|
|
 مأســـــاة طبيـــــب سودانــي...فهـل من معــين؟؟
|
الراي العام
الثلاثاء14ديسمبر2004
فقد بصره وزوجته وأطفاله الثلاثة نتيجة حادث مروري بالإمارات!!
لعبة القدر...مأساة طبيب سوداني!!
الطبيب «احمد» ظل في غيبوبة كاملة «4» أشهر والحادث تسبب في تليف بشبكة العين ومركز الإبصار والعدسة البلورية!!
تحقيق وتصوير: التاج عثمان
طبيب سوداني كان يعمل باحد مستشفيات ابوظبي بدولة الامارات العربية المتحدة. كان قاب قوسين أو ادنى للتخصص في جراحة القلب، إلا ان القدر كان يرسم له خلاف ذلك، تعرض لحادث مروري بمنطقة «جبل علي» بطريق ابوظبي- دبي، فقد على اثره كل شيء بصره، وزوجته، واطفاله الثلاثة.. ظل بعد الحادث في غيبوبة كاملة وطويلة لم يفق منها إلا بعد «4» شهور ليكتشف ان حياته تحولت الى «سواد» ومأساة كبيرة!!لم ييأس من رحمة الله.. فقرر عدم الاستسلام الى «لعبة القدر».
لعبة القدر:
شخص لا اعرفه يدعى «حسن حمزة مكي» يعمل مهندساً بشركة «ديزل جنريتر» بالعمارات بالخرطوم اتصل بي هاتفياً مشيراً إلى ان هناك حالة انسانية مؤلمة يعاني منها طبيب سوداني كفيف اثر تعرضه لحادث بالامارات، مقترحاً نشر قصته لانها تحمل بين طياتها كثيراً من المعاني، وقدم لي رقم هاتفه فاتصلت به فوافق على لقائي بعد تردد قصير ...وفي الصباح الباكر من يوم الجمعة الماضي توجهت الى مقر سكنه بامبدة الحارة الرابعة استقبلني في منزل متواضع لاحد معارفه ..رجل في الاربعينات من العمر، داكن البشرة، يرتدي زي اهلنا في الشرق«صديري» ويخفي عينيه بنظارة سوداء، قادني لداخل المنزل المشيد من الجالوص، وهو يتعثر في خطاه بدأ يسرد على مسامعي قصته المؤلمة وانا استمع له في ذهول حابساً انفاسي لغرابتها ومأساويتها !!
قال الطبيب الكفيف:
«اسمي احمد ابراهيم محمد احمد» «45» سنة ، من مواليد منطقة «وقر» بولاية كسلا، واقيم بمدينة كسلا، غرب القاش...والدي سوداني «هدندوي» ووالدتي «يمنية» .. تخرجت في كلية الطب بجامعة العين بابي ظبي بدولة الامارات العربية المتحدة عام 1986م وبعد التخرج عملت طبيباً عمومياً بمستشفى راشد» بدبي، ثم انتقلت للعمل بمستشفى «المقرف» بابي ظبي.. بعدها توجهت الى «موسكو» لاتخصص في جراحة القلب، ودرست لمدة سنتين عدت بعدهما لابوظبي في اجازة قصيرة.
وذات يوم غادرت دبي في طريقي الى ابوظبي برفقة زوجتي «سامية محمد احمد» وهي سودانية، واطفالي الثلاثة «محمد 10 سنوات»، و«نمارق 8 سنوات» و«عهد وكان عمرها شهرين »كنت اقود سيارتي بنفسي وهي ماركة «مكسيما» وفي تمام الواحدة والنصف بعد ظهر ذلك اليوم وبينما كنت انطلق بالسيارة بمنطقة «جبل علي» انفجر الاطار الامامي الايمن للسيارة، ففقدت السيطرة علىها وانقلبت عدة مرات، بعدها دخلت في غيبوبة كاملة.
مستشفى «تؤام»:
لم افق من الغيبوبة إلا بعد مرور «4» شهور على الحادث، لم اكن اعلم بمكان وجودي، فسألت اين انا؟
- فاجابني احدهم انني طريح الفراش بمستشفى «تؤام» بالعين.
ü قلت: هل التيار الكهربائي مفصول ؟
- اجاب الرجل: التيار الكهربائي موجود لكنك اصبت بالعمى من جراء الحادث الذي تعرضت له!!
ü قلت مندهشا: حتى يوم أمس كنت ابصر، فكيف اصبت بالعمى؟
قال: مضى عليك بالمستشفى «4» شهور كاملة وانت في حالة غيبوبة تامة.
ü ثم سألني: من انت؟ فاجبته انا الدكتور«احمد ابراهيم محمد احمد» سوداني الجنسية ،اسكن بمنطقة «المصفح» بابو ظبي.. وسألته اين زوجتي واطفالي، فحتى تلك اللحظة لم اعلم مصيرهم.
- قال :انهم بخير، وعليك ان تخلد للراحة ولاتفكر فيهم حالياً... بعدها زارني طبيب يمني يدعى «باجابر» واخبرني بالخبر الصاعفة،وفاة زوجتي واطفالي الثلاثة في الحادث !! وقتها اصبت بحالة من الحزن والذهول فقدت بصري، وزوجتي، واطفالي الثلاثة «محمد ونمارق، وعهد» في لحظة ..انها لعبة القدر، ولا حول ولا قوة إلابالله العلي العظيم !!!
بعدها اصبحت امام الامر الواقع..فمنحني المستشفى الذي كنت اعمل فيه حقوقي كاملة لقد اصبحت طبيبا بالمعاش وانا في ريعان شبابي.
التقرير الطبي:
من الاصابة التي تعرضت لها اتضح لي ان الحادث كان مروعا، فاصابتي المؤثرة كانت في العينين، اذ انغرزت «حديدة» فوق عيني اليسري وخرجت اسفل العين اليمنى متسببة في «تليف شبكي»للعين اليسرى، واتلفت عيني اليمنى نهائيا، ولذلك تم استئصالها، وكان التقرير الطبي لحالتي كالآتي:
«تليف في الشبكية، وتليف بمركز الابصار، والعدسة البللورية، تسبب في عمى كامل للعين اليمنى ..!! اما العين اليسرى فتعاني من تليف في الشبكية»
وبعد خروجي من مستشفى «تؤام» بالعين، بدأت رحلة طويلة ومكلفة بحثا عن العلاج واستعادة بصري، فذهبت اولاً لعيادة العيون العائمة التي كانت ترسو وقتها بدبي، وقابلت طبيب العيون الروسي الشهير «فيدروف» وبعد الكشف قال لي «لا امل في حالتك ، لقد اصبت بالعمى الكامل، وليس هناك بصيص امل في استعادة ابصارك مرة اخرى».
رغما عن ذلك لم افقد الامل، فاجريت عمليات بالاردن وسوريا لم تنجح جميعها..ثم ذهبت للقاهرة وقابلت الدكتور «شريف صبري علوان» اختصاصي العيون بعيادته الخاصة بمصر الجديدة وقال لي «الامل ضعيف » لكننا سنحاول وسنجري لك «4» عمليات جراحية وهي كالآتي:
العملية الاولى : ازالة زيت «سلك السيلكون» الذي كان يثبت الشبكية وبعد ازالته اصبحت ابصر شيئاً ابيض بالعين اليسرى.
العملية الثانية: عبارة عن «كي» اطراف الشبكية.
والثالثة: شد الجفن الايسر الى اعلى.
والرابعة : تركيب عدسة بالعين اليسرى قيمتها «2200» جنيه مصري اشتريتها من شركة «انترناشونال بيونيرز» للتوكيلات الطبية بشارع الحجاز بمصر الجديدة.
كما ذكرت فان جميع العمليات الاربع التي اجريتها بالقاهرة كانت بالعين اليسرى، وبدأت العملية الاولى في يناير 2003م والرابعة والاخيرة كانت في اكتوبر 2003م كلفتني مبلغ «28»الف جنيه مصري، اي ما يعادل «5 آلاف دولار تقريباً» وبعدها ظهر تحسن طفيف في العين اليسرى، فاصبحت ارى، كما ذكرت سلفا، شيئاً ابيض، اشبه بخيط من الضوء.
الامل الأخير:
بعد العمليات الاربع التي اجريتها بالقاهرة عدت لكسلا ومكثت هناك حوالى «3» اشهر، عدت بعدها للقاهرة مرة اخرى، وقابلت «د. حمودة» اختصاصي العيون الذي حولني لمستشفى المغربي للعيون بالقاهرة بحي السيدة نفيسة وهناك اخضعوني لكشف دقيق، وكان تشخيصهم كالآتي:
«ضمور بالعين اليمنى، وكسر ارضية الحجاب الايمن، وقطع في الزاوية الداخلية للجفن ويحتاج الى جراحة اصلاح كسر بارضية الحجاب الايمن كمرحلة اولى ثم زرع بديل مرجاني ثانوي داخل تجويف العين كمرحلة ثانية.. ثم اعادة بناء الزاوية الداخلية للجفن كمرحلة ثالثة واخيرة.. التكلفة الاجمالية للعمليات الجراحية الثلاث «16» الف جنيه مصري، شاملة التحاليل.. بمعنى ان تكلفة العمليات الثلاث تقدر بحوالى «2850» دولاراً، لا املكها، ومستحيل ان امتلكها،حيث انني بعت منزلي بكسلا وانفقت ثمنه في تكاليف العلاج، بجانب حقوقي من عملي كطبيب بدولة الامارات وبعد ان فقدت بصري واطفالي وزوجتي لم يتبق لي ما املكه سوى قطعة ارض خالية بحي الصالحين بكسلا، حاولت بيعها لتدبير بقية تكاليف العلاج ولم احصل سوى على «200» الف جنيه، فرفضت بيعها.. فعدت للسودان في انتظار الامل بعودة البصر لي مرة اخرى.
العين الصناعية:
انتهى د. احمد ابراهيم محمد احمد من سرد قصته المأساوية التي اصابتني بالوجوم لفترة، ثم سألته:
كم كنت تتقاضى شهرياً مقابل عملك كطبيب بالامارات؟
- اجاب :كان راتبي «4500» درهم اماراتي في الشهر، اضافة الى «2000» درهم مخصصات اخرى، .. وكنت اعمل ليلا في عيادتي الخاصة بمنطقة «بنياس» بابي ظبي، وكنت اكشف على المريض الواحد بمبلغ «350» درهماً، والآن لا املك درهماً واحداً.
ألم تلجأ لاتحاد الاطباء السودانيين لعرض مشكلتك هذه؟
قال: قابلت الامين العام لاتحاد الاطباء - بعد معاناة- ولم احصل منه على شئ يذكر.. كما قابلت مدير مكتب وزير الصحة، وقال لي لا توجد امكانية لمساعدتي.. واستنجدت بديوان الزكاة وبعد محاولات استمرت زهاء الاربعة اشهر قالوا لي : «لا توجد مساعدة للعلاج بالخارج حاليا». كما اتصلت بالاستاذ «عادل» في برنامجه الاذاعي «ليالي الخير» باذاعة الخرطوم وطلبت عبر البرنامج تذاكر سفر الى القاهرة لمواصلة العلاج واجراء العمليات الثلاث المتبقية حتى يعود الى البصر بالعين اليسرى وذلك في يونيو الماضي، ولكن بدون نتيجة.. وبتاريخ 2004/7/24م صدقت لي مؤسسة الزبير الخيرية مشكورة بمبلغ «30» الف دينار مساهمة في العلاج.
اخيراً طلبت منه التقاط صورة له فوافق فصورته اولاً وهو يرتدي النظارة السوداء، ثم طلبت منه تصويره بدون نظارة، فوافق، بل ذهب ابعد من ذلك، فبحركة سريعة من يده قام بخلع عينه اليمنى ووضعها في كفة يده، قائلاً انها عين صناعية لا ارى بها ولا تقوم بوظيفة العين الطبيعية بل هي للزينة فقط!!.. وظهر تجويف العين اليمنى واضحاً احمر بلون الدم وقال لي: التقط صورة له، اسمح لك بذلك وقد كان.
لعل وعسى!:
اخيراً.. هذه مأساة الطبيب السوداني احمد ابراهيم محمد احمد من الالف الى الياء. ورغم تعففه عن السؤال الا انه في حاجة ماسة وعاجلة لايادي اهل الخير وخاصة الاطباء ومساعدته لاجراء ما تبقى له من عمليات جراحية بالقاهرة، لعل وعسى يعود له ولو جزء من بصره ولعل ذلك لو تحقق يكون عزاء له ولمصابه الجلل وفقدانه لاطفاله الثلاثة «محمد»، و«نمارق» و «عهد» وزوجته «سامية» الذين قضوا نحبهم في الحادث المروري «بجبل علي»!!!
أطبع هذه الصفحة
العودة الى الصفحة الرئيسية
alrayalaam newspaper
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
omar ali
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست