عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة السادسة بقلم للأستاﺫ خالد الحاج عبدالمحمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 05:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-24-2019, 06:38 PM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة السادسة بقلم للأستاﺫ خالد الحاج عبدالمحمود

    06:38 PM September, 24 2019

    سودانيز اون لاين
    خالد الحاج عبدالمحمود-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    بسم الله الرحمن الرحيم
    "أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"

    الفصل الرابع
    الرأسمالية والحياة
    أن أول ما وقع عليه الكبت، في المجتمع البشري، هو الغريزة الجنسية، والملكية الفردية.. وقد نشأ العرف الذي ينظم العلاقة الجنسية، والملكية الفردية، ومعه نشأ الكبت.. وبالكبت نعني السيطرة على الشهوة، فلا تعبر عن نفسها في انطلاق بلا قيد، كما يفعل الحيوان.. وإنما تعبر عن نفسها عن طريق شريعة الحلال والحرام.. ودخول القيمة بهذه الصورة، هو بداية إنسانية الإنسان، المنماز عن الحيوان.
    جاءت الحضارة الغربية في معالجتها للكبت، باطلاق الغرائز!! فرفعت القيد عن ممارسة الجنس.. والنتيجة النهائية هي المزيد من الضياع، وافتقاد حتى اللذة التي كان يؤديها الجنس.. وأصبح الجنس، مثله مثل المخدرات والكحول، وسيلة لتحقيق سعادة وهمية، بدلاً من السعادة الحقيقية.. والنتيجة النهائية ضياع حياة الإنسان، بل في بعض الحالات ضياع الإنسان نفسه!! إن ما يسمى في الغرب بالجنس الترفيهي، ما هو إلا صورة من صور الهروب من تعاسة الحياة، بحثاً عن وهم حياة، لا يؤدي هو الآخر إلا لتعاسة، أشد من تعاسة الواقع.. يقول كولون ويلسون: "إن المتعة تتوقف أن تكون متعة إذا دفعناها إلى حدود معينة.. فكأس الويسكي تنعش المرء وتبعث فيه إحساساً بالراحة.. أما الزجاجة فقد تجعلك مريضاً، وإما إذا شربت زجاجتين بسرعة فستموت" 6 ص 69.
    في وقتنا الحاضر، أصبح للنظام الرأسمالي السيادة المطلقة.. وأصبحت الرأسمالية، هي من يحدد للناس حاجاتهم، وكيفية إشباع هذه الحاجات!! أكثر من ذلك، أصبحت الرأسمالية تصنع للناس حاجات وهمية!! وتقنعهم بأن إشباعها ضرورة، وتنقص حياتهم، بقدر نقص إشباع هذه الحاجات.
    وحديثنا عن الرأسمالية، هو امتداد لحديثنا عن الملكية.. الرأسمالية ليست مجرد نظام اقتصادي، وإنما هي توجه عام في الحياة والفلسفة التي تقوم عليها.. وهو توجه يقوم بصورة كلية على المادية، وعلى الأخلاق الذاتية، والأنانية، وهي بصورة كلية تقوم على إعلاء الحياة الدنيا وقيمها، على حساب الحياة العليا – حياة الإنسان.. النظام الرأسمالي يجعل التنافس على الدنيا من مبادئه الأساسية، التي لا يمكن للنظام أن يقوم من دونها.. وهذا بالضبط عكس توجه الدين.. يقول المعصوم: "لا أخاف عليكم أن تعودوا بعدي كفاراً، وإنما أخاف عليكم الدنيا تنافسوها"!! وقد كان!! وقد أصبح التنافس على الدنيا يستوعب كل حياة الإنسان المعاصر، وهو الذي يشغل فكره ووجدانه، كما هو الذي يفرحه إذا نال نصيباً من الدنيا، ويحزنه إذا قصر في الحصول على شيء منها.. فالرأسمالية تقوم على مباديء الملكية والاقتناء، والربح، من أجل تحقيق المزيد من الاقتناء المادي.. تقوم على الكسب الذي أصبح قاصراً على الكسب المادي، كما سبق أن بيَّنا.. وهذه القيم تخلق شخصية محور توجهها التملك.. والمجتمع الذي يقوم على هذه القيم، هو صاحب الدور الأساسي، في تحديد نمط حياة، وسلوك، وتفكير أفراده.. فقيم المجتمع المعين، أو الشخصية الاقتصادية الاجتماعية فيه، تشكل الشخصية الاجتماعية لأعضائه، فتصبهم في إطار معين، وتحدد لهم أهدافاً معينة، فتجعلهم يسعون إلى فعل ما يريد منهم مجتمعهم ان يفعلوه، حسب قيم ومعايير هذا المجتمع.. ويصعب على الأفراد مخالفة هذا الأمر، فهم لا يكادون يعرفون غير قيم وموجهات مجتمعهم.. فروح القطيع في المجتمع تجعل من الصعب على الفرد، أن يفارق قطيعه.. هكذا، (تُقَولِب) الرأسمالية أتباعها – أي تصبهم في قالب واحد.
    هل النظام الرأسمالي عقلاني!؟:
    نحن نتحدث عن النظام الرأسمالي السائد اليوم، وهو النظام الذي يقوم على الليبرالية الحديثة، وحرية السوق.. وهو نظام ساد منذ ثمانينات القرن الماضي وإلى اليوم.. وأكبر منظري الليبرالية الحديثة من الاقتصاديين، هم هايك، وفريدمان.. والفكرة المحورية في هذا الاقتصاد، تقول أن السوق لها قوانينها الخاصة بها، التي إذا تدخل فيها الإنسان يفسدها، ولذلك لا بد من التخلص من تدخل الدولة في الاقتصاد، فينبغي ألا يتم وضع أي موجهات قانونية للاقتصاد، فالسوق كفيلة بتنظيم الأمر كله، عن طريق العرض والطلب!! يقول أولريش شيفر: "وفي الزمن التالي لهذين العقدين _يقصد العقدين اللذين سادت فيهما الكنزية_ استرشد السياسيون بأفكار منظري الليبرالية المحدثة، فاقصوا الدولة عن آداء دور نشط في الحياة الاقتصادية، وعملوا كل ما في وسعهم من أجل تحرير السوق من كل توجيه حكومي.. كما راح السياسيون يؤكدون بلا كلل ولا ملل أن الاقتصاد ينمو على نحو اسرع وأفضل كلما كانت الدولة أقل تدخلاً في الحياة الاقتصادية" 8 ص 48.. وقام الجهد، ولا يزال تحت ظل (العولمة) قام بمحاولة أن يُفرض هذا النظام على جميع دول العالم!!
    هل الفكرة الأساسية في اقتصاد السوق، عقلانية!؟ ولا نعني بكلمة (عقلانية) المعنى الإصطلاحي، وإنما نعني فقط: هل تجد لها أي مبرر منطقي!؟ هل فعلاً للسوق قوانينها الخاصة التي إذا تدخل فيها الإنسان يفسدها!؟ اعتقد أن هذا أكبر مدى، ذهب إليه الغرب في اللعب على العقول!! من أين أتت قوانين السوق هذه!؟ هل صنعها بشر أم هي قوانين طبيعية!؟ من المؤكد أنها من صنع البشر.. ففي الواقع الواضح والصارخ الوضوح، أن السوق في جميع تفاصيلها، تقوم على تدخل البشر، وخلاف هذا الأمر مستحيل.. من المستحيل أن يقوم نشاط اجتماعي، هام وخطير، مثل الاقتصاد، على إبعاد العنصر البشري.. يقول شيفر: "إن اقتصاد السوق المحررة من القيود لم ينشأ بنحو عفوي، كما أنه لم يتطور بفعل مؤامرة حاكتها، سراً، الشركات العملاقة والمصارف، إنه في المقام الأول الحيلة التي افرزتها قرارات سياسية كثيرة، قرارات لم يستطع كثير من المواطنين إدراك مغزاها والإحاطة بالأبعاد التي تترتب عليها.. فعلى مدى ما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً، دأبت البرلمانات والحكومات على تحرير الاقتصاد من القيود.. فهؤلاء جميعاً تكاتفوا على فتح ابواب أسواق المال على مصاريعها، وتجريد النقابات العمالية من بأسها، وخفض الضرائب، شيئاً فشيئاً، وخصخصة الشركات الحكومية، وهكذا، شيئاً فشيئاً، انسحبت الدولة من التدخل في الاقتصاد" 7 ص 32.
    وعندما حدثت الأزمة المالية، 2008، لم تعترف الرأسمالية ودولها وشركاتها، بأن السوق من المستحيل أن تكون حرة من التدخل البشري، وإنما ذهبوا يتحدثون عن أسباب أخرى!! ووقتها تدخلت الدول في الاقتصاد، بصورة تؤكد خطأ حرية السوق، وعدم التدخل فيها.. وهذا ما يؤكد مقولة فروم، التي جاء فيها: "ولم يعد نمو هذا النظام الاقتصادي خاضعاً للإجابة على السؤال: ما الذي يجب عمله لخير الإنسان؟ وإنما أصبح السؤال هو: ما الذي يجب عمله لخير النظام وتنميته؟" 5 ص 26.. وحاول البعض إخفاء حدة هذه المواجهة بالترويج لفرضية أن ما هو خير للنظام (بل لمؤسسة واحدة) خير للناس جميعاً.. إن أكبر صورة اللاعقلانية، في النظام الرأسمالي، هو أنه جعل الإنسان نفسه وسيلة، والاقتصاد هو الغاية!! ومما يؤكد ذلك، أن هنالك تحولاً كبيراً وخطيراً، من اقتصاد الانتاج إلى ما سُمي الاقتصاد الصوري أو الرمزي!! وهو عبارة عن المضاربة في أسواق المال، والمضاربة في المشتقات" فأسواق المال تتطور، حالياً، الى حلبة للجشع ومكان لتحقيق الربح بأقصى سرعة، فالمصارف تعرض في الأسواق أدوات ملكية مفعمة بالمخاطر، وما خلا بضعة أفراد، ما عاد أحد يفهم مغزى هذه الأدوات وكنهها، وانتشر في السبعينيات التعامل بما يسمى بالمشتقات، وما هذه المشتقات إلا بضائع مالية تشتق قيمتها من التطور الذي يطرأ على قيمة أوراق مالية أخرى" 8 ص 57.. وعن قيمة هذه المشتقات جاء من كتاب نورينا هيرتس (السيطرة الصامتة): "الأمر البين هو أن قيمة المشتقات، التي جابت النظام المالي العالمي في عام 2007م وصلت الى 592 تريليون دولار أمريكي، أي أنها بلغت عشرة أضعاف قيمة السلع والخدمات التي ينتجها مجمل سكان المعمورة عاماً بعد عام ـ وستة اضعاف القيمة التي كانت قد بلغتها هذه المشتقات قبل سبعة أعوام" 8 ص 59.. هكذا، عن طريق البورصة والمضاربة في المال، أصبح معظم الاقتصاد، عبارة عن كازينو قمار عالمي!! وهذا يجتذب الناس، أكثر فأكثر، لما فيه من ربح سريع وضخم، ولما فيه من روح المغامرة!!
    وعدم عقلانية الرأسمالية تظهر أوضح ما تظهر، في الاتجاه العالمي العام للتسليح.. إن الصرف على التسليح في أي بلد من بلدان العالم، هو دائماً أكبر من الصرف على التعليم والصحة والخدمات الإيجابية!! البند الأكبر في الصرف في أي دولة في العالم، هو الأمن ويشمل: الجيش، الشرطة، والأمن، واحتياجاتهما من سلاح وذخيرة، ومرتبات، ومتطلبات أخرى.. بل والعمل الأساسي في البحث العلمي الأولوية فيه لتطوير السلاح!! هذا، علماً بأن أسلحة الدمار الشامل الموجودة الآن، كافية لتدمير كل الحياة على الأرض – الحياة وليس الجنس البشري فحسب!! وهذا أمر لا خلاف حوله!! ثم مع ذلك كله، المساعي العالمية كلها تقوم على تطوير السلاح، واقتناء أكبر قدر منه.. وتقاس مكانة الدولة، وعظمتها بقوتها العسكرية والاقتصادية.. فالعالم اليوم عبارة عن برميل بارود!! قابل لأن يشتعل في أي لحظة.. وما أكثر العوامل التي يمكن أن تؤدي لاشتعاله، في غياب العقل، هذا الصارخ في وضوحه.
    لقد خلق النظام الرأسمالي المعاصر، تفاوتاً ضخماً بصورة مرعبة في الدخول.. بين الدول الغنية والفقيرة.. بين الشمال والجنوب، وبين الأفراد في الدولة الواحدة، وفي المجتمع العالمي.. وهذا أمر أصبح معروفاً.. ولأنه معروف، فنحن نعطي نموذجاً واحداً في التفاوت في الدخول، أورده شيفر حيث يقول: "1125 من أغنى الأغنياء يملكون ثروة تساوي مجمل الدخول التي يحصل عليها ثلاثة مليارات مواطن، أي التي يحصل عليها مجمل سكان: الهند وباكستان وبنغلاديش وتايلند وماليزيا وفيتنام والفلبين، والقارة الأفريقية.." 7 ص 25.
    ومع ذلك يُقال لنا أن حرية السوق لمصلحة الجميع!! والغرب يباهي بأنه ديمقراطي، وأن نظامه يقوم على حكم القانون!! وينسى أو يتناسى: الحروب الاستعمارية الطاحنة والطويلة الأمد، التي شملت معظم العالم غير الغربي.. وينسى تجارة الرقيق عبر الأطلنطي، وما فعلته في أفريقيا.. وينسى الحرب العالمية الأولى والثانية، والحروب التي تلتها، التي قامت بها الدول الغربية مباشرة أو بالوكالة.. والفتن التي تشتعل في مختلف أنحاء العالم، من أجل تسويق السلاح والذخيرة.. والحروب التي تلت الحرب العالمية الثانية، ومنها حربا العراق، خصوصاً الحرب الثانية، التي فشلت الولايات المتحدة، في أن تجد لها أي سبب موضوعي.
    نظام السوق الحر في الغرب، جعل الديمقراطية نظاماً شكلياً، بلا محتوى.. فالاقتصاد هو أهم ما يهم الناس في حياتهم، وقد أبعدته الرأسمالية، من أن يكون مجالاً ليقول الشعب كلمته فيه!! فما هي قيمة هذه الديمقراطية بعد ذلك!؟ وكيف يكون هنالك حكم قانون، وأهم ما يهم الناس في حياتهم، لا يحق لهم أن يشرعوا فيه!؟


    السوق والاستهلاك:
    لقد جعلت الرأسمالية المعاصرة من السوق، إلهاً لا يُسأل عما يفعل.. فكل شيء في حياة البشر يمكن أن يخضع لحكم القانون، إلا السوق!! وأصبحت الدولة في خدمة السوق، أو الرأسمالية عامة، وعلى الدولة أن توظف كل شيء، في السياسة الداخلية والخارجية، للسوق!! وفي هذا الصدد أصبح هنالك عمل ضخم يسمى (التجسس التجاري) تستخدم فيه المخابرات لمصلحة رأس المال.
    ونحن يعنينا بصورة خاصة موضوع الاستهلاك، الذي أصبح يُشَكِل حياة الناس.. فلم يعد الاستهلاك لسد حاجات حقيقية عند الإنسان، وإنما لسد حاجات تخلقها المنافسة، والدعاية التجارية.. وقد أصبح الاستهلاك هو الظاهرة الأساسية في حياة الناس اليوم.. يقول فروم: "الاستهلاك هو أحد أشكال التملك، وربما هو أكثرها أهمية في مجتمعات الوفرة الصناعية المعاصرة.. والاستهلاك عملية لها سمات متناقضة: فالاستهلاك عملية تخفف القلق لأن ما يمتلكه الإنسان خلالها لا يمكن انتزاعه، ولكن العملية تدفع الإنسان إلى مزيد من الاستهلاك، لأن كل استهلاك سابق سرعان ما يفقد تأثيره الإشباعي.. وهكذا فإن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية: أنا موجود بقدر ما أملك وما أستهلك" 5 ص 47.. ويقول فروم في موضع آخر: "النزوع للاستهلاك، هو نزوع لابتلاع العالم بأسره.. والإنسان الاستهلاكي هو الرضيع الأبدي الذي لا يكف عن الصياح في طلب زجاجة الرضاعة.. ويتضح هذا في الظواهر المرضية خاصة، مثل إدمان الخمر والمخدرات" 5 ص 46.. ويقول: "باختصار الاستهلاك هو أحد أشكال التملك، وربما أكثرها أهمية في مجتمعات الوفرة الصناعية المعاصرة" 5 ص 47.. السلوك الاستهلاكي هو السلوك السائد في جميع المجتمعات البشرية.. والرأسمالية شديدة الحرص على ديمومة الاستهلاك، ولها حيلها العديدة، في جعل الناس مستهلكين، ومن أهمها الدعاية للسلع والمواد الاستهلاكية، ومن هذه المواد، بل على رأسها: السلاح والجنس!! وعلى ذلك أصبح معيار السلوك، يقوم على التملك والاستهلاك.. فكما يقول فروم: "كل من يستطيع أن يحصل على ممتلكات ويحقق أرباحاً يكون موضع إعجاب وتقدير، باعتباره كائناً أرقى" 5 ص 72.. وقد أصبحت هوية الإنسان، ومكانته تُحددان بملكيته.. يقول فروم: "وتصبح ذاتنا هي أهم موضوع لإحساسنا بالملكية، لأنها تشمل أشياء عديدة: جسدنا، واسمنا، ومكانتنا الاجتماعية، وممتلكاتنا بما في ذلك معارفنا، والصورة التي لدينا عن أنفسنا، والصورة التي نرغب في أن تكون لدى الآخرين عنا.. تتشكل ذاتنا من مزيج من صفات حقيقية مثل المهارات والمعلومات، وأخرى زائفة بنيت من أوهام حول نواة حقيقية.. غير أن النقطة الأساسية هي أن الاهتمام ليس بمحتوى الذات وإنما في الإحساس بأن الذات شيء يملكه كل منا، وأن هذا الشيء هو أساس الإحساس بهويتنا" 5 ص 74.
    إن مفهوم أن جسدي ملكي، فلا يحق لأحد أن يتدخل في ما أفعل به، هو من أكبر عوامل الفوضى الجنسية!! بل إن الدعاية الرأسمالية، ومن أجل جعل عجلة الإنتاج لا تقف، تفننت في الإغراء بالجديد، وبالموضة.. وأصبحت السلع منذ البداية، تُصنع بصورة تجعلها قابلة للتلف السريع، حتي يتم تصنيع البديل لها، بما يضمن استمرارية عمل الإنتاج.. فقد أصبحت الأشياء تمتلك لكي تُرمى.. وأصبح الإسراف والتبذير عند المستطيعين، هو السلوك السائد.. فكل فرد أصبح تواقاً للتخلص من القديم، مهما كانت سلامة هذا القديم، من أجل شراء الجديد، مسايرة للموضة، وحتى لا يشعر أنه دون الآخرين.. وأصبحت الدورة كالآتي: "الحصول على الشيء لملكية قصيرة الأجل واستخدام عابر، رمي الشيء والتخلص منه أو تبادل مربح من أجل الحصول على الموديل الأحدث الحصول على شيء جديد.. وتلك هي الدائرة الخبيثة دائرة الاستهلاك – الشراء. وشعار اليوم يمكن أن يكون بحق هو »ما أجمل الجديد«" 5 ص 74.. ويضرب فروم مثلاً، باقتناء السيارة، وكيف أنه رمزاً لسيادة الإنسان، فيقول: "يجب أن نضع في اعتبارنا عوامل كثيرة لفهم ما يبدو كأنه تناقض صارخ بين علاقة الملكية التي تربط أصحاب السيارات بسياراتهم من جانب، واهتمامهم القصير بها من جانب آخر.. فالعامل الأول هو انتفاء الطابع الشخصي في علاقة المالك بالسيارة.. فالسيارة ليست شيئا ملموسا يغرم به صاحبه، وإنما هي رمز لمكانته، وامتداد لقوته، وبانية لذاته. فاقتناء الشخص سيارة معناه إضافة جزء جديد لذاته.. والعامل الثاني هو أن شراء سيارة كل عامين بدلا من كل ستة أعوام - مثلا - يضاعف نشوة الاقتناء عند المشتري. وركوب سيارة جديدة يزيد إحساس المالك بالسيطرة، وبقدر ما" 5 ص 75.
    هل النظام الرأسمالي أخلاقي:
    الأمر واضح جداً، بالصورة التي لا نحتاج معها أن نقف طويلاً مع الإجابة على السؤال.. فالإطار المرجعي كله يقوم على تغييب الأخلاق الموضوعية، فكما سبق أن ذكرنا، الحضارة الغربية تقوم على العلم في تصورها للعالم، وهو تصور لا يقوم على غائية كونية، والغائية هي الشرط الضروري لقيام أخلاق موضوعية.. كما أن التوجه الذي يقوم على الملكية، لا مجال فيه للأخلاق الموضوعية.. يقول فروم أن السلوك الاقتصادي، قبل عصر النهضة: "كان يقوم على مبادئ أخلاقية"، وكان يعتبر سلوكاً إنسانياً، ولكن "شهدت رأسمالية القرن الثامن عشر تغييراً جذرياً على عدة مراحل، حيث أصبح السلوك الاقتصادي منفصلاً عن النظام الأخلاقي والقيم الإنسانية.. والحق أن الآلة الاقتصادية اعتبرت كياناً بذاته، ومستقلاً عن احتياجات الإنسان وإرادة البشر" 5 ص 26.
    الأخلاق دائماً مرتبطة بالفكر وبالجماعة.. وهي، خصوصاً في بداياتها لا يمكن أن تكون من غير دافع.. وأفضل دافع، وربما هو الدافع الوحيد للأخلاق الموضوعية، هو الدافع الذي يكون فيه الإنسان الأخلاقي، عندما يعمل من أجل الآخرين، في نفس الوقت يعمل من أجل ذاته!! على أن يكون عنده التصور الصحيح، والقناعة التامة، أن مصلحة الآخرين هي من مصلحته، وهذا من المستحيل أن يتوفر في غير الدين، وحتى في الدين لا يكون إلا في مستوى معين من الفهم الديني.. أما الحضارة الغربية، وفي ظل الرأسمالية، من المستحيل أن يتوفر فيها هذا الدافع.. علماً بأن الدافع في النظام الرأسمالي، وهو الكسب المادي، نقيضٌ للقيم الأخلاقية الإنسانية.. ذلك أن الاتجاه التملكي بصورة عامة، لا يمكن أن يفضي إلا لأزمة أخلاقية.. وقد فعل!!
    ففي الرأسمالية انتاج السلاح والإتجار فيه، والتجارة في المخدرات، كما التجارة في الجنس، لا تختلف عن إنتاج الدواء والغذاء والإتجار فيهما!! فالمعيار الوحيد هو تحقيق الربح.. هذا من حيث المبدأ، أما من حيث الواقع، فإن تجارة الغذاء والدواء، وكل ما هو مفيد، دخلتها العديد من صور الغش.. فبيع بضائع فاسدة أو أدوية وأغذية منتهية الصلاحية، أمر منتشر بصورةٍ واسعة.. بل أن الرأسمالية، تقف ضد الأدوية الفعالة، في سبيل أن تسوق أدويتها الأقل صلاحية، أو حتى منتهية الصلاحية!!
    ولنقف عند السلاح.. في تقديري أكبر عمل غير أخلاقي، هو إنتاج السلاح والإتجار فيه، وذلك لأن وظيفة السلاح الأساسية هي قتل الإنسان.. والرأسمالية عندما تنتج السلاح، والذخيرة، إنما تنتجهما للاستهلاك، وليس من أجل مجرد الاقتناء.. وهي تريد الاستهلاك الواسع والعاجل، حتى تتحرك مصانعها في الإنتاج، ومن أجل ذلك هي تغري العداوة بين الشعوب، والدول، بشتى الأساليب.. فالسلام خطر على الرأسمالية، لأنه يوقف إنتاج السلاح، ويجعل الشعوب تستغني عن كثير من السلع، التي تروج عند الحرب، ولذلك الرأسمالية هي عدو للسلام، والعكس صحيح: السلام عدو الرأسمالية.. وتتضح الصورة بوضوح عندما نقف على حجم التسلح والعسكرة في العالم.. ونحن هنا نكتفي بعرض الصرف العالمي العام على السلاح لعام 2007.. بالإضافة إلى نماذج من صرف بعض الدول..


    المرجع: ويكيبديا
    وهنالك أهمية خاصة لملكية السلاح الشخصي في الولايات التحدة.. فلقد توفرت عديد الجرائم بين الشباب، وحتى طلاب المدارس، بسبب سهولة امتلاك هذا السلاح.. وقد قامت محاولات عديدة لسن تشريع يمنع ملكية السلاح الشخصي أو يحد منها، ولوقف الجرائم المرتبطة به، وعلى اعتبار أن حماية الأفراد هي من أوليات مسؤولية الدولة.. فواجب الدولة الأول هو أن تؤمن مواطنيها.. وترك الأمر للأفراد يؤمنون أنفسهم بأنفسهم، هو رجوع صريح إلى مجتمع الغابة.. ولكن كل المحاولات لمنع السلاح الشخصي أو الحد منه، فشلت بسبب قوة لوبي السلاح.. وهذا في حد ذاته دليل قوي على فشل النظام الديمقراطي الغربي.
    إليكم الإحصائيات والمرجع الذي إستقيناها منه:
    يصنع مسدس في أمريكا في كل 10 ثوان.
    في كل صباح يحمل مليون أمريكي سلاحهم معهم خلال اليوم، و2 مليون آخرين يحتفظون بسلاح في سياراتهم.
    (12%) فقط من الأسلحة الموجودة في أمريكا مرخصة (88%) من الأسلحة الموجودة لدى الشعب الأمريكي غير مرخصة.
    أكثر من نصف المسدسات التي تصنع في العالم كله، أي ما يزيد عن (50%) من تلك المسدسات تصنع في الولايات المتحدة الأمريكية.
    أمريكا هي الدولة الأولى في العالم من حيث عدد المسدسات والأسلحة الموجودة بين المدنيين، وهي الدولة الأولى في العالم في نسبة السلاح إلى عدد السكان. اليمن هي الدولة الثانية في العالم في تلك الاحصائية!
    يتم إطلاق النار على (75) طفلاً في أمريكا كل يوم، يموت منهم (9) كل يوم، ويتعرض (6) كل يوم إلى إصابات وعاهات مستديمة.
    يتعرض (100) ألف أمريكي كل عام لإطلاق النار عليهم. (12791) هي جرائم قتل، و (16883) حالات انتحار، و (642) حالة إطلاق نار خطأ.
    تزايدات الجرائم في بعض الولايات بدرجة (300%) عندما تم تحجيم حق الأفراد في حمل السلاح، ومنها العاصمة الأمريكية واشنطن، ومدينة نيويورك.
    المرجع: ويكبيديا عربي
    السلاح هو التعبير المجسد عن خوف الإنسان، من أخيه الإنسان، وطمعه فيه.. والرأسمالية لا تمانع في جني الأرباح، حتى لو كان ذلك على حساب أرواح البشر، بل أنها تعمل من أجل ذلك بشدة.. أي حرب تقوم في أي منطقة في العالم، المتسبب فيها عند التحليل النهائي، هو الرأسمالية.. بل أن الرأسمالية، تتاجر في البشر بصورة مباشرة.. هي تتاجر فيهم لاعتبارات عديدة منها: من أجل الأعضاء، تؤخذ من الفقراء للأغنياء.. ومن أجل الجنس، في أبشع صوره، بما في ذلك الجنس الذي يشمل القصر، وحتى الأطفال.. وخدم البيوت، وهم خدم بمعنى الكلمة، ومن أجل العمالة الرخيصة، التي لا تتوفر فيها الشروط الإنسانية.
    القضية بالنسبة للحضارة الغربية ليست وجود أو عدم وجود أخلاق، فأمر انعدام الأخلاق في الحضارة الغربية مفروغ منه.. المهم أن نتصورالمدى الذي وصلت إليه أزمة الأخلاق، ونعمل على توفير قيم أخلاقية لحل مشكلاتنا، كأفراد وكمجتمع، بالصورة التي تجعلنا نعيش حياة سليمة وسعيدة.. وطالما أن هنالك غياباً لمعنى الحياة، وعدم وجود تصور لهدف نهائي لها، لا أمل في حل أزمة الأخلاق الطاحنة.. فالحل لا يتوفر إلا بعد أن يتوفر المعنى للحياة والهدف منها.
    العواطف الإنسانية:
    لقد أدت الطبيعة المادية للحضارة الغربية، والتوجه التملكي، بالإضافة إلى الرأسمالية، وطبيعة المجتمع الآلي، إلى عقم شديد في العواطف الإنسانية.. وأصبحت العلاقات الإنسانية، بصورة عامة، علاقات آلية جافة، تحكمها المنفعة المادية.. وأصبحت العلاقات البشرية علاقات سوق، تحكمها القيم التسويقية.. وحتى شخصية الإنسان، نفسها، أصبحت شخصية تسويقية.. وفي السوق، وفي الحياة المادية عموماً، لا مكان للعواطف.. العلاقة مع الأشياء والأحياء، علاقة خالية من الحياة، التي تضفيها العواطف على العلاقات.. يقول فروم: "في نمط التملك لا توجد علاقة حية بيني وبين ما أملك.. فأنا وما أملك أصبحنا جميعاً أشياء، وأنا أملكها لأن لدي القوة التي تمكنني من جعلها ملكي.. ولكن ثمة علاقة عكسية أيضاً.. فهي أيضاً تملكني لأن إحساسي بهويتي أي إحساسي بصحتي العقلية، يتوقف على ملكيتي لها".. 5 ص 80.. في الواقع الأشياء التي نملكها، هي التي تملكنا، بقدر ظننا أننا نملكها.. فالملكية استعباد، يشعر المالك فيه بحاجته إلى ما يملك، بل اعتماده على ما يملك.. وهي فوق ذلك وهم غليظ.. فمن لا يملك حياته لا يمكن أن يملك غيرها!! ودائماً عقل الإنسان وقلبه، يكونان مع ما يملك.. ولذلك اتجه الدين عموماً، إلى الزهد، وهو ألا نملك شيئا، حتى لا يملكنا شيء، وبذلك تكون عبوديتنا لله.. وقد قال المسيح: "لا تكنزوا لكم كنوزاً على الارض حيث يفسد السوس والصدأ. وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون، لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضاً".. وفي الأسلوب التملكي، تكمن سعادة الشخص في تفوقه على الآخرين، وتعاسته في تفوق الآخرين عليه.. ومن هنا ينظر للآخرين نظرة من يشكلون خطراً عليه.. يقول فروم: "إذا كان هدفي هو التملك فإنني أكون أكبر بقدر ما تزيد ملكيتي، ويجب أن أشعر بأنني خصم للآخرين جميعاً، لزبائني الذين أريد أن أخدعهم، ولمنافسي الذين أريد أن أقضي عليهم، ولعمالي الذين أريد أن استغلهم، وأنني لا يمكن أن أشبع لأنه لا حد لرغباتي، وأنني لا بد من أن أحسد من يملك أكثر مما أملك، وأخاف ممن يملك أقل.. ولكن علي أن أكبت كل هذه المشاعر، لكي أقدم نفسي (للآخرين كما لنفسي) كشخص مبتسم ودود، مخلص وعقلاني كما يتظاهر الجميع" 5 ص 25.. وعلى ذلك يتعامل صاحب التوجه التملكي مع الآخرين كخطر.. ومن أجل تفادي الوقوع في هذه المثالب، يعظم الصوفية (الفقر) وهو يعني عدم التملك:
    دخلوا فقراء على الدنيا
    وكما دخلوا منها خرجوا
    يقول فروم في هذا الصدد: "ولا يمكن أن ينمو نمط الكينونة إلا بقدر ما يتقلص نمط التملك الذي هو نمط اللاكينونة، أي بقدر ما نكف عن تلمس أمننا وهويتنا في التعلق بما نملك، والتعود عليه، والتشبث بذواتنا وممتلكاتنا ومقتنياتنا.. إن الأمر يتطلب نبذ الأنانية وحب الذات ، أو - بتعبير غالبا ما يستخدمه الصوفيون - أن يجعل الإنسان نفسه درويشا فقيرا خاليا" 5 ص 93.
    يقول فروم عن الشخصية التسويقية: "في القرن السادس عشر كانت قد ظهرت وأخذت في النمو الشخصية الادخارية المتسلطة، وظلت هذه الشخصية الاجتماعية هي السائدة في الطبقة المتوسطة على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر.. وعندئذ أخذت تندمج معها، وتحل محلها تدريجيا الشخصية التسويقية.. وقد سميت هذه الظاهرة الشخصية التسويقية لأنها تقوم على ممارسة الشخص لذاته كسلعة، ولقيمته »كقيمة تبادلية « لا »كقيمة انتفاعية«، حيث أصبح الكائن البشري سلعة في »سوق الشخصيات «ولا تختلف معايير التقييم في سوق الشخصيات عن نظيرتها في سوق السلع.. في واحدة تعرض السلع للبيع، وفي الأخرى تعرض الشخصيات.. وفي الحالين قيمة المعروض هي قيمته التبادلية، حيث القيمة الانتفاعية الاستعمالية شرط لازم ولكن ليس كافيا" 5 ص 36.. وفي تحليله للشخصية التسويقية، يقول فروم: "صاحب الشخصية التسويقية لا يحب ولا يكره.. فهذه المشاعر التي عفا عليها الزمن لا تناسب بنية شخصية تقوم بكل وظائفها تقريبا على المستوى العقلي، وتتجنب الانفعالات الوجدانية، بخيرها وشرها، لكيلا تتعثر المهمة الأساسية للشخصية التسويقية، ألا وهي البيع والمبادلة.. أو بتعبير أدق فهي تقوم بمهمتها وفقاً لما عليه قواعد الآلة المهولة التي هي جزء منها، دون إثارة أي أسئلة باستثناء محاولة التأكد من أداء الوظيفة على نحو مرض، كما يدل على ذلك مدى صعودهم في السلم البيروقراطي" 5 ص 158.. الشخصية التسويقية علاقتها واهية بنفسها وبالآخرين.. وعن السؤال: لماذا نجد الكائنات البشرية المعاصرة مغرمة بالشراء والإستهلاك، ثم لا تربطها بالأشياء التي تشتريها إلا رابطة ضعيفة واهية؟ يجيب فروم: "إن افتقار الشخصية التسويقية للارتباطات الحميمة ينسحب أيضاً على الأشياء" 5 ص 159.. ويرى فروم أن بعض الممارسات الجنسية في الغرب، هي تعبير عن الهروب من الحب، فيقول: "إن دعاة بعض الأشكال المعاصرة للحياة الجماعية، مثل زواج المجموعات، والجنس الجماعي، وتبادل الرفقة، إنما يحاولون حسب ما أرى، مجرد الهروب من مواجهة معضلة الحب، وعلاج ما يعانون من ملل، بابتداع مزيد من المنشطات، والرغبة في الحصول على مزيد من المحبين، للتغطية على العجز عن تحقيق حب حقيقي واحد" 5 ص 68.. ويرى فروم أنه في وقتنا الحاضر "الانفصال بين العقل والقلب يكاد يكون كاملاً" 5 ص 160.. واستخدام العقل عند الشخصية التسويقية يقوم على الذكاء التحايلي!! يقول فروم: "إن هدف الشخصية التسويقية، ألا وهو »أداء الوظيفة على الوجه الأكمل« في الظروف المفروضة، تجعل تجاوبها مع العالم تجاوبا عقليا أساسا، بعيدا عن الوجدان والعاطفة والعقل، بمعنى الفهم، صفة قاصرة على النوع الإنساني.. أما الذكاء التحايلي كوسيلة لتحقيق أغراض عملية فهو صفة يشترك فيها الإنسان مع سائر الحيوانات.. والذكاء التحايلي، بلا تعقل، يمكن أن يكون خطرا، حيث يمكن - من زاوية رؤية عقلية - أن يدفع الناس في اتجاهات تؤدي إلى الدمار الذاتي.. والحق أنه بقدر تعاظم الذكاء غير المحكوم تتعاظم مخاطره" 5 ص 159.. العقل الذي يقوم على الذكاء التحايلي، هو ما يسميه الأستاذ محمود (عقل المعاش).
    كل ما تحدثنا عنه أعلاه، يمثل قيم وتوجهات دين الحضارة الغربية.. وهو دين أرضي، علاقته بالسماء واهية.. وقد قال عنه فروم: "وخلف الواجهة المسيحية نشأ دين سري جديد، (الدين الصناعي)، جذوره مغروسة في بنية الشخصية في المجتمع الحديث، وإن يكن غير معترف به (كدين).. والدين الصناعي متعارض مع المسيحية الحقيقية، إذ ينحدر بالإنسان إلى خادم للاقتصاد وللآلة التي صنعها بيديه" 5 ص 156.. وتارة يسمي فروم هذا الدين ب (الديانة السيبرناطيقية).. يقول: "تنسجم الديانة السيبرناطيقية للشخصية التسويقية مع البنية الكلية لتلك الشخصية. فخلف الواجهة اللاادرية أو الواجهة المسيحية، توجد ديانة وثنية كاملة، وإن كان الناس غير واعين لذلك. ومن الصعب وصف هذه الديانة، حيث لا يمكن أن نستدل عليها إلا بما يفعل الناس، (أو بما لا يفعلون)، وليس من أفكارهم الواعية عن الدين أو عن المعتقدات المميزة للمؤسسة الدينية" 5 ص 163.. ويقول: "إن الإنسان جعل من نفسه إلهاً حين أصبح في حوزته المقدرة التكنولوجية على (إعادة خلق) العالم مرة ثانية لتحل محل الخليقة الأولى التي خلقها الله. وثمة صياغة أخرى: لقد جعلنا من الآلة إلهاً، وجعلنا من أنفسنا أشباه آلهة لأننا في خدمة الآلات.. على كل حال ليس المهم الصيغة التي نختار، وإنما المهم هو أن الكائنات البشرية إذ تصل إلى أقصى حالات العقم والعجز الحقيقي، تتصور أنها وصلت إلى القدرة المطلقة بفضل صلتها بالعلم والتكنيك.. وكلما زاد احتباسنا في عزلتنا وفي عجزنا عن التجاوب العاطفي مع العالم، زادت – في الوقت نفسه – نُذر كارثة ختامية لا يمكن تجنبها، وأصبحت الديانة الجديدة أكثر خبثاً وأشد إهلاكاً.. فنحن نكف عن كوننا سادة للتكنيك ونصبح، على العكس، عبيداً له" 5 ص 163.

    24/9





























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de