|
|
 أين الجهاد ضد التسونامي؟ مقال جدير بالقراءة
|
أين الجهاد ضد التسونامي؟
منى الطحاوي
انتظرت شريطا لأسامة بن لادن ، وقد مضى الآن أسبوع على الزلزال التسونامي، الذي تعرضت له آسيا، وقتل أكثر من 125 ألف شخص، وترك ملايين من الناس بلا مأوى وعرضة للأمراض، في أسوأ كارثة طبيعية منذ 1900.
ولكن لم يظهر شريط لأسامة بن لادن، بالرغم من حقيقة أنه خلال السنة الماضية كان يتصرف وكأنه زعيم غير منتخب، يعرض وجهة نظره بخصوص الأحداث العالمية، ويعلق على القضايا الإسلامية، ففي شهر أبريل عرض الهدنة على الأوروبيين بشرط سحب قواتهم من الدول الإسلامية، وفي شهر مايو، دعا للجهاد ضد قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة في العراق، وأي شخص يتعاون معهم، وفي نهاية شهر أكتوبر، وقبل أيام من الانتخابات الأميركية، قال للأميركيين إن جورج بوش خدعهم، وإن الولايات المتحدة ستشهد المزيد من الهجمات مثل 11 سبتمبر.
وكان لديه الكثير لقوله في شهر ديسمبر، بحيث أنه أصدر شريطين، ففي 16 ديسمبر بارك بن لادن المجموعة التي اقتحمت القنصلية الأميركية في جدة، وفي آخر شريط له في 27 ديسمبر، حث العراقيين على مقاطعة الانتخابات البرلمانية في الشهر الحالي، وقال إن أي شخص يشارك فيها يصبح «كافرا»، وفي آخر شرائطه، امتدح الهجمات التي يشنها الزرقاوي، حليف «القاعدة»، بل انه وجد من الوقت ما يسمح له بوصف مرشح الرئاسة الفلسطيني الرئيسي محمود عباس، بأنه «مرتد»، ويدين الانتخابات القادمة باعتبارها تجديفا.
لذا، وفي وسط هذه الصورة الجديدة التي يصدر فيها البيانات، ويقدم النصائح بدلا من التحذيرات والتعهدات بشن هجمات، أشعر بالدهشة من أن أسامة بن لادن لم يقل لنا حتى الآن رأيه في المأساة التي تعرضت لها آسيا، فصمته هذا أكثر إثارة للدهشة، إذا وضعنا في الاعتبار أن البلاد التي لحق بها أكبر ضرر من جراء الزلازال، كانت إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، فقد لقي أكثر من 80 ألف نسمة حتفهم هناك، كما مات آلاف من المسلمين في سري لانكا والمالديف وماليزيا، ولا يزال أسامة صامتا.
بعد ضرب الزلزال تسونامي لجنوب وجنوب شرقي آسيا، بثت فضائية «الجزيرة» مقاطع من تسجيل أسامة بن لادن الأخير، قال فيه: «الجهاد في العراق واجب وتجنبه غير مقبول، استفيدوا من هذه الفرصة النادرة للقيام بهذا الواجب العظيم... وأولئك الذين يرفضون القيام بذلك يرتكبون أكبر المعاصي». تخيل، فبدلا من ذكر العراق كان الأحرى به أن يتذكر وضع إندونيسيا، وتخيل لو أنه استخدم كلمة «الجهاد» لإعادة الإعمار والبناء، بدلا من القتل والتدمير. لا عليك، لأن ذلك يتطلب قدرا كبيرا من المخيلة لتحقيق ذلك، فـ«القاعدة» وحلفاؤها لا يؤمنون بإعادة الإعمار والبناء، وهذا هو السبب وراء المعاناة الضخمة التي ترتب عنها وقوع زلزال تسونامي، وتلك أوضاع ستكشفهم أكثر فأكثر لتجعل منهم مجرد انتهازيين سياسيين، فإندونيسيا، ومثل أي بلد من جنوب شرقي آسيا، كانت موضع اهتمام القاعدة، باعتبارها فقط موقعا يمكن لها أن تكسب فيه مقاتلين وتوظيفهم للقتل والتدمير.
وقد نفذت «القاعدة» مع حلفائها العديد من الهجمات في إندونيسيا، وأوقعت نتيجة لذلك العديد من القتلى بين الإندونيسيين والأجانب، فالتفجير خارج سفارة استراليا في سبتمبر الماضي بجاكارتا، أدى لمقتل 10 إندونيسيين=، فيما أدى تفجير فندق ماريوت بجاكارتا عام 2003 لقتل 12 شخصا. وكذلك كانوا وراء التفجيرات التي وقعت في بالي عام 2002 والتي أدت إلى قتل 202 شخصا. وخلال محاكمة المتهمين بتفجير فندق ماريوت، قالوا إن أسامة بن لادن وراء عملياتهم. والسؤال: وهل من الممكن أن يلهم أسامة أي شخص للتفكير أو الشروع في إعادة البناء بدلا من تدمير اندونيسيا؟ ولأنه قد قال في نوفمبر 2002 إن تفجيرات بالي مبررة، فهل ستكون أنباء المعاناة الحالية في إندونيسيا ملهمة له لتشجيع المسلمين على تقديم المساعدة لذلك البلد الإسلامي؟
ونفس السؤال موجه لرجال الدين والشيوخ الذين سارعوا إلى إعلان الجهاد في العراق، فأين هي بياناتهم حول وجوب مساعدة المسلمين ضحايا مد تسونامي الزلزالي.
وإلى ذلك، وإذا كان للشباب من المسلمين الذين لبوا نداءاتأاسامة بن لادن وشيوخ الجهاد بالتوجه إلى العراق، فسيعودون لبلدانهم وهم أكثر تطرفا ورغبة في المزيد من العنف، لأن تلك كانت نتيجة تجربة أفغانستان.
تخيلوا أن أسامة بن لادن وشيوخ الجهاد شجعوا الشباب المسلم على التوجه إلى إندونيسيا لإعادة تشييد القرى التي دمرتها الكارثة الأخيرة، وإلى سري لانكا والمالديف لتقديم المساعدة للمتضررين، تخيلوا أن أسامة بن لادن وشيوخ الجهاد شجعوا هؤلاء الشباب لفعل ذلك من منطق أنهم يساعدون بشرا آخرين بدافع الانسانية، وليس بغرض تجنيد مقاتلين مستقبلا، ترى، ما هي الدروس التي كان من الممكن أن يستخلصها هؤلاء من تجربة التطوع في هذا العمل الإنساني، ألن يكونوا أكثر رغبة في المساعدة والبناء والتطوع في مساعدة شعوبهم وإعادة بناء بلدهم بدلا عن التشوق للموت والعنف؟
من المستحيل وصف المأساة التي ضربت إندونيسيا ووصلت حتى الصومال، بالكلمات فقط، فثلث ضحايا هذه الكارثة من الاطفال ـ مستقبل القارة الآسيوية. ومن الصعب قياس مدى وعمق الحزن الذي يشعر به الآباء والأمهات وهم يدفنون أطفالهم، ومن المستحيل تقدير الأضرار الواقعة على الآباء وهم يشاهدون أطفالهم يبتلعهم البحر.
من المهم بالطبع وصول عمال الإغاثة إلى الناجين من الكارثة، كما من المهم أيضا منع انتشار الأوبئة والعمل على المدى الطويل لتلافي مختلف أنواع الأضرار المترتبة على هذه المأساة، لتصبح عمليات إعادة بناء القرى التي جرفها المد الزلزالي أسبقية، ولا يجب أن ننسى بالطبع أهمية مساعدة الناجين في التخلص من الآثار النفسية للكارثة.
والسؤال للمرة الأخيرة: ترى، ما هو رد فعل أسامة بن لادن وشيوخ الجهاد على هذه المأساة؟
(الشرق الأوسط)
|
|
 
|
|
|
|
عمران حسن صالح
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست