01:48 PM March, 08 2016 سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر
(من أرشيف مفاصلة الإسلاميين، 1999 رمضان)
ورد أن الدكتور حسن الترابي، رئيس المجلس الوطني، ذهب مرتين لينفذ إلى مكتبه بالمجلس، الذي حله الفريق البشير يوم الاثنين الماضي، فرده الحراس عند البوابة. ليست هذه مرة الدكتور الترابي الأولى التي تُغلق أبواب البرلمان في وجهه. ففي عام 1968 حل المرحوم السيد إسماعيل الأزهري، رئيس مجلس السيادة البرلمان حين لمس أن حلف القوي الجديدة، المكون من السيد الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي والمرحوم وليام دينق، يدبر لإسقاط الحكومة القائمة في مناسبة صوت ثقة مطروح بحقها . وكما التزم الدكتور الترابي هذه الأيام بمقاضاة البشير، رئيس الدولة، قاضي الترابي وحلفاؤه الزعيم الأزهري. ولما لم يجد هؤلاء الحلفاء منفذاً إلى البرلمان المعطل لعقد جلساتهم المتمردة اختاروا شجرة ظليلة في المبنى القديم في وسط الخرطوم الذي تحول فيما بعد إلى إدارة القضاء بولاية الخرطوم. وكان مجلس الصادق والترابي ودينق تحت الشجرة نادرة تداولها أهل ذلك الزمن.
واضح أن الترابي اختار محنة برلمان الشجرة في 1968 عبر عقدين من الخفض والرفع السياسيين حتى أصبح الرجل القوي في السودان في عقد التسعينات الخاتمة. ثم دارت الدوائر به خلال هذا الأسبوع فإذا به لا يجد حتى شجرة الستينات في ساحة المجلس الوطني. ولذا صح التساؤل إن كانت دائرة هذا الأسبوع هي نقطة النهاية بالنسبة لمصير الترابي السياسي أم أنها مجرد خضة سيجتازها كما اجتاز خضات قبلها عائداً إلى الصدارة.
إن الدكتور الترابي مهارة فذة وضعت بصمات قوية من التغيير على جيل وقبيل ووطن من السودانيين وللسودانيين ولغيرهم. ومن المؤسف أنه أحاط بمساهمته الواضحة هذه غبار إعلامي سلبي وكثيف للغاية من خصومه من عرب وعجم وبين ذلك قواماً حتى أن أحد المعقلين قال إن الغرب لم يقل عنه كلمة طيبة واحدة. وقال معلق آخر يستعرض طائفة من الكتب عن الترابي إنها تبخسه ولا تفسر لماذا كان الرجل ذا حيلة وقدرة على تغيير المجتمع من حوله. ولن يغير في إمكانات الترابي هذه أنه قد بلغ السابعة والستين من العمر، أو أنه تعرض لحادثة اغتيال كادت تذهب بقدراته على التمييز لولا لطف الله. فالترابي ذو مهارة واسعة في الرؤية وتصميم مطبق مما يجمره مر السنون فلا صدأ ولا نكسة.
ومع ذلك فإن هناك حوائل شتى واقعية قد تحول، أو تؤخر، عودة الترابي من ظل شجرة البشير إلى صدارة القوم. فقد استثمر الترابي في عودته من محنة آخر الستينات
وما بعدها حركة إسلامية حررها من خوف السياسة وذل المعارضة وحفز طاقتها لبناء الدولة الإسلامية الحديثة فتنادي لها الرجال والنساء بأريحية وبذل وإبداعية. وقد وصف الترابي دقائق آفاق هذه الحركة وسؤددها في كتابه الموسوم: الحركة الإسلامية في السودان: التطور، الكسب المنهج (1989). وهي نفس الحركة التي ضحى بها حين حلها قرباناً لحلفه مع البشير والقوات المسلحة في حكومة 1989. ولذا قال طاقم الحركة في الحسرة على
ما جرى لهم أنهم كانوا أول ضحايا حكومة الإنقاذ. وعاد الترابي يعيد تنظيم كادر الحركة المحلولة كيفما اتفق حول وظائف الدولة أو حزبها أو برلمانها. وشتان بين حزب جهادي أهلي وآخر حكومي حتى النخاع؛ فداره حكومية، وكادره موظفون بالحكومة، وآفاق طموحهم ومرجعيتهم تبدأ بالدولة وتنتهي عند حدودها. وحزب الحكومة يحكم بالحكومة
لا بأمانته (التي على رأسها الترابي) كما ورد عند الدكتور الطيب زين العابدين (من أوائل قياديّ الحركة الإسلامية الذين احتجوا على حلها) نقلاً عن الفريق البشير. وقد لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن عودة الترابي إلى صدارة السياسة بعد شجرة البشير مشكوك فيها إذا امتطى إليها حزباً كالمؤتمر الوطني الحكومي.
واحدة من أكثف السدود التي تقف بين الترابي واستعادة نفسه في الساحة السياسية هو ما يمكن تسميته بالإعياء العام من الدكتور الترابي. وكنت نصحت الحركة الإسلامية قبل انقلاب البشير في 1989 أن يبذلوا جهداً جهيداً في شعبة علاقاتهم العامة لتحسين صورة زعيمهم بعد أن رأيت ضيق خصومه به حداً تمنوا موته. وتفاقمت هذه الصورة القبيحة عن الترابي بعد انقلاب البشير الذي اعتقد القاصي والداني أن الترابي هو وجهه الحقيقي في حين أن البشير والآخرين مجرد أقنعة. فالمعارضون السودانيون مجمعون على أن النظام، وكل دقيقة من دقائقه، هي تدبير ترابي شرير. وهي عقيدة كثيراً ما أفسدت على المعارضين سداد التحليل السياسي. أما حكومات أفريقيا والعالم العربي والإسلامي فقد خشيت أن يُصدِّر لها الترابي ثورته الأصولية وبخاصة بعد إنشائه لمؤتمره لتضامن الحركات الإسلامية والقومية في 1991. أما عن الغرب والترابي فحدث ولا حرج. فلا يُذكر اسم الترابي في الغرب إلا مقروناً بأشر أهل الغرب قاطبة من أمثال ميكافيللي، وراسبتين، ونيرون، وستالين. وهو موصوف بعراب النظام وخمينيه وهلمجرا. فالكل مهيأ في البادي للتخلص من الترابي الذي جعل من نفسه شخصاً يسهل، إن لم يُحسن، الاستغناء منه.
وهذا الإرهاق من الترابي واضح في بعض صحف الخرطوم مما تيسر لي قراءته. فقد فوجئت مثلاً بالقبول الواقعي الطبعي لإجراءات البشير المؤدية إلى اضمحلال الترابي وكأنها قسمة مقدرة وقدر لا مفر منه. فالصحف لا ترى سبباً، وقد وقع الأمر، للبكاء على اللبن المسكوب. وشبهت خصومة الرجلين وفراقهما بالزواج والطلاق، وقد سمت طلاقهما بطلاق التراضي. واستهدت بالآية القرآنية عن إمساك الأزواج بمعروف أو الفراق بإحسان. أما المعارضون للحكومة فلم يروا سبباً وجيهاً لذرف دمعة ديمقراطية واحدة على إغلاق المجلس الوطني لأنه، شأنه شأن حزب المؤتمر الوطني الموسوم بالحكم، تنظيم
شمولي ضار.
إن الترابي مهارة ورؤية وشغف لا مناص منها. وهو راجل واسع الحيلة، إذا قال فعل مثل مسيرته من ظل شجرة برلمان 1968 إلى صيرورته الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في عقد هذه الألفية الأخير. غير أن عودته إلى التأثير الحسن في معاشنا ومعادنا ربما اقتضت وقفة منه بإزاء النفس ينسحب فيها من المواجهة الحالية مع أحب أبنائه وحواريه في يوم مضى. وليقبل هذا الفراق بإحسان خشية أن تعكر هذه المواجهة الصعبة مناخ السودان السياسي الذي يرغب السودانيون فيه في وفاق سمح. وربما وفرت له هذه الوقفة الناقدة إزاء النفس ليتأمل المفارقة التي وقعت بين نظريته الغراء في إسلام طليق مؤهل للحداثة وتحديات الزمن وبين سجله في العمل السياسي الذي حجب بها تلك النظرية ولم يحببه لا لخصومه
ولا لأحب حوارييه.
وللترابي أسوة سحنة في جده، حمد النحلان، الذي عاش في آخر القرن السابع عشر الميلادي. فقد طلب النحلان الحكم بدعوته للمهدية في مكة المكرمة وفي السودان. وبطلت دعواه لأن السلطات أخذته بالشدة والزجر. ومع انتهاء الجد عن دعوة المهدية إلا أنه ظل بين أهله يرشدهم، ويعلمهم، ويمنع عنهم تعدِّيات السلطان وجور الضرائب في بسالة خلدتها عبارة سودانية تقول عنه "شايب الصوفية أب سماً فائر" أي الصوفي الذي تقدمت به السن في حين أن غضبته وثورته ما يزال لها أوار ونطح .
أحدث المقالات
ظاهرة درمة ..!! بقلم الطاهر ساتيغياب غير مبرر..! بقلم عبد الباقى الظافرثم ماذا؟؟ بقلم أسحاق احمد فضل اللهوبقيت النبوءة !! بقلم صلاح الدين عووضةحق اللجوء واللاجئين . قوانين مثالية، وواقع مرير اعداد د. محمود ابكر دقدق/استشاري قانونيي وباحثيوم في حياة إمـرأة بقلم احمد حسن كـرار لا خير في أمة تموت بموت رجل بقلم كمال الهِديفي ذكرى يوم المرأة العالمي (8 مارس 2016) المرأة كاملة عقل... ما بين عالم الغيب والشهاده الترابى يحكم السودان ! بقلم ياسر قطيهالصورة والحقيقة بقلم حسن عباس النورفي اليوم العالمي للمرأة ... ايها الرجال أحبوا المرأة أمكم بقلم ايليا أرومي كوكوالهِبةُ الإيرانية والحاجةُ الفلسطينية بقلم د. مصطفى يوسف اللداويألا ساء ما فعلوه: عينوه رئيساً للجامعة وهم يعلمون أنه مزور!!! بقلم الدكتور أيوب عثمانوطن من الذكريات بقلم حيدر محمد الوائلي