أسئلة تلامس شغاف واقعنا المر !!!..

Quote: فهل نحن نكتب من أجل الكتابة فقط ؟؟؟ أم نكتب من أجل أن نقدم رؤية منسجمة مع ما نعانيه لنكون بذلك مساهمين في خلق وعي كتابي يستند على قيم ومثل يجب التمسك بها .. لنكون في نهاية المطاف صوتا لمن لا صوت له .. وصرخة من لا يملك حتى حق الصراخ !!!!..

Quote: ولماذا نكتب ؟ مجرد سؤال ؟ ربما كان بريئا وربما كان وراؤه خبث بعيد , ولكنه على كل حال يلح علي فى صبح ويمسى ! ولست يافعا غريرا حتى يقول لى من يقول عن إجابة مسهبة أو مقتضبة عن الكتابة , محاولا إقناعى بفوائدها وكلام إنشائي طويل لا طائل منه على أرض الواقع , وحقيقة لمن نكتب وكل من حولنا كتاب لهم أسماؤهم وسمعتهم التى تطوى الآفاق وتفوق ما لنا من شهرة واسم , كانت لهم القدرة ومقومات الكتابة أو لم تكن , المهم خفة دم فى غير جدية ولا مسئولية ولا تقدير للأمور , اقتحم وكفى وستجد من يطبلون لك ويسبحون بحمدك كاتبا عبقريا ومفكرا كبيرا , الإقدام كل مقوماتهم بغض النظر عن قدراتهم . هنـاك مـثل ســـيرلانكي يقول : من يفكر كثيرا لا يستطيع أن يعـبر نهـــرا ولـو عـلى جسر (Those who think very much , can not cross a river even on a bridge) ومشكلتى أننى من هؤلاء ! والكتابة دافعها عدة أسباب , أهمها : أن تنقل لغيرك وجهة نظرك وآراءك فى شتى الموضوعات والمواقف , ولكن ماذا يحدث إذا كان القارئ غير متجاوب مع ما تكتب وربما الكثيرون غير مستعدين لقراءة موضوعات جادة , ومن القراء من يقرأ ولا يستطيع أن يصل إلى أغوار ما ترمى إليه ! قرأ أحدهم فصولا نشرت لى بمجلة الأزمنة العربية من كتابي( ليالى الاغتراب بالتراي ستار) وسألنى : لماذا تسرح بنا كثيرا وتبدأ فكرة ثم تعرج إلى أخرى وإلى معلومات حتى نكاد ننسى الفكرة التى تود عرضها , ثم تعود إليها ثانية لتواصل الحديث عنها ؟ أجبته أن عنوان الكتاب يحمل تعليل ذلك وتفسيره , فالتراي ستار طائرة سريعة تتعدد أمام ناظريك منها المناظر وتتبدل بما يتناسب طرديا مع سرعة الطائرة ( وهذا تأثير علم الرياضيات على أسلوبى تناسب طردى وعكسى ولمن لا يعرف فأنا معلم رياضيات درجة أولى ) وهذا التناسب الطردى ينعكس على كتابتى , بل يجب أن تكون كتابتى على هذا الضرب تماشيا مع العنوان , ولعـل قـارئى يلاحظ أن الفصول التى نشـرت لى مؤخـرا من كـتابى ( وتبقى الذكريات ) ركـزت فقط على ذكريات بينها رابط عضوى لا يبتعد عن الفكرة التى يتناولها الفصل . وليالى الاغتراب كتبت تروى معايشة واقعية ومعاناة وعناء وتعب وهموم البعد عن الوطن والأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء وزملاء الطفولة والصبا والشباب , وتترجم قرارا اتخذته بكتابة كل شيء عنى (هشام) لمن ضيعت من حب قديم , فكانت السيرة الذاتية لابد أن تحمل وتحوى سيرتى الذاتية بتفاصيلها, بدايات ومسارات وتحصيل علمى ومعارف وعلاقات متنوعة وثقافة وإنتاج شعرى وآراء ونظرات فى مختلف مناحى الحياة والفكر وكافة جوانب المعايشة السوية لمثقف حاول جاهدا أن يغرق همومه وآلامه بين صفحات الكتب المتعددة الموضوعات والجوانب , ولإتاحة مساحة أرحب للكتابة , اخترت أن تكون على متن طائرة من نفس الطراز الذى غادرت به السودان لأول مرة مهاجرا . ولعلى أخطأت عندما لم أكتب فى ذيل أو حاشية كل فصل ملحوظة تشير إلى موقعه من مؤلفاتى حتى يستطيع القارئ الذكي من أن يسبر جميع جوانب الفصول أو المقالات , علما بأن هناك بعض الفصول آثرت ألا أنشرها فى الوقت الراهن , إما لأنى لا أريد أن أرهق القارئ بمعاناة وآلام هو فى غنى عنها , أو لأنها ذات صلة بأعزاء علي وربما لا يوافقون على نشر ما يخصهم من معلومات مشتركة بيننا . عموما تعليق القارئ وملاحظته كانت محبطة لى بعض الشيء . ومن دواعى الكتابة الجانب التعليمى الإثرائى , ولكن ترى ما هي نسبة الذين يريدون إثراء لمعلوماتهم وثقافتهم العامة أو التخصصية فى عصر السماويات التى تأخذ بكل أسف وقت الكثيرين متابعة لأغان وموسيقى صاخبة وأفلام فاضحة , فأي وقت لهم ليعرفوا عن علم وعن سيرة وعن تفسير وعن فلسفة وعن تربية وعن أمور ومواضيع تتسم بالجدية والفائدة ؟ إنها لا شك نسبة ضئيلة ونادرة . نكتب كثيرا للدفاع عن الحقيقة ودحض المفاهيم الخاطئة , فأين يا ترى الحقيقة الآن فى عالم يتحكم فيه قطب واحد يفرض منطق الغاب والقوة لا العقل والحوار , يأتينا كل صباح بقرارات حددها ولابد من تنفيذها تجرى علينا كالقدر ولو تعلقنا بأستار الكعبة ! ضرب العراق الشقيق بحجة أسلحة الدمار الشامل , فما كان ولم يكن منها شيء , وقيل إن دكتاتورية الحاكم خلفت مقابر جماعية يستحق أن يزاح من أجلها , ومن عجب أن تلك المقابر الجماعية فى جنوب العراق أو فى حلبجة فى الغالب ليست من صنع النظام البائد وإنما لجهات أخرى اليد الآثمة فيها , ولا أريد أن أدخل فى تفاصيل تروى فى كثير من الصحف والمجلات , والغريب فى الأمر أن نفس تلك الأيادى الآثمة استغلت واشترت ذمم ضعاف النفوس لتحقيق سياساتها ومآربها , مستغلة تطلعهم المحموم للسلطة والحكم . بل لماذا سكتت هذه القوى عما يجرى بالعراق وهو ليس وليد اليوم ولا الأمس حتى التاسع من أبريل 2003 ؟ أعلم أن كتابتى لن تجد أذنا صاغية ولا إنصافا محايدا ,خصوصا أننى أكتب لا دفاعا عن صدام ولا أركان حكمه , فما تربطنى بهم سوى عروبتى وإسلامى , فكيف يتسنى لنا إذن إظهار الحقيقة ودحض الباطل ؟ الآن تحاك المؤامرات الدولية ضد السودان القطر العربي المسلم ومما يحيرنى أن البعض يكتبون عن الموضوع بصورة غير جادة ولا صادقة وتفتقر إلى المصداقية . منذ أن كنا أطفالا ونحن نسمع عن مناوشات فى دارفور بين قبيلة عربية وأخرى عربية وبين قبيلة عربية وأخرى من أصول زنجية وبين قبيلة من أصول زنجية وأخرى مماثلة لها , والأسباب تعود لا للتطهير العرقى وإنما لخلاف على كلأ أو ماء , فالقبائل هناك إما رعوية لثروة حيوانية ضخمة معروفة أو قبائل زراعية , وتحل المشاجرات بالطرق التقليدية والوساطات والأجاويد بين القبائل وربما برعاية حكومية , فلماذا تصعد مثل هذه المشاكل فى الوقت الراهن ؟ الجواب بسيط جدا يتلخص فى أن السودان يرقد الآن على بحيرات بترولية يسيل لها لعاب أمريكا وله إنتاج فى مجال الذهب والمعادن بجانب ما كان لـه من زراعة وثروة حيـوانية وماء النيـل العظيم , وقد أدى تسويق البترول إلى طفرة كبرى فى المسيرة الحضارية المتقدمة التى يشهدها السودان الآن خاصة فى العامين الأخيرين , ظهرت فى البنية التحتية من شوارع داخلية بالمدن طولية وعرضية و طرق سريعة وجسور وكهرباء وأسواق مركزية ومنشآت صناعية وتحديث لوجه الخرطوم الذى عاد مشرقا منيرا وضاء , وذلك أمر غير مقبول من قوى الشر والتآمر العالمى, وكلى يقين أن السودان لو استمر على هذا الحال لأعوام قليلة فسيكون له شأن يقلق الأشرار , ولذا كان لزاما من العمل على وقف مسيرة الخير والنماء , ورغم انتمائى التقليدى الموروث للحزب الاتحادى الديمقراطى , إلا أن إيمانى أن السودان فوق كل انتماء حزبى ضيق وأن السودان يجب أن يكون أولا وثانيا وعاشرا وأخيرا وأن انتماءاتنا يجب أن تكون للإنجاز والبرامج لا للطوائف الحزبية الضيقة . عدت من السودان أخيرا وكلى رضا عما ينتظم البلاد من نهضة أخرجتنا من محيط الخجل الذى كنا نحياه عندما يزورنا أخ أو صديق من دولة عربية , فلا يجد شارعا يسر ولا إضاءة ولا حتى إشارة مرور مع شح الماء بالخرطوم التى يلتـقى عنـدها النهران العظيمان الأبيض والأزرق ! واليـوم نحن فى حال آخر . كنا لا نجد البص الذى ينقلنا من مطار الخرطوم الحار إلى الطائرة وكانت صالة الوصول عبارة عن بعض الفراندات سقفها من الزنك , وكانت هناك ندرة فى كل شيء من بترول وغاز طبخ وحتى السكر الذى ننتجه بكثرة , معاناة يومية لا حد لها , واليوم كل شيء متوفر تماما حتى لو أنك احتجت إلى لبن العصفور فلن تجد معاناة فى شرائه وربما النوق العصافير , وانهال رأس المال الأجنبى تنمية وتعميرا , وفُعلت الدبلوماسية السودانية فى المجال العربي والأفريقي والعالمي على يدي وزير نشط , فهل يرضى ذلك أعداء الحياة والتقدم ؟ ولمن نشرح الحقيقة ولمن نقدمها ؟ لو أردنا أن يذهب البشير لفعلنا مثلما فعلنا مع عبود ونميرى , ولكننا لم نرد وسنسانده ضد قوى الشر والتآمر ولن نتخلى عنه ولن نسلمه لعدو أبدا رغم أنف أمريكا والمتآمرين معها . عفوا أن يأخذنى الكلام عن وطنى وخوفى عليه فليس بعد الوطن ولا قبل الوطن من أولوية , هو كل الذكريات وأيام الطفولة والصبا والشباب. وأعود إلى دوافع الكتابة من جديد . البعض يكتب للشهرة , صنفان : أحدهما لا خلفية لـه عن الكتابة ولا ثقافة ولا مقومات الكاتب , ولكنه يأبى إلا أن يكتب أي كلام مهما كانت تفاهته العلمية وأخطاؤه اللغوية والنحوية , ويرمى غيره بما لا يليق وينعتهم بما يخجل له المرء , يريد أن يبنى مجده على أشلاء الآخرين ومهاجمتهم عن حق أو بغير حق, وكم تعجبت من حملة شهادات عليا يلفتون نظرى , فأبدأ قارئا لهم , ولكنى أتعجب من فج كتابتهم وضحالتها وبعدهم عن العمق المفترض فى أشخاص يحملون مثل مؤهلاتهم , لا أجد فيما أقرأ إلا كتابة ذات خوار وصياح ( ديك...تور ) . والصنف الآخر يكتب عن قدرة واقتدار , ويقدم الكثير المثير الرائع , ولكن جهوده تذهب سدى وهباء , فلا صنعاء وصل ولا بلغ الشام , مؤذن فى صحراء , يحيا فقيرا ويموت فقيرا, ولحم الضأن تأكله الكلاب , وأي فرصة لـه مع من يصورون فيديو كليب يقوم على (سلام عليكو) , وأي فرصة لـه مع حسناء تظهر على فضائية لا تجيد حتى التعبير باللغة العربية ولا غيرها , ولكنها فاتنة تخفف دمها وتجذب الكثيرين , بل أي فرصة لـه مع من يظهرون على الشاشات وكأنهم ملاكمون بملابس غريبة وسلاسل وأساور وختم يغنون من الشعر الهابط ما يزكم أنوف المثقفين ولكنهم على كل حال أفضل حظا وأوسع شهرة , فلماذا نكتب إذن ؟ مجرد سؤال برئ ! من سمحت لـه نفسه وأراد أن يتسلق سلم الشهرة والمجد , فليكتب هِشّك بِشك والسلام على من اتبع الهدى . وعودة لمتابعة الكتابة على أن من يرغب أن يركب الموجة السائدة ويكتب هِشك بِشك جريا وراء الشهرة فليفعل , فهي أقصر الطرق إلى روما , ولكنى على كل حال لا ولم ولن أفعل ومهما كان الحال وكانت المواقف . ومن هذا المنطلق فسأُلزم نفسي بالكتابة الجادة والقول المفيد خصوصا وأننا سنسأل عما نكتب فى موقف عظيم يوم الفزع الأكبر وسنجد كتب أعمالنا تحوى الصغيرة والكبيرة , ولعل الأقراص المدمجةالمعروفة للجميع وحتى العاميين ب (compressed disks) تكون عاملا مساعدا إلى حدما لفهم ما سيكون عليه الحال . ولعل موضوع هِشك بِشك يشغلنى فعلا هذه الأيام , بل ويشغلنى كثيرا . شاءت الصدف السعيدة الجميلة أن أزور مسقط فى الآونة الأخيرة وتحديدا فى 25/8/2004 , تلك المدينة الرائعة الفائقة الجمال التى تمتد على ساحل الخليج العربي مكونة لوحة فنية رائعة وبديعة يمتزج فيها فن الحداثة فى أروع صوره بتاريخ ضارب فى الجذور بطبيعة ساحرة وبيئة نظيفة قلما تجد مثلها فى كثير من دول العالم , النظافة مظهر اشتهرت به المدينة , وتأخذنى المناظر السحرية والحدائق الغناء هنا وهناك وتسرح بى فى عالم من الخيال والإعجاب , وفجأة أقرر إكمالا لانشراح الصدر أن ألتقي فى ذلك اليوم الجميل بأخى وصديقى الشاعر الكبير عزت عفيفى قطب . ولعلى مرة كنت قد قلت إنى لم أقابل الرجل رغم علاقتى الوطيدة به , قررت لقاءه بعد أن كنت أتحاشى ذلك , ولعل مصدر ألا ألاقيه كان يقوم على أساس أن اللقاءات روحيا وفكريــا أقوى وأجود وأبقى من أن تلـتقي بجسد طيني يفنى بعد عمر طويل إن شاء الله , ولعل ذلك الجسد الطيني لا يعجبك , فخير لك أن تسمع بالأصمعي من أن تراه , وخير لك أن تقرأ للحطيئة ألف مرة من أن تفكر فى ذلك الوجه الدميم أو تلتقيه , وحاشا لله أن يكون أخى عزت شبيها للحطيئة أو غيره من دميمي الخلقة , فصورته على صفحات الأزمنة العربية تحلى شاشة الإنترنت , وهو على كل حال أجمل منى هيأة وصورة , خصوصا بعد أن ترك الزمن بصماته على صورتى التى لا تلفت الانتباه أصلا , فلم يبق من شعر رأسى سوى ذكريات لعلها أن تحسب لمن كان لـه وقت يحب تقضيته فيما لا يفيد , وطالت لحيتى وأصبت بيضاء , وكنت جدا لرهام وهاأنا موعود بأن أكون جدا لوئام من ابنى الدكتور إبراهيم فى أوائل أكتوبر المقبل إن شاء الله , فقد أبلغنى ذلك بعد أن تأكد من أن الجنين أنثى , واخترت لها الاسم ليكون متناغما مع اسم حفيدتى الأولى من ابنتى الكبرى , وإن كان إبراهيم وزوجته يتمنيان أن يكون المولود ذكرا فقط لتسميته ( حسن ) دون تمييز بين الأنثى والذكر أو تفضيل هذا على ذاك , يتمنيانه ذكرا ليحمل اسمى فى حياتى وأشاهد كيف يكون خليفتى , و حقيقة كنت سأكون سعيدا به جدا متمنيا أن يكون أوفر وأحسن حظا منى , عموما كان وما يزال يخامرنى اعتقاد بأن ابنهما الثانى القادم لاحقا بإذن الله سيكون ذكرا ولكنى لن أراه فالموت سيكون أسرع خطى إلي طبعا , ولن يجد الخليفة منى ذلك التدليل والشعر والحب والإيثار الذى كنت سأحبوه به لو كنت حيا , عموما سيجد إرثا ضخما من قصاصات من ورق عليها بعض كتاباتى وأشعارى ولن تفيده شيئا سوى أن يقول كان جدى شاعرا وكاتبا أجريت معه اللقاءات الصحفية المتعددة والمقابلات التليفزيونية , إذا تمت المحافظة عليها بعد موتى , وربما لا يجد لها أثرا . حييت عزت عبر الهاتف وأخطرته أنى فى انتظاره فى مكان معروف لديه , هرول الرجل مسرعا وجاء ليقابلنى وجها لوجه لأول مرة , كانت الأحضان والقبلات ودفء المشاعر والود يغمر اللقاء , وكنت على عجل من أمرى وارتباطات عديدة وسفر قريب بعد ساعات , وأصر الرجل أن أتغدى معه فاعتذرت , فأخذ يذكرنى بالمثل المصري الشهير : كلْ طعام حبيبك تسره وكل طعام عدوك تضره . ولما لم يجد بداً من الفراق , اقترح علي أن يأخذنى بسيارته لأقضى بعض مشاويرى ونقضى وقتا أطول مع بعضنا فى أول لقاء مباشر لنا , وكان الحديث بيننا يدور حول ما ستنشره الأزمنة العربية لى من موضوع أخير سبق أن أرسلته إليها فى وقت سابق . أثار ذلك الكثير فى نفس صديـقى عـــزت واتفقنا على أن نتفق ( لا على ألا نتفق كما هو شائع) على الدوام إن كنا بعيدين عن بعضنا أو كنا على لقاء حالي أو مستقبلي , فما يجمعنا إن هو إلا تطابق نظرة وأفكار وتفكير وتجانس أرواح مؤتلفة . وقبل أن أعرض للقاء الطيب بينى وبين الشاعر الكبير, أريد أن أسجل هنا أنى تهيبت وحاولت جاهدا ألا ألتقي بقلة من الرجال الكرام والعلماء القمم ذوى القامات الفارعة التى لا تضاهيها قامات فى مجال العلم والمعرفة والفكر , حاولت أن أنأى بنفسى عن لقاء العالم العلامة البروفيسور المرحوم عبدالله الطيب , فالرجل كان موسوعة علم ضخمة وكنت أتهيب مجرد لقائه والجلوس إليه حتى وفاته , خوفا من أن يفضح جهلى وضحالة قدراتى وتفكيرى ومواهبى , يصدق عليه قول المتنبى فى مديح سيف الدولة الحمداني : عليم بأسرار الديانات والنهى له خطرات تفضح الناس والكتبا فى بائيته الشهيرة : فديناك من ربع وإن زدتنا كربا فإنك كنت الشرق للشمس والغربا كما خفت خوفا شديدا من أن تجمعنى الظروف بالشاعر العملاق والأديب الأريب واللغوي الفرد فى هذا الزمان والعالم الإسلامي المفكر المجدد الشيخ أ.د أحمد الكبيسي , حتى كما عبرت لـه مرة عبر الأثير لا أتيح فرصة أخرى لأبى حنيفة هذا الزمان ليمدد رجليه أمامى بعد أن يكتشف ضعف علمى وقلة حيلتى . ولكن شاء الله أن تكون له محاضرة فى مدينة شعم بشمالى رأس الخيمة وعمل بعض معارفى على جمعى بفضيلته , حيث أخبروه أن إقامتى قريبة من شعم وعلى بعد كيلومترات قليلة , واتصلوا بى للحضور إلى مركز حدود الدارة حيث كان اللقاء التاريخى بين وبين الهرم العلمي الضخم فى الخامس والعشرين من سبتمبر 2001 , يوم لا ينسى فى تاريخ حيـاتى , والتقينا بعد ذلك مرات قلـيـلة ولكنى كلمـا أحـن إلـيه ,أخاطبه من بعد : ألا من مبلغ عنى كبيسي بأنى فاقد روحى وعقلى أحن إليه إن جنت ليالى وإن صبح تبدى بعد ليل تجاذبت الحديث مع صديقى العزيز عزت عفيفى قطب , تناقشنا حول ما آل إليه الحال فى مجال الشعـر والأدب والكتابة واضمحلال ثقافة حتى من يفترض فيهم الثقافة والعلم والمعرفة , وتعجبنا كيف أن رجوبة أو شعبولة أوسع شهرة وانتشارا من أقلامنا وأسمائنا التى ظلت تعطى بلا حدود على مدى خمسة عقود , زمان مهازل ولا شك ! وقد أجرت معى مؤخرا إحدى القنوات الفضائية العربية مقابلة أقنعتنى بها بعد جهد جهيد بفضل علاقتى الشخصية بالسيد مدير البرامج بالفضائية الذى سبق لـه أن أجرى لقاء صحفيا مطولا معى فى أواخر الثمانينيات لمصلحة إحدى الصفحات الأدبية بإحدى الصحف اليومية , ونشر اللقاء على جزأين لطولـه وشموليته , وكان اللقاء فيما يبدو مميزا , إذ نما إلى علمى مؤخرا أن إحدى دراسات نيل شهادة الدكتوراه ركزت على ذلك اللقاء كعنصر أساسى للدراسة , ومن عجب أنه بعد أن سجل اللقاء التليفزيوني , وكان على شكل محطات تناولت عددا من الموضوعات فى كل محطة من ضمنها علاقتى بالشيخ العالم البروفيسور الكبيسي وعزت عفيفى قطب والكثير من الشيوخ الأدباء أو عشاق الأدب ولهم الحس الأدبي الفني الذى يمكنهم من معرفة وتمييز الغث من الثمين , وحين جاء موعد تقديم اللقاء بى , تحدثت عنه مذيعة الربط وقدمتنى على أساس أنى حسن محمد حسن , وبعد المحطة الأولى عند تقديمها للمحطة الثانية , استفادت بعض الشيء من المحطة الأولى وقراءة اسمى تحت صورتى , وبعد أن استمعت إلى تقريظ كبير لى من المذيع الذى أجرى معى الحوار , عادت لتقدم المحطة الثانية مع الشاعر حسن إبراهيم الحسن وهو اسم لا أعرفه طبعا , وما عادت تنطق اسمى صحيحا إلا عند تقديم المحطة الثالثة وما تلاها ! ألم أقل لكم أننا نظل ونموت غير معروفين . حكيت ذلك لأخى عزت , فقال لى : لو كنت مؤلف أو مغنى لقصائد عصرية مثل: بيكاديللى وميكاديلى شاف شعرى وكندريلى سأسأ على سيكا فى الهمباتيكا هى دى عيشة دى بقت فركيشة دخان على شيشة أو الأغنية الأخرى التى تقول بعض كلماتها : غنوا معايا أيوة أيوة ... غنوا معايا هلا هلا غنوا معايا هزوا هزوا ... واحد أتنين شمال يمين واحد أتنين فوق وتحت غنوا معايا أيوة أيوة ... غنوا معايا هلا هلا لكنت ذا شأن وقيمة وطفقت سمعتك تملأ الآفاق ولك من المعجبين والمعجبات من يعلقون صورتك على جدران حجرات نومهم ويتسابقون إليك بالأتوقرافات للاحتفاظ بتوقيع غال منك ! عموما لم أفهم من الأغنيتين شيئا , فربما تكون كتبت للصفوة أو النخبة أو النخبويين مثلما نجاوب فى كل فضائية نداخلها بأن ما يحتفى به من شعر هردبيس ودردبيس وعلطبيس لا يستحق هذا الاهتمام ولا قيمة لـه , ولست أدرى متى نكون من النخبويين الذين يفهمون ؟ مجرد سؤال برئ وربما كان فيه بعض الخبث , وأعود لأسأل ولماذا نكتب نحن إذن ؟ عموما تمضى أيامنا طولا وعرضا , وتبقى فقط ذكرياتنا المؤلمة بعد أن نرحل وطوال بقائنا ! *********************************** الشاعر السوداني / حسن إبراهيم حسن الأفندي [email protected] 3/ 6 / 2006