جمال أبريدة 7 فبراير 2016م أحبتي الكرام... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ميمِيَّة الإمام البُوصيري المُسمَّاة بالبُردة الشريفة، أجمع مُدَّاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل الذوق المُصطفوي بأنها من أجمل ما قِيل في المديح النبوي لغةً ومعرفةً ورصانةً ووزناً وقافية... لكن إستشكل على بعض ممَّن قرأ البُردة وفي مخيلته حكماً مُسبقاً عليها – بل على كُل أنواع المديح النبوي – بعضاً من معاني أبياتها الشريفة... هنا تظهر نوايا طالب العلم الراجي المعرفة من المُشاغب الذي يُريد أن يهلِك الناس بفهمه لظواهر النصوص من غير غوصٍ في معانيها ورجوعٍ إلى أهل العلم والمعرفة والدراية... من هذه الأبيات التي يقف عندها البعض... يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَالَي مَنْ أَلُوذُ بِهِ .. سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمِمِ وَلَنْ يَضِيقَ رَسُولُ اللهِ جَاهُكَ بيِ .. إِذَا الكَرِيمِ تَجَلَّى بِاسْمِ مُنْتَقِمِ فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضُرَّتَهَا .. وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ فلنحملها كما هي... ونذهب إلى شيخ الأزهر الإمام الأكبر إبراهيم الباجُوري رضي الله عنه المتوفى 1277هـ... وقد شرحها وأجاد فيها كغيره من عُلماء عصره فللبُردة شُرَّاحٌ كُثُر لما فيها من معانِي جليلة ولغة رفيعة أُعجِب بها الخصوم قبل الأحباب... يقول في شرحه رضي الله عنه في هذه الأبيات والتي يأتي ترتيبها في النظم كما يلي: 153: يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَالَي مَنْ أَلُوذُ بِهِ .. سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمِمِ قوله (ما لي من ألُوذُ به سواكَ) أي ليس لي أحد ألتجئُ إليه غيرك. وقوله (عند حلُولِ الحادِث العَمِمِ) أي عند نزول الحادث العام، أي الشامل لجميع الخلق، والمُراد يوم القيامة كُلاً من الرسل يقول حينئذٍ "نفسي نفسي" والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (أمَّتِي أُمَّتِي)... 154: وَلَنْ يَضِيقَ رَسُولُ اللهِ جَاهُكَ بيِ .. إِذَا الكَرِيمِ تَجَلَّى بِاسْمِ مُنْتَقِمِ الجاه: القدر والمنزلة، وهو مأخُوذٌ من الوجاهة، وهي رفعة القدر وسعة المرتبة. وقوله "بي" أي عنِّي. وقوله " إِذَا الكَرِيمِ تَجَلَّى بِاسْمِ مُنْتَقِمِ" أي وقت كَون المولى اتصَف باسم هو (مُنتقم) واتصافه بذلك عند إنتقامه بالفعل من العُصاة، وذلك الوقت هُو يوم القيامة. 155: فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضُرَّتَهَا .. وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ هذا البيت تعليلٌ للبيت قبله، فكأنه قال: وإنما كان جاهك يا رسول الله لا يضيق بي بل يسعني وغيري من العُصاة، لأن من جُودك الدنيا إلخ، أي خيرَيْ الدُنيا وضرَّتها التي هي الآخرة، فمن خير الدُنيا هدايته صلى الله عليه وآله وسلم للناس، ومن خير الآخرة شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم فيهم. وقوله "ومن علومك علم اللوح والقلم": المُراد بعلومه صلى الله عليه وآله وسلم المعلومات التي أطلعه الله عليها، والمُراد بعلم اللوح والقلم: المعلومات التي كتبها القلم في اللوح بأمر الله تعالى فإنه ورد "أول ما خلق الله القلم، فقال له أكتب: قال وما أكتب؟ قال: أكتب مقادر كل شيئ حتى تقوم الساعة" واستشكل جعل علم اللوح والقلم بعض علومه صلى الله عليه وآله وسلم بأن من جملة علم اللوح والقلم الإمور الخمسة المذكورة في آخر سورة لُقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تمُوت)؟، وأُجيب بعدم تسليم أن هذه الإمور الخمسة مما كتب القلم في اللوح وإلا لاطلع عليها من شأنه أن يطلع على اللوح كبعض الملائكة المُقربين، وعلى تسليم أنها مما كتب القلم في اللوح، فالمُراد أن بعض علومه صلى الله عليه وآله وسلم علم اللوح والقلم الذي يطلع عليه المخلوق. إنتهى... فالإمام البُوصيري رضي الله عنه كأنِّي به بفراسته يدري أن هُناك بعض المُترَبِّصِين به وبأهل المديح عُموماً... فقال قبل هذه الأبيات بقليل... دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فيِ نَبِيِّهِمِ ... وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحًا فِيهِ وَاحْتَكِمِ والمعنى واااااااضح... أمدَح سيدك النبي وقُول فُوقُو زي ما عاوز بس لا تُؤَلِّهُو زي ما النصارى ألَّهُو نبيهم سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام... وفي مدحَك كمان (إحتَكِمْ) يعني أنشُد الحِكْمَة لا تشاتِر وتَبْقَى فيك الطِرُوقِيَّة... لذلك تجد مُعظَم السادة مُدَّاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم سارُوا على هذا النَهج القويم فجاءت كلماتهم مُتوافقَة تماماً مع القُرآن والسُنَّة مع تبسيطٍ جميلٍ للسيرة النبوية العطرة... فسارت بكلماتهم الرُكبان وتلقتها العقول الصافية بالرضا والقبول ولم يشِذ عن ذلك إلا قِلَّة قليلة ارتَضَت طريقاً آخر... عليهُم يسهِّل وعلينا يمهِّل... بدون إقصاء للآخر... رأيي صوابٌ يحتَمِلُ الخطأ... ورأيُ غيري خطأٌ يحتملُ الصواب... . . . # الإمام الشافعي رضي الله عنه...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة