يقال إن الجنرال عبد الفتاح البرهاني رئيس ما يسمى بالمجلس العسكري الانتقالي في السودان من جنرالات المخلوع عمر البشير الذين نفذوا مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور، وساعد هو شخصيا في تكوين وتجميع مليشيات الجنجويد تحت مسمى "الدعم السريع" بقيادة محمد دقلو المعروف بــ"حميرتي" الذي كان سارقا وتاجرا للحمير بين نيالا والفاشر -يسرق حمارا هنا ويبيعه هناك ويسرقه هناك ويبيعه هنا. لكن ما يهمني كثيرا هنا هو ليس الملف الإجرامي والإبادي لهذا الجنرال باعتبار أن كل جنرالات الجيش السوداني مجرمين وقتلة، لأن كل حروبهم منذ تأسيس هذا الجيش الوطني المزعوم، كانت وما زالت ضد الشعوب السودانية، بل ما يهمني هنا هو ما جاء في بيان هذا الجنرال الذي تلاه في إذاعة أم درمان مساء السبت 13 أبريل 2019م وخاصة الفقرة التي دعا فيها الحركات الحاملة للسلاح للالتحاق بالوطن والتحاور معه حول مستقبل السودان. الحوار من حيث المبدأ غير مرفوض من قبل حملة السلاح لأهميته وبغرض التوصل لتفاهمات ونقاط مشتركة. لكن لأي حوار أديباته التي لابد من احترامها كي يفضي إلى ما يراد منه. الدعوة التي أطلقها الجنرال البرهاني للحركات المسلحة للتحاور معه تفتقر الى أدبيات الحوار الحقيقي الذي يتجه أصلاً إلى تفكيك واقع سيء يضغط على الأطراف المعنية، يستهدف معالجة مشكلة سياسية كبيرة بحجم بلد كالسودان. جاءت دعوة الجنرال إذن ليس لاختصار المسافات ونقل الآراء والأطروحات والأفكار والاتجاهات، بل أتت لإثبات "ألأنا" وتفوق الذات على الحركات المسلحة من خلال الحديث عن الوطن وما أدراك ما الوطن، وكأن عضوية تلك الحركات المسلحة لم تشارك في انتفاضة ديسمبر 2018 التي أطاحت بالجنرال الراقص لكن بقي نظامه المتمثل في جنرالاته وقضاءه وسفراءه وقوانينه وولخ. عضوية الحركات السودانية المسلحة شاركت وبكثافة في الانتفاضة الشعبية بتوجيه من قادتها، وهي إذن جزء أصيل بل حاسم فيها، وكان يتطلب وبالضرورة لو افترضنا حسن النية أن يخاطب الجنرال البرهاني قبل بيانه التلفزيوني، الحركات المسلحة ويستفسرها آراءها وأفكارها وأقوالها وقناعاتها. لكن أما وقد خاطب الحركات المسلحة دون لقاءه بها، فهذا يعني أن الجنرال لا يسعى إلى عملية الحوار في مضمونها وأشكالها وتوسيع المساحات المشتركة وضبط النزعات الاستئصالية والإلغائية، والعمل على بلورة الأهداف والتطلعات المشتركة، بل يسعى إلى المماحكات والسجالات العقيمة التي لا توفر مناخا نفسيا وسياسيا للتحاور والتفاوض. على ماذا ستتحاور الحركات المسلحة مع الجنرال البرهاني ومن شروط الحوار أن يحدد الموضوعات مسبقاً بين المتحاورين لكي يسهل التركيز في الطرح للوصول إلى النتيجة الإيجابية ومن أجل أن يكون الحوار موضوعيا ومحققا للهدف، وهو الشيء الذي لم يتحقق -أي تحديد موضوعات الحوار؟ وهل الجنرال عبد الفتاح البرهاني ومجلسه مستعدان لمناقشة ما تطالب به مثلا الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال من علمانية الدولة وإلغاء الشريعة الإسلامية ومسألة الهوية وغيرها وإلآ فإنها ستطالب (بحق تقرير المصير) للمنطقتين -جبال النوبة والنيل الأزرق؟ الحركات المسلحة السودانية وسيما الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، نادت منذ زمن طويل بالهيكلة الكاملة للدولة السودانية -جيش، شرطة، تعليم، صحة، ولخ. وبالتغيير الذي قصدت به حالات التحول الاجتماعية التي يخوضها المجتمع بعمومه للانتقال إلى أوضاع أفضل تمكنه من الانطلاق إلى المستقبل. كما قصدت بالتغيير الذي طالبته، حالات التحول التي يخرج منها المجتمع السوداني بأفراده ومؤسساته وهيئاته أكثر إيجابية وفاعلية وقوة وقدرة على إدارة شئونه، ومحاسبة قيادته ومعاقبتها، وعلى التصدي لمحاولات كبته أو قهره واستبداده. ما حدث في صبيحة الخميس 11 أبريل 2019، لم يكن التغيير الذي نادت به الحركات المسلحة، إنما حالة من حالات التحول التي تم فيها استبدال قلة كانت مسيطرة متحكمة بقلة أخرى دون المشاركة الإيجابية والفعالة من قبل وحدات المجتمع المختلفة، وعلى ضوء هذا نستطيع القول إن الجنرال عبد الفتاح البرهاني امتداد للسودان القديم ولنظام المخلوع عمر البشير، وإلآ كيف يمكن تبرير ترقية تاجر الحمير محمد حمدان دلقان (حميرتي) قائد مليشيات الجنجويد "الدعم السريع" إلى فريق أول وتعيينه نائبا لرئيس المجلس العسكري الحاكم الجنرال البرهاني رجل دولة الأمارات المتحدة في السودان؟ إذا كان الجنرال برهان صادقا في دعوته، فإن الحوار قيمة ومبدأ وممارسة، والحركات المسلحة لم ترفضه. لكن كان عليه أن يكون محترما ومؤدبا، ويخاطب تلك الحركات بأسمائها -الحركة الشعبية لتحرير السودان باسمها -حركة جيش تحرير السودان باسمها -والحركات الأخرى بأسمائها. أما وقد خاطبها الجنرال بالقول (ندعو الحركات المسلحة للحوار) هكذا دون ذكر أسمائها، فإن في هذا عدم احترام وتقدير لهذه الحركات، الشيء الذي يفقد أي حوار حيويته ويحوله في حال وجوده إلى مماحكات وسجالات تشحن النفوس وتزيد من الحواجز والموانع وتحول دون التفاهم المتبادل. نعم، الحوار من حيث المبدأ كما قلت غير مرفوض من قبل الحركات المسلحة، لكن طالما وعد الجنرال برهان السودانيين في بيانه التلفزيوني بإعادة هيكلة كل مؤسسات الدولة، وتفكيك كل الواجهات الحكومية المبنية على المحصصات، فعليه إذن أن يفي بما وعد به، ومن ثم يمكن للحركات المسلحة أن تنظر في دعوة الحوار التي أطلقها. ولطالما يتحدث البرهاني عن هيكلة مؤسسات الدولة وتفكيك الواجهات الحكومية القائمة على المحصصات، فليبدأ بتفكيك مجلسه أولاً من جنرالات نظام الجبهة الإسلامية والإسلاميين ومن قادة المليشيات والجنجويد ونتحدث هنا عن محمد حمدان دلقان المعروف بــ (حميرتي) نسبة لتجارته بالحمير والذي تم ترقيته إلى فريق أول وتعيينه نائبا لرئيس المجلس الانتقالي المزعوم.
العنوان
الكاتب
Date
دعوة الجنرال البرهاني الحركات المسلحة للتحاور معه -امتداد للعقلية الاستعلائية وتسقط ثالث.. بقلم عبد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة