** حكى لي صديق أن خطيب الجمعة الماضية قال ناصحاً قيادة هذه البلاد التي أصبحت أوجاعها لا تلوي على شيء وبكل رفقٍ وحنان أن ينظروا بعين (الرأفة) إلى الفقراء ، وكأنهُ (يُطبطِب) على أكتافهم المُثقلة بأوزارهم في حق البلاد والعِباد ، ما هذا اللُطف وما هذه (الحِنيه) يا إماماً وقف بين يدي الله في منبرٍ هو لله والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، أما الأنكى من ذلك فقد نصح هذ الإمام (الما نصيح) من أسماهم بالنازحين من مناطق الإنتاج بالعودة إلى قراهم المحروقة وآمالهم المذبوحة على أهازيج الحرب والفقر وإنعدام أبسط مقومات الحياة ، ثم ختم خطبته بنصح أصحاب الأموال والأثرياء بالتصدق على الفقراء وخصوصاً اليتامى ، ألا يعلم هذا المتعامي أن كل أهل السودان أصبحوا أشبه باليتامى ، وحين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (أنا وكافل اليتيم كاهتين) لم يكن يقصد بصفة اليتم فقدان الأب بمنظوره الجسدي والروحي بقدر ما كان يقصد ما يترتب على حال غياب الأب من تدهور إقتصادي وحاجة وفقر وهذا هو حال أهل السودان جميعاً ، حتى أولئك الأطفال الذين ما زالوا يتمتعَّون بوجود آباء عاجزين ومكتوفي أيدي أمام أبسط متطلبات الحياة ، المهم المحصِّلة النهائية لتلك الخُطبة المعتوهة أن العاصمة الخرطوم يجب أن ينزح منها جميع المتضرِّرون من الوضع الإقتصادي الحالي إلى مقاصِل حتفهم المحتوم (لينتجوا) ولا يبقى فيها غير الحُكام والمنتمين إلى كراسي السلطة والنفوذ وزمرة الأثرياء (الذين في ذلك الوقت لن يجدون فيها من يتصدقون عليه أو من يكفلون) .. اللهم لا إعتراض على أمرك. ** شرُ البلية ما يُضحك وما يقوله السيد / مبارك الفاضل وزير الإستثمار الحالي ، هذا الرجل الذي أثبت بلا شك أنه رجل (اللحظة) والمصلحة الراهنة ولم ينازعه في ذلك منازع ، آخر تصريحاته الكوميدية (أذرع خفية تنُسِّق من الداخل والخارج لإحداث إضرابات إقتصادية في البلاد) ، بإختصار يا مبارك إذا كنت تتحدَّث عن الأزمة الإقتصادية بفهومها (الشارعي) وما يُعانيه البسطاء من شظف في العيش وإستلاب الصحة وعجزهم عن الحصول على الدواء والتعليم ، فأنت غير قادر على تلُمس هذا لأنك لست من البسطاء ولم تكن يوماً منهم ولن تكون ، ولا أقول هذا لأني أقيِّم إحساس الناس ببعضهم البعض بما يملكون أو حسب إنتماءاتهم الطبقية ، فهناك كثير من الموسرين كانوا على الدوام هم الأكثر إحساساً بمواجع من حولهم ولكني أقول ذلك لأنك غير قادر على رؤية من حولك بإفراطك في النظر إلى ذاتك وإدمانك التأمل في تطلعاتها وآمالها التي لا تنقطع ، وبإختصار أيضاً أقول لك أن المشكلة الإقتصادية في السودان ليست مشكلة إنتاج ولا تخطيط ولا (إستقصاد) داخلي ولا خارجي ، إنها مشكلة منظومة سياسية لا أقول فشلت في إدارة الإقتصاد بقدر ما أشير إلى نشرها سياسة آحادية الرأي والإستحواذية بالتعالي وإقصاء الآخر ، من قال أن كل ما حدث من إنهيار كان سيحدث لو لم تظلِّل الدولة بجناحيها مستنقعات الفساد المالي والإداري ، وتحمي بنفوذها المحسوبية والإنتقائية السياسية في تولي الوظائف والمناصب عبر سياسية التمكين المقيتة ، والتي بدورها شتَّت وشرَّدت أمهر وأعظم كوادر البلاد مهنيةً وكفاءة وأمانة ، وسياسة التمكين نفسها أتت باضعاف النفوس وفاقدي الأهلية والخبرة والإختصاص المهني ليسهموا في هوجة الشعارات الإسلامية الكاذبة بجِد وإجتهاد في سرقة وإختلاس المال العام وتدمير مؤسساتنا الإقتصادية الوطنية التي لطالما وقف على أكتافها الإقتصاد السوداني ، أسأل يا مولانا عن مشروع الجزيرة وشركة الصمغ العربي وشركة الأقطان وسودانير والبحرية السودانية ومحالج مارنجان والنقل النهري والنقل الميكانيكي .. وهلم جرا .. أذرع خفية قال.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة