|
في السودان شيخوخة سياسية.. بقلم أحمد الربعي
|
أطول حرب .. أطول مفاوضات أحمد الربعي
لم تشهد الكرة الأرضية حربا أهلية بطول الحرب السودانية.. فالبداية كانت قبل ستين عاما بالتمام والكمال. ولا يعرف احد اطلاقا حجم الضحايا في الارواح وعدد الجرحى والمشردين في تلك الحرب المنسية. السودانيون كانوا دائما يتحاربون ويتفاوضون، وأصبح هناك تقليد معروف، وهو ان الاطراف تتفاوض بهدف إفشال المفاوضات، ولذلك لم تنجح تلك المفاوضات سوى بعقد هدنات لم تدم طويلا. وارتبط اسم كل زعماء السودانيين دون استثناء بالمفاوضات أو في اعلان الرغبة بالمفاوضات ، من نميري حتى حسن البشير، مرورا بالميرغني والترابي وغيرهما، وفي كل مرة كانت المفاوضات تفشل والحرب تستمر. التوقيع الجديد للسلام بين الحكومة السودانية وحركة قرنج يدفعنا الى تفاؤل جدي. ولكنه تفاؤل حذر. فلقد تم انجاز مشكلات المصطلحات والوثائق والاتفاق على صيغ النصوص، ولكن الطريق ما زال طويلا لحل مشكلة النفوس. والسلام كما يقولون يبدأ بالعقول والقلوب، واذا لم تكن هناك نية صادقة لانقاذ السودان ورغبة حقيقية في السلام فلن يحدث شيئا. واذا استمرت انانية الزعماء والاحزاب وحبهم لانفسهم ومصالحهم على حساب شعوبهم. واذا لم يدفع السودان بجيل جديد لادارة المجتمع، فهناك خطر حقيقي للعودة الى نقطة الصفر. في السودان حالة من الشيخوخة السياسية المخيفة. وصحيح ان هناك حالة شيخوخة مشابهة في عدد من الدول العربية. لكن مشكلة السودان اكثر تعقيدا. فهناك جيل من كبار السن اختلفوا وتصارعوا واداروا الحرب، وهناك شكوك بأن هذا الجيل يستطيع ان يدير السلام. وبالتأكيد ليس هناك اسهل من الحرب والتدمير. وليس هناك اصعب من البناء والتنمية. وهناك في نفوس القادة السودانيين ضد بعضهم البعض الشيء الكثير. سنطلب المستحيل لو طالبنا القيادات السودانية التي شاخت في الحكومة وفي الحركة الشعبية بالاستقالة، لكننا نطمح على الاقل في تغيير العقلية المحاربة والمستفزة واستبدالها بعقلية وطنية سودانية مسالمة.
(الشرق الأوسط اللندنية) * أحمد الربعي / كاتب كويتي
|
|
|
|
|
|