لقد تعودنا، نحن الجمهوريون، ليس فقط على اختلاف الأفكار، وإنما تعودنا على الشطط والغلو في المعاداة من مخالفينا الرأي، معاداة فاجرة في الخصومة ولا تهتم بمنطق ولا أخلاق، وعنيفة كما وكيفا، وليس أكثر من اغتيال الأستاذ محمود فقط لأفكاره، وحرق كتبه، واستتابة أتباعه بالقوة وعلى شاشات التلفزيون..
أكثر من ذلك تكيفنا على منع أفكارنا من التداول، ومنع كتبنا كتلاميذ من النشر داخل السودان، ومن دخول المنشور منها خارج السودان لداخله.. ثم أكثر غلوا من ذلك، تدريس مادة إجبارية تصف الجمهوريين بالفرقة الضالة وتصف الأستاذ محمود بالخارج من الدين والملة وهذه المادة إجبارية لكل طلاب الجامعات وكل الكليات—طب، هندسة، علوم، زراعة، اقتصاد، قانون،... سم ما شئت وبلا استثناء-- في كل أنحاء السودان، سواء جامعة خاصة أو عامة أو معهد أو كلية –اسمها "مطلوبات جامعة".. يعني لا يوجد شاب أو شابة درس باي كلية أو جامعة إلا وقد درس هذه المادة.. وأنا أعرف هذا جيدا لأنني كنت أدرس بكلية التربية جامعة الخرطوم لعشر سنوات بعد الدكتوراه (١٩٨٨-١٩٩٨) وكنت رئيس قسم فيها لأربع سنوات وأعرف مطلوبات الجامعة وما تعنيه.. هذا القمع الفكري والذي تمثل أبلغ تمثيل في هذه المادة سيسجله التاريخ "بالتوثيق" وصمة عار لا أرى لها، فيما هو منظور، وسيلة لمحوها، أو التنصل عنها..
هذا، بينما الفكرة الجمهورية تتمدد وتتوسع في الجامعات والمكتبات العالمية والعربية وتتم ترجمتها لعديد اللغات في العالم ولا توجد جامعة أو كلية تهتم بالأديان أو الفلسفات، تخلو من كتب الأستاذ محمود محمد طه أو تدريسها.. وشخصيا دعيت كمتحدث في واحدة من كليات الأديان (كلية كارلتون بمدينة مينابولس بولاية مينيسوتا) وفوجئت بأن المادة الدراسية كانت مباشرة كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" المترجم طبعا، كنموذج.. وكانت معي نسخ بالعربية فتلهف الطلاب عليها باحترام وحالة اقرب إلى التقديس.. والآن تم خلال الشهور الماضية توقيع عقود مبدئية مع منتج من هوليوود لإنتاج فيلم عن الأستاذ محمود محمد طه..
وهكذا توسعت البحوث عن أفكار الأستاذ محمود، في الجامعات، ودور البحث الغربية منها والشرقية، وكتبت العشرات من رسائل الدكتوراه والماجستير، وصدرت المئات من المؤلفات والكتب والترجمات عبر المكتبات العالمية.. وصار لا يكاد يمر يوم لا يرد فيه اسمه، أو سيرته، على عديد الصحف، والمنابر الإلكترونية.. وموقع الفكرة، يحوي كل مؤلفاته، وتاريخ حركته، ويعرض تفاصيل التراث المسموع والمقروء، والمسجل خلال مسيرة الأستاذ محمود..
وهكذا، تأمل ذلك القمع والمنع والقتل والمضايقة الممنهجة والذي واجهه ويواجهه الأستاذ محمود وتلاميذه الجمهوريون من أهلهم وبلدهم عبر ثلاثين عاما، قد جعله الله حسن استماع واستحسانا وتقديرا متزايدا من شعوب بعيدة.. فالأفكار لا تموت، خاصة تلك التي كتبت بشحنات الأنوار العالية.. الإسلام الذي يعتنقه الملايين من الأجيال المتلاحقة قد بدأ بنبي وامرأة وصبي في قرية صغيرة وسط الصحراء.. وأي من الطرق الصوفية التي تتمدد عبر الأجيال وتنتشر في البلاد إنما هي عادة أصداء حياة فرد واحد حقق الكمالات فأصبح منارة هدى ومصدر إشعاع.. والمسيحية التي تملأ الأرض الآن لم تنتشر وتنتصر، إلا بعد نحو ثلاثمائة سنة من الاضطهاد والتعذيب والقتل لأتباعه عقب حادثة صلب المسيح وتشتت تلاميذه..
العنوان
الكاتب
Date
القمع والتحريم والمضايقة الممنهجة لتلاميذ الاستاذ محمود محمد طه خلال ثلاثين عاما بقلم د. مصطفى الجي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة