مقالات دكتور النور حمد عن ما اسماه "العقل الرعوي" وأثره في حياة السودان الشمالي كثيرة وحججها وبراهينها جمة للمتدبرغير المنحاز لهذه الفكرة أو تلك. وجهة نظره التي ارتكزت عليها مقالاته هي أن الرعاة وقلبيلهم لا يعترفون بالآخر الا في حدود مصلحتهم الوقتية. مثل هذا الفهم النفعي المحدود يسير في خط موازٍ تماما للعمران الحضري الذي يفترض في حده الأدني المساواة بين جميع أفراده. المتأمل لعلاقات قبائل السودان بعضها ببعض أو علاقة أولى الأمر في الخرطوم ببقية المواطنين تحت سلطتهم لوصل لنفس النتيجة التي أكدتها ووضّحتها مقالات الدكتور النور حمد.
الأستاذ محمد وقيع الله حمل علي دكتور النور من جهتين. الأولى أن الكاتب لم يهتم باعتراض كاتب اخر هو الدكتور عبد الله علي ابراهيم على اصطلاح "العقل الرعوي" كفكرة ملموسة وفاعلة سلبا على النحو الذي صوّره دكتور النور في مقالاته. نعم هذا اعتراض أو مداخلة من عالم مرموق مثل الدكتور عبد الله علي ابراهيم. السؤال إذن ما رأي الأستاذ الناقد محمد وقيع الله في معضل "العقل الرعوي"؟ إيراد رأي شخص آخر وإن عظم مصدره لا يُغني عن المشاركة برأيك في تقديمك ونقدك لرأي الآخرين.
ركّز الأستاذ محمد وقيع الله في مقاله الأخير على كرم الأعراب الرحّل وأورد من الشعر ما يثبت ذلك الكرم المفرط. وطلب من الدكتور النور حمد تمجيد مثل هذا الكرم لا الذم والأستخفاف بفاعليه. أمر الكرم واتصاف الرحّل به – في نظري – لا يقوم دليلا على مقدرة الرعاة في تسيير أمر الحكم. أن كان كذلك لما عابهم عالم علم الأجتماع الأول ابن خلدون حين رماهم بذنب تحطيم العمران في شمال افريقيا والفوضي التي لازمت دخولهم تلك الجهة.
أبيات الكرم التي أوردها الأستاذ محمد وقيع الله لمناصرة العرب الرحّل لها مثيلاتها عن الشح والبخل : أنظر قول الأخطل يهجو رهط الشاعر جرير:-
قوم اذا استنبح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم بولي على النار
فتمنع البول بخلا أن تجود به ولا تبول لهم الا بمقدار
وذلك في قصيدته :
ما زال فينا رباط الخيل معلمةِ وفي كليب رباط الذل والعار.
ثم أنظر أخي الأستاذ محمد لمعني هذا المثل المتوارد عند قبيل كاتب هذه السطور وهي قبيلة لا زال بعض فروعها تمارس رعي اللإبل والأغنام:
"أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الآخر".
العلّة الثانية التي بها رمى محمد وقيع الله دكتور النور هي أن الأخير جمهوري والجمهوريون في نظر محمد وقيع الله صنف واحد بعقل واحد متقوقع في الذات لا يرى سبيلا أو فكرا غير ما يعتقد ويتمنّى. بمعنى اخر أن الكاتب دكتور النور حين يفكر ويكتب لا يعبر عن رأيه هو ولا يرسم فكره هو وانما هو آلة أو بوق لجماعة الجمهوريين "المنمطة عقولهم بشكل حاد، والمستنسخة من عقل واحد، بأنها تخضع في النهاية، بصورة جماعية، لسلطة هذا العقل الواحد ولأبويته" كما ورد في نقد الأستاذ محمد وقيع الله.
الذي لم يدركه الأستاذ محمد وقيع الله أو أدركه ثم أهمله هو أنه باتهامه لدكتور النور – وهو اتهام في غير موضعه - أنه ببغاء يردد فكر مجموعته الجمهورية بلا تفكّر أو عِلم أنما يؤكد مقولة دكتور النور عن "العقل الرعوي" لا ينفيها. فدكتور النور على رأي ناقده الأستاذ محمد وقيع الله فرد في مجموعة منكفئة على نفسها ولا وجود للغير في فكرها وسلوكها العام. أن صحّ أن دكتور النور – وهو سوداني شمالي - لا يكتب الا ما أملته عليه مجموعته الجمهورية فعقله اذن عقل رعوي لا محالة ينطبق عليه كل الأوصاف التي حملتها وفسّرتها مقالاته عن "العقل الرعوي" في السودان.
ثم أن دكتور النور حمد لم يذكر في مقاله المذكور شيئا البتة عن إنتمائه لأي حزب ولم يسترشد برأي من أراء ألأستاذ الراحل محمود محمد طه فيما صنف ونشر وليس واضحا من مقالاته عن مشكل "العقل الرعوي" في السودان أن الجمهوريين سيفيدون سياسيا أو فكريا مما كتب وأوضح.
الملاحظة الأخيرة أن الأستاذ محمد وقيع الله تنسّم أعوجاج بعض تعابير الدكتور النور أواختياره بعض الكلمات أو تهجيتة غير الصحيحة لها, فعل محمد وقيع الله ذلك وكأنه يريد اثبات ملكته اللّغوية والعلمية وتفوقه فصاحةً على دكتور النور. الأسلوب المتبع عند العلماء في مثل هذه الأخطاء أن يلفتوا نظر المؤلف لها باسلوب مهذب يدعو لمراجعة ما كتب قبل اصدار أيٍ مؤلف يتضمن المقال المذكور
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة