تبقى العديد من الأحداث عالقة بالأذهان برغم تقادم السنون- ولا تحتاج إلى كثير جهد وعناء لإسترجاع التفاصيل خصوصآ إن كانت مرتبطة بمرحلة الطفولة وما يصاحب ذاكرتها من نقاء وصفاء يستوعب الكثير من الأحداث فتفسح له الذكريات فسحة للمكوث والجلوس القرفصاء في معيتها. في زمنآ مضى كانت (البرينسه) هي الوسيلة التي يستخدمها سكان العاصمة المثلثة في ترحالهم بين المدن الثلاث. البرينسه هي عبارة عن (بوكس هايلوكس) يوضع له صندوق مغطى في مؤخرة البوكس ويوضع عدد (لوحين) من الخشب متقابلين يجلس فيهما الركاب- ودائمآ ما تكون تلك الألواح مغطاة ب (مشمع) أزرق اللون في دلالة على تفوق (الهلال) حتى في لون الجلوس هههههه وإن كان لا يخلو بعضها من اللون الأحمر. وتتكون هذه المنظومة من السائق وكمساري يقف على (سلم) البوكس يقوم بتحصيل (المدفوعات) ويقوم بتنبيه السائق حين ينوي أحدهم أو إحداهن النزول في محطة ما- وسيلة التنبيه هي عبارة عن (حصحاصة) يتم النقر بها على الحديد الذي يشكل هيكل الصندوق- فيتوقف السائق وفقآ لتلك الضربات (الحصحاصية)- سأعود لك مرة اخرى عزيزي القارئ الى هذه الجزئية (جزئية التوقف)- ولكن دعني أوصف لك الوضع في (ميدان- ملعب الجهاد- الشعبية بحري) – يكون الأطفال متجمعون ويلعبون في مرمى واحد –تحديدآ المرمى المقابل مباشرة لشارع المدارس وهو الشارع الذي تسلكه (البرينسه)- تجويف تلك (المواسير) التي تشكل المرمى (القون) يصدر صوتآ مشابه لصوت (حصحاصة) الكمساري لسائق البرينسه يلمح أحدهم البرينسه آتيه من إتجاه (عمارة طلب) وبمجرد مرورها بالقرب من المرمى يقوم أحد الأطفال بالنقر على (قائم) المرمى بصورة مشابهة للكمساري – فتتوقف البرينسه لبرهة- وينتظر السائق ان ينقر الكمساري مرة اخرى للتحرك – لكن لاشئ- وهنا يبدأ السائق بالصياح على الكمساري وتبدأ مشادة بينهما ينتصر فيها السائق (بالتأكيد) ليتحرك بعدها – فيبدا الأطفال بالضحك على الموقف. ومرة اخرى يتكرر الموقف- ولكن في مرة من المرات إكتشف السائق هذه الخدعة فنزل من البرينسه ومعه الكمساري وبدأوا في الجري نحو الأطفال – وبدلآ من أن يجري الأطفال نحو الشعبية – توجهو نحو الدناقلة عبر ملعب الجهاد والصداقة – الأطفال سريعون جدآ ولكن السائق يتملكه التعب – والكمساري يتمتع بلياقة بدنيه عاليه فيواصل الجري الى ان يجد نفسه وحيدآ بين اطفال تتراوح اعمارهم بين العاشرة والثالثة عشر- العدد هنا في مصلحة الاطفال- فيتحدوا ضد الكمساري – لتبدأ بعدها مطاردة عكسية ههههههه- يحاول الكمساري اللحاق بالبرينسه والإحتماء بالسائق الذي لازال يلهث من هذا الركض العجيب- وخلال هذا الجري ينال الكمساري المكسين ضربات بعضها باليد المقفولة (أم دلدوم) وبعضها باليد المفتوحة – كمية من الاطفال يفوق عددهم الإثني عشر طفلآ يركضون خلف الكمساري – والسائق يراقب من على البعد ولاتقوى قدماه على التحرك مع أنفاسه المتلاحقة- ويتابع الركاب هذا الموقف بشغف كبير- بعضهم ينزل ويتناول كوز موية (باااارد) من سبيل (أزياره) تنام تحت ظلال شجرة "نيم" ظليلة" والبعض الأخر يطلع كيس التمباك ويخت ليه (سفة- دقار لوري)- والبعض الآخر يشعل سيجارة وتقبع النساء داخل البرينسه ويتابعون هذا الفيلم المجاني. فجأة يظهر أحد كبار السن من الحي الشعبي وينهر نهرة مجلجلة بصوت جهوري يا أولاد – فيتوقف الكل عن الركض خلف الكمساري الذي يصل سالمآ الى (البرينسه) بعد ان تلقى العديد من (اللبعات) هههههه. يركب السائق ويتحرك مبتعدآ- وهكذا كل فترة واخراها يتكرر هذا الموقف – إلى أن إبتكر السائقين والكمساري (جرس) موصول بالقرب من كابينة السائق – كل ما على الكمساري هو شد الحبل الواصل بين الصندوق وكابينة السائق. داخل البرينسه تكون هناك العديد من المواقف-بعضها محرج وبعضها مضحك للحد البعيد- فيحكي أحدهم أن إحداهن أتت وهي تنتظر وصول البرينسه في اخر محطة للشعبية- وكانت ترتدي فستان قصير الى حد ما- وما ان ركبت البرينسه وجلست حتى بدأ ذلك الفستان في (الإنكماش) وبدت رجليها تبرزان في مواجهة (الكنبة) الأخرى والتي تعج بالرجال - فبدأت بالجر نحو الأسفل إلا أن الفستان أعلن عصيانه ورفض ان يتمدد- وفي الجهة المقابلة لها مباشرة كان يجلس رجل كبير في العمر ويتابع لهذا العراك (الفستاني) فما كان منه الا ان قال لها (تجرجري فيهو لي شنو- انت لابساهو قصير من بيتكم لي شنو ) فإنفجر الركاب ضاحكين فأحمر وجه الفتاة ثم إصفر ثم إزرق – (مافي لون تاني اقولو ليكم) – بدت عليها علامات الحرج البالغ- لكنها سكتت ولم تتفوه بكلمة- حادثة أخرى مع البرينسه وهي ان احدهم إشترى (الخضار) من سوق بحري ومع الخضار إشترى (ديك)- إنتظر صاحبنا وصول البرينسه ووجد مقعدآ كي يجلس – الا ان المشكلة كانت في (الديك) وليست في الخضار- الساعة الداخلية للديك لم تكن (مزبوطه) فبدأ الصياح بمجرد الركوب وواصل صياحه مع الهواء المتخلل فتحات البرينسه – بدأ الركاب يتبرمون من هذا الموقف وظهرت عليهم علامات الضيق- صاحب الديك يحاول جاهدآ ان يجعله يصمت ولكن لا جدوى- حتى تحدثت إحداهن: ياخي ما ممكن لكن صاحب الديك : شنو؟ إحدى الراكبات: ياخي سكتو. صاحب الديك: اسكتو كيف يعني- اديهو بزازة ولا شنو؟ يتحدث احد الركاب: ياخي انت ما ترد على الناس كويس ياخي- ديكك ده كرهنا البرينسه. صاحب الديك: انزل اذا ما عاجبك. كل هذا والديك يرفض السكوت بل ويعلو صوته كلما علا صوت (المسجل) و (زيدان) يغني "لو احبك أنا عمري كلو". وصلت البرينسه (سعد قشرة) والكل يترقب نزول (الديك) " اقصد صاحب الديك" ههههههه- ولكن لا مجال فالرجل مواصل في الرحلة- لتصل البرينسه الى المؤسسه – وبرضو- زولنا مواصل- والديك في صياحه العجيب- حتى وصلت البرينسه الى (مركز صحي الشعبيه) فنزل احد الركاب- ومع نزوله قال محدثآ صاحب الديك- دخل (ديكك) المركز واعمل ليهو تطعيم- رد صاحب الديك: تطعيم شنو؟ قال ليهو- تطعيم كواريك فإنفجر الركاب ضاحكين- ويشعر صاحب الديك بحرج بالغ – والديك(لسه ) مواصل صياحه- وبعد فترة نزل صاحب الديك و(ديكه) المزعج -الغريب انه بمجرد نزوله من البرينسه سكت الديك ولم يسمع صوته حتى توارى عن الانظار ههههههههههه. ابناء هذا الجيل لم (يمتطوا) البرينسه ولم يستمتعوا ب (الداندرمة) – كثير من التفاصيل غابت عنهم بروعتها ورونقها العجيب- نطالب بعودة البرينسه ولكن بدون (ديوك) هههههههه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الشيخ سيد أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست