أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد.. أما القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة. ويجب التمييز بين حياة محمد، وحديث محمد.. فأما حياته فهي السمت الذي لزمه في عاداته، وفي عباداته، من لدن بعثه، وإلى أن لحق بربه.. وأما حديثه فضربان، فما كان منه متعلقاً بسمت حياته في عاداته، وفي عباداته، فهو منها، ولاحق بها.. وما كان منه مراداً به إلى تنظيم حياة الجماعة التي بعث فيها، فهو لم يصدر عنه إلا باعتباره إمام المسلمين، يشرع لهم من الدين ما يلائم حاجتهم الحاضرة، وما يستقيم مع مستواهم العقلي، والمادي والاجتماعي.. ولو قد فعل غير ذلك لشق عليهم، ولأعنتهم، ولأرهقهم إرهاقاً.. وما قام من تشريع حول حياة محمد فهو ليس بالشريعة الإسلامية، وإنما هو سنة النبي، وهو لا يزال صالحاً، في جملته وفي تفصيله، لأن النفس البشرية لا تزال، في وقتنا الحاضر بحاجة إليه، ولم تشب عن طوقه. وما قام من تشريع حول حديث محمد "الذي أراد به إلى تنظيم حياة الجماعة" فهو الشريعة الإسلامية، وهو خاضع لسنة التطور ـ سنة الدثور، والتجديد ـ لأن المجموعة البشرية قد ترقت أكثر مما ترقت النفس البشرية، وقد استجدت لها أمور تحتاج إلى تشريع جديد، يستوعبها، ويحيط بها جميعاً.. هذا التشريع موجود في القرآن، ولكنه مكنون، مصون، مضنون به على غير أهله.. فمن سره أن يكون من أهله فليقلد محمداً في منهاج حياته، تقليداً واعياً، مع الثقة التامة بأنه قد أسلم نفسه إلى إرادة هادية، تجعل حياته مطابقة لروح القرآن، وشخصيته متأثرة بشخصية أعظم رجل، وتعيد وحدة الفكر، والعمل، في وجوده ووعيه كليهما، وتخلق من ذاته المادية، وذاته الروحية كلاً واحداً، متسقاً، قادراً عل التوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة.. أمران مقترنان: القرآن، وحياة محمد، هما السر في أمرين مقترنين: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين..
محمود محمد طه نشرت في صحيفة عام 1954 وأعيد نشرها في كتاب "أسئلة وأجوبة الجزء الثاني"
العنوان
الكاتب
Date
الأستاذ محمود محمد طه: أمران مقترنان، القرآن وحياة محمد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة