عاد شيخ العرب الشاعر الفطحل الحاردلو إلى رفاعة بعد أن أطلق ود تورشين سراحة. رجع الزعيم مملوءاً حسرة وألماً بعد المهانة التي ألحقها به الخليفة ، متمنياً زول ملكه. وأصبح شيخ العرب بعدها شديد الحساسية ، يألم لتنمر من ظنهم أقل قامة من المهدي وأدنى منه هو مقاماً : كان للمهدي الكبير ولداً قدل في عِزّة حت ود البصير سوانا في ............ وزة وكما أعلم وتعلمون يميل الزعماء والقادة لسماع الأخبار السارة ، ويكرهون سماع السيئ منها وإن كان حقيقياً. ولعل " ممسوخاً " كذاباً كان يعلم أن شيخ العرب يضيق ذرعاً بالخليفة ، فكان يأتيه ويدعي أنه جاء من أمدرمان وتركها تغلي حنقاً وبغضاً للخليفة وأنه علم أن " التُرُك جايين عليه " وقالوا الحبش " حتى هم جايين عليه " ، وكان شيخ العرب ود اب سن يطرب لمثل هذه الأخبار ويكرم وفادة هذا " الممسوخ " تبسماً وطعاماً ويجزل له العطاء مالاً. واستمرأ هذا الكذاب الأمر فكان لا يمكث إسبوعاً إلا ويجيئ لشيخ العرب بمثل ما جاء به أولاً ، ويلقى من الزعيم مثلماً ما يلقى من عطاء في كل مرة. ضاق الذين حول الحاردلو بكذب الرجل ، فقالوا له يا شيخ العرب إن هذا الرجل لم ير أمدرمان التي يزعم أنها تغلي حُنقاً على الخليفة وأن كل ما يقوله كذب وإختلاق . أجابهم شيخ العرب بكل برود " خابرو عِلّا كلامو حلو " !!!!! وهكذا يظل القادة في كل الأعصر .وعلى تفاوتٍ بينهم ، فمنهم من يسره بعض كذب خفيف " كمخدرٍ موضعي " موقوت الأثر ، ومنهم من يهلكه كذاب بجرعات تخدير كامل كما فعل طه الحسين مع البشير . حتماً كان البشير ذكياً ، وإلا ما استطاع ان يحكم بلداً تنهشه الصراعات ويكيد له أبناؤه أكثر من كيد أعدائه ، وتتقاتل قبائله ويتآمر ساسته. وهو في هموم حكمه آخر عهده كان حتماً يحتاج لمن يأتيه بالاخبار السارة و" يعصر " له رجليه إذا غيّر ركبه ويقول له إنه بمثابة أبيه . وكان طه يقوم بهذا ، ولم يكن البشير يشك أن هذا كذب . وحجب عنه طه كل ناصح أمين ،ويخفى عنه عظائم الأمور بشتى الحيل ، وكان حريصاً أن يملأ برنامجه بتوافه الأمور يزينها له ، حتى غدت شهادته في عقد زواج ، او تقديمه لعزاء مقدمه في برنامج يعده طه على ما هو أولى . وكان إذا بلغه أن فلاناً سيستوزر سارع فأسرها له مع الإيحاء أنه من إقترح إسمه وأنه يبذل جهداً كبيراً لينعم السودان بخبرات الرجل ، فاذا أعلن اسم الوزير ظل له طيعاً . أما من جادله أو لم يرق له فكان يختلق كل كريهة ليبعده عن البشير ، وأخذ طه يسرق لسان البشير فتمكّن أيّما تمكّن !!! يبدو أننا كلنا نقبل الكاذبين ، ونقبل بما يقول الكاذب ثم نقول " خابرو عِلّا كلامو حلو " . طبقتها قحت بقيادة الحزب الشيوعي تحت شعار " حرية سلام وعدالة " فهل ثمة ما هو أحلى من هذا ؟؟؟!!!! ومنونا الأماني بأن الحقول ستشتعل قمحاً ووعداً وتمني ، "والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي" وهتف لنا أشقاها وجدي صالح اننا سنجني من الذهب 17 مليار دولار لنشتري المنّ والسلوى ثم " نشتت " 6 مليار دولار لنعبث بها أنّى شئنا. فقال كل منا " خابرو عِلّا كلامو حلو " . ثم صدقنا قول الكذاب الأشر إذ قال " حنبنيهو ". ضلالنا وولعنا بالكذابين قديم وربما من يوم رقصنا مع شاعرنا حين قال " كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل " . يومها لم نقل " إن أعذب الشعر أكذبه " ، فقد انتشينا ورقصنا ولا نزال نرقص . أتراها انطبقت علينا عنصرية العلامة ابن خلدون حين قال عنا : " والزنج أهل طيشٍ وطربٍ وخفة عقل " لم نتعظ بفرية " جبهة الهيئات " التي بنيت على لافتات الدجل حتى غدت فيها " نقابة المكوجية " التى كان فيها 13 عضواً في كل السودان عام 1964 لكنها حكمتنا . فجاءتنا " قوى الحرية والتغيير " تحت لافتات أشد نُكرا ، ومنها منظمة " القضارف حبيبتي " ، التي لم يرها ولم يسمع بها أحد من العالمين!!! ثم استخفّ بنا الكذابون فبعثوا محمد عصمت أشدهم في الكذب عتوّاً " فبشرنا " أن للكيزان 64 مليار دولار في ماليزيا ، وصدقنا . وأصدرت قيادة الكذب المركزية قائمة فيها 182 مليار دولار حوت حتى أموات الكيزان فصدقنا. فكل هذا كلام حلو. قيل لنا أن إنجازات الثورة أننا اسقطنا الكيزان. ثم قيل لنا " الجوع ولا الكيزان " , وها نحن الآن جعنا . سألناهم عن السبب فقيل لنا " الكيزان لسة قاعدين " !!! أتُرانا سنصدق !!!!!!
دكتور ياسر أبّشر فيرجينيا - 14 فبراير 2021
02-16-2021, 09:46 AM
عمر التاج
عمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 3422
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة