والمجتمع السوداني رغم الاختلافات الثقافية والسياسية والدينية والإجتماعية فهو مجتمع متسامح غير طائفى إذ لاتترتب علي أى من هذه الاختلافات حقوق سياسية لطرف ما فالتقسيمات الموجودة في بلد مثل لبنان ترتبت عليها حقوق سياسية نص عليها الدستور فأصبح لكل طائفة حقوق سياسية محددة كأن يكون رئيس الجمهورية مارونى ورئيس مجلس النيابى شيعى ورئيس الوزراء سنى وهكذا ، وهذه لاتوجد في السودان كما أن النظام الاجتماعى الطائفي الموجود في الهند نظام جامد لايستطيع فيه الفرد الانتقال من طائفة الى أخري ،ولكنة رغم ذلك لاتترتب عليه حقوق سياسية ، ومن الممكن أن يكون الرئيس من الذين ينتمون الى هذه الطائفة " المنبوذين " وهي أدني طائفة في التقسيم الاجتماعي الطائفي في الهند . فلأنصار والختمية لاينطبق عليهما مصطلح " طائفة" بالمعني الذي يعرفه علم الاجتماع ، ذلك لان المجتمع السوداني غير طائفى . يقول ريتشارد هل : " الانصاري ليس لديه شعور بالإنتماء الى طريقة دينية " مع انعدام أى إشارة بأنه أكثر تديناً من الآخرين من جيرانه فهو ينضم اليهم في الاحتفالات التى تقام بمناسبة مولد الرسول ( صلي الله علية وسلم ) وبين " المهدويين" وغير " المهدويين" لايوجد انفصال ديني أو اجتماعي كماهو الحال في الباكستان والهند بين الطائفتين .(7) ويقول الدكتور عثمان سيد أحمد :" لاشك ان القاعدة التى ترتكز عليها كل من الجماعتين " الختمية والأنصار" هي الدين ، أو لنقل فهم من ينتمون اليهم ، للدين والتقرب الى الله ، لكن ليس من السهل علينا ان نطلق علي أي منهما كلمة طائفة رغم سريان هذه الكلمة بين الناس عندما يتحدثون عنهما.(8) وهو يري أن الختمية طريقة صوفية أما "المهدية" ( أى الأنصار ) فلعلها أقرب الى الطائفة منها الى الطريقة الصوفية . (9) لكن من المعلوم أن الانصار حركة شاملة لا تشبه الطرق كما ان طبيعتها الثورية التى تأسست عليها تبعد عنها صفة الجمود أو الانغلاق . فإذن نستطيع القول انه لايوجد مبرر لاطلاق كلمة " طائفية "علي الجماعتين ( الانصار والختمية ) اللهم إلابقصد " الذم " لتلك لمؤسسات التقليدية ومحاربتها ، وهو أمر لم يخفه خصومهما السياسيين عندما تنافسوا معهما في حلبة السياسة . يقول محمد عمر بشير :" كانت دولتا الحكم الثنائي تنظران إلى المؤتمر أى مؤتمر الخريجيين بإعتباره أداة يمكن استخدامها عند الضرورة لكبح جماح " الطائفية" بصفة عامة و طائفة " المهدية " بصفة خاصة . والواقع ان الخطاب السياسي للتنظيمات السياسية الحديثة التى يقف وراءها المتعلمون يعتمد كثيراً علي أسلوب " الذم" والكيد في صراعها مع المنافسين ، وهو أمر أضر كثيراً بالعلاقات السياسية والحياة السياسية بصفة عامة ورغم انصرام عقود من الزمن علي التجربة السياسية في السودان فإن الفكر السياسي لم يتجاوز هذه اللغة والممارسات ، مما جعل هذا الفكر يدور في حلقة مفرغة حتي اليوم ولم يستطع ذلك الأسلوب ان يغير من الواقع المعاش شيئاً يذكر . أن استمرار المفاهيم السياسية والمصطلحات التى صاحبت بداية التجربة السياسية في السودان أو فرضتها ظروف سياسية معينة لتعطي إيحاءات خاطئة وغير صحيحة تحتاج لمراجعة شأن كثير من السلبيات التى صاحبت التجربة السياسية خلال العقود المنصرمة ، فمن شأن تصحيح المفاهيم ان يقود الى علاقات جديدة بين الجماعات والتنظيمات وحتى الأفراد ، ومن أمثلة ذلك: القول بأن كل ماهو تقليدي متخلف ، وأن الديمقراطية لاتصلح في مجتمعات أميه مثل السودان وأن السودان تُهيمن عليه الطائفية وغيرها ، فالسودان الجديد لايبنى بالوهم ، لذلك لابد من صياغة جديدة للمفاهيم السياسية والثقافية والاجتماعية حتى يتناسب التنظير مع العمل وإذا كان المتعلمون في بداية تجربتهم السياسية قد إنجرفوا وراء الصيغ اللفظية وأرادوا القفز علي واقع مجتمعهم دون أدني محاولة لفهم هذا الواقع ، فلايوجد مبرر الآن بعد مرور سته عقود علي بداية التجربة ان يظل الحال كما هو عليه ، ولايضيرهم شيء إذا ما تواضعوا وتناولوا هذا الواقع بالدراسة والتحليل من أجل فهم أفضل ولمعرفة أنسب الطرق للتعامل مع هذا الواقع ومن ثم أحداث التغيير المنشود. أن محاولة خلق حالات وهمية لاتوجد أصلاً في المجتمع وتجنيد الطاقات لمحو أو إبتداع مقولات لا تمت للواقع بصلة ، الغرض منها استمرار أوضاع معينة هي مجرد خداع للنفس وإهدار للفرص والزمن الذى لايرحم. السودان كان ولايزال مجتمعاً تقليدياً توجد فيه مؤسسات تقليدية اجتماعية ودينية وثقافية تؤدي وظائف في هذا المجتمع وتلعب درواً حيوياً في حياة هذا المجتمع . صحيح أن هذه المؤسسات مثلها مثل أى في الدنيا لها جوانب سلبية ومحاولة اقتلاع هذه المؤسسات من المجتمع بدوافع سياسية تنطوي علي جهل فاضح بطبيعة المجتمع ، فهذه المؤسسات ستبقى مابقي المجتمع في حاجة لها وإزالتها لايتم بالشعارات السياسية، ولكن بإنتقال المجتمع الى حالة جديدة من التطور ، وذلك لايتم إلابالتعامل مع الواقع بعقل مفتوح . هوامش: (1) محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ترجمة هنري رياض وأخرين المطبوعات العربية للتأليف والترجمة ، الخرطوم ( ط2ــ1987ــ ص 143) (2)نفسة (ص156) (3) لسان العرب كلمة طوف (4)احمد زكي بدوى ، معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية مكتبة لبنان (1986ص 53) (5)نفسه ( ص 369) (6)نفسه (ص 369) (7)ريتشارد هل ، الاسلام في السودان في : A.J. Arberry, (ed) Religion in the Middle East, Vol ɪɪ, Cambridge Uni press,1969,P.196..97. (8)عثمان سيد احمد إسماعيل ، الختمية والأنصار الشركة السودانية للتوزيع الخرطوم بدون تاريخ (ص 23) (9)نفسه (ص 25).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة