على هذا الجيل الذي أدهشنا بعزيمته وصبره على الشدائد وعُلو إيمانه بالديموقراطية والدولة المدنية ، أن يعلم علم اليقين أن لا ديموقراطية ولا مدنية يمكن أن ترى النور في أرض الواقع بدون أحزاب ، كما عليهم أن يعوا وهُم من باتوا يعلِّموننا اليوم أُسس الوعي والقُدرة على التحليل الجيِّد والإستثنائي للوقائع والأحداث أن كل الداعين من داخلهم أو خارجهم إلى مُعاداة الأحزاب ومُقارعتها مثل ما نقارع الأنظمة الشمولية والإنقلابيين ومن ثم إخراجها كلياً من المشهد السياسي ، إنما يدعونهم من وراء ستار إلى مناطحة جبلٍ من صخرٍ صلد ، ويُبحرُ بهم خِلسةً في يباب المستحيل.
لأن الديموقراطية والمدنية في الأصل هي نظام سياسي ودستوري وقانوني يستهدف تنظيم وحوكمة الصراع الحزبي في الدولة ، وتحت شعار (تأمين التداوُّل السلمي للسلطة) ، فالمعركة الحالية التي حدَّدت فيها الظروف والأحداث (العدو الحقيقي) للثورة ، يجب أن نعلم أن أهم أدوات الإنتصار فيها هي ذات الأحزاب التي لنا عليها جميعاً الكثير من المآخذ ولكن علينا أن ندعو ونعمل على إصلاحها من الداخل أو ننافسها بإنشاء أحزاب جديدة تُلبي تطلُّعاتنا ، وللحقيقة فإن الأحزاب التي تشارك اليوم في المليونيات وتنحاز إلى شعار (لا شراكة ولا تفاوض ولا شرعية) عبر منظومة قوى الحرية والتغيير ، مُبرئة تماماً من وجهة نظري من إتهام الفلول لها بأنها تسعى إلى مُحاصصة مناصب ، لأن مشاركتهم في الحكومة الإنتقالية المُنقلب عليها كانت بأمر الوثيقة الدستورية والتعديلات التي فرضتها إتفاقية جوبا للسلام ، والدليل على ذلك أن ذات هذه الأحزاب كانت قد أعلنت عدم مشاركتها في الحكومة الإنتقالية الأولى وإلتزمت بوعدها وقامت بدور حاضنة سياسية مستقلة عن الحكومة التنفيذية وإكتفت فقط بمراقبة وتوجية برنامج الإنتقال الديموقراطي الذي تنفذه الحكومة.
الأحزاب والتظيمات والحركات التي يجب تصنيفها في قائمة أعداء الثورة مع الإنقلابيين هي تلك الحركات التي تماهت مع الإنقلاب وآثرت عدم الدخول في (ورطة) المُجازفة بمقعد السلطة ، ومعها حزب المؤتمر الوطني المحلول وبقية الأحزاب التي تدنَّست بالمشاركة والإئتلاف معهُ ، حين خاضت برفقته في مستنقعات الفساد الإنقاذي الآسن ، أما البقية وبما فيهم حزب الأمة القومي الذي على ما يبدو (تردَّد) في البداية عبر مبرِّرات كثيرة لن نجتهد في تحليلها ، لكنه في نهاية الأمر إنحاز للشارع وقال كلمته الأخيرة الواضحة والبيَّنة بلا لبس ولا غموض.
على شاباتنا وشبابنا المناضلين في لجان المقامة ، أن لا يفوِّتوا (فرصةً) للتلاحم والتوادُّد مع المُساندين والداعمين لثورتهم ومطالبها المُستحقة ، فالغلبةُ في الكثرة وأن شاب بواطنها الإختلافات والصراعات المؤجَّلة ، وقديماً قال المثل السوداني (أنا وأخوي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب) ، أما بعد الإنتصار وتحقيق مطالب الثورة وشعاراتها يمكن أن يُفتح باب الإختلافات الفرعية عبر حوكمة القوانين واللوائح والأعراف والإنتخابات ، أما مشاركة الأحزاب في الحكومة المدنية المُرتقبة بعد هزيمة الإنقلاب فهي وحسب قراءتي للرؤى التي تُعلنها حالياً قوى الحرية والتغيير ، لا تشير أبداً من بعيدٍ أو قريب إلى رغبتهم في التواجد في الحكومة المدنية التنفيذية المُرتقبة ، وهذا بالطبع يحقِّق المطلب الإستراتيجي للثوار والمُتمثِّل في شعار (حكومة تكنوقراط مدنية خالصة).
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 12/25/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة