قلت ذات بوست بأن أحد الظرفاء قال أن المدفون في ذلك الميدان ليس ( أبوجنزير ) بل سيدنا أيوب و الذي هو جد أهل السودان قاطبة. فورثنا منه هذا الصبر الممتد مجاورا أوردتنا و شراييننا و يمسك بتلابيبنا رضينا أم أبينا. هذا الصبر الذي أحسبه يرقد في أحشاء النيل مكونا جزيئاته و يغذي جذور كل نباتتنا التي نقتات منها .. و يتسرب إلى دماءنا .. عندما تهامستْ الملائكة بأن أيوب عليه السلام هو خير مَن في الأرض و أنه أعظم المؤمنين إيمانا و شكرا .. سمع الشيطان ذلك فساءه ما سمع .. (هناك ما يجعل بعض الناس من حولنا يفرحون لإقتتالنا و فرقتنا .. و يسوء البعض أن السلام تلوح تباشيره و ترفرف أعلامه ؟ ) .. فقال الشيطان حينها لله تعالى : ( يا رب إن أيوب يعبدك لغرض في نفسه .. فهو يعبدك لما منحته من مال و أولاد و صحة .. فإن إنتهتْ هذه النعم ، توقفْ عن عبادتك و نكص عن إيمانه بك ...) . فأباح الله لإبليس و عشيرته مال أيوب فأتوا على ماله و زرعه و ضرعه فأفنوها عن بكرة أبيها .. و تحول أيوب بين عشية و ضحاها إلى فقير لا يجد قوت يومه .. قال أيوب : عارية الله إستردها .. أمانته و أخذها .. ثم خر ساجدا يشكر الله .. ( و ضربت السودان سنوات القحط و الجفاف فصار أبناؤه يتسولون الدنيا و يطرقون أركان العالم المعروفة و المجهولة بعد سنوات رخاء و نعمة لم تدم طويلا ، ضربته حتى النخاع و جعلته بعد أن كان صاحب اليد العليا يرتاد موائد اللئام و الكرام معا .. وظلت الأمة صابرة صبرا يعجز حتى الصبر عن تحمله ,, و وقفت هذه الأمة تتحايل على الفقر و الحاجة بأساليب أثبتتْ بأن مقولة ( الحاجة أم الإختراع ) هي مقولة سودانية كيفا و تطبيقا .. تحايلنا على الجوع .. و على العطش .. و التشرد .. و الإغتراب .. و طوَّعْنا الظروف لتتماشى مع إمكاناتنا بأساليب تجعل إبليس نفسه يقف واضعا يد الدهشة على خد إستغرابه .. فقال إبليس المندهش لله سبحانه و تعالي : إن أيوب يعبدك لأنه يملك البنين فيتفاخر بهم لأنهم زينته في الدنيا ..( كما يفتخر السودان بهذا الشعب الهمام ) .. فأباح الله لإبليس أبناء أيوب .. فجعلوا سقف البيت ينهار عليهم فماتوا كلهم .. فقال أيوب محتسبا : لله ما أعطى و ما أخذ .. ( و مات أبناء السودان إرضاءا لشهوات الحكام و إرضاءا لعنجهية الإستعلاء .. ) فعاد إبليس و قال لله تعالى : إنه يتباهى بعافيته و قوته .. فأباح له الله جسد أيوب .. فمرض النبي مرضا جلديا فراح لحمه يتساقط و يتقيح و تفوح منه رائحة منتنة حتى هجره أهله و لم تبق معه إلا زوجته .. ( و إستباحت جحافل الناموس السودان فتغذتْ على الدم السوداني و أدمنته و جعلت هذا الشعب الشامخ فريسة للحمى و فريسة لإختبارات الدواء حتى إنتفختْ ليالينا بتأوهات المحمومين وسط نظرات الأمهات الحيرى لا حول لها و لا قوة غير السهر بجانب المرضى... و صارت الملاريا فردا من أفراد الأسرة تتنقل من جسد لآخر... و فشلت كلاوينا عن أداء عملها حتى إنطلق أبناء و بنات السودان يبحثون عن الكلاوي في الهند بدلا عن بحث العلم في الصين .. و دخل هذا العضو في سوق السودان الأسود.. و تسلل السرطان إلى أثداء النساء و أرحامهن .. ينتظرن الموت في صبر و جلَد .. يتشبثن بالدعاء و نذور أولياء الصالحين ..) نعود لسيدنا أيوب ... فقد طلب إبليس إجتماعا طارئا مع كبار المَرَدَة من الشياطين و الجن .. فقال شيطان عجوز محنك بخبث و دهاء و هو يغمز غمزا ذو مغزى : كيف أخرجنا آدم من الجنة ؟ فعرفوا أنه يقصد حواء سبيلا لتسريب مفعول الوسوسة .. فهرعوا إلى زوجة أيوب .. و همسوا في أذنها بالوسواس الخناس .. و دلقوا علي صدرها فيح سمومهم .. فجاءت الزوجة إلى زوجها أيوب و قالت له : حتى متى يعذبك الله ؟ لماذا لا تدعوه لكى يُذْهِب عنك هذه المصائب ؟ فقال لها أيوب الصابر بكل روية و حزم : كم مكثنا في الرخاء و النعم و الخير ؟ قالت : ثمانون عاما ... قال : و كم مكثنا في هذا البلاء ؟ قالت : سبع سنوات ... قال : أنا أستحي أن أطلب من الله رفع البلاء و لم أقض فيه مدة الرخاء و النعمة و الخير ..و الله لأضربنك إن شفيتُ مائة ضربة بالعصا لأن إيمانك بالله قد بدأ يصيبه الضعف و الوهن.. و أقْسم النبي الصابر بأن لا يأكل من يديها بعد ذاك اليوم.. فذهبت مغاضبة و بقى وحيدا يقاوم وسوسة إبليس له بأن يعصى ربه لأنه نسيه و عذبه و إبتلاه .. و لكنه ظل صامدا صابرا ..
( هذا الشعب يؤمن بأن الله يدخر له الخير .. لأنه قد ذاق الخير لسنوات ثم ذاق المر ثم عاد للخير .. و هكذا دواليك .. لذا فهو يثق بأن الله يمتحنه و يبتليه إلى حين .. نعم إلى حين .. )
ثم رجعت زوجة أيوب بطعام .. فقال لها : من أين لك المال ؟ ثم إكتشف لاحقا أنها قد قصًتْ شعرها و باعته و أتت بثمنه طعاما .. ( لله درنا .. كم من رجل باع متاعه ليغترب ؟ كم من رجل باع عقاره ليهرب من أمر محتوم ؟ كم رجل ترك كل ما يملك فرارا من واقع مرير ؟ ) ثم دعا أيوب ربه أن يشفيه .. فأستجاب الله له .. و أمره أن يستحم في عين من عيون الجبل و أن يشرب من ماءها .. فشفى بأمر ربه .. و وهبه الله مرة أخرى المال و البنين .. و أمره أن يحزم مائة عود من الريحان و يضرب زوجته ضربة واحدة حتى لا يحنث في قسمه الذي أقسمه ..
هل تُقْسِمون بضرب زوجاتكم مائة ضربة بأغصان الرياحين ( ضربا غير مبرح ) إن رفع الله عنكم هذه المحن و هذه الإبتلاءات ؟ عندها .. ستجدون أن أغصان الرياحين قد إرتفع سعرها و دخلتْ السوق الأسود .. و حينئذ إما ضربتوهن بالعصي الغليظة ضربا مبرحا .. أو حنثتم في قَسمكم و نلتم غضب الرب .. و أحلاهما علقم .... عجبي ...
الفكرة رائعة ... والمقارنة ذكية. أن تلبس الشعب السودانى الصامد أمام المحن و المصائب حلة الصبر الخاصة بسيدنا أيوب عليه السلام، وتجدها - حسب معالجتك الرائعة - ملائمة له تماما و(قدره بالضبط) كأنها فصلت له. جميل أن تحكى قصة النبى الصابر أيوب عليه السلام بهذا التبسيط الممتع و تقارنها - بكل براعة - مع معاناة الشعب السودانى أمام فشل الساسة و الحكام و فسادهم عبر التاريخ . و جميل أن - بكل تفاءل - تبشرنا برفع المحن والإبتلاءات عن كاهل السودانيين جزاء صبرهم و صمودهم .... كما رفعت عن أيوب من قبل ......... خ . الأيوبى
02-22-2005, 00:27 AM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
Quote: بعد أن كان صاحب اليد العليا يرتاد موائد اللئام و الكرام
Quote: و إستباحت جحافل الناموس السودان فتغذتْ على الدم السوداني و أدمنته و جعلت هذا الشعب الشامخ فريسة للحمى و فريسة لإختبارات الدواء حتى إنتفختْ ليالينا بتأوهات المحمومين وسط نظرات الأمهات الحيرى لا حول لها و لا قوة غير السهر بجانب المرضى... و صارت الملاريا فردا من أفراد الأسرة تتنقل من جسد لآخر... و فشلت كلاوينا عن أداء عملها حتى إنطلق أبناء و بنات السودان يبحثون عن الكلاوي في الهند بدلا عن بحث العلم في الصين .. و دخل هذا العضو في سوق السودان الأسود.. و تسلل السرطان إلى أثداء النساء و أرحامهن .. ينتظرن الموت في صبر و جلَد .. يتشبثن بالدعاء و نذور أولياء الصالحين.
Quote: تحايلنا على الجوع .. و على العطش .. و التشرد .. و الإغتراب .. و طوَّعْنا الظروف لتتماشى مع إمكانياتنا بأساليب تجعل إبليس نفسه يقف واضعا يد الدهشة على خد إستغرابه ..
تعرف يا استاذ ابوجهبنة، سيدنا ايوب زاتو كان حيحتار فى امرنا
ابو جهينة : والله قربت أصدق إنو فعلاً المدفون في أبو جنزير هو سيدنا أيوب وممكن كمان يكون مدفون في أغلب ميادين السودان من الأمم المتحدة وميدان عبد المنعم ومشروع الجزيرة وقناة جونقلي وجب عوينات ومرة ... كلامك بالدارجي وبي الفصحة وبالهندي وبي كل اللغات رائع .. يديك العافية ويكفيك شر خلقو ...
02-22-2005, 01:01 AM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
Quote: (هناك ما يجعل بعض الناس من حولنا يفرحون لإقتتالنا و فرقتنا .. و يسوء البعض أن السلام تلوح تباشيره و ترفرف أعلامه ؟ ) ..
نتضارب و نتحارب فيفرح بعض الذين يضمرون الحسد و الكره .. و ما أن نأتي بسيرة السلام و أن البلد لازم نحكمها بالديمقراطية و أن العدل لازم يسود ، فنجد أكثر من إسفين يضرب تحت أرجلنا .. إحترنا يا وليد .. ربك يلطف
02-22-2005, 01:29 AM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
Quote: والله قربت أصدق إنو فعلاً المدفون في أبو جنزير هو سيدنا أيوب وممكن كمان يكون مدفون في أغلب ميادين السودان من الأمم المتحدة وميدان عبد المنعم ومشروع الجزيرة وقناة جونقلي وجب عوينات ومرة ...
إنت قربت .. أما أنا فأعتقد شبه جازم بأن الأمر كذلك .. أو على الأقل ( جيناتو ) كلها إتكبت عندنا ..
أرقد عافية
02-22-2005, 03:35 AM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
العزيز جلال داود "أبو جهينة" تحية المودة والشوق مقارنة الشعب السوداني بنبي الله سيدنا أيوب جميلة جدا.. وهي تذكرني بالنكتة التي تقول بأن الشعب السوداني من بين جميع شعوب الأرض هو وحده الذي سيدخل الجنة بدون حساب ولا محاسبة، والسبب بسيط، أنه أخذ نصيبه من العذاب في هذه الحياة.. والنكتة تقول أن الملك عندما يأتي السوداني يقول له: سوادني؟؟ تفضل، إنتو كفاية الضوقتو في الحياة!! ويفتح له ويدخله الجنة بدون حساب.. رمزية زوجة سيدنا أيوب لها دلالات عجيبة.. وهي أن المرأة بطبيعتها داعية حياة، وهي مصدر الحياة في الحس، بمعنى أن الله يخلق البشر في داخلها.. وأنا عندما أقرأ القصة كما جاءت في الكتاب المقدس يتبين لي أن نفس سيدنا أيوب في الحقيقة قد ضاقت بالمرض، وهذا أقرب للطبيعة البشرية، ولكن روحه كانت تشده إلى الشكر والحمد، وهذا ظاهر في تبادل النص التوراتي بين كلام النفس وكلام الروح ودعني أورد مثالا لذلك.. نقرأ في الإصحاح الثاني من سفر أيوب قصة أصدقائه الثلاثة الذين جاءوا لزيارته وتعزيته بعد أن فقد ماله وأبناءه وصحته:
Quote: ثُمَ فتَحَ أيُّوبُ فمَهُ ولعَنَ يومَهُ 2وقالَ: 3«لا كانَ نهارٌ وُلِدْتُ فيهِ، ولا ليلٌ قالَ: حُبِلَ بِرَجلٍ. 4ليكُنْ ذلِكَ النَّهارُ ظَلامًا لا يتَعَهَّدْهُ اللهُ مِنْ فَوقُ ولا يُشرِقْ علَيهِ نورٌ. 5يتَوَلاَهُ الظَّلامُ وظِلُّ الموتِ، وعلَيهِ يَحِلُّ السَّحابُ وتُباغِتُهُ كَواسفُ النَّهارِ. 6ليتَ السَّوادَ أمسَكَ ذلِكَ اللَّيلَ فلم يُحسَبْ بَينَ أيّامِ السَّنةِ ولا دخلَ في عددِ الشُّهورِ. 7ليتَهُ كانَ عاقِرًا ولا يُسمَعُ فيهِ هُتافُ الفرَحِ. 8يلعَنُهُ اللاَعِنونَ كُلَ يومِ، الماهرونَ في إثارَةِ لاوياثانَ. 9ليتَ نُجومَ مَسائِهِ أظلَمَت فلم يَجئْهُ النُّورُ مِنْ بَعدُ. ولا رأى أجفانَ الفَجرِ. 10فهوَ لم يُغلِقْ على أبوابِ البَطنِ ولا ستَرَ الشَّقاءَ عَنْ عيني. 11لماذا لم أمُتْ مِنَ الرَّحِمِ أو فاضَت روحي عِندَما خرَجتُ. 12لماذا قَبِلَتْني الرُّكبَتانِ، أوِ الثَّديانِ حتى أرضعَ؟ 13إذًا لكُنتُ الآنَ أرقُدُ بسلامِ، غارقًا في سُباتٍ مُريحٍ 14معَ مُلوكِ الأرضِ ووُزَرائِها في ما بَنوهُ لهُم مِنْ قُصورٍ، 15معَ الأُمراءِ وذَهَبُهُم كثيرٌ وبُيوتُهُم مملوءَةٌ بالفِضَّةِ، 16أو لكُنتُ كمَنْ يُولَدُ طِرحًا، ومِثلَ جنينٍ لا يَرى النُّورَ، 17هُناكَ يَكُفُّ الأشرارُ عَنِ القَلَقِ، وهُناكَ يستَريحُ المُتعَبونَ. 18هُناكَ يَطمَئِنُّ الأسرى ولا يسمعونَ صوتَ المُسَخرِ. 19هُناكَ يَتساوى الصَّغيرُ والكبيرُ ويتَحرَّرُ العبدُ مِنْ سَيِّدِهِ. 20لماذا النُّورُ لِلتُّعَساءِ والحياةُ لِمَنْ نُفوسُهُم مرارةٌ، 21المُنتظرينَ الموتَ فلا يَجيءُ، الباحثينَ عنهُ بَينَ الدَّفائِنِ، 22الذينَ يفرحونَ حتى الإبتهاج وينشَرحونَ إذا وجدوا قبرًا. 23لماذا النُّورُ لِمَنْ لا يَرى طريقَهُ، لِمَنْ أغلَقَ اللهُ كُلَ مَجالٍ حَولَهُ؟ 24فإذا نُواحي هوَ طَعامي، ودُموعُ أنيني ماءٌ لي. 25كُلُّ ما أخشاهُ يَحِلُّ بي، وما أفزَعُ مِنْهُ يُصيبُني. 26فلا طُمَأنينَةٌ لي ولا سلامٌ، ويأتيني القَلَقُ فلا أستريحُ».
هذا كان نموذجا من حديث النفس.. وفي الإصحاح التالي نجد كلام الصديق أليفاز التيماني وهو يمثل صوت العقل ولكن من خارج أيوب، ولكنه صوت من يده في الماء وليست في النار
Quote: فأجابَ أيُّوبُ: 2«لو أنَّ بُؤسيَ ومَصائِبي جميعًا، تُقَدَّرُ وتُوزَنُ في ميزانٍ 3لكانَت أثقَلَ مِنْ رِمالِ البحرِ وكيفَ لا يكونُ كلامي لَغوًا 4وأهوالُ اللهِ تَمحَقُني وسِهامُهُ تَنغَرِزُ بي وسُمومُها تَمتَصُّ روحي. 5أينهَقُ الحِمارُ على العُشبِ، أو يَخورُ الثَّورُ على عَلَفِهِ؟ 6أيُؤكَلُ الطَّعامُ التَّافِهُ بِلا مِلحِ، أم يكونُ لبَياضِ البيضَةِ طَعْمٌ؟ 7طَعامٌ كانَت تَعافُهُ نفْسي، صارَ قُوتي في زمَنِ بَلائي. 8مَنْ لي بأنْ تُلَبَّى طِلْبَتي، ولَيتَ اللهَ يُعطيني رجائي! 9لَيتَهُ عَنْ رِضىً يُحَطِّمُني ويُطلِقُ يدَهُ فَيقطَعَ حياتي. 10ولكِنْ لي تَعزيَةٌ بَعدُ تُبهِجني في عذابٍ لا يُحتَمَلُ: أنَّني لم أُنكِرْ كلامَ القُدُّوسِ. 11ما هيَ قُوَّتي حتى أنتَظِرَ وما مَصيري حتى أُطيلَ حياتي؟ 12أقُوَّةُ الحجارةِ قُوَّتي، أم لَحمي أنا مِنْ نُحاسٍ؟ 13أبَقِيَت في داخلي قُدرَةٌ؟ أما كُلُّ عَونٍ تباعَدَ عنِّي؟ 14مَنْ منَعَ الرَّحمةَ عَنْ صديقِهِ تخلَّى عَنْ مخافةِ القديرِ. 15إخواني يَمُرُّونَ كالسَّيلِ ويعبُرونَ كأنهارِ الأوديةِ 16وعلَيها يتكاثَفُ الجليدُ وتزدادُ مِنْ ذَوَبانِ الثَّلج. 17لكِنْ ما إنْ تسيلُ حتى تَنقَطِعَ، وفي الحَرِّ تَختَفي مِنْ مكانِها. 18فيُحوِّلُ المُسافِرونَ طريقَهُم ويتَوغَّلونَ في التِّيهِ فيَبيدونَ. 19قوافِلُ تَيماءَ تبحَثُ عَنها، ورُكبانُ سَبأٍ بِها يأملونَ. 20يَجدونَ ثِقَتَهُم في غَيرِ مَحلِّها فَحينَ يَصلونَ إليها يَخيبونَ. 21والآنَ هكذا حالُكُم معي، رأيتُم نَكبَتي فأصابَكُم فَزَعٌ. 22أقُلتُ لكُم: أعطوني شيئًا، أو مِنْ مالِكُم أنفِقوا عليَّ؟ 23أو أنقِذوني مِنْ يَدِ الخصمِ، أوِ اَفتَدوني مِنْ يَدِ الطَّاغيةِ؟ 24أروني الصَّوابَ فأسكُتَ، فَهِّموني في أيِّ شيءٍ ضَلَلتُ. 25كلامُ الحَقِّ ما أحلى وَقعَهُ، أمَّا لومُكُم لي فلا حَقَ فيهِ. 26أتحسبونَ كلامي يَستَحِقُّ اللَّومَ، وهوَ كلامُ يائِسٍ يذهبُ في الرِّيحِ؟ 27تُلقونَ على اليتيمِ قُرْعَةً وتبيعونَ صديقَكُم بالرُّخصِ. 28والآنَ هَيَّا واَنظُروا إليَ، فأنا في وُجوهِكُم لا أكذِبُ. 29عودوا عَنْ رأيكُم ولا تَجوروا، فتَعودَ إليَ بَراءَتي. 30هل تَجدونَ جورًا على لِساني، أم أنَّه لا يتَبَيَّنُ ما هوَ حَقًّ».
