|
طبلان وإحدى وعشرون طلقة .. لـ 19 يوليو
|
مَلْحَمَةٌ تَسْجِيلِيَّةْ
طَبْلانِ وإحْدَى وعشرونَ طَلقة .. لـ 19 يوليو
شعر: كمال الجزولي
"إلى الذين نصبوا متاريس الفرح الجرىء عصر يومنا التاسع عشر من يوليو سنة الواحد والسبعين"
الطَّبلُ الأَوَّل:
الشعرُ ـ الليلةَ ـ مطرُ الدَّمْ ، رعَّافٌ يهدرُ فى الفمْ ، صخَّابٌ ظهرُ أبى ، وخصيبٌ رحمُ الأمْ، فلنشعل نارَ "الدُّوبيتِ" إذنْ ، ونوَقد جمرَ "النَّمْ" ، ولنفرد أجنحة "التُّمْ تُمْ" ، ولنعرض ببنادقنا وسطَ الأخواتْ!
الطَّبلُ الثَّانِى:
أُجِيدُ القَوْلَ ـ الليلةَ - فى المسحوقينْ ، فى الناسِ الغُبْشِ على طولِ السُّودانِ ، وكلِّ بيوتِ الطينْ ، فى الماردِ فى وثبتهِ ، القابضِ جمرَ الحقِّ ، الرائعِ فى وَقْفَتهِ ، تنداح سنينُ الزَّهوِ ، الحِقدِ ، الحُزنِ على جَبْهَتهِ ، أقولُ .. أُعيدُ القَوْلَ ـ الليلةَ ـ فى قُوَّتهِ .. وبُطولتهِ ، وأُفاخِرُ .. بالتاريخِ وبالصَّوْلاتْ!
الطَّلقة رقم (1)
إمتطت الريحُ الصَّهواتُ ،
ترجَّلَ قُرصُ الشمسِ .. وأَحْنَى النخلُ الهاماتْ ،
سقطَ العقربُ .. فوقَ العقربِ
كان اليومُ التاسعُ عشرْ ،
دقَّاتُ الساعةِ أنَّتْ أربعَ مراتْ ..
الزمنُ الأولْ
الزمنُ الثانى
الزمنُ الثالثُ
والزمنُ الرابعْ
الزمنُ الوهجُ ، الزمنُ المازوتُ ،
الزمنُ الفائِرُ بعدَ الظُهْرْ ،
الزمنُ النِّسْرْ ،
إندفعَ إلى الأضلاعِ ،
إلى الأعراقِ ،
إلى الحدقاتْ ،
لمَّا جَلْجَلَ ساحُ القَّصْرْ ،
وانهمرَ الصَّحْوُ يرُشُّ الفرحَ المُجْهَدَ فى ..
الطُّرُقاتْ!
الطَّلقة رقم (2)
هذا فجرُ العيدِ تَدَلَّى فى الآفاقِ ..
مشانقْ ،
الباشِقُ حلَّقَ .. فى إثرِ الباشِقْ ،
وتهاوَى النجمُ رواشِقْ!
الطلقة رقم (3)
آتونَ الساعةَ فى "الهَبَباى" ،
وفى الأمطارْ ..
فى الوَهجِ الغاضبِ .. فى حِقْدِ
" خَماسِينْ " ،
فى طَمى النيلِ الخالِقْ ..
فى نارِ التكوينْ ،
من قِمةِ "كَرَرى" ، من "حَيْدوبَ " ،
من "التاكا " ،
من "مَرَّةَ" آتونْ ،
آتونَ من العُلوِ السَّامِقْ
آتونَ كما الوَمْضِ البارِقْ
***********
مَرْحَبْ
مَرْحَبْ
ألفُ حَبابَكَ .. عبدَ الخالِقْ
الليلةَ أطفالُ السُّودانِ على طُولِ ..
الطُرُقاتْ ،
ينتظرونَ قُدومَكَ .. بالحَلوى ،
بالراياتِ الحُمْرِ ،
وبالباقاتْ ،
أطفالُ السُّودانِ المَجْروحو الحَدَقاتْ ،
يا عبدَ الخالِقْ ..
من وُلِدوا ليلَ الثامنِ والعشرينْ
من يوليو .. عامَ الغضبِ الحارِقْ ،
ينتظرونَ على طُولِ الطُرُقاتْ ..
بالحَلوى ،
بالراياتِ الحُمْرِ ،
وبالباقاتْ ،
الطلقة رقم (4 )
قَلبُ الشاعِرِ شاهِدْ ،
قالوا ..
فى الحِكْمَةِ ، فى أمثالِ الناسْ
وأنا .. ينهالُ القلقُ علىَّ ، الواحِدُ ..
بعدَ الواحِدْ ،
أعرفُ هذا الاحساسْ !
أدرَكَنى ..
فى القرنِ الماضِى ،
عندَ سُقوطِ الخُرطومْ
*** لحظتَها كانت "موسكو" تتلفَّعُ بالمغرِبْ
والشفقُ الأحمرُ ليسَ دَمَاً ..
الشفقُ الأحمرُ
بحرُ نبيذْ
وأنا والراديو لا نتعَبْ ، لا يَغْشانا النومْ ..
أعرفُ
هذا
الاحساسْ ..
أدرَكَنى فى القرنِ الماضِى عندَ ..
سُقوطِ
الخُرطومْ
أدرَكَنى ..
أدرَكَنى ..
أدرَكَنى ..
****************
بُركانُ القلَقِ تفجَّرْ ،
هطلَ الشَّدْوُ من الحلقومْ ..
تَحَدَّرْ ,
فوقفتُ أُغنِّى .. عارى الصدرِ ،
وحَافِى
القدمينْ ،
فى وسطِ "الميدان الأحمرْ"!
الطلقة رقم (5)
مَن هذا القادمْ؟!
مَن هذا الفارِعُ كالنخلةْ ..
الأسمرُ ..
حقلُ الكاكاوِ القاتِمْ؟!
السيفُ المصقولُ الصارمْ ،
والأدهَمُ .. مثلُ الدرعِ الفاحِمْ؟!
وَيْحِىْ ..
ذلكَ هاشِمْ!
ذلكَ هاشِمْ!
الطلقة رقم (6)
وتمدَّدَ صوتُكَ عبرَ المدنِ ..
المسروقةْ
أشعلَ شطَّ النيلِ ودوَّى
فى الحاراتِ المسحوقةْ:
السلطةُ للعمالْ ،
لعبيدِ الأرضِ ، لكلِّ جريحٍ وشَّحَ دمُهُ
" بيتَ المالْ" ،
لكلِّ عَريسٍ أَوْقَدَ ناراً ثم مضَى ..
فى "أكتوبرْ" ،
ولكلِّ شريفٍ فى "كُوبَرْ" ..
ولتذهبْ لجهنمَ حنجرةُ الزيفِ المَخنوقةْ!
الطلقة رقم (7)
زُغرودةُ أُمِّى أعرفُها .. من بينِ ملايينِ
الأصواتْ ،
أُميِّزُها ..
بالشرخِ الرَّاعِفِ فيها .. بالآهاتْ
زُغرودةُ أُمِّى لكَ وحدِكَ ،
هذى الليلةْ ،
وأَبى قد حَمْحَمَ مثل الفرسِ الأصْهَبِ ..
صالَ
وَجالْ
هزَّ السيفَ ، وأنشدَ شعراً كالشَّلالْ ،
لشفيعِ الناسِ المقهورينْ ،
شفيعِ المَوْجِ الأولِ
فى ..
بحرِ العُمَّالْ ،
مَن هَدَروا خلفَكَ ظُهرَ الثانى ..
والعشرينْ ،
جاءوكَ ، الليلةَ ، مِن "جُودةْ" ،
مِن وِرَشِ الصَّهرِ ،
الترميمِ ،
الوابوراتْ
جاءوكَ على مَرِّ الأجيالْ
فتعالَ
تعالَ
تعالْ ،
أهلاً بكَ .. أهلاً ألفَينْ
إنْ لمْ يَحمِلكَ الرأسُ أَشِيلكَ .. فوقَ
الكَتِفَيْنْ
إخضَرَّ الساعِدُ .. هبَّتْ ريحُ المَدْ ،
واجتمعَ العقدْ
سدَّاً يعلو ..
فوقَ
السَّدْ
***********
ها نحنُ ، الساعةَ ، ننسِجُ فى عينيكَ وِشاحاً ..
وجديلةْ ،
وهِلالاً يسطعُ فوقَ جبينِ الغَدْ!
الطلقة رقم (8 )
زحفتُ على أسلاكِ التلفونْ ،
وطِرتُ مع الريحِ ، مع الرعدِ ،
مع الحقدِ الملعونْ ..
وسبحتُ
سبحتُ
سبحتُ أنا ..
حتى انقطعت أنفاسى ،
بين "الأَسوَدِ" و "المتوسِّطْ"
وركضتُُ .. ركضتُ .. ركضتُ
كما الفرسُ المطعونْ ،
يا أُمِّى ،
وعبرتُ النيلَ إليكِ ،
وعند الشاطئِ كنتُ أرى ..
ما أبشعَ
ما كنت أراهْ !
"كِتْشِنَرُ" يعودُ بخوذتِهِ الحجريَّةْ ،
وجنوداً بصديدٍ فى الصدرِ ، وقَمْلٍ فى الأفواهْ
وأنا أركضْ يا أُمِّى فيكِ ،
أُلَمْلِمُ تاريخى ، أخترقُ المدفعَ ..
كَىْ أحميكِ
أركضُ
أركضُ .. مثل الفرسِ المطعونْ ،
لكنَّ الطاعونْ ..
إجتاحَ عُروقى ، تلكَ الليلةَ ،
يا أُمِّى ،
أَوْغَلَ فى عينيكِ
"كِتْشِنَرُ" .. الطاعونُ .. الغدرُ .. الخوذاتُ
الحجريَّةْ
جاءُوا يا أُمِّى ..
مِن كلِّ حقولِ النفطِ ، الذهبِ ،
ومِن شَطِّ "الأَبيضِ" و "الأحمرِ" ، من عُمقِ
الصحراءِ
الغربيَّة!
**************
وتشبَّثْتُ بكفيكِ ..
كَبَوْتُ ..
نهضْتُ ..
رفعتُ الرأسَ إليكِ
ورأيتكِ ، يا فرحى ، شامخةً أنتِ ..
كما أنتِ
كما النارِ الخالدةِ الأسطوريَّةْ!
الطلقة رقم (9)
الكوكبُ مُختَلُ العقلِ
الكوكبُ مُهْرٌ جَمَحَ ..
فدارَ ..
ودارَ ..
ودارَ ..
وَسَقَطَ على الوَجْهِ ،
لما أنهكَه الإعياءْ
وأنا أرجو ،
يا كوكبَنا ،
لو أُوهبَ مقدرةً ..
لأُعيدَ على وجهِكَ ترتيبَ الأشياءْ ،
لكنِّى ..
ولأنِّى لستُ بساحِرْ ،
و لأنِّى لا أملكُ غيرَ المِزمارِ الثائِرْ ،
فسأبقى ،
معذرةً ،
أنفخُ فى رئتيكَ
أناشيدى
حتى تنهضَ مِن هذا الإغماءْ !
الطلقة رقم (10)
تحترقُ لهاتِى حينَ أُغنِّيكَ ،
تلتهبُ العينانْ
يركُضُ صوتى ،
يَعلو ،
يَهطُل
فوقَ
شوارعِ
أُمْ دُرْمانْ
أُقسِمُ أنِّى ما غنَّيْتُ لسُلطانْ ،
ما شِلتُ العَيْبَ ، ولا مارَسْتُ العُهْرَ
على
رِئَةِ "الطَّنُبُورْ"
لكنِّى ، الساعةَ ، يا بابِكر النور ،
أطلقُ شدوى ،
أعزفُ فوقَ الجُرحِ الغائِرِ فى صدرى ،
أجعلُ من أضلاعى رَبَّابَةْ ..
يا روحى ،
وأُحَلِّقُ فى أنفاسِكَ .. عبرَ عذاباتِ السُّودانْ !
الطلقة رقم (11)
أَمْدُدْ كفَّكَ يا فاروقْ ،
أبشر بالخير ،
أَزهَرَ جُرحُكَ ، نَبَتَ القمحُ الأسمرُ ..
فوقَ
جبينكَ
سَقْسَقَ فى عينيكَ الطيرْ ،
وفاحَ نزيفُ دمائِك فى الصحراءِ ،
دعاشَ خريفْ ..
أَمْدُدْ كفَّكَ ،
لَمَعَ التاريخُ على فوهاتِ بنادقِنا ..
يا قلبى الراعفَ ،
شَبَّ على حَدِّ السيفْ !
الطلقة رقم (12)
باعُوا الغابةَ .. يا جُوزيفْ !
باعُو المانجو الناضجَ والنَّئَ .. باعُوا "البَفْرَةَ"
و"البَابَاىْ" ،
والرمحَ وبوقَ الصَّيْدْ ،
باعُوا كلَّ طبولِ العيدْ ،
يا جُوزيفُ ..
وسِحرَ قبائلِنا ،
وثَنَ الأَبَنُوسِ ، وسِنَّ الفيلْ ،
والكوخَ الناتئَ ، والأمطارَ ، وكلَّ تماسيحِ
النيلْ ،
باعُوا الفيضانَ ، وأثداءَ الفتياتِ الأبكارْ ،
والماعز والأبقار ..
يا جُوزيفْ ،
باعُوها لإلهِ السوقِ القادمِ من كلِّ فنادقِ أورُبا ،
مِن كلِّ عُصورِ الزيفْ ،
بالويسكى ،
بالمُوهِيرِ اللامعِ .. والدولارْ !
برباطِ العُنْقِ ، وبالدَّبوسِ الذهبىِّ ،
وبطاقات السى آى إى ..
وختمِ الماسْ !
****************
لكنَّ الناسْ !
لكنَّ الناسْ !
الطلقة رقم (13)
أجملُ أطفالِ السُّودانْ
لم يُولَدْ بَعْدْ ،
أَحْلَى زهراتِ الغَدْ
ما نبتَتْ .. حتى الآنْ
لكنَّا نُقسِمُ بالأيْمانْ ..
أنَّ الأشجارَ ستطرحُ أطفالاً
لم تشهدْ أجملَ منهم عينانْ
فالسلطانْ
غُولٌ من قش ،
والعَرْشْ
قنبلةٌ تحتَ السلطانْ !
الطلقة رقم (14)
إبقَ مكانَكَ يا عثمانْ ..
يقترنُ الأَبيضُ بالأزرقِ فى جُرحِكَ ،
فافتحْ جرحَكَ للآخِرْ ..
يتلاقى "حرسُ القصرِ" بغضبِ الشارعِ
فى
جرحِكَ ،
فأفتحْ جرحَكَ للآخِرْ ..
يا سيفَ الصاعِقةِ الباتِرْ ،
لا وقتَ ، الليلةَ ، للأحزانْ !
لا وقتَ - الليلةَ - للأحزانْ !
الطلقة رقم (15)
عيناكَ الجَّمْرْ
يا ودَّ الرَّيَّحْ ،
كتِفاكَ قِلاعُ النَّخْوَةِ .. والفَخرْ
أُنشِدُ ، هأنذا ، فى مدحِكَ ،
أُنشِدُ للماضى والحاضِرِ حينَ اعتنقا ،
لمَّا وثبَ "الماظُ" بمدفعِهِ ..
فتهدَّمَ فوقَكَ "مُستشفى النهرْ" !
الطلقة رقم (16)
زَيْنَ الفرسانِ .. سلاماً ،
وَدَّ الزِّيْنْ !
زَيْنَ الشرفاءِ المأزومينْ ..
إشعِلْ قنديلكَ يا شِبلَ الأهوالْ ،
"مِهيرةُ" أُمِّى تنظمُ فيكَ عقودَ المدحِ ،
الليلةَ ،
أختى ماحتْ وسطَ الساحةِ "بالشَّبالْ"
فالبرقُ "القِبْلِى" شالْ ،
يا وَدَّ الزِّيْنْ ،
وعرقُ العِزَّةِ وَهْوَهَ عبرَ الأجيالْ !
الطلقة رقم (17)
ما كنتَ جميلاً ، يا وطنى ، كجمالكَ ..
ذاكَ
العَصْرْ
لمَّا فجَّرَكَ القَّهْرْ ،
فى
بَدَنِى
مثل الديناميتِ ،
وفَجَّرَنِى !
الطلقة رقم (1
لا يَخشى الموتَ سوى المَوْتى ..
فارفعْ قلبَكَ للريحْ ،
يا عبدَ الحَىْ
كقرنفلةٍ حمراءْ ..
للريحْ ،
لا يَخشى الموتَ سوى المَوْتى ..
وادلِقْ دمَكَ المسفوحْ
ليُعَطِّرَ حاراتِ بلادى .. ويَفوحْ
يا عبدَ الحىِّ على المُدُنِ المَيْتَةْ
فيُوقِّدُها ..
بيتاً .. بيتا !
الطلقة رقم (19)
حارٌ دَلوُكَ
يا حارْدَلُّو
حارٌ دَلوُكَ .. يا ولدى
من لهبِ الرفضِ ، ونيرانِ التجديدْ ..
ولهذا أنتَ ستعلو ،
دوماً كالبيرقِ تعلو ،
وسنضفرُ من شُريانِكَ قوسَ النصرِ
صباحَ العيدْ !
الطلقة رقم (20)
عبدَ المنعمِ طبلَ العِزِّ ،
"نحاسَ" الغَبرةْ ،
عبدَ المنعمِ جيلَ الفَوْرَةْ ،
قُلْ "للباشا": كنتَ غشيماً إذْ صدَّقتَ سرابَ ..
النصرِ
فنحنُ رضِعنا ،
قبلَ اللبنِ ،
دماءَ الثورةْ !
الطلقة رقم (21)
فقأُوا عينىَّ
وكسروا ، يا وطنى ،
مزمارى
منعوا عنِّى ضوءَ الشمسْ
لكنْ .. لا بأسْ
فأنا أعصابى أوتارى ،
وسأحفرُ كلماتى ، إن كسروا قلمى ،
فوقَ جدارِ السِّجنِ ..
باظفارى ! امدرمان
|
|
|
|
|
|
|
|
|