صمت الواشى0000000(د خالد المبارك)

Quote: رداً على ما كتبه الدكتور خالد المبارك باحثة يابانية تطرق باب علي عبد اللطيف بقلم: معاوية أحمد البدرى من المعلوم ان ثورة 1924م تعتبر حجر الزاوية فى تاريخ السودان الحديث حيث قام الانجليز على إثرها بوضع كثير من السياسات التى ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم. إن حقيقة كون ثورة 1924م هى ثورة قومية سودانية مثلت وحركت كامل عناصر المجتمع السودانى، الثورة هى حقيقة لا جدال عليها والذى ينظر الى الصورة الفوتوغرافية لقادة هذه الثورة يرى كل ألوان الطيف السودانية. هذه الثورة دفع فيها الغالى والنفيس من الأرواح والأعمار التى افنيت فى السجون وغيرها من التضحيات ولكن كل ذلك الثمن يهون أمام ميلاد القومية السودانية التى تمخضت عن تلك. إن الكثير من تاريخ تلك الثورة ظل مكتوماً فى صدور أبطالها والذين عاصروها وهم بيننا إلى أن مات معظمهم ولم يتكبد باحثونا عناء إخراج ذلك الكنز الدفين، كما ظلت كثير من وثائقها التى لم تصل إليها أيادى المستعمر حبيسة خزائن أهالى أبطالها لم يكفلها باحثونا لاطلاق سراحها وعوضاً عن ذلك توجه معظمهم الى نشرات ووثائق الاستخبارات البريطانية وجعلوها قرآنا يتلى لحاجة فى نفسهم فاصبح المستعمر هو الخصم والحكم. بحكم صلتى الوثيقة بهم فقد نال أبطال تلك الثورة قسطاً وفيراً من تجاهل الباحثين رغم احتفاظ أهاليهم وتداولهم الحقيقة والوثائق جيلاً بعد جيل والتى لم يسأل عنها أحد لعقود من الزمان، في حين تسمع وتقرأ وترى عن سيرة أبطالها العجب العجاب بما يجود به خيال هؤلاء وألسنتهم. ذلك الواقع لا ينفى حدوث بعض المحاولات الخجولة من بعض الباحثين وان كانوا فى أغلبيتهم مصريون.. فى العام 1985م طرقت بابنا باحثة قادمة من اليابان تدعى يوشيكو كوريتا فكان ذلك والحق يقال هو ميلاد أول محاولة حقيقية وعلمية وشاملة لتوثيق ثورة 1924 بأخذ المعلومة من مصادرها المختلفة وليس أرشيف الاستخبارات الانجليزية فقط واعتباره مصدراً محايداً ونهائىاً. لم يسبق تلك المحاولة أو يعقبها أو يضاهيها وزناً إلا محاولة أخرى بواسطة الباحثة الينا فيزادينى بعد عشرين عاماً بالتمام والكمال أقول ذلك كشاهد ومتتبع لعمل الباحثة كوريتا منذ بداياته، الحقيقة ان منهج يوشيكو كوريتا كان هو الموضوعية والايجابية والتحقق من صحة المعلومة وذلك بشتى الوسائل، الشئ الذى ينقص كثيراً ممن تناول ويتناول تلك الثورة من الباحثين. قامت تلك الباحثة بالذهاب الى معظم الأماكن التى لها علاقة بالبطل علي عبد اللطيف بدءاً من الخندق مروراً بمدنى والدويم وأماكن أخرى وذلك للتحقق من المعلومة التاريخية وصاغت كل ذلك فى عدة أوراق علمية تم تمليكها فيما بعد الى الشعب السودانى من خلال كتاب يملأ المكتبات. وتضح شمولية بحثها جلياً فى استقائها المعلومة من جميع الاطياف بلا استثناء سواء أكانت المؤيدة او المناوئة للثورة داخلياً وخارجياً، أضف الى ذلك تنويعها فى مراجعها من وثائق سودانية وأجنبية وكتب وروايات شفهية ومقابلات مما أضفى على بحثها القوة. وزيادة على ذلك فقد تمت مناقشة أوراقها العلمية فى عدة مؤتمرات متخصصة فى بريطانيا وغيرها. إن الباحثة تناولت مفهوم الوطنية عند جمعية اللواء الأبيض ودور العنصر الزنجى السودانى فى ثورة 1924م ثم ربطته بأدوار تاريخية أخرى إبان الحقبتين التركية والمهدية وعبر تلك الأدوار تطرقت لمفهوم الوطنية عند هؤلاء.. الباحثة لها مطلق الحرية فى تناول ما تشاء من مواضيع طالما التزمت بالحقيقة العلمية والتحليل السليم الموضوعى، إن هذا العنصر الزنجى هو عنصر أصيل فى التكوين السودانى ولا ارى اين تكون تلك العرقية أو ذلك «التنافر والنشاز» فى تناول دورهم فى التاريخ الوطنى. وعلى عكس كاتب المقال الذى يرى ان الباحثة لديها تحليل تاريخى عجيب وغريب فإن ما تستخلصه من ذلك الكتاب هو أن الزنوج المنبتين قبلياً كما تسميهم الباحثة وفقاً لتصنيف الإنجليز لهم والذين هم من روافد تلك الثورة وغيرهم كانوا اكثر استعداداً لقبول وتبنى مبادئ القومية والوطنية فى 1924م وتمثل ذلك فى شخصية البطل علي عبد اللطيف الذى اتخذته الباحثة مدخلاً لدراسة تلك الحقبة. بيد ان كاتب المقال كما يبدو يتحفظ على أى ذكر للزنوج المنبتين قبلياً فى تاريخ السودان بدعوى العرقية وهذا ما قاله فى الحوار الذى دار بقاعة الشارقة الصغرى الذى تشرفت بحضوره بدعوة كريمة من الباحثين. حيث ذكرت بروفيسور يوشيكو ما مفاده أن من خلال بحثها في تاريخ السودان وجدت أن العنصر الزنجى فى ثورة 1924م هم أحفاد عناصر زنجية سودانية سبق لها ان قادت نضالاً قبل المهدية من خلال ثورات الجهادية ومع المهدية ضد الأتراك وقامت بالربط بينهم، وفي إعتقادى ان مثل هذا الربط يعتبر من الاضافات الجديدة التى تقف فى وجه الادعاء بان الثورة من صنيع المصريين وان لا قبل للسودانيين بصنع مثل تلك الثورة. إننى لا أراها عرقية أو عنصرية أن يذكر فى التاريخ أن المك نمر قد نكل بالمستعمر وان أجداد الشايقية قد وقفوا فى وجه مستعمر آخر لان كل تلك الروافد تصب فى معين واحد وهو كفاح الشعب السودانى ضد الاستعمار. ولكن اضحى واضحاً ان الاتهام بالعرقية والفئوية والعنصرية اصبح يستخدم مثل قميص عثمان يدان به كل من تسول له نفسه الحديث عن طوائف معينة من أهل السودان. ان العرقية فعلاً هى محاولة رفض وتناسى التباين العرقى فى تكوين المجتمع السودانى بما يترتب على ذلك من هضم دور وثقافة الآخر بينما الأجدر هو استيعاب ذلك التباين في وعاء اكثر شمولية كما حاول البطل علي عبد اللطيف عندما أسس جمعية قبائل السودان المتحدة وذلك قبل تكوينه جمعية اللواء الأبيض. يقودنا هذا التحفظ على كاتب المقال إلى عدة أسئلة تحتاج إلى إجابة: ü لماذا يتهم الناس عندما يتم التحدث من منطلق وجود التباين العرقى فى السودان وسكانه ويعتبر ذلك عنصرية وقبلية وفئوية؟ ü لماذا ظلت أكوام وأكوام من الوثائق عن تاريخ ثورة 1924م فى طى النسيان حتى يأتى باحثون من اليابان وإيطاليا ليبحثوها ولماذا التشكيك فى قدرهم ونواياهم؟ ü هل دور العناصر الزنجية فى تاريخ السودان يعتبر عيباً مشيناً يتحاشى الناس الكتابة عنه؟ ü هل قرأ كاتب المقال كتاب يوشيكو وإذا كان قد فعل فعليه ان يشرح لنا علمياً أين يوجد تحليلها العجيب والغريب؟ ü هل تكون كوريتا قد أنكرت دور العناصر الأخرى فى تاريخ هذا البلد عند ذكرها دور العناصر الزنجية؟ ü من هو العرقى والعنصرى حقاً فى هذا البلد؟ كفانا تباكيا من وراء قميص عثمان وأعتقد ان عهد الاستعباد الفكرى قد ولى.. أخيراً كأحد مواطنى هذا الوطن أود أن اشكر بروفيسور يوشيكو كوريتا ومن بعدها الباحثة الينا فيزادينى ونتمنى أن يأتى اليوم الذى نشكر فيه أحد الباحثين السودانيين.