*مما تعلمناه زمان أن الفلسفة وليدة الدهشة.. *ومما تعلمناه الآن أن بلادنا وليدة العادة... والتعود... والاعتياد.. *ولولا كتشنر لظل السودان - أعواماً عديدة - على ما كان عليه أيام الخليفة.. *لظل على ما اعتاد عليه الناس من بدائية الحياة...وبؤسها.. *ولظل الناس على اعتقادهم بأن فكتوريا فرَّطت في يونس الدكيم.. *وبأن من يحكم السودان لابد أن يتلقى الوحي في ضريح الإمام.. *وبأن من يأكل في الظلام سيصفعه شيطان (يعوج) فمه.. *ولما كانت هنالك كلية غوردون...ولا دار بريد...ولا قصر رئاسة.. *ولا أي مبانٍ حكومية - على الطراز الحديث - بشارع النيل.. *ولا خطوط سكك حديد...ولا ملاحة بحرية...ولا بواخر نيلية.. *وفارقت بلادنا محطة الرتابة والكآبة والـ (لا دهشة) طوال فترة حكم الإنجليز.. *ثم عدنا إلى هذه المحطة فور ذهابهم إلى المحطة.. *إلى محطة القطار تشيعهم صيحات (يا غريب يلّا لبلدك...سوق معاك ولدك).. *وساقوا معهم أولادهم...أدوات الدهشة الحضارية...إلى بلدهم.. *وبقيت لنا بلدنا بلا دهشة...ولا حضارة...ولا نظافة...ولا طوح...ولا (فعل).. *أو بقيت كذلك إلى حين بفعل (قوة الدفع الذاتي) القديمة.. *ثم تعطل كل شيء...إلا الذي يقود إلى كراسي السلطة بأي ثمن.. *ولو كان هذا الثمن هو رؤوس...وعظام...ودماء...بعضنا البعض.. *وصارت الدهشة الوحيدة هي مارشات الفجر العسكرية.. *وما بين مارشات وأخرى هدوء...ورتابة...وملل...وتكرار لشعارات جوفاء.. *ونشرات أخبار يعرف الناس تفاصيلها...وتفاصيل تفاصيلها.. *وخطب سياسية لست في حاجة إلى سماعها...لأنك سمعتها قبل أعوام.. *أو بطول سنوات النظام القائم؛ بكل وعودها...ووعيدها.. *وتقفز الدول من محطة إلى أخرى...ونحن محلك سر في محطة قطار الإنجليز.. *بل نستقل منها قطار الزمن لنعود إلى أيام حكم الخليفة.. *أيام انحصار كل الهم - والهمم - في كيفية الحفاظ على السلطة بأي ثمن.. *ثم لا (يهم) إن كنا نسير للأمام...أو الخلف...أو نقف في مكاننا.. *بل يمكن للزمن ذاته أن يتوقف...كما توقفت ساعتنا الآن (17) في محطة البكور.. *فلا أهمية للزمن عندنا...تماماً كما فعل حزب البعث البارحة.. *فعدا أنه نفسه حزب ينتمي لحزب عربي منقرض فهو ما زال يردد كلاماً منقرضاً.. *يقول كلاماً سمعناه منذ (27) عاماً...ثم يردد فيه إلى يومنا هذا.. *وفحواه أنه لن يشارك في أي حوار مع النظام القائم إلا بعد وقع الدهشة.. *أي بعد ذهاب النظام بفعل (مدهش)...علمه عند الله وحده.. *ثم نظل هو...ونحن...والشيوعي...والمهدي...والتاريخ...في انتظار هذه الدهشة.. *ولا أدري لم مُنحت عقولنا جواز سفر فلسفي لعوالم الدهشة.. *فهو يصلح لكل الأقطار (عدا السودان !!!).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة