شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-22-2024, 12:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2006, 06:14 PM

Elmuez

تاريخ التسجيل: 06-18-2005
مجموع المشاركات: 3488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! (Re: Elmuez)

    مرحب مني خوجلي,

    هذا جانب من مساهمة لدكتورة bayan في البوست التوثيقي المعني , أوردها لما أشارت له من بحث مضني كانت قد بذلته في ما يختص بأحداث يوليو71 :

    كتبت دكتورة بيان :

    (4)

    أعوام مايو الحُمْر..

    ومضى الانقلاب عصراً!

    o فقد الانقلابيون الثقة في العسكريين فكان ذلك باباً هبت منه الهزيمة..

    o نزف الجيش 31 قتيلاً و119 جريحاً و55 مبعداً..

    o زكائب رسائل التأييد للعطا أطعمها الضباط للنار..
    =========

    منتصف نهار الثاني والعشرين من مايو كانت إذاعة أمدرمان قد فرغت من نقل البث الحي للموكب الشعبي المؤيد للحركة التصحيحية... وبدأت في تقديم برنامج يتناسب وطبيعة التغيير.. بعد نشرة الثالثة بثت الإذاعة لقاءً فنياً ضم المذيع اللامع ذو النون بشرى والشاعر محجوب شريف والفنان الكبير محمد وردي..

    وقد اشتهر شريف ووردي بأناشيدهما المتواترة مدحاً لمايو خاصة قصيدة (يا فارسنا وحارسنا .. يا بيتنا ومدارسنا)

    بيد ان شريف ووردي كانا يومها في الإذاعة (لتصحيح) قصائدهما المادحة لمايو بقصائد جديدة تمدح التصحيح وتنبذ (التحريف) المايوي .. يومها عمل شريف قصيدته المشهورة لتقرأ (لاك حارسنا ولاك فارسنا)

    ويومها قال محجوب قصيدة جديدة كان وردي يدندن ببعض مقاطعها..

    حنتقدم..حنتقدم

    في وش الريح حنتقدم

    حنهدم سد .. ونرفع سد..

    واشتراكية لآخر حد..

    وكان هناك مقطع في النشيد تم تعديله ليتناسب والتغيير...

    كان المقطع يقول: مايو بلاك ما بنسلم..

    تعدل في ذلك اليوم إلى: يوليو بلاك ما بنسلم ..

    وبينما كان وردي يرفع عقيرته الندية القوية... كانت أصوات الدوي البعيد تطرق مسامع المواطنين المنبهرين بجمال الغناء ورصانة الكلمات المنبعثة من المذياع .. وقد شد صوت الدوي المتواتر.. وأزير جنازير الدبابات على الأسفلت شد الناس بعيداً عن ذلك الغناء الجميل..

    التدخل الأجنبي

    قطعت الإذاعة بثها في إذاعة بيان يقول إن البلاد قد تعرضت لعدوان خارجي..

    ظن الناس – أول الأمر – ان قوات أجنبية قد نزلت إلى السودان من خارجه وان معركة تدور مع تلك القوى الخارجية.. ولكن سرعان ما تبين الناس الأمر.. كان الإعلان عن التدخل الأجنبي إشارة إلى قيام ليبيا باعتراض الطائرة البريطانية التي كانت تقل كلاً من رئيس وعضو مجلس الثورة الجديد النور وحمد الله.. واعتقالهما في طرابلس بليبيا.

    وفي الوقت الذي كان المذيع يردد بعصبية نبأ التدخل الأجنبي، كان صرير جنازير الدبابات المتقدم من منطقة الشجرة نحو قلب الخرطوم يرتفع ويتواصل معلناً بداية التحرك المضاد لحركة التصحيح والذي كان مركزه وبدايته سلاح المدرعات بالشجرة..

    ولكن ماهي وقائع وملابسات هذا التحرك المضاد.؟ وكيف ومتى بدأ؟ الرواية لها بعدان.. بعد داخلي وآخر خارجي..

    التحرك في الخارج

    أما البعد الخارجي .. فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحركات اللواء خالد حسن عباس الذي كان في طريقه إلى موسكو حين وقع انقلاب العطا التصحيحي .. والواقع ان خالد كان وقتها قد عجز عن الوصول إلى موسكو بسبب تردد السوفييت في منحه والوفد المرافق له تأشيرة دخول إلى موسكو رغم أنه كان ينوي إجراء مباحثات هامة تتصل بالتسليح والتدريب.. لهذا السبب فإنه وجد نفسه في بلغراد حين وقع انقلاب العطا.. فاستأجر خالد طائرة خاصة أقلته والوفد المرافق إلى القاهرة..

    في القاهرة أجرى خالد اتصالات سريعة مع السلطات المصرية حول إمكانية تحريك القوات السودانية المتواجدة في القنال.. بيد ان السلطات المصرية رغم أنها أبدت تفهماً لم تتحمس كثيراً لفكرة إرسال قوات سودانية من مصر إلى الخرطوم..

    توجه خالد من القاهرة إلى طرابلس حيث التقى بالقذافي ثم أذاع بيانه الشهير للضباط والجنود من إذاعة ليبيا.. وقد نتج عن مباحثات خالد مع ليبيا ان أقدمت ليبيا على إجبار الطائرة البريطانية على النزول...

    بعد احتجاز ليبيا لفاروق حمد الله وبابكر النور وافقت القيادة المصرية على توجه القوات المرابطة في مصر إلى الخرطوم .. بيد ان المشكلة كانت تكمن في وجود كافة المطارات السودانية تحت سيطرة الحركة التصحيحية..

    كان هذا هو الذراع الخارجي للتحرك المضاد.. أما في الداخل فإن الصورة كانت مختلفة جداً..

    التحرك من الداخل

    كان كل قادة الوحدات الرئيسية قد تم اعتقالهم واحتجازهم من قبل الانقلابيين.. ومن ثم فإن الوحدات الضاربة التي يمكن ان تشكل خطراً على الانقلاب كانت بلا قيادة أصيلة .. وكان عدد الضباط المعتقلين قد تجاوز المائة معظمهم من الرتب القيادية والوسيطة.. وتحييد هذا العدد من الضباط كان قميناً بشل الجيش بكامله في تلك الأيام المبكرة حيث لم يكن قد توسع وتمدد بحده المعروف اليوم..

    وفي الواقع كان انقلاب العطا قد عمل على شكل كل قدرة للجيش على الانقلاب المضاد.. فقد اعتقل القادة ونوابهم ومعظم كبار الضباط في كل الأسلحة .. كما جرد معظم الجنود والضباط (إلا الموالين له تماماً) من أسلحتهم الشخصية.. ونزعت معدات إطلاق النار من الدبابات والمدرعات.. كما أفرغت خزانات الطائرات من وقودها..

    وكانت هذه الخطوات هي في واقعها خطوات استفزازية أكسبت القيادة الجديد مشاعر العداء من الضباط والجنود أكثر من ان تعود عليها بالرضي والتأييد .. بل لعل هذه الخطوات هي عينها التي كانت وقود التحرك المضاد.. فقد تبادل الجنود يومها الحديث عن تسريح لهم بالآلاف سيتم من بعد تثبيت أركان النظام.

    وكانت العاصمة يومها قد تناقلت نبأ تحطم الطائرة العسكرية العراقية التي كانت في طريقها للخرطوم وفيها المعدات والأسلحة. وقد تناقل الجيش أمر تلك الطائرة باعتبارها بداية التدفق لجنود وسلاح غير سوداني..

    ومع غياب معظم القادة أو تحييدهم بتجريدهم من السلاح فإن أي تحرك ضد حركة التصحيح كان لابد ان يعتمد على كوادر من غير الضباط..

    وكانت تلك الحقيقة هي مدخل ضباط الصف إلى واقع الفاعلية السياسية في البلاد.. فبالرغم من ان الوثائق تشير إلى أنه كانت هناك نواة لتنظيمات خاصة بضباط الصف في سلاحي المظلات والمدرعات، إلا أن هذه التنظيمات كانت شبحاً من غير أثر في غالب الأحيان...

    ولكن حينما وجد ضباط صف المدرعات – خاصة الكتيبة الثانية مدرعات – والتي كانت تعرف باسم كتيبة جعفر (نسبة إلى قائدها الأسبق جعفر نميري)، ان قادتهم وكثيراً من ضباطهم تحت القيد، فإنهم آثروا ان ينسقوا مع بعض الملازمين وبعض ضباط الصف من الوحدات الأخرى.. وقد جاء بيان خالد حسن عباس المذاع من ليبيا ليعطى دفعة قوية لأولئك الجنود في تحركهم، فهو من ناحية القائد العام الفعلي للقوات المسلحة.. ومن ناحية أخرى فإن إذاعة بيانه ذلك جعلت هاشم العطا يقوم بإعادة السلاح الشخصي إلى الأفراد تحسباً لاحتمال ورود قوات من الخارج..

    استطاع ضباط صف المدرعات تحريك الدبابات دون (إبر ضرب النار)، وهي القطع الحاسمة في تحويل الدبابة إلى آلة ذات قدرة قتالية .. ولكن بعد قليل تمكن عدد من الضباط من استعادة (إبر ضرب النار) ومن ثم أصبحت الدبابات ذات فاعلية .. وكانت تلك هي بداية التحرك من الشجرة نحو منطقة وسط الخرطوم.. تحركت دبابة في اتجاه القيادة العامة بينما اتجهت أخرى صوب القصر الجمهوري...

    مع هدير الدبابات ودوي مدافعها وهي تتجه من الشجرة نحو القيادة والقصر... ومع الصراخ الفزع للإذاعة وهي تدعو المواطنين لحماية ثورتهم من التدخل الأجنبي.. كانت القوة المعنوية للانقلابيين تنهار رويداً رويدا... وبدأ الاضطراب وسوء التقدير يسيطر على تصرفات قادة الانقلاب..

    مع اشتداد صوت الهدير والدوي، هجر كثير من طواقم الدبابات مدرعاتهم الرابضة في مداخل المدن الثلاث.. ومن ثم فقد امتطى عدد من مؤيدي مايو – الذين التهبوا حماساً ببدء التحرك المضاد – تلك الدبابات، وكان أشهرهم الوزير المهندس محمد إدريس محمود الذي عرف من يومها (بإدريس دبابة)...

    حينما اقتربت إحدى الدبابات التي كان على متنها صلاح عبد العال من القصر شاهدوا نميري وهو يقفز من فوق سور القصر المواجه لوزارة المواصلات.. قفز نميري إلى داخل الدبابة الموالية وأنطلق من القصر إلى الشجرة ثم إلى الإذاعة..

    كان نميري قد خرج من الأسر بجلابية.. وفي معسكر الشجرة ارتدى زياً عسكرياً لجندي توجه به إلى مبنى التلفزيون حيث أطل على الناس ليقول لهم إن واجب الشعب هو مطاردة كل شيوعي.. وكان من أشهر ما قاله نميري يومها أنه أشار إلى الضباط الشيوعيين ولم يذكر إلا اسم النقيب خالد الكد حيث ذكره بتعبير (something الكد). وقد اختفى خالد الكد لبعض الوقت ثم سلم نفسه. وحين سأله نميري عن سبب اختفائه قال له أنك لم تستطع تذكر أي اسم سوى اسمي.. وتنتظر مني ان لا أختفي؟

    المذبحة في قصر الضيوف

    بعد ان آلت الأمور إلى مايو مرة أخرى.. هرع الناس لإطلاق سراح المعتقلين ... في قصر الضيافة الواقع في شارع الجامعة، فوجئ الجميع بالمنظر المروع .. كان مسيل الدماء قد سرى من داخل المبنى على الدرج وحتى خارج المبنى.. في داخل المبنى كان هناك ستة عشر ضابطاً تم حصدهم بالرصاص.. لم ينج إلا عدد قليل، بعضهم عانى من عاهات مستديمة وبعضهم خرج بعناية الله وبشكل هو أقرب ما يكون إلى المعجزات...

    ما الذي جرى في قصر الضيوف؟ ومن وراء تلك المجزرة الشهيرة ...؟

    لابد ان أسجل هنا ان كاتب هذه السطور عكف على مدى ليال طويلة على ملف التحقيقات حول أحداث 19-22 يوليو.. وقد حرص الكاتب على ان يطلع على كل كلمة قيلت في هذا الصدد ليعرف الحقيقة في أمر المذبحة الشهيرة.. وألخص فيما يلي ما خرجت به من تلك القراءات..
    أولاً: كانت هناك (تعليمات مصروفة) بالتخلص من الأسرى في حالة حدوث أية انتكاسة. فقد جاءت أقوال بعض الضباط الذين اعتقلوا في مبنى جهاز الأمن القومي لتشير إلى ان الضابط الموكل بحراستهم كان يتحدث في اللحظات الأخيرة من انقلاب العطا إلى شخص ما. وقال المعتقلون أنهم سمعوه يؤكد ويكرر للطرف الآخر أنه لا يستطيع تنفيذ ما هو مطلوب.. ومع إلحاح الطرف الآخر قال الضابط (متأسف سعادتك أنا ما حأعمل كده). ثم ان ذلك الضابط أخبر أسراه بعد ذلك ان الأمر قد فلت .. وأنهم أحرار منذ تلك اللحظة.. ثم اختفى ذلك الضابط. وقد عرف الجميع يومها ان الضابط رفض تنفيذ تعليمات التخلص من الأسرى..

    ثانياً: ليس هناك ما يشير إلى ان هذه التعليمات قد صدرت من أي شخص آخر سوى المقدم أبو شيبة . فقد ذكر ضابط الحراسة المكلف بنميري في القصر أن المقدم أبو شيبة سأله: (ما نفذت تعليماتي ليه ما كان كلامي واضح) ثم أعقب ذلك بقوله: (على العموم أعدم الباقين).. وهو ما يشير على ان التعليمات كانت تتعلق بإعدام المعتقلين(31).

    ثالثاً: لم يجد هذا الكاتب أية معلومات في أي من ملفات التحقيق بما يمكن ان تشير إلى الضلوع المباشر للحزب الشيوعي كهيئة سياسية في عمليات الاغتيال تلك..

    رابعاً: ليس هناك أية دليل على ان جهة ثالثة- أو حتى رابعة – قد قامت بتنفيذ الاغتيالات. فالعقيد سعد بحر مثلاً كان معتقلاً في قصر الضيوف ونجا من ضمن الناجين... وكان هناك آخرون قد نجوا، منهم المقدم عبد القادر أحمد محمد، والملازم أول عثمان عبد الرسول. أما قوات لواء القنال (القوات السودانية بقناة السويس) فإنها لم تصل إلا في وقت متأخر من تلك الليلة(32).

    خامساً: تعرف الضباط الناجون من مذبحة قصر الضيوف على الملازم الذي قام بإطلاق الرصاص عليهم وكان واحداً من الضباط التابعين للمقدم أبو شيبة. وقد أشار أولئك الناجون إلى أن حواراً دار خارج المبنى كان فيه شخص يخاطب شخصاً آخر بعبارة يا ضابط ويطلب منه تنفيذ التعليمات المعطاة له.. وقد أعقب ذلك دخول الملازم إلى غرفة الأسرى وإفراغه الرصاص في أجساد زملائه..

    خلاصة القول في هذا الأمر هو ان المذبحة هي من صنع الانقلابيين بلا جدال .. وهي ان لم تكن لها مبرر سياسي فإن مبرراتها الشخصية- في اعتقادي الخاص- تتصل بظروف التكوين النفسي لأولئك الذين أقدموا على المغامرة وهم يضعون حسابات الفشل قبل حسابات النجاح.. فقد أقدموا على الفعل وعزموا – متى ما أحسوا بالخطر – على هدم المعبد عليهم وعلى أعدائهم..

    حين انكشف غيوم الليلة الكئيبة اتضح ان ضحايا الليلة الدامية قد بلغ 16 ضابطاً وأربعة ضباط صف وعدد الجرحى 119 من الضباط والصف والجنود..

    لم تفقد القوات المسلحة مثل هذا العدد من الضباط والجنود مجتمعاً في تاريخها.. حتى في أحداث توريت 55 لم يبلغ مجموع العسكريين الذين اغتيلوا فيها نصف هذا الرقم..

    ودارت طاحونة الدم..

    إذا كان انقلابيو يوليو قد أهرقوا دم الزملاء، فإن ذلك الدم المراق على درج القصر فجر براكين أخرى لم تتخير ولم تميز، فقد عصفت براكين الغضب الدامي بالطيب وغير الطيب على مدى الاسبوع المتبقي من شهر يوليو71.

    فقد تلاحقت من ليلة الثاني والعشرين من يوليو عمليات المطاردة والاعتقال والإيقاف للضباط والجنود فيما يشبه الهستيريا .. وعلى الصعيد غير العسكري أخذ الناس بالشبهات.. واتهم البريء.. وأسيئ إلى الشرفاء وذُلَّ الأعزاء وأتهم كثيرون بالباطل...

    كانت أيام الاسبوع الأخير من يوليو أياماً دامية.. أفرزت حقداً وغلاً.. واصطاد في ليالي الحقد المعتكر تلك كل حاقد وكل ذي غرض..

    امتلأت من جراء الاعتقال والتحفظ والإيقاف، ميزات الضباط في معسكرات الشجرة والمهندسين والإشارات. وانطلقت عشرات من لجان التحقيق تذرع المدن الثلاثة من جنوب الخرطوم إلى شمال بحري إلى غرب وشرق أمدرمان .. وقد جرى تقدير أعداد المعتقلين في أسابيع الغضب الظلوم تلك بما يقرب من ألفي معتقل وسجين ومتحفظ عليهم وموضوعين تحت الإيقاف..

    وقد بلغت حالات الإعدام التي نتجت عن الانقلاب 11 ضابطاً من بينهم كل أعضاء مجلس الانقلاب التصحيحي ما عدا محمد محجوب عثمان الذي كان من المفترض ان يصل الخرطوم في طائرة النور وحمد الله، إلا أنه لم يصلها لتأخره في الطريق.. بينما تقول رواية أخرى أنه كان في الطائرة مع زميليه إلا أنه لم يتعرف عليها أحد في ليبيا..(33)

    وقتل المقدم محمد أحمد الريح وهو يقاتل من على أسطح مباني القيادة العامة، فلم يجرد من رتبته ولم يحرم من معاشه..

    ثم أعدم ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهم عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق.. وسجن الدكتور مصطفى خوجلي لعشرين عاماً.. وبلغ عدد الذين سجنوا أو طردوا من القوات المسلحة 18 ضابطاً من مختلف الرتب والتخصصات، بينما سجن أو عزل أو طرد 7 من ضباط الصف الذين اشتركوا في الحركة..

    ثم أبعد من الجيش في دفعات متتالية عدد من الضباط بلغ في مجمله 55 ضابطاً..

    أما على الصعيد المدني، فإن طاحونة الأحقاد دارت في كل اتجاه ... فأدخل السجون والمعتقلات عشرات وطرد من وظائفهم مئات..

    ولقد سرت بين الناس من بعد محنة يوليو تلك سحابات دواكن من الشكوك فيها تعامل الناس مع بعضهم البعض بالحذر والريبة وسوء الظنون..

    النار تلتهم زكائب التأييد للعطا

    الظنون والريب التي أرخت سدولها على العلائق بين الناس بعد ليلة العنف الدموي، كانت أسبابها تلك التصرفات الشوهاء التي صحبت أيام الانقلاب الثلاثة.. فقد شهدت المؤسسات والمصالح – خلال الأيام الثلاثة- بعضاً من العاملين المؤيدين للعطا وانقلابه، وقد أنبروا باسم التصحيح يرهبون الناس ويلهبونهم بسياط من سيئ القول ورديئ الفعل.. وحين ذهبت ثورة التصحيح مخلفة وراءها خيوطاً من الدماء، كانت ردة فعل الذين آذاهم قول وفعل أنصار العطا حادة وعنيفة.. فحين عكفت الدولة على مراجعة ما جرى وإجلاء الحقائق عن دور الأفراد والمؤسسات، وجد الذين أوذوا بسوء القول والفعل فرصة للتشفي من أنصار الانقلاب.. ولقد كان ذلك التشفي مقيتاً وظالماً في بعض الأحيان.. إذ جاء متلفحاً الحقد ومؤتزراً الضغينة، فأفرز سماً زعافاً راح ضحيته العشرات في المصالح والمؤسسات والوزارات..

    ولعل القصص التي رويت – والتي لا زالت حبيسة الصدور دون رواية – عما جرى خلال تلك الاسابيع السوداء من تاريخ الوطن كثيرة لا تحصى ولا تعد .. بيد أنني أروى منها في هذا المقام واحدة.. لا أرويها لأنني كنت طرفاً فيها.. بل لما فيها من إضاءات عن الإنسان وطباعه، وعن النفس البشرية وخصالها..

    ولقد كنت طرفاً في هذه القصة بما كنته يومها.. ضابطاً تخرج لتوه من الجامعة وانضم- مع كوكبة من الزملاء – إلى التوجيه المعنوي نواة لعمله الإعلامي المنتظر، والذي كانت لحمته وسداه يومها جريدة القوات المسلحة..

    وبما ان صحيفة القوات المسلحة كانت – خلال أيام الانقلاب الثلاثة – صوت الحركة التصحيحية الوحيد، فإن كل خطاب وبرقية واردة من كل بقاع السودان مؤيدة لانقلاب العطا كانت ترد إليها..

    ولقد كان عجيباً وغريباً منظر تلك الزكائب الممتلئة من برقيات وخطابات المباركة والتأييد التي لم يتوقف انهمارها حتى بعد يوم الثاني والعشرين من يوليو.. فقد وصلت مئات من الرسائل الملتهبة الحماس والمتحمسة في تأييدها للماركسية والنظام الجديد بعد ان زال نظام التصحيح.

    وكان الأعجب هو في هوية وأسماء الباعثين .. لقد احتوت تلك الزكائب أسماء لشخصيات وأفراد.. ولجماعات وهيئات ومؤسسات على امتداد الوطن من شماله وشرقه، إلى وسطه وغربه... وكانت بعض تلك الأسماء لامعة ومعروفة، وبعضها له من المواقع والمسؤوليات الاجتماعية مكان رفيع .. بل وكان لبعض من الكاتبين مكانة وتاريخ..

    وقد بالغ بعض باعثي تلك الرسائل والبرقيات واشتط في تأكيد هويته السياسية وانتمائه التقدمي .. وقد غالى بعضهم واشتط في المطالبة بمعاقبة أركان مايو ورجالها .. بل ان بعض تلك الرسائل تبرع بمعلومات وتفاصيل عن أفراد وأشخاص اتهموهم بالعمالة والرجعية..!!

    ولما كان البحث عن الشيوعيين في تلك الأيام قد طال ماضي الناس وصداقاتهم وصلاتهم وحتى جيرتهم.. ولما كان الكشف عن مؤيدي حركة التصحيح ومسانديها – بالقول أو الفعل – قد شمل كل المواقع والفئات والجهات، فإن زكائب الرسائل تلك كانت وثائق إدانة جاهزة لآلاف من البشر على امتداد السودان العريض..

    وبالرغم من ان بعضاً من تلك الرسائل والبرقيات كان قد أذيع ونشر خلال أيام الانقلاب الثلاثة (وقد تعاملت الدولة مع كاتبيها بالعقاب)، فقد كانت هناك آلاف من تلك البرقيات والرسائل التي لم يكشف أمرها لورودها من مصلحة البريد إلى القيادة العامة بعد يوم الثاني والعشرين من يوليو، حيث تم تسليمها لنا في صحيفة القوات المسلحة..

    ولابد ان أصحاب الرسائل التي وصلت بعد سقوط انقلاب العطا، حملوا من القلق والهموم ما تنوء عنه الجبال.. فلقد بعث كل واحد من هؤلاء – طائعاً مختاراً- دليل إدانته الدامغ إما بانتمائه الماركسي أو بتأييده الجازم لذلك النظام الماركسي.. وكان ذلك كافياً في أيام البركان تلك لكي يبعث المرء إلى السجون..

    ولقد كان لأصحاب تلك الرسائل كل الحق في الهم بما يمكن ان يصير إليه أمر تلك الرسائل والبرقيات، فلو سقطت زكائب الرسائل في أيدي سوءٍ لجعلت منها طريقاً للانتقام والتشفي بل وربما الابتزاز لآلاف من أبناء الوطن...

    ولم يكن أمام ثلاثة من صغار الضباط في التوجيه المعنوي يومها إلا ان يستلهموا ضميرهم حسن التصرف أمام ذلك الدليل الدامغ المميت..

    ولقد فعلوا..

    وكانوا يومها أسعد ما يكونون حين وقفوا يرقبون جندياً من جنودهم وهو يطعم النار – على مدى ساعة كاملة – مافي جوف تلك الزكائب من برقيات ورسائل..

    ورغم ان كاتبي تلك الرسائل ما دروا حتى اليوم، فإن تلك النار إنما كانت برداً وسلاماً عليهم...
    ----------------------------
    تصويب: أعتقد بأن دكتورة بيان تنقل توثيق لكتاب للدكتور " قلندر " !

    (عدل بواسطة Elmuez on 07-21-2006, 06:36 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-18-06, 07:31 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-18-06, 08:05 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-18-06, 08:27 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! محى الدين ابكر سليمان07-18-06, 08:29 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-18-06, 09:12 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-19-06, 08:20 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-19-06, 09:41 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 01:03 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 04:52 PM
    Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! القلب النابض07-21-06, 05:06 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 05:12 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 05:28 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 05:43 PM
    Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Muna Khugali07-21-06, 05:53 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 06:14 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 07:06 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 07:29 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 08:14 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 08:37 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-21-06, 09:14 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-23-06, 09:29 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-23-06, 09:55 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-23-06, 10:04 PM
    Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! bayan07-24-06, 00:54 AM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-24-06, 00:28 AM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-24-06, 03:15 AM
    Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! bayan07-24-06, 03:23 AM
      Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! wadalzain07-24-06, 04:11 AM
        Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! القلب النابض07-27-06, 11:42 PM
          Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! القلب النابض07-28-06, 01:56 PM
  Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! Elmuez07-28-06, 07:38 PM
    Re: شهداء قصر الضيافة.. ضحايا الإنتهازية السياسية و التكالب علي السلطة ! القلب النابض07-30-06, 10:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de