ويستمر التبادل على هذا النسق في حوار ممتع، ولكن المجال يضيق، فأرجو ممن يريد أن يقرأه كاملا أن يرجع إلى هذه الصفحة في الشبكة: http://www.elkalima.com/gna/ot/job/chapter6.htm ثم يتابع هناك.. المهم الذي أريد أن أصل إليه في رواية الكتاب المقدس هي أن هناك حكمة وهي تعليم أيوب.. ففي الإصحاحات الثلاثة قبل الأخير يتكلم معه الرب من خلف العاصفة.. وفي الإصحاح الثاني والأربعين وهو الأخير تظهر هذه الحكمة بصورة جلية:
Quote: فأجابَ أيُّوبُ الرّبَّ وقالَ: 2«عرَفتُكَ قادرًا على كُلِّ شيءٍ فلا يتَعذَّرُ علَيكَ أمرٌ. 3أخفَيتَ مَشورَتَكَ ولم تَبُحْ بِها. فتكلَّمتُ بكَلامِ باطلٍ على مُعجزاتٍ لا أُدرِكُ مَغزاها وعجائِبَ فَوقَ مُتَناوَلِ فَهمي. 4إسمَعْ، فلي بعدُ ما أقولُهُ، وما أسألُكَ عنهُ فأخبِرْني. 5سمِعتُ عنكَ سَمْعَ الأُذُنِ، والآنَ رأتْكَ عَيني. 6لذلِكَ أستَرِدُّ كَلامي وأندَمُ وأنا هكذا في التُّرابِ والرَّمادِ». الخاتمة
7وبعدَ أنْ كلَّمَ الرّبُّ أيُّوبَ بهذا الكَلامِ، اَلتَفتَ إلى أليفاز التِّيمانيِّ وقالَ: «أنا غاضِبٌ علَيكَ وعلى صاحِبَيكَ لأنَّكُم ما تكلَّمتُم أمامي بالصِّدقِ كعَبدي أيُّوبَ. 8والآنَ خذوا لكُم سبعةَ ثيرانٍ وسبعةَ كِباشٍ وعودوا إلى عبدي أيُّوبَ وقدِّموا ذبيحةً تُكفِّرُ عنكُم، وعبدي أيُّوبُ يُصلِّي مِنْ أجلِكُم. وسأستَجيبُ لَه فلا أُعامِلُكُم بِحَماقَتِكُمُ التي جعَلَتْكُم لا تتكلَّمونَ أمامي بالصِّدقِ كعبدي أيُّوبَ».9فذهَبَ أليفازُ التِّيمانيُّ وبَلددٌ الشُّوحيُّ وصوفَرُ النَعماتيُّ وفعَلوا كما قالَ الرّبُّ لهُم. فاَستَجابَ الرّبُّ لأيُّوبَ.
10ورَدَ الرّبُّ أيُّوبَ إلى ما كانَ علَيهِ مِنْ جاهٍ حينَ صلَّى لأجلِ أصحابِهِ. وزادَ اللهُ أيُّوبَ ضُعفَ ما كانَ لَه قَبلُ. 11وزارَهُ جميعُ إخوتِهِ وأخواتِهِ وكُلُّ مَنْ كانَ يعرِفُهُ مِنْ قَبلُ، فأكَلوا معَهُ خبزًا في بيتِهِ ورَثَوا لحالِهِ وعَزَّوهُ عَنْ كُلِّ البلايا التي أنزَلَها الرّبُّ بهِ. وأهدى لَه كُلُّ واحدٍ منهمُ قِطعةً مِنَ الفِضَّةِ وخاتَمًا من ذهَبٍ.
9فقالَت لَه اَمرأتُهُ: «أتَبقى إلى الآنَ مُتَمَسِّكًا بِنَزاهَتِكَ؟ جدِّفْ على اللهِ ومُتْ!»
10فقالَ لها أيُّوبُ: «كلامُكِ هذا كلامُ اَمرأةٍ جاهِلَةٍ. أنَقبَلُ الخيرَ مِنَ اللهِ، وأمَّا الشَّرَ فلا نقبَلُهُ؟» ومعَ هذا كَلِّهِ لم يَخطَأْ أيُّوبُ بكَلِمَةٍ مِنْ شَفَتَيهِ.
نلاحظ في رواية الكتاب المقدس عدم ذكر زوجة سيدنا أيوب بعد شفائه وعودة ماله، وإنما يُقال بأنه ولد له سبعة بنين وثلاث بنات.. أما الرواية القرآنية فمع أنها أقل تفصيلا من رواية سفر ايوب إلا أنها تذكر زوجته ففي سورة الأنبياء جاء قوله تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وفي سورة ص قوله تعالى: " وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) " في تقديري أن الحكمة وراء قصة ضرب أيوب لزوجته في الرواية القرآنية تتسق مع كون أنها هي التي لم تصبر، بغض النظر عن تلطيف العقوبة.. أماالرواية القرآنية، فإن ظاهرها يقول بأنه صبر، ولكن في حقيقة الأمر، ولدى النظر الدقيق فإن الألم والمعاناة التي مر بها سيدنا أيوب في حد ذاتها عقاب، بمعنى تعليم، له وعبرة لنا جميعا على قاعدة "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم، وكان الله شاكرا عليما".. هذا يأخذنا إلى تقرير أن الحكمة من العذاب هي التعليم، ومن هنا فإنه يتضح حكمة الحكيم التي قال بها الأستاذ محمود محمد طه بأنه لا يمكن أن يكون العذاب في النار سرمديا.. جاء هذا في فقرة من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" تقول:
Quote: فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها.
وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد.
والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.
وفي الختام لك شكري وتقديري، يا عزيزي جلال، على القصة.. ياسر
02-22-2005, 11:35 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
Quote: فقط أتساءل لماذا نضرب نساءنا ؟ هنّ أخواتنا وشريكاتنا في الصبر ، وأخواتنا وشريكاتنا في كل مخترعات الصمود ،،،
لن نكون بالطبع أحن عليهن من نبي الله ايوب الصابر المحتسب .. و لكن الضرب هنا كناية عن التساؤل عن نوعية الثمن الذي دفعناه عن سنوات صبرنا و عن لحظات ضعف إيماننا و عن لحظات نكوصنا عن الحمد و الشكر في كل الأحوال ..
Quote: لكن الضرب واجب لأبالستنا ، الذين سعوا فينا بالفرقة ، والضلال ، واعملوا فينا الظلم ...
و لا زال الضرب فينا متواصلا .. و قد إعتدنا في كل مرة ( عفا الله عما سلف ) ..
02-23-2005, 04:55 AM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
أشكرك جدا على مداخلتك القيمة كعادتك دائما .. تثري أي بوست بفكرك النير المستنير ..
حقيقة وقفت طويلا عند كلمات الأستاذ الشهيد محمود محمد طه :
Quote: فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها.
وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد.
والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.
هذه فلسفة دينية و دنيوية متكاملة .. بالغوص في المعنى العميق لهذه الفلسفة ، أتساءل : كيف تم إغتيال هذه العقلية ؟ و لماذا ؟ خسارة بحجم الوطن ..
تسلم
02-23-2005, 09:06 AM
عشة بت فاطنة
عشة بت فاطنة
تاريخ التسجيل: 01-06-2003
مجموع المشاركات: 4572
بالله عاش 80وتاني سبعة ولسة كان ماشي ، أريتو عمر السرور ، لكن بيني بينك ناس الزمن دا كان عاشوا قدر دا ماكان دخلونا في جحر نمل ، حسي شوف الانقاذيين عملو شنو ؟
02-23-2005, 12:30 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
Quote: رمزية زوجة سيدنا أيوب لها دلالات عجيبة.. وهي أن المرأة بطبيعتها داعية حياة، وهي مصدر الحياة في الحس، بمعنى أن الله يخلق البشر في داخلها.. وأنا عندما أقرأ القصة كما جاءت في الكتاب المقدس يتبين لي أن نفس سيدنا أيوب في الحقيقة قد ضاقت بالمرض، وهذا أقرب للطبيعة البشرية، ولكن روحه كانت تشده إلى الشكر والحمد، وهذا ظاهر في تبادل النص التوراتي بين كلام النفس وكلام الروح ودعني أورد مثالا لذلك..
ما أعمق تحليلك يا أستاذ ياسر
03-07-2005, 11:19 AM
Ashrinkale
Ashrinkale
تاريخ التسجيل: 04-10-2004
مجموع المشاركات: 336
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة