تتطلبه الحصة. لو فقط تمَهَّل وهدأ من ثائرته وروعي ليسألني: ما حفص هذا؟ كنت سأتتبعهم له واحداً واحداً. فشيخ عبد الله لا يتركك حتى تعرف شيوخ القراءات هؤلاء أكثر من أولاد خالتك وعمتك. بلدانهم، نشأتهم، تواريخ ميلادهم ومماتهم، عَمَّن أخذوا، لمن أعطوا، مَنْ يُقدَّم على مَنْ، ومن يؤخر عن من. كنت سأخلق فيه ولو بصيص انتباه. فربما يلاحظ أن تلك القصص فوق مقدرات تأليف الأطفال. كي يبعث بي للمدير على الأقل، ليفحصني. ولكن ذلك لم يحدث. ما يزال يطالبني بأن أقرأ كما في كتابه. والضرب وإحساس المهانة شَتَّتا تركيزي بالكامل. لم يعد بوسعي التمييز بين القراءتين. هذه مسألة لن أغفرها له ولوزارته التي بعثته أبداً. شيء لا يعقل!
    خمشني من أسفل أذنيّ وعنقي وهو يقول لي بتهَيُّج مخيف،..
    "والله، ووالله.. لن أتركك أبداً حتى تقرأ كما في الكتاب".
    وأنا كنت قد فقدت السيطرة على الموضوع تماماً. فقراءات القرآن بالبسكويت الذي كانت تشتريه لي أمي تشجيعاً وتحبيباً لم تكن شيئاً سهلاً. ناهيك عن بالإذلال والضرب ووحشية ذلك الرجل. بكيت كآخر مَرَّة في حياتي. وندمت لكوني افتخرت على رفاقي بأنني لست محتاجاً للحفظ مثلهم. ما زلت إلى الآن أتذكر صوت بكائي المخنوق والطريقة التي كان يرتجف بها صدري.
    الأستاذ يريدني أن أقرأ كما في كتاب وزارة المعارف. ذلكم الرخيص وال########، المطبوع بماء الكركدي. أنا أقرأ كما يقرأ أبو صلاح عبد الله شيخ الحيران، فما أنت وما وزارتك؟ هنبول الوزارة التي بعثت بك لتُعَرِّفني الجهل.
    أبو صلاح كان يحيط به أكثر من مائتي حَوارِي. هذا في سورة البقرة، وهذا في سورة الأعراف، وذاك في فاطر، وآخر في الحشر، وهكذا حتى سورة الناس. ويُمْلِل هو عليهم جميعاً من ذاكرته وحدها وفي جلسة واحدة، نسميها "الرمية". يجلس منذ هذا الصباح وحتى الصباح التالي. لا ينهض إلا للصلاة. هذا لا يمكن أن نسميه رجلاً حافظاً، بل هو القرآن يُمْلِل نفسه للناس كبشري يجلس تحت شجرة "سنط" عملاقة.
    ولكن ذلك المُدَرِّس يريد فقط ما في كتابهم المطبوع بمحلول الكركدي، ماذا نفعل له؟
    النهار أخذ يخوض في العصر. انتبهت إلى أنني لم أعد أحداً بعينه. بل مجرد أحاسيس، أفكار، أنانية عوز تُدين الآخرين، وشر ينصب شراكه. ولكن ربما هذا ما نحن عليه بالضبط. حياتنا ليست قصة متماسكة كما تظن. ليست مترابطة. كلها تتكون من مثل هذا التقطُّع من التفكير ال######## والانشغال البسيط. لا تصدق أن هنالك من هو مختلف، اللهم إلا البهائم. عندما أرى صورة رؤساء وهم يتباحثون في التلفزيون أضحك. الأهم هو المواضيع التي يبحثونها بداخل صلعهم ومع أنفسهم في تلك اللحظات، التفكير السري وغير المعلن، والذي لا يمكنهم أن يفخّموا به أصواتهم كخطبهم المهيبة والمجلجلة. حياة الإنسان الحقيقية هي بالضبط تلك التفاهة السرية. وكل ما يعيشه الإنسان بحق، هو هذا التكتم الخافت والمحرج. قَدِّر بنفسك إذن كيف هي كتب السيرة الذاتية التي تكتب عن حياتهم لا تقول عنهم شيئاً، ولكم هي مختلفة عَمَّا هم عليه في الحقيقة. كتب السيرة على هذا النحو تُخَلِّد الوظائف والمهام والأشياء بشكل عام. والروح لا يمكن تخليدها بالفعل إلا بمناقشة الاستغراق ودقائق التفكير والشغب النفسي والضيق، الكفر والإيمان. أي أنَّ الروح تُخَلَّد بفعل مادتها المفترضة من الهيمانات.
    شعرت بالجوع من جديد. قلت لنفسي: ربما تأتي "الست" وتجلب معها من الخارج شيئاً يُؤكل. ولكنها لم تأت. حاولت النوم، ولكنه لم... قلت سأذهب لصديقي د.عمر السنوسي فربما أجد شيئاً آكله.
    طرقت بابه والنهار أخذ يخوض في العصر. يقطع أبوها من عيشة!؟ وجدت معه رجلاً من زملائه الأساتذة في الجامعة. قَدَّمه لي د.عمر على أنه بروفيسور آداب يحاضر في جامعة الجزيرة. وقَدَّمني له على أنني طالب اقتصاد يدرس بنفس الجامعة. وما يلي هذا التعريف من شاب واعد ومهتم، له روايات وأشعار وبحوث وكذا وكذا. وذلك البروفيسور يتأملني ويحدجني بنظراته كأنه سيعثر على دليل يقبض به على كذب د.عمر.
    بعد مرور لوازم التعارف جلست أنا في مواجهة البروفيسور. سأل هو د. عمر وكأنه يواصل معه حواراً قطعه قدومي،..
    "ها، قلت ماذا تقرأ هذه الأيام؟".
    أجابه د. عمر: هذه الأيام أكتب. أما آخر الليل -يضحك د. عمر- فأحاول تجميع بعض الخيوط لدراسة تُقارب بين أعمال "مايكوفسكي" و"أنغوبلي مادنغوني" و"سالم حميد". أريد نصوصاً أوفر من مادنغوني لو كانت لديك؟
    سأله البروفيسور متجاوزاً طلبه،..
    "وماذا عن أعمالك المسرحية؟".
    "متوقف. من يريد مسرحاً هذه الأيام؟ هذه المقاربة اتفقت عليها مع مجلة المركز الثقافي الفرنسي".
    حاول د. عمر أن يعيده لموضوعهما الأول. البروفيسور أفتى بصدد مايكوفسكي،..
    "ربما بوشكين يخدمك أفضل".
    بدا لي ذلك الرجل غبياً جداً ومنذ البداية. فأولاً د. عمر لم يوضح أي شيء عن مقاصد دراسته وأغراضها كي يعلم هذا البروفيسور أن بوشكين يخدم أكثر أو أقل. تذَكَّرت قصة صديقي "صحابي الصادق" على الفور. حكى لي هذا الصديق أنه ذهب إلى حيث يفرش الباعة الكتب بجانب حدائق شارع النيل، واختار كتاباً وقال للبائع إنه سيأخذ هذا الكتاب نظير خمسمائة جنيه فقط. فأجابه البائع: أبو خمسمائة هي تلك المجموعة في الطرف، دع الذي في يدك هذا وخذ منها واحداً.
    في ماذا يختلف هذا البروفيسور عن ذلك البائع الجاهل؟ لأنه مبدئياً يمكن الربط بين أعمال الثلاثة المذكورين، ولكن بوشكين ما دخله؟ إما أن ذلك البروفيسور سيسعده أن يذكر بوشكين أمامنا بتلك الطريقة المفخَّمة، وإما أنه يجهل بالكامل أشعار الجميع، الذين ذكرهم د. عمر والذي ذكره هو. احتار د. عمر، ولكن أدبه الوافر أملى عليه مجاملة،..
    "مشروعي يخدمه مايكوفسكي أكثر، أما بوشكين فسيجعل الموضوع مختلفاً".
    لم يفهم البروفيسور المتسلِّط السخرية الكامنة في هذه العبارة، قال مُصِرَّاً،..
    "الروس جيدون، ولكن تنقص كتاباتهم مسحة الضباب والمغامرة كما في الآداب اللاتينية مثلاً. الواقعية السحرية تبز واقعيتهم الاشتراكية. الأيدولوجيا والإلحاد لن يخدما لا الفن ولا الإنسان".
    قَوِّم بنفسك مدى تفاهة أفكار الرجل ومحفوظيته وقِدَم ألفاظه وتكرارها. هنالك نوع من التفاهة لا يمكن تحليله من شدة انحطاطه وتكراره، ولا تعرف معه أتضحك أم ماذا تفعل! أما أنا فقد نسيت غضب الجوع وسلبيته وانشغلت بعواطف امتعاض غيرها. كما أَلْفِت نظرك إلى أنني قَدَّرت من خلال ملابساته كلها أنَّه إسلاموي ويتحدث هو أيضاً من خلال الأيدولوجيا. يتحدث عن روسيا هذه وكأنَّ كُتَّابها تنتجهم دولة بحجم واحدة من دول الخليج. خلعت حذائي بحركة قرف وغمغمت مع نفسي بكل أداة سخط أمتلكها. التفت نحوي البروفيسور، قال لي وكأنه ضيف ظريف يُشْرِك خادم بيت من زارهم في حوار مع سيده، ليعطي الحضور دليلاً على نوعية التعامل في بيته هو. سألني: وأنت، ماذا تقرأ؟
    "أنا؟ قل لي أنت أولاً رأيك في أنطوان شيخوف؟".
    "هنالك من هو أفضل منه".
    "شخصياً لم يقابلني هذا الأفضل منه".
    أجابني بلهجة ليست مستبدة، ولكنها مترويّة ببطر: لن أقول لك بأنك لم تفتش جيداً، ولن أناقشك الآن، هذه مرحلة ستمر. وستعرف بعدها أن هنالك من هو أفضل منه.
    سألته بغيظ: مثل من؟
    لو قال لي دستوفسكي لتقاصرت حماستي كثيراً، لكنَّه وبفخامة أوديو عجيبة أجاب: ليف تولستوي.
    أنا لا أكره كتابة ليف تولستوي، ولكنني لن أقارنها بأعمال شيخوف مطلقاً. ما يزال شيخوف يمثل لي هو ودستوفسكي وحكايات إيطاليا لمكسيم جوركي شيئاً مهماً من ناحية الكتابة الروسية. قرأت مسرح شيخوف كله، وتقريباً كل أعماله القصصية. بل أكاد أحفظ له قصصاً من نوع "المبارزة" و"عنبر 6"، "الخادم"، "مذكرات رجل عجوز"، ومجمل أعماله تقريباً. كنت أيضاً قد قرأت شيلخوف وتورغنيف وكوبرين وراسبوتين وجوركي وألكسي تولوستوي وكورلنكو، وأسرتني أعمال هؤلاء أيضاً. ولكن حتى تاريخ اليوم يسيطر عليّ حب النبش الجواني وتفتيت الوجود بحرقة دافئة، ما تجده أكثر عند أنطوان ودستوفسكي. كنت أرتبهم هكذا: شيخوف ودستوفسكي، ألكسي تولستوي، حكايات إيطاليا لمكسيم جوركي. لقد تعلقت بألكسي جداً وأعدت قراءة "الشقيقتان"، "طفولة نيكيتا"، و"الأمير الأعرج" كثيراً. وكذلك "الدون الهادي" لميخائيل شيلوخوف و"الهارب" لفالنتين راسبوتين، ثم يصبح بإمكان الكونت ليف تولستوي أن يرد في قائمتي بعد ذلك لو كان يود. ولكي تعجب أكثر أقول لك إن كتاب "حكايات إيطاليا" هذا من أهم الكتب التي أثّرت في حياتي. وأعني بالذات الفصل الذي كتبه مكسيم جوركي عن الكونت ليف تولستوي. لقد كتب عنه بقداسة وحشية مذهلة ورهيبة. بالرغم من عدم الارتياح وسوء التفاهم الذي تَمَيَّزت به علاقة الرجلين. ولكن ماذا تقول؟ هذه هي الكتابة عندما تريد نفسها. لن أقول إن حب جوركي لشيخوف هو سبب فشله في أن لا يكتب عنه بذات المستوى -أي كشخصية روائية لا علاقة له بها- لأنه نجح جداً في الكتابة عن فلاديمير إيليتش لينين. لا أعرف، ولكن من المقدمة التي كتبها المخرج قسطنطين ستانسلافسكي لمسرح شيخوف تتلَمَّس تبصراً أفضل لروح شيخوف.
    لم أقل لصاحبنا البروفيسور العتيد شيئاً. بل تشاغلت عنهما هو ود. عمر بنفسي. ودار حوارهما منفصلاً عني هنا وهناك. فجأة التفت إليّ البروفيسور بملامح جديته القريبة من الشر تلك. ربما عَدَّ انزوائي ذلك زعلاً ما، لقِلِّ المعرفة، لصغر السن، المهم زعل بشكل من الأشكال. فأراد أن يفعل شيئاً طريفاً يُراضيني به.. اسمع، يستنبهني هو، تُذكِّرني بشخص ما يا ابني!
    فكّر قليلاً ثم أضاف: تشبه كوجاك، تعرفه؟
    "لست رجلاً أبيض لأشبه لك كوجاك هذا".
    - لا، هذا كوجاك أسود. قريبك هو؟
    أنا لا أعرف كوجاك الذي يعنيه هذا. لم أكن أعرف في ذلك الوقت أنَّه ممثل سوداني. فقط كنتُ أعرف كوجاك السينما الأصلي والأصلع. شعري في ذلك الزمن -قبل الصلعة- كان يُغطي وجهي وعنقي. كيف رآني أصلعَ؟
    صمتنا قليلاً وشعرت باضطهاد الحكم من علٍ مرة ثانية. أحكام أكاديميي الجامعات، الذين لا يقبلون في تقويم كلامهم بأقل من قرآن. قلت له ببرود حاد وغير متردّد مطلقاً،..
    "أتعرف من تشبه أنت؟".
    - لا، لا أعرف.
    "############ة".
    وهذه الكلمة مرادف سوداني لكلمة "الطيز" وأكثر فجاجة منها. ربما عَوَّل الرجل على كوني أحد مجانين أسرة د. عمر الذين يُنَكِّرهم كطلاب جامعات خوفاً على وضعه الاجتماعي. فقد اندهش وبُوغت أكثر مما غَضِب. نظر ناحية د. عمر باستغراب وفجيعة. فلم تكن قد مرّت عدة دقائق على تقديم عمر لنا لبعض، بوضعية أستاذ وطالب في مؤسسة واحدة. كل ما أحزنني أن د. عمر حُوصِر وشعرت به انجرح. كلمة قاضية ولا أدري كيف حصلت عليها وأنا بين أساتذة جامعة. لا يمكن قولها حتى ل############ بداخل وكرها على هذا النحو، فكيف مع بروفيسور آداب!؟ لم آبه حينها كثيراً. كان يغطيني في تلك الفترة ضباب يعزلني عن لباقة الحياة الخارجية بالكامل. صدقني، كنت أقرأ شعر أزهري وعاطف والصادق وحميد وأخرج إلى أركان النقاش وأنا مسطول بالفعل وليس ادَّعاءً. ثم أجد نفسي ملهماً والسماء تناولني الكلام ولا علاقة لي بأي أحد ولا أعرف أي شيء. لا أدري كيف عدت من ذلك المكان. كما أنَّ أُبوية الأكادميين هذه وصلف رجال الأمن بالنسبة لي يأكلان بفم واحد ويخرأان بدبر واحد. كيف يقول إن تفضيلي لشيخوف هذه "مرحلة" لن يناقشني فيها؟ ألأن تولستوي بالنسبة لشيخوف كان شيخاً مثله أم ماذا؟ لماذا لا ينزل هذا الرجل لأقرب سماء من السابعة ويشرح لي المسألة؟ كنت بداخلي أفور وأهمهم: عليه أن يعلم أن تولستوي محميته هذا، لولا الحمايات لما صار شيئاً. ومن قبل كان محمية دعاية الصحافة والنقاد الضعفاء ومحمية غروره الذي أرهب به الناس. ماذا لو قلت له إن تولستويه المنفوخ هذا لا يساوي شابتراً واحداً من الطيب صالح أو صنع الله إبراهيم، القعيد، الكوني، حيدر حيدر، أبَّكر إسماعيل، بشرى الفاضل، أو مستغانمي وسلوى بكر، سليم بركات. حيدر حيدر في ذلك الزمن لم يكن موضة، كنت أعرفه وحدي كسر.
    لقد قرأتُ معظم -معظم هنا للتواضع- شخوصه، أعني تولستوي، ولم تؤثر فيّ أو تلمسني شخصية له ربع ما لمستني شخصية "إلياس نخلة" لعبد الرحمن منيف، الذي لا أُطيقه هو الآخر. كيف سيكون موقف البروفيسور يا ترى لو طرحتُ له المسألة على هذا النحو المحلي؟ بلا شك كان سيقتلني، بفتوى أنه لا فائدة من حياتي، فهي لن تكفي للمراحل التعلُّمية الكثيرة التي تنتظرني. قنيطة قنيطة، لن يقرر لي هو وهذه الصحافة ال########ة ما يجب أن أفهمه عن الكتب.
    تنحنح الرجل بطريقة شيخ عادي ما بقي معه أي امتياز أكاديمي ولا كرامة علم. ترك أستاذيته. مثل هذه الكلمات الحميمة تضع المتعجرفين في مواعينهم. قال لي بنبرة –عن حق لم تكن غاضبة كثيراً- ما يزال يلتبسُ عليها الأمر،..
    "أنا رجل في سن والدك".
    قاطعته: بل أكبر قليلاً.
    قلت في بالي: أُصِرُّ على اللؤم لآخر كلمة بحوزتي. سيتفادى المواصلة معي خوف كلمات جديدة. لست أستاذاً مثله لأخسر شيئاً ويذلني وغدٌ مثلي. يمكنه أن يلاحقني في الجامعة ويطردني منها. ولكن د. عمر الذي أغضبته هو أيضاً لن يتركه. لا حَلَّ معه سوى أن يصمت ويمصمص شفاهه من الغضب. ولكنه لم يصمت،...
    - في بيتكم تتحدثون هكذا؟
    "في بيتي أتدرب على الحديث هكذا. شتيمتك هذه لن تجد لي أهلاً تقع بهم".
    - هو هكذا إذاً؟
    أجبته على مقصده فوراً: نعم مواليد وتربية شوارع.
    نهض بغضب مُحَنَّك، جلبه معه من إنجلترا التي درس فيها. التفت ناحية د. عمر وقال له بصوت محاضرات: شكراً يا دكتور.
    أراد أن يُشركه معه في الذنب وإحساس المذلة والحرج. تَحَلَّف عليه د. عمر بأن لا يذهب بينما هو يعتذر له. وسمعت منه بعض الكلمات السيئة لترضية الرجل. لن أنسى لعمر ما حييت أنه لم يطردني له. ولو طردني لما ألقيتُ عليه السلام بعدها أبداً. إمَّا ذلك البروفيسور كله أو أنا. تبعه د. عمر وهو يقسم عليه ويتمَسَّك به حتى الباب. سمعته يقول لدكتور عمر: ذَكِّرني باسمه؟
    أجابه د. عمر: دع هذه المسألة لي يا أستاذ. هو ولد عصابي ومضطرب قليلاً، له مشاكل عدم أسرة كما سمعت. الذي يعرفه هذا كثير عليه. لو طردناه سنسلمه للشارع، في ظني يجب أن نربيه، ندعمه، يجب أن ندعمه يا أستاذ لو كنا ماذا وماذا وعليه، ومش عارف إيه...
    كانا يتساومان حولي كخروف. عندما عاد د. عمر وجدني أشرب عصير الرجل. أعرف أن د. عمر أستاذ فنون ومسرح بحق وموهبة ولم يحصل على ذلك بالمذاكرة. أردت إضحاكه كي أتفادى غضبه. هذه واحدة من وسائلي الصحيحة لمعالجة الأمور مع الأذكياء مثله. بادرته متعجلاً،..
    "تتساومان حول مساعدتي، صحيح؟ ثم تركته يذهب بجيوبه المنتفخة دون أن يتبرع لي بشيء. إذن أدخل أنت يدك في جيبك. أنا لستُ الجيش لتقترحا نفسيكما كفرع توجيه معنوي لنجدتي بالكلام فحسب".
    جلس ورأى العصير في يدي ولم يهتم. هذا الرجل أنا أعِزّه بالفعل وها قد أغضبته بتوريطي له في حماقة ########ة. هذه الحادثة ستصبح أُنس البروفيسور مع زملائه ربما لسنة قادمة. رأى د. عمر أسناني الصفراء خارجة من قِرابها أيضاً. كنت مبتسماً. تقدمته كي يلحق بي عند ضحكة. آخ، لقد غضب بالفعل، خذلني. قال لي بغيظ،..
    - هذا الرجل ضيفي يا محسن. لبيتي حرمة، وللعمر حرمة، ولأستاذيته أيضاً حرمة.
    لم أخجل، كنت محجوباً في ذلك الزمن كما قلت لك. أردت فقط أن أتخلص من حصاره لي. هو صديقي ولا يمكنني مراوغته بالطريقة ذاتها. يعرفني ويعرف أموري جيداً.
    "بالجد أنا آسف لحرمة بيتك وحدها. ولكن أية حرمات تعرفها لأمثال هؤلاء؟ أليسوا هم أنفسهم مَنْ قالوا لك لن تُحَضِّر في هذه الجامعة، حتى تأتيهم بدليل يخترع علاقة تربط التربية بالدراما؟".
    هذا الكلام حدث بالفعل في زمن قديم. كنت في المتوسط أو بداية الثانوي -لا أذكر- ولم يكن هو دكتوراً. رافقناه إليهم أنا وصديقي كاظم الزعيم عِدَّة مرات. بينما هو يحاول إقناعهم بأن لعلوم التربية صلة تربطها بعلم الدراما. كي يسمحوا له بالتحضير والعمل في الجامعة. كان قد عاد لتوِّه من العراق، مع مكتبته الهائلة التي حصدها جراد الأمن. وعرّفني عليه كاظم الذي كان بعثياً في ذلك الوقت. غالباً من خلال د. عمر -لست متأكداً- ولكن كاظم أصغر مني أنا. ولو حذفنا من عمره أي شيء فسنضعه في رداء قصير وندخله المدرسة الابتدائية. وحينها لن يصبح بوسعه أن يكون بعثياً أو أي مخلوق آخر، عدا آكل للآيسكريم. فلا بُدَّ أنه صار بعثياً بعد قدوم د. عمر.
    اعترضني بضيق، دون شك،..
    - لن تبتزني بهذا الكلام؟ لأول مرة في حياتي أجد نفسي لا أعرف ماذا أفعل.
    قلت له ضاحكاً كي أُسَوِّف غضبه قليلاً: لقد عشنا لحظة في الحقيقة، لا تندم. الانتباه الكامل لا يوفره إلا منتهى الحرج أو منتهى الخوف.
    ضحكت وأردفت بسرعة ومُصرَّاً على موضوع علاقة التربية بالدراما،..
    "والله أنا لا أذكر يا دكتور، كنت صغيراً وأرهب النظر إلى الأساتذة من أمثاله. ولكن بحق ألم يكن هذا الرجل معهم حين كنت تفاوضهم؟ من يبحثون عن دليل يثبت علاقة التربية بالدراما فلا بُدَّ أن يكون هذا الرجل الغبي رئيس كَشَّافتهم".
    نلت منه أخيراً، ضحك وأجابني: بحق، ألا تذكر؟
    "لا أذكر والله".
    - بالفعل كان معهم. لم يكن رئيسهم، ولكن كان بإمكانه أن يتدَخَّل.
    تمرغت أنا من الضحك على المقعد مثل جحش. حتى رفست الدوسيه الكبير الذي جاء به الرجل لدكتور عمر.
    "يا نبوي أنا، يا محسن. ألم أقل لك؟ أو هذه رهبانية الطبيعة. الأشياء تعرف طرقها الغامضة حتى لو تبعثر من حولها الناس وتعاظم فوقها التاريخ. يستاااهل. كان رديئاً أستاذكم متدلي البطن هذا، ويستاهل".
    سألني د. عمر مع ضحكة ماكرة وهو يهز رأسه ناحيتي: وأنت؟
    "أنا أيضاً رديء، لن أمتدح لك نفسي مطلقاً".
    "بس سؤال يا دكتور، زولك دا كوز وألا ما كوز؟".
    - أولاً ما زولي، زول رقبتو براها، ثانياً مصاحبني بالغصب وكوز.
    "ال######...".
    قلت في بالي: كل ذلك حدث كي نصل إلى هذه النقطة، المهمة أو غير المهمة، لن تفرق كثيراً. فأنا فعلاً لم أكن أتذَكَّره. كيف يتم القدر؟ هل هو أصلاً يُعِدُّونه حسب الأشخاص الذين سيتواجدون في مستقبل مشترك ما؟ هل يتكون القدر بناءً على ذهابنا نحن إليه، أم على مجيئه هو إلينا؟ كاظم وعمر كانا من مدني، أما أنا فمن شندي وقد أتيت إليها زائراً. أم تُرى هو القدر قوانين عامة تفرض التفاصيل تلقائياً بكونها أقوى من الزمان والمكان؟
    هل كان بوسع البروفيسور أن يلحظ صبياً صغيراً بصحبة الطالب عمر، سيهينه ذات يوم في بيت هذا الزميل الماثل في صورة طالب الآن؟
    لا أعرف. المهم أنني وجدتُ غداءً ولا أعرف ماذا فعلتْ "الست" زوجة "عبده تيَّه".

    محسن خالد
    مدينة دوكة 1994م
                  

12-26-2013, 07:28 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    صديـــقي العــزيـز.. من فضلك يجب أن تموت َ لكي أكتب عنك !
    أحمد أمين أحمد محمد



    صـــــديـــــــــــــــــــــــــقي العـــــــــــــــــــــــزيـــز

    إهداء : إلى الصديق القديم الذي لا يريد أن يموت !


    في ذلك اليوم المطير، قلت له:
    ـ "سوف أكتب عنك مقالاً رائعًا يوم يتوفاك الله .. سيكون مقالاً مؤثرًا يبكي كل من يقرؤه ، وفي الوقت نفسه سيشعر الناس أنني حساس ومرهف "
    فكان ينطلق بالسباب لي وهو يضحك ..
    أذكره ونحن مراهقان ننطلق بالدراجة في شوارع بحري ، وقد علق الكاسيت الصغير الذي يشبه علبة مسحوق التنظيف إلى صندوق الدراجة المثبت بالأمام ، بينما ليونيل ريتشي ينشد بصوته الرفيع:
    ـ " أظنني احتاج لصديق ٍ يمشي معي في طريقي .. وشعوري الآن يؤكد لي أنني سنبقى معاً حتى النهاية "
    وكانت أغنية طازجة نسمعها لأول مرة في هذا الأسبوع. ننطلق ونرمق الفتيات الحسناوات يمشين في شارع المدارس ، ونحلم ..
    كان العمر ممتدًا والصحة مكتملة والأيام لا حصر لها. الأزهار كانت رائحتها أجمل .. الفتيات كن أروع .. الأغاني كانت أفضل ..الكتب كانت أمتع ..
    كما ذكرت في مقال سابق عن أصدقاء الطفولة أنني تأثرت كثيراً باصدقائي من مرحلة المدرسة الإبتدائية بالذات .. هناك ولدت شخصيتي تقريباً وهكذا تحدد للأبد أصدقائي وتحددت اهتماماتي .. كان أول من جلست جواره هو ذلك الطفل ذو العوينات الذي يحمل ذلك الاسم غير المعتاد (سمير أبهج أديب)
    لم أعرف أنه مسيحي .. وأقر واعترف انني لم أعرف معنى ذلك إلا في سن متأخرة جدًا .. أشعر دائمًا بالمغص والغثيان كلما راح كل كاتب يقول الديباجة الشهيرة: " كان جيراني المسيحيون يهتمون بأمرنا، ونتبادل الكعك في الأعياد .. ولم نشعر قط باختلاف ديني ... الخ .. الخ ".. وهو كلام معتاد يشبه جلوس الشيخ جوار القس في الاحتفالات .. أشعر أنه مجرد كلام إنشائي ينهار لدى اي خلاف حقيقي. ما أؤمن به هو أن العلاقات الطبيعية لا تقال فيها هذه الكلمات.. جلوس الشيخ جوار القس في المناسبات العامة يعني بوضوح أن الأمور ليست على ما يرام.. على قدر علمي لم أحاول قط ان ألتقط لنفسي صورة مع اختي لأثبت أن علاقتنا ودية. العلاقات الطبيعية الودية تعاش فحسب ولا يتكلم عنها أحد. كانت صداقتي مع سمير من هذا الطراز ... وعلى قدر ما أذكر كانت أمه هي أمي تقريبًا .
    لا أعرف متى صرنا صديقين واكتشفت أنه يهوى الرسم مثلي، ويقرأ مثلي. كنا نقرأ كل شيء يقع تحت ايدينا، ولهذا كان وعينا يتجاوز بمراحل وعي طفل في الصف الأول الابتدائي. أذكر ان معلمة مبهرجة ملطخة بالأصباغ جاءت للمدرسة، وكنا في الصف الثاني الابتدائي ، قال لي بالحرف وباللغة الفصحى: "إنها تستعمل ذات نوع طلاء الأظافر الذي تفضله بائعات الهوى !". تخيل لو سمعت المعلمة هذه الكلمات من طفل في السابعة !
    لم اتصور قط أن أصدقاء المدرسة يزورون بعضهم.. عندما سألني عن عنوان بيتي قلته له دون اهتمام. ثم جاء اليوم الذي نمت فيه أمام التلفزيون أثناء السهرة ( برنامج سينما – سينما )، بينما أفراد أسرتي من حولي، ثم وجدت من يوقظني .. فتحت عيني لأجد سمير واقفًا في الظلام لا يكشفه سوى وهج الشاشة .. بدا لي الأمر كحلم .. لم أفهم ما يحدث، بينما أمي تأمرني بأن أشكره .. على ماذا ؟.. لا أفهم ..تركته وواصلت النوم على الأريكة بينما هو يتحدث عن خاله الذي ينتظره في السيارة. خال من ؟.. سيارة من ؟.. خ خ خ خ خ خ ..! .. وفيما بعد عرفت انه احضر لي بطاقة جميلة كهدية لي في عيد الفطر. كان هذا هو المعنى الأول للصديق في حياتي، ومنذ ذلك الحين عرفت بيته في شارع المزاد، وكانت معرفتي الأولى بأعياد المسيحيين. هناك عيد تخرج فيه أمه شجرة عيد الميلاد وتضع حولها تماثيل دقيقة للمزود بأبقاره وخرافه، والمسيح الرضيع والعذراء وآلاف الأضواء المتناثرة .. ثم تبعثر القطن على الشجرة ليبدو كالثلج . هذا هو العيد الذي أهديه فيها بطاقة يبدو عليها التجار المجوس راكعين حول المهد، وهناك عيد آخر قريب جدًا من شم النسيم، ثم يأتي عيده فأعرف أنني سأهديه بطاقة يظهر عليها المسيح صاعدًا للسماء بينما يقف الحواريون منبهرين. الحقيقة أنني تعلمت مع سمير أن المسيحيين ليسوا (آخرين). إنهم نحن . فقط هو يذهب للكنيسة يوم الأحد وأذهب أنا للمسجد يوم الجمعة. كان هذا حقيقيًا بدون عبارات إنشائية (مسيخة) ..
    البيت الصغير المنظم الذي يطل على حديقة غناء، وهذه الحديقة كانت الغابة التي لا تنتهي مغامراتها. كان والده معلمًا يهوى النجارة .. لذا كانت هذه الحديقة تحوي كل ما يلهب خيال طفل في الابتدائي. كل أدوات النجارة وجذع الشجرة المقطوع المتفحم الذي يشعله أبوه ليلاً ليعد عليه الشاي، والأرجوحة المعلقة بين شجرتين.

    كان يتردد على بيتي فأثار ذهوله الكم الهائل من الكتب والمجلات لدي، لهذا كان يزورني أحيانًا ليقرأ. لا يفعل شيئًا سوى القراءة ويطالبني بأن أخرس عدة ساعات، وعلى كل حال اعتقد أن عقلينا تكونا من مجلات باسم وميكي وسوبرمان والوطواط والرجل العنكبوت وطرزان .. ثم ظهرت المجلة الفاتنة (تان تان) التي كانت دار الأهرام المصرية تترجمها، والتي حملت لنا الثقافة الفرانكفونية وجعلتنا نرى كل شيء في العالم تقريبًا. هنا افترق طريقانا نوعًا لأنني اهتممت أكثر بالقراءات الأدبية، اما هو فطبعه العملي نافد الصبر جعله غير قادر على إدراك روعة هذه الخيالات المنسوجة من دخان. كان طفلاً واسع العينين يريد أن يعرف حقائق فقط .. يريد أن يرى العالم ولا يضيع وقته مع تهاويم شخص آخر. لهذا ظل يعتبر الشعر سخفًا حتى اليوم..
    لو تركت لساني ينطلق في ذكريات الطفولة لاحتجت إلى عدة مقالات .... النبات الغريب الذي ينمو في حديقة المدرسة والذي قطعنا كل أوراقه لنغليها، ونحن متأكدون أننا سنصل لمركب كيماوي مذهل .. ربما هو المركب الذي يخفيك عن العيون او يجعلك تطير ..
    اليوم الذي كنا نركض فيه في الفناء وأنا ألوح بمسدس صغير من غصن شجرة .. صوبته نحوه وهو يركض وأطلقت صوت الرصاص بفمي (بوم !). هنا وجدته يطير في الهواء ويتدحرج، وتناثر الغبار من حوله، والدم ينز من ثقب في جبهته ! يمكنك تصور ملامح وجهي وانا ارمق المسدس الذي في يدي في ذهول وغباء. بعد هذا تبين ان ولدًا في صف أكبر منا قذفه بقطعة حجر أصابت جبينه في هذا الوقت بالذات ..
    نعم .. هناك الكثير من الذكريات الساحرة ..ذكريات لها موسيقا الشعر ولون أكمام الزهر ..

    قلت له ونحن نمشي في كبري النيل شمبات ليلاً:
    ـ "ليس مطلوبًا منك أي جهد ...فقط عليك أن تموت .. سوف اكتب عنك مقالاً ممتازًا وربما كتابًا كذلك"
    قال لي إنه سيحاول لكنه لا يعدني بذلك ..
    كنت أشعر أن في تصرفه الكثير من الأنانية .. يمكنه أن يعطيني موضوعًا لكتاب رائع أو مقال لا ينساه الناس .. لكنه يصر في عناد سخيف على الحياة . لقد تغير الناس كثيرًا ..

    ما حدث هو أنني أصبت بأزمة أو وعكة صحية قاسية عام 2011، ودخلتُ المشفى مرتين في يوم واحد، وأنا أرتب فقرات المقال الذي سأكتبه عنه لو مات ! ..ما علينا ..

    في فترة من الفترات كنت أجلس في بيتي فأشعر بوحدة خانقة وسأم رهيب .. أغلق كتب الدراسة الخاصة بالصف الثالث الثانوي بكل ما فيها من مؤتمر الخرجين والثورة المهدية وقوانين ضرب الأقواس وقاعدة No sooner than، وجدول العناصر الكيميائية الدوري واذهب لبيته... هنا – في منتصف الطريق - أفاجأ بأنه يركب دراجته قاصدًا بيتي لأنه (سئم كتب الدراسة الخاصة بالصف الثالث الثانوي مؤتمر الخرجين والثورة المهدية وقوانين ضرب الأقواس وقاعدة No sooner than، وجدول العناصر الكيميائية الدوري ) !
    كنا نذهب إلى السينما – قصر الصداقة - يوم الخميس كل أسبوع مع المزيد من أفراد الشلة، وكنا نختار أسوأ الأفلام الصينية التي تم تصويرها في هونج كونج بألوان بني وأصفر، والسبب هو انها تجعلنا نضحك .. نضحك حتى نعجز عن التنفس. وكان يقول لي في حيرة: "كيف يتحكم زعيم العصابة في هؤلاء الأوغاد ؟.. هل يجيد لعب الكونج فو أفضل منهم ؟ "
    أقول له: "أنت لم تر رئيس هونج كونج .. لابد انه مرعب !!"
    الغريب أننا لم نشاهد فيلماً هندياً واحداً .. مطلقاً !
    نفس الأغاني كنا نسمعها .. سمعنا كل شيء لليونيل ريتشي والبيتلز وآبا وبي جيز وإريك كلابتون وبوني ام ورود ستيوارت، قبل أن تظهر تلك الفرقة الأمريكية رشيقة الألحان ( أولاد الشوارع الخلفية ) .. ثم جاء حميد الشاعري ومحمد منير وعمر دياب ، وفرفور ومحمود عبد العزيز .. ثم بدأنا نكتشف أن أم كلثوم وعبد الوهاب رائعان ، وأن فيروز لها صوت غناء الملائكة بالذات مع قهوة الصباح .. وهكذا ..
    عندما جاءت امتحانات الشهادة الثانوية ، لم يستطع قط أن يرغم نفسه على الاستذكار بينما استطعت أنا أن أروض جواد عقلي الجامح واستذكر، والنتيجة هي أنني دخلت كلية الهندسة ودخل هو كلية العلوم. لكننا ظللنا كيانًا واحدًا يدرس في كليتين .. وأعتقد انه يحمل جزءًا هندسياً لا بأس به في عقله أخذه مني ..
    الفتيات وقصص الحب . الإحباطات . الانتصارات . مشاكل الأسرة .. بدايتي مع التدخين .. قرر هو أن يجرب سيجارة اقترضها مني ليعرف سر ما يشعر به المدخنون . حذرته ألف مرة لكنه أصر .. بعد أسبوع واحد صارحني بمشاكله الشديدة مع الإقلاع عن التدخين بعد ما صار يدخن علبة كاملة يوميًا !

    ذكريات شركة الكمبيوتر التي افتتحها عمي ، وطلبه مني أنا وسمير أن نساعده في إدارتها مع أربعة اصدقاء آخرين، وذكريات النجاح والفشل.
    تشاجرنا كثيرًا لكنها مشاجرات اطفال على غرار: " أنا ارسم افضل منك" .. "أنت لا تستطيع لعب كرة الطاولة"... المشاجرات من هذا النمط تقوي الصداقة ولا توهنها. بينما مشاجرات المال وخلافات الشركاء و(كيف جرؤت زوجتك على أن تكلم زوجتي بهذه الوقاحة ؟) تدمر أي صداقة مهما كانت متينة. لكن بعد التخرج كانت هناك مشاجرة قوية وعنيفة مع سمير أدت لقطع العلاقة عدة أعوام.. سوء الفهم المتبادل مع التوتر وشعورك بأنك لا تملك أي سلاح أمام الحياة القادمة. كما أنني وقتها بدأت حياة ابن بطوطة السوداني العجيبة هذه ، فاتسعت المسافة بيننا لتشمل محيطات كاملة وقارات كبيرة ..
    عندما تم نشر أول قصصي القصيرة ( يوميات رجل مهزوم ) في جريدة أدباء المصرية عام 2009 ، كنت في السودان وقتها ، وفوراً ذهبت لبيته لأهديه نسخة من الجريدة، وتوقعت أن يبدي الكثير من الفرحة .. لكنه قال لي بعدها في قرف: "ايه العبط اللي انتا بتكتبه ده ؟". لم يبد لي هذا ردًا عادلاً خاصة انني كنت أعرف ان ماكتبته لم يكن عبطاً... كتبت الكثير من العبط بعد هذا، لكن هذا العمل بالذات لم يكن عبطاً. شعرت بالكثير من التعنت والجفاء، وجاءت اللحظة التي شعرت فيها بأن طريقينا يفترقان ..
    مرت أعوام عديدة وولم أتزوج أنا لكن تزوج هو ، وعرفتُ أنه يعمل في شركة طبية بقطر .. .. لكن ذلك الشعور القاتل كان يمضني من وقت لآخر: ماذا سيقول لو رأى كذا ؟.. ماذا سيكون رأيه لو سمع هذه الأغنية أو رأى هذه الصورة ؟.. ترى فتاة يعتبرها الناس قبيحة، لكنك تدرك أنك وسمير الوحيدان اللذان سيريانها فاتنة. عندما اقتنى أبناء جاري في دبي ###### هسكي لم أعد أتحمل أكثر .. الشخص الوحيد في السودان والوطن العربي كله الذي يحمل ذكرياتي عن كلاب الهسكي والأسكيمو والزحافات التي تشق طريقها عبر الثلوج، والمشهد الأخير من رواية فرانكنشتاين، والذي يذكر عشرات القصص من الطفولة تدور حول كلاب الهسكي .. هذا الشخص هو سمير.

    رفعت سماعة الهاتف وطلبته أخبره – وهو مذهول – أن جيراني لديهم ###### هسكي. لا شك أنه اعتقد أنني جننت حتماً..
    عادت الصداقة لما كانت عليه تقريبًا .. لم يفقد اهتمامه بالأشغال اليدوية التي تعلمها من أبيه، وقد صمم لاختي أشرقت ببعض قطع الخشب بيتًا ساحرًا للدمى. له نوافذ زجاجية تفتح وتغلق وكشافات ومكان لانتظار السيارة و .. و ... ما زال الطفل في داخله حيًا ..
    لم يتغير على الإطلاق، لكنه أخبرني - بألم - ذلك البيت الجميل القديم في بحري الذي نشأ فيه لم يعد هناك .. لقد بيع وبنوا مكانه مطعمًا كبيرًا .. هذا الشعور القاسي الغريب. تناولت العشاء ذات مرة في ذلك المطعم في آخر زيارة لي للسودان ، ثم اتصلت به اخبره انني تناولت العشاء في نفس مكان غرفة نومه القديمة. الحقيقة انه لم يعد يجرؤ على المرور في ذلك الشارع أبدًا، ولو دخلنا مكان بيته القديم لوجدنا من يقول لنا: عاوز حاجة يا أستاذ ؟
    كنت اعرف انني سأكتب مقالاً رائعًا عن هذه الصداقة التي دامت 26 سنة.. فقط طالبته في أدب أن يموت.. لا معنى لهذا المقال إذا ظل حيًا ..
    ولكن ... للمرة الثانية أصبت بوعكة صحية عاتية كادت تودي بي منذ شهرين . أدركت الحقيقة المرعبة وهي أنني لن أعيش غالبًا إلى أن أكتب المقال الذي أحلم به ، خصوصاً مع ولعي الشديد بتجميع الأمراض كما يجمع غيري علب أعواد الثقاب أو الطوابع.. وللأسف لا يملك سمير موهبة الكتابة أو الصبر اللازم لها، لذا لا أتوقع أن يكتب هو مقالاً عني؛ ولهذا قررت ان اكتب مقالي عن سمير – اللئيم الذي يابى أن يموت - الآن على سبيل الاحتياط..



    http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=28762
                  

12-28-2013, 08:13 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    السفينةُ الخشبية مائلةٌ وتحلمُ بالنار
    أحمد الملا



    1 ـ أجنحة

    أحمد الملالم يسلموا أيديهم للجاذبية
    أقدامُهم أسرعُ من الأرض
    وتتطايرُ نظراتِهم متخليّةً عن المكان،
    يحسبونَ الوقتَ كيفما بدا لهم
    ويعدّونه بالقفزاتِ الخفيفة
    لا يفصلُهم عن الغيمِ تفسيرٌ ولا سقف
    والبحرُ لم يسرق درّاجاتِهم،
    يدفعونَ الريحَ بصدورِهم
    يحرّكونَ الشغفَ الناشفَ في الأحجار
    ويطلعون للمطرِ لو تردّد
    فاردينَ أجسادَهم مظلات،
    أجسادُهم تعبرُ كوّةً لا تظهرُ إلا لهم
    ويتطايرُ ريشُهم في الهواء
    متّكئينَ على هشاشةِ الرغبة
    ومتيقّنينَ من أجنحةٍ لا يراها غيرُهم.

    2 ـ عربة

    ما تبقّى من أصابعك مرسومة على مقود العربة
    ما تبقّى
    من حياتِك كلِّها
    تلك التي لم أعرف مجراها
    وأخافُ التنبُّؤَ بمآلِها...
    لم يكن في نيتي
    تخيّلُ الطعنةِ التي عطفت حياتَك
    ولست مهيّئاً لتدارُكِ الفجيعة.

    لا أمّهُ الشاّبةُ التي شهقت بعينيها
    ورجفت يدُها في المطبخ
    ولا جدُّهُ العجوز الذي مسحَ بكُمِّهِ دمعةً قبل وصول النبأ.

    حياتُكَ شوّشت طريقي
    أربكتني فكرةٌ وضعتني مكانَك
    ولن أعودَ مثلما كنت،
    حيث جمدتُ في الشارعِ مثقوبَ الصَّدرِ وفارغَهُ تماما.

    العربةُ الملطّخةُ بقبضتيك..
    تلك العربةُ ملقاةٌ على الرصيف
    عربةُ طفلٍ مدهوسة
    وعاملُ الدكان
    يشطفُ الدّمَ والزجاجَ
    من الشارع.

    3 ـ مصطبة البحر

    تتهادَى على الماء؛
    موجةٌ ترفعُها وتنزلُها،
    أقول: زجاجةٌ فارغة
    فيرد:
    بل عاصفة،
    أنادي السمك
    فيعوي كذئب،
    يسألُ عن الدُّخانِ الأسود من أين يأتي من البحر؛
    السفينةُ الخشبية مائلةٌ وتحلمُ بالنار،
    والنوارسُ تصيحُ وتنقضُ مخترقةً سقفَ الماء،
    والبردُ أيضا يقرصُ الأشجارَ العرجاء،
    فيما الضبابُ يلعبُ مع كاسراتِ الموجِ لُعبةَ التّخفي..
    تغيبُ الشمسُ الآن،
    نجلسُ معا
    لا أعرفُهُ ولا يعرفُني؛
    جمعتْنا مصطبةٌ اسمنتيّة،
    الطقسُ هادئٌ ولا ينبِئُ بمحاولةٍ ناجزةٍ لانتحار.


    http://www.jehat.com/Jehaat/ar/ArabatAlnaar/ahmed12-12-2013.htm
                  

12-28-2013, 08:49 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    الشاعران الحقيقي والافتراضي في حرب معلنة
    بانة بيضون (لبنان)


    يضجّ العالم الفايسبوكي بالقصائد والنصوص والخواطر التي تسافر عبر الفضاء الافتراضي بحرية وسعادة، حاملة تواقيع لأسماء قلّة منها معروفة، والقسم الأكبر منها لكتّاب لم يسمع بهم أحد من ذي قبل، على الأقل خارج العالم الافتراضي. وبالرغم من ذلك، يبدو أنّ هذه الأسماء المجهولة بالنسبة إلينا هي ذات شعبية فايسبوكية تتخطى أحياناً غيرها من الأسماء المعروفة. قد تكون هذه الظاهرة مستفزة لكثيرين يستنكرون حق أمثال «فلان» أو «علان» في تنصيب أنفسهم شعراء على الفايسبوك، خصوصاً أنّ نسبة الإعجاب أو «اللايكات» التي تحصدها نصوصهم وقصائدهم تفوق النسبة التي تحظى بها كلمات بقية الشعراء المخضرمين. هكذا يُمكن أن يترائ لنا أننا في خضم معركة غريبة وطريفة عنوانها: «الشاعر الافتراضي» مقابل «الشاعر الحقيقي». إنها معركة سوريالية تضعنا أمام أسئلة تصعب الإجابة عنها. فكيف يحصد المرء لقب شاعر ومن يمنحه هذا اللقب، النقاد أم الشعراء أم جمهور العامة المتمثل بالفايسبوكيين؟ وبالرغم من تخوّف الكثيرين من هذه الظاهرة التي يرون فيها تهديداً لمكانة الشعر أو استهتاراً بقيمته، تبقى لهذه الظاهرة إيجابياتها، بخاصة إذا ما تناولناها خارج أزمة «الأنا» المتضخمة التي يعانيها الشعراء الافتراضيون والحقيقيون على السواء. أمّا المفاجأة أو الاستنتاج الذي يُمكن استخلاصه - وبدهشة - فهو أنّ الشعر لم يمت تماماً. وإنّ إقبال الناس على قراءة النصوص الشعرية، المبتذلة أو الجيدة، المنشورة على الفايسبوك، هو إنجاز في ذاته، لأنّ الشاعر نفسه يعرف تماماً أنّ قرّاء الشعر خارج الفايسبوك هم أقلية مهددة بالانقراض، هذا إذا ما استثنينا أصدقاء الشاعر أو عائلته أو الشعراء الآخرين الذين يشترون الكتاب بداعي الحرج أو المنافسة. والمرجّح أنّ ذلك يعود إلى الدور الذي يلعبه الفايسبوك في تخفيف المادة الشعرية التي هي عادة ثقيلة، خصوصاً حين تكون من النوع الجيد، فهو لا يسمح فعلياً إلا بنشر القصائد الصغيرة نسبياً، وهذا ما يجعلها أقلّ وطأة على القارئ. وفي المقابل، يضع الفايسبوك الشاعر في مواجهة جمهور غير نخبوي، وهذا قلّما يحدث في الخارج. قرّاء الفايسبوك لا ينتمون عادةً إلى خلفية ثقافية محددة، هكذا يخرج الشعر أو بالأحرى الشاعر من عزلته ليصطدم بجمهور من نوع آخر، وله تصوره المختلف عن الشعر. جمهور الشعر الفايسبوكي لم يتعرف ربما إلى الشعر سوى عبر الكتب المدرسية ومنهاج الأدب العربي في صف البكالوريا، أو من خلال قصائد نزار قباني التي يُغنّيها كاظم الساهر. ومنهم من يعتقد على سبيل المثل أنّ الشاعر الفلاني المتقدم في العمر، هو خاتم الشعراء، واللوم في ذلك لا يقع فقط على تدنّي ثقافة القارئ العربي، بل أيضاً على انعزالية الشعراء وتقوقعهم داخل وسط ضيق لا يحاكي إلا نفسه شعريا ونقدياً... وإذا أردنا أن ننظر عن كثب، وبأسلوب فيه شيء من الطرافة، إلى الشعراء الافتراضيين، نجد غالباً أنهم ينقسمون إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى، الأكثر شعبية، هم شعراء أو شاعرات «الوردة والسكين»، كما يحلو لي تسميتهم، ويعتمد هؤلاء على تقنية تشبه هندسة الديكور في ترتيب قصائدهم، ولديهم معجم لغوي مميز جداً من الكلمات الشعرية على نمط «وردة «، «قمر» ، «قبلة»، «أشواك»، «أشواق»، يوزعونها ببراعة في كل قصيدة يكتبونها، وهؤلاء لديهم جمهورهم الرومنطيقي «المتيّم»، والذي لا يقلّ عنهم شاعرية في تعليقاته التي تطالعك على الفايسبوك مثل: «كم أنت رائع في إحساسك، قتلتني مرتين...». الفئة الثانية اللافتة تتكوّن من الشباب الذين يعتمدون مبدأ الغرابة أو الرعب والتهويل. وتلجأ هذه الفئة أحياناً إلى تقنية أكثر حداثة، تعتمد على مبدأ الإبداع الغثياني، فتقحم الظفر أو اللسان أو اللعاب بين كل ضربة شعرية وأخرى، وهي أيضاً لها جمهورها الخاص المُحبّ لأفلام الرعب. أما الفئة الثالثة، وهي الأكثر تقشفاً، فتضمّ شعراء الجملة الشعرية الواحدة، وهم الذين تقاعدوا بعد أول سطر أنتجته مخيلتهم الفذّة قبل أن يتفرّغوا للتلويح للمعجبين. وقد تكون هذه الفئة الأخيرة هي الأكثر إثارة للاهتمام لأنّ شعراءها هم أشخاص لا يدّعون كتابة الشعر، بل يستخدمون الفايسبوك كمتنفّس أو كنوع من دفتر يوميات، ويُمكن أن تقرأ لهم أحياناً نصوصاً مدهشة ومبتكرة. والحقيقة أنّ مطلق إنسان، إذا ما نجح في تقديم نفسه بقليل من الحنكة، يستطيع أن يصبح شاعراً في الفضاء الافتراضي. ولا تتعلّق المسألة هنا بالشعر تحديداً، فمن خلال الفايسبوك يستطيع أي شخص اختلاق الشخصية التي يحلم بها، ويُمكن هذه الشخصية بطبيعة الحال أن تجد جمهورها الذي ُيصفق لها، لأنّ الفضاء الافتراضي رحب ويتسّع للجميع. ولعلها الميزة الخاصة بالفايسبوك وأحد أهم أسباب نجاحه. فالفاسيوك يُشبه إلى حد ما تلفزيون الواقع، مع اختلاف بسيط هو أنّ الكل يلعب فيه دور الممثل والجمهور في الوقت نفسه. لكنّ هذه الظاهرة لا تنحصر فقط بالفايسبوك، بل تمتدّ إلى الفضاء الحقيقي في الخارج، بدليل أنّ العديد من هؤلاء الشعراء الافتراضيين باشروا فعلاً بنشر الكتب أو الدعوة إلى أمسيات شعرية، ومنهم من يتضحّ بعد التدقيق أنهم شعراء معروفون نسبياً في بعض الأوساط، برغم صعوبة تصديق ذلك نظراً إلى مستوى كتاباتهم. والفايسبوك في الحقيقة ليس سوى مرآة لما يحدث في الخارج، فالجمهور الافتراضي لا يختلف فعلياً عن جمهور النقاد المخضرمين الذين يدعون الاحترافية والذين لا يعرفون عن النقد سوى مبدأ الاحتفالية أو التهجم، انطلاقاً من قانون العلاقات الشخصية والعامة. وبالعودة إلى المعركة بين «الشاعر الافتراضي» و «الشاعر الحقيقي»، فمن الواضح أنه لن يتبقى أي شيء حقيقي، لا شاعر و لا شعر، إذا ما استمرّ واحدنا يُصفّق للآخر ببلاهة، كما هو حالنا اليوم.

    الحياة- الأربعاء and#1634;and#1633; أغسطس and#1634;and#1632;and#1633;and#1635;


    المصدر السابق
                  

12-28-2013, 09:05 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مناولة... (Re: بله محمد الفاضل)

    من أخذ النظرة؟
    وديع سعادة




    من أخذ النظرة التي تركتُها أمام الباب قبل أن أنام؟

    النظرة التي

    طوال الليل

    حاولتُ أن أخلق لها عيناً.



    نظرة بلا عين أتت

    ووقفتْ على بابي

    في قلبي أحداق كثيرة لعيون

    نبشتُها حدقة حدقة

    ولم أجد عيناً لهذه النظرة.



    نظرة غريبة أتت في الليل

    ونامت أمام الباب

    وفي الفجر

    حين فتحتُ عينيَّ

    غابت.


    http://wadihsaadeh.awardspace.co.uk/Collection11.html
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de