|
سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد
|
السلام عليكم للذين طلبوا مني المساهمة فلنبدأ بآخر عمل ابداعي ينتهي بحلم 4\1\2005 م تسونامي السوداني
"لحم الضفادع"
الخميس 18/2/1982م
عندما هبطت بنا طائرة الرياض، انتظرنا وأضاءوا لنا "الرتاين" والشموع كأننا نبحث عن غريق، عاودني الضيق في الخرطوم... نهار رمضان الساخن وطوله، … برامج الإذاعة والتلفزيون الرتيبة وتكرارها ... زادت من ضيقي... ومسلسل "البرادعي" وما فيه من مط وتطويل وسخف جعلني أفكر في "الشمالية"، ومنذ أن وصلت إلى بصات الشمالية، كنت أردد: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم؟ المسافرون كانوا يحملون معهم كل شيء… السكر والشاي… السجائر والتمباك… الملح والشطة والليمون… العجور والبطيخ… الأسرة والشبابيك… كل شيء بما في ذلك مرقة دجاج "ماجي" . قلت لعمر الهمام صاحب البصات: أذن في الناس لتبدأ مسيرة البصات، وقد أوشكت الشمس على المغيب، قال: من أراد منكم أن يؤذن فليؤذن.. فقد ولى زمان الأذان. أول ما هبطنا "كورتي" وجدنا حادثة انتحار... في المدرسة الثانوية... تحقق الشرطة فيها، فاندهشنا…. لم تدم دهشتنا… حتى الأطفال عرفوا الانتحار….. تناولت تلميذات المدارس الأقراص المنومة والمهدئة عدداً من المرات… سألت: لماذا ؟ قالوا : كثيرات من أمهاتهن مطلقات وأخريات اغترب آباؤهن لبضعة سنوات، وأخريات ضاقت أمامهن فرص التعليم، وأخريات فاقت تطلعاتهن الواقع… قال أحدهم : مدارس الشمالية لم تعد كما كانت… كثرت الهموم... الداخليات عدمت الأكل. سألوني عن مرقة الدجاج إن كانت حلالاً أو حراماً. قالوا : فيها لحم الخنزير. قلت : إن كان فيها ذلك فهي حرام. قالوا : مخلوطة بلحم الضفادع. قلت لهم : لحم الضفادع حلال…. وعلى كل حال، لماذا تأكلون مرقة الديك، فهي أصلاً ليست من الوجبات وإنما من المشهيات، …. لماذا لا تربون الدواجن؟ قال تاج الأصفياء : كل شيء هنا غير موجود… اللحمة والخضار والقمح والذرة…حتى الناس غير موجودين…لم تحضرون؟
"النجم الساطع" الجمعة 19/2/1982م
ذهبت أنا وزوجتي وأطفالي نبحث عن مأوى نأوي إليه، طرقنا بابه فلم نجده… فتح لنا الباب أحد المريدين… فدخلنا…"الرقيق عود السلم"... شيخنا... كان رجلا صوفياً… ومغنياً بارعاً، حديقة في بيته لفتت أنظارنا… فرشت الأرض بأكاليم فارسية ، اتسخت بقدومنا حين أدخلنا سيارتنا… وجدنا أسرّة في الفناء الرطب… داخل الممرات أسرّة فراشها مبعثر… يبدو أن زوجته وأطفاله غائبون من مدة. قال المريدون : إنهم يزورون أهلهم بالصعيد. قالت زوجتي : نبيت الليلة هنا. قلت لها : صاحب الدار غائب . قالت : الحارس يكفي… قلت : حارسه لم يحادثني… قالت : شيخنا أعطاه الإشارة بأن لا يرد أحداً. أضاءت الدار بالتدريج… كانت البلدة مظلمة… يبدو أنهم يملكون مولداً كهربائياً… أداروه… قلت : لا تسدوا الأبواب . خرجت من الدار عند الصباح أتفقد البلدة… وجدت مجموعة من أبناء بلدي… يقيمون في الخلاوي المتناثرة في فناء الدار… كانوا مسرورين فرحين… يرتلون آيات من القرآن… يتحاورون في أمور الدين… كان بعضهم علماء متواضعين… وبعضهم جهلاء… يعلو صوت الجهلاء… ويتحدث العلماء بحياء شديد… ويبتسمون… خرجت منهم لزيارة أهل قيل إن لديهم عزاء… توقفت عند باب دارهم… كان الوقت صباحاً مبكراً، وجدتهم يتناولون شاي الصباح وبعض فطائر ساخنة… لم يسرهم قدومي مبكراً… عرفوا بأنني ما حضرت لهم إلا للمجاملة… لست حزيناً على من مات منهم… كان لي ارتباط آخر أكثر أهمية… ربما علموا به… بعد قليل أتوا بلحم تمساح… أخذوا يمزحون مع صائده عن وزن عضو التمساح التناسلي… قيل : إنه يعالج عقم الرجال… يقوي الباءة… كان لحمه مشوياً تفوح منه روائح سمك نافذة… لم تألفه نفسي… أخذ الشبان يمازحون شيخاً استلقى على قفاه… متزوج بفتاة تصغره بعشرات السنين: قال : إنه عاجز عن تناولها. … أفردوا له عضو التمساح . فقال لهم : أطعموه لأمهاتكم… ينفعهن… ضحكوا… ذهب مسرعاً غاضباً… يهمهم بكلمات مسموعة… غير مفهومة… تابعته بنظري وتبعته… زرت أهلي معه… قلت لهم : إنني سعيد بكم. قالوا: نحن سعداء أيضاً بلحم التمساح..! وقفنا أمام بئرنا، فإذا بنا نراها تتهدم من أطرافها… اتسعت… تفجرت فيها عين تمر عبر هوة من أسفلها ضاعفت من مائها… نقف على أعتابها لنراها تتهاوى من جوانبها… غفلنا عن أطفالنا… فعلوا ما فعلنا… طفلتي "هيفاء" تنزلق قدمها… تهوي إلى أعماق البئر… فزعنا جميعاً… وثبنا إلى نجدتها… وقفت على أعتاب البئر والمياه المتدافعة عبر العين تكاد تجرفها إلى جوف الأرض… إلى الهوة في أسفل البئر… والرمل يتفتت… ينهال عليها من كل جانب… تحاول إزاحته عن شعرها وعيونها وتصرخ… فكرت أن أقفز إليها… بدأت المياه تبتلعها… حرنا في أمرنا… لو نزلت لابتلعتني المياه معها… شهدتها تُقبر حية أمام ناظريّ… نصف الأهل غائبون… ثوان وانهارت البئر عليها… قبل أن استنجد ببعض الأعراب… بكيت… قالت أختي : العرب ما هم قانعون من حياتهم… أنزل بنفسك… ألقينا للطفلة ببعض الأخشاب لتمسك بها… فكانت المياه تجرفها عنها… كانت تصرخ… تنظر إلينا وتقاوم تيار المياه… تغوص دون إرادتها… وتطفو مرة أخرى… مخنوقة بالماء… يبدو أنها تحققت أنها هالكة لا محالة… فترت مقاومتها… بدأت تستسلم لقدرها… خارت قواها… اختفت فجأة… استنجدنا بالجيران والأهل… وقفنا كلنا عاجزين عن فعل شيء من أجلها… صعب علينا تركها حيّة تحت التراب… لو نزل أحد ستنهار البئر كلها عليه،… انتظرنا لثلاث ليالٍ… ما درينا ما ننتظره… لم تنهار البئر، ليتنا نزلنا إليها… قيل لنا : إن أمر الله قد نفذ… أهيلوا التراب على البئر وأغلقوها بأنفسكم حتى لا تبتلع آخرين من أطفالكم…! وفي الليلة الثالثة ظهر لنا فجأة رجل في مركب رهيب…هل هو "عود السلم"... لا أدري... ؟ له تهليل وأناشيد ... رايات رفعت وأخرى خفضت... ودوي طبول وصفير مزامير… شق طريقه إلى البئر… وقف على أعتابها ينادي… يجلجل نداءه في البراري… تردد الجبال صداه… ذهبنا لحضور حفل بهيج بالنادي الأمريكي…كأنما رتب خصيصاً لجمع معلومات… فالبلاد تمر بمأزق مجاعات…رافقت دكتور"عبيد الله"... أصحابي مصابون بإسهال في ألسنتهم… ناقشوا مناورات "النجم الساطع" مع الجيش الأمريكي في بورتسودان... أكلنا... شربنا ... ارتوينا... رقصنا... لم نتطرق للمجاعة... أحضرنا معنا… عائلاتنا… ساد هرج ومرج…مظاهرات طلاب... فخرجنا… لم أجد حذائي وحقيبة نقودي وأوراقي الخاصة… شهاداتي… قلت لهم : من أخذ أشيائي. قالوا : أخذتها زوجتك. قلت : زوجتي أخذت الحقيبة!!! من أخذ الحذاء؟. عرضوا عليّ أحذية جديدة… سيئة الصنع… تفقدت ردهات المبنى… وجدت السياسيين فرحين وأنا حافي القدمين… سألتهم عن حذائي… لم يجبني أحد… كأنما كانوا يقتسمون الغنائم بعد أن انفض الجمع من حولهم… جمعوا فتات الموائد… وصاغوا بياناً يشيدون فيه بإنجازاتهم التي تحققت في هذا المهرجان القومي كما وصفوه… ، اندهشت ووصفتهم بالجهل في صوت غاضب حين أشادوا بأسماء أشخاص لم يتكلموا… كانوا يراقبون الآخرين طوال الوقت… خرجت للشارع غاضباً متوتراً…سيارتي في صفوف البنزين لثالث ليلة... كنت حافياً… لم أجد سيارة … الشمس تصعقني… غبار ساخن اختلط مع العرق… ملأ تجاويف ملابسي والتصق بها… لساعات كنت أطارد سيارات الأجرة فلا تتوقف… السائقون يسخرون مني… وهم يجوبون المدينة… يحملون ركاباً في كل الأوقات… يمدون لي ألسنتهم… ينظرون إلى قدميّ الحافيين…
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | مختار عجوبة | 01-04-05, 05:23 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | أحمد الشايقي | 01-04-05, 05:28 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | ابو جهينة | 01-04-05, 05:32 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | Elmosley | 01-04-05, 05:35 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | عبد المنعم سيد احمد | 01-04-05, 08:42 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | osly2 | 01-04-05, 09:00 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | Dr. Moiz Bakhiet | 01-04-05, 09:14 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | محمد أبوجودة | 01-04-05, 11:06 PM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | benyya | 01-04-05, 11:09 PM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | Muna Khugali | 01-05-05, 02:40 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | فتحي الصديق | 01-05-05, 02:53 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | خضر حسين خليل | 01-05-05, 02:47 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | خضر عطا المنان | 01-05-05, 06:32 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | Suad I. Ahmed | 01-05-05, 06:26 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | bayan | 01-05-05, 06:40 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | luai | 01-05-05, 06:45 AM |
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها, رواية-محاولة لشكل جديد | فتحي الصديق | 01-05-05, 09:51 AM |
|
|
|