قال شيشرون قبل ألفي عام نقلاً عن أوغسطين: "ﻓﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﻮﺍﻣﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺇﻻ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﻭﻏﺴﻄﻴﻦ ﻋﺼﺎﺑﺔ ﻣﺴﻠﺤﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺗﺴﻠﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﺒﺮ ﻧﻄﺎﻕ ﻣﻤﻜﻦ". لذلك فالسودان لم يكن يوما دولة بل شبه دولة، تنازعت السيطرة عليها عصابات بسلاح أو عبر سلاح، ولا روابط بين شتات شعوبها شرقاً وغرباَ، شمالاً وجنوباً، إذ لم تحظ طوال تاريخها بحضارة شاملة متماسكة، ولم تخض وعيا جمعياً مشتركاً، ولهذا فلا بد من أن تنقسم إلى دويلات صغيرة، حسب الروابط المعنوية في كل القطيع. وشيشرون يقول بنظريتي -ولكن بشكل آخر- إذ أنني أرى أن الروابط الطبيعية (الإثنية والأسرية) أكثر قوة في تحقيق مصالح الجماعة أكثر من الروابط المصطنعة (دموقراطية ومنظمات حزبية)، ولذلك فليس أفضل من أنظمة الحكم العشائرية في المجتمعات التي لم تحظ بحضارة تصهر داخل تنورها كل المكونات المتنافرة المتباينة. إن بقاءنا مع بعضنا بالقوة لا يجدي ولن يجدي، إذ لا سيطرة مركزية مقبولة من الكافة، تستمد قوتها من رابط معنوي أو قمع دموي، فالدولة بلا سيطرة مركزية ليست أكثر من عصابات كما قال شيشرون. وهي عصابات لن تهدأ أبداً.
عناوين مقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم السبت الموافق 19/9/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة