فعلها بابكر حسن مكي .. ونهض عن مائدة العمر (له الرحمة)

Quote: في بيتنا امتحانات! http://www.akhbaralyoumsd.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8767 مكتوب في جريدة أخبار اليوم بتاريخ 15/6/2005 امتحانات الثانوية العامة في الكويت بدأت يوم 13 يونيو . ابنتنا (دانا) من ضمن الممتحنين ، واستسمحكم عذرا في ذكر طقوس الساعات الأربع والعشرين التي سبقت هذا اليوم الرهيب . فمنذ الساعات الأولى من يوم 12 يونيو بدأت طقوس شد الأعصاب .. لا أحد يتكلم مع الآخر .. أُغلق التليفزيون وأُسدلت جميع الستائر ورُفعت جميع (فيش) التليفونات ومُنعت الصحف من الدخول الى (المعتقلين) وأعتكفت السيدة (أم محمد) في صومعتها بعد أن حذرت جميع الرهائن من اصدار أي صوت بما في ذلك (خشخشة) النعال وأُنذر كل من سولت له نفسه أن يفتح بابا أو يقفله أو يمشي في الأرض مرحا ! وفي المساء ازدادت الجو عبوسا وقمطريرا وتذكرت انني لم اتناول طعم الغداء وعندما طلبته قيل لي بصريح العبارة : الناس في شنو وانت في شنو !! وكنت أعرف انني (في شنو) لكنني لا اعرف (الناس في شنو) ، وفجأة رن جرس الهاتف فصدر (فرمان) بالا يرد احد على الجرس اللعين وحار بقية أفراد الأسرة في أمرهم ولم يعودوا يعرفون ما هو مسموح لهم : هل يجلسون ام يقفون أم يصمتون أم يحزنون ، وفي حوالي العاشرة مساء طويت الأقلام ورُفعت الصحف ونودي في أهل الدار أن (انخمدوا في أسرتكم) لأن موعدنا الصبح وما الصبح ببعيد ، وكان آذان الفجر في الثالثة و13 دقيقة الا أنه تم ايقاظنا جميعا قبل ذلك بساعة كاملة باعتبار أنه لا نوم مع (الأبتلاءات) وأُلقيت فينا موعظة حسنة بأن نتنفل (ما استطعنا) قبل موعد الصلاة ، وفي الرابعة فجرا جيئ لنا بشاي (حاف) على غير العادة لأن السيدة (أم محمد) قررت ان (الناس ماعندها نفس لأكل) والحقيقة انه كان لي (نفس) لكنني خشيت مرة أخرى من أن أكون (في شنو والناس في شنو) ، وفي تمام السادسة صباحا تحرك وفدنا الميمون الى مركز الأمتحانات كي (نزف) دانا الى (مثواها) في القاعة الرئيسية واكتشفنا ان المركز قريب من البيت فوصلنا قبل الموعد بنحو ساعة واربعين دقيقة ، وكان رأيي أن نتركها تدخل مع زميلاتها لتتأقلم مع جو الأمتحانات لكن جناح (المعارضة) في العائلة رفض الأقتراح واعتبره استهزاء بعضو أصيل في (التجمع) وهكذا بقينا داخل السيارة حتى حانت لحظة الوداع وقرع الجرس فانهمرت الدموع مدرارة وتعانقت (دانا) وأمها طويلا وبكيا بكاء حارا ثم استغفرا طويلا ثم اعادا الوداع بدموع فبدون دموع ثم بأحضان ثم بالأيدي ثم غابت دانا وسط الزحام ، وعندما عدنا الى البيت في الثامنة والنصف صباحا شعرت بجوع شديد فطلبت ان يأتوني بالغداء أولا ثم الأفطار بعده ! * في اليوم التالي أعلن وزير التربية أن الكويت ستلغي نظام الأمتحانات بعد أربع سنوات فحمدت الله على استجابته لدعائي ، فانني منذ كنت يافعا تمنيت عالما بدون امتحانات كي يعيش الناس بدون دموع وبدون تليفونات منزوعة (الفيش) !! أسماء ومسميات * اسماء المحلات جزء من (هارموني) المدينة . عندما تزور العواصم الكبرى يلفت نظرك التناسق بين الأسماء والمسميات ، فبائع التوابيت ، مثلا ، لا يطلق على محله اسم (حانوتي الياسمين) وبائع الورود لا يطلق على محله (زهور الألم) ، صحيح أن الناس أحرار في ما يسمون لكن ليس لدرجة الخروج عن الذوق ، وواجهات المدن في السودان تضج باسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، فقرأت في احدى المدن لافتة عنوانها (مطعم أم فتفت) !! وتحت الأسم عبارة بخط صغير تقول ( مع بول طازج) ! وهذا يعني أن هناك (بول مضروب) في بعض مطاعم (أم فتفت)!! .. وشاهدت في مدينة أخرى (جزارة السعادة) .. والسعادة ليست لها علاقة بالجزارة ..نحن نحب اللحوم ونحب اخواننا الجزارين لكن ليس لدرجة ان يصبح الذبح والسلخ والكسر رمزا للسعادة .. وآخر محل حلقت فيه شعري كان اسمه (صالون العيون) !! .. وعمل الحلاق هو ان يحلق الرؤوس لا العيون ، لكنني لما سألت الحلاق الشاب عن سر هذا الأسم قال لي أن (عبد الكريم) هو الذي اختاره له ، أما عبد الكريم فهو (أبو النسب) ــ على حد تعبيره ــ شقيق خطيبته ، وقلت له : اذن هذا اختيار الخطيبة .. فتبسم وأمر لنا بعصير قونقليز ! وشاهدت حافلة مكتوب عليها (سفريات الجنة) .. وادركت ان قصد صاحبها هو ان يختصر على الركاب مشوار الحياة ويأخذهم الى الدار الآخرة مباشرة ، فعندما دلفت بداخلها وجدت لافتة كبيرة أمام المسافرين تقول : ( استغفروا الله وسافروا سفر مودع ) ! ومن يومها كلما قرأت خبرا عن حادثة قفزت الى ذهني (سفريات الجنة) !! .. * سموا محلاتكم مثل أبنائكم .. الأسماء الجميلة ! نكشة : الجنون فنون ! قل ولا تقل : .. لا تقل : خرجوا (عن) بكرة أبيهم .. قل : (على) بكرة أبيهم

(عدل بواسطة banadieha on 06-21-2005, 08:07 AM)

Quote: مسرح بدون الفاضل....اخبار اليوم عدد 13/6/2005 http://www.akhbaralyoumsd.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8731 صعب أن نلخص عظمة الفاضل سعيد في عمود يومي ، فانه مثل كل الرموز التي تستكشف عظمتها كل يوم ، مثل كرومة وسرور وابراهيم الكاشف وادريس جماع ومثل الأزهري وعبد الله الطيب ونهر الجور وجبل الرجاف وكل الأسماء التي لا تموت . لكنني أرى أن واحدا من أعظم انجازاته أنه خلق من الكوميديا جسرا يصل ماضينا بحاضرنا ، فان (بت قضيم) المنتسبة الى الماضي ظلت تضحك أجيال الحاضر حتى آخر يوم وقفت فيه على الخشبة . أضحكتهم بشخصيتها ومفرداتها واكسسواراتها وقضايها واحلامها ، فلم يشعروا بغربتها عنهم أو غربتهم عنها رغم الهوة الكبيرة التي تفصل بين زمنها وزمنهم . كيف استطاعت (بت قضيم) أن تضحك الحاضر بطرائف الماضي .. هذا أحد جوانب عظمة المسرح الذي قدمه الراحل الكبير . والفاضل سعيد ظهر على الناس ولم يجد أمامه ارثا سوى كوميديا المونولوج والنكتة المباشرة ، لم تكن قبله ثمة مدرسة ابتدائية يؤسس عليها منهجه فبنى كل شيئ لوحده بيديه وأظافره وقلقه وتوتره وسيل العرق الذي كان يرشح منه بلا توقف أثناء ما كان يضحكنا ! ومع ذلك لم تكن مدرسته مقصورة عليه فقد كانت شعلة نهضت على وهجها الحركة المسرحية برمتها . قبله كان المسرح ، تقريبا، مكانا لحفلات الغناء ..الفاضل سعيد كان المحرض الأكبر لقيام مسرح جاد منذ اوائل الستينات يعرض قضايا الأمة بدون تهريج ويشخص آلامها بلا مبالغات ، ومن خلال (بت قضيم) و(العجب) رفع الستار عن المعايب والقصور والثغرات فكان يضحكنا وهو يمسك بمبضع الجراحة ويبكينا بشر الأمور المضحكات . وموت الفاضل كان آخر شهادة (حية) على اخلاصه لفنه ، فقد مات بالقرب من مسرحه وتلك كانت واحدة من أمنياته .. أن يموت على الخشبة أو بقربها أو في الطريق اليها .. بخلاف ذلك ما كان سيحلو له الموت ! تمرد منذ سنوات طويلة على تحذيرات الأطباء وتحدى مخاطر الهلاك وكان مصمما على ان يموت في عرينه كي لا تنام أعين الجبناء ! وكان ، رحمه الله ، رجلا زاهدا في حياته الأسرية .. أتصور أن الزمن الذي عاشه داخل بيته لا يزيد عن (عُشر) الذي قضاه بين المسرحيات وبروفاتها ، نذر نفسه على مدى أكثر من أربعة عقود للناس الآخرين ، فمع كل ضحكة تضج بها جنبات المسرح كان الفاضل سعيد يحمل هم الجملة التالية ومع كل موجة من التصفيق بعد العرض كان يحمل هم العرض التالي ، وكان يفكر في المسرحية التالية قبل ان يقدم الحالية . اذا كان الغناء السوداني الحالي لا يزال أسيرا لمدرسة كرومة فان المسرح السوداني الحالي سيظل أسيرا لمدرسة الفاضل سعيد ولن ينفك عنه قبل ان يفك الغناء ارتباطه بمدرسة كرومة . وهذه نتيجة حتمية للابداع المرتبط بالأخلاص ، فان الفاضل سعيد كان (روح) أي عمل قدمه منذ كان العمل يبدو نطفة في الخيال حتى يصير جنينا على الخشبة ، لم يترك شيئا للصدفة قط ، فكان يلاحق كل أدوات مسرحه الصغيرة والكبيرة .. الصوت والضوء ، الملابس والأكسسوارات ، الديكور والخلفية والزمن والمساحة . نتمنى ان يحافظ تلاميذه على مدرسته وقبل ذلك على احترامه لفنه وجمهوره ومسرحه .. (بت قضيم) وحدها هي التي ستفتقده أكثر منا و(العجب) وحده هو الذي سيبكيه أكثر منا .. هذان الرمزان سيعانيان أكثر من كل الذين عرفوا الفاضل سعيد ، فانه بقدر حرصه على ان يبقيهما على قيد الحياة فات عليه انه حتما سيفارق ويتركهما للوحدة والوحشة والعزلة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا . وداعا الفاضل سعيد ..الرجل الذي مات مثقلا بهموم الضحك نكشة : الحياة طابور الموت . قل ولا تقل : .. لا تقل : (انضموا الى بعضهم البعض) .. قل : (انضم بعضهم الى بعض)

(عدل بواسطة banadieha on 06-21-2005, 08:02 AM)

Quote: حقا الموت نقاد ..يختار الجياد

Quote: كيف لنا ، يا بابكر، ونحن مقيدون، مثلك ، في بلدان الآخرين ، أن نعصب جبين الجرحِ بمنديل الرثاء ؟ كيف نجعل من نحيبنا نشيداً، ومن دمنا المشويِّ نبيذاً ؟ وكيف نحب من الحبِّ ما يجعل المساء مساءً، ونكره منه ما يبكينا ؟ كيف نصاب بالوضوح الجميل كما فعلتها أنت ، وكيف نصاب بحب الحياة دون أن نخشى الموت كما كنت أنت؟

Quote: وداعا الفاضل سعيد ..الرجل الذي مات مثقلا بهموم الضحك نكشة : الحياة طابور الموت .