كتبت في عام 2014م مقالة بعنوان :[ أحلام قبل الرحيل الأبدي] جاء فيها :- (( لا بد من الديمقراطية الليبرالية مهما طال الزمن و تعثر التطبيق..إنها أم أحلام جيلنا الذي تسربت الديمقراطية من بين أياديه ثلاث مرات ، و بقي عاجزاً عن الإمساك بها ، و المحافظة عليها ، و الدفع بها إلى الأجيال الصاعدة .. إني أحلم بعودة الديمقراطية و ثباتها تحت ظل نظام سياسي يتعايش بواقعية مع قوى العالم السياسية و الإقتصادية التي أوقعنا التناطح معها في مهالك و ضيق شبعنا منه..فالتصالح بكرامة مع {الولايات المتحدة الأمريكية} ضرورة في الحاضر و المستقبل المرئي ، و هو مفتاح ما نحلم به من تنمية و رغد عيش لشعب عظيم جدير بحياة أفضل و بمستقبل أزهر.. كفانا إدعاءً بإستقلالية عرجاء أمام نظام عالمي يتطلب التفاهم و التعاون في المصالح ، و ليس التناطح غير المنتج.)) تم نشر ذلك قبل سبع سنوات و الإنقاذ في قمة بطشها و تمكينها..و شاءت إرادة الله ان تقول لثورة ديسمبر المجيدة كوني فجاءت في كامل بهائها بعزم شباب و شابات إسترخصوا حياتهم، و قدموا أرتالاً من الشهداء، في ثورة سلمية أدهشت العالم و لا تزال تدهشه...و حدث التغيير و عادت الديمقراطية، و لو أن بها عَرَج عسكري أملته ظروف موضوعية، و ربما غفلة سياسية من المفاوضين و مؤسساتهم الحزبية و المدنية التي ظلت لثلاثة عقود تتلقى ضربات موجعة أَثَّرَت دون شك علي مقدراتها التنظيمية و الفكرية و التفاوضية . و خلال فترات الترنح و التعجل التي لازمت ثم أعقبت سقوط النظام، ظهر في الأفق الدكتور عبدالله حمدوك من حيث لا ندري بالضبط حتى الآن ، و أصبح رئيساً لمجلس وزراء الثورة وسط تهليل شعبي غير مسبوق في تاريخ السودان السياسي، و ترحيب عالمي لا يزال يدهشنا حجمه و تناميه. صحيح أن الحياة في السودان أصبحت أكثر بؤساً خلال سنتي حكم د. حمدوك الماضيتين، و المعيشة تكاد تكون مستحيلة، و الرجل أصبح مع مرور الأيام غير عابئ لا بحاضنته السياسية ( ق.ح.ت.) و لا بأي أفكار تخرج من غير ذاته، فاندفع بقوة دفع ذاتية ، أو مستترة ، نحو الولايات المتحدة الأمريكية مستهدفاً إرضاءها ، و حلحلة مسائل إنقاذية عالقة معها ، و التواصل خلالها مع المنظمات المالية العالمية التي تتحكم في إقتصاديات الدول و هي منظمات تسير و تتوقف، و تعطي و تمنع ، بإرادة الأمريكيين ،مباشرة، أو عبر حلفاء دوليين و إقليميين لا يعصون للأمريكيين أمراً و إن يبدو بعضهم أحياناً مشاكسين صورياً ..و الحق يقال إن د. حمدوك نجح إلى درجة كبيرة في ما سعى إليه منفرداً و أصبح السودان الآن يتنفس عالمياً بشكل تدريجي تحت مظلة أمريكية ، فخرج من قائمة الإرهاب و قوائم أخرى معطِّلة ،و أصبحت المؤسسات و الشركات الأمريكية تتسابق نحو السودان بحثاً عن فرص للإستثمار، و أصبحت الخرطوم لا تكاد تخلو من رسميين أمريكيين سياسيين و عسكريين و أمنيين، و من باحثين عن فرص إستثمار.. كما أن الإعلام الصحفي و أجهزة الإتصال المسموعة و المرئية لا تكاد تلحق بالكم الهائل من أخبار لقاءات كبار المسؤولين الأمريكيين و الموظفين الدوليين بالدكتور حمدوك شخصياً مباشرة أو عبر الهواتف و مؤتمرات الفيديو ، أو في رحاب مجلس الوزراء و مواقع أخرى في الخرطوم و غير الخرطوم ، مباشرة أو تحت ستار نشاطات أخرى. إن ما نراه من إنفتاح أمريكي متعدد الأوجه ، و ما وصل إليه من إصدار تشريعات أمريكية خاصة بالسودان ، حكومة و جيشاً و شعباً ، و ما نراه من تأييد سياسي قوي، و من دعم إقتصادي مادي و إستثماري، و ما يبدو للمراقب في الميديا من رفع كُلفة و بساط أحمدي بين كل هؤلاء و الدكتور حمدوك عندما يلتقون مباشرة أو عبر وسائط الإتصال المرئية و المسموعة ، كل ذلك مؤشر قوي إلى أننا قد عَبَرنا إلى الأفق الذي تَطَلَّعَت إليه كلمات أحلامي في الإقتباس أعلاه الذي بدأت به هذه الخاطرة ... لكن بأي ثمن ؟ و إلى أي مدى من ضمانات التطوير و الإستمرارية ؟ لا أظن أن أحداً يدري غير الدكتور حمدوك شخصياً.. و هنا تكمن أيها الأصدقاء الأمريكيون المشكلة التي إستدعت تساؤلي في الكلمات الذي اخترتها عنواناً لهذه المقالة و الذي أظنه تساؤلاً مشروعاً و هو : هل يفهمنا الأمريكيون هذه المرة !!! إن علاقة الأمريكيين بالسودان و السودانيين علاقة قديمة جداً لكنها لم تسر في خط تصاعدي مستمر . لقد كانت تلك العلاقات تبدو دائماً و كأنها ليست مع السودان كدولة ،أو مع حكومة السودان كمؤسسة ، أو مع أهل السودان كأمة ، بل ظلت عبر كل عقود ما بعد الإستقلال تدور حول أفراد يمثلون قيادات سودانية مختارة و لم يهتم الأمريكيون إن كانت تلك القيادات المتعاونة مدنية أم عسكرية ، منتخبة ديمقراطياً أم قادمة علي ظهر دبابة .. و لهذا حدث ما حدث من إضطراب و هبوط و صعود في منحنى العلاقات الشعبية السودانية الأمريكية منذ ما قبل الإستقلال و حتي يوم الناس هذا بدل أن يكون الصعود المستمر هو السائد شعبياً و رسمياً ..و بكل أسف يبدو أن هذا الوضع مستمر في وقتنا الحاضر بشكل يوحي و كأن الأمريكيين لم يستوعبوا بعد أن ثورة ديسمبر المجيدة قد خلقت (شعب غير) ، و قد جاءت لتؤسس لدولة مؤسسات و لتوطيد علاقات متوازنة و خالدة مع شعوب العالم، و لم تأتي لتمجيد أشخاص زائلون، و لا تقبل لأمة السودان أن تُخْتَصَر في شخص واحد ، مهما كانت إمكاناته، و مهما كانت وسيلة إختياره أو درجة إستلطافه .. إن مَن يعملون مع دكتور حمدوك ، مؤسسات و وزراء ، هيئات و مراكز ، إدارات و دوائر ، هم الدولة ، و بالتالي هم المقابلين لرصفائهم الأمريكيين ،و لذلك من الخطأ إقتصار السودان كله في شخص واحد زائل هو حالياً الدكتور حمدوك لتصبح كل الجهات متصلة به هو فقط و في كل كبيرة و صغيرة، و في كل أمر آني أو مستقبلي ، يتشاركون معه الأسرار و الخطط ، كما فعلتم من قبل مع رؤساء وزارات و مجالس قيادة عسكريين و مدنيين سودانيين إنهار بزوالهم ، الطبيعي أو الثوري، كل ما شيدتم من علاقات فوقية ، لتعودوا ، بعد تغير النظام لتحاولوا من جديد مرة أخرى، ربما من الصفر ، و بنفس الاسلوب التركيزي الشخصي ، لتظلوا تدوروا و يدور معكم ،في حلقة مفرغة، أهل السودان أصحاب المصلحة الحقيقية. أفهمونا هذه المرة..تعاملوا معنا كأمة و كمؤسسات ، و تعاونوا مع رصفائكم السودانيين بالتوازي و المباشرة و ليس بالإنابة أو التعالي.. .. إحترموا مؤسساتنا و ليتعامل كل وزير منكم مباشرة مع نظيره، و لتتعامل كل مؤسساتكم السيادية و التنفيذية و الإقتصادية مع نظيراتها مباشرة ليبقى العمل مؤسسياً طويل المدى و لتزداد العلاقات بيننا قوة و توسعاً مع الأيام ، بصرف النظر عن ما يحدث من تغييرات في كابينة القيادة ، و ما يختاره أهل السودان من أنظمة حكم ، و من مجالات تعاون معكم أو مع بقية العالم شعوب.. و يبقى إيماننا القوي و تطلعنا أللامحدود لعلاقات سودانية أمريكية سوية ، متوازنة و خالدة ، تنمو مع الأيام ، دون إرتباط بشخص زائل ..العلاقة بين الشعوب هي الأهم و الأبقى. فقط تذكروا أننا (شعب غير) ، و أننا نريدكم أن تفهمونا هذه المرة. و الله و الوطن من وراء القصد. بروفيسور مهدي أمين التوم 5 أغسطس 2021م [email protected]
العنوان
الكاتب
Date
هل يفهمنا الأمريكيون هذه المرة . بقلم:بروفيسور مهدي أمين التوم
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة