براح للفلسفة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 03:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-30-2007, 04:42 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: براح للفلسفة (Re: Mohammed Elhaj)

    دي دراسة طويلة شوية لي عمارة الناصر حنقسما لي حلقتين:
    الهرمونيطيقا والفكر المعاصر
    عمارة الناصر
    1 - من نظرية المعرفة إلى الهرمينوطيقا..اكتشاف الذّات.
    "إن العلم لا يفكر"( )، بعبارة هيدغر ذاته، تدشَّن مرحلة حاسمة في تاريخ الفلسفة والعلم معا، إذ أعادت صياغة الإشكالية والرؤية المتعلقتين بالعلاقة "ذات -موضوع"، فبنية العلم تعتمد على قاعدة الذّات الثابتة والتي تضمن ثبات الحقائق والتصورات والاستنتاجات، وعلى هذا أيضا تبني نظرية المعرفة وضعها في تقدير وتفعيل نشاط الذّات، "فوضع الذّات هو الحقيقة الأولى بالنسبة للفيلسوف، على الأقل بالنسبة لهذا التراث الواسع للفلسفة الحديثة التي بدأت من ديكارت وتطورت مع كانط، فيخته والتيار التأملي (..)، فبالنسبة لهذا التراث (..)، وضع الذّات هو حقيقة تعطى بذاتها، لا يمكن أن تكون لا مبرهنة ولا مستنبطة، إنها في الوقت نفسه وضع للكينونة وللفعل معا، وضع لوجود وعملية التفكير"( )، أي أن وضع الذّات معد بشكل مكتمل للتمثل والتصور ومنه إنشاء جميع عمليات العقل على مستوى واحد من الظهور وتدعو ذلك بالابستيمي، "الابستيمي بما هو منتوج مشروع خطابي عادي، يعطي مكانا لكل المقولات المأخوذة من أجل الصدق بواسطة كل ما يشارك في المشروع نفسه"( ). وكذا فإن "نظرية المعرفة تنبني على فرضية أن كل المساهمات لها المسألة الاستدلالية نفسها والدلالة نفسها"( )، وهذا الثبات في مستوى الاستقبال لصور العالم وظواهره هو ما تشكك فيه مقولة هيدغر وتجعله معرضا للوهم، وقابلا للتفكك ،فإذا كانت نظرية المعرفة تقيم بحثها على بنية موحدة من الوجود والظهور بالنسبة للوعي وهو يؤسس لمفاتيح العلم الموضوعي، لأفعال البرهنة والاستنباط…، فإن ما ترك شرخا في الوعي العلمي هو مستوى الظهور نفسه، إذ العلم يستقبل ويلاحظ ما هو قابل للملاحظة والظهور، دون أن يتمثل أو يتأوَّل، أي دون أن "يفكر"، ولأن الأشياء ليست كلها قابلة للظهور، فإن "كل شيء يمكن البرهنة عليه، أي استنباطه من مبادئ وأوليات نمتلكها، ولكن قليلة هي الأشياء التي يمكن فقط إظهارها، أي تحريرها من خلال فعل مؤشر يدعوها للمجيء إلينا وهي مع ذلك قلَّما تسمح بهذا الإظهار"( )، وفعل الإظهار هو فعل محايث لفعل التفكير، أي بالعمل على الاقتراب من الموضوع بتصفية الذّات من أوهامها وتزويدها بقاعدة وجودية لتثبيت الحقيقة.
    إن الاقتراب المنهجي الذي تفترضه نظرية المعرفة يقوم على اعتبار الأشياء معطاة بشكل نهائي، وكذا على أن الذّات الثابتة هي مصدر الوعي المباشر بهذه الأشياء، وعليه يكون الإشكال محل الدراسة بالنسبة لنظرية المعرفة هو تطوير الفهم المرتبط بعلاقة هذه الذّات بموضوع معرفتها، غير أن استقرار وضع الذّات في هذه العلاقة لم يعد ممكنا لأنها "وبالتحديد غير معطاة لا في بديهة نفسية ولا في حدس ذهني ولا في رؤية صوفية"( ).
    وبهذا تتحول الذّات إلى موضوع للمعرفة، لا تستطيع نظرية المعرفة احتواءه بما تفترضه من منهجية في الاقتراب المعرفي، ومنه تبرز ضرورة "الكشف عن الضمنيات الأنطولوجية للتوظيفات الداخلية الموضوعة تحت عنوان تأويل الذّات"( )، فالعلاقة المعرفية تصبح أكثر عمقا، حيث يتم الكشف عن الجدل الداخلي بين الذّات وما يشكل خارجا بالنسبة لها أي عن "تحديد للإنية عن طريق جدلها مع التغاير"( ).
    لقد ظهر أن مشكل الحقيقة ليس في البنية المنطقية الداخلية لها ولا في توافق قوانين العقل مع قوانين الأشياء، أي أن مشكلها ليس ابستمولوجيا بقدر ما هو مشكل هيئة الوجود الذي ترتكز عليه، إذ أن نظرية المعرفة تعجز عن إظهار هذا الوجود لكثير من مواضيعها ومنه فإنها معرضة لوهم المعرفة، ويرى سالنسكي (Salanskis) "أن واجب الإجابة عن أسئلة مثل: ما هو اللانهائي ؟ ما هو المستمر ؟ والتي ظلت تقلق الرياضيين لألفي سنة، يتعلق بذات تستوطن وضعا هرمينوطيقيا"( ).
    فالعودة إلى وضع الذّات في علاقة المعرفة هي العودة إلى صياغة الإشكاليات المعرفية ذاتها بحيث تطرح قضية المعرفة في سياق خطاب معرفي قابل لأن يكون موضوعا للتأويل.
    إن تغييب مستوى الوجود في المعرفة أفرز خطابا غامضا عن الأشياء، ولإعادة هذا الخطاب إلى مستوى الوضوح والتبيين استوجب تأويل هذا الخطاب والبحث عن الدلالات العميقة لعلاماته وإشاراته.
    وبهذا اتضحت مسألة اقتراح استبدال "المنهج العلمي" أو يمكن "التحليل الفلسفي" بنوع جديد من المناهج، وهي مهمة الهرمينوطيقا"( )، لأن المنهج العلمي لم يصل إلى شمولية تامة في المعرفة بفعل حدوده الناشئة من حدود المنهج نفسه، أي من القواعد والأنظمة والمقولات التي تفرغ الذّات من محتواها لتجعلها ذاتا عارفة دون أن تكون فاهمة أي مفكرة في هذا الذي تعرفه، مؤوّلة لما لم يظهر لها أثناء المعرفة، دون أن تكون منتجة لتمثلاّتها الداخلية عن الأشياء.
    إن الهرمينوطيقا تأتي لتتوّج الجهد الظاهراتي الهوسرلي في الاستعاضة عن المناهج العلمية في العلوم الإنسانية بمقاربة معرفية أعمق وأشمل وهي تنطلق من فهم الذّات والإطاحة بالأوهام المحيطة بها، ولذا "وإذا ميزنا بين الهرمينوطيقا وبين نظرية المعرفة فإنه لا يوجد أي سبب لتخيل أنّ الناس يجدون صعوبة كبيرة في فهم أنّ الأشياء توجد، ببساطة، وبأنّ الهرمينوطيقا ضرورية، لأنّ الناس هم الذين يخاطَبون وليست الأشياء"( )، وعليه فإن الهرمينوطيقا تعيد الكشف عن الذّات التي تستند إليها عمليات المعرفة.
    إنّ نظرية المعرفة تستند إلى بديهة أنطولوجية، هي أنّ الأشياء تدرك من حيث هي موجودة لكن "الرهان، ليس تحديد ماهية الوجود ككينونة للكائن، ولكن كفكر للوجود الذي يصبح فكرا للوجود في بعض أشكاله بلا –أو- قبل الكائن: لكن هذا الوجود –الأكثر أصالة- لا يصبح مدركا كماهية، وهنا يمكن فهم الهرمينوطيقا كبحث وتحر عن هذه الماهية"( )، فالمعرفة تحتاج إلى إثبات وجود موضوعاتها من حيث الماهية، أي من حيث تمثل الظاهرة المحضة في كليتها من خلال الفكر، والفكر كما يرى هيدغر، "يتمم العلاقة بين الوجود والماهية"( )، ففي ثلاثية الفكر -الوجود- الماهية تنشأ أرضية ظاهراتية للوعي بالأشياء أي لرؤية العالم بشكل لا يدع الوهم يتسرب إلى الذّات، حيث كان الفكر "ومنذ زمن، يجنح إلى أرضية جافة"( ).
    لقد ظهر أنّ الأشياء لا تعطى للمعرفة في شكل مباشر بل إنّها تتوسط باللّغة، إذ أنّ الوعي لا يقوم باستقبال العالم إلا بما يدركه عنه من تعابير وأسماء، فالعالم يعطى كخطاب، ولئن كان كذلك فالسؤال المهم يكون: ما مدى توافق هذا الخطاب مع أشياء العالم ؟ أي إلى أي مدى يعبر خطاب اللّغة عن مواضيع المعرفة ؟ إلى أي مدى تستطيع اللّغة حمل تمثلاّت الحقيقة إلى الفهم ؟ وعليه اتضح أنّ عملا آخر مطورا عن نظرية المعرفة سيبحث في هذه الإشكاليات هو عمل الهرمينوطيقا.
    في نظر هيدغر نحن "لا نفكر بعد، لأنّ ما يجب التفكير فيه يُعرِض عن الإنسان، وليس لأنّ هذا الأخير لا يلتفت بما فيه الكفاية نحو ما يجب التفكير فيه، إنّ ما يجب التفكير فيه يُعرِض عن الإنسان يتوارى عنه، ويبقى محتفظا بنفسه، إلاّ أنّ هذا الذي اختفى محتفظا بنفسه قد كان دائما ولا يزال ماثلا ومعروضا (…)، كيف يمكننا على أقل تقدير أن نعرف ولو القليل عن هذا الذي ينسحب بهذه الكيفية ؟ بل كيف يمكننا فقط أن نحصل على فكرة تسميته ؟"( ). فالارتباط وثيق بين العالم واللّغة التي لا يمكن حمل العالم إلى الفهم إلاّ وفق تعبيريتها، فلفهم العالم يجب فهم اللّغة أولا، وإذا كانت اللّغة هي إنتاج ذاتي فوجب أيضا فهم العلاقة والدينامية الكامنة بين الذّات واللّغة، وعليه فإن مقاربة العالم هي مقاربة اللّغة التي تفتحه.
    لقد كادت نظرية المعرفة أن تغلق الفضاء الثقافي الذي ينفتح فيه المعنى على الذّات، كما كاد يفعل المنطق الأرسطي ذلك، لذلك تأتي الهرمينوطيقا "لتعبّر عن الأمل في انفتاح الفضاء الثقافي من خلال انحطاط نظرية المعرفة"( ) أي من خلال انحطاط الفكر المتعلق بمعرفة الأشياء المعطاة للمعرفة، ومنه يظهر الفرق المبدئي بين نظرية المعرفة والهرمينوطيقا حيث: "الهرمينوطيقا مقاربة للمجهول ونظرية المعرفة مقاربة للمعلوم، فالأولى مقاربة للفكر والثانية مقاربة للطبيعة"( ).
    إنّ نظرية المعرفة تضع حدودا للشيء الذي تتم معرفته، من خلال حدود المنهج ذاته، وبهذا هي تنتج وهما باكتمال صورة الموضوع في الوعي وكذا باكتمال الذّات، لتعمل على رصد العلاقة بينهما ومقاربة ظروف نشأتها ومجالات تحركها داخل التفكير العلمي غير أنّ "السؤال المنسي هو سؤال معنى الكينونة"( ) أي سؤال حقيقة ما نخضعه لمنهج المعرفة، سؤال الكينونة ومعناها الذي أغفلته نظرية المعرفة وبنَتْ حقائقها على أساس البديهيات والمسلمات والفرضيات والمبادئ التي تفلت من سؤال الكينونة لتأخذ مكانا في الماهيات الأساسية للعلوم، وعليه فإنّ الهرمينوطيقا تضطلع بمهمة تفعيل سؤال الكينونة ذاك، "الهرمينوطيقا ليس باعتبارها "وريثا" لنظرية المعرفة، ولا تتحدّد كمادة تعليمية ولا كمنهج يسمح لنا بالنجاح هنا حيث تخسر نظرية المعرفة، وليست برنامجا للبحث"( ).
    وعليه فإن الانتقال الكوبيرنيكي من نظرية المعرفة إلى الهرمينوطيقا حمل معه مجموعة من التحوّلات الفلسفية والعلمية على مستويات: المنهج والفكر، وكذا رؤية العالم وحقيقة الكائن ومعنى الكينونة وصورة الذّات في نشاطها للإمساك بالحقيقة وبحثها عن مبدأ عملياتها الذهنية من معرفة وإرادة وتأمّل وهو الجهد الذي يعيد بناء زاوية جديدة لرؤية الحقيقة وهو جهد التأمل في "الإشكالية الهرمينوطيقية الذي يؤكد من الآن، على الكينونة -في- العالم وعلى الانتماء المشارك الذي يسبق كل علاقة تقيمها ذات فاعلة بموضوع يواجهها"( )، فمسألة الكينونة في العالم، هي مسألة الكائن ذاته، إذ أنّ تمثلاّت هذا الكائن العالم هي موضوع المعرفة وليس العالم ذاته، لأنّ العالم يعطَى في شكل علامات ورموز على الكائن تمثلها وتحليلها وعليه يبدو أنّ "الطريق القصير، هو أنطولوجية الفهم، على طريقة هيدغر، والهرمينوطيقا مجالا لتحليل الوجود، الدزاين، والذي يوجد بالفهم"( )، أي مجالا لتمثل حقيقة العالم الذي يوجد ثم يأخذ ماهيته ثم يُعرف.
    إنّ التحوّل من نظرية المعرفة إلى الهرمينوطيقا يبدأ بتحويل الطبيعة -الوجود- الكائن وباقي مواضيع المعرفة إلى نصوص بواسطة الكتابة أي بواسطة تثبيت ما يجب معرفته، واستدراجها إلى المكان الذي تسكن فيه أصالة وجودها وتسند إليه ماهيتها وهو المكان نفسه الذي يثوي فيه الفهم وينتج عملياته وجهده من أجل الإمساك بالمعنى الذي تفرزه الكينونة لذاتها، وبهذا يقع التحام الفهم بما يشكل خارجا له ويتم استدعاؤه بالتمثل وتطوير صورته بالتأويل وتخليص تأويله من الوهم بالهرمينوطيقا، فما هي الهرمينوطيقا؟
    2 - مفهوم الهرمينوطيقا:
    إنّ التحوّل من الطبيعة إلى النّص افترض طريقة جديدة للتعامل مع معطيات هذا التحوّل، وهي المعطيات التي يتمّ إنجازها ضمن خطاب من الكلام والكتابة وعليه يكون المعطى الأساسي في فهم وشرح وتفسير العالم المعطى ضمن الخطاب هو معطى "المعنى" ومسألة المعنى المستهلكة في القراءات المنطقية والنظرية والمنهجيات الإنسانية أصبحت تُغرق معها ملامح الوضوح والبيان وتلفها بالوهم الناتج عن فكرة الإنجاز التام للّغة الحاملة للمعنى وهو ما يستدعي في كل مرّة قراءة لتحرير هذا الخطاب من الأوهام الثاوية في شروخ لغته ودلالاته وتخليص المعنى المغمور تحت رتابة الكتابة والمختزل في حدود العبارة وتركيبيتها والمُقلَّص في بنية القصدية والجهوية، وكذا نفيه في المنطقة الواقعة في الفرق بين القارئ والنّص، بين القراءة والكتابة، بين الكلام والإصغاء.
    "في مقاربة أولية، يمكن تعريف الهرمينوطيقا الفلسفية –حسب ريكور-: كتأمّل حول عمليات الفهم الممارسة في تأويل النّصوص"( ). ولئن تميزت الهرمينوطيقا هنا بكونها فلسفية فلأنّها ارتبطت في بدايتها بتفسير وتأويل النّصوص الدينية (الإنجيل). وترتبط الهرمينوطيقا كفن للتأويل والفهم بالنّص كموضوع ينوب عن العالم الذي تحمله دلالاته ورموزه وعلى التأويل أن ينجز الخطاب الذي تحمل فيه اللّغة العالم إلى النّص "فالهرمينوطيقا هي نظرية عمليات الفهم في علاقتها مع تفسير النّصوص هكذا ستكون الفكرة الموجَهة هي فكرة إنجاز الخطاب كنص"( )، والاهتمام النظري بالفهم كونه يمثل تقاطع التمثلاّت التي ينتجها العالم عن نفسه والتمثلاّت التي تنتجها الذّات عن هذا العالم.
    وتمثلّ الهرمينوطيقا النشاط الأكثر فعالية لجهد الذّات في تحصيل الحقيقة وتخليصها من الوهم الذي تفرضه شروط إسكان هذه الحقيقة في الخطاب المتصل بالكتابة وتوسط الرموز وغموض العلاقات، وعليه تقوم الهرمينوطيقا بتجهيز الفهم بقاعدة أنطولوجية ذاتية لاستقبال خطاب الحقيقة ضمن ظروف تاريخيتها فهي تمكنه من مزامنة اللّحظة التي تتمفصل فيها الكتابة مع المعنى، دون افتراض هوية مأخوذة من المنطق أو من الميتافيزيقا "فأهمية وشمولية الهرمينوطيقا متأتية من كون الإنسان حيوان منتج للعلامات (…) وتأويل وفهم العلامات هما من أجل هدف واحد هو توفير قاعدة موضوعية للفهم، وضمان (…) حقيقة هرمينوطيقية، والتي يجب أن تختلف عن الحقيقة المنطقية البسيطة والحقيقة الميتافيزيقية"( )، فهي تستمد فاعليتها من تحليلها للوجود الذي يسبق المعنى وإلحاق الفهم به، ومنه تتمكن من فهم العالم من خلال استعادة علاقة الفكر بالوجود إلى سكن تستطيع الذّات أن تثبّته لتراقبه وترصد حركة الدلالة فيه، هذا السكن هو اللّغة ولكي تحمل اللّغة الوجود ذي الدلالة يجب أن تكون خطابا. "فمهمة الهرمينوطيقا هي إثبات أنّ الوجود لا يصل إلى الكلام، المعنى وإلى التفكير إلاّ بالصدور عن تفسير متواصل لجميع الدلالات التي تحصل في عالم الثقافة، ثم أن الوجود لا يصبح ذاتا إنسانية (.) إلا بامتلاك هذا المعنى الذي يسكن "خارجا" في المؤلّفات، المؤسسات وآثار الثقافة حيث تموضع حياة الفكر"( )، فهي تمتلك حمولة فلسفية تهدف إلى الإمساك بالكائن لحظة تعبيره عن الوجود، وهذا بتأويل هذا التعبير، وكذا تأويل العلامات التي ينتجها.
    وعليه فإنّ مهمّة التفكير تتغيّر إلى هدف آخر في رصد المواضيع من أجل المعرفة إلى رصد الكينونة من أجل الفهم أي "التفكير في الوجود كفعل للفهم والتأويل، كفكر وليس ببساطة كموضوع ومنه فإنّ الموضوعية ستكون مبنية على ذاتية الوعي"( ) فالذّات هي من تنتج موضوعها وتتمثلّه.
    الهرمينوطيقا وعالم النّص: من رؤية العالم إلى قراءة العالم:
    لقد أعاد هيدغر توجيه الفكر إلى أصالة الوجود ومنه العالم الذي يتحرك فيه، فهو يرى "أنّنا لم نجد لحد الآن مدخلا إلى كينونة الفكر الخاصة به بحيث نقيم فيها، وبهذا المعنى فإنّنا لا نفكر بعد على نحو خاص (..) لم نتمكن لحد الآن من التعرف بما فيه الكفاية على العنصر الذي تحرك فيه الفكر من حيث هو فكر"( )، فإذا كان الفكر لا يستطيع أن يمسك بنفسه من حيث هو فكر، أي أن يتمثل نفسه في اللحظة نفسها التي يقدّم جهدا هو محلّ تعبير وإنتاج للعلامات، فإنّ الفكر يقوم بخلق عالمه الذي يتحرك فيه حيث يتم تثبيت تعبيرات جهده من أجل الوجود، هذا العالم هو عالم النّص، حيث تقوم الكتابة بتثبيت الدلالات والعلاقات التي يولدها الفكر وهو يفكر مع الوجود "فالكتابة وحدها يمكنها أن تحيل إلى عالم ليس هنا بين المتخاطبين، إلى العالم الذي هو عالم النّص والذي مع ذلك ليس في النّص"( )، ففي عالم النّص يتم استدعاء معنى الكينونة وتثبيته بالكتابة لتتمكن الذّات من تأويله وفهم رموزه.
    وعليه ينتقل الفكر من "رؤية العالم" على اعتبار أنّ العالم لا يتقدم إلى الفكر إلا بتوسط اللّغة التي تنتقل من حامل لهذا العالم إلى العالم نفسه، والتأويل عندئذ هو فك رموز هذه اللّغة وتحرير المعنى من فعل الكتابة وفتح عالمها على الذّات، "فحسب دلتاي، التفسير والتأويل هما فن فهم التمظهرات المكتوبة للحياة"( ). وبهذا فإن تعلق الهرمينوطيقا بعالم النّص الذي هو عالم الكتابة هو من أجل تشييد الوجود الذي يوجد بالفهم، أي من أجل إسكان الكائن داخل عالم الحقيقة الذي لا ينفصل عمَّا يفكر فيه، أو بما سمّاه هيدغر بالعنصر الذي تحرّك فيه الفكر من حيث هو فكر، غير أن النّص يقيم حدودا للعالم الذي يحمله من خلال صرامة الكتابة ومشروطية تعبيريتها أي من خلال رابطة الدال والمدلول التي تختزل الكينونة إلى صيغة المعنى، وعليه تكون وظيفة الهرمينوطيقا هي "عزل المدلول عن الدال عن طريق التأويل والتعليق والقضاء على الكتابة عن طريق الكتابة الأخرى التي هي القراءة"( )، وبذلك هي تعيد إنتاج عالم آخر للمعنى، حيث يشكل النّص مفتاحا له من خلال رموزه ومعانيه المزدوجة التي تعطى كنقطة تمفصل بين عالم النّص المؤلِّف وعالم النّص المؤوِّل وتغدو كل قراءة تأويلا لأنّها حسب عبارة دريدا تقضي على الكتابة، لتفتح عالم النّص على الذّات والوعي.
    فالهرمينوطيقا تتخذ من الكتابة وضعية أولى لفتح الذّات على الوجود، بواسطة تأويل الرموز التي تتوسط العالم والفهم، فعالم النّص هو العالم الذي تعطى فيه الحقيقة للفهم وكذا لرصدها عن قرب في تثبيتية الكتابة وعليه تكون مهمّة الهرمينوطيقا الأولى حسب ريكور: "البحث داخل النّص نفسه، من جهة، عن الدينامية الداخلية الكامنة وراء تبنيُن العمل الأدبي ومن جهة ثانية، البحث عن قدرة هذا العمل على أن يقذف نفسه خارج ذاته ويولِّد عالما يكون فعلا هو "شيء النّص" اللاّمحدود، إن الدينامية الداخلية والإنقذاف الخارجي يكوِّنان ما أسمّيه عمل النّص، ومن مهمّة الهرمينوطيقا أن تعيد تشييد هذا العمل المزدوج للنص"( ).
    فالمهمة هي فهم فعل الإنقذاف في النّص لتوليد عالم شيء النّص، الذي هو فعل الانتقال من الكتابة إلى القراءة، وارتباط التأويل بالنّص الأدبي هو ارتباط تاريخي ومعرفي إذ أنه النّص الأكثر شحنا بالدلالات وأفعال التخييل والترميز وانفتاح الذّات، ولذلك يرى غريش (Grisch)، "أن الكلام الشعري، هو الأصل والمكان الأول للتأويل"( )، وبهذا ظهر أن تأويل النّص هو في الوقت نفسه تأويل للذات وتطوير لجهدها من أجل الانتماء إلى الوجود.
                  

العنوان الكاتب Date
براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-23-07, 04:53 PM
  Re: براح للفلسفة Abdel Aati04-23-07, 08:25 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-25-07, 12:31 PM
    Re: براح للفلسفة bayan04-25-07, 02:14 PM
      Re: براح للفلسفة bayan04-25-07, 02:24 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-25-07, 07:44 PM
    Re: براح للفلسفة bayan04-26-07, 01:47 AM
  Re: براح للفلسفة محمود الدقم04-26-07, 02:15 AM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-26-07, 03:11 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-28-07, 11:39 AM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-28-07, 02:45 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-30-07, 04:42 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-01-07, 02:37 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-03-07, 12:34 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-05-07, 03:48 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-08-07, 04:08 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-08-07, 04:37 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-09-07, 03:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de